بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
الحرب المسماه بحرب تحرير العراق ، نرى أن من أهدافها الرئيسية ، كما ذكرنا كثيراً من خلال وسائل إعلامية ، ومناسبات علمية ، هو التالي :
أ – أمن إسرائيل ، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى 0
ب – تغيير المجال الجيوسياسي للشرق الأوسط 0
ج – السيطرة الجيواستراتيجية على قلب العالم ، وعلى موارد الطاقة ، وذلك يعطي الولايات المتحدة عنصرين رئيسيين هما :
1- السيطرة على جميع مجالات الحركة في العالم القديم 0
2- السيطرة على معظم موارد الطاقة 0
ونتيجة ذلك سيحافظ على هيمنة الولايات المتحدة الأحادية على العالم بطريقة تلقائية ربما تصل إلى خمسة عقود من الزمان 0
د – تنشيط الاقتصاد الأمريكي وإخراجه من الركود على المدى القصير 0
النقطة الأخيرة هي حجر الزاوية التي يدور حولها هذا الموضوع ، وبالطبع ذلك ليس بغريباً ، فأحد عوامل قيام الحرب العالمية الثانية هو الركود الاقتصادي الأمريكي في عام 1929م ، وتلى ذلك الركود شبه إنهيار للاقتصاد الأمريكي والعالمي 0
وكأن التاريخ يعيد نفسه ، فبعد الحرب الباردة كانت المحاولات الأمريكية لعولمة العالم بطرق سلمية ، أو ربما بطرق تستخدم فيها الجزرة أكثر من العصا 0 ولكن بعد أن فشلت برامج العولمة ما بين 1991م – 1998م ، بدأ العالم الصناعي وخاصةً أمريكا ، تعاني من ركود كبير ، وانعكس ذلك على عدة مؤشرات اقتصادية منها : العجز المزمن في الميزان التجاري ، وانخفاض النمو في الناتج المحلي إلى أقل من 1%، وارتفاع معدل البطالة ، وانعكس ذلك على خسائر فادحة على كبرى الشركات الأمريكية المساهمة ، كما سيوضح لاحقاً 0
إذاً الأزمة الاقتصادية موجودة أصلاً قبل أحداث 11 سبتمبر 2001م ؛ والدليل على ذلك أن الإدارة الأمريكية حاولت تقديم مجموعة من الحلول للخروج من هذه الأزمة، وبالنسبة لنا كشرق أوسطيين ، ربما نتذكر جيداً الهبوط الكبير الذي أصاب أسعار النفط ، وأكثر وضوحاً التأرجح الذي أصاب أسعار النفط صعوداً وهبوطاً ، وأوضحنا ذلك من خلال دراسة نشرت لنا في مجلة المستقبل العربي ، الكيفية التي يستطيع بها الأمريكان التحكم في أسعار النفط ، وذلك لتنشيط العرض والطلب الكلي في الأسواق العالمية ( راجع آل ثاني ، فهد ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 275 ) 0
وبعد فشل استراتيجية الجزرة ، اتجه الأمريكان إلى استراتيجية العصا ، وهنا آراء كثيرة تتهم الإدارة الأمريكية بأنها عندما تريد استخدام استراتيجية العصا ، فسوف تجد بأن معظم شرائح الرأي العام الأمريكي يقف ضد الحرب ، إلا عندما يكون هناك تهديد للأمن القومي الأمريكي 0
إذاً لمحاولة اقناع الرأي العام لأهمية استراتيجية العصا ، لابد من إحداث كارثة محلية ، حتى يضغط الرأي العام الأمريكي على إدارته ، لأستخدام جميع الأساليب القمعية ، من جميع البؤر المارقة في العالم ، والأمثلة على ذلك :
1- الشعب الأمريكي كان يؤثر مبدأ العزلة ، أي عزل أمريكا عن مشاكل العالم القديم ، وبالتالي كان الرأي العام الأمريكي ضد التدخل الأمريكي المباشر في الحرب العالمية الثانية ، ولكن الاستراتيجيين الأمريكان كانوا يرون أنه إذا لم تتدخل أمريكا في هذه الحرب مباشرةً ، وتحدد مسارها ، فلن تصبح أمريكا قوة عالمية ، كما تخطط لها مدارسها الاستراتيجية 0
والمثال هنا لنظرية الكارثة ، كذريعة لكسب الرأي العام الأمريكي ، على تحريض حكومته للدخول في الحرب العالمية الثانية ، هو احداث بيرل هاربر : فالرئيس الأمريكي يعلم أن اليابان على وشك أن تشن هجوماً عسكرياً على الولايات المتحدة ، وذلك من خلال اختراق الشفرة السرية للبرقيات ؛ المرسلة من وزارة الخارجية اليابانية ، إلى السفارة اليابانية في واشنطن 0 بل أن السفير الأمريكي لدى اليابان جوزيف جرو ، توقع أن يكون الهجوم الياباني على بيرل هاربر بالتحديد 0 فيرى بعض المخططين الاستراتيجيين بأن الولايات المتحدة سعت لدفع اليابان إلى مهاجمتها كمبرر لدخول الحرب في الجبهة الأوربية ، وكأداة للتغلب على معارضة الرأي العام الأمريكي لدخول الحرب ( سليم ، ص 461 )0
2- غزوة نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر يقال أن هناك مصادر أمنية أمريكية كثيرة ، كانت على علم بالمخطط لعملية سبتمبر ، وربما سيستغرب البعض ، بأن حتى معظم الأسماء القيادية في غزوة سبتمبر كانت معروفة ، وجميع اتصالاتها كانت مراقبة بدقة ، ولكن حدث ما حدث في 11 سبتمبر 2001م 0
ونود أن نوضح هنا بأن الرأي العام الأمريكي قبل أحداث سبتمبر كان معظمه يقف ضد استخدام القوة ، بل حتى ضد سياسة التسلح الأمريكية 0 ولكن بعد أحداث سبتمبر ، أصبح الرأي العام الأمريكي بنسبة 85% يدعم حكومته بشن حرب ضد الأوغاد المارقين 0
نتائج غض الطرف لحدوث كارثة ، من الصعب على ذهن الإنسان العادي تصديقها ، ولكن من الجهة الأخرى ، عندما تنظر للمصالح الاستراتيجية الكبرى التي تحققها أمريكا على المستوى الكوني ، تجعل الإنسان يدور حول قرنية كبرى ، ومن الممكن حدوثها 0
فياعزيزي القارئ ، أحداث بيرل هاربر اعطت الولايات المتحدة الحق في التدخل في الحرب العالمية الثانية ، بطريقة مباشرة ، وذلك أخرجها من مبدأ العزلة ، وأصبحت بعد ذلك دولة عالمية ، وورثت معظم المستعمرات الأوربية في العالم القديم والحديث 0 أما أحداث سبتمبر فاعطت الولايات المتحدة الشرعية لدك العالم الإسلامي كيفما تشاء، ومتى تشاء ، ويدعمها في ذلك أكثر من 80% من الرأي العام الأمريكي 0
والنتائج المتحققة في غزو أفغانستان استطاعت الجيوبوليتيكا الأمريكية أن تتدخل مكانياً في آسيا الوسطى ، وهذا يعطيها تحقيق ثلاثة عناصر ؛ الأول : السيطرة المباشرة على 15% من احتياطيات النفط في العالم 0 والثاني : ممر استراتيجي للنفط في جنوب شرق آسيا 0 وأخيراً : الاحتواء الكامل للحلم الروسي عندما يستعيد عافيته ويريد التوسع مكانياً مرةً أخرى ، وخاصة بأنه محتوى أيضاً في جنوب وشرق أوربا بواسطة أمريكا 0
إذاً الخسائر التي حدثت لأمريكا من نظريات غض الطرف ، لا تساوي ذرة من تراب في المحيط الهادي مقابل مكاسبها 0 وفي النهاية هذه هي السياسة أقذر طبخة في العالم 0
عموماً حرب تحرير العراق أسبابها ظاهرياً نزع أسلحة الدمار الشامل الغير موجودة في العراق أصلاً ، والذريعة الثانية هي تغيير السلطة في العراق ، وفي الحقيقة لا هذا ولا ذاك ، وإنما حرب العراق مذكورة أسبابها سلفاً ، ومن هذه الأسباب تنشيط الاقتصاد الأمريكي بعد أن شارف على الإنهيار ، والدليل على ذلك الإنهيار الذي أصاب كبريات الشركات الأمريكية في عام 2002م مثل : ازون ، وورلدووت ، وتيكو ، وزيروكس ، وخسائر وول ستريت في شهر يوليو 2002م ، فقد وصلت 7 مليارات دولار ، بسبب الهبوط الحاد في أسعار الأسهم آل ثاني ، سايكس بيكو ، 2002م 0
ونجد أن حتى الصحافة الأمريكية تتهم الإدارة الأمريكية بأن حرب العراق ، هي حرباً اقتصادية في المقام الأول ، فتقول صحيفة نيويورك تايمز في 16 مارس بأن شركة كلير شانيل كوميونيكا شنز قد مولت مظاهرات مؤيدة للحرب على العراق في كلٌ من ماساشوستس وسان فرانسيسكو وبوسطن ، واشترك فيها آلاف 0 وتعقب الصحيفة قائلةً بأن هذا التمويل لا يعد شيئاً يذكر بالمقارنة مع الأرباح التي ستجنيها الشركة عندما تسند إليها إعادة إعمار الراديو والتليفزيون العراقي 0 الأهرام العربي ، العدد 315 ، ص 50 0
وهنا نوضح بأن أرباح الشركات في إعادة إعمار العراق سوف تكون أرباحاً فلكية 0 فأرباح الشركات التي ساهمت في إعمار الكويت بعد كارثة أغسطس 1990م ، كانت أكثر من 150% ، فالكلفة النهائية لإعادة إعمار الكويت كانت 60 مليار دولار ، رغم ما تم تدميره كان 23 مليار دولار فقط ، ونالت الولايات المتحدة 53% من إجمالي العقود الأهرام العربي ، العدد 315 ، ص 48 0
ومن أقوى الأدلة على أن هذه الحرب هي حرب لتوزيع الصفقات ، هو أن معظم متخذي القرار في الإدارة الأمريكية في حرب العراق ، توجد لهم علاقة مع كبريات شركات النفط ، والخدمات الأمريكية ، فمثلاً :
بوش الأب في مجموعة كارلايل ، ومندوبها في أوربا هو جون ميجور رئيس الوزراء السابق في بريطانيا ، وهنا عليكم تلمس ربما أسباب الدعم الشبه الكلي للمعارضة البريطانية المحافظين ، لرئيس الحكومة البريطانية بلير في شن الحرب على العراق ، علماً بأن نسبة كبرى من حزب بلير العمال كانوا يقفون ضد الحرب ، وهذا يعتبر من العجائب في تاريخ الديمقراطية الأوربية 0
وديك تشيني عمل كمدير لشركة هاليبرتون النفطية العالمية ، ورايس في شركة شيفرون للنفط ، وريتشارد بيرل في شركة جلوبال كروستيدج وكذلك منصب كبير في شركة اتونومي البيرطانية 00 إلخ الأهرام العربي ، العدد 315 ، ص 38 0
ربما كان من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها النظام العراقي ، هو التفاوض على عقود النفط والصيانة مع الشركات الفرنسية والروسية والصينية في مرحلة التسعينيات ، دون مراعاةً لميزان القوة ، لأن القوى التي ورطت العراق في حرب الخليج الأولى ، وحرب الخليج الثانية كما نعتقد ويعتقد الكثيرون 0 وكذلك ساهمت في هدم البنية التحتية العراقية بشكل كبير في عام 1991م ، علماً بأن تحطيم البنية التحتية العراقية لا يوجد له علاقةً بتحرير الكويت 0 كانت تتوقع هذه القوى أن تعود شركاتها بعد الحرب لتوقيع العقود مع العراق لإصلاح ما هدمته الحرب ، ولكن الآن سبق السيف العذل 0
فلو تركت الولايات المتحدة الأمريكية العراق توقع العقود مع كلاً من : فرنسا وروسيا والصين 00 إلخ 0 فما هو إذاً مصير كبريات الشركات الأمريكية في الخدمات مثل بكتل ، وفلور جروب ، كيلوج براون اندروت ، وبار سونز جروب 00 إلخ 0
من أقوى الملاحظات خلال الحرب هو السعي البريطاني الحثيث لكي تحصل على حصتها من العقود لإعمار العراق قبل أن تنتهي الحرب ، ويدعم هذا السعي حملة سياسية وإعلامية ، ويعود ذلك لأن بريطانيا خرجت خالية الوفاض اقتصادياً في حرب الخليج الأولى ، وبالتالي في هذه الحرب هناك اصرار بريطاني كبير على الحصول على نسبة كبيرة من الكعكة العراقية 0
وفي الختام إذا استطاعت أمريكا تسيطر على العراق فذلك يعطيها السيطرة على 10% من احتياطيات النفط العالمية ونضيف إلى ذلك 45% احتياطيات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي ، و 15% في وسط آسيا ، و 10% الاحتياطيات الأمريكية المباشرة ، ومجموع ذلك 80% من الاحتياطيات العالمية من النفط ، وأما 20% من الاحتياطيات النفطية في العالم لابد لها من البحث عن استرضاء أمريكا لكي تجد لها وضع قدم في السوق العالمية ، أي بمعنى آخر الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على 100% من احتياطيات النفط في العالم ، وهذه الطاقة مساهمتها أكثر من 70% من جملة الطاقة المستخدمة في العالم يومياً 0
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،