هل أمريكا تقبل الرأي الآخر ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

القضايا التي سنتحدث عنها أدناه ، ليست وليدة الساعة ، ولكنها في الحقيقة مجموعة مواضيع سابقة كتبناها عن الشرق الأوسط ، ومعظمها قمنا بمناقشتها من خلال محافل مختلفة ، على سبيل المثال  مؤتمرات ، ومقالات منشورة ، ومقابلات تلفزيونية وإذاعية 0 لذلك أعتقد أدناه هو خلاصة مجموعة أعمال عن أزمة الشرق الأوسط في عام 2003م 0

طريقة اللعبة الأمريكية في الشرق الأوسط من خلال اصطناع مصطلحات جديدة لبعض الدول الشرق أوسطية مثل  محور الشر ، والدول المارقة ، ومبدأ المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر ، وهو ما يسمى بالضربة الاستباقية 0

الأثر السلبي للمصطلحات أعلاه نستطيع أن نراه في الفوضى التي نشأت في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والعراق ، وأفغانستان ، وهناك بعض الدول الشرق أوسطية تنتظر قدرها الذي ستخططه لها الإدارة الأمريكية مثل  إيران ، السودان ، وسوريا 0 الأسوأ من ذلك هو بروز دول شرق أوسطية مستسلمة للمخطط الأمريكي في المنطقة ، وذلك جعل هذه الدول تبدو معوقة من الناحية الإدارية ، وذلك لأنها تنازلت عن سيادتها مقابل الحصول على الدعم السياسي الأمريكي 0 وهذا النموذج الأخير يذكرنا بالعصور البائدة للاستعمار البريطاني في المنطقة من خلال مصطلح ما يسمى بالمحميات البريطانية . 0

الانحلال والفوضى الذي تعيشه الدول الشرق أوسطية شجع إسرائيل لاستخدام المصطلح الأمريكي المعاصر الضربة الاستباقية ، وذلك عندما اعتدت إسرائيل على إحدى ضواحي دمشق في سوريا 0 ولكن السوريين على دراية كاملة بضعفهم وضعف الدول الشرق أوسطية أمام إسرائيل وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية0 وذلك جعل السوريين يبحثون عن أدنى أساليب المقاومة ، وذلك من خلال ما يسمى باصدار قرار شجب من مجلس الأمن ضد الاعتداء الإسرائيلي على سوريا ، ولكن لسوء حظ السوريين كانت الولايات المتحدة لهم بالمرصاد حيث تمت إعاقة قرار الشجب ضد إسرائيل قبل صدوره 0

الأمر المدهش هو أنه بدلاً من أن تقدم إسرائيل وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية اعتذاراً لسوريا على أقل تقدير بدلاً من اعتداءها عليها ، أقر الكونجرس الأمريكي مشروع قرار ضد سوريا وذلك باتهامها بأنها ترعى الأرهاب ، وتبحث عن تطوير أسلحة دمار شامل ، ومحتلة لبنان عسكرياً 0

مشروع القرار المذكور أعلاه ينص على عقوبات دبلوماسية واقتصادية ضد سوريا0 أعتقد بأن هذا القرار بعد أن أجازه الكونجرس ، فالإدارة الأمريكية بطريقة ما أو بأخرى ستفرضه على مجلس الأمن 0 نستطيع أن نقول ، لا سمح اللّه ، ما يحدث لسوريا الآن هو نفس الإجراءات التي حدثت للعراق قبل الاحتلال الأمريكي ، وخاصةً بأن الولايات المتحدة بدأت تحتضن بعض الانفصاليين والمعارضين السوريين الآن ، حتى يعطيها الشرعية ضد الحكومة السورية المهزوزة بسبب الأسلوب الأمريكي الضاغط عليها ، ووجودها بين فكي كماشة من الأعداء  الولايات المتحدة الأمريكية شرقاً في العراق المحتل ، وإسرائيل جنوباً ، بالإضافة إلى القواعد الأمريكية المنتشرة كمرض الجدري في الشرق الأوسط . 0

ولكن المصيبة الأكبر من المذكور أعلاه ، هو مصطلح الضربة الاستباقية ، بدأت بعض الدول الكبرى تلمح بأنها تحتفظ بحقها في استخدام مصطلح الضربة الاستباقية ، فمثلاً وزير الدفاع الروسي سيرجي ايفانوف قال  ” روسيا تحتفظ بحقها في شن أي ضربة استباقية ضد الدول الأخرى ” 0 لو استخدمت روسيا هذا المصطلح ، فذلك يعني بأنه من حق جميع الدول النووية الكبرى في استخدامه مثل  بريطانيا ، فرنسا ، الصين ، والهند 000 إلخ 0

لكن السؤال الذي يطرح نفسه  لو أن هذه الدول الكبرى استخدمت مصطلح الضربة الاستباقية ، ماذا تتوقعون المستقبل الذي ينتظر كوكبنا العجوز ؟ 0 لو استخدم مصطلح الضربة الاستباقية 00 هل تعتقدون بأن كوكبنا في حاجة لمنظمات دولية مثل الأمم المتحدة ؟ 00 إلخ 0

الاستفسار الذي يفترض على الولايات المتحدة الأمريكية أن تجب عليه هو عن الاعتقاد الروسي من خلال وزير دفاعها  يعتقد بأن الولايات المتحدة ستنسحب من الجمهوريات السوفيتية في أفغانستان ، ويضيف الوزير الروسي ، بأن روسيا تحتفظ بحقها في التدخل في الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى ، عندما يحدث انتهاك لحقوق الإنسان للقوميات الروسية المقيمة في الجمهوريات المذكورة أعلاه.0

اعتقادنا الحقيقي بأن التواجد الأمريكي في آسيا الوسطى ليس لغرض الحرب على الأرهاب فقط ، بل لثلاثة أهداف أخرى هي

1- السيطرة على الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى لكي تجهض أي نظرية لقيام حزام أخضر إسلامي يمتد من باكستان خلال آسيا الوسطى ، ماراً بتركيا والبلقان إلى دول شمال أفريقيا . 0
2- الهدف الثاني للسيطرة على مصادر الثروة الهايدروكاربونية في آسيا الوسطى .0
3- وأخيراً لاحتواء روسيا بعد أن تسترد عافيتها بعد الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي السابق . 0

القضية الحقيقية التي يجب علينا كشرق أوسطيين أن ندرسها ، هي أن العالم أعاد تشكيل نفسه في القرن الواحد والعشرين على شكل كتل إقليمية كبرى 00 فمثلاً الصين مع عدد سكانها البالغ 3ر1 بليون نسمة ، وناتجها المحلي الذي أصبح حوالي 9% سنوياً ، والهند مع عدد سكانها الضخم الذي يزيد على واحد بليون نسمة، وخططها الطموحة لاقتباس التقنية المعاصرة وتطوير قطاعها الخاص ، والاتحاد الأوربي الذي يتوقع أن يصل عدد سكانه إلى 450 مليون نسمة في عام 2004م بعد أن تنضم إليه 10 دول أوربية أخرى معظمها من شرق أوربا ، وروسيا مع رئيسها البراجماتي الذي ينظر بكل طموح إلى المستقبل من ناحية اقتصادية ، وتقنية ، واستراتيجية ، وأمنية.0

ومن الممكن أن نضيف إلى الكتل أعلاه العملاق الجنوب شرق آسيوي القادم الذي يسمى آسيان مع عدد سكانه البالغين 500 مليون نسمة . 0 فآسيان في آخر قمة لها في أندونيسيا كانوا مركزين على دراسة التالي  1 دراسة الإجراءات الجمركية 2 تأسيس معايير للتحكيم التجاري 3 دراسة أسباب انخفاض الاستثمارات الأجنبية بنسبة 18% عام 2002م عن عام 2001م .0

الموضوع المزعج هو  أن جميع الكتل العالمية اعادت تشكيل نفسها ، بما يتناسب مع روح العصر ، باستثناء الشرق الأوسط الذي ما يزال مصيره مجهول . 0 والسبب الرئيسي في ذلك هو أن الولايات المتحدة لم تدع الإقليم الشرق أوسطي يعيد نفسه ، وفي الوقت نفسه الأمريكان لا يملكون الشجاعة الكافية للتعاون مع المؤهلين وشعوب المنطقة لإعادة تشكيلها . 0

ولكننا ما زلنا نرى بأن هناك بصيص من الضوء في آخر القناة ، وذلك عندما قامت الإدارة الأمريكية بوضع بعض المنظمات الصهيونية من ضمن قائمة الأرهاب مثل كاخ وكاهانا 00 وهذه المنظمات متهمة بالتحريض والقيام بعمليات إرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين العزل في الأراضي المحتلة . 0

لو استمرت الولايات المتحدة في استصدار عقوبات ضد الحركات الارهابية الصهيونية ، فذلك بدون أي شك سيولد شيئاً من الثقة في الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط ، ونمو هذه الثقة سيسهل على الإدارة الأمريكية التعامل مع الشعوب الشرق أوسطية . 0

النقطة التي يفترض أن نتفق عليها جميعاً هي أن الإدارة الأمريكية تمتلك السيطرة الكاملة على حكومات الشرق أوسطية بالعصا ، أو بالجزرة ، أو بالسحق 0

ولكن لا توجد سيطرة أمريكية على شعوب الشرق الأوسط ، وهذا مما يجعل المقاومة تنتقل من الحكومات إلى الشعوب الشرق أوسطية ، وهي ما نسميها مقاومة القطاع الخاص . ، والأمثلة على هذه المقاومة كثيرة مثل  الجهاد ، وحماس ، وأنصار الإسلام ، وكتائب الأقصى في فلسطين المحتلة ، وجماعات المقاومة الأخرى في لبنان ، والعراق ، وأفغانستان 00 إلخ 0

الهدف الرئيسي لحركات المقاومة أعلاه هو لتحرير أراضيهم ، فلذلك لا نتفق مع الولايات المتحدة بأن هذه الحركات إرهابية ، لأننا إذا عدنا إلى التاريخ القديم في عصر الاستعمار البريطاني لأمريكا ، فكان المواطنون الأمريكيون يقاومون البريطانيون بكل ما أوتوا من قوة ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا  هل نستطيع أن ندعي بأن الحركات التحررية الأمريكية كانت إرهابية ؟ . 0

أعتقد كمتخصص في الشؤون الشرق أوسطية 00 أن الولايات المتحدة تتجاهل حقوق شعوب الشرق الأوسط ، وتتعاون مع بعض الطغاة والحكومات الفاسدة في الشرق الأوسط . 0

أعتقد بأن المذكور أعلاه 00 خطأ أمريكي استراتيجي في الشرق الأوسط ، ولكننا ما زلنا ننظر بكل تفاؤل كشعوب شرق أوسطية للتعاون مع أمريكا ؛ لأن هناك قواسم مشتركة كثيرة بيننا وبين أمريكا والغرب بشكل عام ، طالما كانوا عقلانيين للاستماع لنا ولمطالبنا كشعوب شرق أوسطية . 0

أعتقد بأنه لكي توجد بيننا علاقة ممتازة مع الغرب لابد من التالي

أولاً  الاحترام المتبادل للثقافات والمبادئ 0 ثانياً  القاسم المشترك الذي من الممكن أن يلتقي فيه الشرق الأوسط مع الغرب هو التالي  اقتباس المناسب من الديمقراطية الغربية ، واستيعاب المفهوم الغربي للتعددية السياسية ، ومحاولة إعادة مفهوم الدولة المعاصرة للشرق الأوسط ، والاستخدام الأمثل لمواردنا الطبيعية ، واستيعاب التكنولوجيا الغربية ، ومحاولة تطبيق المناسب من النظريات الاقتصادية والتجارية الغربية . 0

أخيراً ، يفترض المذكور أعلاه أن لا يفرض على شعوب الشرق الأوسط ، لأن النتيجة ستكون بلا شك هي الفشل . 0 وتوجد أمثلة شرق أوسطية ، عندما يحاول المستعمر أن يفرض نظريته على الشعوب المحتلة . ، ففرنسا قبل 40 سنة فشلت في تحضير الشعب الجزائري على الطريقة الفرنسية ، وكانت نتائج هذا الفشل مأساوية للجانبين ، وخاصةً الجزائر بلد المليون شهيد ، وللأسف مازال جرحه ينزف ، والولايات المتحدة ستفشل في أفغانستان والعراق عندما تحاول من خلال عملاؤها فرض النموذج الديمقراطي الأمريكي بالقوة على هذه الشعوب . 0

إذاً على أمريكا أن تتعاون مع المتخصصين في شؤون الشرق أوسطية وبحسن نية، لكي ينقلوا المناسب من الفكر الغربي لشعوبهم كما ذكر أعلاه . 0

في الختام ، إذا كانت أمريكا تريد أن تطور الشرق الأوسط بطريقتها ، فعليها أن تراجع موضوعين أساسيين هما  1 العدالة 2 مشاركة الشعوب .. 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *