بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
في مقالة سابقة لنا تحت عنوان ” استراتيجية الرعب والاحتواء المزدوج ” قلنا : أن النظام العالمي الجديد ، وضع لاستراتيجية عدم الاستقرار الخليجي ، ثلاثة سيناريوهات ، منهم إثنان تم تنفيذهم بالفعل في دول مجلس التعاون الخليجي ، والعراق 0 والثالث تعدى مرحلة الحرب الباردة ووصل إلى مرحلة الأسلوب الضاغط ، وهو ما يمارس على إيران الآن 0
فالأسلوب الضاغط على إيران ركز على اضعاف البناء والتماسك الداخلي ، والعمل على عزل إيران إقليمياً ، وعدم إعطاءها أية دور تلعبه في حيزها الجغرافي سواءً كان إقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً 00 إلخ ، وفرض الحصار الدولي عليها0
وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، ركز الأمريكيون على تهييج الشارع الإيراني من خلال ثغرة الخلافات الموجودة ما بين الإصلاحيين والمحافظين في النظام 0 والتسهيل الغربي والأمريكي بشكل خاص للمحطات الفارسية المعارضة التابعة للنظام الملكي المخلوع لكي تبث إرسالها الموجه للإيرانيين 0 وأعطت أمريكا بعض التسهيلات لقوات مجاهدي خلق في العراق بعد احتلاله ، ولكن مقابل ذلك استشاط الجانب الفرنسي وقام بممارسة ضغوط متشددة على المنظمة ، وكأنه صراع أمريكي فرنسي جديد مبطن 0 ومن الجانب الآخر نجد وكالة الطاقة الذرية الدولية تحت ضغوط أمريكية قوية ، وذلك عندما تتهم أمريكا ، إيران بتطوير أسلحة نووية سراً ، من خلال انتهاك ومراوغة متواصلة لضمانات الأمان 0 علماً بأن الوكالة تستخدم لهجة مخفضة مقارنةً مع اللهجة الأمريكية ، فالوكالة الدولية تقول عدم الالتزام الإيراني وذلك من خلال قولها بأن إيران اشترت 8ر1 طن من اليورانيوم عام 991م 0 وبدأت بإقامة محطات لتخصيب اليورانيوم من دون إبلاغ الوكالة ، ومطلب الوكالة يتركز على محورين رئيسيين هما : الأول : السماح لها بالتفتيش في إيران عن الأسلحة النووية ، والآخر : الزيارات العشوائية والمفاجئة للمنشآت الإيرانية 0
وبعد ، وهذا المحور الأخير ، ما هي الضمانات التي تقدم لإيران بعد هذه الزيارات للمواقع الاستراتيجية الإيرانية ، بأن هذه المواقع أو بعضها لا تستخدم كمفاصل عصبية استراتيجية لأي ضربة استئصالية مفاجئة من أمريكا ؟ 0
خاصةً بأن إيران مستهدفة سواءً وجد بها سلاح نووي أو لم يوجد بها ، ونستطيع أن نلخص ذلك من خلال رأيين أمريكيين : الرأي الأول : فاوثيير الكسندر فير شبو سفير الولايات المتحدة في روسيا يقول : أن إيران تملك احتياطيات هائلة من النفط ويمكنها الاستفادة بها في الحصول على مزيد من الطاقة الكهربائية ، فلماذا تسعى لبناء محطات نووية ؟ 0
أما الرأي الثاني : بدأ رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي يلمح بأن الوضع في العراق لن يستقر للأمريكان ، إلا بعد المعالجة الأمريكية المناسبة لإيران وسوريا 0 وكانت كلمة رامسفيلد بالنص كالتالي : ” هناك عوامل ستحدد الوضع في العراق مثل الرجال الذين يتدفقون من إيران وسورية والسرعة التي سنتمكن فيها من اعطاء وجه عراقي للسلطة الانتقالية ” 0
المطلوب لهذه المنطقة على غرار ما يحدث في أمريكا اللاتينية ، هو أنموذج أمريكي شرق أوسطي 0 طبعاً هذا إذا نجحت النظرية الأمريكية في العراق ، ولكن إذا لم تنجح ، فلا نستغرب أن تترك أمريكا المنطقة كلها في حالة سيولة وحروب أهلية ، مع محافظة أمريكا على مصالحها الاستراتيجية مثلما فعلت في أمريكا اللاتينية ، وربما تتذكرون جميعكم عندما احتلت أمريكا العراق في أبريل 2003م اتجهت لحماية حقول النفط عن التخريب ، وعندما احتلت بغداد اتجهت القوات الأمريكية إلى وزارة النفط لحماية الوثائق والعقود والمعلومات النفطية ، وترك العراق كله ومدنه في حالة فوضى 0 نعتقد لم تحدث له حتى في العصر الحجري أو قبله 0
ما يطبق في المنطقة هو امتداد لنظرية أمريكية وضعت في أواخر الأربعينيات ووضعها وزير خارجيتها دين اتشسيرن وأطلق على هذه النظرية نظرية التفاحة الفاسدة: إن تفاحة واحدة فاسدة يمكنها أن تفسد بقية التفاح في البرميل ، تلك النظرية تطورت فيما بعد إلى نظرية أحجار الدومينو ، التي استخدمت في إرهاب الشعب الأمريكي ، وإشعاره أن الخطر الشيوعي قادم لإلتهامه ، هذا المفهوم الشعبي ، الذي رفع الأمريكيين لمساندة جميع التدخلات الدفاعية في أقدار وأرواح شعوب العالم ، والتي أدرك المخططون بعمق أنها فقط تلك التفاحة الفاسدة التي يجب القضاء عليها ، للحفاظ على التوازن الأمريكي 0
ومن الممكن أن نرى مدى تطبيق هذا النموذج على أمريكا اللاتينية ، فأمريكا اللاتينية رفعت من معدلات تصدير المنتجات الغذائية للولايات المتحدة الأمريكية ، بينما عانى معظم شعوبها المجاعات ، تلك المجاعات التي دفعتهم نحو معارضة شعبية، كانت تقمع عادة من خلال الأنظمة المنتقاة بعناية من واشنطن ، وذلك بعد القاء التهم الشيوعية المعتادة خلال عصر الحرب الباردة ، تلك التهم كانت كفيلة بإسقاط الحكومات الشعبية ، من خلال تمهيد الطرق من خلال الانقلابات العسكرية التي التهمت جميع محاولات الإصلاح في دول مثل : الأرجنتين والبرازيل وتشيلي ونيكاراجوا وجواتيمالا 00 إلخ 0
الانهيار الإقليمي للنظامين في شمال الخليج ، وشرق الخليج العربي لا سمح اللّه، سينعكس سلباً على النظام الإقليمي غرب وجنوب غرب الخليج العربي ، وذلك من خلال السيولة الإدارية لأكبر إقليميين خليجيين ، لأن نتيجة السيولة الإقليمية هي الحروب الأهلية ، والارهاب ، والمخدرات ، والتهريب ، والفقر ونتائجه الثلاثية المعروفة 0
وإذا شعرت أمريكا بذلك الخطر فستنسحب من المنطقة تاركتها في حالة سيولة إقليمية مع تركيزها في المحافظة على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ، كما فعلت عندما احتلت العراق ، وكتجاربها العالمية السابقة في : لبنان ، والصومال ، والفيتنام، ولادس ، وكمبوديا ، وكوريا الشمالية ، والآن في العراق 00 ولا سمح اللّه في : إيران وسوريا قريباً ، وقارة أمريكا اللاتينية كاملة 0
وفي الختام هل من دور عقلاني لدول المنطقة لانقاذنا من هذه الكارثة ؟ أو نعطي لأمريكا الفرصة من خلال الإستجابة المباشرة لأسلوبها الاستفزازي المفتعل ، إلى أن تثبت للعالم نقصد بالعالم الشعب الأمريكي فقط بأننا نستحق القصف لإنقاذ البشرية من شرورنا 0
وأخيراً الزلازل التي تعرضت لها منطقتنا الإسلامية والعربية بعد نهاية الحرب الباردة ، وبعض الحكام يعتقد بأنها إنجازات تذكرنا بقصة مشهورة في كتاب الخرافات لتولستوي ، ونقتبسها من أحد الكتّاب العرب مع إختلاف الموضوع وهي : تشاجر ديكان على مزبلة وكان أحدهما أقوى من الآخر فتغلب عليه وطرده 0 وتجمعت الدجاجات كلها حول الديك وهي تهتف بالدم بالروح نفديك يا ديكنا الغالي 0 وأراد الديك أن تُنشر أخبار قوته وأمجاده في الساحات المجاورة 0 فطار إلى قمة مخزن الغلال وأخذ يصفق بجناحيه ويصيح بصوت عال : انظروا إلى إنجازاتي الثورية أنا الديك المنتصر وليس لأي ديك آخر في العالم قوة كقوتي ولم يكد الديك ينتهي حتى انقض عليه عقاب قتله وحمله إلى عشته طعاماً لفراخه 0
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،