بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
عندما نقول ثورة ، هذا المصطلح يرمز بأن هناك مجموعة تحمل فكر إصلاحي للمجتمع 0 وفي الطرف النقيض هناك المتضررة مصالحهم من هذه الثورة على المستوى
المحلي والإقليمي والعالمي ، ويعتبرونها زوبعة في فنجان ، يصحبها أسلوب ديماغوجي يلهب مشاعر الجماهير ، وبعد ذلك تقوم هذه الثورة بإمتصاص وإهلاك جميع ثروات الأمة المعنوية
والمادية 0
وهذا التشكيك لم تسلم منه ولا ثورة في الشرق الأوسط ، فالحركة السلفية الإصلاحية المباركة التي انطلقت نواتها من الجزيرة العربية في بداية القرن الثامن عشر الميلادي
لقيت من المدح والذم ما يخجل أي شخصٌ عاقل من ذكره ، ونفس هذا الاعتداء الآثم لقيته الثورة الإسلامية في إيران 0 وكذلك الثورة العربية الكبرى 0
والأغرب من ذلك كله لم تسلم حتى الثورات القومية العلمانية من الأعتداء والتشكيك ، مثل التيار القومي التركي بقيادة أتاتورك ، والحركة القومية الناصرية بقيادة جمال عبد
الناصر ، والبعث العربي ، وثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا 00إلخ0
ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن هذه الثورة أو تلك ، وإنما ضد كيل الاتهامات لهذه الثورات دون دليل مادي محسوس 0
والمفزع في هذا الأمر بأن معظم المهاجمين لهذه الأنظمة وجدوا ضالتهم في بروتوكولات حكماء صهيون ، وأكثر ما نخشاه بأن المعارضين لهذه الأنظمة بدل من أن يجدوا
حلولاً للتخلص من هذه الأنظمة ، أن تصبح البروتوكولات متسلطة على أذهانهم، وذلك سيؤدي إلى استسلامهم لهذه الأنظمة ، وكأن الأمر محسوم عالمياً ومن سابع المستحيلات مقاومته 0
فنجد البروتوكولات تقول ( أن الحكام الذين نختارهم نحن من الشعب ، بحسب عبوديتهم لنا ، وعلى شرط أن لا يكونوا على شيء من المعرفة بأمور الدولة فيغدون بسهولة
بيادق في لعبتنا ، بيد علمائنا ومستشارينا العقلاء أصحاب الاختصاص المدربين منذ نعومة أظفارهم على حكومة العالم ) ( بروتوكولات ص 40 ) 0
ويقول البروتوكول ( الرؤساء يكون ماضيهم مربوطاً بفضيحة ما ، ليكونوا أوفياء في تنفيذ أوامرنا خوفاً من أن يفتضح أمرهم ) ( بروتوكولات ص 1 ) 0
ويقول البروتوكول ( علينا أن نختار من أفراد الشعب رجالاً للإدارة من الأذلاء الذين لم يكتسبوا الخبرة في شئون الحكم ، وسيكون من السهل أن نجعلهم كقطع الشطرنج ) 0
ويرى د0 الصايغ : ” من الواضح أن اليهود قد نجحوا في تنفيذ هذا البند ، فمن المستحيل أن يتخطى سدة الحكم من هو ليس موالياً لليهود ، ويحرص على مصالحهم ،
ويكون موالياً لهم أكثر من موالاة اليهود لأنفسهم ” ( الخليج العدد 8511 ) 0
وترى البروتوكولات ( لابد من القضاء على السواد الأعظم من الطاقات الشعبية الشابة ) ذكوراً وإناثاً ( بالخمور والمخدرات والرذيلة بشتى أنواعها ، وتهميش جميع
الطاقات الاجتماعية الذكية ، وعدم ترك أية فرصة تسنح لحرقهم إجتماعياً ، وأن تطلب الأمر فلا مانع من تصفيتهم جسدياً ) ( بروتوكولات ص 58 ) 0
وترى البروتوكولات ( بأنه بعد السيطرة على المؤسسات الحاكمة ، والقضاء على جميع الطاقات الإجتماعية الفعالة ، فستصبح الشعوب ” الشعوب هم الكويم ، والمقصود أي
إنسان غير يهودي ” ، أشبه بقطيع من الخراف ونحن الذئاب ، ولا يخفى عليكم حينما تدخل الذئاب الحظائر ) ( بروتوكولات ص 75 ) 0
ونجد بأن هناك آراء معارضة لهذه النظرية وتقول : بأن بروتوكولات حكماء صهيون يقال أنها كتبت عام 1897م في بازل بسويسرا ، ونوقشت بالتعاون مع الماسونيين
الأحرار والليبراليين والعلمانيين والملحدين ، لإقامة أمبراطورية عالمية تخضع لسلطان اليهود ، وتديرها حكومة عالمية يكون مقرها القدس 0 ويبلغ عدد هذه البروتوكولات (24) بروتوكولاً
، ونشرت في عام 1905م ( المسيري ص 14 ) 0
والرأي السائد الآن في الأوساط العلمية التي قامت بدراسة البروتوكولات دراسة علمية متعمقة ، هو أن البروتوكولات وثيقة مزورة ، استفاد كاتبها من كتيب فرنسي كتبه
صحفي يدعى موريس جولي يسخر من نابليون الثالث ، بعنوان حوار في الجحيم بين مكيافيللي ومونتسيكو ، نشر في بروكسل عام 1864م ، فتحول الحوار إلى مؤتمر، وتحول الفيلسوف
إلى حكماء صهيون ( المسيري ص 15 ) 0
ويرى المعارضون لنظرية البروتوكولات بأنه مما عزز فكرة حكومة العالم الخفية ، هو الصراع الذي حدث ما بين الأيديولوجتين العالميتين لقيادة العالم الرأسمالية
والاشتراكية في القرن العشرين الميلادي ، ونجد أن من أهم رموز هذا الصراع العالمي ، وقبل انطلاقه في القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين ، دوتشليد الشهير : رمزاً للارتباط
العضوي بين اليهود والرأسمالية ( فيتش ص 139 ) ، وماركس رمزاً للارتباط العضوي أيضاً بين اليهود والاشتراكية 0 ولذا كان من الممكن تفسير كل شيء بالرجوع إلى مقولة اليد الخفية
0
ويرى د0 المسيري : سواءً كان هذا الرأي الأخير صحيحاً أم كاذباً ، فإن ترويج البروتوكولات يخدم المصالح الصهيونية من الناحية العملية 0
ويتم الآن في الشرق الأوسط ، تداول كم هائل من الكتابات مثل : أحجار رقعة الشطرنج واليد الخفية والبروتوكولات نفسها 00 إلخ 0
ويرى د0 المسيري أيضاً : بأن البروتوكولات هدفها إشاعة الخوف من اليهود والصهيونية بتبني رؤية بروتوكولية تنسب إلى اليهود قوة عجائبية 0 ويساهم بعض أعضاء
النخب الحاكم في الترويج لهذه البروتوكولات لتبرير العجز العربي والتخاذل أمام العدو الصهيوني 0 وقد أثبتت الانتفاضة الفلسطينية أن اليهود بشر وأنه يمكن إلحاق الأذى بهم وهزيمتهم ،
وأنهم يهاجمون عدوهم كالصقور حينما تسنح لهم الفرصة ثم يفرون كالدجاج حينما يدركون مدى اصراره ( المسيري ص 21 ) 0
ونستطيع أن نضيف إلى ذلك الخروج المذل لإسرائىل من جنوب لبنان بواسطة مجموعة من الثوار ينقصهم جميع أنواع العتاد العسكري ، ويملكون العزيمة والإصرار
والعقيدة على دحر عدو اللّه وعدوهم 0
أما بالنسبة لنا فلن نرى في النظرية الجديدة المذكورة أية شيء جديد ، فهناك مدرستين سياسيتين ، الأولى تتبنى التخطيط والإصلاح السياسي حسب الأيديولوجية التي
ينتمون إليها ، ودائماً مدرسة الإصلاح السياسي رموزها يفرضون أنفسهم بطريقة تلقائية ، مثلاً الشيخ محمد بن عبد الوهاب طيب اللّه ثراه قبل ثلاثة قرون من الزمن ، وتاريخنا الحديث
والمعاصر مثل : غاندي في الهند ، ومانديلا في جنوب أفريقيا ، والإمام آية اللّه خميني ، والشيخ أسامة بن لادن بالنسبة لأتباعه في كهوف أفغانستان، ويشتهر عن هذه المدرسة الإيثارية
الكاملة والفناء من أجل الهدف 0
والمدرسة الثانية مدرسة صناعة الرموز ، وهي مدرسة مصنوعة ومركبة ، وبالنسبة لها تتبع منهج الميكيافيللي ( الغاية تبررها الوسيلة ) أي مدرسة متقلبة ومتلونة حسب
فصول الزمن السياسية ، والمهتمين بذلك يمكنهم العودة إلى ما خلفه العهد الأغريقي ، والروماني ، والبابوي ، والدولة الإسلامية في عهد الحكام الضعاف 0 أي بمعنى آخر ما توفر لدينا
من البروتوكولات توضح لنا بأنها تجميع لخطط مدرسة صناعة الرموز (الفساد السياسي) جمعت وأطلق عليها بروتوكولات حكماء صهيون 0
ولنا مجموعة من الآراء منشورة لمدرسة صناعة الرموز وهي : مثلاً تقوم وسائل الإعلام أحياناً بإعطاء الشهرة لمن لا يستحقها ، إذ تقوم بالتركيز على شخصية سياسية أو
فنية ، أو صحفية ، أو اجتماعية أو رياضية 00 إلخ ، وهذا كله يخلق تسلطاً ونفوذاً على عقول البشر ، ويزداد ذلك التسلط والنفوذ على العقول البشرية ، كلما زادت قوة شخصية صاحبه ،
خاصةً إذا كان المقابل له منخفضاً من ناحية التعليم والخبرة ( آل ثاني ، الوطن العدد 1639 ) 0
وكذلك أوضحنا دور السلطة في عملية الردع المعنوي : إذا أردت أن تقتل المصداقية في أي إجتماع فكري أو ربما يبحث عن نوع من السرية ، لمح للأشخاص بأن هناك نوعاً
من الرقابة على هذا الاجتماع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وانظر ماذا يحدث ؟ 0
أو ربما أسهل من ذلك عندما تريد أن تشوه صورة شخص له قدسية واحترام معين أمام مجموعته أطلق عليه وصف عميل 0 وانظر ما أقسى ردة الفعل عليه ، وربما هذا
السلاح ، وهو اليد الخفية يستعمل أحد الثوار ضد أحد الرفاق فيقوم فيتهمه بأنه عميل ويقوم باقي الرفاق بتصفيته جسدياً ، وخاصةً إذا لفق الاتهام له بإحكام وأرتبط بقرينة قوية ، ومن هنا
أستخدم مصطلح قوي في الثورات للدلالة على المتعصبين المؤمنين بأهدافها يقدمون الغالي والنفيس لها ، أما الإنتهازيون فإنهم غالباً ما يجنون ثمارها ( آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص
107 ، 108 ( 0
ومن هنا لا أستطيع أن أجزم بأنه توجد بالفعل للعالم حكومةً خفية أم لا توجد ، ولكن ما أستطيع أن أؤكده للقارئ المحترم ، بأنه بالفعل تقوم الأمم المنتصرة بالتخطيط السياسي
للأمم المغلوبة ، وقدمنا لكم أمثلة كثيرة في مواضيع سابقة ، وكذلك لفت نظرنا مثال في التخطيط السياسي قدمه أخيراً الأستاذ هويدي وهو : أسلوب إعادة تأهيل اليابان بعد هزيمتها في
الحرب العالمية الثانية 0 تولى الجنرال مارك آرثر قائد قوات الاحتلال الأمريكية ، مهمة إعادة اليابان سياسياً واقتصادياً ، فتم إجراء انتخابات ديمقراطية ، فاز فيها الحزب الليبرالي الذي
كانت قيادته رهن إشارة الجنرال آرثر ، وبالتالي وافق الحزب الليبرالي على وضع اليابان تحت الحماية العسكرية الأمريكية ، وأعد الحزب دستور جديد نص على رفض اليابان إلى الأبد
الحرب كحق من حقوق السيادة للأمة 0 الأمر الذي أدى إلى تسريح القوات المسلحة وتجريد اليابان من السلاح، كما تم اصدار قانون زراعي لتفتيت سلطات العائلات الاقطاعية ، ثم جرى
تفتيت الشركات الصناعية الكبرى باعتبارها مسؤولية على التوسع الياباني 0 وكذلك تولت الولايات المتحدة دور تحديد النظام التعليمي ، ومثله النظام الاقتصادي ( الخليج العدد 8507 )
راجع آل ثاني ، العالم الإسلامي ص 231 – 235 .
وفي الختام قلنا لا نستطيع أن نتفق مع نظرية حكومة العالم الخفية على إطلاقه ، وكذلك لا نستطيع أن ننكر بأن هناك ظلم وفساد في العالم العربي والإسلامي أصبحت جميع
الشعوب ترفضه ، وأقوى مثال على ذلك : استطلاع الرأي لمعرفة شعبية الشيخ أسامة بن لادن إذا كان بطل أو مجرم ، والذي أجرته صحيفة الرأي الكويتية على عينة تشتمل على (15500)
شخص كويتي ، علماً بأن عدد مواطني الكويت لا يتجاوزون نصف مليون نسمة تقريباً ، أي أن هذه العينة تشتمل على 3% من مواطنين الكويت ، وأنا بدوري كأستاذ جامعي وكشخص
متخصص أقول لكم إذا كانت العينة عشوائية ، وتشتمل على 3% من مواطني الكويت فإنها قوية بدرجة جيد جداً 0 وكانت نتيجة هذه العينة 75% ترى بأن أسامة بطل ، و 19% ترى بأن
أسامة مجرم ، و 6% لا أدري 0 وربما هذه العينة مفاجئة للبعض لأنها جاءت من الكويت ، والكويت هي الدولة التي حررتها الولايات المتحدة من الاحتلال العراقي ، وأسامة يعتبر العدو
الأول لأمريكا ، فكان من المتوقع بأن نسبة كبيرة تتحفظ أو تكون في صف أمريكا 0
ولأننا لا نستطيع أن ننكر بأن الكويت أكثر الدول العربية من حيث الممارسة الديمقراطية والليبرالية وحرية الرأي 0 وأخيراً لأن الكويت هي رائدة المنطقة في التنمية الحديثة
، بل نحن ومجموعة من الزملاء الباحثين نطلق على التنمية الخليجية النموذج الكويتي 0
والسؤال الذي يطرح نفسه لو أجري هذا الاستطلاع في الدول العربية والإسلامية الأخرى ، ما هي النتيجة التي تتوقعونها ؟ 0
سوف أريحكم وأقول لكم التالي : قمنا بمناقشة وحوار مفكرين ومثقفين يحملون الجنسيات والأيديولوجيات المختلفة مثلاً : ليبراليين ، وبعثيين ، وقوميين واشتراكيين
وإسلاميين بمختلف الأطياف ، وأكاد أن أقول لكم بأن 99% منهم يرون بأن أسامة بطل، والسبب في ذلك ليس إن أسامة اعتدى على أمريكا ، وليس لأن أسامة من المسلمين السلفيين
المتشددين ، ولكن الاتفاق على أن أسامة صاحب مبدأ وإيثاري للوصول إلى هدفه 0
أما السبب الرئيسي في تأييد أسامة هو الأوضاع الرديئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المنطقة العربية والإسلامية ، وذلك أعطى جميع القطاعات الشعبية
بمختلف أطيافها درجة كبيرة من التشاؤم من أوضاعنا الحالية 0 وهذه الخلاصة نقدمها إلى مستشارين وبطانة السلطات في العالمين العربي والإسلامي راجياً منهم عمل التخطيط السياسي
المناسب الذي يفيق الأمة من سباتها 0
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،