هل الإدارة العالمية تحتاج لإعادة تقييم ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

العنوان أعلاه نحاول أن نركز عليه كإجابة على دراستين منشورتين لنا سابقاً ، هما : الجدلية القانونية للوصاية الأمريكية على العراق ، وهل التنظيم الدولي يواكب القرن الواحد والعشرون ؟

فالدراسة الأولى كانت تثبت عدم الجدوى القانونية للوصاية الأمريكية للعراق ، والدراسة الثانية ركزنا فيها على التنظيم الدولي والعولمة ، ومدى جدوى القوى الإمبريالية الأحادية للعالم ؟

ربما من أقوى التجارب الأمريكية لإعادة إدارة العالم هو التجربة الأمريكية الحديثة ، من حيث الحرب الاستباقية في أفغانستان والعراق 0 فأمر أفغانستان مازال معلقاً ، وتوجد به حكومة سلطتها بالكاد لا تتعدى كابول العاصمة 0 أما العراق    فما زال في حالة فوضى (Anarchy) والدولتين مازالتا تمران في مرحلة سيولة إدارية 0

النقطة الملفتة للنظر هي : إذا فشلت أمريكا في هذه الدول الصغيرة نسبياً العراق وأفغانستان ، وبالإضافة إلى القضية الفلسطينية ، فذلك سوف يجعل مصداقية أمريكا كقوى عظمى تتولى إدارة العالم ، يدور حولها الكثير من الشكوك

دعونا نأخذ القضية العراقية كمثال للآليات التي تعتمد عليها أمريكا في إدارة العالم  0 فوزير الخارجية الأمريكي كولن باول يقول في أواخر سبتمبر 2003م : بأنه ستحدد ستة أشهر مهلة للقادة العراقيين الذين يعملون تحت الاحتلال الأمريكي مجلس الحكم  لصياغة دستور جديد للبلاد 0 طبعاً بالنسبة لنا رفضنا فكرة باول من خلال الدراستين المذكورتين أعلاه ، ومن خلال متابعتنا للصحافة العالمية ، وجدنا بأنه من الصعب تحويل الحلم الأمريكي في العراق إلى واقع ملموس ، وذلك من خلال الآراء التالية :

أولاً : في صحيفة (Financial Times October 8,2003) يقول دومنييك موايسي من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية : 1 تأييد بوش اعتداء شارون على سوريا اثبت عدم نزاهة الوساطة الأمريكية في الشرق الأوسط 2 العراق وفلسطين كل الموضعين ينعكس على الآخر ، فنجاح أمريكا في إحداهما ينعكس على الآخر ، وفشل أمريكا في إحداهما ينعكس على الآخر 3 يركز دومنييك على نقطة سبق أن ذكرناها قبل ثلاثة أشهر تقريباً ، وهي على أمريكا أن تعرف بأن النموذج الألماني والياباني ليس بالضرورة أن ينطبق على العراق ، وكذلك على أمريكا أن تتذكر بأنه يوجد نموذج شرق أوسطي شبيه بالعراق ، وهو الدور الفرنسي الفاشل في الجزائر ، وكارثة الجزائر هو بأن فرنسا خططت للشعب الجزائري دون إشراك الشعب الجزائري في تحقيق مصيره ، والذي حدث سابقاً للجزائر هو الذي يحدث الآن للعراق بواسطة   أمريكا  0

ثانياً : دايفيد بروك من (Herald Tribune October 8,2003) يقول إذا تريد صياغة الدستور العراقي فعليك مراعاة نقاط حساسة جداً وهي : 1 الفيدرالية : هل الإدارة تكون رئاسية مركزية ، أو برلمانية غير مركزية ؟ 2 ما هي الآلية التي سوف يكون عليها الحدود الإدارية والفيدرالية ؟ 3 القضايا الحساسة ، مثل حقوق الأقليات ، ومثل الآلية التي يتم من خلالها تجنيد العسكريين  4 حقوق المرأة ، بمعنى آخر هل أمريكا سوف تتدخل في موضوع تعدد الزوجات ؟ 5 ما هي الآلية التي سوف توزع بها الحصص النفطية بين الشعب العراقي ؟ 6 هل السنة إذا لم يعطوا الدور الكافي سيقومون بلعب دور تخريب وذلك سينعكس على الشيعة والأكراد أيضاً ؟ 7 السؤال المهم هل الشعب العراقي جاهز لإستيعاب الديمقراطية ؟ 0

في الختام يقول السيد بروكس من المستحيلات أن يستطيع مجلس الدستور العراقي أن يجد حلولاً للقضايا المذكورة في ستة شهور  0

الذي قلناه وقالته الصحافة العالمية ، نجد بأن القيادات العراقية تؤمن بنفس التصور ، وبعضها أكثر تشدداً ، فالسيد مرتضى الصدر لم يرفض الدستور فحسب ، بل رفض مجلس الحكم المعين أمريكياً كاملاً 0 أما السيد عبد العزيز الحكيم فيقول : إن الدستور الجديد للبلاد لابد وأن يعده لجنة منتخبة ، وفور صياغته لابد أن تتم الموافقة عليه في استفتاء دستوري عام  الشرق العدد 5588  0 وإبراهيم الجعفري يقول : يفضل انتخاب أعضاء المجلس الدستوري  الحياة العدد 14802  ، والخمسين حزب عراقي المعارضين لمجلس الحكم يقولون : أن التصويت نفسه على الدستور العراقي الذي سيقترح أمر غير شرعي ، لأن التصويت وانتخاب المؤتمر الدستوري سيتمان تحت وطأة احتلال أجنبي وليس بمحض الإرادة العراقية وسيادة الشعب العراقي المفقودة  الحياة العدد 14802  0

إذاً ما فعلته إدارة المحافظين الجدد الأمريكية في الشرق الأوسط والعراق بالتحديد يخالف حتى آراء المؤسسين الأمريكان ، فمبدأ الرئيس الأمريكي ويلسون 1913 – 1921م يقول : إن اعتراف الحكومة الأمريكية بالحكومات الجديدة ، مشروطاً بوصولها إلى الحكم بطرق ديمقراطية ، وما يفعله المحافظين الجدد الآن يخالف ذلك ، حيث يدعون إلى الديمقراطية ، ويتحالفون مع الكثير من الحكومات الغير ديمقراطية في العالم النامي ، وذلك حيث توجد مصلحتهم 0 أما الرئيس الأمريكي ترومان قال في عام 1945م : إن الولايات المتحدة لن توافق على أي تغييرات أو تعديلات إقليمية في أي مكان ، إلا إذا كانت مطابقة لرغبات الشعوب التي يهمها الأمر ، وعلى شرط أن تعبر هذه الشعوب عن رغباتها بحرية 0 وأنها سترفض الاعتراف بأي حكومة تُفرض على أية دولة بمعرفة دولة أجنبية  الحياة العدد 14700  0

ومن هنا عرضنا رأي بعض القيادات العراقية ، وتصور ترومان وويلسون في حق الشعوب لتحقيق مصيرها ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل المحافظين الجدد سيذعنون للمبادئ التي قامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية ؟  0

ما تفعله أمريكا الآن في العالم النامي ليس فقط الدول المحتلة تفقد سيادتها ، بل حتى الدول النامية الحليفة لأمريكا تفقد شروط الاعتراف بها في القانون الدولي العام بحيث القانون يقول : حين تخفض حكومة ما في تأكيد سموها الإقليمي أو تعجز عن صيانة استقلالها السياسي تنتفي عنها صفتها التمثيلية لشعبها ، ولا تعود تعبّر عن مشيئته ، فتفقد الأهلية للاعتراف بها  الحياة العدد 14700  0

المفكر الشهيد نعوم تشومسكي  العولمة ، تشومسكي ص 31  : قال : إن العواقب المتوقعة لانتصار القيم الأمريكية في منظمة التجارة العالمية ستكون :

1- إيجاد وسيلة جذرية من أجل التدخل الأمريكي العميق في الشؤون الداخلية للدول الأخرى 0
2- استيلاء الشركات التي توجد مراكزها الرئيسة في أمريكا على أكثر القطاعات أهمية في الاقتصاديات الأجنبية 0
3- تحويل الأرباح إلى جيوب رجال الأعمال والأغنياء 0
4- تحميل كلفة هذا التحويل على المواطنين العاديين 0
5- إن هذا الانتصار سيكون سلاحاً قوياً محتملاً ضد خطر الديمقراطية 0

المذكور أعلاه هو ما ذكره السيد تشومسكي منذ فترة ، ولكن نتائج فشل العولمة بدأنا نراها الآن أمام جميع المهتمين بهذا الشأن ، وحتى لا نكرر أنفسنا في دراستنا ، هل التنظيم الدولي يواكب القرن الواحد والعشرين ؛ شرحنا ذلك بالتفصيل ، وخلاصة ما ذكرنا بأن العولمة فشلت ويعود ذلك لعدم إيجاد الآلية المناسبة لإدخال فقراء العالم وهم يمثلون ثلث سكان الكوكب تقريباً في الاستفادة من الاستثمارات العالمية الضخمة في القطاعات الاقتصادية المختلفة ، وكذلك بسبب الخلافات المزمنة ما بين أقطاب الاقتصاد العالمي وهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي واليابان ، وتحول المؤتمرات بدلاً من مناقشة قضية تحويل العالم إلى قرية اقتصادية صغيرة إلى متابعة مسلسل حروب الولايات المتحدة ضد الارهاب العالمي بما يسمى بالحرب الاستباقية أو الحرب الاجهاضية ، علماً بأن خصوم أمريكا الآن يمثلون قطاعات خاصة للمقاومة ، ولا يمثلون الشخصيات الاعتبارية للدول ، وذلك مما يجعل حرب أمريكا ضدهم أصعب مما لو كانت تواجه دول بحد ذاتها  0

ما فعلته أمريكا في العالم لن يعرض نظامه الاقتصادي للفشل فحسب ، بل سيعرض الكوكب إلى فوضى إدارية ، وربما ينتهي الأمر إلى حرب عالمية ثالثة ، تؤدي إلى فناء الكوكب 0 فمما قاله الرئيس الروسي بوتين أخيراً : إننا نحتفظ بحقنا في توجيه الضربات الوقائية ، وأن روسيا تمتلك الصواريخ البلاستيتية الاستراتيجية التي مازالت في المستودعات ، وهذه الصواريخ قادرة على الدفاع والردع حتى أواسط القرن الحادي والعشرين  الشرق العدد 5594  0

إذاً أمريكا شنت سابقة خطيرة في القانون الدولي العام ، وربما تتحول إلى تعديل جديد في القانون الدولي تحت ما يسمى بالحرب الاستباقية ، وهذا المصطلح كما أجازته أمريكا لمصلحتها ، فمن حق القوى الأخرى استخدامه مثل : روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا 00 إلخ 0

ونختتم بما قاله باول في المنتدى الاقتصادي العربي الأمريكي الأول : ” من دون تحول الشرق الأوسط ، ستبقى المنطقة مصدراً للعنف والإرهاب ، يغذيها الفقر والقهر واليأس 0 وأضاف لن نعتبر أن عملنا أنجز ما لم ينم كل فرد على أمل بزوغ فجر جديد، وعدم الشعور بالإحباط ”  الشرق العدد 5585  0 ونقول لباول إذا كان ما تقوله ليس بلغة منمقة وطنانة تتسم عادة بالمغالاة وعدم الصدق (Rhetoric) 0 وإنما عقدتم العزم هذه المرة على أن تصادق أفعالكم على أقوالكم ، ومع احترام الجوانب الثقافية للشعوب ، فنعتقد بأن معظم الشعوب الشرق أوسطية من النظرية الجديدة للتنظيم الدولي  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *