المصلحة وفن اللعبة السياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

تحدثنا كثيراً ، وكذلك تحدث الكثير من زملاءنا عن فن صياغة المصلحة في كل لعبة سياسية تريد أية دولة في العالم لعبها ، أو الوساطة فيها ، أو حضور اجتماعاتها، أو

حتى في عملية الامتناع عن التصويت عليها سواءً بالإيجاب أو السلب، وخاصةً في المنظمة الدولية  0 وربما المتابع إلى لعبة شد الحبل ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في

مجلس الأمن يجد بأن الصين إذا أرادت رفع عقوبات اقتصادية عنها أو بعض التسهيلات من الولايات المتحدة ، دائماً تستخدم مبدأ ” أزمة عند البعض تساوي فرصة للآخرين ”  ، فعندما

تكون الولايات المتحدة في أزمة دولية وتريد اصدار مشروع قرار يجيز لها استخدام جميع قواها بما فيها آلاتها القمعية الأمبريالية الفتاكة للوصول إلى أهدافها  ، في هذه اللحظة تتم

مفاوضات تحت الطاولة ما بين الولايات المتحدة والصين ، على أن تقدم الولايات المتحدة بعض التسهيلات للصين أو ترفع عنها بعض العقوبات مثل ( العقوبة التي تعرضت لها الصين

بسبب القمع الدموي لطلابها في ساحة تيانا نمين ) كيسنجر ص 139 ( مقابل أن تمتنع الصين عن التصويت ضد القرار سواءً بالإيجاب أو السلب 00 في هذه الحالة يستطيع كلا من

الطرفين تحقيق مصلحته من خلال اللعبة الدولية  0

ولقراءة مفهوم المصلحة واللعبة السياسية ، ربما كان من الأسئلة المدهشة التي القاها أحد الصحفيين على البارونة مارجريت تاتشر أحد أبرز السياسيين المحافظين في

النصف الأخير من القرن العشرين  0 وكان فحوى السؤال يدور حول التالي : بعد أن احتل العراق الكويت في أغسطس عام 1990م ، كان موقف تاتشر عنيف بشكل كلي ضد العراق  فسألها

أحد الصحفيين على ما نذكر بإنك قلتي في فترة الحرب العراقية الإيرانية في الفترة ما بين 1980م – 1988م بأن العراق حليف للمملكة المتحدة في هذه الحرب ، وبعد أن اعتدى صدام على

الكويت قلتي بأن صدام أكبر عدو للمملكة المتحدة وللإنسانية جمعاء ؟  0

فقالت البارونة تاتشر When talk politics, we talk about our Intrest my dear   وترجمة ذلك يعني ” عندما نتكلم في السياسة ، نتكلم أين توجد مصالحنا يا

عزيزي ”  0

هناك الكثير من النماذج في القرن التاسع عشر عن مبدأ المصلحة في اللعبة السياسية وهي تمثل التالي :

1- مملكة سردينا دخلت حرب القرم ضد روسيا لكي تحصل على تعاطف بريطانيا وفرنسا ( سليم ص 117 ) 0
2- روسيا رغم العداء الكامن بينها وبين بريطانيا ، ولكن لكي تتحقق مصلحة روسيا في آسيا الصغرى ، عرضت على بريطانيا في عام 1853م تقسيم الدولة العثمانية ، بحيث

تأخذ روسيا البسفور وتحتل الآستانة مؤقتاً ، بينما تأخذ بريطانيا مصر وجزيرتي قبرص وكريت ( سليم ص 112 ) 0
3- سؤال دائماً يطرح في الفلسفة السياسية : إذا كان من المفهوم سبب تدخل بريطانيا في الحرب الروسية العثمانية، فما الذي دفع فرنسا إلى التدخل في تلك القضية؟

الإجابة : لأن مصلحة فرنسا ستتضرر ، فروسيا كانت تريد انهاء امتيازات الرهبان الكاثوليك في فلسطين وهم يتبعون فرنسا ( سليم ص 113 ) 0

أما بالنسبة لهذا العصر فتوجد دولة كونية واحدة ، ولكي تحافظ على هذه المكانة، فعليها أن تستخدم جميع أوراق اللعبة للمحافظة على مصلحتها سواءً كانت اقتصادية ، أو

سياسية ، أو حتى لو كانت عسكرية مثل ما قال بوش الابن في خطاب حال الاتحاد 2003 بأنه سيستخدم قوة الولايات المتحدة العسكرية وعظمتها كلها في حرب ضد العراق ( الوطن العدد

2706 ) وهذه القوة سوف تستخدم ضد أية دولة في العالم تريد أن تعرقل الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة الأمريكية ، وإن كانت ستوزع حصص من المصالح على دول الشمال

والشرق الأقصى إذا قبلوا أن تنفذ الولايات المتحدة استراتيجيتها الكونية ( راجع آل ثاني ، فهد ، الأهرام العربي العدد 286 ، والراية العدد 4797 )  0

ونجد الدراسة والمقالة المذكورتين أعلاه يركزان على الاستراتيجية الأمريكية في إعادة تقسيم المنطقة ، ويؤكد ذلك خطاب حال الاتحاد 2003 ، حيث كانت أكثر من 60% من

مادة الخطاب مركزة على ضرب العراق ، كعقدة الرزمة إذا انحلت ، انحلت الرزمة بأكملها ( وللتأكد ابحثوا في التاريخ عن أسباب انهيار الدولة الفارسية ، والرومانية ، والإسلامية ؟  ) 0

أما بالنسبة لرفاهية وسعادة المواطن الأمريكي فلم يعطه السيد الرئيس حتى 5% من مساحة خطاب حال الاتحاد ، علماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية تصل نسبة البطالة فيها

إلى أكثر من 10% من القوى العاملة ، أي أكثر من 20 مليون مواطن أمريكي عائشين على خط الكفاف ، وهؤلاء عددهم أكثر من عدد مواطني دول مجلس التعاون الخليجي 0 والمدهش في

الأمر شريحة كبرى من الشعب الأمريكي تعاني من الفقر ، وأمريكا واضعة برامجاً لحشد 100 مليار دولار لضرب العراق ، وتدمير بنيته التحتية ، وبعد ذلك 75 مليار دولار لإعماره في

المرحلة الأولى بعد الحرب  0

الأمر الجيد ، ويخدم المنطقة ، بأن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة تتعارض مع مصالح قوى عالمية أخرى ، فنجد دولاً مثل : روسيا وفرنسا وألمانيا والصين ترفض رفضاً

باتاً الاعتداء الأمريكي على العراق ، ونحن كمواطنين شرق أوسطيين نقدر من ناحية عاطفية هذا الموقف الدبلوماسي من الدول المذكورة  0

ونجد هذه الدول موقفها أفضل من موقف الدول العربية إزاء الأزمة العراقية ، ونجدها بادرت بحث الدول العربية لعقد اجتماع ودعم الموقف الفرنسي والألماني والروسي

والذي يصر على استخدام نص القرار 1441 ، وهو بأن الحرب غير حتمية 0 وهذا لا يعني أن استخدام القوة غير وارد في مرحلة ما ، لكن علينا استنفاد كل الهوامش الممكنة لمهمة

المفتشين الدوليين الهادفة إلى نزع أسلحة الدمار الشامل واحلال السلام ، والطلب من العراق بذل أقصى جهود التعاون 0 ( الشرق الأوسط ، العدد 8844 ) 0

ونحمد اللّه بأن التشجيع الفرنسي رفع من عزيمة العرب ولو حتى القليل ، وذلك جعل وزراء خارجية العرب في 16 فبراير 2003م يصدرون قرار جماعي يرفضون أي اعتداء

أمريكي على العراق ، ويرفضون أية تهديدات عراقية ضد الكويت ( قنا 16/2/2003م ) 0

ولكن الأمر الغريب بأن رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي قال في منتصف فبراير 2003م بأن الولايات المتحدة ستحظى في حال وقوع الحرب ضد العراق بدعم جميع دول

الخليج تقريباً 0 وأضاف أن كلً من هذه الدول قالت لنا على حدة أنها مستعدة للمساعدة ، باستثناء واحدة 0 وقال أن صيغة بإستثناء واحدة ترمي للسماح للدول المعنية بأن تنفي عند

الاقتضاء دعمها لأي تحرك عسكري ( الوطن ، العدد 2723 ) 0

والذي يثير استغرابنا هنا بأن الدول العربية التي أعطت أمريكا الضوء الأخضر لضرب العراق عندما طلبت أمريكا منها ذلك ، ورفضت أن تضرب أمريكا العراق عندما طلب

التحالف الثلاثي العالمي ( فرنسا وألمانيا وروسيا ) ذلك  0

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي استراتيجية المصلحة في اللعبة السياسية بالنسبة للعالم العربي ، أو للعالم الإسلامي ؟ 0

وفي الختام نرجو أن تجيبنا الجامعة العربية ، أو منظمة المؤتمر الإسلامي ، أو الاتحادات الإقليمية الصغرى العربية والإسلامية على هذا السؤال الأخير  0 لأن الإجابة عليه

بالنسبة لنا كأكاديميين وباحثين وكتّاب ومفكرين وإعلاميين 00 إلخ ، سوف يسهل وضع برامجنا وخططنا ومساهماتنا ضمن الإمكانات والاستراتيجيات العربية والإسلامية  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *