هل تنج أمريكا في إنشاء دولة كونية ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

طبعاً لإنشاء دولة كونية أمريكية ، فأمريكا لابد لها من سيطرة مطلقة على رأس الحربة الأمريكي للولوج في العالم القديم ، ورأس الحربة هذا كما سماها بريجنسكي بطريقة

أكثر دبلوماسية قال ( تكفي نظرة واحدة لخارطة الكتلة الأوراسية المترامية لتأكيد الأهمية الجيوبوليتيكية لرأس الجسر الأوربي بالنسبة لأمريكا ، كما تكفي النظرة نفسها للكشف عن تواضع

الجسر من الناحية الجغرافية 0 ترتبط المحافظة على رأس الجسر ذاك وتوسيعه ليكون منصة انطلاق للديمقراطية ارتباطاً مباشراً بالأمن الأمريكي ) ( بريجنسكي ، ص 96 ) 0

وتجنباً للتكرار ، كما ذكرنا سابقاً ، فالاستراتيجية الأمريكية الأنية تقوم على محورين ، الأول : تمييع دور الاتحاد الأوربي 0 والثاني : استخدام الناتو والأمم المتحدة كآليات

أمريكية لنشأة الدولة الكونية الأمريكية  0

ويرى الاستراتيجي الجيوبوليتيكي الفرنسي بيير ماري جالو بأن الاستراتيجية الأمريكية فيما بعد الحرب الباردة قائمة على فئتين أساسيتين هما :

الأولى : مناطق صلبة : وهي الدول القادرة على المحافظة على سيادتها واستقلالها والتي لها إرادة ترفض الهيمنة الأمريكية 0

والولايات المتحدة للسيطرة على هذه الدول ، تهتم كثيراً بما يحدث فيها ، ( الخليج ، العدد 8562 ) ونحن نضيف لما يحدث حولها أيضاً ( راجع آل ثاني ، سايكس بيكو

والجيوبوليتيكا الميتافيزيقية نُشر في الراية في أغسطس ونوفمبر على التوالي ) 0

الفئة الثانية : مناطق دخولا : وتشمل الأمم أو مجموعة الأمم ضعيفة السيادة أو التي لا سيادة لها ، وقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية مؤثر ( أفريقيا وأمريكا اللاتينية )

وتتدرج فيها أيضاً قوى وحضارات أوربية وإسلامية ضعيفة 0 لكن يضاف إلى ذلك بُعد آخر يتعلق بالمناطق التي قد تندرج – في ظروف معينة – ضمن المناطق الصلبة إذا توافرت لها شروط

القوة ( الخليج ، العدد 8562 ) 0

بمعنى آخر أن الاستراتيجية الأمريكية قائمة على التناقض الموجود في العالم ، وذلك كما نرى يُسهل على أمريكا إقامة دولتها الكونية  0

ونلاحظ الاستراتيجي الفرنسي الكسندر ديل فال يلخص الاستراتيجية الأمريكية بأنها قائمة على أربعة مبادئ أساسية هي :

1- المحافظة على أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية كممارس لها ، وتمنع تشكيل قوى مستقلة في العالم الثالث 0 ونضيف على ذلك بأنه شبيه من ( مبدأ مونرو) 0
2- تمنع دول آسيا من أن تصبح قوى عظمى قادرة على معارضة السيطرة الأمريكية ، وذلك لحفظ توازن ( المنطقة الصلبة ) الآسيوية ، وعدم السماح بظهور أي قوى فيها ،

وذلك نستطيع أن نشبهه بمبدأ ترومان  0
3- تمنع الدول المحورية في الاتحاد الأوربي ( فرنسا ، وألمانيا ) من أن تزداد قوةً ، وتحرص على أن يكون الاتحاد الأوربي رأس حربة لأمريكا في المنطقة الاوروآسيوية 0 (

وذلك تناولناه بالتفصيل في الجزء الأول من هذه الدراسة ) 0
4- تقوية ودفع اعتماد الدول الإسلامية على أمريكا ، والحيلولة دون دخول دول أخرى مثل روسيا وأوربا في هذه المنطقة ( الخليج ، العدد 8562 ) 0

ويعتبر الكسندر ديل فال : ( أوربا بأنها من المناطق الرخوة ، ففي عام 1995م كانت الاستثمارات الأمريكية في أوربا تبلغ نسبتها أكثر من 51% من إجمالي الاستثمارات

الأمريكية في الخارج وخصوصاً في ألمانيا وبريطانيا وهولندا 0

ويضيف كما أكدنا سابقاً ، بأن أوربا حسب الاستراتيجية الأمريكية تحكمها أمريكا عبر الناتو ( الخليج ، 8562 ) 0

أما بالنسبة لآسيا فيقول ديل فال : ( فهي مرشحة لتكون صلبة في المستقبل باعتبار أن عوامل القوة موجودة بالفعل – ولكن في حالة كمون – فمنذ الآن وحتى عام 2040م

سيقفز عد سكانها من 7ر3 مليار نسمة إلى 1ر5 مليار نسمة ، بينما أوربا ( بما فيها روسيا ) لن تتجاوز 680 مليون نسمة 0 والخطير أن أغلبية سكان أوربا سيكونون من العجزة والشيوخ

0 وللتأكيد على ذلك انظر مقالة ( آل ثاني ، ماذا بعد عصر الهايدروكاربون ، نشرت في الراية ، نوفمبر 2002م ) 0

وهنا نصل إلى نقطة خلاف كبيرة مع ديل فال من خلال ما يطلق عليه استراتيجية الحزام الأخضر في مواجهة العالم الغربي 0 ويقصد هنا أن تحيط الولايات المتحدة خصمها

السابق روسيا – مع دول البلقان بهلال إسلامي يضم تركيا والدول الإسلامية القريبة من توجهات تركيا ، وإيران ودول آسيا الوسطى الإسلامية 0 وهذا الحزام تنطلق محاوره من الجزيرة

العربية ، وتركيا ، وأفغانستان ، وباكستان 0 وليس هدفه أن تتعاون وتستهدف الاستراتيجية الإسلامية تقويض دعائم الامبراطورية السوفيتية 0
تعليقنا نعم استطاعت أمريكا وتحالفها الإسلامي في انهيار الاتحاد السوفيتي ، ولكن ذلك لا يعني ولاء المجاهدين الإسلاميين لأمريكا ، ولكن كما تقول لغة السياسة كانت تربط

فيما بينهم مصلحة مشتركة ، وهو القضاء على المد الشيوعي السوفيتي في المناطق الإسلامية على المدى القصير ، ولكن يؤسفنا أن نقول بأن الأمريكان كان لهم استراتيجية على المدى

البعيد ، وهي القضاء على الاتحاد السوفيتي لتحقيق احاديتيها القطبية كما يحدث للعالم الآن ، والتصور الثاني على المدى البعيد هو تطبيع قيادات المجاهدين على الليبرالية الديمقراطية

الأمريكية في نطاق يسمى الخط الأخضر الإسلامي ، ومن يرفض من هذه القيادات يتم تهميشه ، وإذا تمادى تتم تصفيته ، ومن نتائج هذه التصفيات الحرب العالمية على الأرهاب التي

تشاهدونها الآن ، وجميع قيادات العالم الإسلامي يبصمون لأمريكا على شرعيتها  0

ويرى باول ديل فال الآن ، ما قاله الحديث الشريف قبل 15 قرناً ولا أذكره بالنص ( تناكحوا تناسلوا فإن اللّه يباهي بكم الأمم يوم القيامة ) 0 ويسمى ذلك بالتبشير الإسلامي

للكوكب ، وأن الاستراتيجية الأمريكية تقوم على هذا التبشير ، فيرى ديل فال : أن المسلمون يحتلون 18% من إجمالي سكان الأرض في عام 1990م ، علماً بأن المسلمين هم أكثر من

20% من سكان هذا الكوكب في عام 1980 في دراسة خاصة بنا ( آل ثاني ، عالم إسلامي ، ص 70 ) ، ويقول ديل فال بأن المسلمين في عام 2000م بلغوا 20% من إجمالي سكان

الكوكب ، ونؤكد لكم بأن نسبتهم في دراستنا المذكورة بلغت 25% من جملة سكان الكوكب 0 ويتوقع ديل فال بأن نسبة المسلمين ستصبح 30% من جملة سكان الكوكب عام 2025م ، ونحن

نبشر من ضمن إسقاطات خاصة بنا بأن نسبتهم ( المسلمين ) ستصل ما بين 33% إلى 35% من سكان هذا الكوكب 0 ( راجع آل ثاني ، العالم الإسلامي ، ص 70 ، وجريدة الخليج ، العدد

8562 ) 0

خلاصة ذلك بالنسبة للعالم الإسلامي ، وللقضاء على النمو السكاني الإسلامي الكبير ، نعتقد بأن أمريكا ستستخدم بعض الأقاليم الإسلامية ضمن استراتيجية افتعال الأزمات ما

بين الأقاليم الإسلامية والمناطق المحاذية لهم ، مثل : استمرار التوتر ما بين الباكستان والهند ، وما بين دول آسيا الوسطى وعلى رأسهم الشيشان وروسيا الاتحادية ، وما بين الدول

الإسلامية المحاذية لأوربا والاتحاد الأوربي ، وما بين مسلمي شرق آسيا الاقصى في الداخل والجوار الجغرافي مع الصين 0 وبهذه الطريقة تستطيع الولايات المتحدة السيطرة على المناطق

الرخوة والصلبة في العالم ، كما ذكرنا سلفاً ، وربما سوف تقيم الولايات المتحدة مع جميع هذه القوى المتناحرة في العالم علاقات ثنائية كلٌ على حده ، وذلك سوف يعطيها سيادة عالمية

كاملة لنشأة دولتها الكونية  0

ثانياً : يجب أن ننبه متخذي القرار في العالم الإسلامي بأن تصبح نسبة المسلمين 35% من جملة سكان هذا الكوكب ، ذلك مرفوض عالمياً ، فالعالم الغير إسلامي وعلى

رأسهم الولايات المتحدة يجهزون برامج تبشيرية متعددة لامتصاص أعداد كبيرة من المسلمين إلى الديانات الأخرى ، والغزو العالمي الآخر لتغيير مفاهيم الدين الإسلامي ، وإذا لم ينجحوا في

ذلك ، فلا تستغربوا أن يفتعل الناتو حرباً كونية في العالم الإسلامي ، تؤدي إلى فناء جماعات كبيرة من المسلمين ، وذلك ليس بغريباً فهو حدث بالفعل في أوربا ما بين القرن السابع عشر

إلى القرن العشرين  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *