أهمية التخطيط الإستراتيجي للأمم

بسم الله الرحمن الرحيم

24/6/2004

لا تنشأ أمة ولا تتطور من دون برامج تخطيطية ، و هنا نحن لا نقصد التخطيط المركزي الذي كانت تتميز به الدول الإشتراكية ، والذي كان يواجه تنافساً شديداً مع برامج التنمية القطاعية الذي اشتهرت بها الدول الرأسمالية اللبرالية ، وفي النهاية فشلت برامج التخطيط المركزي ، ونجحت برامج التنمية القطاعية الرأسمالية.

ومشكلة الدول العربية أنها إختارت أن تبدأ بالإسلوب الرأسمالي ، وبعد ذلك عادت للإسلوب المركزي ، ومن ثم إستخدمت اللإسلوبين معاً ، وفي النهاية لم ينجح ولا أسلوب من الأساليب التي إتبعوها ! .
إذاً ما هي مشكلتنا في العالم العربي ؟
نعتقد بأن مشكلتنا في العالم العربي هو أننا دائماً نبحث عن النتائج وليس الآليات والأساليب والأدوات التي تحقق هذه النتائج . ونقصد هنا بالنتائج أن يكون

عندنا أفضل مبنى جامعي ، أو أكبر ملعب كرة ، أو أضخم فندق في العالم ، أو أجمل طريق بحري ، أو أغرب مستشفى من حيث التصميم … الخ .

ولكن هذه النتائج لم يوضع لها برامج استراتيجية لإيجاد الآليات المناسبة لإنتاجها مثلاً على التوالي مع أعلاه من دون إيجاد الآليات المناسبة لتطوير البرامج الرياضية ، ومن دون إيجاد الخطة المناسبة لتطوير السياحة في العالم العربي ، ومن دون إيجاد حل لشبكة المواصلات الوطنية ، ومن دون إيجاد البرامج الصحية المناسبة وعدد الغرف الكافية لمرضانا !! .

إذاً من حقنا جميعاً أن نسأل ، ماهو الحل للخروج من عنق الزجاجة الذي وضعنا أنفسنا فيه ؟ .
الحل طبعاً هو التخطيط الإستراتيجي للأمة ، وهذا لن يأتي إلا عن طريق المؤسسات . فمثلاً ألمانيا بعد هزيمتها المذلة في الحرب العالمية الأولى وجدت بأنه لابد من إعادة أمجادها ، ولكي تعيد أمجادها فلابد لها من التخطيط السياسي السليم . ففي عام 1924 م أسس ” معهد ميونخ للجيوبوليتيكا ” وانضم إلى هذا المعهد مجموعة كبيرة من المخططين من الإستراتيجين الألمان مثل ايريخ أوبست وأتومال وجوستاف وعلى رأسهم هاوسوهوفروأبنه البرخت ! . [ رياض ص 90 ] .
وهذا المعهد قدم خلاصة الخطط الإستراتيجية لكي تصبح ألمانيا دولة كونية ، أو كما نسميه في عصرنا الحالي القطب العالمي الأوحد ، ومن آراء هذه المدرسة ، بأنها قسمت الشعوب إلى شعب سيد وهو الشعب الألماني ، وشعوب معاونة  وهم بقية شعوب أوروبا ! . وكانت توصيات هذه المدرسة هو الإقلال من إستخدام القوة العسكرية قدر المستطاع ، إلا عند العمليات الإستئصالية الضرورية ، فمثلاً أوتومال يقول : ” إن التغلغل الإقتصادي الكامل له تماماً نفس الآثار المترتبة على الإحتلال

العسكري ” [ آل ثاني ، فهد ، جغرافيا سياسية ص 126 ] . وهم اللذين وضعوا التوزيع الإقليمي للعالم تحت المسميات التالية : أمريكا الكبرى ، وأوروأفريقيا ،
وروسيا الكبرى ، وآسيا الشرقية ! . [ رياض ص 96 ] .
ولكن كان أكبر مشكلة لهذه المدرسة هو النظام الشمولي لألمانيا الذي أنشأته النازية بقيادة أدولف هتلر ، بعد أن قام هتلر بتجميد قرارات البرلمان الألماني ، وأ صبحت السلطة مركزية في عصره ، وهذه المركزية جعلت هتلر يأخذ مايناسبه فقط من خطط معهد ميونخ ! .
وبعد الهزيمة المذلة لألمانيا في الحرب العالمية الثانية ، حدث مثل ما حدث في الأولى ، ثم قامت الولايات المتحدة بإستقدام معظم العلماء الألمان ، وكذلك أخذت المخطط الألماني للعالمية ، وحولت مايمكن إقتباسه من هذا المخطط لكي يوظف للولايات المتحدة لكي تصبح الدولة الكونية . فعلى سبيل المثال الخطة الألمانية للسيطرة على أمريكا ، وضعت برامجها لوحدة واحدة أسمها أمريكا الكبرى ذات تقسيم إداري هيراكي ، ونلاحظ المخططين الأمريكيين الآن يحاولون التخطيط لإنشاء دولة فيدرالية واحدة تحت مايسمى أوراسيا [ أوروبا وروسيا ] وتكون ذات تقسيمات إدارية هيراكية ، وذلك سوف يسهل السيطرة الإدارية الأمريكية على العالم القديم [ أوروبا وآسيا وإفريقيا ] .

إذاً هنا نرجوا أن يلاحظ القارئ الكريم أن مخطط أمريكا الكبرى الذي وضعه معهد ميونخ ، بعد أن دارت الرحى في ظهر المجن على أوروبا ، عكسته أمريكا وتريد تطبيقه على العالم القديم المذكور أعلاه ! .

ونجد أن الولايات المتحدة إنتبهت أيضاً إلى أنها لن تصبح دولة عالمية من دون

وجود مؤسسات للتخطيط الإستراتيجي ، وبرز دور هذه المؤسسات بعد الحرب العالمية الثانية ، وهي التي وضعت معظم الخطط للقوة المسيطرة على العالم الآن .
ففي مقالة للأستاذ محمد حسنين هيكل قال : ” بأنه عندما تأكد الأمريكيون من أن تصورهم الرأسمالي لن ينجح إلا بعقد صلح تاريخي بين الرأسمالي والمفكر .
ونتيجة لهذا المنطق الذكي للرأسمال الأمريكي نشأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية عشرات ومئات المؤسسات تحمل أسماء أصحاب أكبر المصالح روكلفر وراند
وكارنجي … الخ . وأصبحت كل واحدة من هذه المؤسسات ( شبه حكومة ) تتمتع بنوع من الإستقلال الذاتي وتمارس نشاطات غير محددة في مجال التفكير الإستراتيجي ، ورسم السياسات ، ومتابعة الأزمات ، وكتابة الأوراق ، واقتراح الحلول والتفاوض أحياناً ، وقد وجد الجميع في كفاءة المؤسسة ، تحقيقاً شديد الكفاءة لهدفين : 1- اكتشاف ورصد ودراسة الفضاءات التي تريد المصالح الكبرى أن تعمل فيها وتتوسع وتزيد أرباحها .
2- ثم القيام على علاقة صلة قرب من دوائر القرار السياسي ومتابعة مداخلها ومخارجها ، بما يحقق درجة من التوافق تسمح بتبادل المساعدة ، وتعظيم الفائدة .

وبالفعل هذه المراكز استطاعت أن تقدم لأمريكا مجموعة من المخططين الإستراتيجين أثناء الحرب الباردة ، وبعدها مثل : ماك جورج باندي ، وهنري كيسنجر ، وزبجنيو  بريجنسكي ، وكوندليز رايس ، وشولتز ، وبراون ، ورامسفيلد ، وريتشرد هاس … الخ .

المضحك المبكي ، أن أحد متخذي القرار العربي ذهب إلى إحدى هذه المراكز وقال لهم إعتبروني واحداً منكم ، فأثار عرضه الكثيرمن الدهشة والتساؤل لديهم : هل هذا المسؤول يقصد بعرضه هذا أنه يرغب في إلقاء جنسيته وحمل

الجنسية الأمريكية معنا ؟ أم أنه يجهل بأننا نخطط لإبقاء أمريكا إلى أقصى حد ممكن من الزمن الدولة المهيمنة لكل مقدرات العالم ؟! .
نحن لانستطيع أن ننكر بأن الدول العربية ، وخاصة ً دول مجلس التعاون الخليجي منذ نهاية الحرب الباردة ، وبالتحديد في الفترة مابين سبتمبر إلى مايو من كل عام ، تستضيف الكثير من المؤتمرات الإقليمية والعالمية الإستراتيجية ، وأن تكلفة هذه المؤتمرات تصل إلى أضعاف قيمة ميزانية المؤسسات الإستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية ! .

لكن يفترض أننا ندرك بأن هنك بوناً شاسعاً مابين مصطلحي مؤتمرات ، ومؤسسات ! ، فكلمة مؤتمر إذا لم يكن لها قاعدة لكي تحدد الأهداف الإستراتيجية التي أقيم من أجلها المؤتمر مثل تقوية العلاقات الدولية ، وتحليل التصور الفكري عند الآخر ، وجمع المعلومات وتمحيصها وتدقيقها بعد نهاية المؤتمر ، وأخذ الخلاصة منها وتوظيف المعلومات المستخلصة لمصلحة الأمة المنظمة للمؤتمر .

إذاً .. إذا لم يقدم المؤتمر المعلومات المذكورة أعلاه ، فإسمحوا لنا بأن نسميه مؤتمراً إستعراضياً وليس مؤسسياً ! .
ومن هنا يكمن الفرق بيننا وبينهم ، فمؤسساتهم لها أهداف  إستراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى ، أما مؤتمراتنا ذات الأهدف الإستعراضية الإعلامية الدعائية ينتهي كل شيئ بالنسبة لنا بمجرد إنتهاء المؤتمر ، والعكس صحيح بالنسبة للمؤسسات الإستراتيجية العالمية يبدأ كل شيئ عندهم بعد نهاية المؤتمر !! .

ويمكننا أن نقيس الفرق مابين مؤتمراتنا ، ومؤسساتهم ، بطرح بعض الأسئلة التي يمكن أن يشارك الجميع في الإجابة عليها :

أولاً : كم عدد مؤسسات التخطيط الإستراتيجي في كل قطر خليجي ؟ ومامدى مشاركتها في صناعة القرار الخليجي ؟! .
ثانياً : كم عدد المؤلفات الخليجية التي أنتجت بعد إستضافة المؤتمرات العالمية ، تبرز ارآء الضيوف والمضيفين وأوراق العمل التي شاركوا بها ؟! .
ثالثاً : ماهي المساهمات التي قامت بها دولنا لكي يستطيع المفكرين المحللين الإستفادة من هذه المؤتمرات الإستفادة القصوى ؟! ، وخاصةً الخبراء العالميين القادمين إلى دولنا ؟! .
رابعاً : كم أإسهمت هذه المؤتمرات في مساعدة وتطوير المفكرين والمخططين السياسين والإقتصاديين والإجتماعيين المحلين ، لكي ينعكس تطورهم على الساحة المحلية من خلال بحوثهم ومقالاتهم وندواتهم لتطوير برامج العمل الوظيفي ؟! .
خامساً : والسؤال الذي يطرح نفسه ماهي الفائدة من هذه المؤتمرات من دون قاعدة مؤسساتية ؟! .
وفي الختام المذكور مجرد مساحة للفكر ونحترم ارآء الجميع سواءً يتفق أو يختلف معنا ! .

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله تعالى ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *