المكياج السياسي الأمريكي للدول النامية

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

عندما نتحدث عن المكياج السياسي الأمريكي ، بالطبع لا نقصد به آليات تداول السلطة ، سواءً كان في أمريكا ، أو الدول المتقدمة الديمقراطية ، وإنما نقصد به المعايير التي تضعها أمريكا لآليات تداول السلطة في العالم النامي 0

فأمريكا عالمياً ، تتظاهر بأنها هي الدولة المسؤولة في هذا الكوكب ، عن تطبيق الديمقراطية ، وعدالة توزيع الدخل ، وتوفير الأمن للإنسان ، وصيانة حقوقه ، ولكن من الناحية الفعلية ، فأمريكا تستخدم كل ذلك ، كغطاء لتحقيق استراتيجيتها الكونية الأحادية 0

فمثلاً تذكر (Daily Star. February 28,2004) : بأن الرئيس بوش الأبن عندما زاره أحد زعماء العالم النامي قال عنه : أن دولة الضيف مهمة في مساعدة أمريكا ضد الارهاب ، ودولة الضيف تعتبر دولة رائدة في الديمقراطية والحرية في منطقة الشرق الأوسط 0 طبعاً الأجهزة الإعلامية المرافقة للضيف ركزت على الجزء أعلاه مما قاله الرئيس بوش ، ولكنها ضللت أو تحاشت ذكر النصائح التي وجهها بوش لضيفه مثل : على الضيف أن يعطي الأجهزة الإعلامية الوطنية الفاعلية والحرية الكاملة ، وأن تكون آليات العمل السياسي في وطن الضيف مفتوحة للجميع  0

الآن نريد أن نقدم هذا السؤال للقارئ الكريم : أي جزء من خطاب بوش الأبن ذو مصداقية أكثر ، الجزء الأول أو الثاني 0

طبعاً نريد أن نريح القارئ الكريم قليلاً ونستعين بمقالة كيل لابيدي في (Daily Star) : مصداقية إدارة بوش الأبن تناقصت ليس في العالم العربي فقط ، ولكن حتى في الولايات المتحدة الأمريكية 0 إذاً الجزء الثاني الذي ذكره بوش أعلاه هو لتعديل صورته أمام منظمة حقوق الإنسان الأمريكية ، ومنظمة العفو الدولية ، ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى ، والمنظمات الدولية لحماية الحريات الصحفية في العالم 0 ونضيف إلى ذلك بأن الرئيس بوش يحتاج الآن لابتكار الكثير من الأساليب الجديدة لتحسين صورته أمام الناخبين في نوفمبر 2004م  0

وهذا يعطينا بأن النظرية التي يؤمن بها المحافظين الجدد في الثورة العالمية من الناحية الظاهرية ، هو على رؤساء العالم النامي أن يطبقوا الديمقراطية التجميلية أو كما يسميها الغرب (Cosmetic Changes) ، أما من الناحية الفعلية فالمطلوب منه أن يساعد أمريكا في الحرب ضد الأرهاب الإسلامي ، ( الحرب الغير محددة المعالم ) ، وعليه أن يعترف بدولة إسرائيل ، وأن يقر بالشرق الأوسط الكبير تحت قيادة إسرائيل0 وإذا استطاع الزعيم في العالم النامي أن يطبق المتطلبات الأمريكية الظاهرية والفعلية ، فليس عليه حرج أن يفعل ما يشاء بشعبه  0 وذلك يعطي بعض زعماء العالم النامي ممارسة الفساد المطلق ، كما تقول الصحافة العالمية : فيحكم الدولة من خلال جهاز مخابرات فاسد وقوي ، وذلك يعطي الزعيم السلطة المطلقة في توظيف من يحب من أقاربه وأصدقائه ، وليس ذلك في السلطة التنفيذية فقط ، بل يمتد إلى السلطة التشريعية ، سواءً كانت منتخبة أو معينة ، بحيث يعمل لها عملية ادركسترية لا مجال لشرحها الآن ، يجعلها تتناغم في الألحان والتأليف والأهداف ، مع السلطة التنفيذية ، ويؤسفنا أن نقول بأن نفس هذا الفساد يمتد أحياناً للسلطة القضائية، والأجهزة الإعلامية بجميع أشكالها المختلفة  0 وبعد السيطرة على سلطات الدولة الأربع ، يقوم الزعيم الفاسد وبطانته بالسيطرة على جميع مراكز الاقتصاد الاستراتيجية من حيث مدخلاته ومخرجاته 00 وما تبقى 00 يترك للدهماء لكي يتعايشوا عليه  0 أما بالنسبة لقوى المعارضة ، فهذا البند ملغي اطلاقاً من دولنا في العالم النامي 0 إذاً00 ألا تتفقوا معنا بأن الديمقراطية الأمريكية للعالم النامي تعتبر نوع من المكياج السياسي الأمريكي ؟  0

الآن ربما هناك سؤال يطرح نفسه لبعض القراء الكرام : ما هي الأيديولوجية التي تحكم بها معظم دول العالم النامي ؟ 0

إذا سمحتم لنا بالإجابة : فالأيديولوجية السياسية في معظم العالم النامي ليست كما هي موجودة في الدول المتقدمة مثل : وجود المدارس الأيديولوجية المختلفة المحافظين ، والعمال ، والليبراليين ، والتيوقراطيين 00 إلخ 0 وكل مجموعة يوجد بها المعتدل ، اليمين ، واليسار ، وكذلك المتطرفين  0 ولكن للأسف الشديد معظم العالم النامي لا توجد فيه مذاهب سياسية محددة ، ولكن عندما يوفق الزعيم ويصل إلى قمة الهرم دائماً يذهب إلى مدرسة التكيف السياسي ، وذلك من خلال استخدام مصطلح بأن السياسة : ( هي فن الممكن )  0 ومن خلال فن الممكن يتكيف الزعيم الجديد مع الأوضاع السياسية المحلية والإقليمية والعالمية ، ولا يغير هذا التكيف إلا عندما يكون هناك شيئاً يهدد كرسيه ، فيحاول أن يبحث له عن تكيفً آخر من خلال فن الممكن  0

وذلك يذكرنا بما قاله سيرجيو برنيسز تاين عن السياسة البيرونية القديمة في الأرجنتين ، وذلك من خلال التالي : ” لم تكن البيرونية أحادية 0 لقد كانت حركة عنيفة غير منظمة ومتعددة التوجهات الفكرية ، وهي بذلك عكست الأحداث الجارية في أوربا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ”  0

إذاً ألا تتفقوا معنا بأنه بالفعل عالم غريب  0

أما بالنسبة لآراء الآخرين ، فيقول جورج سورس صاحب كتاب ” فقاعة التفوق الأمريكي ” : بأن أمريكا ليس مطلوباً منها دائماً استخدام تفوقها العسكري ضد الحكام المارقين ، والدول المارقة ، بل أساليب الضغط تأتي أحياناً بنتائج إيجابية أكثر من القوة الامبريالية ، فمثلاً نجد وسيلة الضغط في كثير من الأحيان مناسبة 0 فعندما سجنت السلطات المصرية سعد الدين إبراهيم عام 2000م بتهمة قبول دعم مالي خارجي غير مصرح به ، ردت الولايات المتحدة بتجميد مجموعة إضافية من المعونات لمصر 0 وفي النهاية ، برأت محكمة النقض المصرية إبراهيم في مارس 2003م ، مؤكدة بذلك حرية التعبير وحرية تلقي الأموال من الخارج  0

وللعلم بأن الحكم الذي كان صادر على سعد الدين إبراهيم قد مر بمراحله القضائية الثلاثة في مصر ، وهما : المحكمة الابتدائية ، والاستثنائية ، والنقض ، وجميعهم أقروا الحكم الذي أصدر ضد سعد الدين إبراهيم  0

ما ذكر أعلاه ، نوجهه لكثير من القائمين على القانون في عالمنا المتخلف عندما يعتبرون أحياناً أن لائحة قانونية وكأنها حكم قضائي مقدس مع أنها لائحة قانونية قابلة للتغيير في ظل الظروف المتغيرة في المجتمع ، ويأتون عند حكم قضائي قانوني نهائي وكأنه لم يكن 00 ألا تتفقوا معنا أيها القراء الكرام بأننا نعيش في مسخرة إدارية في العالم النامي  0

أما آخر تصاريح السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة ، وذلك من خلال تصوره لتغيير مفهوم سيادة الدولة القديم ، فيقول : إعادة تحديد سيادة الدولة ، بشكل أساسي ، تحت تأثير قوى العولمة والتعاون الدولي 0 إن الدولة أداة لخدمة شعوبها ، والعكس ليس صحيحاً 0 وفي الواقع يضطلع قادة الدول التي تتمتع بالسيادة بمسؤولية حماية مواطني الدولة 0 وعندما يعجزون عن ذلك ، تتحول هذه المسؤولية إلى المجتمع الدولي 0 فغالباً ما يكون الاهتمام العالمي حبل النجاة الوحيد المتاح للشعوب المقهورة0

فما قاله السيد عنان أخيراً ، يعتبر خلاصة النظرية التي ينادي بها السيد بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، ومنافسه كيري مرشح الديمقراطيين : فهل يصدق الثلاثة بالفعل لايجاد كوكب يعم به السلام والمساواة والأمن والعدل ؟  الإجابة نتركها للزمن  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *