هل الإدارة العالمية تحتاج لإعادة تقييم ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

العنوان أعلاه نحاول أن نركز عليه كإجابة على دراستين منشورتين لنا سابقاً ، هما : الجدلية القانونية للوصاية الأمريكية على العراق ، وهل التنظيم الدولي يواكب القرن الواحد والعشرون ؟

فالدراسة الأولى كانت تثبت عدم الجدوى القانونية للوصاية الأمريكية للعراق ، والدراسة الثانية ركزنا فيها على التنظيم الدولي والعولمة ، ومدى جدوى القوى الإمبريالية الأحادية للعالم ؟

ربما من أقوى التجارب الأمريكية لإعادة إدارة العالم هو التجربة الأمريكية الحديثة ، من حيث الحرب الاستباقية في أفغانستان والعراق 0 فأمر أفغانستان مازال معلقاً ، وتوجد به حكومة سلطتها بالكاد لا تتعدى كابول العاصمة 0 أما العراق    فما زال في حالة فوضى (Anarchy) والدولتين مازالتا تمران في مرحلة سيولة إدارية 0

النقطة الملفتة للنظر هي : إذا فشلت أمريكا في هذه الدول الصغيرة نسبياً العراق وأفغانستان ، وبالإضافة إلى القضية الفلسطينية ، فذلك سوف يجعل مصداقية أمريكا كقوى عظمى تتولى إدارة العالم ، يدور حولها الكثير من الشكوك

دعونا نأخذ القضية العراقية كمثال للآليات التي تعتمد عليها أمريكا في إدارة العالم  0 فوزير الخارجية الأمريكي كولن باول يقول في أواخر سبتمبر 2003م : بأنه ستحدد ستة أشهر مهلة للقادة العراقيين الذين يعملون تحت الاحتلال الأمريكي مجلس الحكم  لصياغة دستور جديد للبلاد 0 طبعاً بالنسبة لنا رفضنا فكرة باول من خلال الدراستين المذكورتين أعلاه ، ومن خلال متابعتنا للصحافة العالمية ، وجدنا بأنه من الصعب تحويل الحلم الأمريكي في العراق إلى واقع ملموس ، وذلك من خلال الآراء التالية :

أولاً : في صحيفة (Financial Times October 8,2003) يقول دومنييك موايسي من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية : 1 تأييد بوش اعتداء شارون على سوريا اثبت عدم نزاهة الوساطة الأمريكية في الشرق الأوسط 2 العراق وفلسطين كل الموضعين ينعكس على الآخر ، فنجاح أمريكا في إحداهما ينعكس على الآخر ، وفشل أمريكا في إحداهما ينعكس على الآخر 3 يركز دومنييك على نقطة سبق أن ذكرناها قبل ثلاثة أشهر تقريباً ، وهي على أمريكا أن تعرف بأن النموذج الألماني والياباني ليس بالضرورة أن ينطبق على العراق ، وكذلك على أمريكا أن تتذكر بأنه يوجد نموذج شرق أوسطي شبيه بالعراق ، وهو الدور الفرنسي الفاشل في الجزائر ، وكارثة الجزائر هو بأن فرنسا خططت للشعب الجزائري دون إشراك الشعب الجزائري في تحقيق مصيره ، والذي حدث سابقاً للجزائر هو الذي يحدث الآن للعراق بواسطة   أمريكا  0

ثانياً : دايفيد بروك من (Herald Tribune October 8,2003) يقول إذا تريد صياغة الدستور العراقي فعليك مراعاة نقاط حساسة جداً وهي : 1 الفيدرالية : هل الإدارة تكون رئاسية مركزية ، أو برلمانية غير مركزية ؟ 2 ما هي الآلية التي سوف يكون عليها الحدود الإدارية والفيدرالية ؟ 3 القضايا الحساسة ، مثل حقوق الأقليات ، ومثل الآلية التي يتم من خلالها تجنيد العسكريين  4 حقوق المرأة ، بمعنى آخر هل أمريكا سوف تتدخل في موضوع تعدد الزوجات ؟ 5 ما هي الآلية التي سوف توزع بها الحصص النفطية بين الشعب العراقي ؟ 6 هل السنة إذا لم يعطوا الدور الكافي سيقومون بلعب دور تخريب وذلك سينعكس على الشيعة والأكراد أيضاً ؟ 7 السؤال المهم هل الشعب العراقي جاهز لإستيعاب الديمقراطية ؟ 0

في الختام يقول السيد بروكس من المستحيلات أن يستطيع مجلس الدستور العراقي أن يجد حلولاً للقضايا المذكورة في ستة شهور  0

الذي قلناه وقالته الصحافة العالمية ، نجد بأن القيادات العراقية تؤمن بنفس التصور ، وبعضها أكثر تشدداً ، فالسيد مرتضى الصدر لم يرفض الدستور فحسب ، بل رفض مجلس الحكم المعين أمريكياً كاملاً 0 أما السيد عبد العزيز الحكيم فيقول : إن الدستور الجديد للبلاد لابد وأن يعده لجنة منتخبة ، وفور صياغته لابد أن تتم الموافقة عليه في استفتاء دستوري عام  الشرق العدد 5588  0 وإبراهيم الجعفري يقول : يفضل انتخاب أعضاء المجلس الدستوري  الحياة العدد 14802  ، والخمسين حزب عراقي المعارضين لمجلس الحكم يقولون : أن التصويت نفسه على الدستور العراقي الذي سيقترح أمر غير شرعي ، لأن التصويت وانتخاب المؤتمر الدستوري سيتمان تحت وطأة احتلال أجنبي وليس بمحض الإرادة العراقية وسيادة الشعب العراقي المفقودة  الحياة العدد 14802  0

إذاً ما فعلته إدارة المحافظين الجدد الأمريكية في الشرق الأوسط والعراق بالتحديد يخالف حتى آراء المؤسسين الأمريكان ، فمبدأ الرئيس الأمريكي ويلسون 1913 – 1921م يقول : إن اعتراف الحكومة الأمريكية بالحكومات الجديدة ، مشروطاً بوصولها إلى الحكم بطرق ديمقراطية ، وما يفعله المحافظين الجدد الآن يخالف ذلك ، حيث يدعون إلى الديمقراطية ، ويتحالفون مع الكثير من الحكومات الغير ديمقراطية في العالم النامي ، وذلك حيث توجد مصلحتهم 0 أما الرئيس الأمريكي ترومان قال في عام 1945م : إن الولايات المتحدة لن توافق على أي تغييرات أو تعديلات إقليمية في أي مكان ، إلا إذا كانت مطابقة لرغبات الشعوب التي يهمها الأمر ، وعلى شرط أن تعبر هذه الشعوب عن رغباتها بحرية 0 وأنها سترفض الاعتراف بأي حكومة تُفرض على أية دولة بمعرفة دولة أجنبية  الحياة العدد 14700  0

ومن هنا عرضنا رأي بعض القيادات العراقية ، وتصور ترومان وويلسون في حق الشعوب لتحقيق مصيرها ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل المحافظين الجدد سيذعنون للمبادئ التي قامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية ؟  0

ما تفعله أمريكا الآن في العالم النامي ليس فقط الدول المحتلة تفقد سيادتها ، بل حتى الدول النامية الحليفة لأمريكا تفقد شروط الاعتراف بها في القانون الدولي العام بحيث القانون يقول : حين تخفض حكومة ما في تأكيد سموها الإقليمي أو تعجز عن صيانة استقلالها السياسي تنتفي عنها صفتها التمثيلية لشعبها ، ولا تعود تعبّر عن مشيئته ، فتفقد الأهلية للاعتراف بها  الحياة العدد 14700  0

المفكر الشهيد نعوم تشومسكي  العولمة ، تشومسكي ص 31  : قال : إن العواقب المتوقعة لانتصار القيم الأمريكية في منظمة التجارة العالمية ستكون :

1- إيجاد وسيلة جذرية من أجل التدخل الأمريكي العميق في الشؤون الداخلية للدول الأخرى 0
2- استيلاء الشركات التي توجد مراكزها الرئيسة في أمريكا على أكثر القطاعات أهمية في الاقتصاديات الأجنبية 0
3- تحويل الأرباح إلى جيوب رجال الأعمال والأغنياء 0
4- تحميل كلفة هذا التحويل على المواطنين العاديين 0
5- إن هذا الانتصار سيكون سلاحاً قوياً محتملاً ضد خطر الديمقراطية 0

المذكور أعلاه هو ما ذكره السيد تشومسكي منذ فترة ، ولكن نتائج فشل العولمة بدأنا نراها الآن أمام جميع المهتمين بهذا الشأن ، وحتى لا نكرر أنفسنا في دراستنا ، هل التنظيم الدولي يواكب القرن الواحد والعشرين ؛ شرحنا ذلك بالتفصيل ، وخلاصة ما ذكرنا بأن العولمة فشلت ويعود ذلك لعدم إيجاد الآلية المناسبة لإدخال فقراء العالم وهم يمثلون ثلث سكان الكوكب تقريباً في الاستفادة من الاستثمارات العالمية الضخمة في القطاعات الاقتصادية المختلفة ، وكذلك بسبب الخلافات المزمنة ما بين أقطاب الاقتصاد العالمي وهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي واليابان ، وتحول المؤتمرات بدلاً من مناقشة قضية تحويل العالم إلى قرية اقتصادية صغيرة إلى متابعة مسلسل حروب الولايات المتحدة ضد الارهاب العالمي بما يسمى بالحرب الاستباقية أو الحرب الاجهاضية ، علماً بأن خصوم أمريكا الآن يمثلون قطاعات خاصة للمقاومة ، ولا يمثلون الشخصيات الاعتبارية للدول ، وذلك مما يجعل حرب أمريكا ضدهم أصعب مما لو كانت تواجه دول بحد ذاتها  0

ما فعلته أمريكا في العالم لن يعرض نظامه الاقتصادي للفشل فحسب ، بل سيعرض الكوكب إلى فوضى إدارية ، وربما ينتهي الأمر إلى حرب عالمية ثالثة ، تؤدي إلى فناء الكوكب 0 فمما قاله الرئيس الروسي بوتين أخيراً : إننا نحتفظ بحقنا في توجيه الضربات الوقائية ، وأن روسيا تمتلك الصواريخ البلاستيتية الاستراتيجية التي مازالت في المستودعات ، وهذه الصواريخ قادرة على الدفاع والردع حتى أواسط القرن الحادي والعشرين  الشرق العدد 5594  0

إذاً أمريكا شنت سابقة خطيرة في القانون الدولي العام ، وربما تتحول إلى تعديل جديد في القانون الدولي تحت ما يسمى بالحرب الاستباقية ، وهذا المصطلح كما أجازته أمريكا لمصلحتها ، فمن حق القوى الأخرى استخدامه مثل : روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا 00 إلخ 0

ونختتم بما قاله باول في المنتدى الاقتصادي العربي الأمريكي الأول : ” من دون تحول الشرق الأوسط ، ستبقى المنطقة مصدراً للعنف والإرهاب ، يغذيها الفقر والقهر واليأس 0 وأضاف لن نعتبر أن عملنا أنجز ما لم ينم كل فرد على أمل بزوغ فجر جديد، وعدم الشعور بالإحباط ”  الشرق العدد 5585  0 ونقول لباول إذا كان ما تقوله ليس بلغة منمقة وطنانة تتسم عادة بالمغالاة وعدم الصدق (Rhetoric) 0 وإنما عقدتم العزم هذه المرة على أن تصادق أفعالكم على أقوالكم ، ومع احترام الجوانب الثقافية للشعوب ، فنعتقد بأن معظم الشعوب الشرق أوسطية من النظرية الجديدة للتنظيم الدولي  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

نقطة الصفر للحرب العالمية الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

شهد العالم في القرن الماضي حربين عالميتين ، مدمرتين بلغت ضحاياهما البشرية ما يزيد على ثمانين مليون نسمة ، ناهيك عن الانهيار المادي والمعنوي الذي أصاب العالم 0 ومن ناحية أخرى فإن التقدم الذي حدث للعالم خلال ذات القرن ، فاق كل حضارات الأرض في الستين مليون سنة المنصرمة التي تعتبر عمر هذا الكوكب تقريباً0

إذاً ما شاهده العالم من مذابح بشرية في القرن العشرين يزيد من ناحية عددية على جميع ضحايا الحروب التي خاضها هذا الكوكب خلال سنوات عمره المنصرمة 0

الآن ونحن على أبواب الحرب العالمية الثالثة ، لابد من أن نطرح هذين السؤالين بشكل موضوعي وشجاع :

1- هل الحرب خير أم شر على البشرية ؟
2- هل نهاية هذا الكوكب ستتم بواسطة أبنائه أم بواسطة قوة من الفضاء ؟

ولنبدأ بإجابة السؤال الثاني : أولاً لقد تصور الفلاسفة القدماء ، وبعض الأديان في العصور الوسطى ، وكذلك العلماء من خلال الثورة العلمية والمعلوماتية الهائلة في العصر الحديث ، بأنه من المتوقع أن يرتطم بهذا الكوكب جسم غريب يؤدي إلى فنائه أو فناء جزء منه ، أو أن يحدث أي اختلال فلكي في مسار الأرض يؤدي إلى اقترابها أو ابتعادها عن الشمس مما سيساهم في فناء الحياة على هذا الكوكب ، وفي العصر الحديث أضيف إلى هذه الفرضيات ، فرضية اختلال النظام البيئي على الأرض والذي سوف يؤدي إلى فناء حيز كبير من الغلاف الجوي على الأرض ، وشبّه البعض ذلك بالعصور الجليدية أو العصور الدفيئة ، ويتوقع أن يتبقى مجموعات بشرية قليلة من سكان هذا الكوكب في جيوب محددة ، وبعد انتهاء الثورة البيئية سيعود هؤلاء إلى إعمار الأرض مرة أخرى 0 وتحسباً لذلك قامت الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة بتخزين أشرطة معلوماتية وخلايا بشرية توضح ما كان عليه العالم قبل الفناء ، وتسجل الحضارة التي تم الوصول إليها ، حتى يكون انطلاقة أبناء الحضارات الجديدة مما وصلنا إليه ، وليس من مرحلة بدائية جديدة 0

أما سيناريو إجابة السؤال الأول : هل الحرب خير أم شر على البشرية ؟ ننتبه هنا لتفسير هذين المصطلحين : قوى الخير وقوى الشر ، فهذان المصطلحان مرنان ، وكل طرف في الحرب يرى نفسه بأنه يمثل قوى الخير والطرف الآخر يمثل قوى الشر 0 وقوى الخير ترى نفسها بأن الكوارث التي تُحدثها هي انقاذ للبشرية من الدمار الشامل  الذي تطرقنا إليه يمثل جدلية الحرب البشرية 0

ولكننا نستطيع أن نعرّف الحرب بأنها ثورة أمة تعاني من واقع مرير ، وتسعى من خلال الثورة للوصول إلى قمة الاشباع البشري والعدالة الاجتماعية 0 وأتفق مع الكثيرين أيضاً بأن هذه النقطة جدلية أيضاً 0 ولكن يجب أن نعترف جميعاً بأنه بعد نهاية أي حرب مهما كان حجمها ، فمن المستحيل إعادة الساعة إلى الوراء ، ولكن لابد من حدوث واقع جديد أما صورياً أو فعلياً 0 وبصفتنا مواطنين في مجلس التعاون الخليجي ، فبعد نهاية حرب الخليج الثانية على المستوى الإقليمي والتي كانت متزامنة مع نهاية الحرب الباردة على المستوى العالمي ؛ كان لابد لدول الخليج  مجلس التعاون الخليجي  من إيجاد آلية حديثة للتعامل مع واقع العصر من خلال توجيه بعض المصطلحات المعاصرة مثل العولمة ، الديمقراطية ، الانفتاح الإعلامي ، مشاركة المرأة ، والمشاركة في عملية السلام الإسرائيلية العربية 000 إلخ 0

أما بالنسبة لآخر مثال في رأيي لآثار الحروب الكونية ، هو ما قاله الطيار السابق راسل وران هاواي الطيار في سلاح الجو الملكي البريطاني ومن المشاركين في الحرب الكونية الثانية ، كأن تاريخ البشرية سيمضي بإيقاع أشد بطئاً مثلما كانت حركة التاريخ خلال القرن التاسع عشر لولا حدوث الحرب 0 ويرى أن من مميزات حدوث الحرب، أنها جعلت العالم المتقدم يحمل فلسفة العدالة الاجتماعية ، مما أدى إلى حدوث نتائج إيجابية حسب مفهوم هاواي من حيث تحرير المرأة ، وتسهيل دخول الجامعات لأبناء الطبقات الشعبية العادية ، وليس النبلاء وحدهم  هاواي الوسط ، العدد 501  0

ونجد أن هذه الفلسفة مناقضة لتصورات الفيلسوف ايمانويل كانت الذي يقول : إن الحرب لا تنظف المجتمع من السيئين بل تزيدهم ، وتدخل المرض إلى كل مفاصل المجتمع ، وكل حرب تتغذى من حرب جديدة  الشرق الأوسط ، العدد 8275  0 وهذا التصور قابع أمامنا ، فنهاية الحرب العالمية الثانية ، أدت تدريجياً إلى نهاية الانتداب والاستعمار البريطاني ، ففي فلسطين الغربية مثلاً ، انهاء الانتداب البريطاني فيها ، أدى إلى زراعة جسد غريب على الأمة ، ممثلةً بدولة إسرائيل ، ونتيجة ذلك قامت حرب1948م ، ونكبة 1967م ، وحرب 1973م ، ومن نتائج الاعتداء الصهيوني على الأراضي الفلسطينية أدى إلى نزوح فلسطيني جماعي كبير ، وكان لهذا النزوح كوارث قطرية في الجوار الجغرافي لفلسطين ، أو ما يسمى بسوريا الكبرى سابقاً ، ومنها أيلول الأسود عام 1970م ما بين الفلسطينيين والأردنيين ، والصراع الفلسطيني السوري في السبعينيات ، والصراع الفلسطيني ضد بعض الفصائل اللبنانية في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ، والصراع الفلسطيني فلسطيني ، وفي عام 1990م حدثت الكارثة العربية عندما اعتدت العراق على الكويت وكان من نتائج هذا الاعتداء تشتيت ما يقارب من نصف مليون فلسطيني كانت الكويت تعتبر وطن ثاني لهم ، وكانت معظم هذه الهجرات إلى المملكة الأردنية الهاشمية 0 وبعد هذه الكارثة آمن السياسيون العرب بمبدأ الاستسلام وهو من خلال الحوار العربي الإسرائيلي في مدريد ، والحوار الإسرائيلي الفلسطيني في أوسلو 0 كل ما ذكر يعتبر غيضٌ من فيض من أحداث الشرق الأوسط والعالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية

هذه الأحداث تبين لنا بأن العالم مر خلال القرن العشرين ، مر خلال ثلاثة أنواع من الحروب الكونية ، وذلك ممثلاً بالحربين الكونيتين والحرب الثالثة هي الحرب الباردة ، التي اقفل ملفها عام 1990م 0

والخصوم الرئيسيون في الحروب المذكورة الثلاث جميعهم في دول الشمال ، وطبعاً الآثار السلبية للحروب والدمار والتخلف يقع على عاتق أبناء الجنوب 0

أما مرحلة التحول العالمي المعاصرة انطلقت مع نهاية الحرب الباردة وحدوث نوع من التسوية الحذرة ما بين دول الشمال والجنوب ، فقد بدأ العالم بقيادة الولايات المتحدة باحياء النظرية القديمة المتجددة ، وهي عولمة العالم ، وفكرة العولمة وجدت منذ بداية التاريخ البشري ونجد لها تصورات عند الفلاسفة الأغريق ، والرومان ، وعلماء المسلمين، ومرحلة الاستعمار ، وصولاً للتاريخ المعاصر من خلال محاولة عولمة العالم ما بين قطبي الحرب الباردة ، فالقطب الشرقي كان يسعى لعولمة العالم من خلال نظريته الشرعية وفلسفة الاقتصاد الاشتراكي ، والقطب الغربي يسعى لعولمة العالم من خلال سيادة الاقتصاد الرأسمالي المختلط ونظرياتهم الديمقراطية الاجتماعية  0 ولن نأتي بجديد عندما نقول بأن معظم المدارس الاستراتيجية في العالم توقعت بأن المرحلة الفعلية لعولمة العالم سوف يحدث فيها صدام ما بين الحضارات ، وهذا ما نشهده الآن0

ولا يستطيع أياً منا أن ينازع الواقع الذي يقول بأن الولايات المتحدة أصبحت في بداية الألفية الثالثة القطب الأوحد للعالم ، ويدور في فلكها الدول الأوربية الغربية الحليفة لها ، وبالتالي أصبح التصنيف العالمي الآن كالتالي : أولاً : القطب الأوحد في العالم ويمثل قمة الهرم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ، ونستطيع أن نختبر هذا النفوذ ، فمن الناحية التنظيمية ، نجد بأن هيئة الأمم المتحدة تحت سيطرة شبه كلية للولايات المتحدة وحلفائها ، فثلاث دول من الدول الخمس الدائمين العضوية ويملكون حق الفيتو يتمثلون في الولايات المتحدة وحلفائها الاستراتيجيين : المملكة المتحدة وفرنسا وذلك يمثل 60% من السيطرة المباشرة للخمسة الكبار 0 ناهيك بأن العضوين الدائمين الآخرين لا يستخدمان حق النقض مراعاة لمصالحهما المرتبطة مع المعسكر المهيمن على العالم  0 ونجد بأن المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة يسيطر سيطرة شبه كلية على الاقتصاد العالمي وذلك من خلال تواجد ستة من الثمان الكبار من الدول الغربية ممثلين بالولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وأيطاليا وألمانيا واليابان مرتبطة ارتباط شبه كلي بالنظام الاقتصادي الغربي ، وروسيا أدخلت   للترضية  ، وكذلك الدول الغربية مسيطرة على العالم سياسياً من خلال استمرار نفوذها بطريقة غير مباشرة على أماكن انتدابها وحمايتها ومستعمراتها السابقة ، وفي أكثر الأحيان يتمثل ذلك من خلال زرع ودعم الحكومات الموالية لها ، وهذا التسلط يعطيها تسلط اقتصادي بشكل كامل ، ومما يزيد الأمر سوءاً من الناحية الاقتصادية ، هو وجود الفجوة التكنولوجية المروعة ما بين الدول الغربية وبقية العالم  0

والتفوق الغربي ذو ترابطات أمامية وخلفية من جميع النواحي الاستراتيجية سياسياً واقتصادياً وأمنياً ، فمن الناحية الأمنية ، نجد القواعد العسكرية للناتو بقيادة الولايات المتحدة مثلا في الشرق الأوسط الأسطول السادس في البحر المتوسط ، وتركيا ، وقبرص ، وفي المحيط الهندي الأسطول الخامس ، وتواجد عسكري في المملكة العربية السعودية ، والبحرين ، والكويت ، وقطر ، وسلطنة عمان ، وديبجو جارسيا ، وجنوب شرق آسيا 0

هذا العرض يصور لنا بأن سيناريو العالم الآن كالتالي :

أولاً : القطب الأوحد للعالم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين 0
ثانياً: دول الظل روسيا وبعض دول الكوميكون السابقون 0
ثالثاً: غوغاء ورعاع العالم ، عالم الجنوب  0

كل هذه القوى الفوقية التي يمتلكها عالم الشمال ، إلا أن هناك من يأتينا في عالم الجنوب ويتشدق بالعولمة ، دون علم أو ادراك على مدى خطورتها على هذا العالم الجنوبي  كيف نستطيع أن نعولم عالمنا الجنوبي ونحن حتى أساسيات الدولة لا تتوفر لدينا ؟0

أولاً من الناحية السياسية ، فسيادة الدولة الحقيقية ليست بقمع شعوبها وجعلهم يقبولون الأمر الواقع ، بل أن يكون لديها حجم مناسب من القوة الذاتية ، وذلك من خلال :

1- ايجاد قاعدة قوية من الأمن الداخلي يوضح مصطلح دولة القانون المتواكبة مع مفهوم العصر ، والتي توجد لها أيديولوجية ثابتة وواضحة ، وليست مستوردة0
2- الدولة الحقيقية لابد أن يكون لديها قاعدة قوية للدفاع عن الأمن القومي الخارجي، حتى ولو كان ذلك على المستوى الإقليمي على أقل تقدير 0
3- الدولة الحقيقية يجب أن تقوم على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص 0  الخطيب ، ص 102  0

كيف نتوقع بأن يكون لعالم الجنوب دور في العولمة ومعظم دوله لا يوجد لديها مذهب سياسي قانوني اجتماعي واقتصادي واضح لتدبير شئون الدولة والمجتمع ، والأدهى والأمّر من ذلك هو أن هذه الدول تائهة ما بين المذهب الفردي ، والشمولي والمذهب الاجتماعي  0

ويمكنكم ملاحظة ذلك من الناحية العملية ، فعندما يحدث حوار بين الجنوب والشمال ، فالجنوب الذي معظمه يفتقد لأيديولوجية واضحة ، نجده لكي يحقق بعض أهدافه أو للخروج بماء الوجه على أقل تقدير ، يميلون من الناحية السياسية لاستخدام النظريات التفاوضية ، والتي يتصورون بأنها تعطيهم نوع من الحشمة والوقار والشموخ أمام عالم الشمال ، وهذه النظريات مثل الاختراق والجدار الحديدي ، والتعميق والتعتيم، الانتشار والحصار ، والتوتر والاسترخاء ، والهجوم والدفاع ، التناول والصفقة الواحدة ، المواجهة والمراوغة ، التطوير والتجميد  الخضيري  ، ويعتقدون بعد الحوار أو المفاوضات أحياناً بأنهم حققوا صفقة ، ولكنهم في الحقيقة ، أصابوا الهدف الذي استدرجوا إليه 0 وهذا مما يجعلنا دائماً نقول بأن ما نحققه في مفاوضاتنا مع دول الشمال هو تكتيك قصير المدى ، وما يحققه الشمال ضدنا هو استراتيجية طويلة المدى0

ثانياً : العولمة الاقتصادية : الدول الغربية يوجد عندها قاعدة اقتصادية رأسمالية صلبة مسيطرة على كل أقوات العالم ، ويدعمها بنية تحتية ضخمة بشرية وخدمية وصناعية وأمنية ، أما بالنسبة لعالم الجنوب فغير واضح المعالم ، ويعتمد اعتماد شبه كلي على المواد الأولية 0

ثالثاً : الجانب الاجتماعي : معظم المجتمع الغربي طبق النظرية الفردية بحذافيرها، فنتج عندهم مجتمع أباحي تحرري ، تخلى عن معظم مفاهيم النظريات الكلاسيكية التي يعتنقها العالم من حيث العادات والتقاليد والثقافات الدينية ، وأصبح الدين يمارس في أماكن العبادات فقط 0 مجتمع الجنوب معظم أبنائه متمسكين بالدين والعادات والتقاليد ، وإن الصراع الدائر ما بين الشمال والجنوب هو تفكيك الأسرة من خلال تحرير المرأة لأنها هي النواة الأساسية التي ينطلق منها المجتمع ، ومتى ما تم تحريرها أصبحت إذابة المجتمع الجنوبي سهلة لكي يندمج في المفاهيم التي يتبناها عالم الشمال 0

رابعاً : ثورة المعلومات : رغم التطور الكبير الذي شهده العالم في ثورة المعلومات وخاصة من خلال الإنترنت الذي حول العالم إلى قرية صغيرة ، فإن هذه الثورة لها آثار إيجابية كبيرة لو استطاع عالم الجنوب توظيفها التوظيف السليم في جميع جوانب التنمية ، وخاصة لتثقيف الشباب الأقل من عشرين عاماً حيث تصل نسبتهم إلى أكثر من 60% من سكان عالم الجنوب 0 أما إذا لم يستطع الجنوب مواكبة عالم الشمال من خلال الثورة المعلوماتية وتسخيرها لخدمة الشباب ، فمعنى ذلك بأنه سوف يكون هناك غزو حضاري كامل للقاعدة البشرية في عالم الجنوب 0

خامساً : التكنولوجيا : الشمال مبدع ومفكر ومنتج ، والجنوب مستهلك ومتفرج فقط 0 الشمال يوفر المراكز العلمية المختلفة ، والمختبرات العلمية ، ويحرض أبنائه ، وحتى المبدعين من أبناء الجنوب أن يقدموا خلاصة فكرهم من خلال هذه المؤسسات أما أبناء الجنوب يفتقدون لجميع المحاور الأساسية التي يمكن أن تساهم في بناء أوطانهم ، ناهيك عن الحرب المادية والمعنوية التي يتعرضون لها في أوطانهم ، وخاصة عندما يحاولون أن يساهموا في رقي أممهم 0

سيناريو الحرب العالمية الثالثة :

في عام 2001م ، حدث مثل ما حدث في الحرب العالمية الثانية بل أشنع مما حدث في الحرب العالمية الثانية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية 0 فقبل 61 سنة ، عام 1941م تعرضت الولايات المتحدة لضربة قاسية في بيرل حارب من اليابان ، مما جعل الولايات المتحدة تقصف مدينتين يابانيتين هما هيروشيما وناجازاكي بقنبلتين نوويتين مازالت آثارهما ماثلتين أمام العيان 0 وكأن التاريخ يعيد نفسه ففي 11 سبتمبر 2001م تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية لضربات قاسية هي الأبشع في تاريخها في نيويورك  مركز التجارة العالمي  وواشنطن  البنتاجون  وكان ضحايا الضربتين أكثر من سبعة آلاف قتيل ، وخسائرها على المدى القصير أكثر من 200 مليار دولار 0 ونحن كعرب ومسلمين نشعر بأسف وأسى وحزن شديد على الضحايا الذين قتلوا في الهجوم على أمريكا ، وخاصة بأننا كأمة قد جربنا الحزن والظلم بأشكاله المتنوعة ، ومن ذاق الظلم فلا يرضى الظلم لغيره ، فما حدث لأمريكا في يوم فهو يحدث للأمة كل يوم في فلسطين منذ خمسون عاماً ، وربما أبشع صوره مجازر صابرا وشاتيلا عام 1982م ، ومجازر قانا عام 1992م ، والمجازر التي أحدثها الإسرائيليون للانتفاضتين في الثمانينيات ، وفي الألفين 0

ورغم عدم معرفة من قام بهذه الضربة إلى الآن ، إلا أن هناك بعض الدلائل والمؤشرات التي تجعل من إسرائيل المشتبه به الأول لهذه الضربة القاصمة ، ومنها أن جميع المعلومات تقول بأن لإسرائيل أكثر من 4000 يهودي يعملون في أعمدة سقف العالم في نيويورك ، وهؤلاء كلهم لم يحضر منهم ولا واحد إلى العمل في يوم الهجوم 11/9/2001م 0

ولكن وللأسف الشديد فإن أمريكا بدلاً من الاقتصاص أو التهديد على الأقل أكثر الدول التي يوجد عليها قرينة بأنها قامت بهذا العمل ممثلة بإسرائيل ، صبت جم غضبها وتهديدها ووعيدها على العرب والمسلمين ، ولكن مازلنا نقول وإن هددت الولايات المتحدة المنظمات الإسلامية والدول التي تؤويهم ، فربما كان ذلك فقط تكتيك أمريكي لحفظ معلوماتهم الاستخباراتية ، وهذا ما يفعله أي جهاز استخبارات في العالم عندما يتعرض لصدمة شنيعة يقوم باستخدام ثلاث تكتيكات رسمية من خلال تسريح معلومات مضللة ، أولاً : لدراسة رد فعل الشارع 0 ثانياً : بغرض الاستهلاك الآدمي والإعلامي 0 ثالثاً : لتضليل الجهات التي يجري التنقيب عنها  0

وأما بالنسبة للعرب والمسلمين الذين اتهمتهم الإدارة الأمريكية ومازالت مصرة على اتهامهم ، فهم مهددين أصلاً من الإدارة الأمريكية منذ زمن بعيد ، والدليل الاعتداءات التي يتعرض لها العراق شبه اليومي ، والضربة التي تعرضت لها السودان وأفغانستان عام 1999م ، والاعتداءات التي يتعرض لها الفلسطينيون الأبرياء كل يوم في وطنهم المحتل بواسطة الغطرسة الإسرائيلية وبمباركة أمريكية 0

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتهم الأمريكان العرب والمسلمين ؟ رغم أنهم سبق وأن أتهموا العرب والمسلمين في كارثة أوكلاهوما التي ذهب ضحيتها ستمائة أمريكي وثبت بعد ذلك أن من قام بهذا العمل مسيحي وعسكري أمريكي 0 وحوكم على فعلته ، وأعدم على أنه مواطن ولقي عقابه ، دون الالتفات لديانته وعرقيته 0 ورغم وقوع الأمريكان في الخطأ بالأتهام العشوائي للعرب والمسلمين في حادثة أوكلاهوما إلا أنهم عادوا لذلك مرة أخرى في أحداث نيويورك وواشنطن المؤسفة عام 2001م ، وأتهموا العرب والمسلمين 0 وهذان الاتهامان يوحيان لنا بأن أمريكا أصبحت مستعدة للحرب الحضارية التي تنبأت لها الكثير من المدارس الاستراتيجية في بداية الألفية الثالثة ما بين الغرب والمسلمين 0

ورغم علم الولايات المتحدة بأنه يوجد لها أعداء في جميع أرجاء هذا الكوكب العجوز في اليابان وكوريا والصين وفيتنام ولاوس وكمبوديا والبلقان وروسيا ، والنازيين الجدد في أوربا الغربية ، والشرق الأوسط ، ومنظمات المافيا في أمريكا اللاتينية ، وأفريقيا الزنجية ، وفوق ذلك كله المنظمات العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وعموماً 40% من الازهاب الموجود في العالم هو موجه ضد المصالح الأمريكية  ويجب على الإدارة الأمريكية أن تبحث عن إجابة لهذه الكراهية العالمية لها 0

ولكن الذي يبدو لنا بأن دولة عالمية كأمريكا لا تحتاج لكي تجيب عن سبب حب العالم أو كراهيته لها ، وحتى لا تحتاج لفرض سيادتها على العالم من خلال استخدام أساليب اللعبة السياسية ، ويتضح ذلك جلياً عندما صرح الرئيس الأمريكي بوش الأبن: بأنه لا يوجد إلا خيارين لدول العالم أما ضدنا أو معنا ، وطبعاً جميع دول العالم قالت معكم بدرجات نسبية مختلفة من دولة إلى أخرى ، باستثناء العراق التي تمر بحصار أمريكي ، فسواءً قالت معكم أو ضدكم فكلاهما على حد السواء 0 والمصطلح الثاني قال الرئيس بوش الحرب بدأت ، وهي حرب سوف تستمر أكثر من 10 سنوات ، ومنها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي ، بمعنى أوضح منها ما هو عسكري ، ومنها ما هو عمليات سرية شبيهة بما يسمى بارهاب الدولة ، وهنا نقول للرئيس بوش وماذا عن القانون الدولي العام ؟ 0

ولكن الذي يهمنا في هذه الحرب من هو العدو ؟ نجد بأن الرئيس بوش قال في البداية بأن الحرب سوف تكون حرب صليبية 0 فإذا كانت حرباً صليبية ، فهي حرباً تاريخية ضد الإسلام 0 وبعد ذلك لطف هذا المصطلح وعرفنا بأنها حرب ضد الارهاب0 ولكن نريد من أمريكا أن تعرّف لنا ما هو معنى مصطلح أرهاب ؟ ومن هي الدول المعنية بالارهاب ؟

ولكن الذي سهل علينا الإجابة هو عندما وجدنا التصنيف الأمريكي للدول الراعية للارهاب في الشرق الأوسط وهي أفغانستان ، وإيران ، والعراق ، وسوريا ، وليبيا ، والسودان 0 إذاً بمعنى ملطف الأرهاب هو الإسلام ، وإن حاول الأمريكان تلطيف ذلك من خلال تحديد مدارس إسلامية معينة مثل المدرسة السلفية ، والأخوان المسلمين ، والجهاد الإسلامي ، وحزب اللّه 00 إلخ 0 وحتى لو كانت امريكا تقصد هذه المنظمات، فهذه المنظمات تمثل جميع المسلمين ، وغاب عن ذهن الغرب بأن عدد المسلمين في العالم 1600 مليون نسمة يمثلون 27% من سكان الكوكب ، وأكثر من 60% منهم أقل من عمر عشرون عاماً أي مجتمع فتي ، و 80% ممن هم في سن العمل يعانون من بطالة سافرة ومقنعة  رغم أن معظم المواد الأولية التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي توجد في أقاليمهم 0

ونحن الآن نقترب من نقطة الصفر التي تمثل فيصل حوار الحضارات ، والقيادة الأمريكية تعلم جيداً ما هو الدور المناط في حوار الحضارات ، ونحن المسلمين لسنا دعاة حرب ، ولا ممن يتلذذون بإيذاء الآخرين ، بل جميع المسلمين حزنوا لما حدث للأبرياء في أمريكا ، ولكن هل تشارك الإدارة الأمريكية العرب والمسلمين آلامهم ، في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي ، وعلى رأس القائمة 7 مليون فلسطيني مشردين من وطنهم منذ أكثر من نصف قرن ؟ ولكن أمريكا هل شاركت المليار جائع من المسلمين آلامهم ؟ وماذا تتوقع أمريكا من مليار جائع هل يهابون الحرب ؟ وهم لا يوجد لديهم ما يفقدونه ؟

هذا التعليق ونحن على مشارف الحرب العالمية الثالثة نقدمه لمركز اتخاذ القرار في الولايات المتحدة ، وهم يعلمون جيداً بأن مصطلح أزمة عند البعض ، يعني فرصة عند الآخرين  ، وأتوقع بأنهم على علم تام بالخلل الاستراتيجي الذي صنعوه هم بأيديهم في المنطقة ، ومازالت آليات اصلاحه متوافرة إذا ما عقد العزم الأمريكان على ذلك بالتعاون مع أبناء المنطقة ، لكي يعيش جميع أبناء هذا الكوكب في سلاماً شامل0 أما حرب العدالة المطلقة التي ينادي بها الرئيس بوش ، فلا يعتقد أي عاقل في هذا الكوكب بأن تحدث فيه عدالة مطلقة ، ولكن مطلبنا هو مشاركة الجميع في تخفيض الظلم والمحاولة لإيجاد عدالة نسبية في الكوكب 0

وكذلك عمليات النسر النبيل التي واعدنا بها الرئيس الأمريكي ، نحن أبناء هذه المنطقة من قناة الصقور ، ولانذكر بأن هناك صقراً نبيلاً ، إلا إذا كان محنطاً 0

ونختتم قائلين نرجو أن تتعاون الإدارة الأمريكية مع دول الجنوب لايجاد حلول عملية لمشاكل الفقر والمرض والجوع والجهل في الجنوب ، وذلك لكي يعيش جميع أبناء كوكب الأرض في سلام ، بدلاً من أن يساهم أبنائه في فنائه  قبل أن يرتطم به أحدى الكويكبات السيارة  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

منهج السياسة الميكافيللية

بسم الله الرحمن الرحيم

24/6/2004

قبل فترة من الزمن دعانا للمشاركة في حوار مع (الأهرام العربي) الصحفي العربي المشهور الأستاذ العزب الطيب ، وكانت محاور النقاش تدور حول صناعة الديكتاتور في العالم الإسلامي 0 واعتذرنا عن المشاركة ، في الحقيقة ليس لعدم توفر المعلومات عن هذا الموضوع ، ولكن موضوع الديكتاتور في عالمنا المتخلف لا تعلم من أين تبدأ ؟ ولا تعلم من أين تختتم موضوعك ؟ أي بمعنى آخر سيكون كتاب له بداية ولا توجد له نهاية ، أو كما يقول الخواجات : (Am Ended Book) 0

ولكن بعد تحرير مادة الديكتاتور في العالم النامي ، ونشرها في الأهرام العربي، تمنيت لو كنت من المشاركين في هذا الموضوع ، لأنه بالفعل غطى مجموعة من المحاور بطريقة فنية ، كان القارئ العربي بالفعل بحاجة ماسة لها ، لأنها تمس كثيراً من حياته اليومية : الاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية ، والاقتصادية 00 إلخ 0

وبعد أن تصفحت تقرير الديكتاتور تذكرت مقولة مشهورة لميكافيللي في كتاب الأمير : يجرد ميكافيللي العمل السياسي من أية معايير أخلاقية 0 بيد أن الصفات الأخلاقية تبقى مجدية للحفاظ على صورة الحاكم 0 وهكذا يقول أنه إذا كان غير ضروري أن يملك الملك هذه الصفات ، فإنه على العكس من الضروري أن يبدو وكأنه يملكها 0 أما إذا لم يتمكن من ذلك ، فيجب أن يختار أن يكون مهاباً بدلاً من أن يكون محبوباً  0

وعندما تصفحت تقرير الأهرام عن الديكتاتور ، لفت نظري تلخيص محمد هلال لكتاب الأمير لميكافيللي مستعيناً بترجمات محمد الزقزوقي وإعداد وتحرير د0 سمير سرحان ، ود0 محمد عناني 0 وكان التلخيص كالتالي :

1- الاستعانة بقوة أجنبية أذى يفوق الكارثة التي جاؤوا لمنع حدوثها والخلاص منها0
2- اذلال المناصرين الوطنيين للمحتل بعد استتباب الأمور الجديدة ضرورة سياسية لابد منها 0
3- إن الناس يحبون بإرادتهم ولكنهم يخافون برغبة الملك ، ومن هنا تظهر مشكلة المفاضلة والجذب ينبغي للمرء أن يكون محبوباً ومهاباً معاً ، فإن مهابته اسلم بكثير من محبته 0 لأنه يمكن القول عن البشر عموماً ، أنهم يجحدون المعروف ويهذرون في الكلام ويظهرون غير ما يبطنون ويطمعون في الكسب ، وطالما تفيدهم ، فهم أعوانك تماماً ، يفدونك بدمهم ومتاعهم وحياتهم وولدهم حين تكون الضرورة إليهم بعيدة 0 ولكن حين تقترب ينقلبون عليك ، ويهلك الملك الذي يعتمد إلا على وعودهم ودون أن يتهيأ بالعدد الأخرى 0 إن البشر يترددون في الاساءة إلى من يحبون أقل من ترددهم في إيذاء من يهابون 0

وبالتالي مهابة الملك ومحبته 00 إن الناس يحبون بإرادتهم الحرة ولكنهم يخافون برغبة الملك ، والملك العاقل يجب عليه أن يركن إلى ما في سلطانه لا إلى سلطان سواه ، وما عليه سوى السعي إلى مجانبة ما يجلب عليه الكراهية 0

4- إذا لاحظ الملك أن وزيراً يفكر في نفسه أكثر منه فعليه بالتخص منه فوراً 0
5- يقول ميكافيللي لا ألوم الملك يستوثق من بناء القلاع والحصون ولا يهتم كثيراً بكراهية الشعب 0
6- حين يستولي ملك على بلد ما فعليه بتخريبها ونهبها حتى لا يفكر أهلها في الثورة عليه إذا ما ظلت مواردهم آمنة وسليمة 0
7- المدح والتملق آفة يقع فيها الكثير من الملوك والنجاة منها ميسورة ولكن بشروط0
8- حين ينفق الملك من ثروة غيره ، يكون سخياً ، ولن يحط ذلك من سمعته بل يعلي من ذكره ولا يؤذيه سوى النفقة من ثروته الخاصة فحسب  0

والسخاء ضروري جداً للملك الذي يسير مع جيوشه ويعيش على السلب والنهب والغنيمة والفدية وينفق من ثروة غيره ، لأن جنوده لن يتبعوه بدون سخاء 0 ويمكنك أن تكون بالفعل سخياً جداً بما ليس ملكاً لك 0 كما كان قورش وقيصر والاسكندر لأنك حين تنفق ثروة الآخرين فلن يحط ذلك من سمعتك بل يعلي من ذكرك ولا يؤذيك سوى النفقة من ثروتك الخاصة فحسب 0

وهذا يذكرنا بما كان يردده دائماً في المحاضرات السياسية أحد أساتذتنا الأفاضل عن العالم النامي حين يستخدم المثل الشعبي : ” من دهنه سقي له ” ، فسأله أحد الطلاب الظرفاء ماذا تقصد ؟ فقال الأستاذ : اسلب خير الأمة ، وتكرم ببعضه على الأمة ، وتسجل نفسك بينهم على أنك جواداً ومعطاء وشهماً وكريماً  0

أما عن حفظ العهود فيقول ميكافيللي : كل امرؤ يدري كم يثني الناس على ملك يحفظ العهد ويعيش مستقيماً ومن غير مكره ، ولكن التجربة تدل على أن أولئك الملوك الذين أتوا أعمالاً عظيمة هم الذين لم يراعوا الوفاء إلا قليلاً ، وهم من استطاعوا أن يشوشوا العقول بالمكر ، ومن تمت لهم الغلبة على هؤلاء الذين اتخذوا الأمانة قاعدة لهم 0

وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح وما ذكر أعلاه كله وجله كلاماً مأخوذاً خيره ، لأن هذه النظريات ربما كانت تتوافق مع مجتمعات كوكبنا قبل 500 سنة ، ولكن بكل تأكيد لا تتطابق مع عصرنا الحالي ، وهو عصر ثورة المعلومات ، الذي أدى إلى تحويل الأرض من كوكباً إلى قريةً صغيرة 0

ولكن للأسف الشديد هناك من بعض الشخصيات في العالم النامي التي مازالت غارقةً في بحر النظرية الميكافيللية التي أكل الدهر وشرب عليها ، والمشكلة الحقيقية ليست في النظرية ، ولكن في الأشخاص الذين يريدون تطبيقها وهم مكشوفون ، ولكن الملأ يتظاهر بأنه ليس بكاشف لعبتهم الساذجة 0

ونذكركم بالمقولة المشهورة (انتهت اللعبة) التي ذكرها السفير العراقي السابق لدى الأمم المتحدة ( السيد الدوري ) يوم 10/4/2002م بعد أن احتلت أمريكا العراق ، وفي الحقيقة المباراة منتهية منذ 2 أغسطس 1990م 0

المشكلة الحقيقية في الملعب الشرقي الأوسطي هو بأن بعض القادة لا يتعظون بما يدور حولهم ، ومن جشعهم يتظاهرون بأنهم لا يستوعبون أصول اللعبة 0 وأصول اللعبة هو أن تأخذ وتعطي ، ولا يوجد عندنا مشكلة أحياناً عندما يكون أخذك أكثر من عطاءك ، ونستطيع أن نجد لبعضهم مبرر حتى في القرآن الكريم :(وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما أتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه غفور رحيم)( الانعام : 165 ) 0

ولكن مشكلتنا الحقيقية الجشعون الذين يريدون أن يأخذوا كل شيء ، ولا يعطون أي شيء ، وكأنهم لا ينظرون حولهم ، لأن من يريد كل شيء في النهاية يخسر كل شيء 0 ولكن من يأخذ بعض الشيء ويعطي بعض الشيء في النهاية تكون خسارته نسبية ، لأنه يخسر بعض الشيء ويكسب بعضاً  0

والأهم من ذلك كله نذكر أنفسنا ونذكرهم هو رضى اللّه سبحانه وتعالى ، ورضى اللّه لن ينزل على العبد ذو السلطان ، إلا إذا رضوا عباده عنه  0

أما بالنسبة لإدارة اللعبة الآن فهي كالتالي : تعتمد على مجموعة من البطاقات مثل بطاقة مشاركة المرأة ، وبطاقة الثورة الليبرالية ، وبطاقة الثورة التعليمية ، وبطاقة الخصخصة ، وبطاقة تداول السلطة ، وكله كلام مأخوذ خيره 0 لأن أصول اللعبة الحقيقية هو أن تشارك القاعدة في تحديد وظائف القمة لفترة زمنية محددة غير قابلة للتجديد وذلك لكي نقضي على المحسوبية ، إذا كنا نريد بالفعل ثورة إصلاحية ، أما وضعنا الراهن فهو كما نقول : ” ما أشبه اليوم بالبارحة ، وما أشبه المستقبل بماضينا السحيق ” 0

هذا هو رأينا ومن عنده خيراً منه فليأتنا به  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

مساحة حوار في فلسفة السياسة

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

من الملاحظات الغريبة في عالمنا العربي خلال العقد الأخير بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي ، والسقوط المدوي للنظرية الايديولوجية الشرعية ، وفشل الاقتصاد الاشتراكي في مواجهة الاقتصاد الرأسمالي المختلط 0 بأن العالم العربي استجاب إستجابة متدرجة للمتغيرات العالمية خلال التسعينيات 0

ويعود السبب في ذلك لمقاومة بعض الدول العربية لمثل هذه التغييرات الكونية ، ولكن الدول العربية بدأ بعضها بالإستجابة مثل : إذعان ليبيا لجميع شروط العقوبات التي فرضت عليها ، ومن ثم بدأ تخفيض الحصار عليها ، ومقاومة العراق للحصار الذي فرض عليه ، وأدى ذلك إلى غزوه أنجلو أمريكيا ، وكانت النتيجة الإنهيار الكلي للعراق ، وتركه في حالة اللادولة  فوضى   0

أعتقد بعض الذي نعيشه اليوم في العالم العربي هو ليس ثورة ديمقراطية لمشاركة شعبية واسعة في إدارة الأوطان ، وإنما إستجابة للمطالب الأمريكية في عولمة العالم من خلال الديمقراطية الليبرالية والخصخصة الاقتصادية وفتح الأسواق العالمية على بعضها بعضاً ، وذلك سوف يسهل على الولايات المتحدة المحافظة على سيطرتها الكونية لفترات طويلة من الزمن ، وربما القرن الواحد والعشرون كاملاً  0
المدهش في العالم العربي ، هو قيام بعض الوجوه الاشتراكية ، بالتحول إلى الرأسمالية ، والأتوقراطية بالتحول إلى الديمقراطية ، وإن كنا نقبل التغيير على المستوى الفردي ، كما سنذكر لاحقاً ، ولكن التغيير الأيديولوجي بالنسبة للأنظمة كاملةً فهذا يمثل كارثة قومية 0 لأن أقل ما نستطيع أن نسميه بالتغيير الأيديولوجي هو أن نفس النظام كانت الأيديولوجية السابقة بالنسبة له مجرد قناع للمحافظة على السلطة به0 وعندما أصبح القناع القديم غير ذي جدوى ، استبدله بقناع جديد 0

ربما يثار سؤال هنا 00 ما هو الحل ؟

نعتقد بأن الحل هو ، أن ينسحب أصحاب الأيديولوجية القديمة من الملعب ، ويعطوا الميدان لوجوه جديدة لتقوم بهذه التغييرات 0

يفترض أن يثار سؤالاً آخر 00 لماذا ؟

لأن المواطنين تعودوا على الوجوه الاتوقراطية والاشتراكية والشمولية والأبوية القديمة ، وعندما تتغير هذه الأنظمة بنسبة 5180 عن الأيديولوجية السابقة ، يصيب الشعوب صدمة إيديولوجية ، لأن معظمهم كان يطالب بهذا التغيير ، وكان يقمع ، والبقية كانوا مذعنين للأيديولوجية القديمة وذلك للمحافظة على مصدر رزقهم  0

وعندما قامت بعض الأنظمة العربية بخلع أقنعتها القديمة ، ونقصد أيديولوجيتها القديمة ، وتبنت أيديولوجية جديدة بدون تغيير للوجوه ، أصاب شريحة كبيرة من الشعوب العربية هامش كبير من التشاؤم ، وعدم الثقة بالتحولات الجديدة 0 وظلوا عما كانوا عليه سابقاً ، ما دمنا نأكل لقمة عيشنا فليحدث ما يحدث ، وأحنا مالنا ، كأنهم ليسوا جزءا من هذه الأوطان  0

نحن هنا لا نقصد مهاجمة قُطراً عربياً بالتحديد ، بل الهدف من ذلك هو مناقشة قضية تحول أيديولوجي على المستوى القومي والإسلامي ، ولذلك سنذكر بعض النماذج العربية والممارسة الديمقراطية فيها ، وبعد ذلك سنقدم تحليل بسيط ، ولكن اعتمادنا الكلي في الإجابة القاطعة على هذا الموضوع ، سنتركه للقارئ الكريم من خلال تعليقاته على الأسئلة التي سنطرحها ، أو أية فكرة جديدة يضيفها على هذا الموضوع 0

أولاً : دولة الكويت :  مادة 80  يتألف مجلس الأمة من خمسين عضواً يتم انتخابهم بطريقة الانتخاب العام السري المباشر ، ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة ، أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم  دستور الكويت ص 31  0

ولكن الغريب في الدستور الكويتي بأن مجموع الناخبين يشكلون نحو 15% من مجموع المواطنين الكويتيين فقط ، وأقل من 6% من مجموع سكان الدولة 0 ويعود صغر عدد الناخبين أساساً إلى الشروط الخاصة التي وضعها الدستور عام 1962م ، فالناخب يجب أن يكون ذكراً أتم 21 سنة ميلادية ، ولا يعمل في السلك الأمني أو العسكري ، وغير محكوم عليه بجريمة 0 كذلك فإن الكويتيين أقلية في بلادهم يشكلون نحو 37% من السكان  الحياة العدد 14675  علماً بأن وضع الكويت أفضل من بعض الدول الخليجية 0

ثانياً : مملكة البحرين : منذ تجميد المجلس الوطني المنتخب عام 1975م ، بقيت البحرين من دون حياة نيابية ، إلى أن أصدر ملك البحرين مرسوم بقانون رقم 15 لسنة 2002م بشأن مجلس الشورى والنواب 0 ويتألف مجلس الشورى من أربعين عضواً يعينون ويعفون بأمر ملكي ، ومجلس النواب يتألف من أربعين عضواً ، ينتخبون بطريق الانتخاب السري المباشر 0

ويرى البحرينيون في هذا التشكيل من خلال تكوين السلطة التشريعية من مجلسين ، مجلس منتخب انتخاباً حراً مباشراً يتولى المهام التشريعية إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة  راجع أخبار الخليج والأيام  0

ثالثاً : سلطنة عُمان : يقول وزير الداخلية العماني للأهرام العدد 323 لأول مرة في عُمان أصبح جميع المواطنين فوق سن 21 سنة مدعوين لتسجيل أسماؤهم في كشوف الناخبين ، حيث كان لا يحق في الماضي سوى 25% من سكان كل ولاية القيام بذلك ، وكان أيضاً عدد محدود من النساء يدعى للمشاركة في الانتخابات ، حيث كان يتم إعداد كشوف الناخبين عن طريق الوالي الذي يختار الأسماء ويوجه الدعوات للنسبة سالفة الذكر ، أما الآن فقد اختلف الأمر ولم يعد للوالي أي دخل في الأختيار 0

رابعاً : دولة قطر : المرسوم رقم 6 لسنة 1964م أكد على أن يكون مجلس الشورى منتخباً ، والنظام الأساسي المؤقت المعدل للحكم عام 1972م أكد كذلك على أن يكون مجلس الشورى منتخباً ، والقانون رقم 6 لسنة 1979م أجرى تعديل ، ونص على أن يكون مجلس الشورى بالتعيين ، والقرار الأميري رقم 1لسنة 1986م تعزيز للقانون السالف الذكر ، والنظام الأساسي المعدل لعام 1997م امتداداً للقانون السابق0

وفي عام 2003م وضع مشروع الدستور الدائم في قطر للاستفتاء ، وصوت بنعم للدستور ما يقارب من 97% من المشاركين في الدستور 0 وتنص المادة 77 على : يتألف مجلس الشورى من خمسة وأربعين عضواً ، يتم انتخاب ثلاثون منهم عن طريق الاقتراع السري المباشر ، ويعين الأمير الأعضاء الخمسة عشرة الآخرين من الوزراء أو غيرهم 0

خامساً : المملكة العربية السعودية : نظام مجلس الشورى  المادة الثالثة : يتكون مجلس الشورى من رئيس وستين عضواً يختارهم الملك من أهل العلم والخبرة والاختصاص 0 وتحدد حقوق الأعضاء وواجباتهم وكافة شؤونهم بأمر ملكي 0

وبدأ الشارع السعودي يتحرك ويطالب بمزيد من المشاركة بصورة واضحة منذ عام 1991م ، وفي الحوار الوطني الفكري الأول في عام 2003م يقول أحد المشاركين في الحوار ، أن الأمير عبد اللّه ولي العهد السعودي كان متحمساً لفكرة إنشاء مركز للحوار الوطني 0 ومن المواضيع المثارة في الحوار هي : آليات توسيع المشاركة الشعبية وذلك من خلال تقوية مجلس الشورى بزيادة عدد أعضائه ، وتوسيع صلاحياته ، ووضوح معايير التعيين فيه ، وتقوية ارتباط أعضائه بشرائح المجتمع لاستجلاء مرئياتهم فيما تتم مناقشته ، وإعلان جلساته ، حتى يتحقق أعلى قدر من التفاعل الشعبي معها  الحياة العدد 14700  0

ونعتقد بأن السعودية تمثل مركز الثقل الإقليمي ، فالإصلاحات المؤسساتية التي تتم في المملكة ، سيكون لها إنعكاسات إيجابية على المنطقة  0

سادساً : دولة الإمارات العربية المتحدة : المادة 68 من دستور الإمارات ، تنص : يتشكل المجلس الوطني الاتحادي من 34 عضواً ، ويوزع عدد مقاعد المجلس على الإمارات الأعضاء كالتالي : 8 مقاعد لكل من أبو ظبي ودبي ، و6 مقاعد للشارقة ، و 4 مقاعد لكلاً من عجمان وأم القوين والفجيرة  المجلس الوطني الاتحادي عام 1997م0

وقرأت لبعض الزملاء الإماراتيين المطالبة بتعديلات دستورية حتى تتواكب الإمارات من ناحية تشريعية مع شقيقاتها الأخريات في الخليج  0

سابعاً : ليبيا : نلاحظ بأن القذافي الرئيس الليبي غيّر من أيديولوجيته من النظرية الأشتراكية التي ينص عليها كتابه الأخضر حيث يقول : ” الكتاب الأخضر يحتاج إلى أناس مستواهم عال جداً ، وعندهم وطنية قوية جداً ، وأخلاق وعلم ، وعندهم حرص على الناس الأخيرين الضعفاء ، ومثاليون ” 0

وكذلك نلاحظ أن الرئيس القذافي ساخطاً على اللجان الشعبية قائلاً : ” حتى أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا معي ، والذين كانوا ضباطاً أحراراً وأصبحوا خونة ، واللجان الثورية والثوريين الذين خدعونا ، ولم يكونوا ثوريين ، ماذا نتوقع منهم  0 أنهم يزورون كل شيء ، يزيفون كل شيء ، شعارات بلا معنى ، لافتات بلا محتوى ، مثل الاعلانات الدعائية ” 0

ويبدو أن كل ما قاله العقيد القذافي هو تمهيداً لكي يعلن تحوله من الاشتراكية إلى الرأسمالية : حيث طالب العقيد إلغاء القطاع العام وخصخصة كل القطاعات من البترول إلى البنوك حتى المطارات ، وكان يسمي ذلك الرأسمالية الشعبية ، مستشهداً بما أطلقته تاتشر رئيس وزراء بريطانيا السابقة ، التي خصصت كل شيء في بريطانيا الأهرام العربي العدد 32 ص 30 ، 31  0

ثامناً : سوريا : نكتفي بما قاله الكاتب السوري صبحي حديدي : ” النظام السوري عاجز بنيوياً عن إصلاح نفسه مادام يعيش على نفس الآليات والوجوه التي تدير البلد من الحرس القديم ، وتنهب ثرواته 0 ومن ثم علينا ألا نتوقع منه أية إصلاحات ما لم تحسم المعركة بين الحرس القديم والجديد 0 ورأيي أن الحرس الجديد غير موجود  الأهرام العربي العدد 326 ص 51  0

نحن عندما نتكلم عن بناء المؤسسات في العالم العربي والإسلامي ، ليست فقط بغرض عرض موضوع ثقافي ، وإنما المشكلة الحقيقية بالنسبة لعالمنا العربي والإسلامي هو الإصلاحات المؤسساتية ، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية ، وبالتالي ، نحن عكس العالم الآخر ، حيث أنه لا توجد عندنا مشكلة ثروة على الاطلاق 0 فاحتياطيات العالم العربي والإسلامي من النفط تبلغ أكثر من 72% من احتياطيات العالم ، ومن الغاز الطبيعي تبلغ أكثر من 35% من احتياطيات العالم 0 الذي جعلنا أن نذكر ذلك ، هذه فقط إحدى الهبات الطبيعية الجيولوجية التي وهبها اللّه سبحانه وتعالى لنا في هذا الجزء من العالم ، وتشتمل ميزانية سبعة من الدول المذكورة أعلاه بإستثناء سوريا على أكثر من 90% من الواردات النفطية  0 ولو وظفنا التوظيف السليم لما تبقى من مواردنا الطبيعية والبشرية ، لأصبحنا من أغنى دول العالم ، إذاً ما هي مشكلتنا ؟ 0 أعتقد بأن مشكلتنا تنظيمية ، وهي التي جعلتنا في أسفل السلم الحضاري العالمي  0

فنجد رجل دولة فقيرة ، ولكن توجد بها مؤسسات للحكم مثل : الأرجنتين ، يقاتل لكي يحقق المعجزات لأمته ، فالرئيس كيرتشنر الذي كان يلقب بالدمية في الأرجنتين ، استطاع أن يضع برنامجاً إصلاحياً يشتمل على : 1 فصل عدد من كبار الضباط 2 تقديم الطلب للكونغرس لعزل رئيس المحكمة العليا 3 الحد من اضرابات المعلمين 4 خفض الضرائب 5 مراجعة العقود الموقعة ما بين الشركات والقطاع العام 0 وانتقل اسمه من كيرتشنر الدمية إلى كيرتشنر الخارق ، وقفزت شعبيته في استطلاعات الرأي من 38% إلى 80% حالياً 0  نيوزويك العدد 159 ص 028

وأيضاً ذكرت لكم سابقاً كما أعتقد بأننا نستطيع تقبل تحول شخص من نظرية أيديولوجية معينة إلى أخرى بعد تطوير نفسه بالعلم والتجربة ، ولكن لا نستطيع تقبل تحول النظام كاملاً من أيديولوجية إلى أخرى ، وكما ذكرت لكم سابقاً هذه اللعبة تبدو وكأنها لبس وفسخ القناع عند الطلب  0 فمثلاً وزير مالية البرازيل يقول : ” لقد كنت جزءا من منظمة تروتسكية مدة ثمان سنوات من حياتي 0 وقرأت الكثير عن النظرية الماركسية 0 لكنني لست سجيناً لأي نموذج 0 وما تبقى من تلك الحقبة هو إيمان بأنه ليس ثمة سبيل لتحقيق التنمية الاقتصادية دون اعتبار العدل الاجتماعي قضية رئىسية” 0 وعندما استلم بالوتشي وزارة المالية في البرازيل ، أصبح مبدعاً رأسمالياً، وباع شركة التليفونات ، وشركة الصرف الصحي في وقت كانت الخصخصة شيئاً محرماً في البرازيل  نيوزويك العدد 159 ص 25  0

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل الانتخابات في العالم العربي والإسلامي كافية لتحقيق المشاركة الشعبية ، وتطوير مؤسسات الأمة ؟

سوف أترك هذه المساحة لكي يجيبكم عليها الكاتب الأمريكي فريد زكريا بعد أن غزت دولته العراق ، لإعطاءها الحرية والديمقراطية حسب قول الولايات المتحدة الأمريكية ، فيقول فريد : ” نحن بوسعنا بالتأكيد إجراء انتخابات في العراق ، وأن نسلم السلطة ، ومن ثم نعود إلى بلادنا 0 لكن الانتخابات وحدها لا تنتج الديمقراطية،  ويضرب مثال على أفريقيا  أما في أفريقيا فقد أجرت 42 دولة من أصل 48 دولة انتخابات خلال العقد الماضي ، ولكن تبين أن جميعها تقريباً لم تنتج ديمقراطيات حقيقية” 0

ويرى الكاتب فريد لكي تشارك في تحقيق مستقبل وطنك لابد لك من العطاء والأخذ ، ومن أهم عناصر العطاء الضرائب التي تدفعها للدولة ، وبعد ذلك تقوم باختيار من يمثلك في الدولة ، لكي تراقب طريقة إدارة الأموال التي اقتطعت منك لمؤسسات الدولة 0

ويرى زكريا على العكس من ذلك في الدول النفطية فشعار الدول  نحن لا نطالبكم بالكثير فيما يتعلق بالضرائب ، ولا نمنحكم الكثير فيما يتعلق بالحرية  0 ونتيجة ذلك  بدلاً من تقييد سلطة الدولة فإن النفط يعمل على تعزيزها ، فالدول النامية توظف أموال البترو دولار في الجيش والمخابرات والشرطة السرية 0 والبترو دولار يعني استشراء الفساد في جميع جوانب المجتمع 0 فمكانة رجال الأعمال لا تقوم على الأفكار التي يطرحونها أو حجم العمل الذي يقومون به ، بل على الأشخاص الذين يعرفونهم 0 إن الدول النفطية تتميز بثقافة أرستقراطية لا بثقافة تجارية  نيوزويك العدد 149  0

وفي الختام أترك لكم هذه المساحة دون تدخلاً مباشراً من الأسئلة التالية :

أولاً : هل التشريعات التي قدمتها الدول العربية والإسلامية كافية لإصلاح    مؤسسات الدولة ؟
ثانياً : هل هذه الإصلاحات كافية لعدالة توزيع الوظائف ؟
ثالثاً : هل هذه الإصلاحات كافية لعدالة توزيع الدخل ؟
رابعاً : هل هذه الإصلاحات كافية لحفظ أمننا الداخلي ، وأمننا في مقابل الخارج ؟
خامساً : هل هذه الإصلاحات كافية للقضاء على الفساد الإداري والسياسي    والاقتصادي والمحسوبية ؟
سادساً : هل هذه الإصلاحات كافية لتحقيق الفيدرالية للإقليمية ؟

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

المراجع

1- أخبار الخليج البحرينية ، العدد 8868 0
2- الأهرام العربي ، العدد 322 ، 326 0
3- آل ثاني ، فهد ، العالم الإسلامي ، دار الثقافة ، الدوحة ، 2002م 0
4- جريدة الحياة ، العدد 14700 ، 14675 0
5- دستور دولة الكويت 0
6- المجلس الوطني الاتحادي  دستور  دولة الإمارات العربية المتحدة ، 1997م 0
7- المجلة ، العدد 707 0
8- مشروع الدستور الدائم لدولة قطر ، النظام الأساسي المعدل 1997م ، النظام الأساسي المعدل 1990 ، 1986 ، 1979 ، 1972م 0
9- نشرة الجريدة الرسمية  أم القرى  العدد 3468 ، 3474 0
10- نيوزويك ، العدد 149 ، 159 0
11- WWW. akhbor- alkhnaleej. com/arc-articles. asp trticus = 339638sn = BNE w  issne ID = 88.
12- www.alayam. com/0this/B/h chartar

ماذا على أمريكا أن تراجع أولاً ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

ونحن نتابع التهديدات الأمريكية المستمرة للعراق ، ولمحاور الشر الأخرى حسب التصنيف الأمريكي في الشرق الأوسط ، يمكننا أن نسميها محض افتراءات ، ومن الممكن أن نسميها ذرائع أمريكا 0 وأحياناً يصل بنا الحال من الدهشة إلى المثل العربي القائل ” فلان يكذب الكذبة ويصدقها ”  0 وذلك بسبب تكراره واصراره على تلك الكذبة 0

ولفت نظري أخيراً الأسلوب الذي تناول به د0 المسيري أكاذيب حقيقية (True Lies ) وهي تمثل معظم الحقائق التي يأتي بها الاختزاليون ، حقائق موضوعية ووقائع ثابتة حدثت تحت مسمع من الناس وبصرهم ، فهم لا يختلقون الحقائق  في أغلب الأحيان ، وإنما يجتزئونها ، ولكن كثيراً ما تكون الحقائق التي يذكرونها تافهة هامشية جزئية لا علاقة لها بالحقيقة الكلية ، أي كلمة حق جزئي يُراد بها باطل كلي ( المسيري ص284) .

وبالنسبة للولايات المتحدة فالحقيقة الجزئية أن العراق لا يوجد فيه ديمقراطية مثله مثل الدول العربية الأخرى ، وتوجد شريحة كبيرة من الشعب العراقي تعاني من الاضطهاد 0 ولكن قبل أن نناقش الحقيقة الجزئية علينا مراجعة الحقيقة الكلية 0 هل أمريكا بالفعل تريد أن تخلص العراق من السلطة الشمولية التي يمارسها النظام العراقي على شعبه ؟

بالنسبة للحقيقة الكلية 00 لو العراق اعترف بإسرائيل ، وفتح بابه للاستثمارات الأمريكية من دون أية شروط ، والغى جميع برامجه العسكرية ؛ لأصبح العراق دولة معتدلة بالنسبة لأمريكا  ، بغض النظر إذا بقيت نفس السلطة المركزية الشمولية أم خلعت ، أما حقوق الإنسان العراقي فهي ذريعة أمريكية ، لأن أمريكا أصلاً لم تسأل حلفاؤها الآخرين في الشرق الأوسط عن حقوق الإنسان العربي 0

وبالتالي ما تريد أن تطبقه الولايات المتحدة في العراق ، هو نفس ما سوف تطبقه في جميع دول محور الشرق أوسطية ، والسبب في ذلك أن أمريكا تريد تشكيل نظام عالمي جديد  0 ولكي ينشأ هذا النظام في الشرق الأوسط ، فعلى أمريكا تفكيك البنية التحتية : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدول الشرق أوسطية ، مثل ما فعلت مع اليابان وألمانيا بعد هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية 0 ومن ثم إعادة تأهيل المنطقة مثل ما فعلوا مع اليابان وألمانيا ، وذلك من خلال تطبيق النظرية الأمريكية السياسية والأمنية   سياسة السوق المفتوح وتطبيق نظام ديمقراطي مدجن ، وتعميم الليبرالية الثقافية الأمريكية على القطاعات الشعبية وخاصةً الشابة .

وهذا التصور الأمريكي يثير لنا لقطة مهمة هي : الشرق الأوسط ليس ألمانيا واليابان ، لأن هاتين الدولتين يعتبران دولتين عظيمتين أثناء الحرب العالمية الثانية ، وكانتا تمثلان دول المحور ، وكان عندهم طموح تشكيل نظام عالمي جديد تحت قيادة ألمانيا 0 أما دول الشرق الأوسط (العالم العربي) يعتبر القرن العشرين من أسوأ القرون التي مر بها التاريخ العربي 0 فبداية القرن شهد انهيار الدولة العثمانية ، وقسمت دول العالم العربي كقطع من الكعك ما بين الدول الاستعمارية وعلى رأسهما المملكة المتحدة وفرنسا  0 وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح الدور الأمريكي مسيطراً على المنطقة (راجع آل ثاني ، حولية مركز البحوث للدراسات الإنسانية).

الحل الحقيقي للشرق الأوسط الذي يغفله أو يتغافل عنه الأمريكان هو بأن المنطقة تحتاج لإصلاح سلمي ، لأن هذه المنطقة شارفت على الانهيار ، وربما أقوى دليل عندنا هو المؤشرات التالية :

1- البطالة : نسبة العاطلين عن العمل في الدول العربية الغير نفطية تصل إلى 50% من حجم القوى التي تقع في سن العمل ، ولو أجرينا مقارنة ما بين الدول العربية ، والدول الصناعية في الغرب من معيار سقف الأجور ، لوجدنا مجموعة البطالة في العالم العربي المقنعة والسافرة تصل إلى 90%  0 والأدهى والأمر من ذلك فأن نسبة البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي ما بين المواطنين في سن العمل تتراوح ما بين 25% إلى 30% ، علماً بأن القطاع العام في بعض هذه الدول تصل فيه نسبة الأجانب إلى 70% ، وتصل نسبة الأجانب في القطاع الخاص بطريقة ساحقة تصل إلى أكثر من 95% 0 إذاً هذا هو الحال المزري للمواطن في دول مجلس التعاون الخليجي التي تمتلك ما يقارب من 45% من احتياطات النفط العالمي ، و 15% من احتياطيات الغاز الطبيعي 0 وتعود هذه المأساة إلى عدم وجود برامج تخطيطية واضحة للتركيب الوظيفي في دول مجلس التعاون الخليجي ، وسبق أن تناولنا ذلك في دراسات سابقة ، وسنتناوله في المستقبل إن شاء اللّه 0

2- نسبة الأمية ، تعتبر من أعلى المعدلات العالمية ، حيث أن نسبة الأمية في العالم العربي ككل تصل إلى 50% ، وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي ما زالت قريبة من 20%  0

3- انعدام الديمقراطية : نستطيع أن نقول بإنه لا توجد ديمقراطية في العالم العربي ، وما وجد منها فهو يعتبر دساتير صورية ، تجعل المواطن يدور في حلقة مفرغة ، وبعد مرور فترة من الزمن يجد المواطن نفسه محلك سر ، وهكذا تفنى وتتوالى الأجيال في الاستراتيجية العربية  0

4- التنمية والاستثمارات العربية : معظم الاستثمارات العربية إستهلاكية ، وتعتمد على الاستيراد من الخارج ، وكذلك الصناعة العربية فهي صناعة إستهلاكية وتعتمد بشكل شبه كلي على وسائل الإنتاج الأجنبية ، وفيها تبعية كبيرة للدول الأجنبية 0 والأسوأ من ذلك بأن الاستثمارات الخدمية والصناعية يوجد فيها محسوبية كبيرة ، وتقتل الإبداع عند الإنسان 0 ونتيجة ذلك ربما يتذكر بعض المتابعين في دراسة نشرناها في الراية في العددين 6902 ، 6904 في مارس 2001م تقريباً ، وكذلك أعدنا نشرها في كتابنا “العالم الإسلامي” في أبريل 2002م ، بأن الناتج المحلي العربي لا يصل إلى 39% من الناتج المحلي الفرنسي ، ولا يصل إلى 42% من الناتج المحلي البريطاني ، وكذلك الفاجعة الكبرى بأنه أقل حتى من الناتج المحلي الأسباني بحيث يصل إلى 5ر99% من الناتج الأسباني ، علماً بأن أسبانيا تعتبر حسب المواصفات الأوربية دولة نامية (آل ثاني ، عالم إسلامي ، ص 132) وعزز ذلك تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002م الصادر من الأمم المتحدة في أغسطس 2002م .

وهنا نقول لأمريكا إذا كانت صادقة تريد قيادة العالم وتحقيق الأمن والسلام والعدالة لشعوبه عليها كما نرى أن تطبق التالي :

1- على أمريكا أن تبلغ متخذي القرار في العالم العربي والإسلامي ، وهم أنفسهم المتسابقين على البيت الأبيض ، لأن كلٌ منهم يريد أن يثبت لأمريكا بأنه هو الأصلح لأمريكا ولشعبه وللعالم ، وذلك شكل كثير من الارباك في جدول أعمال الإدارة الأمريكية ، وأثر على مصالح شعبها ودورها الاستراتيجي في العالم  0 إذاً المطلوب من أمريكا أن تقول لهؤلاء المسئولين عودوا إلى شعوبكم واحضروا لنا التفويض الذي عندكم لكي تكونوا الصوت الناطق بأسم هذه الشعوب  0

2- على النظام العالمي الجديد أن يكون له دور واضح في الديمقراطية الحقيقية لا الديمقراطية الصورية ، وكذلك على النظام العالمي الجديد أن يكون له دور إصلاحي واضح في الجوانب الدستورية والسلطة ونوعية الخلافة في الممالك الدستورية ، والجمهوريات الوراثية  0

3- على النظام العالمي الجديد أن يجد حلول سلمية للقضايا الشرق أوسطية المعلقة التالية : أم القضايا القضية الفلسطينية ، وأزمة العراق ، ومشكلة السودان ، وقضية أفغانستان ، وإخراج إيران وسوريا من تصنيف محور الشر  0

4- على النظام العالمي الجديد ، أن يقول للزعماء العرب ، بأن الأموال العربية الموجودة في المصارف والبورصات الأوربية والأمريكية تصل إلى خمسة أضعاف الناتج المحلي العربي (5ر2 تريليون دولار تقريباً) ، علماً بأن ما يقارب من 50% من سكان العالم العربي قاربوا من خط الفقر  0 ونحن في رأينا أنه ليس هناك مانع من أن تصدر أمريكا أوامرها على الزعماء العرب لاعادة هذه الأموال للعالم العربي ، حتى لو اشترطت أمريكا بأن 50% من هذه الأموال يفترض بأن الشركات التي تعمل بها شركات أمريكية ، شريطة أن يكون جميع الأيدي العاملة عربية باستثناء الخبرات الفنية الغير متوفرة في العالم العربي ، أو الخبرات الإدارية التي تريد هذه الشركات أن تحتفظ بها لنفسها  0

وفي الختام إذا كانت أمريكا تتهم العرب والمسلمين بالارهاب ، فماذا سوف تتهم من قاموا بعمليات انتحارية من اليابانيين في الحرب العالمية الثانية ؟ وماذا عن الفيتناميين ؟ والكوبيين أبان الثورة الكوبية في الخمسينيات ؟ ، والتاميل في سيرلانكا ؟ 0 كل هؤلاء قاموا بعمليات فدائية ، وحسب المعيار الأمريكي انتحارية ، ولكن لم نسمع بأن أمريكا قالت عن اليابان أرهابية أو آسيا أو أمريكا اللاتينية  0

وماذا عن قائد السرب الأمريكي الذي ضرب هيروشيما وناجازاكي ، عندما قال لطياريه من إصيبت طائرته منكم ، عليه أن يحاول إنزالها بالقرب من الأراضي الصديقة 0 وعندما سأله الطيارين الشباب وماذا عنك سيدي ؟

فأجاب ” أعتقد أنني عشت ما فيه الكفاية ، وإذا إصيبت طائرتي فسوف أختار أكثر المباني أضراراً بالنسبة للعدو ، وسوف أتحول أنا والطائرة إلى قنبلة مدمرة للعدو ، وكل ذلك فداءً لأمريكا وأجيالها القادمة “

وبعد ذلك رأى الجميع نظرة اعجاب عند الشباب بقائدهم فيلم (Pearl Harbour) ولماذا لا يسمى ذلك ارهاباً ؟ 0

إذاً على أمريكا أن تعلم بأن العمليات الاستشهادية في الشرق الأوسط ، يولدها القهر واليأس عند الشعوب عندما تصادر أملاكهم ، وتدنس أعراضهم ، وتنتهك حرماتهم ، وتصادر إمكاناتهم  0

وأخيراً نقول نعم من الممكن أن يصبح العالم المأوى الأكثر سلاماً وعدالة ، إذا استطاع النظام العالمي الجديد أن يلغي تكتيك حروب اجهاضية ، أو استباقية ، ويستبدل ذلك باستراتيجية جديدة أسمها أمن وسلام وعدل يشمل العالم كله  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

ماذا بعد عصر الهايدروكاربون ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

في مقولة مشهورة للشيخ أحمد زكي يماني ، بأن العصر الحجري أنتهى من دون أن تنتهي الحجارة ، وعصر النفط سينتهي من دون أن ينتهي النفط .

وفي كتابنا للجغرافيا السياسية قلنا بأن عصر النفط لن ينتهي فجأة ، وإنما يحتاج إلى ثورة كاملة في تغيير وسائل الإنتاج ، وذلك لن يحدث قبل عام 2050م 0

وفي مقالة منشورة حديثاً لباتريك سيل تعزز ما قلناه ، وهو يقول : ” كيف ستكون صورة العالم بعد أربعين أو خمسين عاماً من الآن ، بعد أن ينزل النفط عن عرشه “( الحياة العدد 14442 ) 0

ويرى باتريك سيل بأن النفط العربي يواجه اليوم ثلاثة تهديدات :

1- الاستقلال السياسي للعرب مهدد بما لا يمكن تسميته بأقل من الأمبريالية الجديدة .

ونرى بأن الدول العربية فعلاً أصبحت مستعمرات أمريكية ، ولكن من نموذج استعماري أمبريالي ، يتواكب مع مفهوم العصر ، وذلك من خلال السيطرة على التالي: (أ) النفط ينتج في العالم العربي وكمية تصديره وأسعاره تحدد من أمريكا (ب) التواجد العسكري الأمريكي المباشر على الأراضي العربية ، والسيطرة الأمريكية الكاملة على المجال السيادي الجغرافي للدول العربية  (جـ) التدخل الأمريكي المباشر في تنصيب وخلع رؤساء الدول العربية ، ومن رفض ذلك بقي هو ودولته وشعبه تحت الحصار المذل .

2- ويرى سيل ، محاولة منتجي النفط في روسيا ، وبحر قزوين ، وغرب أفريقيا ،   وأمريكا اللاتينية 0 وذلك لإسقاط التحكم العربي بامدادات النفط 0

ونحن نرى بأن هذه المحاولة فشلت بالفعل لأن مازال الوطن العربي يسيطر على 60% من احتياطيات النفط العالمي ، وكذلك مازال الوطن العربي يسيطر على 45% من السوق العالمية للنفط 0 ونضيف إلى ذلك بأن الوطن العربي يسيطر على 22% من احتياطيات الغاز الطبيعي (آل ثاني ، العالم الإسلامي ص 128 ).

لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا كانت الولايات المتحدة تسيطر على نفط وحكومات الشرق الأوسط ، ولكنها لم ولن تستطع أن تسيطر على شعوب الشرق الأوسط ، والملاحظة الغريبة بأن كلما تقترب أمريكا طردياً من حكام الوطن العربي ، كلما ينعكس ذلك سلبياً في العلاقة ما بين أمريكا والشعوب العربية  0

إذاً هذه القضية تمثل حلم مزعج بالنسبة لأمريكا ، فسيطرتها المكانية والسياسية والاقتصادية على الشرق الأوسط ظاهرياً ، تمثل سيطرة مطلقة ، ولكن باطنياً تمثل سيطرة هزيلة ، لأن الــ 300 مليون نسمة المكممة أفواههم في الوطن العربي ، يمثلون بركان هادئ ولكنه نشط ، وخاصةً إذا علمنا بأن معدل الزيادة الطبيعية في العالم العربي ، تعتبر من أعلى المعدلات العالمية ، وهي 5ر3% سنوياً ، وذلك يعني بأن سكان العالم العربي سيتضاعف في فترة أقل من 25 سنة ، أي في عام 2025م سيصبح سكان العالم العربي 600 مليون نسمة تقريباً  0

ولذلك فأمريكا وحلفاؤها يسعون سعياً حثيثاً بسبب الرعب السكاني الجارف في العالم العربي ، إلى إيجاد البدائل من خلال محورين :

أ – ايجاد الهايدروكاربون في مناطق خارج العالم العربي ، وأن أصاب ذلك الكثير   من المخططين الأجانب شيء من الاكتئاب لإيجاد هذه البدائل 0
ب – المحاولة لايجاد مصادر بديلة عن طاقة الهايدروكاربون 0 وهذا يمثل التهديد   الثالث كما يقول سيل : ” يلوح في الأفق حالياً إمكان إيجاد مصدر لا ينضب   للطاقة المتجددة المستخرجة من الأكسجين الذي سيتسبب باحتضار النفط   البطئ”0

ومن هنا أتفق مع سيل بأن بالفعل الدول الصناعية بدأت تحقق نتائج طيبة في بدائل الهايدروكاربون ، ومن هنا اقتبس هذه العبارة مباشرةً من سيل وهي : ” أن الهيدروجين يمثل التهديد الأكثر خطورة على النفط ” 0 ولم يعد سراً أن الشركات الصناعية الأوربية والمعاهد العلمية المتخصصة ، تنفق أموالاً طائلة على الأبحاث الخاصة بالبدائل 0 وقرر الأتحاد الأوربي أن يكون من أهدافه المرحلية الملحة توفير 22% من الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء عام 2010م ، و 12% من الاحتياجات الأخرى من مصادر غير نفطية 0

وانتجت جنرال موتورز سيارة ثورية تعمل على الهيدروجين ، يؤكد جيريمي ديفكين رئيس مؤسسة الاتجاهات الاقتصادية ومقرها واشنطن ” أنها ستكون النهاية للمحركات التي تعتمد على المحروقات ” ، وأخيراً يقول رينكن : ” بأن سينتقل العالم من حضارة تعتمد على النفط إلى حضارة تعتمد على الهيدروجين ” 0

وفي مجموعة دراسات سابقة بالنسبة لنا ومنها : كتاب الجغرافيا السياسية ، ودراسة قراءة في الهايدروكاربون نشر ملخص لها في الراية في مطلع عام 2002م ، وستنشر بالتفصيل قريباً إنشاء اللّه في مجلة المستقبل العربي 0

وركزنا خلال الدراسات المذكورة على الهايدروكاربون ، وعلى بدائله ، وذكرنا ذلك بالنسب التي أصبحت مصادر الوقود الأخرى تسحبها من الهايدروكاربون ، والبدائل منها :

1- الهيدروجين 0
2- الطاقة الشمسية 0
3- طاقة البخار المضغوط 0
4- المولدات على السدود المائية 0
5- طاقة الرياح 0
6- الأمواج البحرية 0

ونختم هنا الآن قائلين إلى من يهمه الأمر ، بأن التنمية موجهة إلى الاستهلاك في القطاعات الاقتصادية الثلاثة : الأولية والثانوية والخدمية 0 وساعد ذلك وجود الاقتصاد الريعي ، وخاصة في الدول النفطية النامية 0 ولكن أثناء هذا السبات العظيم لابد لنا من إثارة قضية مهمة ومرعبة  ؛ ماذا بعد انتهاء عصر الهايدروكاربون سواءً بالنضوب ، أو وجود طاقة بديلة ؟ 0

ما هي الآلية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سيعتمد عليها الاقتصاد العربي في مواجهة 600 مليون نسمة تقريباً ، بعد عام 2025م ؟  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

فلسفة النظم

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

النظام هو مجموعة من التشريعات وضعها الإنسان ليضمن التعايش القهري ، ومع التطور سمي بالسلمي ما بين المجموعات البشرية المختلفة 0 والنظام يقوم دائماً على

الترغيب والترهيب ، ويقيس المحللون السياسيون كفاءة النظام من خلال الآلية التي يتحكم فيها في قياس ميزان الترغيب والترهيب ، وطبعاً هذين المفهومين يختلفان عند عالم الجنوب

مقارنةً بعالم الشمال ، وفي الأنظمة الديمقراطية مقارنة بالأنظمة الغير ديمقراطية ، وعند الأنظمة الدينية عنها بالنسبة للأنظمة اللادينية 0 فعلى سبيل المثال أول تنظيم لآدم بعد أن خلقه اللّه

سبحانه وتعالى قال له   وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا منها رغداً حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين  صدق اللّه العظيم 0 ولكن آدم عليه السلام خالف

القاعدة التشريعية التي وضعها له النظام الإلهي ، ونتيجة ذلك صدر عليه حكم بالعقوبة وأنزله المولى عز وجل إلى الأرض ، ورغم العقوبة أعطاه الفرصة لكي يعود إلى الجنة 0 والدليل

على ذلك الآية القرآنية التالية   قلنا اهبطوا منها جميعاً ، فإما يأتينكم مني هدى ، فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون  صدق اللّه العظيم 0 إذاً ، إذا كانت المدارس المختلفة قد

رصدت وجود للإنسان قبل مليوني سنة ، وكان يقول روادها بأنه كان يتجول في جماعات كالبهائم ، فإنه بالنسبة لنا كمسلمين فالآيات السالفة الذكر تعطينا معنيين وهما  الأول  بأن الإنسان

منذ خلقه المولى عز وجل أعطاه العقل 0 الثاني  بأنه خضع لتنظيم محلي في الجنة فخالفه ، فأنزله المولى عز وجل إلى الأرض 0 ومن هنا بدأ انطلاق التنظيم البشري وتطور من خلال

محاوره الأربعة المعروفة  (1) نظام محلي ، (2) نظام إقليمي ، (3) نظام دولي ، (4) نظام عالمي 0 ونجد أن هناك عدة مدارس حاولت وضع بعض التعريفات لمصطلح نظام ومنها ، اناتول

رابر بورت ” بأن النظام هو المجموع الذي يعمل ككل ، نتيجة الاعتماد المتبادل بين الأجزاء ” ، ويرى مورتن كابلن بأنه ” مجموعة النماذج والقواعد المترابطة التي تحكم عمل العلاقات بين

الدول وتحدد مظاهر ومصادر الانتظام فيها خلال فترة زمنية معروفة ” 0

ولو حاولنا رصد المراحل التي تطور فيها التنظيم البشري لوجدنا التالي  (1) الجمع والالتقاط (2) الرعي (3) الزراعة (4) التعدين (5) الصناعة (6) ثورة المعلومات 0

ولو توقفنا بدقة وقلنا متى نشأت الدولة لوجدنا أنها نشأت منذ المرحلة الثالثة وهي مرحلة الزراعة وهذا واضح للعيان من خلال الحضارات القديمة في الشرق الأوسط فنجدها تركزت على

المجاري المائية الدائمة مثل بلاد الرافدين التي نشأت فيها حضارة سومر واكاد وبابل والكاشيون والآشوريين والكلدانيين ، ومنطقة سواحل الهلال الخصيب نشأت فيها حضارة الكنعانيين

والفينيقيين ، وحضارة وادي النيل الفرعونية 0 وبعد نشوء هذه الأنظمة المحلية بدأت تتعرض لصراع الفطرة البشرية ما بين الأخضر والأصفر ، ويقصد بالأخضر أهل الزراعة الذين نشأ

فيما بينهم تنظيم ما، وأدى هذا التنظيم إلى نشأة الدولة الأولى في التاريخ ، وما بين الأصفر وهم يمثلون قبائل الرعاة الذين يمثلون الهجوم في هذه الحالة ، وهذا الهجوم يتم لأحد هذين

السببين  (1) أما للتفاخر القبلي وهو من يحقق أكبر غنائم من خلال عمليات الغزو والفتوحات وهو في الحقيقة السطو والهلاك 0 (2) يتم هذا العمل بالنسبة لبعض القبائل الرعوية في

حالات الجدب، فيجدون بأنه لا يوجد عندهم خيار إلا غزو الأخضر 0 والمهم أن ذلك يعطينا بأنه يوجد لعبتين في هذه الحالة الأولى من خلال التنظيم الذي نشأ ما بين أهل الأخضر وأعطاهم

نموذج ابتدائي لنشأة الدولة ، والثاني التنظيم القبلي لقبائل الرعاة 0 ولكي تستمر الحياة لابد من وجود لاعبين ولعبة أو العاب وتوازن 0 وطبعاً في هذه المراحل تمت عدة اجتهادات

لترويض قبائل الرعاة ، واللاعبين في هذه الحالة سلاطين الأخضر وزعماء القبائل ، واللعبة هو توزيع الأدوار ما بين القوى ، والنتيجة هي حدوث تحالف من خلال لعبة التوازن بحيث

تتحالف بعض قبائل الأصفر مع قبائل الأخضر ، وأصبح دور الأخضر الإنتاج ودور الأصفر الحماية ، ولكن لاحظنا بأن الأصفر أصبح يمثل القوة أو أداة القمع مما جعل بعض قبائل الأصفر

يصلون إلى الحكم 0 ومن هنا صرخ ابن خلدون في العصور الوسطى وقال الأخضر صناع حضارة والأصفر يحكمون 0 ولكن بعض حكماء السياسة ابتكروا أسلوباً جديداً للإدارة العملية ،

وهو من خلال نظرية الشيء وضده ، أي التحالف مع قبيلة واحدة يعني اخضاع الأمة لسلطة فريق واحد ، والتحالف مع قبيلتين من الأصفر خلق ثنائية غير مستحبة ويسمى اختلال التوازن

، وأفضلها تعددية التحالف بحيث تكون الوسيلة لكل قبيلة هو الإثبات من هو صاحب الشوكة والأجدر لحماية الأمة ، وذلك يمثل صراع معنوي ضخم تقدم فيه تضحيات تقارن بالمعجزات ولا

تقدر بثمن اطلاقاً ، وفي هذه الحالة تتحقق الغاية المطلوبة وهي حماية الأمة من غزوات الأصفر ، وبدل أن يهلك الأصفر الحرث والنسل أصبح صراعهم فيما بينهم 0 ولكن مع حراك الأجيال

أصبحت شريحة كبرى من أبناء الأصفر ، جزء من الأخضر لأن جميع أهل الأخضر كانوا من الأصفر أصلاً ، فإذاً في هذه الحالة لابد من تنظيم جديد ، ويمثل ذلك مرحلة جديدة من تطور النظام

المحلي ، وبدأت تظهر نظام الطبقات الإجتماعية من ناحية وظيفية ، وعموماً جميعها يدور حول هذا المنوال مع الاختلاف في التوزيع ، وذلك يمثل  (1) الحكام (2) النبلاء (3)

البورجوازيين (4) الفلاحين (5) الأجانب (6) الرعاة (7) العبيد 0 عموماً هذه الطبقات استمرة بحالة استاتيكية وساكنة كأن المولى عز وجل خلق الدنيا هكذا إلى أن أصبح على سبيل المثال

بأن البورجوازي خلق بورجوازي كما خلق اللّه سبحانه وتعالى القرش في البحر ، والراعي خلق راعي كما خلق الذئب ، والعبد خلق عبداً كما خلق الجمل 00 إلخ 0

ولكن هذا الميكانيزم تغير مع مرور الزمن ، وأصبح يتطور بطريقة ديناميكية كأن يوم القيامة سوف يقوم غداً 0 فانتبهت بعض المدارس الفكرية في السلطة لذلك فقامت تصنع

وتبتكر طبقات من ضمن نفس الطبقات ، بحيث أصبح بطريقة أخرى مثلاً درجات النبلاء ودرجات البورجوازيين ، ودرجات الأجانب ، ودرجات العبيد ، أي بمعنى آخر شغلوهم بأنفسهم،

وبدأت السلطة تتحرر من الضغوط السابقة التي شكلها عليها النظام الثوري ، لأن كل شخص أصبح عنده طموح يبحث عن وضعه من ضمن طبقته وهذا خلق ستاتيكية جديدة كأن الزمن خلق

لكي لا يتغير ، بحيث حتى أمبراطور فرنسا قبل الثورة ، عندما كان مجتمعاً مع الفنان ليناردو ديفنشي لكي يطلع الملك على بعض تصاميمه ، فأتى مسئول البروتوكول وقال للامبراطور “

سيدي النبلاء ينتظرون قدومك في قاعة الاجتماعات ” فقال الامبراطور للموظف ” سوف أأتيهم بعد برهة ” ، ولكن الامبراطور تأخر لساعات ، فقدم الموظف مرةً أخرى وذكر الامبراطور

بالاجتماع ولمح الموظف للامبراطور بأن النبلاء وصلوا إلى درجة من الامتعاض ، وذلك أدى إلى غضب الامبراطور وقال لموظفه اغرب عن وجهي فهؤلاء النبلاء أنا الذي صنعتهم ، ولكن

هذا ويقصد ديفنشي صنع لي هذا ويقصد تصميم ديفنشي 0 وهذا يعطينا دليل بأن السلاطين كان ينتابهم شعور بأن الزمن قد توقف وبأن الطبقات قد ثبتت ، وبأن الإنسان انتهى دوره في

التغيير ، بل انتهى دوره ككائن عضوي أيضاً 0 وبدأت تتصور الأنظمة المحلية بأن القوانين التي وضعت ، وتوضع ، والتي سوف توضع كانت وبقيت وستبقى تسير الإنسان ، وهي من خلال

مراحل القوانين المختلفة مثل  الحق الإلهي ، مرحلة القوة ، ومرحلة العرف، مرحلة تدوين القوانين وتمثل  حامورابي ، وبوخريس ، واداركون وصولون وكليستان ، وجوستنيان ،

والأنظمة الدينية مثل الأنظمة الإسلامية ، القانون الإنجليزي ، والقانون الفرنسي 00 إلخ ، من التشريعات 0 وهذه التشريعات من جهة استطاعت أن توفر للإنسان الأمن المحلي والعمل

المتواضع والغذاء 00 إلخ 0 ولكنها أصبحت حجر عثرة أمام الفكر والإبداع والعطاء البشري ، لأن كل خطوة يريد أن يخطوها ابن آدم يجب أن يكون لها تشريع ، وإذا لم يوجد فعليه أن

ينتظر لمدة مائة عام ، أو مائتين عام أو أكثر إلى أن يوجد تشريع لذلك، وطبعاً ذلك ممكن أن يتحقق من خلال تعاقب الأجيال ، وهذا أيضاً مرفوض وضرباً من الخيال لكي يتحقق لأن كما

نعرف جميعاً بأن المكان ثابتاً بشكله متغيراً من خلال الحراك البشري عليه0 ولكن الاستاتيكية القاتلة لم تستمر أيضاً ، بل اعقبتها ثورات اقتصادية وسياسية مثل التطور الاقتصادي من الرق

إلى إقطاعي إلى حرفي ، إلى رأسمالي ، إلى مختلط ، ومن الناحية السياسية قوة الفرد ، إلى الارستقراطية ، إلى الديمقراطية بتقسيماتها المعروفة 0 وهذا أدى إلى وجود تنظيمين ثنائي

القطبية في العالم النظام الاقتصادي الرأسمالي ذو الفكر الليبرالي في الحكم ، والنموذج الاقتصادي الاشتراكي ذو الفكر المركزي الشيوعي 0 وهذا التصور لنماذج النظم من ناحية

اقتصادية وسياسية جعل المفكرين يركزون في تاريخ النظم من النواحي التالية  (1) التيوقراطية ( الحق الإلهي ) 0 (2) الديمقراطية ( المشاركة الشعبية)0 (3) المرحلة الاجتماعية 0 (4)

التطور التاريخي للدولة 0 وبالتالي التطور الحديث بدأ يعطينا تصور آخر للمجتمع بحيث أصبح بعض المنظرين يصورون المجتمع إلى مجتمعين سياسي وغير سياسي ، رغم اتفاق جميع

العلماء بأن السياسة من حق الجميع كالهواء والماء 0 ولكن حتى في العصر الحديث لم يسلم ابن آدم من عملية تلاعب المخططين السياسيين للمجتمع، فنلاحظ الفكر وضع تصور للاعبون

من ناحية شخصية بحيث قسمهم كالتالي  لاعب أصلي ، ولاعب مشارك ، ولاعب فرعي ، وأخيراً الغوغاء 0 ويعتبر الغوغاء هم القطاع الذي يمثل القاعدة الشعبية للاعبين ، إذ ربما يثار

سؤال ( ماذا عن الخارج من أصول اللعبة ) ؟ ، طبعاً الإجابة هي بأنه يعتبر معارضة ، ولكن المعارضة لم تترك على إطلاقها بل أصبح هناك تخطيط لها  أولاً  تتعرض للتعتيم التام 0 ثانياً

تحارب اقتصادياً ووظيفياً 0 ثالثاً  من يخرج من عنق الزجاجة يفتعل له صراع مع عناصر المعارضة الأخرى مثل التيوقراط ضد الليبراليين ، الرأسماليين ضد الاشتراكيين 00 إلخ 0 وهذا

يعطينا تصور بأن المعادلة الصفرية بدأت تستخدم ضد الأفراد أيضاً ، وأستطيع أن أقول لكم بأن المخطط الذي يستخدم المعادلة الصفرية هو نفسه يمر في مرحلة حرجة لأنه لا يوجد عنده إلا

خيارين لا ثالث لهما ، وهم أولاً  استخدام المعادلة الغير صفرية ، وهي تقوم على اضعاف الخصم والاحتفاظ به في الملعب ، ثانياً  المعادلة الصفرية وهي تقوم على سحق الخصم وفي هذه

المرحلة يكون المخطط في اسوأ حالاته لأنه لم يستطع أن يسيس العملية لأن جميع أصول اللعبة أصلاً موجودة في كفه ، ولا يوجد عند الخصم إلا الإرادة فقط 0

ومن هنا انفجر فكر حديث يحلل المدرسة الإسلامية السياسية في العصور الوسطى ، فبعض الآراء ترى بأن الخلافة الإسلامية في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي اللّه

عنه كان يوجد فيها ابداع سياسي استطاع من خلال المحافظة على ابقائه على أصول اللعبة في قيادة الدولة الإسلامية ، ويعود ذلك إلى عنصرين رئيسيين  (1) في المدينة المنورة ومكة

المكرمة كان يوجد فيها هيبة كبيرة للفاروق رضي اللّه عنه ، (2) في الولايات الإسلامية حرص الفاروق على الاحتفاظ بكبار الصحابة عنده لكي يستنير بآرائهم في إدارة الدولة الإسلامية ،

ولكن المدارس الأخرى ترى أن ابداع الفاروق السياسي ، هو ببقائه كبار الصحابة عنده في المدينة تحت نفوذه وذلك يعود لأمرين حتى لا تغويهم الدينا ، والآخر سياسي ، هو حتى لا تجذبهم

نشوة السلطة بالاستقلال بولاياتهم عن المركز في المدينة المنورة ، وخاصة أن شعور كبار الصحابة بأنهم لا يقلون عن الفاروق رضي اللّه عنه لا من حيث القرب من الرسول ص ولا من

حيث العلم ولا من حيث النسب ، بل بعضهم كان يعتبر نفسه أحق من الفاروق عمر بالخلافة رضي اللّه عنه وعنهم أجمعين 0 وعكس ذلك نجد المخطط السياسي أضاع أصول اللعبة في عهد

عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنهما ، وذلك أدى إلى نشوء نزاع مهلك ما بين الصحابة والتابعين رضي اللّه عنهم أجمعين 0

والمثال الآخر معاصر وتطرقت له منذ فترة قريبة في جريدة الراية القطرية ، بحيث قلت بأن بوش الأبن عندما وجد نفسه ضعيفاً في قيادة الأمة الأمريكية ، ذهب واستعان

بشكل كبير بالمدرسة الكلاسيكية الجمهورية للجمهوريين ممثلة بقادة المرحلة الزمنية للعقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين وهم السيد تشيني والسيد كولن باول ونجد ذكاء المخطط

السياسي في هذه المرحلة بأن تشيني كبير السن نسبياً ويعاني من مشاكل صحية ولكنه محنك في إدارة دفة النظام السياسي العالمي ، وخاصة التصور الذي وضعه بوش الأب للعالم والذي

اسماه قبل عقد من الزمان بالنظام العالمي الجديد ، وكولن باول كبير السن أيضاً وذو خبرة جيدة في السياسة العالمية وخاصة من خلال مبدأ نظرية القوة 0 فتصوراتي في ذلك بأن بوش

الأبن من خلال المطبخ السياسي لآل بوش ، يوجد عندهم برنامج ، وربما لمدة سنتين لتحقيق تصورهم الجيوبولتيكي العالمي ، وفي السنة الثالثة فعليهم أن يستعدوا لتشكيل فريق آخر من

اللاعبين الشباب للاستعداد لكسب الانتخابات الأمريكية في عام 2004م ، وسوف يكون شعار هذا الفريق هو التركيز على النظام المحلي الأمريكي من خلال دغدغة مشاعر الغوغاء كما

يسميهم خبثاء علم السياسة ونحن نسميهم الناخبين الأمريكان الأبرياء من خلال الوعود الاستهلاكية رغيف لكل جائع ، ومدرسة لكل طفل ، وسرير مستشفى لكل مريض ، ومصحة لكل كبير

في السن 00 إلخ 0 ومن خلال تجديد الوجوه وتغيير أصول اللعبة احتمال كبير أن يبقى آل بوش في البيت الأبيض إلى 2008م ( وهذا التصور الأخير أرجو بأن يسجل للتاريخ ونذكره كل

سنتين من الزمن إذا أمد اللّه لنا وياكم ) 0

ربما يثار سؤال في خاتمة النظام المحلي ، بأن السيطرة على المجتمع منذ فجر التاريخ تمت من خلال التقسيمات الاجتماعية فهل مازال للتقسيمات الاجتماعية وجود الآن ؟

وأقول لكم نعم موجودة وأبع مما كانت عليه سابقاً ، بل أن بعض المحللين قسم التنظيم الاجتماعي المعاصر بمسمى قاعدة القمع والارهاب من خلال

1- التنظيم والقانون  وذلك من خلال القانون الخاص المدني والعام الإداري والجنائي ، فينتابك شعور من خلال هذه القوانين بأنك تملك كل شيء ولكن في الحقيقة فأنت مسجون

ومكبلة يداك من خلال قيود تسمى النظم والقوانين ، رغم أنك تعيش في الفضاء الخارجي 0 وإذا أردت أن تتأكد بأن يداك محكومتان الوثاق انظر إلى الأشخاص المستثنين من القانون

2- الأمن  أصبح هناك تقسيمة حديثة لأجهزة الأمن في كل العالم وذلك لأن الأنظمة لا تثق في هذه الأجهزة ، فنجد لهذه الأجهزة عدة مسميات مثل مخابرات محلية ودولية مثل في

الولايات المتحدة والمملكة المتحدة CIA و FBI و MI5 و MI6 00 إلخ ، ومباحث وأمن دولة واستخبارات والشرطة بمفهومها التقليدي والجيش بفروعه المختلفة ، وللأسف الشديد

بسبب العزل الكبير الذي تعيشه هذه الطبقة من ناحية مادية وأيديولوجية وإجتماعية ، يعطيها زخم بأنهم من أصول اللعبة ، وبأنهم قمة الهرم بالنسبة للمجتمع ، ويبقى هذا الخيال المخملي

يراودهم إلى أن يبلغوا من العمر عتيا فيكتشفوا الحقيقة بأن كل ما كانوا يعتقدوا بأنه من أصول اللعبة كان فقط أدوات تمويه معنوي لدعمهم للاستمرار في خدمة اسيادهم ، وبأنهم لا شيء ،

ويعتبرون صفر من الشمال ، وينطبق عليهم البيت العربي الأصيل القائل

احفظ ادبشك اللي عن الناس مغنيك اللي إلى بان الخلل فيك يرفاك

3- التقسيم الاقتصادي للطبقة الاجتماعية  يبقى المسكين يتعلم إلى أن تبيض عيناه ، وكله طموح بأنه سوف يكافئ بعد التخرج بحياة كريمة ، وسوف يصبح عنصر فعال في

المجتمع، وغاب عن ذهن أخي المكافح بأن هناك تقسيمة اجتماعية ، وسوف يقوم مخطط اللعبة باعطائه الدور الذي يراه مناسباً له وليس الدور الذي يستحقه ، والأسوأ من ذلك بأن حتى

المواطن في العالم الصناعي يعاني من هذه الكارثة من خلال التصور البريطاني الرأسمالي لأصحاب الياقات الزرقاء وأصحاب الياقات البيضاء ، وفي الاتحاد السوفيتي السابق الحكومة

المركزية والبروليتاريا ، وفي عالمنا المتخلف من خلال كبار الموظفين ، والموظفين المتوسطين ، وصغار الموظفين 0 ويبقى الغلابة من سن 15 سنة إلى70 سنة يدورون من ضمن هذه

الحلقة المفرغة وكأنها قدرٌ محتومٌ عليهم ، ويبقون يتهامسون فيما بينهم كالابل التي تعاني من الهلاك وتوجد في المحل، بحيث تهمس كل واحدة منهم إلى الأخرى بأن الغيث سوف يأتي لا

محالة ، وهم في انتظار الغيث أن يأتيهم ، وكل برهة وأخرى إحدى الجمال تقضي نحبها بينهم ، ويتبع ذلك الصمت الرهيب الذي لا يخلو من الأمل  وهو يمثل طبيعة الجمل العربي الأصيل 0

4- ديمقراطية ( مشاركة شعبية ) حياة نيابية ناضجة في دول الشمال وخاصة أوربا الغربية والولايات المتحدة وكندا واليابان ، أما ما تبقى فهي حياة نيابية صورية ، وحتى لو

كانت المجالس منتخبة ، ويمكننا مراقبة ذلك من خلال التشريعات والقرارات التي تتخذها هذه المجالس في العالم النامي ، أما وسائل الإعلام فهي ذات حرية ظاهرية ومعظم قادة الوسائل

الإعلامية معينون من السلطات في العالم النامي ، وذلك مما يجعل قراراتهم حذرة ودورهم هامشي 0

هذا هو تحليل مقتضب لتقسيم الطبقات في الأنظمة المحلية في العالم مع التركيز على دول العالم النامي 0

ولا نقول وداعاً بل إلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه تعالى

فلسفة النظم المكيافللية

بسم الله الرحمن الرحيم

24/4/2005

الذي نقدمه هنا ، يعتبر من أحد فصول كتابنا الذي سننشره في المستقبل إن شاء الله ، واسمه الملف الأسود في السياسة 0 ويمكن مراجعة بعض فصول كتابنا أيضاً في موقعنا الإلكتروني مثل : فلسفة النظم ، والمصلحة ، وفن اللعبة السياسية 00 إلخ ، وبعض الفصول المذكورة سبق وأن نشرت في الراية

النقطة التي نريد أن نوصلها هنا للقارئ الكريم ، وخاصة لطلاب السياسية وللمهتمين بالشؤون السياسية ، بأن إذا أردنا أن نعرف ما يدور حولنا اليوم من برامج سياسية ، فلابد لنا من معرفة التاريخ السياسي ، والبرامج السياسية المعاصرة ، ومستقبل السياسة !!

والمجهود الذي سأحاول أن أقدمه لكم من خلال هذا الفصل هو تحليل الفكر الفلسفي في السياسة لمكيافللي ، وموقع هذا الفكر ما بين المدارس الفلسفية السياسية المختلفة مثل : السياسة عند الإغريق ؛ أفلاطون وسقراط وأرسطو ، ومناهج الإبداع مثل : الابقريون والرواقيون والسفسطائيون ، ومدى التزام الرومان بتفسير السياسة ، ومرحلة المفهوم الوستفالي للدولة وما بعد الوستفالية ، والإبداع الذي وصل إليه كل من هوبز ولوك وروسو، وتفسير المدارس الاستراتيجية الطبيعية للسياسة ، وطبعاً عدم إغفال أهمية الإبداع السياسي لدهاة العرب الأربعة ، وفلسفة ابن خلدون ، ومقارنتها مع فلسفة هيغل الذي نقل كثيراً من المقدمة وروضها بطريقته الفلسفية !!

وبالطبع حتى أتجنب تحويل الموضوع إلى محاضرة أكاديمية في السياسة فأعتقد أنه من الأفضل أن أسهل عليكم القضية 00 وأدخل فيها بطريقة مباشرة 00 فخلاصة المناهج السياسية نستطيع أن نختصرها في منهجين رئيسيين في السياسة : المدرسة المثالية ، والمدرسة الواقعية 0 فالمدرسة المثالية من روادها أرسطو 0

فأرسطو قال عن المدرسة المثالية ( الأخلاقية ) : ( لما كانت الدولة، كل دولة ، نوعاً من المشاركة ، وكانت كل مشاركة ، تتم للوصول إلى نفع وخير ، إذاً المفروض أن الخير هو نهاية كل عمل 0 فمن الواضح أنه بالنظر لكون الخير هدف جميع المشاركات ، فإن الخير الأسمى ، في أرفع رتبه ، هو هدف تلك المشاركة السامية ، التي تضم كل ما عداها ، أو بكلمة أصح ، الدولة أو المشاركة السياسية ) 0

من خلال التعريف أعلاه يوضح لنا أن المنهج الذي يستخدمه أرسطو في السياسة هو المنهج الأخلاقي ، ولكن ذلك ليس بالضرورة لكل من يستخدم هذا المنهج أن يكون شخص فاضل أو سيء ، ولكن يفضل بعض المحللين السياسيين لمعالجة الظواهر السياسية باستخدام المنهج أعلاه !!0

أما أسلوب مكيافللي فهو أسلوب براغماتي نفعي ، ونسمي ذلك المدرسة الواقعية ، والمنهج الواقعي عند مكيافللي هو : ( أن الدولة تمثل تنظيماً وتحديداً بينما الأفراد تدفعهم أنانية نفوسهم فينزعون إلى الخمود الاجتماعي 0 الفرد ينزع إلى الهرب باستمرار ، ويميل إلى عصيان القوانين وعدم دفع الضرائب والامتناع عن خوض الحرب 0 وقليل هم الأبطال أو القديسين الذين ضحوا بمصلحتهم على مذابح الدولة ، وغير هؤلاء جميعاً في حالة ثورة مكبوتة ضد الدولة ) 0

ما ذكر أعلاه لا يعني بأن مكيافللي خبيثاً ، كما قلنا قبله لا يعني استخدام أرسطو للمنهج الأخلاقي أن يعني ذلك أن أرسطو فاضلاً 0 والذي نريد أن نصل إليه استخدام المنهج التحليلي يفرض نوعية النتائج التي نصل إليها 0

وبالتالي عندما نراجع رسائل مكيافللي نجد التالي :

المشهد الأول : أن الناس تعشق من يصون مصالحها :

عندما دعا أهل ميلان لويس الثاني عشر لاحتلالها فتحوا له أبواب مدينتهم للغازي ! 0 ولكن بعد أن وجدوا الآمال التي تعلقوا بها تتلاشى بسرعة البرق ، ولأنهم لم يحصلوا على المنافع التي كانوا سيتوقعونها ، هكذا تعذر عليهم احتمال حكم أميرهم الجديد في هذا الحكم من استثارة لحفيظتهم ! 0

إذاً هذه الصورة لم يخترعها مكيافللي وإنما نقلها من واقع شعب ميلان ! 0

المشهد الثاني : خلخلة التركيبة الحضارية للشعب ، ومن ثم حكمهم :

هذا ما فعله الأتراك في بلاد اليونان ، إذ على الرغم من جميع الوسائل التي لجأ إليها الأتراك للاحتفاظ باليونان ، فإن هذا الاحتفاظ ما كان ممكناً ، لو لم ينتقل الأتراك إلى بلاد اليونان للعيش فيها 0

المشهد الثالث : عندما تسيطر على شعب فأجعل أعزته أذلته ، وأذلته أعزته :

على حاكم المقاطعة أن يحاول إضعاف الأقوياء منهم 0 فالرومان في مستعمراتهم غرروا بصغار الوجهاء دون أن يضعفوا قوتهم ، وأخمدوا سلطان الأقوياء 0

المشهد الرابع : القضاء على الحليف :

إذا طلبت من فئة سكانية خدمات في حالة الأزمات ، ويتحقق بعد ذلك انتصارك وانتهاء الأزمة ، فهناك مشكلة جديدة ، فحلفاءك أصبحوا شركاء في سلطانك فلابد منك من القضاء الكامل على الحليف ، لأن خطوة الحليف القادمة أما الشراكة أو خلعك من سلطانك ! 0

المشهد الخامس : قسم مكيافللي الممالك إلى قسمين :

وننبه هنا المهتمين بهذا الشأن وخاصة طلاب السياسة بأن هذا التقسيم لا ينطبق على العالم المعاصر ، ، وخاصةً بعد المرحلة الويستفالية ، باستثناء الجيوب بعضها في دول العالم النامي 0 وتقسيمة مكيافللي هي كالتالي :

أ   –       الملك وموظفوه الذين عينوا وزراء بتفضل وكرم منه فيساعدونه في إدارة شؤون المملكة 0 أما تعليقنا على ذلك في فترة مكيافللي كان مفهوم المملكة (أ) بأنها جزء من أملاك الملك بشعبها وأرضها ومواردها ، ولكن ذلك يحدث مشاكل بسببه في العالم النامي الآن ، لأن الوزراء بعد تعيينهم ظاهرياً يقولون كل المملكة بما فيها ملك للملك ، ولكنهم حقيقة لا يؤمنون بذلك ، بل يعتبرون أنفسهم شركاء مع الملك في النهب والاستيلاء على ثروات المملكة !! 0

ب –       ملك ونبلاء وهذا ما يشبه النظام الإقطاعي ، بحيث يكون لكل مقاطعة أمير ، وجميعهم يدينون بالولاء لقمة الهرم وذلك ممثلاً بالملك 0 ويرى مكيافللي أن النوع (ب) من الممالك فرصة بقائها أطول من الممالك المركزية 0

المشهد السادس : في حالة الاحتفاظ بالمستعمرة دون ضمها :

من الممكن أحياناً أن يسمح للناس العيش في ظل قوانينهم مكتفياً بتناول الجزية منهم ، وخالقاً فيها حكومة تعتمد على الأقلية الحاكمة 0

المشهد السابع : الموظف الذي يعمل إلى مستواك فعليك القضاء عليه :

على الزعيم أن يكون كريم فوق الحدود على الوزير الطماع ، إلى أن يشعر الوزير بأن إمكانياته وصلاحياته لا تقل عن زعيمه ، ولكن اكتشف مكيافللي من تجارب الآخرين ، بأنه إذا أراد أن يتخلى الزعيم عن وزيره الطماع ، فعليه أن يقضي أو يحطم وزيره قضاءً أو تحطيماً كاملاً ، لأن مجرد ترميج هذا الوزير ، فكأن الملك ضرب آخر مسمار في نعشه !! 0

المشهد الثامن : القوات المسلحة :

من الممكن تقسيمهم إلى اربعة أقسام : المواطنين ، والمرتزقة ، ومختلط ، والإضافية ( يقصد بها القوات الأجنبية التي تأتي للمساعدة في الأزمة فقط ) 0

طبعاً هنا معظم المدارس تتفق مع تحليل مكيافللي بأنها جميعهم خطرهم أكثر من فائدتهم باستثناء المواطنين أحياناً 0 لأن الحرب تعتمد على تقديم النفس إلى الموت ، والمنهج البراغماتي يعتمد على المصلحة ، والذي يريد مصلحة , لن يموت من أجلها لأنه أصلاً يريد التمتع بها ! 0 ولكن من الممكن أن يقدموا أنفسهم فداء للوطن في حالة إذا كان هناك عند المواطنين الشعور الحقيقي أن الوطن هو كل حياتهم وجميعهم مشتركين في الحقوق والواجبات ، أو يكون هناك رمز يجمعهم مثل الدفاع عن الدين ، أو أيديولوجية سياسية يؤمنون بها !! 0 وهنا نؤمن بالمقولة المشهورة أحذر من شعبك مرة ، ومن جيشك ألف مرة !! 0

المشهد التاسع : كن كريماً إلى أن تصل إلى السلطة :

من هنا ترى مدرسة مكيافللي الواقعية بأنه لا مانع أن تكون كريماً في حالة محاولتك الوصول إلى السلطة ، ولكن بعد وصولك للسلطة فلا مانع أن تعود إلى غريزتك الرئيسية وهي البخل ! 0 إلا في حالة إذا شعرت أن سلطانك اهتز !! 0

المشهد العاشر : كن قاسياً ، كن ظالماً ، كن مكتسحاً :

حكمة مكيافللي هنا من خلال تجاربه بأن الناس يحبون بأهوائهم ولكنهم يخافون بإرادة الزعيم !! 0

المشهد الحادي عشر : لعبة القانون :

عندما تريد انتزاع السلطة فلابد من استخدام القوة ، ولكن لكي تحكم الشعب ، ويبقى مذعناً لك ، فلابد لك من استخدام القانون 00 ولكن أي قانون ؟ 0 طبعاً على السلطان أن يخلق القانون الذي يناسبه ، ويجعل أفراد الشعب مذعنين له وبالقانون !! 0

المشهد الثاني عشر : طريقة إيصال الأوامر إلى الشعب :

الشعب ينقسم ما بين الدهماء والقلة ، فعندما تريد أن تقدم أي مشروع جديد فعليك بعرضه على الدهماء وبطريقة مستعجلة ، وإصدار القرار فيه قبل أن يتدخل القلة لأنهم سيقومون بعرقلة وتشويش فكر الدهماء ، والمهم عند مكيافللي من ناحية براغماتية هو السيطرة على القاعدة ، وليست السيطرة على النخب التي من الصعب السيطرة عليها !! 0

المشهد الثالث عشر : المتآمرين :

هنا ناقض مكيافللي ما بين المدرستين الواقعية والأخلاقية ، وكذلك تردد كثيراً في هذا الرأي ، ولكنه في النهاية مال أكثر للمدرسة الأخلاقية وهو ما يناقض معظم رسائله بحيث قال ( الزعيم الذي يكسب ود الشعب يكون في أمان من تآمرهم عليه ) 0

المشهد الرابع عشر : الخصوم :

لاحظوا هنا وبعنف ، رجع مكيافللي للمدرسة الواقعية قائلاً :  ( لا تقضي على الخصوم مرة واحدة ، حالف بعضهم وقم بالقضاء على الآخرين ، إلى أن تقضي عليهم بالتدريج ) ، ومن هنا اقتبس من المدرسة الرومانية ( هو عندما تحارب الخصوم جميعهم مرة واحدة ، فسوف يتحدوا ضدك ، ويقهرونك ، فعليك بتفريقهم ، وتمزيقهم ، وتدميرهم بالتدريج!!) 0

المشهد الخامس عشر : صناعة النصر :

أحياناً تحتاج إلى إنجاز ، فلابد لك من تفجير قضية ، على شرط أن تكون متأكداً من القضاء عليها ، وبعد تفجير هذه القضية تقوم برد حاسم على هذه القضية ، وتكون النتيجة هو النصر 0 وقبل النصر يفترض أن يكون هناك خطة مسبقة حتى قبل تفجير القضية : ما هي الآلية التي تستطيع إخراج جميع الشعب لكي يحتفلوا معك بالنصر ؟ ! 0

المشهد السادس عشر : ازرع قلاعك في قلوب شعبك :

انظر هنا تناقض عند مكيافللي ما بين المدرسة الأخلاقية والواقعية ، فمكيافللي ضد القلاع وبهرجة السلاطين الزائدة ، ومن هنا يقول ( أفضل القلاع التي تبنيها, هي التي في أفئدة الشعب ) ، وهذا يمثل قمة المنهج الأخلاقي 0 وتعليقنا هنا بأن الشخص الذي يتعامل مع المنهج البراغماتي ، فالشعب لا يؤمن جانبه عندما يضطر أحياناً إلى استخدام المنهج الأخلاقي !! 0

المشهد السابع عشر : طريقة اكتساب الزعيم للشهرة وفي الوقت نفسه استهلاك طاقة الشعب :

طبعاً على الزعيم القيام بعمل المشاريع العظيمة ، وهذا ليس بمهم حتى لو تحولت إلى فيلا بيضاء أو أطلالاً ، لأن خلال عملك لهذه المشاريع العظيمة يكون شعبك مذهولاً ، وتكون متسلطاً على عقولهم ، وتجعلهم مشغولين دائماً بالتطلع إلى النتائج !! ، وبمجرد انتهائك من مشروع فعليك أن تكون جاهزاً لتشغلهم بمشروعاً آخر حتى لو كان عديم الفائدة على المدى البعيد 00 وهلم جرا ، وهذا سيشغل الشعب عنك في معظم فترة سلطانك !! 0

المشهد الثامن عشر : حكمة دوران الزمن :

ومن هنا نلاحظ أن مكيافللي اقتبس ذلك من عند أحد دهاة العرب ، وهو عندما قال مكيافللي ( الخطأ الشائع عند الناس ، أن لا يحسبوا حساب العواصف عندما تكون الرياح هادئة ) 0

وفي ختام تنظير رسائل مكيافللي ، لابد أن أكون أميناً معكم قائلاً بأن هذه الرسائل من الصعب تطبيقها الآن باستثناء بعض الجيوب المتخلفة ، ويقودها مجموعة من الأغبياء ، لأن حكمة رسائل مكيافللي أن تنفذ من دون أن يدركها الشعب الذي تنفذ ضده ! 0 وليس كما يحدث الآن في بعض جيوب العالم ، كما يقول المثل القطري : ( إذا كان الأغبياء يأكلون التمر ، فالشعوب يعدون الطعام ) !! 0

أما بالنسبة لعالمنا المعاصر الذي وصل إلى ما بعد الدولة القومية ، فلم تعد هذه المناهج تنطبق عليه بحذافيرها إلا بعد ترويض أجزاء منها ! 0 فمثلاً نحن الآن كمتابعين للسياسة العالمية ، نلاحظ الآن في أبريل 2005م متعة في اللعبة السياسية ما بين قادة حزب العمال في المملكة المتحدة ، وهي لعبة شد الحبل ما بين بلير وبراون ، والغريب في ذلك أن كل واحد يريد التخلص من الآخر ليصبح زعيماً على إحدى أهم خمس دول في كوكب الأرض ، ولكن مشكلة المحور هي التالي كما تقول الصحافة العالمية : (أنهما لا يستطيعا العيش معاً ، ولكن من دون الآخر ، فإن كل واحد منهم سيدمر نفسه ) 0

والعرب يعتبرون من دهاة التخطيط السياسي ، حتى من قبل انطلاق رسائل مكيافللي بتسعة قرون من الزمن ، وإن يكن العرب اقتبسوا كثيراً من فن السياسة عند الإغريق ، ومن الأمثلة على التخطيط السياسي عند العرب، لعبة شد الحبل ما بين معاوية ابن أبي سفيان صاحب أكبر دولة إسلامية عربية ، وأخيه زياد ابن أبيه ، فكان زياد شديد البأس وعنيف عند تطبيقه العقوبات على رعيته ، وكانت رعية زياد عندما يشعرون بالظلم ، يذهبون إلى الشام لكي يحصلوا على حماية أمير المؤمنين من زياد ، وكان أمير المؤمنين يجيرهم ، والغريب في الوقت نفسه لا يكف يد زياد عن غيرهم ، وهذا مما جعل زياد يكتب لمعاوية قائلاً : ( إن هذا لفساد لعملي كلما طلبت رجلاً لجأ إليك وتحزم بك ) 0

فرد عليه معاوية : ( أنه لا ينبغي أن نسوس الناس بسياسة واحدة ، فيكون مقامنا مقام رجل واحد ، ولكن تكون أنت للشدة والغلظة ، وأكون أنا للرأفة والرحمة ، فيستريح الناس بيننا !! ) 0

وطبعاً هناك مقالب أخرى من زياد عملها في معاوية ( لا مجال لذكرها الآن ) 0 ولكن خطة معاوية كانت واضحة وصريحة هو نقل الحكم لابنه من بعده ، وكانت وصيته لابنه يزيد ، وهذه الوصية ستوضح لكم كيفية دهاء السياسة مع مختلف الفئات البشرية من خلال مفاهيمها الحضارية والاستراتيجية والجيوسياسية ، فمقالة معاوية لابنه : ( انظر أهل الحجاز فأنهم أهلك فأكرم من قدم عليك منهم وتعاهد من غاب عنك ، وانظر أهل العراق وأن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عامل فعليك أن تفعل ، فإن عزل عامل أحب إليّ من أن يشهر عليك مائة ألف سيف ، وانظر أهل الشام فليكونوا لسانك وعينيك ، فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم فأردد أهل الشام إلى بلادهم فإنهم أن أقاموا بغير بلادهم ، أخذوا بغير أخلاقهم 00 إلخ ) 0

في ختام هذا الفصل وجدت جميع الفقهاء في السياسة في الدول النووية ، وعهد الإغريق ، وعهد الرومان ، والدولة الإسلامية ، والدولة البابوية ، وعهد الإقطاع ، ومرحلة الكشوفات ، ومرحلة ما بعد الدولة الويستفالية ، والآن في عهد الدولة ما بعد القومية ، يختلفون في كثير من الأشياء ويكادون يجمعون على شيء واحد ، بأن الناس تتغاضى عن كل رذائل الزعيم منها ما يذكر ، ومنها ما لا يذكر ، إلا رذيلتين أقر جميع الفقهاء بأنها لا تغتفر للزعيم وهي : الأولى البخل ، والثانية : عدم إنزال الناس منازلهم 0

وعموماً كل ما قرأتموه يعتبر من فصول المقدمة ، أما مسودات لب الموضوع فهي جاهزة عندي وحتى لا أحرق الموضوع على المهتمين سأقوم بإنزاله بالتدريج وبهدوء !! 0

والى اللقاء إن شاء الله

فلسفة السياسة

بسم الله الرحمن الرحيم

27/12/2005

تلقينا دعوة كريمة من مركز البحوث في وزارة الأوقاف القطرية للمشاركة ببحث للمرة الرابعة على التوالي في كتابهم السنوي الموقر ، علماً بأننا قد شاركنا في السنوات الماضية بثلاثة بحوث هي : النظام الإقليمي الخليجي ، وجدلية الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ، ودور مسلمي الغرب في تطوير العالم الإسلامي ! .

وتتسم الدعوة هذه المرة بنكهة وطابع خاص ، حيث أنها تركز على فن الخطاب ، ولقد شعرنا منذ اللحظات الأولى بأن هذه الدعوة للكتابة في هذا الموضوع ، متوازية للأهمية التي أوليها لكتابنا الذي عقدنا العزم على نشره إن شاء الله في القريب العاجل ، وعنوانه : الملف الأسود في السياسة! .

ومن هنا سنحاول أن نبدأ معكم بطرح بعض المصطلحات الفلسفية في اللغة السياسية ، ربما يتفق البعض معنا فيها ، أو لا يتفق ، ولكن هذه الحقيقة التي نعاصرها ، وربما تستمر لأجيال قادمة .

أولاً : البيعة : البيعة نفسها ليست انتخاباً أو يمين ولاء ، ولكنها تتم على مرحلتين ، أن يثبت الشخص نفسه بطرق شرعية أو غير شرعية ، ويكون فيها طرفين : الحاكم نفسه وهو لا يتغير ، والطرف الآخر يوصف في كتب الشريعة بأنه المسلمون عموماً ، لكن عند التنفيذ يتكون عادة من جماعة صغيرة من الناس ، كضباط البلاط والجيش والبيروقراطية ، وكما هو متوقع القيادة الدينية في مركز القوة .

ثانياً : الشوكة : سنجد هنا أن البيعة لا بد أن يسبقها السيطرة الكاملة على الموقف ، ويصبح السواد الأعظم من الأمة أمام أمرين ، إما أن يؤدوا البيعة عن بد وهم صاغرون فيقوا أنفسهم الشر القادم إليهم حتى ولو كان مؤقتاً ، أو أن يعترضوا فيعرضوا أنفسهم للتهلكة . وفلسفة الشوكة كالتالي :

إذا خلا الوقت من إمام فتصدى لها من هو ليس من أهلها ، وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف ، انعقدت بيعته ولزمت طاعته لتنظم شمل المسلمين وتجمع كلمتهم ، ولا يقدح في ذلك كونه جاهلاً أو فاسقاً في الأصح !! ، وإذا انعقدت الإمامة بالشوكة والغلبة لواحد ثم قام آخر فقهر الأول بشوكته وجنوده ، انعزل الأول وصار الثاني إماماً .. إلخ.

هنا أجد تفسيراً للشوكة عند بعض فقهاء المسلمين ، في القانون الدولي المعاصر ، أو ربما القانون الدولي اقتبس ذلك من فقهاء المسلمين ، وذلك في حالة قيام انقلاب في دولة ما ، استطاع الثوار السيطرة بشكل مطلق على الدولة ، وبعد ذلك أعلن الثوار بأنهم يحترمون جميع الحقوق المدنية لمواطنيهم ، ولم يقوموا بسفك جماعي للدماء ، وإنما حاولوا السيطرة على من حاول أن يعارضهم ، بدون سلاح ، وكذلك استطاعوا أن يقهروا بالقوة معارضيهم المسلحين ، ويأسروا معارضيهم الآخرين ، وأعلنوا بأنهم سيعرضون جميع الأسرى أمام قضاء مستقل ونزيه ، وكذلك أعلنوا بعد أن يستقر لهم الأمر بأنهم سيرفعون إعلان حالة الطوارئ ، وسيصدرون عفواً عاماً ، هذا من الناحية الداخلية ، وإضافة بعض الشكليات عن إعلان حكومة للإنقاذ مؤقتة …. الخ . أما من الناحية الخارجية ، أعلنوا اعترافهم بجميع المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقع عليها النظام المخلوع ، في هذه الحالة يرى بعض فقهاء القانون الدولي بأن الثوار أصبحوا حكومة شرعية !! . ولكن لو فشل الثوار في السيطرة على الأمن ، أصبحوا خونة ومجرمين . أرجو من القارئ الكريم أن ينظر إلى هشاشة الخط الفاصل في السياسة ما بين : الشريف والنزيه والبطل الوطني  ، والمجرم والخائن للوطن !! .

أخيراً ، حتى لا أقوم بحرق المواد العلمية السياسية في بحثنا الذي سنشارك به إن شاء الله مع مركز البحوث في وزارة الأوقاف ، وكذلك بعض المواد العلمية السياسية في كتابنا القادم إن شاء الله ، سأقوم بعرض بعض فنون فلسفة اللغة السياسية عليكم ، كما أعتقد :

أ  –        اذكر للشاعر راكان بن صقلين أحد زعماء  قبيلة العجمان عندما نما إلى علمه بأن أحد زعماء القبائل الأخرى عاقد العزم على غزوه (الاعتداء) على المناطق الجيوسياسية التي يسيطر عليها . سنقتبس لكم هنا لغة الدبلوماسية في السياسة :

كزيت لك نور السلف والجهامة                        باغية ذخر في مقاديم الأيام

وهنا يذكّر الشيخ أعلاه أعدائه : أنني قد استخدمت معكم جميع الوسائل السلمية لكي احتفظ معكم بعلاقات سلمية ، ولكنكم على ما يبدو أنكم تتنصلون عن الطرق السلمية !! .

ب –       ويقول الشريف بركات لأبنه :

وطالع ترى مكة ولاها ابنا خيك                لو تطلبه خمس ملاليم ما أعطاك

وهنا رسالة غير مباشرة من خلال نصائح الأب لأبنه للسلطان بأنه قد بلغ من الجور والظلم حداً لا يطاق !! .

ج  –       ويقول الأمير أحمد السديدري :

يا عل قصرن ما يجي له ظلالي                ينهار من عالي مبانيــــه للساس

لا صار ما هو من هل للرجالي       وملجا لمنهو يشكو الظيم والباس

أو ربما يعكس صورة شعرية لبعض معارفه من شدة الظلم والطغيان من أصحاب نفوذ أعلى منه ، والمهانة التي وقعت عليهم !

طبعاً ونختم لكم بأن المعنى في قلب الشاعر ، ونراكم في كتابنا : الملف الأسود في السياسة !! .

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

فشل التنمية القهرية في النموذج الصيني والعربي

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

قلنا في مقالة نشرت في الراية بتاريخ 14/12/2002م العدد (7525)  “لإصلاح المؤسسة الصينية ، قام الحزب المركزي الشيوعي باستثمارات وإصلاحات اقتصادية ضخمة

منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، ونتج عن ذلك نمو الناتج المحلي الصيني بما يتراوح بين 9% إلى 8% سنوياً منذ منتصف التسعينيات والتوقعات تقول إذا استمر الصينيون بنفس

المعدل إلى عام 2015م فسيصبح الناتج المحلي الصيني يعادل أو يفوق الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية 0

وفي عام 2001م انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية ، واستفاد الصينيون من ذلك كثيراً بحيث استطاعوا خلال فترة زمنية قصيرة أن يصبحوا إحدى أهم عشر دول

مصدرة للسلع في العالم ، ولكن في النهاية أدرك الصينيون بأن كل عملهم سيذهب هباء منثورا ، وخاصة إذا بقي القلة مسيطرون على عجلة التنمية ، وتهميش وقهر الإنسان الصيني 0

والنتيجة كما رآها الجميع في نوفمبر 2002م عندما انسحب ديناصورات السلطة الصينية فاتحين الطريق إلى الإصلاحيين الجدد 0 حيث انسحب من الحزب الشيوعي جيل

بمن فيهم جيانغ زيمين الرئيس الصيني ، ورئيس البرلمان بينغ ، ورئيس الوزراء رونج، وثلاثة أعضاء آخرين من القيادة ، ودخل 180 عضواً جديداً للجنة المركزية للحزب ، وذلك يمثل

50% من أعضاء الحزب ولكن هناك تغييرات عقائدية في الحزب كانت تعتبر من المحرمات بالنسبة للحزب الشيوعي ، وذلك من خلال تعديل ميثاق الحزب الشيوعي بشكل يسمح بدخول

الرأسماليين إلى صفوفه ، مما أدى إلى استبدال الحزب الشيوعي الصيني بطليعة الطبقة العاملة ، بعبارة جديدة ، الحزب الشيوعي هو طليعة الطبقة العاملة الصينية والشعب الصيني

والأمة الصينية 0

وفي 18/3/2003م لفت نظرنا تحليل مشابه ومكمل للمذكور أعلاه لكلا من ويليام دوبسون وبول موني ونيكولاس لاروي تحت عنوان تكنوقراطية الشعب في نيوزويك العدد

144

أولا  كان التقرير يركز على الجيل الرابع من السياسيين الصينيين ، ويرى التقرير بأن مهمة الجيل الرابع تنمية الإنسان وليس الجماد فقط ، فيقول التحليل ” يعتقد الكثيرون

بأن المزارعين والعمال في الصين قد يجدون في القيادة الجديدة حليفاً أوثق لهم ، ويعود ذلك إلى أنهم يركزون اهتمامهم على العمالة بدلاً من النمو والنمو فقط 0 في هذه المرحلة الأمر لا

يتعلق بأرقام إجمالي الناتح المحلي فحسب 0 بل إنهم يعيرون اهتماماً للشرائح المنسية من الناس ” 0

ثانيا  من نتائج تنمية الجماد ( الناتج المحلي ) في الصين  بأن الجيل الثالث ركز التنمية في المناطق الساحلية والمدن ، وترك المناطق الداخلية والريف 0 وقام الجيل الثالث

بتسريح نحو 30 مليون شخص من العاملين في المشروعات الحكومية خلال السنوات الخمس الماضية 0 وهناك تزايد في مشاعر الاستياء بين الفلاحين في البلاد والذين يقدر عددهم بنحو

800 مليون ؛ والذين تسببت مداخيلهم الراكدة في تقهقر أوضاعهم المعيشية ، وذلك جعل الجيل الرابع أمام تحدياً لتطوير المناطق الداخلية  0

ثالثاً  ورغم النقد الذي يوجه للسياسة الصينية ، إلا أن السياسيين الصينيين يبقون أفضل من السياسيين العرب ، فالسياسي الصيني عندما يخطئ في إتخاذ القرار العملي أو

الدبلوماسي يؤدي فشله إلى إنسحابه من المسرح السياسي بطريقة مباشرة ، وحتى لو كان هذا الفشل بسبب هامش من المغامرة التي من الممكن أن يقع فيها أي متخذ قرار سياسي 0 فلا

يوجد مانع من أن يخوض السياسي لعبة المغامرة ، فإذا كانت إيجابية فيمكنه المواصلة لأنه أعطى هامش كبير من التفاؤول للمواطنين 0 ولكنه إذا فشل في المغامرة فيجب أن ينسحب من

الملعب لأن كل أعماله القادمة ، سينظر لها بهامش كبير من التشاؤوم من قبل جميع القطاعات الشعبية  0

ويدعم التحليل النقدي الذي قدمناه في البند الثالث أعلاه ، ما سوف يقوله دوبسون وآخرون لاحقاً عن تكنوقراطية الشعب  وين ، رئيس الحكومة الجديدة في الجيل الرابع لمع

نجمه من خلال مغامرة في عام 1998م ” عندما تعرضت الصين لأسوأ الفيضانات التي عرفتها منذ عقود ، وكان على وين أن يتعامل مع منسوب الأنهار المرتفع 0 وبينما كانت المياه آخذة

في الأرتفاع بالقرب من إحدى البلدات ، كان على وين أن يواجه خيار صعب 0 فلو قام بنسف السد بالديناميت لكان ذلك سيؤدي إلى جرف الكثير من المنازل وإزهاق الأرواح 0 ولكن في

حال إنهيار السد جراء أرتفاع منسوب المياه فإن الدمار سيكون أكثر فداحة 0 في اللحظة الأخيرة قرر وين عدم نسف السد ، وبمعجزة توقف أرتفاع منسوب المياه وبقي السد سليماً 0 ويقول

التحليل      ” لقد كان حاسماً وعمل بجد وأرتفع رصيده السياسي بين ليلة وضحاها ” 0 والآن أصبح وين رئيساً للوزراء فيقول التحليل  ” إن نفوذه السياسي سيعتمد على كيفية تعامله مع

الأزمة التالية ؛ والسؤال هو متى ستأتي وليس ما إذا ستأتي ؟ ”  0

لكن ماذا عن ديناصورات السلعة العربية ؟  تحولت سيادة الدولة إلى جزء من أملاكهم الشخصية يهبونها لمن شاؤوا ، ويمنعوا منها من شاؤوا ، إلى أن تحولت الأوضاع في

العالم العربي إلى مأساوية  0

رابعاً  يقول تحليل دوبسون وآخرون  إن الجيل الثالث الصيني كانت استراتيجيته بأن بعض الناس لابد أن يصبحوا أغنياء أولاً ، إذا كان للصين أن تتطور بشكل ناجح 0 وهذه

الاستراتيجية ساعدت على انضمام أكثر من 300 مليون شخص إلى شريحة الطبقة الوسطى 0

المذكور أعلاه هو الأوضاع في الصين ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الأوضاع في العالم العربي ؟  0

في مجموعة دراسات نشرت لنا تركز على الأوضاع في العالم العربي ومنها الوزن الاستراتيجي للعالم العربي نشر على حلقتين في الراية 31/3/2001م و 2/4/2001م ،

وفي كتابنا جيواستراتيجية العالم الإسلامي المنشور في أبريل 2002م ، وعزز دراساتنا التقرير القيم الصادر عن UNDP تحت عنوان  ” تقرير التنمية الإنسانية العربية ( أغسطس 2002م

) ” 0

حتى لا نكرر أنفسنا لمعرفة إمكانات العالم العربي الضخمة ، بإمكان القارئ الكريم العودة إلى المراجع المذكورة أعلاه  0 فسيجد بأن إمكاناته الطبيعية والبشرية وموارده الاقتصادية ضخمة

، أفضل من إمكانات جميع الدول المتقدمة  0 ولكن لعدم وجود المؤسسات السياسية والإدارية المؤهلة والسليمة في العالم العربي ، أدى ذلك إلى انعدام الديمقراطية والمشاركة الشعبية ،

وبسبب انعدام الديمقراطية والمشاركة الشعبية والنزعة القطرية ، أصبح المواطن العربي مهمشاً في وطنه ، وهذا قتل عنده الانتماء والثقة بالسلطة 0 وذلك ليس بغريب ، تسلب جميع

حقوقه الإنسانية ، وتنهب جميع موارده ، ماذا تتوقع منه ؟  0

والأغرب من ذلك الأنظمة المركزية مهما أخطأ أفرادها يبقون في السلطة ، وربما يستغرب الكثيرين ، عندما نقول بأن النظام العراقي في عهد الرئيس صدام حسين كان يجيد

لعبة سياسة التغيير ، والدليل بأنه استطاع أن يحقق نصراً دبلوماسياً على أمريكا في مجلس الأمن 0 وعندما اعتدت أمريكا من دون تفويض من مجلس الأمن ، هذا الاعتداء وضع التنظيم

الدولي على حافة الهاوية  0 فصدام رغم الهجوم الذي وجه إليه ، إلا أنه أفضل من كثير من الأنظمة ، في لعب سياسة تغيير الوجوه  0 فنلاحظ حقيبة الخارجية كان طارق عزيز يحملها عام

1990م عندما احتل العراق الكويت ، وبعد تحرير الكويت كانت العراق تحتاج إلى خطاب سياسي يختلف عن خطاب الاحتلال فأوكلت هذه الحقيبة للصحاف علماً بأن الحكومة العراقية هي

نفسها ، ولكن لابد من تغيير الأشخاص لأن لغة عزيز في وقت الاحتلال ، يجب أن تتغير بعد التحرير 0

وإذا كان نفس الشخص الذي يتحدث بلغة الاحتلال ، وبعد ذلك بلغة التحرير ، فهذا غير مقبول لأعلى المستوىات  القطري ، ولا القومي ، ولا العالمي 0 ومن هنا تأتي سياسة

تغيير الوجوه  0

ونلاحظ أن الحكومة العراقية بعد اعتداء عام 1998م عليها ، استبدلت الخطاب السياسي بخطاب جديد ، ولكن لابد أن ينطق بواسطة شخص جديد ، فنقلت الحقيبة من عند

الصحاف إلى الحديثي ، علماً بأن كل الأشخاص ينتمون لنفس الحكومة المركزية العراقية  0

ولكن يؤسفنا بأن نقول لكم بأن النظام العربي حتى أسلوب لعبة تغيير الوجوه غير موجودة عنده ، وكانت النتائج في العالم العربي سلبية بشكل كبير ، ونذكر على ذلك بعض

المؤشرات

1- البطالة  تزيد على 40% وإذا استثنينا دول مجلس التعاون الخليجي التي يبلغ عدد سكانها أقل من 10% من جملة سكان العالم العربي ، لوجدنا بأن نصيب الفرد العربي من

الناتج المحلي يقل عن 700 دولار ، وذلك المؤشر يعطينا معيار تحت خط الفقر 0
2- الإنتاجية الصناعية  إنتاجية العامل الصناعي العربي هبطت كنسبة مئوية من المستوى المتحقق في أمريكا الشمالية بسعر الدولار الثابت لعام 1985م من 32% عام 1970م

إلى25% عام 1980م ومن ثم إلى 19% في عام 1990م0
3- معدل الأمية  ونقصد هنا من لا يقرأ ولا يكتب وتبلغ نسبتهم 43% من جملة سكان العالم العربي البالغين  ويؤسفنا أن نقول لكم بأن حتى المؤهلين من أبناء العالم العربي ، لم

تتح لهم الفرصة للمساهمة في تطوير البحث العلمي ، بحيث بلغ معدل الانفاق العلمي نسبة إلى الناتج المحلي الاجمالي 14ر% فقط في العالم العربي عام 1996م ، مقابل 52ر2% عام

1994م لإسرائيل ، و 9ر2% لليابان ، و 62ر1% لكوبا 0 أي من حيث النسبة لا يبلغ حتى 5% مما تنفقه اليابان ، ولا حتى 9% مما تنفقه كوبا على البحث العلمي  0 ودليل على فقر

المكتبة العربية بلغ مجموع الكتب المترجمة إلى اللغة العربية منذ عصر المأمون وحتى الآن نحو مئة ألف كتاب 0 وهو ما يوازي تقريباً ما تترجمه أسبانيا في عام  0 علماً بأن أسبانيا تعتبر

متخلفة حسب المعايير في الأتحاد الأوربي  0
4- المياه  قد صنف البنك الدولي 22 بلداً تحت خط الفقر المائي ، والتي تعرف بالبلدان التي يقل نصيب الفرد فيها عن 1000 متر مكعب من المياه سنوياً 0 ويوجد ما بين

الإثنين والعشرين بلداً هذه خمسة عشر بلداً عربياً 0 وقدر البنك أن متوسط موارد المياه المتجددة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المصنفة ضمن هذه الفئة ، ستنخفض عن مستواها

في عام 1997م الذي كان يزيد قليلاً عن 1000متر مكعب سنوياً للفرد إلى 740متر مكعب سنوياً في عام 2015م0

هذه المؤشرات تبرز لنا الأوضاع المأسوية في العالم العربي ، ولكن دون إصلاحات دستورية حقيقة ، وإعطاء المؤهلين من أبناء الوطن العربي الفرصة للمشاركة وبناء

أوطانهم ، فسوف تكون الحالة أسوأ مما هي عليه الآن 0

وهذه الإصلاحات لن تأتي إلا بإرادة قوية من متخذي القرار في العالم العربي ولو فعلوها فسيسجلها التاريخ لهم  0 لأنهم انقذوا النظام العربي قبل إنهياره ، وإذا لم يفعلوها

فالنظام أصلاً متجهاً إلى الانهيار  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،