حوار في الملف العراقي في 30 يونيو 2004م

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

 الاستفسار الأول : كيف ترى دور الدول العربية في الملف العراقي بعد 30 يونيو 2004م ؟

 نعتقد بأن معظم الدول العربية ، وطبعاً هنا نقصد الأنظمة حيث أنهم قد تعاملوا بطريقة سلبية مع الملف العراقي منذ بدايته 0 ودعنا نعود قليلاً إلى الفترة قبل احتلال أمريكا للعراق  0 فالموقف التنظيمي العربي لم يتبلور آنذاك ، هل هو كان مع العدوان الأمريكي ضد العراق ؟ أم ضد العدوان الأمريكي على العراق ؟ 0 ومن هنا نذكر لكم قبل أن تغزو أمريكا العراق ، عندما سئل رامسفيلد : كيف ستغزون العراق ودول الجوار العربي للعراق جميعها رافضة هذا الغزو ؟ 00 ” فكانت إجابة رامسفيلد بأن جميع الدول العربية الرافضة للغزو ظاهرياً ، قد اعطتنا الضوء الأخضر بيننا وبينهم لكي نغزو العراق ” أي أننا نستطيع أن نفسر ما قاله رامسفيلد بأن بعض الأنظمة العربية في تعاملها مع أزماتها القُطرية الإقليمية لها أسلوبين 00 الأسلوب الأول ظاهري ، والأسلوب الثاني باطني 00 وإذا كانت بعض الأنظمة العربية هذه هي تصرفاتها مع إدارة الأزمات ، فهذا الأسلوب يختلف مع جميع مدارس الإدارة السياسية ، سواءً كانت واقعية ، أم أخلاقية ، وبذلك تفقد الأنظمة السياسية العربية مصداقيتها أمام شعوبها 0 ومن هنا نوجه استفسارنا للقارئ الكريم : إذا فقد النظام مصداقيته القُطرية ، هل تتوقع أن يكون له أي دور إقليمي ؟  0

 الاستفسار الثاني : هل تعتقد أن نقل السلطة للعراقيين سيكون حقيقياً أم شكلياً؟

 الولايات المتحدة الأمريكية عندما ذهبت للعراق كان لها أهداف معلنة ، وأهداف غير معلنة : أولاً : الأهداف المعلنة : (أ) تدمير أسلحة الدمار الشامل (ب) تحويل العراق إلى دولة نموذجية ديمقراطية ، ومن ثم نقل النموذج العراقي للدول الإسلامية الأخرى 0 ثانياً : الأهداف الغير معلنة : (أ) السيطرة الأنجلو أمريكية المطلقة على النفط العراقي (ب) القضاء على العمق المكاني الذي كان العراق يلعب فيه دوراً مركزياً للصراع العربي الإسلامي من جهة ، ومع الأسطورة الصهيونية من جهة أخرى (جـ) ارسال رسالة للدول التي صفتها أمريكا في محور الشر بأن من لم يذعن لهم ، سيكون مصيره مثل مصير العراق ، وهذا الضغط بالفعل أتى اؤكله مع بعض الأنظمة العربية  0

 الآن نستطيع أن نقول لكم بعد مرور أكثر من سنة على الاحتلال الأمريكي للعراق، لم تستطع أن تحقق أمريكا أياً من أهدافها المعلنة ، وذلك أفقد المحافظين الجدد مصداقيتهم أمام الناخبين في أمريكا ، وبالتالي أصبحت الإدارة السياسية للمحافظين الجدد مرفوضة في الإدارة السياسية للشأن الأمريكي الداخلي ، ومرفوضة في إدارة السياسية الخارجية الأمريكية ، وبالتالي هذه الإدارة جعلت الولايات المتحدة الأمريكية في منعطف خطير في تعامله مع العالم ، وكما نعرف جميعاً : أساس الإدارة السياسية الصادقة قائم على المصداقية أي الجوانب المعنوية ، والإدارة الأمريكية الحالية فقدت المصداقية في الداخل والخارج ، كما نتابع ذلك في التقارير الأمريكية ، أي أن إدارة الرئيس بوش وضعت الولايات المتحدة الأمريكية في مأزق0 أما بالنسبة للأهداف الغير معلنة ، فبسبب المقاومة العراقية الباسلة ، لم تستطع الولايات المتحدة إلى الآن السيطرة على قطاع النفط العراقي ، ولم تستطع إلى الآن تغيير مبدأ العراقيين والذي يرتكز على رفض النظرية التوسعية الصهيونية ، وذلك يمثل أكبر صدمة للأمريكيين ، فبعد القضاء الظاهري على حزب البعث العراقي ، وعلى التيار القومي العربي العراقي ، وما زلنا نقول ظاهرياً ، صُدم الأمريكان عندما وجدوا التيارات الإسلامية ( السنة والشيعة ) أكثر تشدداً في تعاملها مع الملف الصهيوني ، ولكن الشيء الذي لا نستطيع أن ننكره ، وأن أمريكا استطاعت أن تحققه مؤقتاً ، وانتبه عندما نقول ( مؤقتاً ) ، هو الاذعان الكامل لبعض الأنظمة التي كانت تعتبرها أمريكا متطرفة سابقاً ، وكذلك جميع الأنظمة التي كانت تعتبر من محور الشر الأمريكي سابقاً ، بعد احتلال أمريكا للعراق ، خفضت اللهجة بشكل كبير في تعاملها مع الملف العراقي ، أو مع الولايات المتحدة الأمريكية  0

 أما خلاصة القول عن الانسحاب الأمريكي من العراق ، فأمريكا فعلاً من الناحية الفنية بين المطرقة والسندان ، لأنها استنفذت جميع أوراق اللعب في العراق 00 فمثلاً: خسرت أمريكا عمقها الأوربي ، وخسرت أمريكا الدول المتحالفة معها في العراق مثل: أسبانيا وهندرواس وبولندا في الطريق والبقية تأتي ، ولم تستطع أمريكا تشكيل قوة بديلة لكي تكون في المقدمة ، ويكون دور القوات الأمريكية رقابي في الخلف فقط، وكان من المفترض أن هذه القوات البديلة من العالم النامي مثل : الهند والباكستان وبنغلاديش وبعض الدول العربية ، كذلك لم تستطع إنشاء قوات عراقية موالية للاحتلال لكي تكون في الواجهة لاخماد أية مقاومة عراقية ، مما جعل القوات الأمريكية في المواجهة ، ونتيجة ذلك جعل القوات الأمريكية تقدر خسائرها بأكثر من ثلاثة آلاف أمريكي منهم 700 قتيل تقريباً إلى 27/4/2004م ، وذلك يعني أن الخسائر الأمريكية في العراق في أول سنة ، أكثر من الخسائر الأمريكية في أول سنتين عندما احتلت الولايات المتحدة الأمريكية فيتنام حسب بعض المصادر الأمريكية  0

 الأوراق الأخرى التي حاولت أن تلعب بها الإدارة الأمريكية في العراق هي : محاولة اللعب بالبطاقات القومية مثل : العرب ضد الأكراد ، والأكراد ضد التركمان ، والعرب ضد الفرس ، والبطاقات الطائفية مثل : الشيعة ضد السنة ، والبطاقات الأيديولوجية السياسية مثل : القوميين والبعثيين ضد الإسلاميين ، بمعنى آخر حاولت أمريكا أن تلعب بسياسة فرق تسد في الشأن العراقي ، ولكن العنصر الإيجابي الذي نستطيع أن نسجله للشعب العراقي الشهم هو بأنه لم يستدرج للوقوع في شراك المحاولات الاستعمارية الخبيثة  0

 وأخيراً السؤال التقليدي الذي دائما يوجه لنا كمتخصصين في الجيوبوليتيك كيف تقرأ المشهد العراقي في 30 يونيو 2004م ؟ 0

 والإجابة هي : نرجو من المختصين في هذا الشأن العودة إلى مقالة لنا نشرت في صحيفة الراية الغراء على ما أذكر في أواخر 2002م أو بداية 2003م تحت عنوان : الجيوبوليتيكا الميتافيزيقية للعراق ، وكذلك نشرت نفس المقالة في مجلة الأهرام العربي الموقرة ، وهذه المقالة نشرت قبل خمسة شهور من الغزو الأمريكي للعراق ؟  ، وقبل سنة ونصف عن المشهد العراقي في 30 يونيو 2004م ، وما يحدث للعراق اليوم ، 90% منه هو ما توقعناه في المقالة ، وذلك بفضل اللّه سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً ، لأنه وفقنا بمعرفة العمق الاستراتيجي للعراق ، وأوراق اللعب التي كان متوقعاً أن يلعبها المحافظين الجدد في العراق  0 وقد توقعنا أن العمق الاستراتيجي للعراق ، سيفُشل جميع أوراق اللعب الأمريكية  0

 وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *