من يحكم من فى النظرية الويلسنية

بسم الله الرحمن الرحيم

4/10/2009

النظرية الويلسنية، قصدنا بها مبادئ الرئيس الأمريكى ويلسون سنة 1918م  حق تقرير المصير (أى بمعنى إن من حق الشعوب أن تحكم نفسها بنفسها).

وهذا المبدأ ركز عليه جميع القيادات الأمريكية وهو العمل على نشر الرأسمالية والديمقراطية على مستوى العالم، وكان من أبرزهم الرئيس بوش الثانى وخاصة بعد أحداث سبتمبر 2001م كان جل إهتمامه:-

(هو إن من مشاكل العالم الإسلامى نقص الديمقراطية، واعتبر التحول الديمقراطى هدفاً رئيسياً للسياسة الخارجية الأمريكية، بناء على أسباب جيدة. فالديمقراطيات أكثر إستقرارا من الديكتوريات. والديمقراطية المستقرة تقلل الظروف التى تؤودي الى الصراع السياسى والراديكالية والعنف والإرهاب).

ولكن المتابع لتاريخ الولايات المتحدة المعاصر والحديث يرى عكس ماذكر أعلاه بشكل يكاد يكون كلى.

يقول الباحث جون سبوريتو:- (إن إستراتيجية بوش الثانى فى الشرق الأوسط هو تدعيم التحالفات التاريخية للولايات المتحدة مع الأنظمة العربية السنية الإستبدادية التى كانت سياستها القمعية مدعاة للوم فى التشجيع على التطرف،أمثال القاعدة، والآن تصف حكام مصر والأردن والإمارات الست الخليجية- وهم من أصحاب الحكم المطلق بأنهم ((زعماء مسئوولون))، لأنهم ينشؤون القوة الدافعة فى التحالف ضد إيران فى المنطقة.

 طبعاً بالنسبة لنا نختلف مع السيد سبوريتو فى ما قاله أعلاه فيما يخص الدول الخليجية الست، بأنها أنظمة مطلقة، لأن هذا أصلاً النظام التقليدى القبلى السياسى الأبوي فى دول الخليج، ونحن كأجيال متعلمة جديدة فى القرن الواحد والعشرون لا نختلف مع أنظمتنا أعلاه ولكننا نحاول أن نطور آليات معاصرة للنظام الخليجى ليتواكب مع روح العصر ويساهم فى توسيع دائرة المشاركة للقاعدة الشعبية، وهو فى رأيى سيساهم فى إحياء روح الديمقراطية تدريجياً مابين النخب والقاعدة والعكس صحيح، وذلك أعتقد سيسهل إستيعاب الجميع للديمقراطية بطريقة سلمية إلى أن تصبح عندنا ديمقراطية ناضجة:-

 وكنت فى عام 2007م فى برنامج وطنى الحبيب صباح الخير فى إذاعة قطر فى مقابلة مع مذيعتنا القطرية المميزة د.إلهام بدر، قلت آنذاك (إن حلقات الحوار التى تعقد فى المملكة العربية السعودية) مابين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكوكبة من أبناء شعبه المتعلم تعتبر من أفضل السبل لإرساء الديمقراطية فى المنطقة، لأن ذلك سيقضى على الحواجز المادية والمعنوية مابين السلطة والقاعدة، وسيساهم فى تبادل الثقة والتفاهم مابين الطرفين وبعد ذلك إن شاء الله سيكون الطريق نحو الديمقراطية فى دول مجلس التعاون الخليجى!. وتمنيت فى تلك المقابلة لو تطبق سياسة الباب المفتوح التى انتهجها الملك السعودى حفظه الله في جميع دول مجلس التعاون الخليجى!.

 ولكن دعونا نعود مرة أخرى لمبادئ الويلسنية هو مبدأ تقرير المصير للشعوب فى العالم العربى. هل الولايات المتحدة الأمريكية جادة فى ذلك!؟.

يقول الصحفى اللبنانى ميشيل يونج:- (إن جدول الأعمال الأمريكي قد تغير تماماً، فالذى كان مفروضاً للعراق أن تتحول إليه قد حل محله جدول أعمال جديد كلياً، يحتوى على إيران وحلفاء إيران، لقد إنتهت المناقشة حول الديمقراطية اليوم!!).

الغريب فى الأمر إن حتى الشعوب الإسلامية لا تثق فى الولايات المتحدة الأمريكية بأنها جادة لتطبيق الديمقراطية فى العالم الإسلامى، ففى إستطلاع قام به (غالوب) فى العالم الإسلامى، شكك معظم المستطلع آرائهم (أن الولايات المتحدة جادة فى التشجيع على النظم الديمقراطية للحكومة فى هذه المنطقة).

 ونحن هنا نحاول أن نختبر مدى جدية الولايات المتحدة الأمريكية فى تطبيق الديمقراطية فى العالم، من خلال دراسة تعامل الولايات المتحدة مع بعض النظم الديكتاتورية فى العالم، فمثلا بيريز جيمينيز رئيس فنزويلا عام 1954م، قلدته الولايات المتحدة الأمريكية، أرفع وسام مدنى فى الأمة، (وسام الاستحقاق الأمريكى).

ولكن من هو بيريز جيمينيز!؟.

 كان ديكتاتوراً متوحشاً وفاسداً، حيث أصبحت الرشى والأفعال الإنتقامية والإغتيالات أمراً مألوفاً فى عهده. كما قام بتحديث أساليب قمعية، مستخدماً التنصت على الهواتف والمراقبة اللاسلكية والصدمات الكهربائية على المساجين من المعارضين السياسيين، كما قام الديكتاتور وبطانته بنهب الثروات العامة وإنفاقها على ملذاتهم. ففى عطلة نهاية الأسبوع، كان الديكتاتور يطير إلى جزيرة كاريبية صغيرة تدعى لا أورتشيلا ليمرح على شواطئها برفقة حسناوات فنزويليات عاريات.(وعندنا أمثلة كثيرة على ذلك حتى من العالم العربى والإسلامى,وتهتم الولايات المتحده بدعمهم!!).

 ولكن الأمر المدهش هو عندما تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بمحاربة أنظمة منتخبة ديمقراطياً والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها:-

أولاً: الجمهورية الإسلامية الإيرانية:-

فى الإنتخابات الإيرانية عام 2005م، حصل الرئيس محمود نجاد 17.248.782 صوتاً أى نسبة 61.69% من أصوات المقترعين مقابل حصول الرئيس رافسجانى على 10.034.489 صوتاً أى نسبة 35.92% من أصوات المقترعين الذين بلغ عددهم 27.959.254 مقترعاً يشكلون بدورهم نسبة 59.7% من عدد الناخبين البالغ عددهم 46.8 مليون ناخب وناخبة.

–  إذاً النتائج أعلاه تمثل إرادة شعب، وهذا يمثل جزء من مبدأ تقرير المصير الويلسنية (الأمريكية).

ثانياً: فنزويلا:-

فى عام 1998 فاز هوغو تشافيز فى الإنتخابات على منافسته بفارق كاسح 56% من الأصوات مقابل 40% من الأصوات لمنافسته. وفى سنته الرئاسية الأولى، دعا تشافيز لعقد إجتماع دستورى وساعد بنفسه فى إعادة كتابة الدستور ثم راقب المصوتين وهم يوافقون عليه بنسبة 72% مقابل 28% من الأصوات.

وعند محاولة خلعه، فاز تشافيز بفارق واضح فى إستفتاء 2004م بنسبة تصل إلى 59% من الأصوات مقابل 41% فى تصويت حر ونزيه امتلك فيها المقترعون فرصة غير عادية لخلعه عن منصبه قبل إنتهاء مدة ولايته الدستورية. وأتبع ذلك بنصر كبير آخر فى عام 2006م الذى منحه 6 سنوات أخرى كرئيس لفنزويلا.

–   إذا النتائج أعلاه تمثل إرادة شعب، وهذا يمثل جزء من مبدأ تقرير المصير الويلسنية (الأمريكية).

–   ومن هنا نحن نستغرب، لماذا الولايات المتحدة الأمريكية تدعم تقرير المصير للشعوب (الديمقراطية)؟. وفى نفس الوقت تتهم بمحاربة أنظمة تمثل إرادة الشعوب!؟. وتدعم أنظمة ديكتاتورية!؟ هل يعقل ذلك!؟.

–        الإجابة سأتركها لمشاركتكم الكريمة إذا رغبتم فى ذلك!!.

وإلى اللقاء إن شاءالله

هل تنج أمريكا في إنشاء دولة كونية ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

طبعاً لإنشاء دولة كونية أمريكية ، فأمريكا لابد لها من سيطرة مطلقة على رأس الحربة الأمريكي للولوج في العالم القديم ، ورأس الحربة هذا كما سماها بريجنسكي بطريقة

أكثر دبلوماسية قال ( تكفي نظرة واحدة لخارطة الكتلة الأوراسية المترامية لتأكيد الأهمية الجيوبوليتيكية لرأس الجسر الأوربي بالنسبة لأمريكا ، كما تكفي النظرة نفسها للكشف عن تواضع

الجسر من الناحية الجغرافية 0 ترتبط المحافظة على رأس الجسر ذاك وتوسيعه ليكون منصة انطلاق للديمقراطية ارتباطاً مباشراً بالأمن الأمريكي ) ( بريجنسكي ، ص 96 ) 0

وتجنباً للتكرار ، كما ذكرنا سابقاً ، فالاستراتيجية الأمريكية الأنية تقوم على محورين ، الأول : تمييع دور الاتحاد الأوربي 0 والثاني : استخدام الناتو والأمم المتحدة كآليات

أمريكية لنشأة الدولة الكونية الأمريكية  0

ويرى الاستراتيجي الجيوبوليتيكي الفرنسي بيير ماري جالو بأن الاستراتيجية الأمريكية فيما بعد الحرب الباردة قائمة على فئتين أساسيتين هما :

الأولى : مناطق صلبة : وهي الدول القادرة على المحافظة على سيادتها واستقلالها والتي لها إرادة ترفض الهيمنة الأمريكية 0

والولايات المتحدة للسيطرة على هذه الدول ، تهتم كثيراً بما يحدث فيها ، ( الخليج ، العدد 8562 ) ونحن نضيف لما يحدث حولها أيضاً ( راجع آل ثاني ، سايكس بيكو

والجيوبوليتيكا الميتافيزيقية نُشر في الراية في أغسطس ونوفمبر على التوالي ) 0

الفئة الثانية : مناطق دخولا : وتشمل الأمم أو مجموعة الأمم ضعيفة السيادة أو التي لا سيادة لها ، وقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية مؤثر ( أفريقيا وأمريكا اللاتينية )

وتتدرج فيها أيضاً قوى وحضارات أوربية وإسلامية ضعيفة 0 لكن يضاف إلى ذلك بُعد آخر يتعلق بالمناطق التي قد تندرج – في ظروف معينة – ضمن المناطق الصلبة إذا توافرت لها شروط

القوة ( الخليج ، العدد 8562 ) 0

بمعنى آخر أن الاستراتيجية الأمريكية قائمة على التناقض الموجود في العالم ، وذلك كما نرى يُسهل على أمريكا إقامة دولتها الكونية  0

ونلاحظ الاستراتيجي الفرنسي الكسندر ديل فال يلخص الاستراتيجية الأمريكية بأنها قائمة على أربعة مبادئ أساسية هي :

1- المحافظة على أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية كممارس لها ، وتمنع تشكيل قوى مستقلة في العالم الثالث 0 ونضيف على ذلك بأنه شبيه من ( مبدأ مونرو) 0
2- تمنع دول آسيا من أن تصبح قوى عظمى قادرة على معارضة السيطرة الأمريكية ، وذلك لحفظ توازن ( المنطقة الصلبة ) الآسيوية ، وعدم السماح بظهور أي قوى فيها ،

وذلك نستطيع أن نشبهه بمبدأ ترومان  0
3- تمنع الدول المحورية في الاتحاد الأوربي ( فرنسا ، وألمانيا ) من أن تزداد قوةً ، وتحرص على أن يكون الاتحاد الأوربي رأس حربة لأمريكا في المنطقة الاوروآسيوية 0 (

وذلك تناولناه بالتفصيل في الجزء الأول من هذه الدراسة ) 0
4- تقوية ودفع اعتماد الدول الإسلامية على أمريكا ، والحيلولة دون دخول دول أخرى مثل روسيا وأوربا في هذه المنطقة ( الخليج ، العدد 8562 ) 0

ويعتبر الكسندر ديل فال : ( أوربا بأنها من المناطق الرخوة ، ففي عام 1995م كانت الاستثمارات الأمريكية في أوربا تبلغ نسبتها أكثر من 51% من إجمالي الاستثمارات

الأمريكية في الخارج وخصوصاً في ألمانيا وبريطانيا وهولندا 0

ويضيف كما أكدنا سابقاً ، بأن أوربا حسب الاستراتيجية الأمريكية تحكمها أمريكا عبر الناتو ( الخليج ، 8562 ) 0

أما بالنسبة لآسيا فيقول ديل فال : ( فهي مرشحة لتكون صلبة في المستقبل باعتبار أن عوامل القوة موجودة بالفعل – ولكن في حالة كمون – فمنذ الآن وحتى عام 2040م

سيقفز عد سكانها من 7ر3 مليار نسمة إلى 1ر5 مليار نسمة ، بينما أوربا ( بما فيها روسيا ) لن تتجاوز 680 مليون نسمة 0 والخطير أن أغلبية سكان أوربا سيكونون من العجزة والشيوخ

0 وللتأكيد على ذلك انظر مقالة ( آل ثاني ، ماذا بعد عصر الهايدروكاربون ، نشرت في الراية ، نوفمبر 2002م ) 0

وهنا نصل إلى نقطة خلاف كبيرة مع ديل فال من خلال ما يطلق عليه استراتيجية الحزام الأخضر في مواجهة العالم الغربي 0 ويقصد هنا أن تحيط الولايات المتحدة خصمها

السابق روسيا – مع دول البلقان بهلال إسلامي يضم تركيا والدول الإسلامية القريبة من توجهات تركيا ، وإيران ودول آسيا الوسطى الإسلامية 0 وهذا الحزام تنطلق محاوره من الجزيرة

العربية ، وتركيا ، وأفغانستان ، وباكستان 0 وليس هدفه أن تتعاون وتستهدف الاستراتيجية الإسلامية تقويض دعائم الامبراطورية السوفيتية 0
تعليقنا نعم استطاعت أمريكا وتحالفها الإسلامي في انهيار الاتحاد السوفيتي ، ولكن ذلك لا يعني ولاء المجاهدين الإسلاميين لأمريكا ، ولكن كما تقول لغة السياسة كانت تربط

فيما بينهم مصلحة مشتركة ، وهو القضاء على المد الشيوعي السوفيتي في المناطق الإسلامية على المدى القصير ، ولكن يؤسفنا أن نقول بأن الأمريكان كان لهم استراتيجية على المدى

البعيد ، وهي القضاء على الاتحاد السوفيتي لتحقيق احاديتيها القطبية كما يحدث للعالم الآن ، والتصور الثاني على المدى البعيد هو تطبيع قيادات المجاهدين على الليبرالية الديمقراطية

الأمريكية في نطاق يسمى الخط الأخضر الإسلامي ، ومن يرفض من هذه القيادات يتم تهميشه ، وإذا تمادى تتم تصفيته ، ومن نتائج هذه التصفيات الحرب العالمية على الأرهاب التي

تشاهدونها الآن ، وجميع قيادات العالم الإسلامي يبصمون لأمريكا على شرعيتها  0

ويرى باول ديل فال الآن ، ما قاله الحديث الشريف قبل 15 قرناً ولا أذكره بالنص ( تناكحوا تناسلوا فإن اللّه يباهي بكم الأمم يوم القيامة ) 0 ويسمى ذلك بالتبشير الإسلامي

للكوكب ، وأن الاستراتيجية الأمريكية تقوم على هذا التبشير ، فيرى ديل فال : أن المسلمون يحتلون 18% من إجمالي سكان الأرض في عام 1990م ، علماً بأن المسلمين هم أكثر من

20% من سكان هذا الكوكب في عام 1980 في دراسة خاصة بنا ( آل ثاني ، عالم إسلامي ، ص 70 ) ، ويقول ديل فال بأن المسلمين في عام 2000م بلغوا 20% من إجمالي سكان

الكوكب ، ونؤكد لكم بأن نسبتهم في دراستنا المذكورة بلغت 25% من جملة سكان الكوكب 0 ويتوقع ديل فال بأن نسبة المسلمين ستصبح 30% من جملة سكان الكوكب عام 2025م ، ونحن

نبشر من ضمن إسقاطات خاصة بنا بأن نسبتهم ( المسلمين ) ستصل ما بين 33% إلى 35% من سكان هذا الكوكب 0 ( راجع آل ثاني ، العالم الإسلامي ، ص 70 ، وجريدة الخليج ، العدد

8562 ) 0

خلاصة ذلك بالنسبة للعالم الإسلامي ، وللقضاء على النمو السكاني الإسلامي الكبير ، نعتقد بأن أمريكا ستستخدم بعض الأقاليم الإسلامية ضمن استراتيجية افتعال الأزمات ما

بين الأقاليم الإسلامية والمناطق المحاذية لهم ، مثل : استمرار التوتر ما بين الباكستان والهند ، وما بين دول آسيا الوسطى وعلى رأسهم الشيشان وروسيا الاتحادية ، وما بين الدول

الإسلامية المحاذية لأوربا والاتحاد الأوربي ، وما بين مسلمي شرق آسيا الاقصى في الداخل والجوار الجغرافي مع الصين 0 وبهذه الطريقة تستطيع الولايات المتحدة السيطرة على المناطق

الرخوة والصلبة في العالم ، كما ذكرنا سلفاً ، وربما سوف تقيم الولايات المتحدة مع جميع هذه القوى المتناحرة في العالم علاقات ثنائية كلٌ على حده ، وذلك سوف يعطيها سيادة عالمية

كاملة لنشأة دولتها الكونية  0

ثانياً : يجب أن ننبه متخذي القرار في العالم الإسلامي بأن تصبح نسبة المسلمين 35% من جملة سكان هذا الكوكب ، ذلك مرفوض عالمياً ، فالعالم الغير إسلامي وعلى

رأسهم الولايات المتحدة يجهزون برامج تبشيرية متعددة لامتصاص أعداد كبيرة من المسلمين إلى الديانات الأخرى ، والغزو العالمي الآخر لتغيير مفاهيم الدين الإسلامي ، وإذا لم ينجحوا في

ذلك ، فلا تستغربوا أن يفتعل الناتو حرباً كونية في العالم الإسلامي ، تؤدي إلى فناء جماعات كبيرة من المسلمين ، وذلك ليس بغريباً فهو حدث بالفعل في أوربا ما بين القرن السابع عشر

إلى القرن العشرين  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

هل أمريكا تقبل الرأي الآخر ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

القضايا التي سنتحدث عنها أدناه ، ليست وليدة الساعة ، ولكنها في الحقيقة مجموعة مواضيع سابقة كتبناها عن الشرق الأوسط ، ومعظمها قمنا بمناقشتها من خلال محافل مختلفة ، على سبيل المثال  مؤتمرات ، ومقالات منشورة ، ومقابلات تلفزيونية وإذاعية 0 لذلك أعتقد أدناه هو خلاصة مجموعة أعمال عن أزمة الشرق الأوسط في عام 2003م 0

طريقة اللعبة الأمريكية في الشرق الأوسط من خلال اصطناع مصطلحات جديدة لبعض الدول الشرق أوسطية مثل  محور الشر ، والدول المارقة ، ومبدأ المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر ، وهو ما يسمى بالضربة الاستباقية 0

الأثر السلبي للمصطلحات أعلاه نستطيع أن نراه في الفوضى التي نشأت في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والعراق ، وأفغانستان ، وهناك بعض الدول الشرق أوسطية تنتظر قدرها الذي ستخططه لها الإدارة الأمريكية مثل  إيران ، السودان ، وسوريا 0 الأسوأ من ذلك هو بروز دول شرق أوسطية مستسلمة للمخطط الأمريكي في المنطقة ، وذلك جعل هذه الدول تبدو معوقة من الناحية الإدارية ، وذلك لأنها تنازلت عن سيادتها مقابل الحصول على الدعم السياسي الأمريكي 0 وهذا النموذج الأخير يذكرنا بالعصور البائدة للاستعمار البريطاني في المنطقة من خلال مصطلح ما يسمى بالمحميات البريطانية . 0

الانحلال والفوضى الذي تعيشه الدول الشرق أوسطية شجع إسرائيل لاستخدام المصطلح الأمريكي المعاصر الضربة الاستباقية ، وذلك عندما اعتدت إسرائيل على إحدى ضواحي دمشق في سوريا 0 ولكن السوريين على دراية كاملة بضعفهم وضعف الدول الشرق أوسطية أمام إسرائيل وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية0 وذلك جعل السوريين يبحثون عن أدنى أساليب المقاومة ، وذلك من خلال ما يسمى باصدار قرار شجب من مجلس الأمن ضد الاعتداء الإسرائيلي على سوريا ، ولكن لسوء حظ السوريين كانت الولايات المتحدة لهم بالمرصاد حيث تمت إعاقة قرار الشجب ضد إسرائيل قبل صدوره 0

الأمر المدهش هو أنه بدلاً من أن تقدم إسرائيل وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية اعتذاراً لسوريا على أقل تقدير بدلاً من اعتداءها عليها ، أقر الكونجرس الأمريكي مشروع قرار ضد سوريا وذلك باتهامها بأنها ترعى الأرهاب ، وتبحث عن تطوير أسلحة دمار شامل ، ومحتلة لبنان عسكرياً 0

مشروع القرار المذكور أعلاه ينص على عقوبات دبلوماسية واقتصادية ضد سوريا0 أعتقد بأن هذا القرار بعد أن أجازه الكونجرس ، فالإدارة الأمريكية بطريقة ما أو بأخرى ستفرضه على مجلس الأمن 0 نستطيع أن نقول ، لا سمح اللّه ، ما يحدث لسوريا الآن هو نفس الإجراءات التي حدثت للعراق قبل الاحتلال الأمريكي ، وخاصةً بأن الولايات المتحدة بدأت تحتضن بعض الانفصاليين والمعارضين السوريين الآن ، حتى يعطيها الشرعية ضد الحكومة السورية المهزوزة بسبب الأسلوب الأمريكي الضاغط عليها ، ووجودها بين فكي كماشة من الأعداء  الولايات المتحدة الأمريكية شرقاً في العراق المحتل ، وإسرائيل جنوباً ، بالإضافة إلى القواعد الأمريكية المنتشرة كمرض الجدري في الشرق الأوسط . 0

ولكن المصيبة الأكبر من المذكور أعلاه ، هو مصطلح الضربة الاستباقية ، بدأت بعض الدول الكبرى تلمح بأنها تحتفظ بحقها في استخدام مصطلح الضربة الاستباقية ، فمثلاً وزير الدفاع الروسي سيرجي ايفانوف قال  ” روسيا تحتفظ بحقها في شن أي ضربة استباقية ضد الدول الأخرى ” 0 لو استخدمت روسيا هذا المصطلح ، فذلك يعني بأنه من حق جميع الدول النووية الكبرى في استخدامه مثل  بريطانيا ، فرنسا ، الصين ، والهند 000 إلخ 0

لكن السؤال الذي يطرح نفسه  لو أن هذه الدول الكبرى استخدمت مصطلح الضربة الاستباقية ، ماذا تتوقعون المستقبل الذي ينتظر كوكبنا العجوز ؟ 0 لو استخدم مصطلح الضربة الاستباقية 00 هل تعتقدون بأن كوكبنا في حاجة لمنظمات دولية مثل الأمم المتحدة ؟ 00 إلخ 0

الاستفسار الذي يفترض على الولايات المتحدة الأمريكية أن تجب عليه هو عن الاعتقاد الروسي من خلال وزير دفاعها  يعتقد بأن الولايات المتحدة ستنسحب من الجمهوريات السوفيتية في أفغانستان ، ويضيف الوزير الروسي ، بأن روسيا تحتفظ بحقها في التدخل في الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى ، عندما يحدث انتهاك لحقوق الإنسان للقوميات الروسية المقيمة في الجمهوريات المذكورة أعلاه.0

اعتقادنا الحقيقي بأن التواجد الأمريكي في آسيا الوسطى ليس لغرض الحرب على الأرهاب فقط ، بل لثلاثة أهداف أخرى هي

1- السيطرة على الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى لكي تجهض أي نظرية لقيام حزام أخضر إسلامي يمتد من باكستان خلال آسيا الوسطى ، ماراً بتركيا والبلقان إلى دول شمال أفريقيا . 0
2- الهدف الثاني للسيطرة على مصادر الثروة الهايدروكاربونية في آسيا الوسطى .0
3- وأخيراً لاحتواء روسيا بعد أن تسترد عافيتها بعد الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي السابق . 0

القضية الحقيقية التي يجب علينا كشرق أوسطيين أن ندرسها ، هي أن العالم أعاد تشكيل نفسه في القرن الواحد والعشرين على شكل كتل إقليمية كبرى 00 فمثلاً الصين مع عدد سكانها البالغ 3ر1 بليون نسمة ، وناتجها المحلي الذي أصبح حوالي 9% سنوياً ، والهند مع عدد سكانها الضخم الذي يزيد على واحد بليون نسمة، وخططها الطموحة لاقتباس التقنية المعاصرة وتطوير قطاعها الخاص ، والاتحاد الأوربي الذي يتوقع أن يصل عدد سكانه إلى 450 مليون نسمة في عام 2004م بعد أن تنضم إليه 10 دول أوربية أخرى معظمها من شرق أوربا ، وروسيا مع رئيسها البراجماتي الذي ينظر بكل طموح إلى المستقبل من ناحية اقتصادية ، وتقنية ، واستراتيجية ، وأمنية.0

ومن الممكن أن نضيف إلى الكتل أعلاه العملاق الجنوب شرق آسيوي القادم الذي يسمى آسيان مع عدد سكانه البالغين 500 مليون نسمة . 0 فآسيان في آخر قمة لها في أندونيسيا كانوا مركزين على دراسة التالي  1 دراسة الإجراءات الجمركية 2 تأسيس معايير للتحكيم التجاري 3 دراسة أسباب انخفاض الاستثمارات الأجنبية بنسبة 18% عام 2002م عن عام 2001م .0

الموضوع المزعج هو  أن جميع الكتل العالمية اعادت تشكيل نفسها ، بما يتناسب مع روح العصر ، باستثناء الشرق الأوسط الذي ما يزال مصيره مجهول . 0 والسبب الرئيسي في ذلك هو أن الولايات المتحدة لم تدع الإقليم الشرق أوسطي يعيد نفسه ، وفي الوقت نفسه الأمريكان لا يملكون الشجاعة الكافية للتعاون مع المؤهلين وشعوب المنطقة لإعادة تشكيلها . 0

ولكننا ما زلنا نرى بأن هناك بصيص من الضوء في آخر القناة ، وذلك عندما قامت الإدارة الأمريكية بوضع بعض المنظمات الصهيونية من ضمن قائمة الأرهاب مثل كاخ وكاهانا 00 وهذه المنظمات متهمة بالتحريض والقيام بعمليات إرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين العزل في الأراضي المحتلة . 0

لو استمرت الولايات المتحدة في استصدار عقوبات ضد الحركات الارهابية الصهيونية ، فذلك بدون أي شك سيولد شيئاً من الثقة في الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط ، ونمو هذه الثقة سيسهل على الإدارة الأمريكية التعامل مع الشعوب الشرق أوسطية . 0

النقطة التي يفترض أن نتفق عليها جميعاً هي أن الإدارة الأمريكية تمتلك السيطرة الكاملة على حكومات الشرق أوسطية بالعصا ، أو بالجزرة ، أو بالسحق 0

ولكن لا توجد سيطرة أمريكية على شعوب الشرق الأوسط ، وهذا مما يجعل المقاومة تنتقل من الحكومات إلى الشعوب الشرق أوسطية ، وهي ما نسميها مقاومة القطاع الخاص . ، والأمثلة على هذه المقاومة كثيرة مثل  الجهاد ، وحماس ، وأنصار الإسلام ، وكتائب الأقصى في فلسطين المحتلة ، وجماعات المقاومة الأخرى في لبنان ، والعراق ، وأفغانستان 00 إلخ 0

الهدف الرئيسي لحركات المقاومة أعلاه هو لتحرير أراضيهم ، فلذلك لا نتفق مع الولايات المتحدة بأن هذه الحركات إرهابية ، لأننا إذا عدنا إلى التاريخ القديم في عصر الاستعمار البريطاني لأمريكا ، فكان المواطنون الأمريكيون يقاومون البريطانيون بكل ما أوتوا من قوة ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا  هل نستطيع أن ندعي بأن الحركات التحررية الأمريكية كانت إرهابية ؟ . 0

أعتقد كمتخصص في الشؤون الشرق أوسطية 00 أن الولايات المتحدة تتجاهل حقوق شعوب الشرق الأوسط ، وتتعاون مع بعض الطغاة والحكومات الفاسدة في الشرق الأوسط . 0

أعتقد بأن المذكور أعلاه 00 خطأ أمريكي استراتيجي في الشرق الأوسط ، ولكننا ما زلنا ننظر بكل تفاؤل كشعوب شرق أوسطية للتعاون مع أمريكا ؛ لأن هناك قواسم مشتركة كثيرة بيننا وبين أمريكا والغرب بشكل عام ، طالما كانوا عقلانيين للاستماع لنا ولمطالبنا كشعوب شرق أوسطية . 0

أعتقد بأنه لكي توجد بيننا علاقة ممتازة مع الغرب لابد من التالي

أولاً  الاحترام المتبادل للثقافات والمبادئ 0 ثانياً  القاسم المشترك الذي من الممكن أن يلتقي فيه الشرق الأوسط مع الغرب هو التالي  اقتباس المناسب من الديمقراطية الغربية ، واستيعاب المفهوم الغربي للتعددية السياسية ، ومحاولة إعادة مفهوم الدولة المعاصرة للشرق الأوسط ، والاستخدام الأمثل لمواردنا الطبيعية ، واستيعاب التكنولوجيا الغربية ، ومحاولة تطبيق المناسب من النظريات الاقتصادية والتجارية الغربية . 0

أخيراً ، يفترض المذكور أعلاه أن لا يفرض على شعوب الشرق الأوسط ، لأن النتيجة ستكون بلا شك هي الفشل . 0 وتوجد أمثلة شرق أوسطية ، عندما يحاول المستعمر أن يفرض نظريته على الشعوب المحتلة . ، ففرنسا قبل 40 سنة فشلت في تحضير الشعب الجزائري على الطريقة الفرنسية ، وكانت نتائج هذا الفشل مأساوية للجانبين ، وخاصةً الجزائر بلد المليون شهيد ، وللأسف مازال جرحه ينزف ، والولايات المتحدة ستفشل في أفغانستان والعراق عندما تحاول من خلال عملاؤها فرض النموذج الديمقراطي الأمريكي بالقوة على هذه الشعوب . 0

إذاً على أمريكا أن تتعاون مع المتخصصين في شؤون الشرق أوسطية وبحسن نية، لكي ينقلوا المناسب من الفكر الغربي لشعوبهم كما ذكر أعلاه . 0

في الختام ، إذا كانت أمريكا تريد أن تطور الشرق الأوسط بطريقتها ، فعليها أن تراجع موضوعين أساسيين هما  1 العدالة 2 مشاركة الشعوب .. 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

هل العالم يتجه للأوربة الاقتصادية أم للعولمة الامبريالية ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

للولوج في هذا الموضوع ، لابد لنا من توضيح مفهوم اللعبة السياسية ، فاللعبة السياسية من ناحية قُطرية ، وخاصةً في الدول الاوتوقراطية ، تعتمد على الإمكانيات الفردية

، وقوة التنظيم ، ومستوى المشاركة الشعبية 0 أما من الناحية الإقليمية فتعتمد على مدى التنسيق الإقليمي ، ومستوى قوة الترابط لصيانة المصالح المشتركة0 في حين أنها على المستوى

العالمي تعتمد على مراقبة الهزات السياسية العالمية ، ووضع استراتيجية إقليمية لاستغلال قنوات الصراع العالمي ، وتوظيف استراتيجيات وسلوكيات هذا الصراع من قِبل الأقاليم الغير

معنية بطريقة مباشرة فيه ، حتى يتسنى لهذه الأقاليم الغير مشاركة في الصراع من الاستفادة من نتائجه ، أو بعض نتائجه 0

هذه المقدمة كشرق أوسطيين أو مواطنين من العالم النامي نقصد منها وبطريقة مباشرة أن جميع الصراعات التي تدور في عالم الشمال ، ويضاف لهم الكتلتين الأكبر سكاناً

في العالم الصين والهند على التوالي ، وخاصةً الصراع الذي يدور ما بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ، هل العالم يتجه فنجد هذا الصراع يدور حول محورين عالميين 0 فالولايات

المتحدة تريد أن تسيطر سيطرة مطلقة على جميع إمكانات العالم النامي من ناحية ، ومن الناحية الأخرى فالولايات المتحدة تحافظ على تدخل مباشر لها في جميع التكتلات العالمية ، التي

يوجد عندها طموح لمنافسة القطبية الأحادية الأمريكية العالمية ، ومن هذه التكتلات العالمية من الشرق إلى الغرب الصين والهند وروسيا الاتحادية ، وأن يكن المنافس الحقيقي لقطبية

الولايات المتحدة العالمية ، هو حليفها الاستراتيجي الاتحاد الأوربي  0

ونجد بروز صورة الصراع الحقيقي ما بين حليفي الحرب الباردة ، هو بعد انتهاء الحرب الباردة مباشرةً ، وأول شرارة اشعلت هذا الصراع المبطن ، هو بعد أن اجتمع

الأوربيين بعد انتهاء الحرب الباردة مباشرة في روما ، وذلك لوضع استراتيجيتهم الأمنية بعد الحرب الباردة ، وكان اقتراحهم كالتالي  ( المطالبة بحل حلف الناتو ، لأن العدو الشيوعي قد

زال ولم يعد للناتو أي مبرر للاستمرار 0 في حين الأوربيين يتحدثون فيما بينهم عن ضرورة إنشاء منظومة أوربية للدفاع مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية )  0

وكذلك روسيا الاتحادية لم تعد ترى أن هناك مبرراً لاستمرار حلف الناتو ، وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة ، وانحلال حلف وارسو 0 وقدمت روسيا احتجاجاً على انضمام

دول شرق أوربا للناتو لأن ذلك يشكل خطراً عليها ، وخاصة أن هذه الدول كانت من ضمن رابطة الكوميكون وحلف وارسو السابقين  0 وقدمت روسيا احتجاجاً على الحرب التي شنها الناتو

بقيادة الولايات المتحدة ضد صربيا ، وخاصة بأن العرب تجمعهم مع الروس عرقية واحدة ممثلةً بالسلافيين ، ومذهب ديني واحد ممثلاً (بالارثوذكس المسيحي)  0

ويضاف إلى ذلك بأن هناك آراء أتت من أمريكا تؤيد تفكيك حلف الناتو ، وربما من أشهرها رأي المؤرخ الأمريكي الشهير جورج كنان يقول بأن  ” استمرار الحلف يعتبر أسوأ

خطأ أمريكي بعد الحرب الباردة ”  ( آل ثاني ، البلقان ) 0

ولكن كل الصراعات لتقليص دور الاتحاد الأوربي ، أو دور حلف الناتو باءت بالفشل ، فنجد بأن الحصانين يتسابقان في نفس الميدان ، بل وفي نفس خط السباق ، وتصورنا

لذلك هو استراتيجية التمييع التي تحاول أن تنفذها الولايات المتحدة ضد الاتحاد الأوربي ، ويقابل ذلك استراتيجية الإصلاح والوحدة التي يمارسها الاتحاد الأوربي لبلورة هدفه الاستراتيجي

وهو الولايات المتحدة الأوربية  0

بالنسبة للاتحاد الأوربي ، نجده تجاوز مرحلة مفهوم اتحاد اقتصادي ، رابطة سياسية ، سوق موحدة ، منطقة تجارية 0 المذكور كله يمثل الكونفدرالية الأوربية 0 ولكن الحلم

الأوربي الحديث الذي بدأ يقترب من الحقيقة هو أن أوربا بدأت تقترب من شخصية اعتبارية واحدة 0 وذلك من خلال الهيكل الدستوري الذي يكلف عليه جيسكار ديستان الرئيس الفرنسي

السابق 0 وهذا الهيكل الدستوري المقترح هو كالتالي

1- أن يكون هناك رئيس موحد لأوربا من المجلس الأوربي ليحل محل الرئاسة بالتناوب المتبعة حالياً 0
2- أن يكون هناك سياسة خارجية وأمنية موحدة لكل أوربا 0
3- إنشاء مجلس نيابي لشعوب أوربا يلتقي فيه مندوبي البرلمانيات الأوربية الوطنية مع مندوبي البرلمان الأوربي 0
4- أن يُسمح للدولة العضو أن تترك الاتحاد الأوربي متى شاءت ، وهو بند لم يتوفر من قبل في الاتفاقيات السابقة ، وهذا البند يقضي على آراء المشككين في قدرة أوربا على

الصمود على جانبي المحيط الأطلسي ( الوطن ، العدد 2627 ) 0

وحتى قبل هذا الدستور المقترح ، ما حققه الاتحاد الأوربي الآن يفوق كثيراً ما حققته دولاً قُطرية صغيرة ، فدول الاتحاد الأوربي الخمسة عشر ( بإستثناء بعض البنود لم

تنطبق على بريطانيا ) يوجد فيما بينها الآن عملة موحدة ، وآلية موحدة للاتحاد الجمركي ، وتنسيق اقتصادي ، وحرية حركة لرؤوس الأموال ، واحترام لحقوق الإنسان، والديمقراطية

الليبرالية ، والتنسيق الأمني ، وفوق ذلك كله حرية التنقل في الاتحاد الأوربي 0

وفي أكتوبر 2002م تنفس الأوربيون الصعداء ، فبعد الموافقة الايرلندية الواسعة على اتفاقية نيس بات بتوسيع الاتحاد الأوربي من 15 إلى 25 دولة ، إلا في حال إنسحاب

أحد المرشحين في اللحظة الأخيرة ، أمراً محسوماً ( الوطن ، العدد 2606 ) 0 وذلك يعطي احتمال كبير للسماح بمشاركة الأعضاء الجدد في الانتخابات الأوربية في يونيو 2004م كدول

كاملة العضوية في الاتحاد الموسع ( الوطن ، العدد 2606 ) 0

الوحدة الأوربية تمثل الاقتراب من حلم السلف الفرنسي لأوربا ، وخاصة في عهد الجمهورية الخامسة ( الديجولية ) حيث كان يحث ديجول على بناء أوربا أوربية تماماً ،

والتقرب من ألمانيا الاتحادية ، ورفض ديجول بريطانيا في المجتمع الاقتصادي الأوربي، لأنه كان يعتبرها الفرس الذي تمتطيه الولايات المتحدة ( الخليج ، العدد 8559 ) وبالفعل بريطانيا

الآن في الأتحاد الأوربي من أكثر المعرقلين لمضي الأتحاد الأوربي نحو الوحدة ، لأن استراتيجيتها السياسية الخارجية قائمة على محورين  الأول  المحافظة على شخصيتها السيادية

القطرية 0 والثاني  المحافظة على تحالف ثنائي خاص مع الولايات المتحدة الأمريكية 0 وذلك يعتبر إحدى أهم العراقيل التي تساهم في تمييع الأتحاد الأوربي  0

أما بالنسبة للمشككين في إمكانية تحقيق أية وحدة أوربية وعلى رأسهم كيسنجر ( وزير الخارجية الأمريكي السابق ) فيقولون بأن أوربا منذ القرن السابع عشر الميلادي وهي

تعيش ويلات الحرب ما بين القوى الأوربية المتناحرة ، وحسَب رأيهم بأن أوربا خاضت حرب 100 عام ، وحرب 30 عام ، وحرب 7 أعوام ، وحرب الطموح الفرنسي والنمساوي

والعثماني ، والبسماركي ( الألماني ) ، وانتهت بحربين عالميتين في القرن العشرين الميلادي ، وحسب رأيهم لم تنعم أوربا بالسلام إلا بعد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب

العالمية الأخيرة مع دول الحلفاء ، وساهمت في النصر الأوربي على دول المحور 0 وكذلك استطاعت أمريكا بدعمها لأوربا من ناحية أمنية من خلال حلف الناتو ، ومن ناحية اقتصادية من

خلال مشروع مارشال إلى ايصال أوربا إلى ما وصلت إليه الآن  0 وفي رأينا بأن هذا العرض يرافقهُ شيء من الصواب ، ولكنهُ لا يمثل الحقيقة كاملةً ، فساعة الزمن متحركة بالنسبة للأمم

، والدولة القطرية ، وحتى الكتلة الإقليمية تمر بعدة مراحل زمنية متعاقبة مثل  الطفولة والمراهقة والشباب والنضج والشيخوخة أو التجديد ، ونحن نرى بأن أوربا وصلت إلى مرحلة

التجديد في الألفية الثالثة تعتمد على قيام التكتلات بأنواعها المختلفة ، أو حتى قيام دول كبرى جديدة متحدة ، وبالنسبة لأوربا يجب أن لا ننسى بأنها سبق أن توحدت أو توحد اجزاء منها في

عصور مختلفة ، وربما من أهمها الوحدة الأوربية في عهد شارلمان قبل 1000 سنة تقريباً 0

ولكن الولايات المتحدة لها رأياً آخر ، ونرى بأن أكثر من يمثل هذا الرأي تطرفاً هنري كيسنجر عندما يقول  ” يتعين على أولئك الذين يسعون إلى الوحدة عبر مواجهة مع

أمريكا ، أن لا يخدعوا أنفسهم بالاعتقاد بأن أمريكا سوف تظل سلبية عندما تتعرض سياستها للتحدي بوصفها قضية مبدأ ، وعاجلاً أم آجلاً سوف تجبر على الدفاع عن مصالحها ، وعندئذ

ستعود دول الغرب مجدداً إلى الطريق التي أدت إلى تدميرها مرتين في جيل واحد ” ( كيسنخر ، ص47 ) 0

ونعيد القارئ الكريم إلى النقطة التي نبهنا لها في بداية الموضوع ، فمع النمو المتسارع لأوربا كما ذكرنا سلفاً ، نجد بأن حلف الناتو ينمو بوتيرة متوازية معه 0 ففي براغ

العاصمة التشيكية نوفمبر 2002م اختتمت أعمال أول مؤتمر للناتو يعقد هذا القرن ( 21 ميلادي ) ، وكان من أبرز قرارات هذا المؤتمر ضم سبع دول أورببية شرقية إلى أسرة الحلف مما

يرفع عدد الأعضاء إلى 26 عضواً بدلاً من 19 عضواً سابقين ، وهذه الدول هي نفسها الدول التي يخطط الاتحاد الأوربي لضمها إليه 0 وكذلك أوصى الناتو ببناء قوات الانتشار السريع

وذلك يشكل ازدواجية مع التصور الأوربي لقوات الانتشار السريع ، وحتى لو سمحت أمريكا للاتحاد الأوربي بتأسيس قوة أوربية للانتشار السريع ستجد أوربا نفسها في ازدواجية مقيتة تميع

الدور الأوربي في أوربا ، لأن نفس الدول الأوربية الموجودة في الناتو لقوة الانتشار السريع ، ستكون نفس الدول الموجودة في الاتحاد الأوربي للانتشار السريع تقريباً  0 ونلاحظ بأن

المؤتمر فتح الباب لجميع الدول الأوربية الراغبة والقادرة على الالتزام بمسؤوليات العضوية بموجب المادة 10 من معاهدة واشنطن ، أما بالنسبة لغير الأوربيين فيرى المؤتمر أنه لابد من

ايجاد حلول مقنعة من كل الحلفاء على قضية الاشتراك من قبل الحلفاء الغير أوربيين لانجاز شراكة استراتيجية أصيلة  0 نلاحظ هنا بأن الناتو يهتم أولاً بجميع دول أوربا لكي تصبح تحت

مظلة الناتو ، وبمعنى آخر تحت المظلة الأمريكية بطريقة مباشرة ، ويُصَعب الانضمام بالنسبة للدول الغير أوربية ، ولكن ذلك لا يعني بأن الناتو لن يسعى في المستقبل القريب إلى ضم دول

أخرى غير أوربية ، ففي إحدى بنود البيان الختامي يقول ” نؤكد على أن الأمن في أوربا ، مرتبط بشكل وثيق بأمن واستقرار منطقة البحر المتوسط ، ولذا نحرص بشكل كبير على مراعاة

الأبعاد السياسية والعلمية لجوار البحر المتوسط كعنصر مكمل للحلف وموقفه التعاوني في مجال الأمن ” 0

ولدينا ملاحظة فنية دقيقة على بيان الناتو ، فقد اختار حلف الناتو بلجيكا لكي تكون مقر القيادة الاستراتيجية للحلف ، والمقر الآخر في الولايات المتحدة ( 0 ونفس المقر هو

مقر للاتحاد الأوربي ، وذلك سوف يؤدي إلى ازدواجية مكانية في وظيفة بروكسل  هل هي مدينة تؤدي وظيفة فيدرالية للاتحاد الأوربي ؟  ، أم هي مدينة تؤدي وظيفة كونية لحلف الناتو ،

علماً بأن معظم أعضاء الاتحاد الأوربي هم أيضاً أعضاء في الناتو ؟  ( الشرق الأوسط ، العدد 8761 ) 0

وأيضاً من بنود هذا البيان النقاط التالية  أن التزامات الحلف تتضمن المهام للأمنية الأساسية ، والقيم الديمقراطية المشتركة وفقاً للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة ( 0

وكذلك اشتمل البيان الختامي على التنسيق ضد الارهاب وأسلحة الدمار الشامل ) ( الشرق الأوسط ، العدد 8761 ) 0

نظرتنا الشمولية لهذه النقاط تعطينا الصورة بأن الولايات المتحدة تريد تمييع دور الاتحاد الأوربي كوحدة سياسية أولاً ، وثانياً سوف تسعى إلى عولمة العالم كله تحت فيدرالية

واحدة ذات جناحين رئيسيين

1- الناتو ويمثل الحزام الأمني لعولمة العالم 0
2- الأمم المتحدة ومعها ( منظمة التجارة العالمية ، وصندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ) وتمثل النظام الدستوري والإداري والفني لإدارة العالم0 على أن

تكون عقلة الحطام لهذين الجهازين العالميين موجودة في البيت الأبيض في واشنطن ، وذلك يمثل استراتيجية عولمة العالم الامبريالية  0

وللمحافظة على استراتيجية عولمة العالم وتمييع الاتحاد الأوربي ، نلاحظ بأن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً متنوعة على الدول الأوربية في كوبنهاغن لحملها على تحديد

موعد لقبول تركيا من ضمن الاتحاد الأوربي ( الشرق الأوسط ، العدد 8767 ) ويبدو بأن الضغوط الأمريكية بدأت تأتي بأكُلها ، وذلك عندما قرر الأوربيين ( أن يبدأ الاتحاد الأوربي

المفاوضات لإنضمام تركيا في عام 2004م ) ( الوطن ، العدد 2659 )0

ولكن هناك شكوك كبيرة في قبول تركيا في الاتحاد الأوربي ، وربما من أقوى الجهات الرافضة لإنضمام تركيا للاتحاد الأوربي هو عراب السياسة الأوربية ( جيسكار ديستان

الرئيس الفرنسي السابق ) في حديثه للوموند الفرنسية قال ( انضمام تركيا يعني نهاية الاتحاد الأوربي ، وحسب قوله بأن تركيا ليست بلداً أوربياً ، وعند انضمامها ستصبح أكبر دولة في

الاتحاد ، وسوف تتمتع بأكبر كتلة برلمانية ، والأهم من ذلك أن عاصمة تركيا ليست في أوربا ، و 95% من سكانها يعيشون خارج أوربا جغرافيا ، إن الاتفاقية حول مستقبل أوربا تركز على

25 عضواً زائد اثنين ، ويقصد بالاثنين بلغاريا ورومانيا ) ( الوطن ، العدد 2624 ) 0 ويضيف ديستان قائلاً ( في غداة بدء المفاوضات مع تركيا ستتلقون طلباً مغربياً 00 إلخ ) ( الوطن ،

العدد 2624 ) 0

طبعاً ديستان ما لم يستطع ذكره هو بأن تركيا 99% من سكانها هم من المسلمين، وذلك يختلف مع استراتيجية الوحدة الأوربية 0 وما قاله ديستان في نوفمبر 2002م هو ما

قلناه في دراسة سايكس بيكو 2002 ( نشرت في الراية أغسطس 2002 ، وفي الاهرام العربي سبتمبر 2002م ) 0

والهدف الأمريكي من الاصرار على إقحام تركيا في الاتحاد الأوربي ، هو لتمييع استراتيجية نشأة الولايات المتحدة الأوربية ، ونجد أن بريطانيا الحليف الاستراتيجي للولايات

المتحدة ، هي الدولة الكبرى الأوربية الوحيدة التي تسعى بطريقة دؤوبة لانضمام تركيا للاتحاد الأوربي 0

وتوجد مقولة مشهورة لإحدى عمالقة السياسة الأوربية ، المستشار هلموت كول عام 1999م قال ” الاتحاد الأوربي لابد أن يظل مسيحياً ” ( الشرق الأوسط ، العدد 8705 )

0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

هل التنظيم الدولي يواكب القرن الواحد والعشرون ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/9/2004

المفهوم الحديث للسياسة الدولية برز بعد نهاية حرب الثلاثين عام في أوربا ، وذلك منذ صلح وستفاليا عام 1948م ، وهو من خلال – احترام سيادة الدول ، ومبدأ المساواة ، ومفهوم التوازن الأمني ( سليم ، ص 60 ) 0

وانهار هذا المفهوم ، بعد هزيمة نابليون الثانية ، وفي عام 1815م ، أصبح هناك تنظيم جديد للعلاقات الدولية ، وذلك من خلال مؤتمر فيينا ، عندما اجتمعت الدول المتحالفة آنذاك – بريطانيا وروسيا والنمسا وبروسيا ، لوضع أسس التسوية في أوربا0

والمرحلة الثالثة خضع التنظيم الدولي للتعديل ، وذلك بناءً على نتائج حرب القرم 1856 / 1871م ( سليم ، ص 109 ) 0

والمرحلة الرابعة للسياسة الدولية وذلك من خلال المرحلة البسماركية عام 1871/ 1890م ( سليم ، ص 189 ) 0

والمرحلة الخامسة للسياسة الدولية منذ سقوط بسمارك حتى الحرب العالمية الأولى ( سليم ، ص 189 ) 0

وبعد الحرب العالمية الأولى كانت هناك منادات فردية ، تلتها منادات حكومية لتشكيل تنظيم دولي ليحمي البشرية من وقوع كارثة مثل الحرب العالمية الأولى – وكان مهام العصبة ضمان السلم العالمي ومنع الحروب ، وتنظيم التعاون الدولي ، وتوثيق عراه ( سليم ، ص 113 ) 0

وأنشأ هذا التنظيم عام 1919م وانتهت شخصيتها الاعتبارية عام 1939م والأسباب هي –

1/ عدم انضمام جميع الدول الكبرى والمقصود الولايات المتحدة ، بالرغم من إنها من ضمن المؤسسين حسب النظرية الويلسونية 0 وهو ما يحدث الآن بالنسبة للأمم المتحدة بحيث هناك بعض الأصوات الأوربية تنادي فرنسا وروسيا وألمانيا ، والأتحاد الأوربي وروسيا الاتحادية بإعادة تشكيل التنظيم الدولي بسبب الانتهاكات الأمريكية المستمرة له 0

2/ الطابع الأوربي الذي غلب على العصبة ، وخاصةً أنه كان مسيطر عليها الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى 0 وذلك نفس الطابع الذي يسيطر على الأمم المتحدة الآن ، وذلك من خلال عدم اعطاء الهند واليابان وألمانيا مقاعد دائمة في مجلس الأمن 0

3/ ترد العصبة في إتخاذ المواقف الحازمة عند الملمات وذلك يمثل الغزو السوفيتي لفنلندا ، وسقطت عضوية الدولتين ، واعتداء اليابان على الصين ، والاستراتيجية التي لعبها الفاشيين في ايطاليا عندما سمح الألمان النازيين باحتلال الحبشة مقابل مباركة الايطاليين احتلال ألمانيا لكل – من التشيك والنمسا ، وذلك لا يعني نهاية العصبة فقط ، بل بداية إضاءة أول شعلة للحرب العالمية الثانية 0 ولو لاحظنا نفس هذه الانتهاكات تقوم بها الولايات المتحدة الآن ، عندما غزت كوسوفو دون تفويض أممي ، وتلى ذلك حديثاً غزو العراق دون أي تفويض من مجلس الأمن 0

4/ احتواء ميثاق العصبة على عيوب كثيرة شلت حركة المنظمة العالمية وقضت على الكثير من إمكاناتها ، ولعل أشهر العيوب التصويت الجماعي لإصدار القرارات في المسائل المهمة 0 وذلك يختلف مع آلية إتخاذ القرار في الأمم المتحدة ، حيث أن التصويت في الجمعية العمومية بالأغلبية الموصوفة الثلثين ، أو بالأغلبية النسبية أكثر من 50% ، أما في مجلس الأمن فالتصويت في المسائل الإجرائية بأغلبية تسعة أعضاء ، أما في المسائل الموضوعية بأغلبية (9) على أن يكون فيما بينهم الخمسة أعضاء الدائمي العضوية في مجلس الأمن ( تنظيم ص 120 ) 0

نشأة هيئة الأمم المتحدة

تعتبر الأمم المتحدة الوريث الشرعي لعصبة الأمم ، وتم إنشائها عام 26 يونيو 1945م 0 ومن قراءة ميثاق الأمم المتحدة نلاحظ التالي ؛ إنه يشتمل على المبادئ التالية – (1) حفظ السلم والأمن الدوليين (2) تنمية العلاقات بين الدول على أساس المساواة في الحقوق ( تنظيم ص 132 ، 133 ) 0 أما مبادئ الميثاق فمنها – (1) قيام هيئة الأمم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها (2) امتناع الأعضاء عن استعمال القوة والتهديد باستعمالها (3) عدم تدخل هيئة الأمم في الشئون الداخلية للدول الأعضاء 0 ( حاول تراجع الآن مدى التزام الولايات المتحدة بهذه المبادئ ) ( تنظيم ص 136 ، 138 ، 140 ) 0

وأعتقد أن الذي يهمنا في هذا الموضوع هو آلية تنفيذ تطبيق الأمم المتحدة للعقوبات القسرية ، ونجد بأن الميثاق أفرد الفصل السابع للعقوبات القسرية ( المواد 39 / 51 ) ( تنظيم ص 163 ) 0 فنجد مواد العقوبات تطبق بطريقة تدريجية –

1/ المادة (39) – إن مجلس الأمن يقرر أن ما وقع هو تهديد للسلم ، أو إخلال به ، أو هو عمل من أعمال العدوان ويقدم في ذلك توصياته 0

2/ المادة (41) – تنص على أن لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب إتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته ، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير 0 ويجوز أن يكون من بينها وقف العلاقات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها وقفاً جزئياً أو كلياً ، وكذلك قطع العلاقات الدبلوماسية 0

3/ المادة (42) – تنص على أنه يجوز للمجلس ، إذا رأى أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض ، أو إذا ثبت أنها لم تف به ، أن يتخذ بواسطة القوات الجوية والبحرية والبرية أي عمل يراه ضرورياً كحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادتهما إلى نصابهما 0 ويجوز أن يشتمل هذا العمل على الاستعراضات وتدابير الحصار والعمليات الأخرى التي تقوم بها القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة 0

ونلاحظ هنا أن العقوبات القسرية لا تُنزل بالدول بسبب خرقها للالتزامات التي نص عليها الميثاق الأممي ، بل بسبب قيامها بأعمال عدوانية ، أو بأعمال تهدد السلم أو تخل به ( سنحاول تعريف ذلك لاحقاً ) 0

4/ المادة (43) – على أعضاء الأمم المتحدة أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن ، بناء على طلبه ، وطبقاً لاتفاقات خاصة ، ما يلزم للقوات المسلحة من المساعدات والتسهيلات ومنها حق المرور لحفظ السلم والأمن الدوليين 0

5/ المادة (45) – على أعضاء الأمم المتحدة ، تمكين المنظمة من إتخاذ التدابير الحربية العاجلة ، وتشكل لجنة أركان حرب من رؤوساء أركان الحرب في الدول الخمس الكبار 0

الخمسة بنود التي ذكرناها أعلاه نرجو أن تتفقوا مع واحدة منها تشرع اعتداء الولايات المتحدة على العراق ، أو التهديد الدائم للولايات المتحدة لكلُ من إيران وسوريا  0

فروع الأمم المتحدة

تضم الأمم المتحدة ستة فروع هي الجمعية العمومية ، ومجلس الأمن ، والمجلس الاقتصادي ، ومجلس الوصاية ، ومحكمة العدل الدولية ، والأمانة العامة 0 وذلك يختلف عن فروع عصبة الأمم حيث كانت ثلاثة فقط 0 ويرى الفقهاء بأنه من الممكن أن نعتبر الجمعية العمومية برلمان عالمي ، والدليل على ذلك بأن الخصائص الدستورية أوكلت إلى الجمعية العمومية – وهي بعد أن يقترح ثلثي أعضاء الجمعية وموافقة تسعة من أعضاء مجلس الأمن ، أن توصي بتعديل أحكام الميثاق ، أو أن تجمع مؤتمراً لإجراء هذا التعديل ، على أن التعديلات لا تصبح نافذة إلا بعد تصديق ثلثي أعضاء الهيئة بما فيهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن ( تنظيم ص 175 ، 176 ) 0

مجلس الأمن –

من الممكن اعتباره الجهاز التنفيذي ، ويتكون مجلس الأمن من (15) عضواً منهم خمسة دول دائمة ، ونلاحظ أن ذلك شبيه بعصبة الأمم حيث سيطر على العصبة الحلفاء المنتصرون ، فمجلس الأمن الأعضاء الخمسة الدائمون هم الحلفاء الرئيسيون المنتصرون على دول المحور ، ويشاركهم في ذلك الدول المتضررة من دول الحرب والدول هي – الولايات المتحدة الأمريكية ، وبريطانيا ، وفرنسا ، والاتحاد الروسي ، والصين)0 وتملك هذه الدول حق النقض وخاصة في القرارات الاستراتيجية التي نسميها بلغة القانون موضوعية ، واستخدمت جميع الدول الخمس حق النقض وأكثر من استخدمه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ، وإن كان ذلك يهز كيان مجلس الأمن مما ينعكس على التنظيم الدولي ، ولكن بسبب وجود توازن الرعب النووي ما بين القطبين آنذاك الأمريكي والسوفيتي فكان خيار الابقاء على التنظيم الدولي كمجلس سياسي واستراتيجي للقاء ما بينهما خياراً استراتيجياً ، وذلك ربما يعتبر من العوامل المساهمة في إبقاء الأمم المتحدة في الفترة ما بين عام 1945 / 1990م إلى نهاية الحرب الباردة 0

أما الأعضاء العشرة الآخرون فيتم انتخابهم عن طريق الجمعية العامة لمدة عامين0 ويحرص على توزيعهم كما تنص اتفاقية الجنتلمان كالتالي – هو اتفاق عقد في لندن عام 1946م ، اقر قاعدة توزيع المقاعد غير الدائمة ( وكانت ستة قبل تعديل الميثاق ) ، بين المناطق الجغرافية التالية – مقعدان لأمريكا اللاتينية ، ومقعد لكلاً من- أوربا الشرقية ، والشرق الأدنى ، والكومنولث البريطاني 0 وفي عام 1973م قررت الجمعية العامة توزيع المقاعد غير الدائمة على الشكل التالي – خمسة مقاعد للدول الأفريقية والآسيوية ، ومقعدان لأمريكا اللاتينية ، ومقعدان لأوربا الغربية ، ومقعد لأوربا الشرقية 0 وتوجد ملاحظة يجب أن نثيرها بأن ميثاق الجنتلمان لا يطبق بدقة ، لقد أدخل عليه بعض التعديل بسبب المساومات والأحداث وزيادة عدد الدول 0 بل إن الدول أخذت في الآونة الأخيرة ، تتنصل منه أو تتنكر له 0 إن ليبيريا مثلاً انتخبت عام 1961م لتشغل المقعد المخصص لدول أوربا الغربية 0

المذكور أعلاه يعطينا إمكانية تعديل الميثاق ، لأن التعديلات الدستورية موجودة ما بين الجمعية العمومية ومجلس الأمن ، ومن الأمثلة على ذلك زيادة عدد أعضاء المجلس الغير دائمين من 6 إلى 10 دول ، وتعديل التوزيع الجغرافي للدول الغير دائمة العضوية في مجلس الأمن 0 ونذكر في مقولة مشهورة لبطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة وذكرتها في إحدى مقالاتي ( الراية العدد 7672 ) – ( إن الأمم المتحدة ما هي إلا أداة لخدمة السياسة الأمريكية ، تستخدمها عندما تحتاج إلى معالجة متعددة الأطراف ، وعندما لا تحتاج إليها تتصرف خارج إطار هذه المنظمة ) 0 ونلاحظ كوفي أنان الأمين العام الحالي للأمم المتحدة ، في سبتمبر 2003م في كلمته في افتتاح الجمعية العمومية – قدم دعوته إلى المجتمع الدولي لكي يبادر بصورة عاجلة إلى توسيع عضوية مجلس الأمن ، بحيث تصبح هيئة صنع القرار الدولي أكثر فاعلية ، وتعكس حقائق اليوم الجغرافية السياسية ( الخليج العدد 8894 ) 0

مجلس الوصاية –

وهو يعتبر الوريث الشرعي لمناطق الانتداب في عهد العصبة ، وغير اسمه لمجلس الوصاية مرتبطاً بوجود نظام آخر يتلاءم والأفكار والمبادئ التحررية التي نادت بها الأمم المتحدة 0 وهي كاونصت المادة 78 على أن نظام الوصاية لا يطبق على الأقاليم التي أصبحت أعضاء في هيئة الأمم المتحدة 0 ولذلك كان يفترض على أمريكا أن تحترمه قبل غزو العراق ، ولكن للأسف غزت أمريكا العراق دون تفويض من مجلس الأمن ، واحتلت العراق في 9/4/2003م ، وبعد ذلك عادت الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن واستصدرت القرار رقم 1483 الذي أعطى الاحتلال الأمريكي الشرعية في العراق 0 وهذا القرار يخالف نظام الوصاية الأممي ، لأنه قضى على وظائف وصلاحيات مجلس الوصاية لتالي –

1/ فحص التقارير التي ترفعها السلطة المفوضة بالإدارة 0
2/ قبول عرائض السكان وفحصها بالتشاور مع السلطة المفوضة 0
3/ تنظيم زيارات دورية للأقاليم المشمولة بالوصاية في أوقات يتفق عليها مع السلطة القائمة 0
4/ وضع مجموعة أسئلة عن مدى تقدم سكان إقليم الوصاية في الميادين الاقتصادية، والاجتماعية ، والسياسية ، والتعليمية 0

السؤال الذي يطرح نفسه ما هو التفسير القانوني الذي تمارسه الولايات المتحدة في العراق – هل هو احتلال استعماري جديد ؟ أو نظام وصاية معدل ؟ 0

ما يحدث في العراق الآن احتلال وليس نظام وصاية ، فآخر تصريح لكولن باول وزير الخارجية الأمريكي في 26/9/2003م قال – بأن أمريكا لن ترضخ للطلب الفرنسي ، وهو بتولي الأمم المتحدة المسؤولية عن الاحتلال الأمريكي في العراق 0 والأسوأ من ذلك يقول باول – ستحدد ستة أشهر للقادة العراقيين الذين يعملون تحت الاحتلال الأمريكي ( مجلس الحكم ) لصياغة دستور جديد للبلاد ( الشرق الأوسط العدد 9069) 0 في هذه الحالة رأينا هو بأن يصبح الدستور غير قانوني لأن لجنة الدستور يجب أن تنتخب بكل حرية ونزاهة بواسطة الشعب العراقي وليس بالتعيين الأمريكي مع كل الاحترام للجنة الحالية ، وحتى بعد أن تقوم اللجنة المنتخبة بإعداد الدستور يجب إجراء استفتاء شعبي عام على هذا الدستور ، وبعد ذلك تتشكل الدولة الجديدة ، وإذا تم إعداد الدستور بآلية اللجنة المنتخبة واجري عليها استفتاء دستوري وأقره أغلبية الشعب العراقي فيصبح ذلك دستور البلاد الشرعي ، ومن يخرج عليه بعمليات عنف ، فنستطيع أن نعتبر ذلك ارهاباً لأنه ضد الإرادة الشعبية ، أما ما يحدث الآن بتفويض مجلس الحكم المعين أمريكياً وتخضع قرارته لفيتو بريمر ( الحاكم الأمريكي للعراق ) بتشكيل دستور، فذلك غير شرعي ، وأي أعمال تنشأ الآن ، أو بعد عمل الدستور الصوري يعتبر مقاومة في القانون الدولي  0

ولكن يؤسفني أن أقول لكم بأن القرار الأمريكي هناك احتمال قوي لقبوله في مجلس الأمن ( طبعاً إذا نشرت هذه المقالة قبل صدور القرار ) 0 فأمريكا استطاعت أن تخترق محور باريس 00 برلين 00 روما 0 فآخر لقاء لشرودر المستشار الألماني مع الرئيس بوش في 24/9/2003م قال – ( انهما تجاوزا خلافاتها السابقة بشأن العراق واتفقا على العمل معاً من أجل استقراره ) ( الراية العدد 5579 ) 0 أما بوتين الرئيس الروسي قال – ( موقف روسيا واضح وثابت وحدها المشاركة المباشرة للأمم المتحدة في إعادة إعمار العراق تعطي شعبه فرصته لتحديد مستقبله بشكل مستقل 0 وكانت الملاحظة المباشرة على تعليق بوتين بأنه لم يشر إلى نقل فعلي للسيادة من التحالف الأمريكي البريطاني إلى سلطة عراقية ، مميزاً موقفه عن موقفي فرنسا وألمانيا ، اللتين كانتا مع موسكو أشد معارضي الحرب ( الشرق العدد 5580 ) 0 والاستراتيجية الأمريكية تسعى من خلالها لعزل فرنسا في الجمعية العامة ، وذلك سينعكس على مجلس الأمن0

فإذا وصل المجلس إلى هذا المستوى ، فهل ما زالت الأمم المتحدة تستطيع أن تحافظ على الأمن والسلم الدوليين ، والمساواة بين الدول في السيادة وتقرير المصير ؟0

اذكر في مقالة نشرت لنا في الراية العدد ( 7644 ) بتاريخ 12/4/2003م قلنا بأن ما قامت به أمريكا في العراق يعتبر انتهاكاً كاملاً للقانون الدولي وللتنظيم الدولي بشكل كلي وذلك لأنها لم تستخدم الطرق السلمية في النزاع ، والتهديد باستخدام القوة ، بل واستخدامها دون تفويض من مجلس الأمن 0 وكذلك استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة المحرمة دولياً كالقنابل العنقودية والانشطارية والقنابل التي تزن أكثر من سبعة أطنان من المتفجرات والقنابل المساحية 0

ومن الانتهاكات الأخرى التي قامت بها الولايات المتحدة للقانون الدولي العام هو التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، وضرب المناطق المدنية ، وتحطيم التراث الحضاري للأمم 0 وأنهيت هذه الفقرة قائلاً التصرف الأمريكي أعلاه اعلان وفاة للأمم المتحدة والقانون الدولي العام 0 وقلنا أيضاً – لابد من إعادة صياغة التنظيم الدولي والقانون الدولي العام 0 وما ذكرناه في أبريل 2003م ، قاله كوفي أنان في سبتمبر 2003م وبطريقة دبلوماسية 0

نعم أمريكا القطب العالمي الأوحد في القرن الواحد والعشرون –

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل أمريكا تستطيع إعادة صياغة العالم ؟ 0

الاستراتيجية الأمريكية قائمة على العولمة ، والعولمة تعريفها – العولمة تعني تحول العالم إلى سوق وقرية عالمية واحدة تنتقل فيها عناصر الانتاج دون قيود ( سليم ص 650 ) 0 وتسعى أمريكا لتطبيق هدفين في العالم العولمة الاقتصادية والليبرالية الثقافية وينتج عن ذلك نهاية سيادة الدول 0 كما قال فوكياما – أن المنظومة الفكرية والنظامية الرأسمالية الليبرالية ستسود تطور السياسة الدولية حتى نهاية التطور التاريخي حيث اثبتت هذه المنظومة بعد انهيار المنظومة الشمولية ، أنها الوحيدة القادرة على تحقيق التقدم الإنساني ( سليم ص 648 ) 0

ولكن لتحقيق ذلك لابد من عنصرين رئيسيين الأول إنهاء سيادة الدول ، ثانياً – الاختراق الثقافي للشعوب 0 وآخر دراسات لــ F.P أثبتت فشل هذين العنصرين فعدد يوليو وأغسطس لــ F.P. يقول بأن الولايات المتحدة في الفترة من عام ( 1898 / 2003م ) تدخلت في (16) دولة لتطبيق الديمقراطية ولم تنجح إلا في (4) دول فقط أي نسبة النجاح 25% فقط ، إذاً الاستراتيجية الأمريكية في تطبيق الديمقراطية فشلت 0 ثانياً النزعة القومية في تقرير F.P. مايو / يونيو ، هو بالفعل انخفض في دول مثل – فرنسا إلى 40% وبريطانيا 49% ، والولايات المتحدة نفسها إلى 72% ، ولكن مازالت النزعة القومية موجودة عند شعوب العالم النامي ، فنسبة النزعة القومية في إيران أكثر من 92% ، وفي مصر 81% ، وكلما يرتفع مؤشر الشعور القومي للشعوب ، كلما زادت النزعة القُطرية للشعوب ، ويزداد كذلك طردياً الجوانب الثقافية القُطرية مثل – الدين ، اللغة ، العادات والتقاليد 000 إلخ 0 وعلى الولايات المتحدة الانتظار قرناً كاملاً لإنهاء هذه النزعة ، وربما تنتهي أمريكا وتبقى هذه النزعة على حالها  0

وكيف لأمريكا أن تطالب بالتغيير الثقافي للعالم والتعددية العالمية ؟ وهي نفسها تدخلت في عنصر الولاء لموظفين الأمانة العامة في الأمم المتحدة ، بحيث كان مفروض ولاء الموظف للأمم المتحدة ويتناسى أية اعتبارات أخرى 0 ففي عام 1952/1953م أثارت الولايات المتحدة مشكلة الولاء على المنظمة العالمية 0 وطالبت واشنطن باعتبار الأمريكيين ، الشيوعيين واليساريين ، غير جديرين بالحصول على وظائف دولية أو البقاء فيها 0 وضغطت حكومة الولايات المتحدة على الأمين العام ليتخلص من هؤلاء الأمريكيين ، فأبدى بعض المقاومة ثم وافق وفصل الموظفين الأمريكيين الذين نشرت حكومة واشنطن حولهم الشبهات ( تنظيم ص 219 ، 220 ) 0

نحن اختبرنا اعلاه ما مدى تطبيق العولمة من ناحية الإصلاحات الديمقراطية ، والليبرالية الثقافية ، والآن سنختبرها أدناه من ناحية العولمة الاقتصادية –

1/ تقرير التنمية البشرية عام 2003 – قال التقرير بأن دول العالم المتخلف الذي يوجد به مليار جائع ، ولا يلاقي إلا 50 مليار دولار مساعدات ، علماً بأن أدنى مبلغاً يحتاجه العالم النامي 100 مليار دولار ( الوطن السعودية العدد 1013 ) ، آلا توافقونني أنه كان من الأفضل بدلاً أن تشن أمريكا حرباً على العراق ، وتدفع 50 مليار دولار الإضافية مساعدات للمليار جائع في العالم 0

2/ من أهداف منظمة التجارة العالمية تحرير تجارة السلع الأولية ، وايقاف الدعم عن السلع ، ونلاحظ الدول المفترض أن تتمسك بهذا لانجاح نظرية العولمة ، هي أول من ينتهك البنود المذكورة أعلاه ، بحيث يبلغ دعم منتج القطن الأمريكي ثلاث أضعاف مساعدات أمريكا للدول الأفريقية جنوب الصحراء ، ويبلغ الدعم الحكومي للزراعة في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية 300 بليون دولار سنوياً ( الحياة العدد 14715 ) 0 ويقول تقرير التنمية البشرية المذكور أعلاه بأن كل بقرة أوربية تحصل على 3 دولار في اليوم ، ويعيش أكثر من 40% من سكان أفريقيا على دولار واحد للفرد يومياً ( الوطن السعودية العدد 1013 ) 0 هل هذه العولمة المطلوبة لإنقاذ البشرية من الهلاك ؟ 0

3/ صراع الولايات المتحدة الأمريكية ، ودول الاتحاد الأوربي ، وذلك يمثل وضع أمريكا تعريفات على واردات الصلب الأوربي لحماية المنتج المحلي ، وكذلك أوربا تمنع دخول الأغذية المعدلة وراثياً ( نيوزويك العدد 172 ) 0

4/ حرب أمريكا ضد الارهاب – أثر ذلك على التدفقات المالية ، فإن الحكومة الأمريكية تراقب التحركات النقدية من وإلى البنوك ، وهذا يؤثر على مرونة وسلاسة تحركات رؤوس الأموال وينعكس سلباً على العولمة ( نيوزويك العدد 172 ) 0

5/ كارثة الدولار – فأمريكا ترغب بدولار أكثر ضعفاً من أجل خفض صادراتها وابطاء نمو وارداتها بشكل تدريجي وفرض السيطرة على عجزها التجاري الذي يبلغ 500 بليون دولار 0 ولكن لكي يحدث ذلك يجب على عملات أخرى أن ترتفع مقابل الدولار ، في حين أن الصين واليابان وغيرهما من الدول الآسيوية تقاوم ذلك ، وواشنطن تضغط عليهما بقوة ( نيوزويك 172 )

ونضيف بأنه من كوارث ضعف الدولار وتسعيرة النفط بالدولار ، فالدول الإسلامية تخسر ما يقارب 137 مليون دولار يومياً ، ويعتبر ذلك دعماً مباشراً للاقتصاد الأمريكي 0 ولكن هل تستطيع الدول الإسلامية إعادة النظر في تغيير آلية تسعيرة النفط بالدولار ؟  0

6/ الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم وصلت عام 99/2000م إلى 200ر1 مليون دولار ، وانخفضت بنسبة 50% في العالم عام 2002م 0

7/ الوجه الآخر للعولمة هو تنازل الدول عن هامش كبير من سيادتها للشركات المتعددة الجنسية ، ولكن الصدمة التي هزت أمريكا والعالم هو انهيار كبرى الشركات العالمية المتعددة الجنسية مثل انرون ، ووبلد دوت ، وتيكو ، وزيروكس ، بالإضافة إلى خسائر وول ستريت الفلكية ( مقالة منشورة لنا في الراية العدد 7658 ) 0

8/ جولات منظمة التجارة العالمية ، كانت الثمان سنوات الأولى منذ 1993م لصالح اليابان وأمريكا وأوربا ولكن بعد ذلك حدث الركود العالمي ، فجاءت جولة الدوحة وحققت بعض الانتعاش لمنظمة التجارة العالمية ، ولكن جولة كانكون هزت منظمة التجارة العالمية ، لأن الدول النامية كانت تسعى لبعض التسهيلات لبعض السلع مثل تخفيض الاصرار على براءة الاختراع وذلك ليسهل على الدول النامية صناعة الأدوية لمكافحة الأيدز وبعض الأوبئة الفتاكة ( نيوزويك العدد 172 ) 0

ونتيجة عدم تقديم الدول المتقدمة تسهيلات للعالم النامي أدى ذلك إلى تحالفهم ، وهو عندما تحالف الدول الـ 22 تحت قيادة البرازيل ، وهذا التحالف كان بين دول مصدرة للسلع الزراعية وهي البرازيل واستراليا والارجنتين وجنوب أفريقيا وأندونيسيا وتايلاند وجنوب أفريقيا والفلبين 00 إلخ 0 وعقدت تحالفات مع الهند والصين ، ومثلت الدول مجتمعة ثلثي مزارعي العالم ، و 60% من إنتاج العالم الزراعي ، ويقول تقرير نيوزويك وبدت مجموعة 22 وكأنها عودة مجموعة 77 0

هل الولايات دولة امبريالية ؟

1/ ميزانية السلاح في الولايات المتحدة لعام 2003م (470) بليون دولار ، وذلك يمثل 50% من ميزانية التسليح على مستوى العالم 0 وكذلك رفضت الولايات المتحدة التوقيع على تجديد معاهدة الحد من الأسلحة البلاسيتية ، ويوجد عندها برامج جديدة لتطوير أسلحتها النووية ، وتطوير حرب النجوم 0
2/ الولايات المتحدة رفضت التصديق على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية 0
3/ منذ نهاية الحرب الباردة خاضت عدة حروب دون تفويض من مجلس الأمن 0
4/ سابقة خطيرة تمارسها الولايات المتحدة وتعتبر انتهاك لاتفاقية جنييف حول الأسرى، وهو وجود معتقلي غوانتناموا 0

/ إحدى أهم دعائم العولمة الحديثة هو التوجه العالمي نحو البيئة – هل الولايات المتحدة من المساهمين في حماية البيئة العالمية ؟ طبعاً نستطيع أن نقول لا ، لأنها لم تصادق على اتفاقية كيوتو للبيئة العالمية  0

/ في الختام جميع زعماء العالم المؤثرين في القرارات الدولية اجمعوا بطريقة غير مباشرة على رفض التصرفات الأمريكية في العالم  خلال كلمتهم في الجمعية العمومية في سبتمبر 2003م –

1/ امبيكي رئيس جنوب أفريقيا – ويعتبر خليفة أحد أهم سياسيين الكوكب في   القرن العشرين ( نيلسون مانديلا ) وقال امبيكي – ( الفقراء لن يقبلوا   الحفاظ على الوضع القائم ، الذي يؤبد الفقر 0 وقال مليارات الفقراء في   العالم يطالبون أن تقوم الأمم المتحدة بعمل من أجل نقل الموارد إليهم ، ما   سيمكنهم من التحرر من ربقة الفقر ) ( الخليج العدد 8894 )  0

2/ ميجاواتي رئيسة أندونيسيا ، وأندونيسيا تمثل أكبر دولة إسلامية حيث أن   عدد سكانها 217 مليون مسلم تقريباً ، قالت – ( كثير من المسلمين في   أندونيسيا يعتقدون أنه عندما تتصرف القوى الكبرى بطريقة أكثر عدلاً   وتوضح حياديتها في الشرق الأوسط عندئذ فمعظم الأسباب الأساسية   للارهاب الذي يرتكب باسم الإسلام ، ستكون قد حلت ) ( الخليج العدد 8894 ) 0

3/ لولا رئيس البرازيل ويبلغ عدد سكانه 170 مليون نسمة ، والبرازيل هي   أكبر دولة في أمريكا اللاتينية يقول – ( على الرغم من اخفاقات الأنظمة   التي تريد تعميم الثروة من دون الحكم على آخرين بفقر مدقع ، فإن كثيراً   من الناس لا يزالون يصرون على جشعهم وقصر نظرهم ) ( الخليج العدد 4988 )0

وبعد ذلك سنطرح سؤال أخير ، الفقهاء عندما نشأت الأمم المتحدة استبشروا خيراً بالمنظمة الجديدة ، وكانوا فرحين بأن الأمم المتحدة حرمت الحرب إلا بتفويض من مجلس الأمن ، ويقولون ذلك أفضل مما كانت عليه العصبة التي يقول ميثاقها عدم جواز اللجوء إلى الحرب  0 هل تعتقدون لو هؤلاء الفقهاء مازالوا موجودين سيحافظون على نفس الرأي المذكور أعلاه ؟  0

* إذاً على الولايات المتحدة أن تتعاون مع العالم ، لإخراج العالم من هذا النفق المظلم الذي لا يعلم إلا اللّه سبحانه وتعالى نهايته 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

هل الانثروبولوجي ستنتصر للجنوب على الشمال ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

24/6/2004

منذ القرن السادس ميلادي إلى القرن التاسع ميلادي ، وهي خير القرون كما وصفها رسولنا الكريم محمد ص ، وفي هذه المرحلة تحقق المجال الجيوسياسي الإسلامي بأحد طرقه الثلاثة : الفتح ، أو الدعوة ، أو التجارة 0

وبعد هذه المرحلة بدأ الانحدار التدريجي للكيان الجيوسياسي الإسلامي إلى أن وصلنا إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي كالكعكة المقسمة إلى قطع ما بين القوى الغربية وبالتحديد الأوربية 0 ونجد أوربا في الخمسة قرون الأخيرة من الزمن بنوا قوتهم من خلال برامج استراتيجية عالمية ، برز من خلالها الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي والاستثمارات الضخمة في الأنشطة الأولية ، واستثمارات أكبر اتجهت للبنية التحتية الخدمية مثل : التعليم والتجارة والنقل والمواصلات وتوفير المرافق المختلفة من كهرباء ومياه ونظافة 00 إلخ ، ووجهوا هامش ضخم جداً من دخلهم لدعم البحث العلمي ومازالوا ، حيث بلغ الانفاق العام على التعليم من الناتج القومي كمتوسط أكثر من 10% في دول أوربا ، وما بين 10% إلى 3% في دول علام الجنوب0

والأهم من ذلك في أوربا ، أنشأوا دولة المؤسسات التي تنبع عن إرادة شعبية ناضجة ، وبالتالي استطاعوا أن يصلوا إلى درجة عالية من السمو والرقي ، ومن ناحية عملية فإن الشعب هو مصدر السلطات ، وليس من ناحية صورية كما هو في عالم الجنوب 0 وهذه السلطات الناضجة استطاعت أن تراقب وبدقة انحرافات مؤشر التنمية المذكور أعلاه في أوربا  0

ولكن رغم التخطيط الضخم في أوربا ، إلا أن إرادة اللّه سبحانه وتعالى ستبقى فوق كل شيء 0 فمع الثورات التنموية والسياسية الضخمة التي حدثت في عالم الشمال ، إلا أن اللّه سبحانه وتعالى أوجد عند عالم الجنوب ( العالم الإسلامي ) الهبة الجيولوجية وهي ممثلة بالهايدروكاربون ( النفط والغاز الطبيعي ) وذلك يمثل 90% من الطاقة التي توفر الديناميكية والحركة لكل آلات التكنولوجيا التي صنعها عالم الشمال، وطبعاً لم يستفد عالم الجنوب من هذه الإمكانات الضخمة  ، بل تحول الهايدروكاربون إلى وبال على عالم الجنوب ، وأدى ذلك إلى فقدان عالم الجنوب لسيادته التي اكتسبها بعد الحرب العالمية الثانية ، وذلك إما من خلال الاحتلال المباشر كما في فلسطين وأفغانستان والعراق ، أو من خلال الحصار ، كما هو مطبق على إيران الإسلامية وغيرها ، أو التنازل وتقديم التسهيلات للقوى الأمبريالية العالمية 0 ولكن أبت الطبيعة إلا أن تنتصر لعالم الجنوب حتى ولو من خلال التكاثر الفطري (الديموغرافي )  0

فالمشكلة الديموغرافية الغربية تعود جذورها إلى التقدم الضخم الذي حدث مع الثورة الصناعية مما أدى إلى تقليص معدل الوفيات ، وزيادة عدد المواليد ، وأرتفاع معدل العمر عند الولادة ( أمد الحياة ) ، ونتيجة لذلك أصبح النمو السكاني وتضاعفه يتطور بشكل سريع في الغرب ، مما جعل بعض العلماء الغربيين مع بزوغ فجر الثورة الصناعية يحذرون دولهم من النمو السكاني الضخم ، فلنأخذ رأيين مثلاً :

الأول : القسيس الإنجليزي توماس مالتوس 1978م قال : السكان يتزايدون وفق متوالين هندسيين 0 بمعنى أن (1) يؤدي إلى (2) ، وهذه إلى (4) وهذه إلى (8) وهكذا 0

بينما الموارد الزراعية في عهده تزداد بمعدل حسابي 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 وهكذا0 الأمر الذي يؤدي إلى اتساع الفجوة بين عدد السكان والموارد 0 ولذلك نصح مالتوس أمته بإتخاذ عوائق مانعة مثل تأخير سن الزواج وإطالة العزوبية لإحداث التوازن بين العدد والموارد 0 وإلا قامت الطبيعة بهذا قسراً واجبارياً عن طريق الأمراض والأوبئة والزلازل والكوارث ( رضوان ص 546 ) 0

الثاني : ايموند بيرل من خلال نظرية الاسفنجة 0 قال : أن الاسفنج يظل يمتص الماء إلى أن يصل إلى حد التشبع ، ثم لا يحمل بعد ذلك شيئاً ، ويبدأ الماء في التساقط 0 وعلى هذا فأي مجتمع سيظل يتقبل أعداداً كثيرة من السكان حتى يصل إلى التشبع ، ثم يبدأ بلفظ الزيادات إلى الخارج لتبحث لنفسها عن الغذاء  والمأوى ، وفي رأيه أنه من هنا تبدأ الكارثة 00 أي بداية الانهيار ( رضوان ص 546 ) 0

والذي عزز الجانب النظري أعلاه ، لإمكانية حدوث كارثة ديموغرافية في العالم ، هو السرعة التي تضاعف بها عدد سكان كوكب الأرض ، ففي سنة 1650م كان سكان الكوكب 500 مليون نسمة تضاعف بعد 200 سنة ليصبح 1000 مليون نسمة ، وبعد ذلك تضاعف خلال 80 سنة ليصبح 2000 مليون عام 1930م ، أما التضاعف الرابع فتم خلال 45 سنة فقط 0 ففي عام 1975م وصل سكان العالم إلى 4000 مليون نسمة ( الخياط ص 165 ) 0

هذا التضاعف الكبير دق ناقوس الخطر بالنسبة لإمكانية الكوكب الاستيعابية لسكانه وخاصة إذا علمنا أن 9% من كوكب الأرض فقط هو الذي يجذب معظم السكان إلى الاستقرار به والتجمع فيه والانتفاع بخيراته ( رضوان ص 505 ) ، وذلك مهدد بشكل كبير بالتصحر والتلوث البيئي  0

ولكن شعوب الشمال ( أوربا ) انتبهوا لهذا الخطر الديموغرافي وقاموا بوضع البرامج التي تشجع على الإباحية الجنسية ، وتأخير سن الزواج أو عدم الحاجة للزواج ، وتقليص حجم الأسرة النووية ، وكان نتيجة ذلك في البداية إيجابية ، حيث نجد أن معدل صغار السن أقل من 15 سنة انخفض إلى أقل من 20% ( تقرير عام 2002م ص 165)، وأصبح معظم السكان 16 – 65 سنة ، ولكن المشكلة التي تنتظر أوربا مع عدم تغذية القاعدة من خلال المواليد الجدد ، هو عندما ينتقل الشباب إلى سن الشيخوخة ، وهذا ما حدث بالفعل لأوربا الآن ، فالشباب الأقل من 15 سنة يتوقع أن يصلوا عام 2015م إلى 3ر16% من جملة السكان ، والشيوخ كبار السن يتوقع أن تصل نسبتهم إلى 3ر17% من جملة السكان عام 1502م ، أي ما يقارب خمس السكان الأوربيين من كبار السن ، وهذه النسبة يتوقع أن تصل إلى 25% من سكان أوربا عام 2025م0

فأوربا أصبحت القارة العجوز في كوكبنا هذا ، وبدأت بالفعل بالانقراض السكاني ، فالنمو السكاني مثلاً في كلا من : ايطاليا 3ر0% ، السويد 2ر0% ، سويسرا 2ر0% ، النمسا 2ر0% ، وأسبانيا 2ر0% ، وألمانيا 1ر0% 0

ومن هنا بدأ ذلك يثير الكثير من التساؤل في أوربا ، ومن ناحية سلالية هل يعني ذلك بداية الإنحسار لسكان أوربا ، ومن ناحية سلالية وانثروبولوجية هل يعني ذلك بداية إنقراض السلالة ( الأوربية ) الألبية والنوردية أو الجنس الأري الأوربي بشكل عام 0 ويعتقد الأوربيون الأغنياء في غرب ووسط أوربا أنه بضم دول شرق أوربا العشر إلى الاتحاد عام 204م ، ستحل جزء من المشكلة ، فيرى أستاذ الاقتصاد في جامعة كنيت دوجي فيكرمان ” بأنه لن يغادر أكثر من 150 ألف شخص أوطانهم سنوياً من شرق أوربا إلى غرب أوربا ، وفي اتحاد يضم 500 مليون نسمة ، لا يمكن اعتبار ذلك تدفقاً ” ( نيوزويك العدد 165 ص 22 ) 0 وبالفعل إحصائية الهجرة المذكورة سلفاً لا تعني شيئاً بالنسبة لأوربا ، فمثلاً ألمانيا لوحدها ستحتاج إلى 300 ألف مهاجر سنوياً بحلول عام 2010م للحفاظ على تعدادها السكاني إلى ضعف المذكور أعلاه ، وبالنسبة للأوربيين يفضلون مهاجرين من داخل أوربا على وجود أفريقيين وآسيويين الذين يشكلون نسبة متزايدة من مستوطني أوربا الجدد ( نيوزويك العدد 165 ص 23 ) 0 وخلاصة القول حتى لو انفتحت أسواق العمالة الأوربية عام 2004م على بعضها فذلك لن يساهم في حل مشكلة الشيخوخة الأوربية ، ويتوقع أن تفقد أوربا خلال الخمسين سنة القادمة 40 مليون نسمة من سكانها ( نيوزويك العدد 159 ص 20 ) ، ويضاف إلى ذلك إذا استمر الوضع أكثر من 200 مليون نسمة من سكان أوربا من كبار السن ( 65 سنة فما فوق ) 0

ذلك يعني بأن أوربا ستحتاج خلال الخمسين سنة القادمة إلى ما يقارب من 200 مليون مهاجر سكاني في سن العمل ، ونحن نرى بأنه أفضل أماكن لتغطية هذا النقص الأوربي ، هو الدول التي تعاني انفجاراً سكانياً ، حيث نجد أن نسبة التضاعف السكاني عندها كمتوسط كل 25 سنة ، مثل دول العالم العربي والتي تبلغ نسبة النمو السكاني عندها ما يقارب من 3% سنوياً ، ويتوقع أن تصل نسبة الشباب في سن العمل 16 – 65 سنة في عام 2015 إلى 2ر63% من سكان العالم العربي وذلك يعادل 210 مليون عامل ، بما أن العالم العربي الآن 50% من القوى العاملة فيه تعاني من البطالة السافرة والمقنعة ، ولا توجد برامج تنمية تذكر الآن ، فيتوقع بعد أكثر من عقد من الزمان أن نسبة البطالة ستكون أكثر من الآن 0 بمعنى آخر ، سيكون العالم العربي في عام 2015م على استعداد لتغذية أوربا بما يقارب من 100 مليون عامل على أقل تقدير 0 وكذلك أفريقيا جنوب الصحراء سيكون لديها في عام 2015م ما يقارب من 330 مليون شخص في سن العمل ، ولا توجد لديهم برامج تنمية تذكر ، لاستيعاب هذا الانفجار السكاني الضخم ، ووضعهم الاقتصادي الآن أسوأ من العالم العربي ، ويتوقع أن يصبح أكثر سوءً في عام 2015م ، إذاً من الحلول لأفريقيا الزنجية وللاتحاد الأوربي العجوز ، أن يستقبل هذا الأخير ما يقارب من ثلث العمالة الأفريقية أي ما يعادل 110 مليون عامل 0 ولو حدث ذلك لأصبح العجز الأوربي الديموغرافي في الأيدي العاملة كما هو متوقع في عام 2050م أكثر من 200 مليون شخص ، مغطى بهجرة ما يعادل 210 مليون نسمة من العالم العربي وجنوب الصحراء الأفريقية0

السؤال الذي يطرح نفسه أولاً : هل ستسمح أوربا لسلالة غير السلالات الأوربية السائدة لتشكل ما يقارب ثلث سكان أوربا ؟ 0

ثانياً : هل ستسمح أوربا لكي يكون أكثر من ربع سكان أوربا من المسلمين ؟ 0

الإجابة كالعادة نتركها للقارئ الكريم  0

ولو لم تسمح أوربا هنالك حل ثاني أيضاً لأوربا ؛ وهو بأن تنقل التكنولوجيا والاستثمارات الأوربية إلى دول عالم الجنوب وذلك بسبب وفرة الأيدي العاملة ، وإذا وجهت الاستثمارات إليهم ستصبح مناطق الجنوب تشكل قوة شرائية وأسواق رائجة للبضائع الأوربية  0

المعضلة الديموغرافية التي يعاني منها السكان البيض انتقلت من الجزء الشرقي للأطلسي إلى الجزء الغربي للأطلسي 0 فكما ذكرنا سابقاً عن أوربا بأنه يتوقع أن يصل ما يقارب 25% من سكانها إلى فئة كبار السن سنة 2025م ، كما يتوقع أن تفقد أوربا خلال الخمسين سنة القادمة ما يقارب (40) مليون نسمة 0 والحل الذي قدمناه لأوربا ، هو بأنها تستطيع أن تغطي عجزها السكاني باستقدام ما يقارب (210) مليون نسمة إلى عام 2050م من العالم العربي وأفريقيا 0 وبالتالي سيصبح أكثر من ثلثي سكان أوربا من غير البيض 0

ولكن مخاوف ذلك بالنسبة للأوربيين هو انتماء الجنس الأبيض على حساب العناصر الأخرى ، ولكن الأوربيين لم يصرحوا بذلك 0 أما الحركات الصهيونية فنبهت إلى خطورة انتماء الجنس بالنسبة لليهود ، ففي دراسة منشورة لنا في عام 2002م قلنا بأن نسبة اليهود في العالم لا تزيد على 4ر0% ( آل ثاني ، عالم إسلامي ص 71) ؛ وذكرت الأهرام العربي في عددها (369) بأنه يوجد قلق إسرائيلي من انخفاض عدد اليهود في العالم بحيث وصلت نسبتهم الآن بأقل بعشر عن النسبة السابقة ، أي أن نسبتهم تعادل 3ر0% من سكان العالم  0 وبمعنى آخر بأن اليهود بدأوا يعانون من انتماء الجنس اليهودي  0

أما على الجزء الآخر للمحيط الأطلسي فقد فجر صامويل هنتنغتون قنبلته التقليدية ، التي دائماً تتسم بالمخاوف ، فقنبلته الأولى كان في عقد التسعينيات من القرن الماضي تحت مظلة صراع الحضارات ، وفيها حدد أن الإسلام يعتبر العدو الأول للعالم الليبرالي بعد انتهاء الحرب الباردة 0 أما الانفجار الفكري لهنتنغتون في القرن الواحد والعشرين هو مخاوفه من انحسار الجنس الأنغلو بروتستانتي والذي يعتبر نواة نشأة الولايات المتحدة الأمريكية ، وانحسار هذا الجنس الأبيض يعني انهاء حلم الأسطورة الأمريكية  0
فيقول هنتنغتون في (FP) أن الأمة الأمريكية تكونت على يد مستوطني القرن 17 ، 18 الذين كان غالبيتهم من البيض البريطانيين واتباع المذهب البروتستنتي ، ووفرت قيمهم ومؤسساتهم وثقافتهم الأساس للولايات المتحدة 0 إلا أنه بحلول أواخر القرن التاسع عشر تم توسيع الكون الاثني ليشمل الألمان والايرلنديين والسكندنافيين ، كما تمت إعادة تعريف الهوية الدينية للولايات المتحدة الأمريكية بصور أوسع من الديانة البروتستانتينية إلى الديانة المسيحية 0

غالبية الأمريكيين ينظرون إلى العقيدة ، على أنها العنصر الحاسم في هويتهم القومية 0 ولكن العقيدة كانت نتاج الثقافة الأنجلو بروتستانتينية المميزة للمستوطنين المؤسسين 0 وتتضمن العناصر الرئيسية لتلك الثقافة : اللغة الإنجليزية ، والمسيحية ، والالتزام الديني ، والمفاهيم الإنجليزية لحكم القانون ، ومسؤولية الحكام وحقوق الأفراد، والقيم البروتستانتينية المعارضة المتعلقة بالفردية وأخلاقيات العمل ، والإيمان أن لدى البشر القدرة وواجب محاولة إقامة الجنة على الأرض ( المدينة المرتفعة ) 0 ومن هنا نعلق على الجملة الأخيرة لهنتنغتون عندما حاول الجهاد بأن أمريكا تمثل اتلانتس الذي يمثل قمة الخيال الذي وصل إليه الأغريق في فلسفة أفلاطون ، وكان من شروط أفلاطون لاتلانتس هو سيادة الفضيلة  والتعليق على ذلك نتركه للقارئ الكريم0

مخاوف هنتنغتون من الانحسار السكاني للسكان البيض تعتمد على دراسة اصدرتها وكالة الإحصاءات الأمريكية الرسمية توضح مستقبل السكان في أمريكا (الوسط العدد 638) : وتوضح الدراسة بأن مستقبل السكان في الولايات المتحدة الأمريكية سيصل إلى 420 مليون نسمة عام 2050م ، بزيادة تصل إلى 33% عن عام 2000م، فيما ستهبط نسبة الغالبية السكانية من ذوي البشرة البيضاء والبالغة حالياً 70% من جملة سكان الولايات المتحدة إلى ما دون 50% بحلول عام 2050م 0
وإن الجالية الهسبانية ( اللاتينيين الناطقين بالاسبانية ) ستنمو بنسبة 88% ، وستبلغ نسبتهم 25% من جملة سكان الولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك يمثل ناقوس الخطر بالنسبة للأنجلو بروتستانت في أمريكا  0

وستصبح الجالية الهسبانية في المرتبة الثانية ، وذلك لأن السود سينتقلون إلى المرتبة الثالثة ، بدلاً من الثانية التي يسيطرون عليها الآن في الأمريكا ، ستبلغ نسبة السود 5ر14% في عام 2050م ، والآسيويين تبلغ نسبتهم 8% 0

ويشير الإحصاء إلى أن نسبة كبار السن ستبلغ 21% من جملة سكان الولايات المتحدة في عام 2050م ، وذلك شبيه بالمؤشر الأوربي الذي ذكرناه سابقاً والذي يشير إلى أن المجتمع الأوربي في عام 2025م ستكون نسبة كبار السن فيه تبلغ 25% من جملة السكان الأوربيين ، ولقد أسمينا ذلك بالمجتمع الذي يمر في مرحلة الشيخوخة ، وسيشاركه ذلك كما ذكر أعلاه المجتمع الأمريكي في عام 2050م 0

مخاوف هنتنغتون هنا لأن معدل الزيادة الطبيعية بالنسبة للبيض الغير لاثينيين تصل 8ر1% سنوياً وذلك يعني معدل التضاعف كل 39 سنة مرة واحدة ، أما معدل التضاعف بالنسبة كل 33 سنة مرة واحدة ، أما بالنسبة للاثنيين سيكون معدل التضاعف كل 23 سنة (FP) 0 وذلك يعني ما بين 2050 و 2000م مرحلة التلاشي التدريجي للسكان البيض الغير اللاثينيين في أمريكا ، ويعود ذلك بسبب طول فترة التضاعف الديموغرافي مقارنةً مع الهسبانك ، وبالتالي سيصبح معظم البيض من كبار السن ، وتدعمهم قاعدة صغيرة من صغار السن مقارنة مع الهسبانك ، وذلك يعني بأن الولايات المتحدة ستصبح لاثينية بحلول عام 2100م 0

ومن هنا يصرح هنتنغتون قائلاً ( الوسط العدد 638) في فترة عام 2050م ( بحلول ذلك العام ستنشأ بلاد مختلفة عما نعرفه الآن ، إذ ستكون ولايات متحدة متنوعة بتركيباتها العرقية والديموغرافية وأكثر دولية في أسسها وطريقة تفكيرها ) 0

انظروا إلى الابداع في التخطيط الاستراتيجي الصهيوني للمحافظة على مكانتهم العالمية 0 فبعد صدور نتائج وكالة الإحصاءات الأمريكية عن الدور المتوقع للجالية الهيسبانية في الولايات المتحدة حذر ما يكل فرويند ( نقلاً عن الوسط العدد 638 ) المساعد السابق لوزير المالية الإسرائيلي قائلاً : إذا أراد اليهود الأمريكيون أن تبقى الولايات المتحدة على تأييدها الأعمى لإسرائيل عليهم تقوية صلات الصداقة مع الجالية اللاثينية0 فالمجتمع الهسباني اللاثيني هو أكبر المجتمعات العرقية في أمريكا تطوراً، فلديه قوة اقتصادية وإعلام ولغة أسبانية خاصة بهما ، وتأثيرهم السياسي يتنامى بصورة سريعة مع مرور الوقت 0

مخاوف هنتنغتون ليس سيادة الجالية اللاثينية في أمريكا فقط ، ولكن مخاوفه أيضاً من تفكك الولايات المتحدة الأمريكية على غرار الاتحاد السوفيتي السابق ، فيقول هنتنغتون : لم تقم أية مجموعة مهاجرة أخرى في الولايات المتحدة بتأكيد ادعاء تاريخي بملكية أراضي أمريكية 0

ولكن المكسيكيين والمكسيك الأمريكيين قادرون على ذلك ويقومون بذلك 0 فقد كانت غالبية أراضي ولايات تكساس ، ونيومكسيكو ، واريزونا ، وكاليفورنيا ، ونيفادا ، ويوتاه جزءا من المكسيك ، إلى أن خسرتها نتيجة حرب الاستقلال المكسيكية في عام 1835/1836م ، والحرب المكسيكية الأمريكية 1846/1848 (FP) 0

أما بالنسبة لجنوب شرق أمريكا فنموذج ميامي اللاتيني ، يمثل رعباً للوحدة في الولايات المتحدة ، فيقول هنتنغتون : إن النمو الاقتصادي لميامي ، الذي قاده المهاجرون الكوبيون الأوائل ، جعل المدينة منطقة جذب للمهاجرين من دول لاتينية وكاريبية أخرى 0 فبحلول عام 2000م كان ثلثا المدينة لاثينيين ، نصف هؤلاء كوبيون أو منحدرون من أصول كوبية (FP) 0

السيطرة اللاتينية على المكسيك جعل الانجلو ساكسونيين والسود ترك مدينة ميامي ، ومن غادر المدينة منهم ما بين عامي 1983 – 1993م ، وصل عددهم إلى 1400 ألف نسمة ، وقد تم التعبير عن هذا الرحيل الهائل في ملصقات السيارات يقول : هل لآخر الأمريكيين الذين يتركون ميامي أن يحضر معه العلم ؟ (FP) 0

طبعاً نحن لا نستغرب أن تتحول الولايات المتحدة إلى دولة لاتينية ، وخاصةً الجنوب الغربي ، والجنوب الشرقي الأمريكي يعتبر إقليمان ذوي غالبية لاثينية (هسبانية) ، فالأمة اللاثينية في الجنوب تشكلت بالفعل ، ولكن الأمر المنتظر هو وصولها إلى مرحلة النضج 0 إذاً بالنسبة للاثينية الأمة موجودة والباقي الدولة ، وذلك على عكس ما حدث لأوربا 0 فالدولة تنشأ أولاً ( كما في فرنسا وإيطاليا وألمانيا ) ثم يليها نشوء الأمة 0

والمثل الحي أمامنا هو نشأة ايطاليا ، فنسبة 4% من الطليان كانوا يتحدثون اللغة الإيطالية حين وحد غاريبالري البلاد ، وأن الفرنسيين لم يشعروا بانتمائهم إلى أمة واحدة سوى في القرن التاسع عشر ، أي بعد قرون طويلة من التطور الرأسمالي والفكري ( الوسط 636 ) 0

إذاً بالنسبة للهاسبانك الذين يشكلون أكثر من 70% من سكان الجنوب الأمريكي الأمة موجودة ، والمتبقي هو الدولة ، ونستطيع أن نستشف من مطالبة اللاثينيين بذلك: فأوزفالدو سرتر رئيس الرابطة الأمريكية الاسبانية لمناهضة التمييز بأنه ليس لدينا مجتمع متجانس ، يقول ديوك أرييل دورفمان أستاذ الأدب في جامعة ديوك دورفمان، هل ستتحدث البلاد لغتين أم واحدة ؟ وجوابه بالطبع هو أن عليها أن تتحدث اثنتين  (FP) 0

واستخدم هنتنغتون نموذج كوبيك الكندي ، فقال هل يصبح الجنوب كوبيك الولايات المتحدة ؟ 0 فالمنطقتان يعيش بهما كاثوليك ثم غزوهم واحتلالهم من قبل شعوب انجلو بروتستانتينية ، ولكن القليل سوى ذلك يجمع بين هاتين المنطقتين 0 فكوبيك تبعد 3000 ميل عن فرنسا ، ولا يحاول عدة مئات الآلاف من الفرنسيين الدخول إلى كيوبيك قانونياً أو بصورة غير قانونية كل عام كما يفعل المكسيكيون 0 وهنا نود أن ننبه بأن الهجرة المكسيكية السنوية بالإضافة إلى الهيسبانك الموجودين أصلاً في جنوب غرب أمريكا ، كل ذلك تلميح كبير من هنتنغتون إمكانية انفصال الجنوب الغربي للولايات المتحدة  0

وفي الختام اذكر نفسي واذكركم بأننا في القرن العشرين وهبنا اللّه سبحانه وتعالى مكرمة الهايدروكاربون الجيولوجية ولم نستغلها ، وفي القرن الواحد والعشرين مكرمة النمو الديموغرافي الهائل ، ولم يبق لنا إلا الإصلاحات في الإدارات الإسلامية لكي يكون لنا دوراً في هذا الكوكب 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

هل الإدارة العالمية تحتاج لإعادة تقييم ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

العنوان أعلاه نحاول أن نركز عليه كإجابة على دراستين منشورتين لنا سابقاً ، هما : الجدلية القانونية للوصاية الأمريكية على العراق ، وهل التنظيم الدولي يواكب القرن الواحد والعشرون ؟

فالدراسة الأولى كانت تثبت عدم الجدوى القانونية للوصاية الأمريكية للعراق ، والدراسة الثانية ركزنا فيها على التنظيم الدولي والعولمة ، ومدى جدوى القوى الإمبريالية الأحادية للعالم ؟

ربما من أقوى التجارب الأمريكية لإعادة إدارة العالم هو التجربة الأمريكية الحديثة ، من حيث الحرب الاستباقية في أفغانستان والعراق 0 فأمر أفغانستان مازال معلقاً ، وتوجد به حكومة سلطتها بالكاد لا تتعدى كابول العاصمة 0 أما العراق    فما زال في حالة فوضى (Anarchy) والدولتين مازالتا تمران في مرحلة سيولة إدارية 0

النقطة الملفتة للنظر هي : إذا فشلت أمريكا في هذه الدول الصغيرة نسبياً العراق وأفغانستان ، وبالإضافة إلى القضية الفلسطينية ، فذلك سوف يجعل مصداقية أمريكا كقوى عظمى تتولى إدارة العالم ، يدور حولها الكثير من الشكوك

دعونا نأخذ القضية العراقية كمثال للآليات التي تعتمد عليها أمريكا في إدارة العالم  0 فوزير الخارجية الأمريكي كولن باول يقول في أواخر سبتمبر 2003م : بأنه ستحدد ستة أشهر مهلة للقادة العراقيين الذين يعملون تحت الاحتلال الأمريكي مجلس الحكم  لصياغة دستور جديد للبلاد 0 طبعاً بالنسبة لنا رفضنا فكرة باول من خلال الدراستين المذكورتين أعلاه ، ومن خلال متابعتنا للصحافة العالمية ، وجدنا بأنه من الصعب تحويل الحلم الأمريكي في العراق إلى واقع ملموس ، وذلك من خلال الآراء التالية :

أولاً : في صحيفة (Financial Times October 8,2003) يقول دومنييك موايسي من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية : 1 تأييد بوش اعتداء شارون على سوريا اثبت عدم نزاهة الوساطة الأمريكية في الشرق الأوسط 2 العراق وفلسطين كل الموضعين ينعكس على الآخر ، فنجاح أمريكا في إحداهما ينعكس على الآخر ، وفشل أمريكا في إحداهما ينعكس على الآخر 3 يركز دومنييك على نقطة سبق أن ذكرناها قبل ثلاثة أشهر تقريباً ، وهي على أمريكا أن تعرف بأن النموذج الألماني والياباني ليس بالضرورة أن ينطبق على العراق ، وكذلك على أمريكا أن تتذكر بأنه يوجد نموذج شرق أوسطي شبيه بالعراق ، وهو الدور الفرنسي الفاشل في الجزائر ، وكارثة الجزائر هو بأن فرنسا خططت للشعب الجزائري دون إشراك الشعب الجزائري في تحقيق مصيره ، والذي حدث سابقاً للجزائر هو الذي يحدث الآن للعراق بواسطة   أمريكا  0

ثانياً : دايفيد بروك من (Herald Tribune October 8,2003) يقول إذا تريد صياغة الدستور العراقي فعليك مراعاة نقاط حساسة جداً وهي : 1 الفيدرالية : هل الإدارة تكون رئاسية مركزية ، أو برلمانية غير مركزية ؟ 2 ما هي الآلية التي سوف يكون عليها الحدود الإدارية والفيدرالية ؟ 3 القضايا الحساسة ، مثل حقوق الأقليات ، ومثل الآلية التي يتم من خلالها تجنيد العسكريين  4 حقوق المرأة ، بمعنى آخر هل أمريكا سوف تتدخل في موضوع تعدد الزوجات ؟ 5 ما هي الآلية التي سوف توزع بها الحصص النفطية بين الشعب العراقي ؟ 6 هل السنة إذا لم يعطوا الدور الكافي سيقومون بلعب دور تخريب وذلك سينعكس على الشيعة والأكراد أيضاً ؟ 7 السؤال المهم هل الشعب العراقي جاهز لإستيعاب الديمقراطية ؟ 0

في الختام يقول السيد بروكس من المستحيلات أن يستطيع مجلس الدستور العراقي أن يجد حلولاً للقضايا المذكورة في ستة شهور  0

الذي قلناه وقالته الصحافة العالمية ، نجد بأن القيادات العراقية تؤمن بنفس التصور ، وبعضها أكثر تشدداً ، فالسيد مرتضى الصدر لم يرفض الدستور فحسب ، بل رفض مجلس الحكم المعين أمريكياً كاملاً 0 أما السيد عبد العزيز الحكيم فيقول : إن الدستور الجديد للبلاد لابد وأن يعده لجنة منتخبة ، وفور صياغته لابد أن تتم الموافقة عليه في استفتاء دستوري عام  الشرق العدد 5588  0 وإبراهيم الجعفري يقول : يفضل انتخاب أعضاء المجلس الدستوري  الحياة العدد 14802  ، والخمسين حزب عراقي المعارضين لمجلس الحكم يقولون : أن التصويت نفسه على الدستور العراقي الذي سيقترح أمر غير شرعي ، لأن التصويت وانتخاب المؤتمر الدستوري سيتمان تحت وطأة احتلال أجنبي وليس بمحض الإرادة العراقية وسيادة الشعب العراقي المفقودة  الحياة العدد 14802  0

إذاً ما فعلته إدارة المحافظين الجدد الأمريكية في الشرق الأوسط والعراق بالتحديد يخالف حتى آراء المؤسسين الأمريكان ، فمبدأ الرئيس الأمريكي ويلسون 1913 – 1921م يقول : إن اعتراف الحكومة الأمريكية بالحكومات الجديدة ، مشروطاً بوصولها إلى الحكم بطرق ديمقراطية ، وما يفعله المحافظين الجدد الآن يخالف ذلك ، حيث يدعون إلى الديمقراطية ، ويتحالفون مع الكثير من الحكومات الغير ديمقراطية في العالم النامي ، وذلك حيث توجد مصلحتهم 0 أما الرئيس الأمريكي ترومان قال في عام 1945م : إن الولايات المتحدة لن توافق على أي تغييرات أو تعديلات إقليمية في أي مكان ، إلا إذا كانت مطابقة لرغبات الشعوب التي يهمها الأمر ، وعلى شرط أن تعبر هذه الشعوب عن رغباتها بحرية 0 وأنها سترفض الاعتراف بأي حكومة تُفرض على أية دولة بمعرفة دولة أجنبية  الحياة العدد 14700  0

ومن هنا عرضنا رأي بعض القيادات العراقية ، وتصور ترومان وويلسون في حق الشعوب لتحقيق مصيرها ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل المحافظين الجدد سيذعنون للمبادئ التي قامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية ؟  0

ما تفعله أمريكا الآن في العالم النامي ليس فقط الدول المحتلة تفقد سيادتها ، بل حتى الدول النامية الحليفة لأمريكا تفقد شروط الاعتراف بها في القانون الدولي العام بحيث القانون يقول : حين تخفض حكومة ما في تأكيد سموها الإقليمي أو تعجز عن صيانة استقلالها السياسي تنتفي عنها صفتها التمثيلية لشعبها ، ولا تعود تعبّر عن مشيئته ، فتفقد الأهلية للاعتراف بها  الحياة العدد 14700  0

المفكر الشهيد نعوم تشومسكي  العولمة ، تشومسكي ص 31  : قال : إن العواقب المتوقعة لانتصار القيم الأمريكية في منظمة التجارة العالمية ستكون :

1- إيجاد وسيلة جذرية من أجل التدخل الأمريكي العميق في الشؤون الداخلية للدول الأخرى 0
2- استيلاء الشركات التي توجد مراكزها الرئيسة في أمريكا على أكثر القطاعات أهمية في الاقتصاديات الأجنبية 0
3- تحويل الأرباح إلى جيوب رجال الأعمال والأغنياء 0
4- تحميل كلفة هذا التحويل على المواطنين العاديين 0
5- إن هذا الانتصار سيكون سلاحاً قوياً محتملاً ضد خطر الديمقراطية 0

المذكور أعلاه هو ما ذكره السيد تشومسكي منذ فترة ، ولكن نتائج فشل العولمة بدأنا نراها الآن أمام جميع المهتمين بهذا الشأن ، وحتى لا نكرر أنفسنا في دراستنا ، هل التنظيم الدولي يواكب القرن الواحد والعشرين ؛ شرحنا ذلك بالتفصيل ، وخلاصة ما ذكرنا بأن العولمة فشلت ويعود ذلك لعدم إيجاد الآلية المناسبة لإدخال فقراء العالم وهم يمثلون ثلث سكان الكوكب تقريباً في الاستفادة من الاستثمارات العالمية الضخمة في القطاعات الاقتصادية المختلفة ، وكذلك بسبب الخلافات المزمنة ما بين أقطاب الاقتصاد العالمي وهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي واليابان ، وتحول المؤتمرات بدلاً من مناقشة قضية تحويل العالم إلى قرية اقتصادية صغيرة إلى متابعة مسلسل حروب الولايات المتحدة ضد الارهاب العالمي بما يسمى بالحرب الاستباقية أو الحرب الاجهاضية ، علماً بأن خصوم أمريكا الآن يمثلون قطاعات خاصة للمقاومة ، ولا يمثلون الشخصيات الاعتبارية للدول ، وذلك مما يجعل حرب أمريكا ضدهم أصعب مما لو كانت تواجه دول بحد ذاتها  0

ما فعلته أمريكا في العالم لن يعرض نظامه الاقتصادي للفشل فحسب ، بل سيعرض الكوكب إلى فوضى إدارية ، وربما ينتهي الأمر إلى حرب عالمية ثالثة ، تؤدي إلى فناء الكوكب 0 فمما قاله الرئيس الروسي بوتين أخيراً : إننا نحتفظ بحقنا في توجيه الضربات الوقائية ، وأن روسيا تمتلك الصواريخ البلاستيتية الاستراتيجية التي مازالت في المستودعات ، وهذه الصواريخ قادرة على الدفاع والردع حتى أواسط القرن الحادي والعشرين  الشرق العدد 5594  0

إذاً أمريكا شنت سابقة خطيرة في القانون الدولي العام ، وربما تتحول إلى تعديل جديد في القانون الدولي تحت ما يسمى بالحرب الاستباقية ، وهذا المصطلح كما أجازته أمريكا لمصلحتها ، فمن حق القوى الأخرى استخدامه مثل : روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا 00 إلخ 0

ونختتم بما قاله باول في المنتدى الاقتصادي العربي الأمريكي الأول : ” من دون تحول الشرق الأوسط ، ستبقى المنطقة مصدراً للعنف والإرهاب ، يغذيها الفقر والقهر واليأس 0 وأضاف لن نعتبر أن عملنا أنجز ما لم ينم كل فرد على أمل بزوغ فجر جديد، وعدم الشعور بالإحباط ”  الشرق العدد 5585  0 ونقول لباول إذا كان ما تقوله ليس بلغة منمقة وطنانة تتسم عادة بالمغالاة وعدم الصدق (Rhetoric) 0 وإنما عقدتم العزم هذه المرة على أن تصادق أفعالكم على أقوالكم ، ومع احترام الجوانب الثقافية للشعوب ، فنعتقد بأن معظم الشعوب الشرق أوسطية من النظرية الجديدة للتنظيم الدولي  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

نقطة الصفر للحرب العالمية الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

شهد العالم في القرن الماضي حربين عالميتين ، مدمرتين بلغت ضحاياهما البشرية ما يزيد على ثمانين مليون نسمة ، ناهيك عن الانهيار المادي والمعنوي الذي أصاب العالم 0 ومن ناحية أخرى فإن التقدم الذي حدث للعالم خلال ذات القرن ، فاق كل حضارات الأرض في الستين مليون سنة المنصرمة التي تعتبر عمر هذا الكوكب تقريباً0

إذاً ما شاهده العالم من مذابح بشرية في القرن العشرين يزيد من ناحية عددية على جميع ضحايا الحروب التي خاضها هذا الكوكب خلال سنوات عمره المنصرمة 0

الآن ونحن على أبواب الحرب العالمية الثالثة ، لابد من أن نطرح هذين السؤالين بشكل موضوعي وشجاع :

1- هل الحرب خير أم شر على البشرية ؟
2- هل نهاية هذا الكوكب ستتم بواسطة أبنائه أم بواسطة قوة من الفضاء ؟

ولنبدأ بإجابة السؤال الثاني : أولاً لقد تصور الفلاسفة القدماء ، وبعض الأديان في العصور الوسطى ، وكذلك العلماء من خلال الثورة العلمية والمعلوماتية الهائلة في العصر الحديث ، بأنه من المتوقع أن يرتطم بهذا الكوكب جسم غريب يؤدي إلى فنائه أو فناء جزء منه ، أو أن يحدث أي اختلال فلكي في مسار الأرض يؤدي إلى اقترابها أو ابتعادها عن الشمس مما سيساهم في فناء الحياة على هذا الكوكب ، وفي العصر الحديث أضيف إلى هذه الفرضيات ، فرضية اختلال النظام البيئي على الأرض والذي سوف يؤدي إلى فناء حيز كبير من الغلاف الجوي على الأرض ، وشبّه البعض ذلك بالعصور الجليدية أو العصور الدفيئة ، ويتوقع أن يتبقى مجموعات بشرية قليلة من سكان هذا الكوكب في جيوب محددة ، وبعد انتهاء الثورة البيئية سيعود هؤلاء إلى إعمار الأرض مرة أخرى 0 وتحسباً لذلك قامت الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة بتخزين أشرطة معلوماتية وخلايا بشرية توضح ما كان عليه العالم قبل الفناء ، وتسجل الحضارة التي تم الوصول إليها ، حتى يكون انطلاقة أبناء الحضارات الجديدة مما وصلنا إليه ، وليس من مرحلة بدائية جديدة 0

أما سيناريو إجابة السؤال الأول : هل الحرب خير أم شر على البشرية ؟ ننتبه هنا لتفسير هذين المصطلحين : قوى الخير وقوى الشر ، فهذان المصطلحان مرنان ، وكل طرف في الحرب يرى نفسه بأنه يمثل قوى الخير والطرف الآخر يمثل قوى الشر 0 وقوى الخير ترى نفسها بأن الكوارث التي تُحدثها هي انقاذ للبشرية من الدمار الشامل  الذي تطرقنا إليه يمثل جدلية الحرب البشرية 0

ولكننا نستطيع أن نعرّف الحرب بأنها ثورة أمة تعاني من واقع مرير ، وتسعى من خلال الثورة للوصول إلى قمة الاشباع البشري والعدالة الاجتماعية 0 وأتفق مع الكثيرين أيضاً بأن هذه النقطة جدلية أيضاً 0 ولكن يجب أن نعترف جميعاً بأنه بعد نهاية أي حرب مهما كان حجمها ، فمن المستحيل إعادة الساعة إلى الوراء ، ولكن لابد من حدوث واقع جديد أما صورياً أو فعلياً 0 وبصفتنا مواطنين في مجلس التعاون الخليجي ، فبعد نهاية حرب الخليج الثانية على المستوى الإقليمي والتي كانت متزامنة مع نهاية الحرب الباردة على المستوى العالمي ؛ كان لابد لدول الخليج  مجلس التعاون الخليجي  من إيجاد آلية حديثة للتعامل مع واقع العصر من خلال توجيه بعض المصطلحات المعاصرة مثل العولمة ، الديمقراطية ، الانفتاح الإعلامي ، مشاركة المرأة ، والمشاركة في عملية السلام الإسرائيلية العربية 000 إلخ 0

أما بالنسبة لآخر مثال في رأيي لآثار الحروب الكونية ، هو ما قاله الطيار السابق راسل وران هاواي الطيار في سلاح الجو الملكي البريطاني ومن المشاركين في الحرب الكونية الثانية ، كأن تاريخ البشرية سيمضي بإيقاع أشد بطئاً مثلما كانت حركة التاريخ خلال القرن التاسع عشر لولا حدوث الحرب 0 ويرى أن من مميزات حدوث الحرب، أنها جعلت العالم المتقدم يحمل فلسفة العدالة الاجتماعية ، مما أدى إلى حدوث نتائج إيجابية حسب مفهوم هاواي من حيث تحرير المرأة ، وتسهيل دخول الجامعات لأبناء الطبقات الشعبية العادية ، وليس النبلاء وحدهم  هاواي الوسط ، العدد 501  0

ونجد أن هذه الفلسفة مناقضة لتصورات الفيلسوف ايمانويل كانت الذي يقول : إن الحرب لا تنظف المجتمع من السيئين بل تزيدهم ، وتدخل المرض إلى كل مفاصل المجتمع ، وكل حرب تتغذى من حرب جديدة  الشرق الأوسط ، العدد 8275  0 وهذا التصور قابع أمامنا ، فنهاية الحرب العالمية الثانية ، أدت تدريجياً إلى نهاية الانتداب والاستعمار البريطاني ، ففي فلسطين الغربية مثلاً ، انهاء الانتداب البريطاني فيها ، أدى إلى زراعة جسد غريب على الأمة ، ممثلةً بدولة إسرائيل ، ونتيجة ذلك قامت حرب1948م ، ونكبة 1967م ، وحرب 1973م ، ومن نتائج الاعتداء الصهيوني على الأراضي الفلسطينية أدى إلى نزوح فلسطيني جماعي كبير ، وكان لهذا النزوح كوارث قطرية في الجوار الجغرافي لفلسطين ، أو ما يسمى بسوريا الكبرى سابقاً ، ومنها أيلول الأسود عام 1970م ما بين الفلسطينيين والأردنيين ، والصراع الفلسطيني السوري في السبعينيات ، والصراع الفلسطيني ضد بعض الفصائل اللبنانية في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ، والصراع الفلسطيني فلسطيني ، وفي عام 1990م حدثت الكارثة العربية عندما اعتدت العراق على الكويت وكان من نتائج هذا الاعتداء تشتيت ما يقارب من نصف مليون فلسطيني كانت الكويت تعتبر وطن ثاني لهم ، وكانت معظم هذه الهجرات إلى المملكة الأردنية الهاشمية 0 وبعد هذه الكارثة آمن السياسيون العرب بمبدأ الاستسلام وهو من خلال الحوار العربي الإسرائيلي في مدريد ، والحوار الإسرائيلي الفلسطيني في أوسلو 0 كل ما ذكر يعتبر غيضٌ من فيض من أحداث الشرق الأوسط والعالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية

هذه الأحداث تبين لنا بأن العالم مر خلال القرن العشرين ، مر خلال ثلاثة أنواع من الحروب الكونية ، وذلك ممثلاً بالحربين الكونيتين والحرب الثالثة هي الحرب الباردة ، التي اقفل ملفها عام 1990م 0

والخصوم الرئيسيون في الحروب المذكورة الثلاث جميعهم في دول الشمال ، وطبعاً الآثار السلبية للحروب والدمار والتخلف يقع على عاتق أبناء الجنوب 0

أما مرحلة التحول العالمي المعاصرة انطلقت مع نهاية الحرب الباردة وحدوث نوع من التسوية الحذرة ما بين دول الشمال والجنوب ، فقد بدأ العالم بقيادة الولايات المتحدة باحياء النظرية القديمة المتجددة ، وهي عولمة العالم ، وفكرة العولمة وجدت منذ بداية التاريخ البشري ونجد لها تصورات عند الفلاسفة الأغريق ، والرومان ، وعلماء المسلمين، ومرحلة الاستعمار ، وصولاً للتاريخ المعاصر من خلال محاولة عولمة العالم ما بين قطبي الحرب الباردة ، فالقطب الشرقي كان يسعى لعولمة العالم من خلال نظريته الشرعية وفلسفة الاقتصاد الاشتراكي ، والقطب الغربي يسعى لعولمة العالم من خلال سيادة الاقتصاد الرأسمالي المختلط ونظرياتهم الديمقراطية الاجتماعية  0 ولن نأتي بجديد عندما نقول بأن معظم المدارس الاستراتيجية في العالم توقعت بأن المرحلة الفعلية لعولمة العالم سوف يحدث فيها صدام ما بين الحضارات ، وهذا ما نشهده الآن0

ولا يستطيع أياً منا أن ينازع الواقع الذي يقول بأن الولايات المتحدة أصبحت في بداية الألفية الثالثة القطب الأوحد للعالم ، ويدور في فلكها الدول الأوربية الغربية الحليفة لها ، وبالتالي أصبح التصنيف العالمي الآن كالتالي : أولاً : القطب الأوحد في العالم ويمثل قمة الهرم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ، ونستطيع أن نختبر هذا النفوذ ، فمن الناحية التنظيمية ، نجد بأن هيئة الأمم المتحدة تحت سيطرة شبه كلية للولايات المتحدة وحلفائها ، فثلاث دول من الدول الخمس الدائمين العضوية ويملكون حق الفيتو يتمثلون في الولايات المتحدة وحلفائها الاستراتيجيين : المملكة المتحدة وفرنسا وذلك يمثل 60% من السيطرة المباشرة للخمسة الكبار 0 ناهيك بأن العضوين الدائمين الآخرين لا يستخدمان حق النقض مراعاة لمصالحهما المرتبطة مع المعسكر المهيمن على العالم  0 ونجد بأن المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة يسيطر سيطرة شبه كلية على الاقتصاد العالمي وذلك من خلال تواجد ستة من الثمان الكبار من الدول الغربية ممثلين بالولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وأيطاليا وألمانيا واليابان مرتبطة ارتباط شبه كلي بالنظام الاقتصادي الغربي ، وروسيا أدخلت   للترضية  ، وكذلك الدول الغربية مسيطرة على العالم سياسياً من خلال استمرار نفوذها بطريقة غير مباشرة على أماكن انتدابها وحمايتها ومستعمراتها السابقة ، وفي أكثر الأحيان يتمثل ذلك من خلال زرع ودعم الحكومات الموالية لها ، وهذا التسلط يعطيها تسلط اقتصادي بشكل كامل ، ومما يزيد الأمر سوءاً من الناحية الاقتصادية ، هو وجود الفجوة التكنولوجية المروعة ما بين الدول الغربية وبقية العالم  0

والتفوق الغربي ذو ترابطات أمامية وخلفية من جميع النواحي الاستراتيجية سياسياً واقتصادياً وأمنياً ، فمن الناحية الأمنية ، نجد القواعد العسكرية للناتو بقيادة الولايات المتحدة مثلا في الشرق الأوسط الأسطول السادس في البحر المتوسط ، وتركيا ، وقبرص ، وفي المحيط الهندي الأسطول الخامس ، وتواجد عسكري في المملكة العربية السعودية ، والبحرين ، والكويت ، وقطر ، وسلطنة عمان ، وديبجو جارسيا ، وجنوب شرق آسيا 0

هذا العرض يصور لنا بأن سيناريو العالم الآن كالتالي :

أولاً : القطب الأوحد للعالم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين 0
ثانياً: دول الظل روسيا وبعض دول الكوميكون السابقون 0
ثالثاً: غوغاء ورعاع العالم ، عالم الجنوب  0

كل هذه القوى الفوقية التي يمتلكها عالم الشمال ، إلا أن هناك من يأتينا في عالم الجنوب ويتشدق بالعولمة ، دون علم أو ادراك على مدى خطورتها على هذا العالم الجنوبي  كيف نستطيع أن نعولم عالمنا الجنوبي ونحن حتى أساسيات الدولة لا تتوفر لدينا ؟0

أولاً من الناحية السياسية ، فسيادة الدولة الحقيقية ليست بقمع شعوبها وجعلهم يقبولون الأمر الواقع ، بل أن يكون لديها حجم مناسب من القوة الذاتية ، وذلك من خلال :

1- ايجاد قاعدة قوية من الأمن الداخلي يوضح مصطلح دولة القانون المتواكبة مع مفهوم العصر ، والتي توجد لها أيديولوجية ثابتة وواضحة ، وليست مستوردة0
2- الدولة الحقيقية لابد أن يكون لديها قاعدة قوية للدفاع عن الأمن القومي الخارجي، حتى ولو كان ذلك على المستوى الإقليمي على أقل تقدير 0
3- الدولة الحقيقية يجب أن تقوم على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص 0  الخطيب ، ص 102  0

كيف نتوقع بأن يكون لعالم الجنوب دور في العولمة ومعظم دوله لا يوجد لديها مذهب سياسي قانوني اجتماعي واقتصادي واضح لتدبير شئون الدولة والمجتمع ، والأدهى والأمّر من ذلك هو أن هذه الدول تائهة ما بين المذهب الفردي ، والشمولي والمذهب الاجتماعي  0

ويمكنكم ملاحظة ذلك من الناحية العملية ، فعندما يحدث حوار بين الجنوب والشمال ، فالجنوب الذي معظمه يفتقد لأيديولوجية واضحة ، نجده لكي يحقق بعض أهدافه أو للخروج بماء الوجه على أقل تقدير ، يميلون من الناحية السياسية لاستخدام النظريات التفاوضية ، والتي يتصورون بأنها تعطيهم نوع من الحشمة والوقار والشموخ أمام عالم الشمال ، وهذه النظريات مثل الاختراق والجدار الحديدي ، والتعميق والتعتيم، الانتشار والحصار ، والتوتر والاسترخاء ، والهجوم والدفاع ، التناول والصفقة الواحدة ، المواجهة والمراوغة ، التطوير والتجميد  الخضيري  ، ويعتقدون بعد الحوار أو المفاوضات أحياناً بأنهم حققوا صفقة ، ولكنهم في الحقيقة ، أصابوا الهدف الذي استدرجوا إليه 0 وهذا مما يجعلنا دائماً نقول بأن ما نحققه في مفاوضاتنا مع دول الشمال هو تكتيك قصير المدى ، وما يحققه الشمال ضدنا هو استراتيجية طويلة المدى0

ثانياً : العولمة الاقتصادية : الدول الغربية يوجد عندها قاعدة اقتصادية رأسمالية صلبة مسيطرة على كل أقوات العالم ، ويدعمها بنية تحتية ضخمة بشرية وخدمية وصناعية وأمنية ، أما بالنسبة لعالم الجنوب فغير واضح المعالم ، ويعتمد اعتماد شبه كلي على المواد الأولية 0

ثالثاً : الجانب الاجتماعي : معظم المجتمع الغربي طبق النظرية الفردية بحذافيرها، فنتج عندهم مجتمع أباحي تحرري ، تخلى عن معظم مفاهيم النظريات الكلاسيكية التي يعتنقها العالم من حيث العادات والتقاليد والثقافات الدينية ، وأصبح الدين يمارس في أماكن العبادات فقط 0 مجتمع الجنوب معظم أبنائه متمسكين بالدين والعادات والتقاليد ، وإن الصراع الدائر ما بين الشمال والجنوب هو تفكيك الأسرة من خلال تحرير المرأة لأنها هي النواة الأساسية التي ينطلق منها المجتمع ، ومتى ما تم تحريرها أصبحت إذابة المجتمع الجنوبي سهلة لكي يندمج في المفاهيم التي يتبناها عالم الشمال 0

رابعاً : ثورة المعلومات : رغم التطور الكبير الذي شهده العالم في ثورة المعلومات وخاصة من خلال الإنترنت الذي حول العالم إلى قرية صغيرة ، فإن هذه الثورة لها آثار إيجابية كبيرة لو استطاع عالم الجنوب توظيفها التوظيف السليم في جميع جوانب التنمية ، وخاصة لتثقيف الشباب الأقل من عشرين عاماً حيث تصل نسبتهم إلى أكثر من 60% من سكان عالم الجنوب 0 أما إذا لم يستطع الجنوب مواكبة عالم الشمال من خلال الثورة المعلوماتية وتسخيرها لخدمة الشباب ، فمعنى ذلك بأنه سوف يكون هناك غزو حضاري كامل للقاعدة البشرية في عالم الجنوب 0

خامساً : التكنولوجيا : الشمال مبدع ومفكر ومنتج ، والجنوب مستهلك ومتفرج فقط 0 الشمال يوفر المراكز العلمية المختلفة ، والمختبرات العلمية ، ويحرض أبنائه ، وحتى المبدعين من أبناء الجنوب أن يقدموا خلاصة فكرهم من خلال هذه المؤسسات أما أبناء الجنوب يفتقدون لجميع المحاور الأساسية التي يمكن أن تساهم في بناء أوطانهم ، ناهيك عن الحرب المادية والمعنوية التي يتعرضون لها في أوطانهم ، وخاصة عندما يحاولون أن يساهموا في رقي أممهم 0

سيناريو الحرب العالمية الثالثة :

في عام 2001م ، حدث مثل ما حدث في الحرب العالمية الثانية بل أشنع مما حدث في الحرب العالمية الثانية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية 0 فقبل 61 سنة ، عام 1941م تعرضت الولايات المتحدة لضربة قاسية في بيرل حارب من اليابان ، مما جعل الولايات المتحدة تقصف مدينتين يابانيتين هما هيروشيما وناجازاكي بقنبلتين نوويتين مازالت آثارهما ماثلتين أمام العيان 0 وكأن التاريخ يعيد نفسه ففي 11 سبتمبر 2001م تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية لضربات قاسية هي الأبشع في تاريخها في نيويورك  مركز التجارة العالمي  وواشنطن  البنتاجون  وكان ضحايا الضربتين أكثر من سبعة آلاف قتيل ، وخسائرها على المدى القصير أكثر من 200 مليار دولار 0 ونحن كعرب ومسلمين نشعر بأسف وأسى وحزن شديد على الضحايا الذين قتلوا في الهجوم على أمريكا ، وخاصة بأننا كأمة قد جربنا الحزن والظلم بأشكاله المتنوعة ، ومن ذاق الظلم فلا يرضى الظلم لغيره ، فما حدث لأمريكا في يوم فهو يحدث للأمة كل يوم في فلسطين منذ خمسون عاماً ، وربما أبشع صوره مجازر صابرا وشاتيلا عام 1982م ، ومجازر قانا عام 1992م ، والمجازر التي أحدثها الإسرائيليون للانتفاضتين في الثمانينيات ، وفي الألفين 0

ورغم عدم معرفة من قام بهذه الضربة إلى الآن ، إلا أن هناك بعض الدلائل والمؤشرات التي تجعل من إسرائيل المشتبه به الأول لهذه الضربة القاصمة ، ومنها أن جميع المعلومات تقول بأن لإسرائيل أكثر من 4000 يهودي يعملون في أعمدة سقف العالم في نيويورك ، وهؤلاء كلهم لم يحضر منهم ولا واحد إلى العمل في يوم الهجوم 11/9/2001م 0

ولكن وللأسف الشديد فإن أمريكا بدلاً من الاقتصاص أو التهديد على الأقل أكثر الدول التي يوجد عليها قرينة بأنها قامت بهذا العمل ممثلة بإسرائيل ، صبت جم غضبها وتهديدها ووعيدها على العرب والمسلمين ، ولكن مازلنا نقول وإن هددت الولايات المتحدة المنظمات الإسلامية والدول التي تؤويهم ، فربما كان ذلك فقط تكتيك أمريكي لحفظ معلوماتهم الاستخباراتية ، وهذا ما يفعله أي جهاز استخبارات في العالم عندما يتعرض لصدمة شنيعة يقوم باستخدام ثلاث تكتيكات رسمية من خلال تسريح معلومات مضللة ، أولاً : لدراسة رد فعل الشارع 0 ثانياً : بغرض الاستهلاك الآدمي والإعلامي 0 ثالثاً : لتضليل الجهات التي يجري التنقيب عنها  0

وأما بالنسبة للعرب والمسلمين الذين اتهمتهم الإدارة الأمريكية ومازالت مصرة على اتهامهم ، فهم مهددين أصلاً من الإدارة الأمريكية منذ زمن بعيد ، والدليل الاعتداءات التي يتعرض لها العراق شبه اليومي ، والضربة التي تعرضت لها السودان وأفغانستان عام 1999م ، والاعتداءات التي يتعرض لها الفلسطينيون الأبرياء كل يوم في وطنهم المحتل بواسطة الغطرسة الإسرائيلية وبمباركة أمريكية 0

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتهم الأمريكان العرب والمسلمين ؟ رغم أنهم سبق وأن أتهموا العرب والمسلمين في كارثة أوكلاهوما التي ذهب ضحيتها ستمائة أمريكي وثبت بعد ذلك أن من قام بهذا العمل مسيحي وعسكري أمريكي 0 وحوكم على فعلته ، وأعدم على أنه مواطن ولقي عقابه ، دون الالتفات لديانته وعرقيته 0 ورغم وقوع الأمريكان في الخطأ بالأتهام العشوائي للعرب والمسلمين في حادثة أوكلاهوما إلا أنهم عادوا لذلك مرة أخرى في أحداث نيويورك وواشنطن المؤسفة عام 2001م ، وأتهموا العرب والمسلمين 0 وهذان الاتهامان يوحيان لنا بأن أمريكا أصبحت مستعدة للحرب الحضارية التي تنبأت لها الكثير من المدارس الاستراتيجية في بداية الألفية الثالثة ما بين الغرب والمسلمين 0

ورغم علم الولايات المتحدة بأنه يوجد لها أعداء في جميع أرجاء هذا الكوكب العجوز في اليابان وكوريا والصين وفيتنام ولاوس وكمبوديا والبلقان وروسيا ، والنازيين الجدد في أوربا الغربية ، والشرق الأوسط ، ومنظمات المافيا في أمريكا اللاتينية ، وأفريقيا الزنجية ، وفوق ذلك كله المنظمات العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وعموماً 40% من الازهاب الموجود في العالم هو موجه ضد المصالح الأمريكية  ويجب على الإدارة الأمريكية أن تبحث عن إجابة لهذه الكراهية العالمية لها 0

ولكن الذي يبدو لنا بأن دولة عالمية كأمريكا لا تحتاج لكي تجيب عن سبب حب العالم أو كراهيته لها ، وحتى لا تحتاج لفرض سيادتها على العالم من خلال استخدام أساليب اللعبة السياسية ، ويتضح ذلك جلياً عندما صرح الرئيس الأمريكي بوش الأبن: بأنه لا يوجد إلا خيارين لدول العالم أما ضدنا أو معنا ، وطبعاً جميع دول العالم قالت معكم بدرجات نسبية مختلفة من دولة إلى أخرى ، باستثناء العراق التي تمر بحصار أمريكي ، فسواءً قالت معكم أو ضدكم فكلاهما على حد السواء 0 والمصطلح الثاني قال الرئيس بوش الحرب بدأت ، وهي حرب سوف تستمر أكثر من 10 سنوات ، ومنها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي ، بمعنى أوضح منها ما هو عسكري ، ومنها ما هو عمليات سرية شبيهة بما يسمى بارهاب الدولة ، وهنا نقول للرئيس بوش وماذا عن القانون الدولي العام ؟ 0

ولكن الذي يهمنا في هذه الحرب من هو العدو ؟ نجد بأن الرئيس بوش قال في البداية بأن الحرب سوف تكون حرب صليبية 0 فإذا كانت حرباً صليبية ، فهي حرباً تاريخية ضد الإسلام 0 وبعد ذلك لطف هذا المصطلح وعرفنا بأنها حرب ضد الارهاب0 ولكن نريد من أمريكا أن تعرّف لنا ما هو معنى مصطلح أرهاب ؟ ومن هي الدول المعنية بالارهاب ؟

ولكن الذي سهل علينا الإجابة هو عندما وجدنا التصنيف الأمريكي للدول الراعية للارهاب في الشرق الأوسط وهي أفغانستان ، وإيران ، والعراق ، وسوريا ، وليبيا ، والسودان 0 إذاً بمعنى ملطف الأرهاب هو الإسلام ، وإن حاول الأمريكان تلطيف ذلك من خلال تحديد مدارس إسلامية معينة مثل المدرسة السلفية ، والأخوان المسلمين ، والجهاد الإسلامي ، وحزب اللّه 00 إلخ 0 وحتى لو كانت امريكا تقصد هذه المنظمات، فهذه المنظمات تمثل جميع المسلمين ، وغاب عن ذهن الغرب بأن عدد المسلمين في العالم 1600 مليون نسمة يمثلون 27% من سكان الكوكب ، وأكثر من 60% منهم أقل من عمر عشرون عاماً أي مجتمع فتي ، و 80% ممن هم في سن العمل يعانون من بطالة سافرة ومقنعة  رغم أن معظم المواد الأولية التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي توجد في أقاليمهم 0

ونحن الآن نقترب من نقطة الصفر التي تمثل فيصل حوار الحضارات ، والقيادة الأمريكية تعلم جيداً ما هو الدور المناط في حوار الحضارات ، ونحن المسلمين لسنا دعاة حرب ، ولا ممن يتلذذون بإيذاء الآخرين ، بل جميع المسلمين حزنوا لما حدث للأبرياء في أمريكا ، ولكن هل تشارك الإدارة الأمريكية العرب والمسلمين آلامهم ، في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي ، وعلى رأس القائمة 7 مليون فلسطيني مشردين من وطنهم منذ أكثر من نصف قرن ؟ ولكن أمريكا هل شاركت المليار جائع من المسلمين آلامهم ؟ وماذا تتوقع أمريكا من مليار جائع هل يهابون الحرب ؟ وهم لا يوجد لديهم ما يفقدونه ؟

هذا التعليق ونحن على مشارف الحرب العالمية الثالثة نقدمه لمركز اتخاذ القرار في الولايات المتحدة ، وهم يعلمون جيداً بأن مصطلح أزمة عند البعض ، يعني فرصة عند الآخرين  ، وأتوقع بأنهم على علم تام بالخلل الاستراتيجي الذي صنعوه هم بأيديهم في المنطقة ، ومازالت آليات اصلاحه متوافرة إذا ما عقد العزم الأمريكان على ذلك بالتعاون مع أبناء المنطقة ، لكي يعيش جميع أبناء هذا الكوكب في سلاماً شامل0 أما حرب العدالة المطلقة التي ينادي بها الرئيس بوش ، فلا يعتقد أي عاقل في هذا الكوكب بأن تحدث فيه عدالة مطلقة ، ولكن مطلبنا هو مشاركة الجميع في تخفيض الظلم والمحاولة لإيجاد عدالة نسبية في الكوكب 0

وكذلك عمليات النسر النبيل التي واعدنا بها الرئيس الأمريكي ، نحن أبناء هذه المنطقة من قناة الصقور ، ولانذكر بأن هناك صقراً نبيلاً ، إلا إذا كان محنطاً 0

ونختتم قائلين نرجو أن تتعاون الإدارة الأمريكية مع دول الجنوب لايجاد حلول عملية لمشاكل الفقر والمرض والجوع والجهل في الجنوب ، وذلك لكي يعيش جميع أبناء كوكب الأرض في سلام ، بدلاً من أن يساهم أبنائه في فنائه  قبل أن يرتطم به أحدى الكويكبات السيارة  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

منهج السياسة الميكافيللية

بسم الله الرحمن الرحيم

24/6/2004

قبل فترة من الزمن دعانا للمشاركة في حوار مع (الأهرام العربي) الصحفي العربي المشهور الأستاذ العزب الطيب ، وكانت محاور النقاش تدور حول صناعة الديكتاتور في العالم الإسلامي 0 واعتذرنا عن المشاركة ، في الحقيقة ليس لعدم توفر المعلومات عن هذا الموضوع ، ولكن موضوع الديكتاتور في عالمنا المتخلف لا تعلم من أين تبدأ ؟ ولا تعلم من أين تختتم موضوعك ؟ أي بمعنى آخر سيكون كتاب له بداية ولا توجد له نهاية ، أو كما يقول الخواجات : (Am Ended Book) 0

ولكن بعد تحرير مادة الديكتاتور في العالم النامي ، ونشرها في الأهرام العربي، تمنيت لو كنت من المشاركين في هذا الموضوع ، لأنه بالفعل غطى مجموعة من المحاور بطريقة فنية ، كان القارئ العربي بالفعل بحاجة ماسة لها ، لأنها تمس كثيراً من حياته اليومية : الاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية ، والاقتصادية 00 إلخ 0

وبعد أن تصفحت تقرير الديكتاتور تذكرت مقولة مشهورة لميكافيللي في كتاب الأمير : يجرد ميكافيللي العمل السياسي من أية معايير أخلاقية 0 بيد أن الصفات الأخلاقية تبقى مجدية للحفاظ على صورة الحاكم 0 وهكذا يقول أنه إذا كان غير ضروري أن يملك الملك هذه الصفات ، فإنه على العكس من الضروري أن يبدو وكأنه يملكها 0 أما إذا لم يتمكن من ذلك ، فيجب أن يختار أن يكون مهاباً بدلاً من أن يكون محبوباً  0

وعندما تصفحت تقرير الأهرام عن الديكتاتور ، لفت نظري تلخيص محمد هلال لكتاب الأمير لميكافيللي مستعيناً بترجمات محمد الزقزوقي وإعداد وتحرير د0 سمير سرحان ، ود0 محمد عناني 0 وكان التلخيص كالتالي :

1- الاستعانة بقوة أجنبية أذى يفوق الكارثة التي جاؤوا لمنع حدوثها والخلاص منها0
2- اذلال المناصرين الوطنيين للمحتل بعد استتباب الأمور الجديدة ضرورة سياسية لابد منها 0
3- إن الناس يحبون بإرادتهم ولكنهم يخافون برغبة الملك ، ومن هنا تظهر مشكلة المفاضلة والجذب ينبغي للمرء أن يكون محبوباً ومهاباً معاً ، فإن مهابته اسلم بكثير من محبته 0 لأنه يمكن القول عن البشر عموماً ، أنهم يجحدون المعروف ويهذرون في الكلام ويظهرون غير ما يبطنون ويطمعون في الكسب ، وطالما تفيدهم ، فهم أعوانك تماماً ، يفدونك بدمهم ومتاعهم وحياتهم وولدهم حين تكون الضرورة إليهم بعيدة 0 ولكن حين تقترب ينقلبون عليك ، ويهلك الملك الذي يعتمد إلا على وعودهم ودون أن يتهيأ بالعدد الأخرى 0 إن البشر يترددون في الاساءة إلى من يحبون أقل من ترددهم في إيذاء من يهابون 0

وبالتالي مهابة الملك ومحبته 00 إن الناس يحبون بإرادتهم الحرة ولكنهم يخافون برغبة الملك ، والملك العاقل يجب عليه أن يركن إلى ما في سلطانه لا إلى سلطان سواه ، وما عليه سوى السعي إلى مجانبة ما يجلب عليه الكراهية 0

4- إذا لاحظ الملك أن وزيراً يفكر في نفسه أكثر منه فعليه بالتخص منه فوراً 0
5- يقول ميكافيللي لا ألوم الملك يستوثق من بناء القلاع والحصون ولا يهتم كثيراً بكراهية الشعب 0
6- حين يستولي ملك على بلد ما فعليه بتخريبها ونهبها حتى لا يفكر أهلها في الثورة عليه إذا ما ظلت مواردهم آمنة وسليمة 0
7- المدح والتملق آفة يقع فيها الكثير من الملوك والنجاة منها ميسورة ولكن بشروط0
8- حين ينفق الملك من ثروة غيره ، يكون سخياً ، ولن يحط ذلك من سمعته بل يعلي من ذكره ولا يؤذيه سوى النفقة من ثروته الخاصة فحسب  0

والسخاء ضروري جداً للملك الذي يسير مع جيوشه ويعيش على السلب والنهب والغنيمة والفدية وينفق من ثروة غيره ، لأن جنوده لن يتبعوه بدون سخاء 0 ويمكنك أن تكون بالفعل سخياً جداً بما ليس ملكاً لك 0 كما كان قورش وقيصر والاسكندر لأنك حين تنفق ثروة الآخرين فلن يحط ذلك من سمعتك بل يعلي من ذكرك ولا يؤذيك سوى النفقة من ثروتك الخاصة فحسب 0

وهذا يذكرنا بما كان يردده دائماً في المحاضرات السياسية أحد أساتذتنا الأفاضل عن العالم النامي حين يستخدم المثل الشعبي : ” من دهنه سقي له ” ، فسأله أحد الطلاب الظرفاء ماذا تقصد ؟ فقال الأستاذ : اسلب خير الأمة ، وتكرم ببعضه على الأمة ، وتسجل نفسك بينهم على أنك جواداً ومعطاء وشهماً وكريماً  0

أما عن حفظ العهود فيقول ميكافيللي : كل امرؤ يدري كم يثني الناس على ملك يحفظ العهد ويعيش مستقيماً ومن غير مكره ، ولكن التجربة تدل على أن أولئك الملوك الذين أتوا أعمالاً عظيمة هم الذين لم يراعوا الوفاء إلا قليلاً ، وهم من استطاعوا أن يشوشوا العقول بالمكر ، ومن تمت لهم الغلبة على هؤلاء الذين اتخذوا الأمانة قاعدة لهم 0

وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح وما ذكر أعلاه كله وجله كلاماً مأخوذاً خيره ، لأن هذه النظريات ربما كانت تتوافق مع مجتمعات كوكبنا قبل 500 سنة ، ولكن بكل تأكيد لا تتطابق مع عصرنا الحالي ، وهو عصر ثورة المعلومات ، الذي أدى إلى تحويل الأرض من كوكباً إلى قريةً صغيرة 0

ولكن للأسف الشديد هناك من بعض الشخصيات في العالم النامي التي مازالت غارقةً في بحر النظرية الميكافيللية التي أكل الدهر وشرب عليها ، والمشكلة الحقيقية ليست في النظرية ، ولكن في الأشخاص الذين يريدون تطبيقها وهم مكشوفون ، ولكن الملأ يتظاهر بأنه ليس بكاشف لعبتهم الساذجة 0

ونذكركم بالمقولة المشهورة (انتهت اللعبة) التي ذكرها السفير العراقي السابق لدى الأمم المتحدة ( السيد الدوري ) يوم 10/4/2002م بعد أن احتلت أمريكا العراق ، وفي الحقيقة المباراة منتهية منذ 2 أغسطس 1990م 0

المشكلة الحقيقية في الملعب الشرقي الأوسطي هو بأن بعض القادة لا يتعظون بما يدور حولهم ، ومن جشعهم يتظاهرون بأنهم لا يستوعبون أصول اللعبة 0 وأصول اللعبة هو أن تأخذ وتعطي ، ولا يوجد عندنا مشكلة أحياناً عندما يكون أخذك أكثر من عطاءك ، ونستطيع أن نجد لبعضهم مبرر حتى في القرآن الكريم :(وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما أتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه غفور رحيم)( الانعام : 165 ) 0

ولكن مشكلتنا الحقيقية الجشعون الذين يريدون أن يأخذوا كل شيء ، ولا يعطون أي شيء ، وكأنهم لا ينظرون حولهم ، لأن من يريد كل شيء في النهاية يخسر كل شيء 0 ولكن من يأخذ بعض الشيء ويعطي بعض الشيء في النهاية تكون خسارته نسبية ، لأنه يخسر بعض الشيء ويكسب بعضاً  0

والأهم من ذلك كله نذكر أنفسنا ونذكرهم هو رضى اللّه سبحانه وتعالى ، ورضى اللّه لن ينزل على العبد ذو السلطان ، إلا إذا رضوا عباده عنه  0

أما بالنسبة لإدارة اللعبة الآن فهي كالتالي : تعتمد على مجموعة من البطاقات مثل بطاقة مشاركة المرأة ، وبطاقة الثورة الليبرالية ، وبطاقة الثورة التعليمية ، وبطاقة الخصخصة ، وبطاقة تداول السلطة ، وكله كلام مأخوذ خيره 0 لأن أصول اللعبة الحقيقية هو أن تشارك القاعدة في تحديد وظائف القمة لفترة زمنية محددة غير قابلة للتجديد وذلك لكي نقضي على المحسوبية ، إذا كنا نريد بالفعل ثورة إصلاحية ، أما وضعنا الراهن فهو كما نقول : ” ما أشبه اليوم بالبارحة ، وما أشبه المستقبل بماضينا السحيق ” 0

هذا هو رأينا ومن عنده خيراً منه فليأتنا به  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

مساحة حوار في فلسفة السياسة

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

من الملاحظات الغريبة في عالمنا العربي خلال العقد الأخير بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي ، والسقوط المدوي للنظرية الايديولوجية الشرعية ، وفشل الاقتصاد الاشتراكي في مواجهة الاقتصاد الرأسمالي المختلط 0 بأن العالم العربي استجاب إستجابة متدرجة للمتغيرات العالمية خلال التسعينيات 0

ويعود السبب في ذلك لمقاومة بعض الدول العربية لمثل هذه التغييرات الكونية ، ولكن الدول العربية بدأ بعضها بالإستجابة مثل : إذعان ليبيا لجميع شروط العقوبات التي فرضت عليها ، ومن ثم بدأ تخفيض الحصار عليها ، ومقاومة العراق للحصار الذي فرض عليه ، وأدى ذلك إلى غزوه أنجلو أمريكيا ، وكانت النتيجة الإنهيار الكلي للعراق ، وتركه في حالة اللادولة  فوضى   0

أعتقد بعض الذي نعيشه اليوم في العالم العربي هو ليس ثورة ديمقراطية لمشاركة شعبية واسعة في إدارة الأوطان ، وإنما إستجابة للمطالب الأمريكية في عولمة العالم من خلال الديمقراطية الليبرالية والخصخصة الاقتصادية وفتح الأسواق العالمية على بعضها بعضاً ، وذلك سوف يسهل على الولايات المتحدة المحافظة على سيطرتها الكونية لفترات طويلة من الزمن ، وربما القرن الواحد والعشرون كاملاً  0
المدهش في العالم العربي ، هو قيام بعض الوجوه الاشتراكية ، بالتحول إلى الرأسمالية ، والأتوقراطية بالتحول إلى الديمقراطية ، وإن كنا نقبل التغيير على المستوى الفردي ، كما سنذكر لاحقاً ، ولكن التغيير الأيديولوجي بالنسبة للأنظمة كاملةً فهذا يمثل كارثة قومية 0 لأن أقل ما نستطيع أن نسميه بالتغيير الأيديولوجي هو أن نفس النظام كانت الأيديولوجية السابقة بالنسبة له مجرد قناع للمحافظة على السلطة به0 وعندما أصبح القناع القديم غير ذي جدوى ، استبدله بقناع جديد 0

ربما يثار سؤال هنا 00 ما هو الحل ؟

نعتقد بأن الحل هو ، أن ينسحب أصحاب الأيديولوجية القديمة من الملعب ، ويعطوا الميدان لوجوه جديدة لتقوم بهذه التغييرات 0

يفترض أن يثار سؤالاً آخر 00 لماذا ؟

لأن المواطنين تعودوا على الوجوه الاتوقراطية والاشتراكية والشمولية والأبوية القديمة ، وعندما تتغير هذه الأنظمة بنسبة 5180 عن الأيديولوجية السابقة ، يصيب الشعوب صدمة إيديولوجية ، لأن معظمهم كان يطالب بهذا التغيير ، وكان يقمع ، والبقية كانوا مذعنين للأيديولوجية القديمة وذلك للمحافظة على مصدر رزقهم  0

وعندما قامت بعض الأنظمة العربية بخلع أقنعتها القديمة ، ونقصد أيديولوجيتها القديمة ، وتبنت أيديولوجية جديدة بدون تغيير للوجوه ، أصاب شريحة كبيرة من الشعوب العربية هامش كبير من التشاؤم ، وعدم الثقة بالتحولات الجديدة 0 وظلوا عما كانوا عليه سابقاً ، ما دمنا نأكل لقمة عيشنا فليحدث ما يحدث ، وأحنا مالنا ، كأنهم ليسوا جزءا من هذه الأوطان  0

نحن هنا لا نقصد مهاجمة قُطراً عربياً بالتحديد ، بل الهدف من ذلك هو مناقشة قضية تحول أيديولوجي على المستوى القومي والإسلامي ، ولذلك سنذكر بعض النماذج العربية والممارسة الديمقراطية فيها ، وبعد ذلك سنقدم تحليل بسيط ، ولكن اعتمادنا الكلي في الإجابة القاطعة على هذا الموضوع ، سنتركه للقارئ الكريم من خلال تعليقاته على الأسئلة التي سنطرحها ، أو أية فكرة جديدة يضيفها على هذا الموضوع 0

أولاً : دولة الكويت :  مادة 80  يتألف مجلس الأمة من خمسين عضواً يتم انتخابهم بطريقة الانتخاب العام السري المباشر ، ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة ، أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم  دستور الكويت ص 31  0

ولكن الغريب في الدستور الكويتي بأن مجموع الناخبين يشكلون نحو 15% من مجموع المواطنين الكويتيين فقط ، وأقل من 6% من مجموع سكان الدولة 0 ويعود صغر عدد الناخبين أساساً إلى الشروط الخاصة التي وضعها الدستور عام 1962م ، فالناخب يجب أن يكون ذكراً أتم 21 سنة ميلادية ، ولا يعمل في السلك الأمني أو العسكري ، وغير محكوم عليه بجريمة 0 كذلك فإن الكويتيين أقلية في بلادهم يشكلون نحو 37% من السكان  الحياة العدد 14675  علماً بأن وضع الكويت أفضل من بعض الدول الخليجية 0

ثانياً : مملكة البحرين : منذ تجميد المجلس الوطني المنتخب عام 1975م ، بقيت البحرين من دون حياة نيابية ، إلى أن أصدر ملك البحرين مرسوم بقانون رقم 15 لسنة 2002م بشأن مجلس الشورى والنواب 0 ويتألف مجلس الشورى من أربعين عضواً يعينون ويعفون بأمر ملكي ، ومجلس النواب يتألف من أربعين عضواً ، ينتخبون بطريق الانتخاب السري المباشر 0

ويرى البحرينيون في هذا التشكيل من خلال تكوين السلطة التشريعية من مجلسين ، مجلس منتخب انتخاباً حراً مباشراً يتولى المهام التشريعية إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة  راجع أخبار الخليج والأيام  0

ثالثاً : سلطنة عُمان : يقول وزير الداخلية العماني للأهرام العدد 323 لأول مرة في عُمان أصبح جميع المواطنين فوق سن 21 سنة مدعوين لتسجيل أسماؤهم في كشوف الناخبين ، حيث كان لا يحق في الماضي سوى 25% من سكان كل ولاية القيام بذلك ، وكان أيضاً عدد محدود من النساء يدعى للمشاركة في الانتخابات ، حيث كان يتم إعداد كشوف الناخبين عن طريق الوالي الذي يختار الأسماء ويوجه الدعوات للنسبة سالفة الذكر ، أما الآن فقد اختلف الأمر ولم يعد للوالي أي دخل في الأختيار 0

رابعاً : دولة قطر : المرسوم رقم 6 لسنة 1964م أكد على أن يكون مجلس الشورى منتخباً ، والنظام الأساسي المؤقت المعدل للحكم عام 1972م أكد كذلك على أن يكون مجلس الشورى منتخباً ، والقانون رقم 6 لسنة 1979م أجرى تعديل ، ونص على أن يكون مجلس الشورى بالتعيين ، والقرار الأميري رقم 1لسنة 1986م تعزيز للقانون السالف الذكر ، والنظام الأساسي المعدل لعام 1997م امتداداً للقانون السابق0

وفي عام 2003م وضع مشروع الدستور الدائم في قطر للاستفتاء ، وصوت بنعم للدستور ما يقارب من 97% من المشاركين في الدستور 0 وتنص المادة 77 على : يتألف مجلس الشورى من خمسة وأربعين عضواً ، يتم انتخاب ثلاثون منهم عن طريق الاقتراع السري المباشر ، ويعين الأمير الأعضاء الخمسة عشرة الآخرين من الوزراء أو غيرهم 0

خامساً : المملكة العربية السعودية : نظام مجلس الشورى  المادة الثالثة : يتكون مجلس الشورى من رئيس وستين عضواً يختارهم الملك من أهل العلم والخبرة والاختصاص 0 وتحدد حقوق الأعضاء وواجباتهم وكافة شؤونهم بأمر ملكي 0

وبدأ الشارع السعودي يتحرك ويطالب بمزيد من المشاركة بصورة واضحة منذ عام 1991م ، وفي الحوار الوطني الفكري الأول في عام 2003م يقول أحد المشاركين في الحوار ، أن الأمير عبد اللّه ولي العهد السعودي كان متحمساً لفكرة إنشاء مركز للحوار الوطني 0 ومن المواضيع المثارة في الحوار هي : آليات توسيع المشاركة الشعبية وذلك من خلال تقوية مجلس الشورى بزيادة عدد أعضائه ، وتوسيع صلاحياته ، ووضوح معايير التعيين فيه ، وتقوية ارتباط أعضائه بشرائح المجتمع لاستجلاء مرئياتهم فيما تتم مناقشته ، وإعلان جلساته ، حتى يتحقق أعلى قدر من التفاعل الشعبي معها  الحياة العدد 14700  0

ونعتقد بأن السعودية تمثل مركز الثقل الإقليمي ، فالإصلاحات المؤسساتية التي تتم في المملكة ، سيكون لها إنعكاسات إيجابية على المنطقة  0

سادساً : دولة الإمارات العربية المتحدة : المادة 68 من دستور الإمارات ، تنص : يتشكل المجلس الوطني الاتحادي من 34 عضواً ، ويوزع عدد مقاعد المجلس على الإمارات الأعضاء كالتالي : 8 مقاعد لكل من أبو ظبي ودبي ، و6 مقاعد للشارقة ، و 4 مقاعد لكلاً من عجمان وأم القوين والفجيرة  المجلس الوطني الاتحادي عام 1997م0

وقرأت لبعض الزملاء الإماراتيين المطالبة بتعديلات دستورية حتى تتواكب الإمارات من ناحية تشريعية مع شقيقاتها الأخريات في الخليج  0

سابعاً : ليبيا : نلاحظ بأن القذافي الرئيس الليبي غيّر من أيديولوجيته من النظرية الأشتراكية التي ينص عليها كتابه الأخضر حيث يقول : ” الكتاب الأخضر يحتاج إلى أناس مستواهم عال جداً ، وعندهم وطنية قوية جداً ، وأخلاق وعلم ، وعندهم حرص على الناس الأخيرين الضعفاء ، ومثاليون ” 0

وكذلك نلاحظ أن الرئيس القذافي ساخطاً على اللجان الشعبية قائلاً : ” حتى أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا معي ، والذين كانوا ضباطاً أحراراً وأصبحوا خونة ، واللجان الثورية والثوريين الذين خدعونا ، ولم يكونوا ثوريين ، ماذا نتوقع منهم  0 أنهم يزورون كل شيء ، يزيفون كل شيء ، شعارات بلا معنى ، لافتات بلا محتوى ، مثل الاعلانات الدعائية ” 0

ويبدو أن كل ما قاله العقيد القذافي هو تمهيداً لكي يعلن تحوله من الاشتراكية إلى الرأسمالية : حيث طالب العقيد إلغاء القطاع العام وخصخصة كل القطاعات من البترول إلى البنوك حتى المطارات ، وكان يسمي ذلك الرأسمالية الشعبية ، مستشهداً بما أطلقته تاتشر رئيس وزراء بريطانيا السابقة ، التي خصصت كل شيء في بريطانيا الأهرام العربي العدد 32 ص 30 ، 31  0

ثامناً : سوريا : نكتفي بما قاله الكاتب السوري صبحي حديدي : ” النظام السوري عاجز بنيوياً عن إصلاح نفسه مادام يعيش على نفس الآليات والوجوه التي تدير البلد من الحرس القديم ، وتنهب ثرواته 0 ومن ثم علينا ألا نتوقع منه أية إصلاحات ما لم تحسم المعركة بين الحرس القديم والجديد 0 ورأيي أن الحرس الجديد غير موجود  الأهرام العربي العدد 326 ص 51  0

نحن عندما نتكلم عن بناء المؤسسات في العالم العربي والإسلامي ، ليست فقط بغرض عرض موضوع ثقافي ، وإنما المشكلة الحقيقية بالنسبة لعالمنا العربي والإسلامي هو الإصلاحات المؤسساتية ، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية ، وبالتالي ، نحن عكس العالم الآخر ، حيث أنه لا توجد عندنا مشكلة ثروة على الاطلاق 0 فاحتياطيات العالم العربي والإسلامي من النفط تبلغ أكثر من 72% من احتياطيات العالم ، ومن الغاز الطبيعي تبلغ أكثر من 35% من احتياطيات العالم 0 الذي جعلنا أن نذكر ذلك ، هذه فقط إحدى الهبات الطبيعية الجيولوجية التي وهبها اللّه سبحانه وتعالى لنا في هذا الجزء من العالم ، وتشتمل ميزانية سبعة من الدول المذكورة أعلاه بإستثناء سوريا على أكثر من 90% من الواردات النفطية  0 ولو وظفنا التوظيف السليم لما تبقى من مواردنا الطبيعية والبشرية ، لأصبحنا من أغنى دول العالم ، إذاً ما هي مشكلتنا ؟ 0 أعتقد بأن مشكلتنا تنظيمية ، وهي التي جعلتنا في أسفل السلم الحضاري العالمي  0

فنجد رجل دولة فقيرة ، ولكن توجد بها مؤسسات للحكم مثل : الأرجنتين ، يقاتل لكي يحقق المعجزات لأمته ، فالرئيس كيرتشنر الذي كان يلقب بالدمية في الأرجنتين ، استطاع أن يضع برنامجاً إصلاحياً يشتمل على : 1 فصل عدد من كبار الضباط 2 تقديم الطلب للكونغرس لعزل رئيس المحكمة العليا 3 الحد من اضرابات المعلمين 4 خفض الضرائب 5 مراجعة العقود الموقعة ما بين الشركات والقطاع العام 0 وانتقل اسمه من كيرتشنر الدمية إلى كيرتشنر الخارق ، وقفزت شعبيته في استطلاعات الرأي من 38% إلى 80% حالياً 0  نيوزويك العدد 159 ص 028

وأيضاً ذكرت لكم سابقاً كما أعتقد بأننا نستطيع تقبل تحول شخص من نظرية أيديولوجية معينة إلى أخرى بعد تطوير نفسه بالعلم والتجربة ، ولكن لا نستطيع تقبل تحول النظام كاملاً من أيديولوجية إلى أخرى ، وكما ذكرت لكم سابقاً هذه اللعبة تبدو وكأنها لبس وفسخ القناع عند الطلب  0 فمثلاً وزير مالية البرازيل يقول : ” لقد كنت جزءا من منظمة تروتسكية مدة ثمان سنوات من حياتي 0 وقرأت الكثير عن النظرية الماركسية 0 لكنني لست سجيناً لأي نموذج 0 وما تبقى من تلك الحقبة هو إيمان بأنه ليس ثمة سبيل لتحقيق التنمية الاقتصادية دون اعتبار العدل الاجتماعي قضية رئىسية” 0 وعندما استلم بالوتشي وزارة المالية في البرازيل ، أصبح مبدعاً رأسمالياً، وباع شركة التليفونات ، وشركة الصرف الصحي في وقت كانت الخصخصة شيئاً محرماً في البرازيل  نيوزويك العدد 159 ص 25  0

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل الانتخابات في العالم العربي والإسلامي كافية لتحقيق المشاركة الشعبية ، وتطوير مؤسسات الأمة ؟

سوف أترك هذه المساحة لكي يجيبكم عليها الكاتب الأمريكي فريد زكريا بعد أن غزت دولته العراق ، لإعطاءها الحرية والديمقراطية حسب قول الولايات المتحدة الأمريكية ، فيقول فريد : ” نحن بوسعنا بالتأكيد إجراء انتخابات في العراق ، وأن نسلم السلطة ، ومن ثم نعود إلى بلادنا 0 لكن الانتخابات وحدها لا تنتج الديمقراطية،  ويضرب مثال على أفريقيا  أما في أفريقيا فقد أجرت 42 دولة من أصل 48 دولة انتخابات خلال العقد الماضي ، ولكن تبين أن جميعها تقريباً لم تنتج ديمقراطيات حقيقية” 0

ويرى الكاتب فريد لكي تشارك في تحقيق مستقبل وطنك لابد لك من العطاء والأخذ ، ومن أهم عناصر العطاء الضرائب التي تدفعها للدولة ، وبعد ذلك تقوم باختيار من يمثلك في الدولة ، لكي تراقب طريقة إدارة الأموال التي اقتطعت منك لمؤسسات الدولة 0

ويرى زكريا على العكس من ذلك في الدول النفطية فشعار الدول  نحن لا نطالبكم بالكثير فيما يتعلق بالضرائب ، ولا نمنحكم الكثير فيما يتعلق بالحرية  0 ونتيجة ذلك  بدلاً من تقييد سلطة الدولة فإن النفط يعمل على تعزيزها ، فالدول النامية توظف أموال البترو دولار في الجيش والمخابرات والشرطة السرية 0 والبترو دولار يعني استشراء الفساد في جميع جوانب المجتمع 0 فمكانة رجال الأعمال لا تقوم على الأفكار التي يطرحونها أو حجم العمل الذي يقومون به ، بل على الأشخاص الذين يعرفونهم 0 إن الدول النفطية تتميز بثقافة أرستقراطية لا بثقافة تجارية  نيوزويك العدد 149  0

وفي الختام أترك لكم هذه المساحة دون تدخلاً مباشراً من الأسئلة التالية :

أولاً : هل التشريعات التي قدمتها الدول العربية والإسلامية كافية لإصلاح    مؤسسات الدولة ؟
ثانياً : هل هذه الإصلاحات كافية لعدالة توزيع الوظائف ؟
ثالثاً : هل هذه الإصلاحات كافية لعدالة توزيع الدخل ؟
رابعاً : هل هذه الإصلاحات كافية لحفظ أمننا الداخلي ، وأمننا في مقابل الخارج ؟
خامساً : هل هذه الإصلاحات كافية للقضاء على الفساد الإداري والسياسي    والاقتصادي والمحسوبية ؟
سادساً : هل هذه الإصلاحات كافية لتحقيق الفيدرالية للإقليمية ؟

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

المراجع

1- أخبار الخليج البحرينية ، العدد 8868 0
2- الأهرام العربي ، العدد 322 ، 326 0
3- آل ثاني ، فهد ، العالم الإسلامي ، دار الثقافة ، الدوحة ، 2002م 0
4- جريدة الحياة ، العدد 14700 ، 14675 0
5- دستور دولة الكويت 0
6- المجلس الوطني الاتحادي  دستور  دولة الإمارات العربية المتحدة ، 1997م 0
7- المجلة ، العدد 707 0
8- مشروع الدستور الدائم لدولة قطر ، النظام الأساسي المعدل 1997م ، النظام الأساسي المعدل 1990 ، 1986 ، 1979 ، 1972م 0
9- نشرة الجريدة الرسمية  أم القرى  العدد 3468 ، 3474 0
10- نيوزويك ، العدد 149 ، 159 0
11- WWW. akhbor- alkhnaleej. com/arc-articles. asp trticus = 339638sn = BNE w  issne ID = 88.
12- www.alayam. com/0this/B/h chartar