الدور المحتمل للجمهورية الإسلامية الإيرانية في النظام الإقليمي لغرب آسيا

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

 من خلال استراتيجية الأقاليم الكبرى الذي وضعته مدرسة ميونيخ عام 1920م ، اختزلنا مفهوم روسيا الكبرى ، الذي يضم روسيا وإيران وافغانستان والهند لتطوير فكرة نموذج الدراسة مع وجود فارق يتمثل في أن النموذج السابق يعطي روسيا الدور المركزي الكامل لإدارة إقليمها 0 ومن خلال هذا النموذج استطعنا أن نطور فكرة تعدد أقطاب النمو الإقليمية ، أي بمعنى آخر تعدد المراكز 0 وحاولنا أن نعطي الجمهورية الإسلامية الإيرانية دور محوري أو مركزي أحياناً لإدارة هذه اللعبة ، وذلك من خلال اتصالها بجميع مناطق جوارها الإقليمي مثل دول مجلس التعاون الخليجي والعراق ، واليمن ، وسوريا ، والأردن ، ولبنان ، وفلسطين في غرب آسيا 0

 ومن خلال الدراسات والأبحاث التحليلية التي قمنا بها لتوضيح الدور المركزي الذي من الممكن أن يلعبه الأقليم العربي في غرب آسيا ، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي ، وجدنا أن أي تحليل للجانب العربي من غرب آسيا ، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي والعراق ، دون إعطاء دور استراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في غرب آسيا ، يترك فراغ كبير في التحليل الاستراتيجي لغرب آسيا . 0

 وإذا أردنا أن نتناول الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الإسلامية إيران ، فيجب معرفة الموقع الجغرافي الإيراني وتحليله الجيوساسي ، فإيران يحدها من الشرق الباكستان وأفغانستان ، ومن الشمال تركمنستان وأذربيجان وأرمينيا وتركيا ، ومن الغرب الجمهورية العراقية ، ومن الجنوب الغربي الخليج العربي ودول مجلس التعاون الخليجي ، ومن الجنوب المحيط الهندي 0

 ونتيجة لموقعها المذكور يتبين لنا بأن إيران ذات النماذج الإقليمية المتنوعة ، وذات الطبوغرافية والبيئات الطبيعية المتناقضة ، وذات التركيبة البشرية المتباينة ، لابد لها من تصور إستراتيجي للمحافظة على الوحدة الوطنية لكيان الدولة المركزية الإيرانية، وأيضاً لابد لها من دور إقليمي تلعبه مع دول الجوار الجغرافي 0

 وبالنسبة لنا كمحللين أجانب للشئون الإيرانية ، نجد بأن دور إيران الاستراتيجي ، بدأ يبرز منذ منتصف التسعينيات من القرن المنفلت 0 ونجد وضوح الصورة الإيرانية ، مع بروز دور الإصلاحيين في إيران بقيادة الفيلسوف محمد خاتمي ، حيث أدرك الفيلسوف بأنه من العسير ايجاد الآليات المناسبة للشعب الإيراني البالغ عددهم 73 مليون نسمة ، من دون الاستيعاب الكامل للجانب الحضاري الإيراني ، ونجد بأن الإيرانيين من الناحية القومية يمثلون التالي 51% من الفرس ، و 24% من الاذريين ، و 7% من الأكراد ، و 3% من العرب ، و 2% من البلوش ، 20% من التركمان 0 أما بالنسبة للجانب الحضاري الديني فيشكل المسلمون 99% من السكان منهم 89% من الشيعة ، و10% من السنة ، والـ 1% الباقية يمثلها المسيحيون واليهود والزرادشتيون والبهائيون 0

 السيد محمد خاتمي استوعب فكرة توظيف الفلسفة السياسية لخدمة المجتمع المدني الإيراني ، وكان ذلك حتى قبل تسلمه الرئاسة في إيران 0 وكانت آلية خاتمي لتفعيل دور المجتمع المدني الإيراني ، من خلال استراتيجية حوار الحضارات ، واحترام التعددية الثقافية ، وهذا الأسلوب جعل السيد خاتمي يكسب جموع من الشباب الإيراني ، علماً بأن المجتمع الإيراني مجتمع شباب أصلاً حيث نجد 65% من سكانه أقل من 25 سنة تقريباً 0 ومن خلال المنهج الإصلاحي لخاتمي ، وإعطاء المرأة دوراً موازياً لدور الرجل ضمن منظومة المجتمع المدني ، استطاع خاتمي أن يكسب شريحة كبيرة من النساء اللاتي يمثلن أكثر من 50% من المجتمع الإيراني 0 إذاً استطاع خاتمي كسب قطاعي الشباب والمرأة ، والذي دعم موقف الإصلاحيين في إيران هو صدور قانون بتخفيض سن الانتخاب إلى 16 سنة ، هذه العوامل المذكورة أوصلت زعيم حوار الحضارات الإيراني إلى دفة رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الفترة 1997 – 2001م 0

 ورغم ذلك كله لم تترك اللعبة على إطلاقها للمجتمع المدني الإيراني ، بل إن هناك خصوصية دينية إيرانية من خلال تطبيق الدين الإسلامي الحنيف ، مع الوضوح الكامل للمذهب الشيعي في الأحكام  0

 وبالتالي نجد أن هيكل السلطة في إيران ممثلاً في التالي

1- مرشد الثورة ، ممثل للأمة بأكملها ، وهو يسيطر على كثير من الصلاحيات الدستورية التي تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية ، ومن ضمن اختصاصات مرشد الثورة المباشرة الجيش والحرس الثوري والسلطة القضائية ، ومجلس صيانة الدستور الذي من اختصاصاته قياس أهلية المرشحين سواءً المتقدمين للبرلمان أو لرئاسة الجمهورية ، ومجلس صيانة المصلحة 0

2- رئيس الجمهورية المنتخب وهو يعتبر قائد السلطة التنفيذية ، ومجلس الشورى المنتخب 0 ومنذ بداية الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م ، نجد السلطة في البند الأول ، أقوى من السلطة في هذا البند ، ولكن منذ منتصف التسعينيات وبزوغ فجر ما يسمى بالمجتمع المدني الإيراني ، بدأت سلطات رئيس الجمهورية المنتخب ، ومجلس الشورى المنتخب يستفيدون بشكل كبير من دعم المجتمع المدني لهم ، وهذا يعطي شيء من التوازن الجيد ما بين مجموعة الإصلاحيين ومجموعة المحافظين 0

 عموماً توزيع السلطة في إيران الإسلامية قطع شوطاً طيب من الإصلاح ، ونتمنى أن يواصل في نفس المنوال ، من خلال تطوير النموذج المؤسسي الخاص بالمجتمع المدني الإيراني 0 وحتى لو اتفقنا مع بعض المحللين بأن التجربة الإيرانية السياسية لم تصل إلى النضج من خلال تفسير مفهوم المجتمع المدني ، ولكن وبكل أمانة نقول بأن التطور السياسي الإيراني في توزيع السلطة ، هو أفضل من وضع كثير من دول العالم النامي والإسلامي ، وعلى أقل تقدير استطاع الإيرانيين من خلال نموذجهم الإنتخابي الخاص في توزيع السلطة ، ايصال رئيس للدولة عن طريق الاقتراع العام كل أربع سنوات ، وهناك مجلس شورى ، ومجلس صيانة الدستور ، ومجلس صيانة المصلحة ، يراقبون الرئيس مراقبة لصيقة 0

التصور الاستراتيجي لإدارة اللعبة السياسية

 اعتمد الإيرانيون في تصورهم السياسي الإقليمي على قاعدة سكانية ضخمة نسبياً مقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي العربي والعراق 0 فعند مقارنة إيران بباقي دول النظام الإقليمي الخليجي من ناحية الحجم السكاني نجد أن عدد سكان إيران 73 مليون نسمة ونسبة الأجانب فيما بينهم لا تزيد على 4% ، أما دول التعاون الخليجي والعراق مجموع عدد سكانهم 51 مليون نسمة وأكثر من 25% منهم أجانب، وهذا يعطينا بأن الرقم المطلق من ناحية سكانية يسجل لصالح إيران 0

 ولكن تحليلنا الاستراتيجي يوضح بأن المدرسة الإصلاحية السياسية في إيران في التسعينيات استوعبت اللعبة جيداً 0 فإيران الإسلامية إذا كانت من ضمن المنظومة الإقليمية الخليجية ، فيمكنها أن تلعب دوراً من ضمن منظومات إقليمية أخرى ، مثل النظام الإقليمي الإيراني الباكستاني الأفغاني ، والنظام الإقليمي الإيراني في الشمال، والنظام الإيراني في الشمال الغربي 0

 وفي التسعينيات أيضاً بدأت الصورة تكون واضحة بالنسبة لعلاقات إيران الدولية الفوق إقليمية ، وخاصة مع الدول الكبرى مثل الهند والصين وروسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية 0

 ولتفسير الدور الإستراتيجي الإيراني في أعماق اللعبة المكانية ، لابد لنا من معرفة الآليات الإستراتيجية التي تقوم عليها اللعبة السياسية

1- الجانب الثقافي  تعتبر إيران الإسلامية ، هي وجارتها الشرقية أفغانستان ، أكثر دولتين تشدداً في تطبيق الشريعة الإسلامية ، وخاصة ما يسمى بالإسلام السياسي ، والفرق بينهما بأن إيران تعتنق المذهب الشيعي ، وأفغانستان تطبق المذهب السلفي  السني  0 ونجد بأن إيران من أكثر الدول الإسلامية حرصاً على تطبيق الأحكام الشرعية الإسلامية في جميع المعاملات ، وكذلك تحرص إيران على تطبيق نموذج الاقتصاد الإسلامي ، ويجب أن نذكر هنا مرة أخرى بأن منهج الافتاء الرئيسي بالنسبة لإيران هو المذهب الشيعي ، وهذا يخلق خلاف فقهي بين إيران ومعظم دول العالم الإسلامي في تفسير بعض المسائل الدينية والزمنية 0

  ولكن الميزة للمذهب الشيعي بأن له أرتباط حضاري عاطفي عبر الحدود السياسية ، وهذا يذكرنا بتعاطف الكاثوليك في أمريكا اللاتينية مع الفاتيكان في روما 0 وهذا الارتباط محل خلاف في الفقه القانوني والديني والسياسي ، بحيث نجد من يقول بأن الأقليات دائماً تشعر بأن قوتها في الترابط ، وبما أن اتباع المذهب الشيعي في العالم يمثلون أقل من 5% من جملة المسلمين  آل ثاني ، الراية ، العدد 6763  ، فذلك يعطيهم تعاطف ديني سياسي خاص في جميع أرجاء المعمورة 0 ورغم هذا كله فهناك مواقف بطولية يجب أن نقر بها لصالح إيران ، من خلال موقفها المشرف من القضية الفلسطينية والقدس والمسجد الأقصى الشريف ، وهذا اعطى إيران احترام وتبجيل على مستوى كل العالم الإسلامي 0

2- الجانب الاقتصادي  إيران من الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة من الطاقة الرئيسية المحركة للعالم ، وذلك ممثلاً بالهايدروكاربون ، فيوجد فيها ما يقارب  16% من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي ، و 9% من الاحتياطي العالمي من النفط ، ونجد الناتج المحلي الإيراني رغم ظروف حرب الثمانينيات يصل إلى 89 بليون دولار ، هذا ولو قارنا الناتج المحلي الإيراني مع جارتها الباكستان ، لوجدنا أنه لا يصل حتى إلى 70% من قيمة الناتج المحلي الإيراني ، علماً بأن سكان باكستان ضعف سكان إيران ، ولم تخوض الباكستان حرباً طويلة كحرب الاستنزاف الخليجية الأولى ما بين إيران والعراق ، طبعاً بإستثناء المعارك القصيرة الزمن والحرب الباردة الإقليمية ما بين الهند والباكستان 0

 وبعد تفحصنا لآليات اللعبة السياسية في غرب آسيا ، لابد لنا من اسقاط سيناريوهات استراتيجية للنظام الإقليمي لغرب آسيا ، وما هو مدى نجاح تصور تعدد الأقطاب الإقليمي ؟

أولاً  النظام الإقليمي الخليجي

 من خلال هذه العلاقة الإقليمية ، سنقوم بإسقاط الضوء على العلاقات الإيرانية الخليجية 0 ولكن المشكلة ذات المعادلة الصعبة ما بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي تنقسم لعدة محاور هي

1- مخاوف تصدير الثورة ومشكلة الحجم

 لا أحد يستطيع أن ينكر بأن في بداية الثورة الإيرانية يلاحظ في الخطاب السياسي ، واللغة السياسية الإيرانية ، فكرة مبدأ تصدير الثورة ، وهذا أمر طبيعي عندما يحقق الشعب نصراً ضد رمز كان مصوراً لهم معنوياً بأنه لا يقهر 0 ولكن الصورة وآلية التعامل الإيرانية مع دول الجوار الخليجي بدأت تتغير بعد حرب الخليج الأولى  1980 – 1990م  ، وخاصة منذ منتصف التسعيينيات ، وأثمر ذلك عن علاقات دبلوماسية ثنائية جيدة ما بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي ، ونقصد بعلاقات ثنائية جيدة ، أي علاقة واحد لواحد مثل وجود علاقة دبلوماسية جيدة ما بين إيران وقطر ، وإيران والكويت ، وإيران والإمارات ، وإيران وعمان ، وإيران والسعودية، وأخيراً إيران والبحرين . 0 ونجد أن إيران تحرص أن تكون علاقاتها مع دول الخليج بهذه الطريقة ، ودول المجلس بسبب عدم وجود استراتيجية تعاونية لسياسة خارجية موحدة كل منها تحرص على أن يكون لها علاقة فردية مع إيران ، ولكن عندما تشعر دول هذه المنظومة بالخطر ، ترجع للمنظومة للحصول على دعم جماعي 0 وهذا أدى إلى وجود خلل استراتيجي في العلاقات الخليجية التعاونية وإيران الإسلامية ، وهذا الخلل ليس من صالح أي من الطرفين ، لأن ذلك يسمى في السياسة لعبة شد الحبل . ، وهذه اللعبة هي أساس خلق التوتر وعدم التوازن في العلاقات الدولية على مستوى العالم 0 ولو استمرت دول المجلس مع إيران على هذا المنوال ، فسوف يؤدي ذلك إلى ابتزاز الخليج العربي بأكمله من القوى الخارجية اقتصادياً وسياسياً وأمنياً ، وسوف تبقى هذه المنطقة متخلفة إلى يوم يبعثون 0 والذين يدفعون الثمن هم شعوب هذه المنطقة 0 وأتفق مع مجموعة من زملائي المتخصصين في شئون المنطقة بأن العلاقة الإيرانية مع دول المجلس يفترض أن تقوم على أساس المعادلة السياسية واحد إلى ستة 1  6 ، أي إيران التي يبلغ عدد سكانها 73 مليون نسمة ، ودول المجلس مجتمعة التي يبلغ عدد سكانها 27 مليون نسمة وثلثهم من الأجانب تقريباً 0

 ولو قامت العلاقات الإيرانية التعاونية على أساس 61 فذلك سوف يساهم نسبياً في معالجة التباين في الخلل السكاني الفاضح فيما بينهما ، وأيضاً سوف يسهل على المتخصصين في المنطقة في استثمار عناصر التشابه الإقليمي ومنها وحدة الدين الإسلامي ، وإن أختلف الإقليم من الناحية المذهبية ، فإيران دولة ذات أغلبية شيعية والسنة يشكلون 10% من سكانها تقريباً ، ودول المجلس ذات أغلبية سنية ويوجد بينهم نسبة من الشيعة لا تقل عن 10% من السكان 0 ونجد أبناء المنهجين منصهرين نسبياً من ناحية أيديولوجية ذات أنظمة الحكم الوراثية والتوجه الديمقراطي 0 ومن هنا لابد أن نشير بأن على المخطط السياسي أن يكون حذراً في التعامل مع التباين الأيديولوجي الذي يوجد في الإقليم ، وفي الوقت نفسه على المخطط أن يسلط الأضواء على الأهداف العظمى السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تخدم الأمة الإسلامية بشكل عام 0
ونجد أيضاً من الناحية الحضارية هناك أرتباط ما بين القوميتين العربية والفارسية، ضارباً في القدم ويعود إلى آلاف السنين ، ونجد حتى في التركيب الحضاري للدولة الإيرانية نسبة لا يستهان بها من القومية العربية ، وفي التركيب الحضاري لدول المجلس نسبة لا يستهان بها من القومية الفارسية 0 ولكن الأكثر أهمية هو أن التقارب الكبير ما بين القوميتين ، جعل ولاء القومية العربية الموجودة في إيران كاملاً لطهران ، وولاء القومية الفارسية الموجودة في دول المجلس كاملاً لدول مجلس التعاون الخليجي 0 وأكبر دليل على ذلك هو عندما رشح نفسه المهندس شاخماني المنحدر من أصولاً عربية للانتخابات الرئاسية في إيران في مايو 2001م 0 وهذا المثال الصارخ يوضح لنا بأنه من المستحيل أن يرشح شخصاً نفسه لرئاسة دولة ، دون أن يكون منصهراً في هويتها الوطنية إلى الثمامة 0 ونجد عنصر اللغة العربية من أقوى العناصر التي تربط ما بين التكتلين العربي والفارسي في الخليج العربي ، وذلك لأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ، والقرآن الكريم يفترض أن يكون الدستور الأول لجميع دول العالم الإسلامي 0

2- الاستثمار الاقتصادي

 تنمية المصالح الاقتصادية المشتركة ما بين دول النظام الإقليمي الخليجي ، وخاصة أن هذه الدول يوجد فيما بينها تماثل في السلعة ، مجموع احتياطي النفط في دول الخليج العربي يصل إلى 65% من احتياطي العالم ، وتمتلك نفس الدول 5ر33% من احتياطي العالم من الغاز الطبيعي ، ونصيب الطاقتين من الاستهلاك العالمي للطاقة يصل إلى 70% من الطاقة المستخدمة في العالم بحيث النفط يستحوذ على 50% ، والغاز الطبيعي على 20% من الطاقة المستخدمة في العالم  آل ثاني ، جريدة الراية ، العدد 6904 ، بمعنى آخر بأن إقليم الخليج الآن يمثل شريان الحياة للعالم 0

 وتتوزع الاحتياطيات النفطية ما بين دول إقليم الخليج العربي كالتالي ، دول مجلس التعاون الخليجي يوجد بها 46 من الاحتياطي العالمي من النفط ، والعراق 10% ، وإيران 9% 0 أما بالنسبة للغاز الطبيعي فإيران يوجد بها 16% من الاحتياطي العالمي ، ودول مجلس التعاون 5ر15% ، والعراق 2% أي مجموع هذه الدول يصل إلى 5ر33%  ، وهذا يعطي دول النظام الإقليمي الخليجي المرتبة الثانية مباشرة بعد دول الاتحاد السوفيتي السابق البالغ احتياطياتها من الغاز الطبيعي 39% من الاحتياطي العالمي 0

 المؤشرات الهايدروكاربونية المذكورة تعطينا تماثل السلعة الهايدروكاربونية الخليجية ، والتماثل السلعي يعتبر سلاح ذو حدين ، فإذا وظف التوظيف السليم في مواجهة التحديات الفوق إقليمية ، من خلال عقد تحالفات واتفاقيات إقليمية ما بين الدول المتماثلة في إنتاج السلعة ، وبعد ذلك مواجهة السوق الدولية من خلال المحافظة على صيانة القيمة السوقية للسلعة المتماثلة 0

 مثلاً كما ذكر سلفاً بأن احتياطيات إقليم الخليج العربي من الغاز الطبيعي 5ر33% من الاحتياطي العالمي ، والاتحاد السوفيتي السابق يسيطر على 39% من الاحتياطي العالمي ، بمعنى آخر إن ما يقارب 5ر72% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم محاصرة في حيز جغرافي محدد ، وهذه الطاقة تعتبر طاقة المستقبل أي نمو الطلب السنوي عليها ليصل إلى 6% تقريباً 0 وذلك خاصة بعد التوجه الأممي الكبير لتقليص الكميات الضخمة من الوقود الحضري والإشعاعي المنبثقة في الفضاء الخارجي، وخاصة بعد أن ثبت علمياً بأن الغاز الطبيعي هو أقلها ضرراً على البيئة 0

 ولكن البوادر التي نراها الآن بدلاً من عقد تحالفات ما بين الدول المتماثلة ، نجد بأن هناك تنافساً ما بين هذه الدول 0 مثلاً منطقة مجلس التعاون الخليجي يفترض أن تكون من المناطق الداعمة للمشروع القطري العملاق ذو التكلفة المرتفعة في حقل الشمال للغاز الطبيعي ، فمن المفروض أن تكون هناك شبكة أنابيب إقليمية لتصدير الغاز الطبيعي لجميع دول مجلس التعاون الخليجي ، وخاصة بأن جميع المؤشرات تقول بأن قطر هي أفضل مركز لتصدير الغاز الطبيعي لدول مجلس التعاون الخليجي وذلك من خلال التالي  1 سهولة مظاهر السطح مما يخفض التكلفة الإنشائية للأنابيب 2 وجود الاستثمارات الجاهزة في حقل الشمال القطري ، ولو حدث بالفعل هذا التعاون الاقتصادي ما بين دول المجلس ، فذلك سوف يكون من الآليات الفعالة لإحياء روح الكونفدرالية الخليجية 0

 أما دخول إيران كمنافس إلى ملعب طاقة الغاز الطبيعي في دول مجلس التعاون، فهذا سوف يخلق تنافس غير مستحب ما بين دول السلع المتماثلة 0

 وفي نفس الوقت يفترض على دول التعاون دعم المشروع الإيراني لتصدير الغاز الطبيعي إلى كلا من الهند والباكستان 0 وبعد ذلك يمكن أن يطور التنسيق ما بين دول هذا النموذج إيران ودول المجلس والعراق بعد فك الحصار الجائر عنه ، لتصدير الغاز الطبيعي والنفط عبر شبكة أنابيب تعبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية باتجاه جنوب شرق آسيا ، والشرق الأقصى ، وذلك لإيصال الهايدروكاربون إلى مناطق ذات كثافات سكانية ضخمة ، وتنمية اقتصادية هائلة ، وحقولهم الهايدروكاربونية قاربت على الجفاف ، وبعضها لم يعد يفي بحاجة سكانها ومنهم أندونيسيا والصين ، وخاصة الصين في 2005م تحتاج إلى استيراد ما يقارب 95% من احتياجاتها النفطية  0

أما بالنسبة للتصورات الاستراتيجية لبعض دول مجلس التعاون الخليجي ومنها قطر والكويت لاستيراد المياه العذبة من إيران 0 نجد من الناحية الاستراتيجية بأن هذا التصور يوجد فيه هامشاً كبيراً من الطوبائية ، حسب المعلومات المتوفرة لدينا 0 ولمعرفة إمكانات إيران المائية ، لابد لنا من تحليل موقع إيران الجغرافي فهي تقع ما بين خطي عرض 525 ، 537 شمال خط الاستواء ، أما بالنسبة لخطوط الطول فهي تقع ما بين خطي طول 545 إلى 562 شرق غرينتش ، والمهم هنا بالنسبة لوضع إيران الجغرافي علينا تفحص خطوط العرض ، لأن من خلالها نستطيع أن نتفحص الامكانات البيئية الإيرانية من حيث التساقط ، فخطوط العرض المذكورة توضح لنا بأن معظم الجمهورية الإسلامية الإيرانية يقع من ضمن الأقليم الصحراوي الشحيح المطر ، والقسم الشمالي الإيراني يتداخل مع الإقليم القاري وذلك يؤدي إلى أرتفاع معدل التساقط نسبياً بحيث يتراوح ما بين 500 ملم إلى 300 ملم أحياناً وهذه الكمية متذبذبة ولا يعتمد عليها اقتصادياً ، لكن الظروف التضاريسية خدمت إيران ، وذلك من خلال وجود جبال زاغروس على امتداد غرب إيران ، وجبال البرز في شمال إيران ، وذلك ساهم في تساقط بعض الأمطار التضاريسية ، وبالتالي نجد أماكن تركز النشاط الزراعي الإيراني بالقرب من أقدام جبال زاغروس والبرز ، وشمالاً على النظام الضيق الذي تطل عليه الجمهورية الإسلامية على بحر قزوين 0

 وهذا النموذج يوضح بأن إيران من الدول التي تعاني من نقص في المياه ، خاصة وأن سكان الجمهورية الإسلامية الإيرانية يصل إلى 73 مليون نسمة ، والنمو السكاني السنوي 2ر2% ، معنى ذلك بأنه بعد ثلاثة عقود ونيف ، سوف يصل عدد سكان إيران إلى أكثر من 140 مليون نسمة ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى نجد بأن إيران لديها مشاريع جبارة في الحرف الأولية  الزراعة وتربية الحيوان  ، وهذه المشاريع تحتاج إلى كميات ضخمة من المياه ، وخاصة إذا علمنا بأن الحرف الأولية تغطي 26% من الناتج المحلي الإيراني (The Era of Construction Vol. 11.) ، يقابله في نصيب الحرف الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي 5% من الناتج المحلي آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص 45  0 والتحليل المذكور هنا يوضح لنا بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحتاج إلى كل قطرة من الماء ، وذلك لكي تواكب تطوير مشاريعها المذهلة للأمن الغذائي ، فنجد مثلاً النمو السنوي لزراعة الحبوب في إيران تصل إلى 5ر6% ، وذلك اعطى إيران اكتفاء ذاتي وصل إلى 100% في البقوليات ، و 80% من انتاج القمح ، و 65% من إنتاج الأرز ، أما بالنسبة للحوم فهناك زيادة سنوية تصل إلى 6ر3% من نصيب الفرد في اللحوم 0 ويقابل ذلك دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد على استيراد الغذاء بشكل كلي من الأسواق الخارجية ، ونجد أفضل الدول الخليجية حالاً في معالجة الفجوة الغذائية يصل فيها معدل زيادة الطلب على الغذاء 6% ويقابله 2% معدل نمو الإنتاج المحلي  آل ثاني ، استراتيجية التنمية ، ص 69  0 وهذا التحليل يفجر لنا تصور استراتيجي آخر ، فبدلاً من استيراد المياه من إيران الإسلامية ، فالأجدر دراسة التجربة الإيرانية في انتاج الغذاء، ومن خلال هذا المنوال أيضاً ، من الممكن أن نطور ما بين دول المجلس وإيران من تعاون اقتصادي في الحرف الأولية ، وذلك من خلال تبادل البحوث والخبرات والعمالة الفنية والعادية 0 وكذلك هناك مجموعة من المحاور من الممكن أن تقوي الروابط الإيرانية والدول العربية الخليجية ومنها

1 صيانة البيئة

 التعاون البيئي أمر مصيري بالنسبة للدول الخليجية ، لحماية بيئة حوض الخليج العربي وسواحله ، وخاصة بأن حوض الخليج بحيرة شبه مغلقة يصل طولها إلى 1000 كم ، ويتراوح عرضها ما بين 300كم إلى 200 كم ، ومساحتها لا تزيد على 226 ألف كم2 ، وحجم المياه الموجودة في الخليج العربي لا تزيد على 6000 كم3 ، وأعمق موقع فيها يصل إلى 100م عند مضيق هرمز ، أما متوسط العمق لا يزيد على 35م0 ونجد عنق الزجاجة للعلاقات الخليجية العالمية مضيق هرمز الذي أقصى عرض له لا يزيد على 60كم ، ومن نفس المضيق تتجدد الدورة المائية في مياه الخليج كل سنتين ، بالإضافة إلى ذلك ترتفع نسبة الملوحة في مياه الخليج بشكل مذهل بسبب ضحالة المياه وأرتفاع درجات الحرارة التي ينتج عنها زيادة في معدلات التبخر ، والعامل الذي يحافظ على توازن مياه الخليج بعدم تحوله إلى بحر ميت بسبب الملوحة ، الارسابات المنحدرة من شط العرب وبعض الأنهر الإيرانية الصغيرة إلى مياه الخليج 0 ورغم صغر حجم الخليج وهشاشة بيئته ، إلا أنه يوجد فيه وحوله ما يقارب من 65% من الطاقة النفطية في العالم و 5ر33% من طاقة الغاز الطبيعي في العالم ، بالإضافة إلى الصناعات الكيماوية والمعدنية الضخمة المنتشرة على كل السواحل الخليجية ، بالإضافة إلى أن الخليج يتعرض إلى مخلفات المدن والموانئ والمحطات الحرارية لتوليد الطاقة وتحلية المياه وناقلات النفط والسفن بشكل عام ، والصيد الجائر ، كل ذلك جعل الخليج العربي أحد أكثر البحار تلوثاً في العالم ، ويصل معدل التلوث إلى أكثر من 50 مرة مقارنة مع معدل التلوث في المياه العادية (Al- Thani, Phd, P.369) 0 ورغم كل هذا الخطر البيئي الضخم الذي يهدد مياه الخليج العربي ، إلا أننا لا نرى أي تعاون يذكر ما بين دول النظام الإقليمي الخليجي ، علماً بأن هذه الثروة البحرية نحن كخليجيين جميعاً سنكون مسئولين عنها أمام الأجيال القادمة ، سواءً في إيران أو العراق أو دول مجلس التعاون الخليجي ، ويجب أن تكون هناك دراسات خليجية دقيقة تركز على كل متر مربع من المياه الخليجية0

2 السياحة

 هذا المحور لو أستغل الاستغلال الأمثل ، فمن الممكن أن يساهم في تأطير العلاقات الإيرانية العربية في الخليج العربي ، وذلك من خلال تسهيل مهمة السياحة الثقافية والترفيهية والروحية ، ففي إيران توجد معالم أثرية وتباين في مظاهر السطح مما يعطيها بيئات مناخية متناقضة ذات مواصفات خاصة ، ومدن ساحلية ، ويوجد بها مناطق روحية مثل قم ومشهد 00 إلخ 0 وفي الجانب العربي من الخليج توجد بعض المناطق الأثرية ، والمدن الساحلية ، وبعض البيئات التضاريسية مثل جبال البحر الأحمر في السعودية ، والجبل الأخضر في عُمان ، وتوجد بعض المزارات الدينية في العراق مثل النجف وكربلاء 0 وفي قمة ذلك كله توجد في الجزيرة العربية قبلة المسلمين الأولى مكة المكرمة ، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة 0

3 استراتيجية الأمن الإقليمي الخليجي

 المتتبع لهذا الطرح ، ربما يلاحظ بأن التوتر في العلاقات الخليجية خليجية من الممكن تجاوزها إذا استوعب طرفي الخليج قضيتهم الأمنية ، وبحثوا لها عن حلول جذرية ، مثلاً ألمانيا وإيطاليا كانوا يشكلون دول المحور في الحرب العالمية الثانية ، وأعدائهم المملكة المتحدة وفرنسا وبمساندة الولايات المتحدة الأمريكية يمثلون الحلفاء ، ورغم الكوارث البشرية والاقتصادية التي حدثت في الحرب المذكورة ، إلا أن الدول الأوربية الأربع المذكورة سلفاً يندرجون تحت آلية السوق الأوربية المشتركة ، والتي تصل علاقة التجارة البينية فيما بينهم إلى 65% من قيمة تجارتهم الدولية  آل ثاني ، الراية ، العدد 6948  ، والدول الأوربية والولايات المتحدة يندرجون تحت مظلة حلف شمال الأطلسي العسكري الذي يشرف على الأمن العالمي بطريقة مباشرة وغير مباشرة 0

 إذن ، إذا نظرنا إلى هذه المشكلة العالمية ، فسوف نجد بأن مشكلة مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق صغيرة جداً مقارنة معها ، ومن الممكن احتوائها ، إذا وجدت الإرادة الإقليمية الصادقة 0 ولكن حسب رأينا العلمي من خلال هذا التحليل ، لن يحدث تقارب خليجي خليجي حقيقي ، إلا بعد تسوية الخلافات الاستراتيجية القائمة ما بين الجانب العربي والفارسي في الخليج العربي وهي

1- إيجاد تسوية جذرية لقضية الجزر العربية الإماراتية ، طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى 0
2- تنسيق الأمن الإقليمي الخليجي ، مع وجود أتفاقية إقليمية لحفظ توازن التسليح الاستراتيجي في الإقليم 0
3- العمل على إيجاد آلية مناسبة لتسوية النزاع المزمن ما بين إيران والعراق من تسوية أزمة الحدود السياسية المشتركة بينهم ، وإيجاد ميكانيزم مناسب لتوزيع المجالات المكانية المائية على شط العرب ، وإيجاد آلية لحل مشكلة التحالفات المضادة التي نشأت بين البلدين بعد حرب الثمانينيات مثل وجود الحزب الإسلامي العراقي في إيران ، ووجود جماعة مجاهدي خلق الإيرانية في العراق ، وفي هذه الحالة لابد من وجود حل يستوعب المشكلة الأيديولوجية والمذهبية القائمة ما بين القطرين ، ويكون هذا الحل مشتملاً على تسوية ترضي الشعبين ، وتسهل من مهمتهم للانصهار في أوطانهم ، وتوحيد جهود الشعبين المسلمين لصالح الأمة الإسلامية ، لمواجهة الصهيونية العالمية ، والمساهمة في تحرير الأراضي العربية المغتصبة 0
4- عمل سيناريو إقليمي لأمن الخليج العربي ، تشترك فيه الثلاث كتل المعنية مباشرة ، وهي دول مجلس التعاون الخليجي ، وإيران ، والعراق ، ومقابل هذا التنسيق يبدأ الأنسحاب التدريجي للقوى العالمية من إقليم الخليج العربي ، ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وبقية حلفاءها الأوربيين ، وتقوم الكتل الإقليمية الثلاث بعمل تنسيق أمني اقتصادي عالمي ، ما بين دول هذه الكتل ، والعالم بأتفاقيات موثقة ومصدقة ومعترف بها من ضمن جميع المنظمات الإقليمية والعالمية 0

 وفي رأينا أنه لو تم ذلك بالفعل لأصبح هناك ثورة إقليمية إصلاحية في جميع المجالات ما بين إيران والدول العربية في غرب آسيا ، وهذه الثورة سوف تكون المرحلة الثانية منها هو ربط هذه الكتل الثلاث وباقي دول غرب آسيا بشبكة شرايين الحياة وذلك يمثل الطرق المعبدة ، والسكك الحديدية والأنابيب الهايدروكاربونية ، وتطوير الملاحة البحرية والجوية ، وعمل شبكة للنقل الكهربائي ، وتطوير ثورة نقل المعلومات ، وعمل شبكة لأنابيب المياه إذا وجد فائض مع أننا نشك في ذلك . 0 ولكن يبقى المحور الأساسي لنجاح دور شبكة شرايين الحياة ، وهو المشاركة الشعبية من جميع مواطني دول غرب آسيا في صناعة القرار السياسي ، وتسهيل مرور سيد الأرض الإنسان عبر الحدود السياسية لدول غرب آسيا 0 ولو نجحت دول غرب آسيا في تطوير ما يسمى بشرايين الحياة كما قال عنه الأب الروحي لعلم الجيوبوليتيكا رودلف كيلين لتمكنت هذه الدول من وضع استراتيجية لإنشاء كتلة اقتصادية متحدة 0

ثانياً  الدور المركزي لإيران في العلاقات الإقليمية مع شرق ووسط آسيا

 استطاع الإيرانيون أن يلعبوا دوراً محورياً في علاقاتهم الاستراتيجية ، مع دول شرق آسيا ، ومن أقوى الأمثتلة على إجادة إيران الإسلامية للدور الاستراتيجي ، هو عندما زار إيران رئيس وزراء الهند اتال بيهاري فاجباي إيران في أبريل 2001م ، وعلى ضوء هذه الزيارة شكلت لجنة إيرانية هندية تعمل على  دراسة نقل الغاز الإيراني إلى الهند ، وعلى أن تقوم هذه اللجنة بدراسة مد خط بري وبحري من إيران إلى الهند على أساس المناصفة بالتكلفة بين البلدين  0 هذا الخط من الممكن أن يساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي ما بين دول جنوب وجنوب شرق آسيا ، وكذلك من الممكن أن يساهم في بسط السلام والأمن في المنطقة ، وخاصة أن الباكستان ، أبدت استعدادها لاستقبال هذا الخط البالغ طوله 2500كم براً عبر الأراضي الباكستانية  0 ومن الطبيعي عندما يمر هذا الخط براً تكلفته الإنشائية سوف تنخفض بشكل كبير عن مده بحراً 0 وتوجد دراسة توضح أن تكلفة الخط المذكور براً لا تزيد على ثلاثة مليار دولار  ، وعند الفريق الباكستاني فرصة قوية للمفاوضات بحيث يوافق على مرور الخط من ضمن أراضي الباكستان بدون أن تشارك الباكستان في التكلفة الإنشائية للمشروع0 وفي نفس الوقت تستطيع الباكستان تغطية حاجتها من الطاقة ، من خلال شراء متطلباتها من هذا الأنبوب الدولي 0

 ونحن لا نستبعد أن تنجح هذه الدراسة لأن إيران تحتفظ بعلاقة جيدة مع الهند والباكستان 0 وفي الوقت نفسه الباكستان تحتاج إلى مشاريع اقتصادية ضخمة لانقاذها من الوضع الاقتصادي والسياسي المتردي ، وإن كانت هناك بوادر أمل من خلال وعود رجل الباكستان القوي الجنرال مشرف ، بإعطاء السلطة للموسسات المدنية الديمقراطية الباكستانية في 12 أكتوبر 2002م 0

 ولنجاح الحياة السياسية المدنية الديمقراطية في الباكستان لابد من قاعدة اقتصادية قوية تدعمها ، فنجد أن هناك تبادل في العلاقة ، حيث أن نجاح المشاريع الاقتصادية الباكستانية ، يتوقف على مدى استطاعة الأحزاب السياسية الباكستانية على تشكيل نفسها 0 هل ستبقى نفس الوجوه التقليدية المسيطرة على الحياة السياسية    الباكستانية ؟. مثل نواز شريف الرابطة الإسلامية ، وبنازير بوتو الشعب ، والطاف حسين المهاجرين . ، أم هل يستطيع المطبخ السياسي الباكستاني أن يبرز لاعبين     جدد ؟. مثل البروز الملاحظ الآن في الرابطة الإسلامية لكل من ميان وإعجاز الحق 00 إلخ 0

 والاستقرار السياسي في الباكستان يعتبر حجر الزاوية ، للاستقرار السياسي وتطور العلاقات الإقليمية في جنوب شرق آسيا 0

 وتطور العلاقات الباكستانية الإيرانية الذي من المؤكد بشكل أو بآخر سوف تنعكس على إخراج أفغانستان من العزلة التي تعانيها 0 وبدون حلول لهذه الأزمة الأفغانية نرى بأن هذه المنطقة ستبقى إقليم اضطرابات مزمن ، وسيكون له آثاره السلبية على جميع مناطق الحوار 0 والدليل على ذلك بأن القضية الأفغانية دُوّلتْ ، وبرز دوراً لكثير من اللاعبين المهتمين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالقضية الأفغانية، وخاصة بعد سيطرة حركة طالبان السلفية على السلطة التي تدعمها الباكستان ، ومعظم الباشتو الذين يشكلون نصف عدد سكان أفغانستان موالين لهذه الحركة 0 وذلك شكل الكثير من المخاوف على دول الجوار منها الهند والصين وروسيا ، وكذلك هناك بعض الدول متأثرين من حركة طالبان من خلال علاقاتها الفوق إقليمية مثل بعض الدول العربية ، والدول الغربية ، والولايات المتحدة الأمريكية 0 ومما زاد الأمر خطورة بأن هناك العديد من المدارس الاستراتيجية وضعت مجموعة من السيناريوهات لاحتواء حركة طالبان ، ومن الأمثلة على ذلك تحالف أفغاني ما بين الداهية الطاجيك بقيادة الداهية مسعود ، والأزوبك بزعامة دوستم ، والهزاره الشيعة ، ولكن هذا التحالف سيبقى ضعيفاً إذا لم يأخذ في الحسبان الباشتو الذين يشكلون نصف شعب أفغانستان، فإذاً المحللون يقولون لابد من إحداث شرخ داخل صفوف الباشتو وذلك بدعوة حكمة يار الباشتوي لهذا التحالف  ،  ولكن المخاوف عند دخول حكمة يار لهذا التحالف بأن تعود موازين القوى لصالح الباشتو 0 إذاً فك رموز اللعبة الأفغانية معقدة، والذي يمكن أن يساهم في حلها من ناحية إقليمية ، هو وجود استقرار سياسي واقتصادي في مناطق الجوار الأفغاني ، وخاصة الباكستان وإيران 0 وهذا الاستقرار من الطبيعي أن ينعكس على مناطق الجوار ، وسوف يسهل على إيران والباكستان والأطراف الأفغانية المتنازعة من إيجاد آلية للتفاوض لكي ترضي جميع الأطراف الأفغانية ولو نسبياً ، والأهم من ذلك هو تفاوض الأطراف المتنازعة لايجاد سلطة أفغانية تمثل جميع الفئات الشعبية الأفغانية ، وعلى أن يكون دور هذه السلطة الرئيسي هو إعادة أعمار أفغانستان وتقوية علاقاتها مع الجوار الإقليمي 0

ثالثاً  الدور المركزي لإيران في العلاقات مع وسط وشمال آسيا

 نجد عند إيران الإسلامية إمكانية للعب دوراً استراتيجياً في وسط آسيا الإسلامية ، وذلك من خلال الاستيعاب الحضاري لتركيب هذه الدول بحيث يشكل المسلمين 90% من شعب تركمانستان ، ومن حيث التركيب القومي للتركمانستان 80% من السكان تركمان وما تبقى أقليات من الأزوبك والروس والكازاخ 0 ونجد أذربيجان يمثل المسلمين فيها 93% من السكان ، ومن الناحية القومية يشكل الأذريون 90% من السكان بالإضافة إلى أقليات داغستانية وروس وأرمن ، والتركيب الحضاري للتركمان والاذريين يوضح بأن هناك علاقة تاريخية وحضارية ومكانية ما بين إيران وجوارها الشمالي ، بحيث 24% من سكان إيران من الاذريين ، و 2% من التركمان  0

 ونجد أن الدولتين التركمانية والاذرية تعيشان في مشاكل اقتصادية خانقة خاصة بعد استقلالهما من الاتحاد السوفيتي 0 وأكبر المشاكل المكانية التي تعانيها هذه الدول هو العزلة الداخلية في قلب القارة الآسيوية ، وأقرب طريق لهاتين الدولتين للاتصال بالعالم هو الاتجاه غرباً نحو البحر الأسود ، وذلك يعيدهم إلى نطاق الهيمنة الروسية ، وكذلك لمناطق نزاعات إقليمية إسلامية أرثوذوكسية ، وأذرية أرمينية 0 ونجد أن دول بحر قزوين في نفس الوقت تقول بعض المصادر بأن لديهم ثاني أكبر احتياطي للهايدروكاربون بعد دول الخليج العربي 0 وبالتالي أية إصلاحات تحدث في دول غرب آسيا ، سوف ينعكس ذلك على دول وسط آسيا ، وبالطبع المؤهل لكي يلعب الدور المركزي في هذه الحالة هو إيران الإسلامية ، وذلك من خلال ربط وسط آسيا مع إيران بشبكة شرايين الحياة التي ذكرت سلفاً التي يفترض أن تنشأ ما بين إيران وغرب آسيا0

 والذي يؤهل إيران للعب هذا الدور هو قوة العلاقات الروسية الإيرانية التي تمر في مرحلة ازدهار منذ أواخر الثمانينيات ، بحيث وافقت روسيا على تصدير أسلحة إلى إيران بقيمة 3 مليار دولار 0 والأهم من هذه الصفقة هو الناحية الاستراتيجية لهاتين الدولتين 0 فروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، أصبحت في عزلة كاملة في موقعها الشمالي من آسيا والشرقي في أوربا ، وتفجرت بالنسبة لروسيا مجموعة من المشاكل الحضارية ، ومنها الصراع الروسي الشيشاني ، وإيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979م تعاني من الحصار الأمريكي عليها 0 إذاً التلاقي الروسي الإيراني هو لقاء الفريقين المتضررين من الحصار الأمريكي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وكلاهما يبحث عن مخرج من هذا الحصار 0 فإيران من الناحية الاستراتيجية تبحث عن القوة والتقنية الروسية ، وروسيا تبحث عن الوصول إلى الحياة الدافئة في المحيط الهندي ، وأن يكون لها دور فعال في وسط آسيا ، وعلاقات تجارية قوية في آسيا 0 وهذه المصلحة المتبادلة من الممكن أن تساهم في تسوية الكثير من النزاعات في وسط القارة الآسيوية ، أو احتوائها على أقل تقدير 0 وفي هذه المرحلة يمكن أن تنشأ مناطق اقتصادية آسيوية متعددة الأقطاب مثل شمال آسيا ، ووسط آسيا ، وغرب آسيا ، وجنوب شرق آسيا 0

 وبشكل عام تطورت هذه النماذج الآسيوية أم لم تتطور مستقبلاً ، فالعلاقة التكنولوجية ما بين روسيا وإيران وصلت إلى مرحلة متطورة 0 وخاصةً في تقنية الطاقة النووية ، فنجد الروس سخروا خبراتهم لخدمة البرامج النووية الإيرانية منذ أواخر 1992م ، وفي عام 1995م بدأت روسيا مع إيران مراحل انجاز مفاعل أبو شهر الإيراني ، بحيث أرسلت روسيا 150 فنياً إلى الموقع ، و 2000 عامل روسي ، وتدريب 500 فني إيراني ، ويتوقع أن ينتهي من هذا المفاعل قريباً إنشاء اللّه ، بالرغم من وجود شكوك في قدرة روسيا من الناحية الفنية من اكمال هذا المفاعل الآن 0 وعموماً الإيرانيون ماضون في برامجهم النووية الطموحة سواءً استطاع الروس تحقيقها أو الألمان أو غيرهم 0 بحيث صرح المسئولون الإيرانيون عزمهم تأمين 20% من احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية بواسطة المفاعلات النووية في المستقبل 0

 وبالإضافة إلى ذلك هناك صفقة ضخمة بيد إيران وروسيا تصل إلى 7 مليار دولار أمريكي لدعم برامج التسليح الإيراني في الخمس سنوات القادمة  0 ومشروع الطاقة النووية الروسي الإيراني من الممكن أن تدخل من ضمنه دول مجلس التعاون الخليجي والعراق لتوفير حتى ولو 10% من الطاقة الكهربائية المولدة في الخليج بواسطة محطات نووية 0 وكذلك يمكن لدول النظام الإقليمي الخليجي وروسيا إقامة تعاون استراتيجي للمحافظة على طاقة المستقبل  الغاز الطبيعي  ، بحيث يوجد ما بينهما 5ر72% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم 0

 وكما ذكر سلفاً ذلك في حال لو تمت تسوية بين الأقطاب الآسيوية المختلفة من الناحية الحضارية ، وتقرير التعاون الاقتصادي 0 وهذا التعاون سوف يسهل على الاقطاب الآسيوية دخول العولمة ، والتعامل مع الكتل العالمية الاقتصادية مثل نافتا ومركسور والسوق الأوربية المشتركة وأسيان ، بدون حاجة إلى شرق أوسطية . 0

رابعاً  الدور المركزي الإيراني في العلاقة مع آسيا الصغرى

 الدولة المحاذية لإيران من الشمال الغربي هي تركيا ونسبة المسلمين في تركيا تصل إلى 99% من السكان ومعظمهم من المذهب السني ، وذلك عكس إيران بحيث معظم مسلميها من الشيعة 0 ولو قارنا ما بين الدولتين من الناحية الأيديولوجية لوجدنا التالي تركيا ذات نظام سياسي عسكري علماني ذو صبغة ديمقراطية ، وإيران تقع على النقيض منه فهي دولة ذات نظام ديني ديمقراطي 0 ومن حيث التحالفات الاستراتيجية، فتركيا دولة فعالة من ضمن حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة ، وإيران دولة عدو بالنسبة للولايات المتحدة وتصنفها من الدول المارقة0 ومن الناحية الاقتصادية تركيا تبذل أقصى جهد عندها لكي تدخل من ضمن منظومة السوق الأوربية المشتركة ، وإيران تبحث عن لعب دور إقليمي لإنشاء تحالفات اقتصادية 0 ومن ناحية التحالفات الإقليمية تركيا دولة لها علاقات استراتيجية مع إسرائيل ، وعلى النقيض إيران لها علاقات استراتيجية مع سوريا وحزب اللّه في جنوب لبنان 0 ومن الناحية المكانية والبشرية والحضارية ، نجد بأن الدولتين ترتبطان مع بعضهما من خلال إقليم كردستان ، الذي يوجد جزء منه في إيران والجزء الآخر في تركيا ، وما تبقى منه في العراق وسوريا 0 والأكراد يشكلون 7% من عدد سكان إيران ، و 20% من سكان تركيا  آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص 135  في منطقة ذات تضاريس معقدة 0 واتصال الدولتين من خلال كردستان يعقد من علاقاتهما أيضاً ، لأن أي تنمية مشتركة بينهما يجب أن تمر من خلال كردستان ، الذي يعتبر إقليم قلاقل مزمنة بالنسبة لتركيا 0 وخلال هذا العرض فإن تطوير علاقات جيوبوليتيكية ما بين دول غرب آسيا ، وآسيا الصغرى أمر يشوبه الكثير من الغيوم الاستراتيجية ، ولكن لو نجحت دول غرب آسيا في خلق نظام خاص بها مثل ما نجح الأوربيين والأمريكان والشرق الأقصى ، فبكل تأكيد فإن تركيا من الناحية المكانية سوف تبحث لها عن دور في غرب آسيا . 0

 وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

المراجـع

1- آل ثاني ، فهد ، دراسات في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا ، عمان ، دار وائل للنشر، 2000م 0
2- آل ثاني ، فهد ، استراتيجية التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي ، دار الشرق للنشر والتوزيع ، الدوحة ، 2001م 0
3- الأهرام ، مركز الدراسات الاستراتيجية ، العدد الثامن ، القاهرة ، مارس 2001م 0
4- جريدة الراية القطرية ، العدد ، 6760 ، 6763 ، 6904 ، 6948 0
5- جريدة الوطن القطرية ، العدد 2067 0
6- رياض ، محمد ، الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا ، بيروت ، دار النهضة العربية ، الطبعة الثانية ، 1979م 0
7- عبد اللّه ، حسين ، مستقبل النفط العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، نوفمبر 2000م 0
8- قناة الجزيرة ، أكثر من رأي ، 18،5،2001م 0
9- ق ن أ طهران 13،4،2001م 0
10- مجلة الوسط ، لندن ، العدد 480 ، 484 ، 485 0
11- The Era of Construction, Vol II, Nashr-e- Kelid, 1997.
21- Al-Thani, F, The Spatial Impact of the Hydrocarbon Industry on Land and Sea use in Qatar, University of Durham, 1992.
31- The Military Blance, The International Institute for Strategic Studies, Oxford University Press, 1999/2000.
41- The Times Atlas of the World, Times Book, London, 1998.

جدول 1
المؤشر الاستراتيجي لتوازن القوى في إقليم الخليج العربي

  عدد السكان عدد أفراد نسبة احتياطي نسبة احتياطي قيمة الناتج نصيب الفرد من مجموع الديون
الدولة  القوات المسلحة  النفط من  الغاز الطبيعي الحالي الناتج المحلي
بالمليون الآن العالم من العالم بليون دولار بالدولار بليون دولار
باكستان 144 600 – – 62 400ر2

31 إيران 73 550 9% 16% 89 300ر5 6ر20  4% أجانب
دول مجلس 277 252 46% 5ر15% 238 333ر12 59 التعاون 50% أجانب
الخليجي تقريباً
العراق 24 429 10% 2% 19 826 23 أفغانستان 24 – – – 7ر1 700 2ر6
أذربيجان 3ر7 70 – – 2ر4 800ر1 7ر
تركمنستان 5 19 – – 2ر4 2000 6ر2

المصدر  The International Institue for Strategic Studies, The Militmz Balmce, 1999, 2000.
ملاحظة
1- اعتمدت هذه المؤشرات لأن معدل النمو والتضخم لا تكون صورته واضحة في هذه الدول ، إلا أن كل هذه الدول تعاني من عجز في ميزانياتها ، وتعتمد على التمويل بالعجز 0
2- جميع هذه الدول تعاني من مشكلة الأقليات 0
3- دول وسط آسيا تمتلك احتياطيات ضخمة من الهايدروكاربون ، ولكن لم يسلط عليه الضوء الكافي بسبب أن الهايدروكاربون مازال في تلك الأقاليم في مرحلة الاستثمار ، ومازالت المنطقة تعاني من اضطرابات استراتيجية 0
4- جملة الاتحاد السوفيتي السابق من احتياطيات الغاز الطبيعي تبلغ 39% من الاحتياطي العالمي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *