المبررات لا تصنع شرعية أمريكية في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

 لا نتعتقد أنه يختلف ما بيننا اثنان ( إلا ماندر ) ، على أننا جميعاً من الناحية المثالية نتمنى تحقق معظم المصطلحات التي يرددها المسؤولين الأمريكان على أرض الواقع ، مثل

الديمقراطية ، والتعددية ، والحرية ، وتكافؤ الفرص من حيث توزيع الوظائف وتوزيع الدخل والمشاركة السياسية وتداول السلطة والأمن الجماعي 00 إلخ 0

 لكن ما يردده المسؤولين الأمريكان شيء ، وما يطبقونه على أرض الواقع شيئاً آخر ، وسوف أسوق لكم مثال بسيط ، عن أحد المسؤولين الفاسدين الذين تستخدم أمريكا منهم

الكثير كحصان طرواده لاستعمار العالم النامي قبل الحرب على العراق ، قال  بأنه ضد الحرب ، وضد أي عمل إصلاحي يتم بالعنف أو استخدام القوة 00 إلخ0 وبعد نهاية الحرب واحتلال

العراق نفس المسؤول قال  نحن مع تحرب تحرير العراق ، وشاركنا فيها ، ونعتبر الحرب عمل إنساني جليل  0 في هذه الحالة ندعو المواطن والقارئ الشريف في العالم النامي والإسلامي

والعربي ، عندما يصرح مسؤول على شاكلة الفاسد أعلاه ، فأي تصريح من هذه التصاريح تريدون هنا كمتخصصين في العالم النامي أن نضع استراتيجية خاصة بنا لكي نقوم على تطوير

العالم الذي ننتمي له  0

 وإذا سمحتم لنا بالإجابة  فاجابتنا هي  لا واحد من هذين التصريحين ، بل سوف نضيف لكم مادام عالمنا الإسلامي يقوده مثل هذا المسؤول ومن على شاكلته ، فمكاننا محجوز

طبعاً في ذيل قائمة الأمم ، كما أوضحت لكم سابقاً في مقالة نشرتها الراية بعنوان  نحو ميكانزم إصلاحي للعالم الإسلامي  0

 أما بالنسبة للفكر الأمريكي والعالمي على عملية احتلال العراق من الممكن أن نقرأه من خلال مناظرات مجموعة من متخذي القرار وقادة الفكر في العالم  فدونالد رامسفيلد

وزير الدفاع الأمريكي يقول في  Herald Tribune March 20-21,2004 عندما سألته الصحفية الكورية الجنوبية ، لماذا أبناء كوريا يموتون في العراق ؟ 0 فأعاد إليها رامسفيلد

السؤال بطريقة أخرى  لماذا أبناء أمريكا يموتون في كوريا ؟0 وبعد ذلك أضاف رامسفيد اجابته بطريقة غير مباشرة ، هو  بأن أمريكا قدمت 23 ألف قتيل أمريكي في سبيل حرية كوريا

الجنوبية ، وكذلك فعلت أمريكا بالنسبة لمشاركتها في حرية باقي القوات الرئيسية في العالم وذلك ألمانيا ، وفرنسا ، وإيطاليا، ومنطقة المحيط الهادي في الحرب العالمية الثانية  0

 وهنا لنا تعليق على ما قاله رامسفيلد ، وذلك بأن مشاركة أمريكا في الحرب العالمية الثانية ، كانت بالنسبة لها حياة أو موت ، أو هل تصبح أمريكا دولة قائدة ام دولة تابعة ؟

0 ونضيف على ذلك بأن خطر الحرب العالمية كان يهدد أمريكا من الجانبين ، في المحيط الأطلسي ، والمحيط الهادي  ، فكان لأمريكا الخيار  إما تشارك ، أو إلى أن ينقل المنتصر الحرب

إلى أرض العالم الجديد ، فمثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية ، علماً بأن المشاركة الأمريكية الفعالة لم تأت إلا بعد بيرل هادبر0

 أما بالنسبة للحرب الكورية في الخمسينيات من القرن الماضي ، فكانت بداية الحرب الباردة ما بين الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة ، والكتلة الشرقية مع الاتحاد

السوفيتي 0 وكان أكبر استراتيجية أمريكية بالنسبة للشرق الأقصى هو عدم وصول نفوذ المدرسة الشرقية إلى المياه الدافئة من المحيط الهادي ، وذلك يستعمل على نطاق النفوذ الأمريكي

الممتد من اليابان إلى تايوان 0 والمقصود هنا التواجد الغربي المباشر على البوابة الجنوبية الشرقية للاتحاد السوفيتي ، والشرقية للصين من ناحية ، ومن الناحية الأخرى هو

الاستراتيجية أن يبقى المحيط الهادي منطقة نفوذ أمريكية 0

 ويقول رامسفيلد بأن العراق ، دولة راعية للارهاب ، وعندها برامج لأسلحة الدمار الشامل ، وعندما أمرناه بإلغاء برامجه للتسليح ، كما فعلت كلٌ من كازخستان وجنوب

أفريقيا وأوكرانيا ، وفعلت ذلك ليبيا بعد احتلال العراق 0 العراق كان عنيداً ولم يفعل ذلك  0 ولكن سؤالنا هنا للسيد رامسفيلد ، ذهبت إلى العراق ومن دون غطاء دولي ليعطيك شرعية

الحرب ، وكانت بطاقتك الوحيدة لكي تثبت بان اعتدائك على العراق مبرر هو إيجاد برامج أسلحة دمار شامل عراقية تمثل خطراً على أمريكا والشعب الأمريكي ، ولكن لسوء حظ رامسفيلد

بأنه لم يستطع أن يثبت ذلك ، لأن ذلك سيعطيه حجة قوية أمام مجلس الأمن  0

يقول السيد رامسفيلد  بأن الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، استخدم الأسلحة الكيماوية ضد إيران ، وضد بعض مواطنيه ، واستخدم الصواريخ البلاستية ضد  إيران وإسرائيل

والسعودية والبحرين ، وجنود صدام اطلقوا الصواريخ ضد الطائرات الأمريكية والبريطانية في النطاق العراقي المحظور على الطائرات العسكرية العراقية الطيران فيه ، قبل عملية احتلال

العراق ، أو حرية العراق كما تسمى  0 ولكن استفسارنا في هذه الحالة  من الذي درب العراقيين في عهد صدام حسين على استخدام الأسلحة الكيماوية ؟  0 أما بالنسبة لاحتجاجه على

الاعتداء على إسرائيل بالصواريخ البلاستية  ماذا عن الشعب الفلسطيني الذي تعتدي عليه إسرائيل يومياً في الضفة الغربية في قطاع غزة ؟  0

 يقول السيد رامسفيلد  إن الحكومة العراقية الانتقالية طبعاً المعينة أمريكياًا ، صادقت بالاجماع على الدستور العراقي 0 والذي يحتوي على  حرية العقيدة ، نقول له بأن ذلك

ضد الدين الإسلامي ، والحق في التجمع وتأسيس الأحزاب ، ونذكر رامسفيلد بأن الأحزاب التي تقوم على أساس ديني محظورة ، ويعطي الدستور الحق في التصويت ، والحق في التقاضي

، ويحرم التفرقة على أساس الجنس ، أو القومية أو الديانة ، وكذلك يحرم الاعتقال  0

 ما تباهى به رامسفيلد أعلاه معظم فئات الشعب العراقي رفضوه الآن سواءً كانوا من الشيعة أو السنة ، وحتى الأكراد عندهم بعض التحفظ عليه  0

 يقول رامسفيلد  بأن أمريكا لم تخوض الحرب في العراق للتسلية ، وإنما لحرية الشعب العراقي ، وبعد هذا النموذج سيكون للشرق الأوسط 0 وهذا المجهود سيكون عدلاً كما

تشاهدونه الآن في كوريا الجنوبية ، واليابان ، وألمانيا ، وإيطاليا  0

 هذه الفقرة الأخيرة سبق وأن أجبنا على أمريكا فيها عدة مرات ، وهو بأن العراق ليست اليابان ولا ألمانيا ، الدولتين الأخيرتين قبل الاحتلال كانتا دولتان تقودان العالم من

حيث برامج التصنيع ، ومستوى البنية التحتية والخدمات 0 أي بمعنى آخر بأن القاعدة الشعبية في ألمانيا واليابان كانت جاهزة للانطلاق ، وكانت تحتاج فقط للآليات السليمة لإعادة

الانطلاق في برامج التنمية التي كانت موجودة عندهم أصلاً 0 وهذا الشيء طبعاً مختلفاً في العراق والشرق الأوسط ، لأن العراق يحتاج أصلاً لبنية تحتية قوية ، وبرامج ضخمة في

القطاعين الثانوي والأول ( الصناعي والزراعي ) ، والتطوير التدريجي لبرامج شعبية لاستلام الإدارات المحلية للدولة ، وننسى هذا النموذج الذي يحتاجه الشرق الأوسط  ، لا أن تزرع

أمريكا بعض الفاسدين والذين يقاتلون للمصالح الأمريكية لقيادة الشرق الأوسط ، وبعد ذلك تقول أمريكا قدمت لكم الحرية ، ونحن شريحة المثقفين الشرق أوسطيين مازلنا نقول لأمريكا أين

الحرية التي قدمتيها لنا؟ هل بالفعل قدمتي لنا عدالة توزيع الوظائف ؟ هل بالفعل قدمتي لنا عدالة توزيع الدخل ؟ هل بالفعل قدمتي لنا حرية الأمن الداخلي والمطالبة بحقوقنا المسلوبة ؟ 0

ام السيد رامسفيلد أصبح متخصصاً في المثل الشعبي العربي الذي يقول  كلام الليل يمحوه النهار  0

 تعليقي الذي ذكرته أعلاه يؤيده حتى بعض المفكرين الغربيين ، فستانلي ديسيس يقول في  Hearld Tribune 27th, 28th, March 2004.  ما عمله الغرب في

القرون ، لا تتوقعوا الآخرين يعملونه في ليلةً وضحاها ، ويستعين بما قاله الشاعر ارشبيل ماكليش  الديمقراطية من المستحيل أن تكون شيء يصنع ، الديمقراطية هي يفترض أن تمارسه

الأمة بأكملها 0

 ويضيف ستانلي بأن الاقتصاد القوي والاستقرار هو الطريق السليم للديمقراطية في المستقبل  0 ويقول ليست عدالة التصويت فقط ، بل البطن الملآن ، الاثنان معاً يقودان

إلى الممارسات الديمقراطية 0

 يقول ستانلي ديسيس  من هتلر ألمانيا ، إلى مولسيفتش صربيا ، إلى اريستيد هاييتي جميعهم وصلوا إلى السلطة بالديمقراطية ، وبعد وصولهم حذفوا الديمقراطية التي

أوصلتهم إلى السلطة في سلة المهملات ، ويضيف بأن جبهة الانقاذ الإسلامي التي فازت بانتخابات الجزائر عام 1991م ، كان اعلانهم واضح وصريح وهو عندما يصلون إلى السلطة لن

يكون هناك انتخابات بعد الانتخاب التي أوصلهم للسلطة ، ويقول ستانلي بأن ذريعتهم في ذلك أن الحكم للّه سبحانه وتعالى 0

 وهنا ينجح ستانلي بما قدمه معهد بيت الحرية للمستقبل ، بحيث يقول المعهد بأن الديمقراطية والحرية يعتبران آليتان مختلفتان 0 فالديمقراطية تمثل القدرة على اختيار من

يمتلك ، أما الحرية فهي الممارسات الشخصية للأفراد لحياتهم السياسية والاقتصادية00 إلخ 0

 وتعليقنا إن كنا نتفق مع ستانلي أدسيس ضد رامسفيلد بأن الديمقراطية لا تقدم مع أفراد الدبابات أو معلقةٍ بالصواريخ والقنابل ، وإنما تقدم من خلال قاعدة بنية تحتية صلبة ،

ينطلق منها الإنسان ، ولكن اختلافنا معهم في عنصر الحرية ، بحيث يكون مدى تطبيق الحرية ما يتناسب مع مفاهيم كل مجتمع من معتقدات ومبادئ وقيم  0 وليس استخدام حجج ستانلي

أدسيس للوصول للديمقراطية الحقيقية هي  يقول عليك أن تضع الاقتصاد في مكانه الصحيح القوي ، وهنا الصورة واضحة على أن تكون هناك تنمية اقتصادية قوية ويصاحبها شفافية

رقابية دقيقة حتى لا يذهب المال العام ولا يهدر، وإذا استطاعت الدولة أن تحقق ذلك ، سوف تؤهل طبقة وسطى كبيرة في المجتمع، وهذه الطبقة الوسطى سيكون عليها تحقيق الديمقراطية ،

وهنا يضيف على العالم النامي أن يتعلم من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج وسنغافورة بحيث الطبقة الوسطى تطورت عندهم من خلال استثماراتهم الجبارة في قطاع البنية

التحتية مثل الصحة والتعليم 00 إلخ 0

 وعكس ذلك نلاحظ دولاً غنية بالموارد الطبيعية مثل فنزويلا وانجولا 00 إلخ 0 ولكن هذه الدول فشلت في استثمار ريع مواردها الطبيعية على قطاعات البنية التحتية، وذلك

جعلها متخلفة من حيث الدخل والتعليم والصحة ، مع الدول المذكورة أعلاه في شرق آسيا ذات الموارد الطبيعية الشحيحة  0

– بول كرونجمان في Hearld Tribune , 20-21 March, 2004.  ينتقد مقولة الرئيس بوش الشهيرة في 20/9/2003م ( الذي ليس بمعنا فهو ضدنا ) 0

 ربما تصريح بوش الغريب آنذاك جعل الولايات المتحدة تحصل على دعماً دولياً ضد الأرهاب ولكن كما يقول كرونجمان ، بأن أمريكا بعد أن ذهبت إلى العراق للبحث على

أسلحة الدمار الشامل ، ولم تثبت للعالم وجود هذه الأسلحة أفقدها الكثير من المصداقية 0 والدليل على ذلك المعسكر الفرنسي المعارض للحرب على العراق أصبح يتبعه الكثير من الدول

التي كانت تعتبرها أمريكا أوربا الجديد مثل الحليف الأسباني لأمريكا الذي أعلن سحب جيشه من العراق في شهر يونيه 2003م ، والحليف البولندي لأمريكا الذي أصبح مشككاً في مصداقية

الرواية الأمريكية عن أسلحة الدمار الشامل  0

– أما روبرت كاجان في دورية  Foreign Affairs March, April. 2004. ، فيبدأ مقتبساً ما قاله فيشر وزير خارجية ألمانيا في أمسية الاعتداء الأمريكي على العراق  ما

هو شكل العالم الذي نريد ؟ 0 ويضيف كاجان  بأن هذه الحرب في وقت ما بين العالم الحر والديمقراطي فــ 80% من استطلاعات الرأي الأمريكية كانت مع الحرب ضد الارهاب التي

خاضتها أمريكا في العراق ، وأكثر من 50% في أوربا كانت ضد الحرب الغير شرعية في العراق  0

 وهنا يقتبس كاجان رواية فوكاياما التي أسماها نهاية التاريخ التي يسود فيها العالم الديمقراطي الليبرالي ، ولكن كاجان يرى عكس هذه النظرية ، لأن الحرب على العراق

أدت إلى وجود صراع ما بين العالم الديمقراطي والحر  0 وحجة الأوربيين بأن هذه الحرب غير شرعية لا يدعمها قراراً من مجلس الأمن يفوض أمريكا باستخدام العنف ضد العراق 0

 طبعاً الرد الأمريكي على أوربا ، هو بأنه عندما ذهبتا أمريكا وأوربا إلى كوسوفو كانوا ذاهبين من دون تفويض من مجلس الأمن 0 ويضيف كاجان ، رغم أن إبرز

الاستراتيجيين الأمريكيين كانوا ضد التدخل الأمريكي في كوسوفو فمثلاً كيسنجر أكاديمي ووزير خارجية أمريكي سابق يقول  في حالة كوسوفو اختراق لسيادة الدولة ، لأنها تمثل قضية

السلطان الداخلي للدول ، وهذا التدخل يمثل سابقة خطيرة في القانون الدولي 0

 وتعليقنا هو لماذا لم يقول هنري كيسنجر أعلاه في عشية الاعتداء على العراق ؟0

 ويضيف كاجان بأن توني بلير يقول  من قام بأعمال وحشية ( المقصود زعماء الدول ) سيحضر للعدالة 0 ويعلق كاجان على مقولة بلير ، إذا كان هذا هو النظام العالمي

الجديد فذلك يعني أن القانون الدولي قد توفى ودفن  0

 خلاصة فكر كاجان ، بأن على أمريكا أن تراجع أجندتها العالمية بعد انتهاء الحرب الباردة ، لأن التفويض الأوربي الموجود لأمريكا أيام الحرب الباردة ، لا يعني بالضرورة

بقائه بعد الحرب الباردة 0 والصورة الواضحة لأوربا الآن تريد حليفاً يستمع لها 0

 وخلاصة القول بأن شرعية الاعتداء الأمريكي على العراق من المتوقع أن تبقى اللعنة التي تطارد إدارة بوش إلى أن يثبتوا بأن العراق كان لديه برامج أسلحة دمار شامل

جاهزة ، وأن النظام العراقي كان داعماً للارهاب الدولي في 11/9/2001م ، وأن مشكلة هذه الإدارة معقدة محلياً لعدم مصداقيتها ، وعالمياً لعدم مصداقيتها 0

 وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *