عودة إلى ملف الطائفية في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

12/6/2005

أولاً : ما هي أبعاد الفرز الطائفي والمذهبي في العراق ؟!

نحن قلنا كثيراً ، ونكرره الآن ، بأن الطيف العراقي هو الأكثر تنوعاً من حيث التوازن فقط ، مقارنة مع باقي دول المنطقة ، ولكن ذلك لا يعني أن الفسيفساء الطائفية والعرقية العراقية تختلف كثيراً عن دول الخليج العربي ، لأننا لو قارنا العراق بالمملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ، سنجد التالي من الناحية القومية ، ففي العراق : العرب ، والأكراد ، والتركمان ، والفرس ، وفي إيران أيضاً : الفرس ، والعرب ، والأكراد ، والطاجيك ، والبلوش 00 إلخ0 ولكننا نلاحظ بأن الأكراد كأقلية لهم تأثير بالمطالبة بحقوقهم في العراق أكثر منهم في إيران ، ويعود ذلك لأن أكراد العراق يشكلون ثلث سكان العراق ، وذلك يعني بأنه يوجد لهم وزن سياسي واجتماعي كبير في العراق ، وذلك مما يجعل العراق دولة متعددة القوميات ، وأفضل الحلول للعراقيين إذا أرادوا الاستمرار كدولة مراعاة التوازن القومي في عقدهم الاجتماعي الجديد ! 0

            أما بالنسبة لإيران فأغلبية السكان من الفرس ، ونسبة الأكراد قليلة بالنسبة لهم ، وذلك يجعل مطالب الأكراد الانفصالية قليلة التأثير على جسد الدولة المركزية ، حتى لو أعطتهم الدولة حقوقهم السياسية كاملة نسبياً 0

            وكذلك من الناحية الدينية لو قارنا الطيف العراقي مع دول الجوار لوجدنا التالي ، في العراق ، المسلمين ( السنة والشيعة ) والمسيحيين واليهود 00 إلخ ، وفي إيران ، المسلمين ( السنة والشيعة ) والمسيحيين واليهود 00 إلخ ، وفي السعودية ، المسلمين (السنة والشيعة ) ! 0

            ولكن الفرق ما بين العراق وجارتيها : إيران والسعودية ، هو بأنه في العراق يوجد توازن ما بين السنة والشيعة من الناحية العددية، ولذلك على المخططين السياسيين في عقدهم الاجتماعي القادم مراعاة هذا التوازن ما بين الطائفتين ، ومحاولة إيجاد وثيقة وطنية تلتف حولها جميع الفسيفساء العراقية الطائفية والعرقية ، أما بالنسبة لإيران فاختلافها عن العراق أن معظم الشعب الإيراني من المسلمين الشيعة ، وهذه الأغلبية تعطيهم نفوذ قانوني في السيطرة على الدولة من خلال القنوات الرسمية ، وإذاً في هذه الحالة على إيران مراعاة حقوق الأقليات الطائفية والمذهبية والعرقية فقط ، أما بالنسبة للعراق فلابد من توازن في عقدها الاجتماعي !! 0 وكذلك بالنسبة للسعودية ، فمعظم الشعب السعودي من المسلمين العرب السنة ، فهنا عندما يتم تعديلات دستورية في المستقبل القريب في السعودية ، فالسيطرة ستتم حتى من خلال القنوات الشرعية للعرب السنة في السعودية ، والمطلوب منهم مراعاة حقوق الأقليات فقط!!0

            أما بالنسبة للعراق فلابد لها من توازن في عقدها الاجتماعي!!0

            ومن هنا أدعوك للتفكير في الموضوع من منظور آخر ، قرأت قريباً لكاتب عربي اسمه جابر حبيب جابر في جريدة الشرق الأوسط ، رأي ربما كان ماثلاً أمامنا جميعاً ، ولكن الكاتب أعلاه سبقنا مشكوراً إلى الفكرة المميزة وهي : ” لا تشكل الدول المتجانسة قومياً ودينياً وعرقياً أكثر من 5% من مجموع الأسرة الدولية ، أما غالبيتها العظمى فتعيش شكلاً من التنوع ما بين تنوع بسيط وتنوعات كبيرة ، فيما لا يعني هذا أن التنوع وعدم التجانس لابد وأن يكون باعثاً على الاضطراب أو أن نقيضه باعثاً على الاستقرار ، فالصومال التي هي من بين الدول القليلة في العالم التي تحظى بتجانس قومي وديني ولغوي ، إلا أن كل هذا لم يمنعها من أن تشهد تمزقاً واضحاً وحرباً وصراعات قبلية ، في حين أن الهند التي تضم أكثر من أربعمائة جماعة عرقية تعيش استقراراً نسبياً مقبولاً ” 0

            النقطة المحورية والرئيسية التي أريد أن أصل إليها هنا لابد للعراقيين إذا أرادوا بناء عراق حر ومستقل ، لابد من وجود حسن النية والإرادة الجماعية لبناء وطن عراقي مستقل ، يراعي جميع الأطياف العراقية !! 0 وألا سيكون الخيار الثاني ، لا سمح الله ، لهم هو الفتنة ، والفتنة وإن جاءت ستدمر عليهم كل شيء ، وبعدها سيعودوا للبحث عن عقد صفقات جديدة لبناء وطنهم ، وأعتقد أن الأنموذج اللبناني ماثلاً أمامهم بعد حرباً طائفية استمرت أكثر من (15) عاماً ، وبعد أن دمروا كل البنية التحتية لدولتهم من النواحي المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخدمية ، عادوا مرة أخرى لعقد الصفقات للعيش بسلام في وطنهم اللبناني ، وربما أفضل المشاهد التي رآها جميع العالم عندما كانت المعارضة اللبنانية للحكومة بعد مقتل رفيق الحريري ، تشكل من مختلف الطوائف والاثنيات اللبنانية ، وكذلك الاقتراب ما بين كمال جنبلاط الدرزي والشيخ حسن نصر الله قائد حزب الله الشيعي ، ومغازلة عون للطوائف المختلفة !! 0

            أعتقد بأن الرسالة اللبنانية واضحة لجميع العالم بأن الوطن من حق الجميع أن يعيش فيه بأمن وسلام ومساواة في الحقوق ، وذلك يأتي بالتفاهم ، وليس بالحديد والنار والفتنة !! 0

            ثانياً : إلى أي مدى تنطوي هذه الحالة من أخطار على منطقة الخليج؟0

      أعتقد وبكل تفاؤل بأن الأخوة في العراق هم الذين سينقذون الموقف ، وبتفاهم فيما بينهم سوف يقومون على إنشاء دولة مؤسسات عراقية مثالية تراعي الحقوق والواجبات لجميع الفسيفساء العراقية 0 ومن يدري بدلاً من أن نكون متخوفين في مناطق الخليج الأخرى من انتقال الفتنة من العراق إلى الجوار العراقي ، تنعكس الآية ، وتنتقل نظرية دولة المؤسسات العراقية الناجحة إن شاء الله إلى باقي الجوار العراقي ، وهذا سيساهم إن شاء الله في القضاء على جميع الفساد البنيوي في منطقة الخليج العربي !! 0

                        وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *