بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
في دراسة سابقة لنا نشر ملخص لها في الراية في مطلع عام 2002م ، وكان من المفترض أن تنشر كاملة في مجلة المستقبل العربي في منتصف عام 2002م تقريباً ، وذلك
قبل أن تغزو أمريكا العراق ، ولكن ارجئ نشرها لأسباب فنية خاصة بالناشر إلى يناير 2004م في العدد 299 مجلة المستقبل العربي 0
وكما يعرف معظم المتخصصون في هذا المجال بأن التدخل الأمريكي في هذه المنطقة يرتكز على محورين استراتيجيين أساسيين هما : المحور الأول : السيطرة المطلقة على
الهايدروكاربون الشرق أوسطي ؛ والمحور الثاني : تغيير المجال الجيوسياسي الشرق أوسطي بما يتناسب مع مصلحة أمريكا وإسرائيل ، وفي النهاية المحورين يصبان في خدمة
استراتيجية أمريكية مركزية واحدة وهي ضمان السيطرة المطلقة العالمية لفترة لا تقل عن خمسين سنة على أقل تقدير 0
الذي يهمنا من ضمن هذه الدراسة هو توضيح أهمية المحور الهايدروكاربوني بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية ؛ لأن الحظر الشكلي للنفط استخدم عربياً في عام 1973م
، وقد أتت هذه البطاقة ثمرتها آنذاك ، ولكن لا ندري هل استخدمه العرب كتكتيك ، أم استخدم كاستراتيجية ؟ 0 وفي رأينا بأنه لا هذا ولا ذاك ، بل كان رد فعل معنوياً للنتائج الإيجابية التي
حققها المقاتلون العرب على الأرض آنذاك 0 والدليل على أن القرار المذكور آنفاً كان رد فعل ، هو أننا لم نلمس حلقاته المتواصلة إذا كان تكتيكاً ، ولم نر أنه قد حقق للأمة العربية
والإسلامية استراتيجية محددة لكي تسمو بين الأمم ، على رغم القفزة الكبيرة التي تحققت لأسعار النفط ، بحيث قفزت من 3 دولارات قبل عام 1973م ، إلى أكثر من 40 دولاراً بعد عام
1979م ، وكان ذلك متزامناً مع الثورة الإسلامية في إيران 0 ولكن هذا الربيع لم يستمر طويلاً ، حيث تحول بعد ذلك إلى خريف قاتم ومازال مستمراً حتى الآن 0
فالدول الصناعية وضعت مجموعة تكتيكات لكي تصل إلى استراتيجية في المستقبل المنظور ، وهذه التكتيكات هي عندما قال كيسنجر عام 1979م ” لا تفاوض مع منتجي
البترول إلا بعد أن نرتب بيتنا من الداخل ” ، وحدث ذلك بالفعل وأنشأوا وكالة الطاقة الدولية في باريس 0 وكان للوكالة الدولية تصورين رئيسيين هما : (أ) قصير المدى وهو نظام يسمى
المخزون الاستراتيجي ؛ و (ب) طويل المدى وهو البحث عن الهايدروكاربون خارج منطقة الشرق الأوسط ، والبحث عن مصادر أخرى كبدائل للطاقة 0 وبالفعل حدث انهيار لأسعار النفط
في عام 1985م ، وأصبحت قيمة برميل النفط أرخص من قيمة برميل التراب لو أردنا استيراده من أوربا الغربية كما سنوضح ذلك لاحقاً 0 ونجد أن سعر برميل النفط في بعض الفترات من
منتصف الثمانينيات من القرن الماضي قد وصل إلى 6 دولارات للبرميل ، أي فقط ما يقارب 15 بالمئة من سعره قبل خمس سنوات (1980) 0 وحتى هذه الفترة مازال النفط يعاني تبعاتها ،
حيث وصل سعر برميل النفط في أواخر عام 2001 إلى 20 دولاراً ، وإذا أخذنا في الحسبان معدل التضخم السنوي في العالم ما بين 3 بالمئة إلى 5ر2 بالمئة ، فسنجد أن سعر البرميل
الحالي يعادل في القوة الشرائية سعر البرميل عام 1973م الذي كان يساوي 3 دولارات أو أقل من ذلك 0
أما الخطة الطويلة المدى التي ابتكرها الغرب فكانت :
1- البحث عن النفط في مناطق أخرى غير الشرق الأوسط ، ومنها المناطق القطبية وبحر الشمال وأفريقيا ووسط آسيا ، ولكن النتائج غير مشجعة لوكالة الطاقة الدولية
بحيث بقيت منطقة الشرق الأوسط القطب الرئيسي للطاقة ، وتمتلك 68 بالمئة من احتياطيات النفط 0 وأما ما تبقى من احتياطيات النفط فتتوزع كالتالي : أمريكا الوسطى والجنوبية 9 بالمئة
، أمريكا الشمالية 8 بالمئة ، وأفريقيا 7 بالمئة ، وروسيا الاتحادية 5 بالمئة ، وبحر الشمال 2 بالمئة ، والجمهوريات المطلة على بحر قزوين 2 بالمئة 0
وفي النهاية ، فإن الصورة واضحة لدينا ، فالسيادة في احتياطيات النفط بقيت لدول الشرق الأوسط ، والأهم من ذلك أن تكلفة إنتاج برميل الشرق الأوسط هو من 2 إلى 1
دولار ، ويقابله تكلفة إنتاج أرخص برميل في معظم النفط المذكور وهو يقفز إلى 5 دولارات 0
وبالتالي فبالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها من كبار مستهلكي النفط فإنهم وجدوا أن استراتيجية إذلال الشرق الأوسط من خلال إيجاد احتياطيات نفطية ضخمة في أقاليم
جغرافية أخرى أصبحت فاشلة كما ذكر سلفاً 0 وكان لابد لها من سيناريوهات جديدة للسيطرة على الثروة النفطية في المنطقة ، وكان أكثرها فاعلية في المنطقة هو ما يسمى بمعادلة خلخلة
التوازن ( أو كما تسمى بالعامية لخبطة أوراق المنطقة ) 0 وهذه السيناريوهات آتت ثمارها ، فأصبحت تسعيرة النفط صعوداً وهبوطاً تتحدد من واشنطن دي 0 سي 0
2- الغاز الطبيعي ، حاول الغرب من خلال سياسة التوازن الجغرافي إنتاج الهايدروكاربون ، ومن خلال استراتيجية بالإحلال التوسع في صناعة الغاز الطبيعي 0 ولكن الغاز
الطبيعي لم تتطور التكنولوجيا الخاصة به إلى الآن لتجعله بديلاً كلياً للنفط، وكذلك تكلفته عالية 0 مثلاً سعر تسليم الغاز ميناء الوصول هو 50ر3 دولار لكل مليون وحدة حرارية BTU ؛ إذاً
ربحية تصدير الغاز بما فيها ثمن المادة الخام سوف لا تتجاوز 36ر دولار لكل BTU ، إذ تقدر التكلفة بنحو 14ر3 دولار 0 وبتحويل هذه الأرقام إلى ما يناظرها من نفط ، تصبح ربحية الغاز
نحو 80ر1 دولار لما يعادل برميلاً من النفط الذي يحقق ربحية قدرها 18 دولاراً 0 وكذلك على رغم كل سيناريوهات الإحلال ، والمحاولات المستميتة لتهميش دور الشرق الأوسط في
احتياطيات الغاز الطبيعي ، إلا أن أكبر مخزون استراتيجي لاحتياطيات الغاز بقي في العالم الإسلامي والشرق الأوسط هو كالتالي : الشرق الأوسط والعالم الإسلامي 7ر49 بالمئة ، وروسيا
الاتحادية 9ر32 بالمئة ، وأمريكا الشمالية 6ر5 بالمئة ، وأمريكا اللاتينية 3ر4 بالمئة ، وبقي في آسيا غير الإسلامية 9ر3 بالمئة ، وأوربا 6ر3 بالمئة 0
3- التوسع في الفحم الحجري ، وهو يواجه الكثير من المشاكل البيئية في الدول الصناعية ، ويعتبر من أقذر أنواع الوقود الحفري تلويثاً للبيئة 0
4- التوسع في توليد الطاقة من المفاعلات النووية 0
5- الطاقة المائية المتجددة 0
6- الطاقة المولدة بواسطة الرياح ، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية 0
ولكن مع كل المحاولات المضنية لإيجاد بدائل الطاقة نجد أن السيادة بقيت للطاقة الهايدروكاربونية والوقود الحفري ، بحيث يمثل النفط 40 بالمئة من حجم الطاقة المستخدمة
عالمياً ونمو الطلب عليه 8ر1 بالمئة سنوياً ، والغاز الطبيعي 21 بالمئة من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ونمو الطلب عليه 3ر3 بالمئة سنوياً ، وحجم استخدام الفحم الحجري 21 بالمئة
ونمو الطلب عليه 7ر1 بالمئة سنوياً ، والطاقة النووية 6 بالمئة من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ونمو الطلب عليها – 4ر0 بالمئة ، أما حجم استخدام الطاقة المائية المتجددة فهو 5ر7
بالمئة والنمو السنوي 5ر2 بالمئة 0
والأمر الخطير بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها هو أن تكاليف الوقود من الحفري مازالت باهظة جداً ، ولم تتوصل الدول الصناعية لاستخدامها بشكل فعال ومرن،
وذلك مثل : الطاقة الشمسية ، والطاقة المولدة بالرياح ، والهيدروجين ، والمساقط المائية ، والطاقة النووية ومخاطرها الاشعاعية أيضاً 0
إذاً سيبقى العالم ولفترات طويلة من الزمن ، مصدره الرئيسي للطاقة هو الوقود الحفري ، حيث يشكل الآن 85 بالمئة من الطاقة المستخدمة عالمياً 0 وخلاصة القول على
رغم المحاولات المهلكة لوكالة الطاقة الدولية ، ودعمها لمنتجين جدد من خارج أوبك ، إلا أن الدور الأمريكي بالتلاعب بالتوازن الاستراتيجي الأمني هو الشاغل الأكبر بالنسبة إلى دول
الأوبك 0 ولا نستطيع أن ننكر بأن أمريكا استطاعت اختراق هذا التحالف 0 ويجب أن نعترف بأنه على المدى القصير استطاعت الولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية من تقليص دور
الأوبك ، بحيث كانت الأوبك قبل الحظر النفطي الذي طبقته الدول العربية على حلفاء إسرائيل تسيطر على 85 بالمئة من صادرات السوق الدولية من النفط ، وفي منتصف الثمانينيات
أصبحت حصة أوبك 60 بالمئة ، وفي الألفين أقل من 40 بالمئة 0
ولكن ذلك لا يعني إطلاقاً تقلص أهمية الأوبك ، لأن الاحتياطيات الضخمة موجودة في أوبك : بحيث تصل الآن إلى 68 بالمئة تقريباً من الاحتياطي العالمي للنفط، ونمو الطلب
العالمي على النفط هو 8ر1 بالمئة سنوياً ، أي الصادرات النفطية الآن هي 75 مليون برميل يومياً ، ويتوقع أن تصل إلى 115 مليون برميل يومياً عام 2020 0 وفوق ذلك كله ، يعتبر
النفط بشكل عام ، ونفط الخليج بشكل خاص ، أرخص مصادر الطاقة عالمياً ، حيث أن أقصى ما تتقاضاه الدول المصدرة للنفط هو 20 بالمئة من القيمة الفعلية للنفط بعد وصوله إلى
المستهلك النهائي في الدول المستوردة 0 وأيضاً يمتاز النفط بأنه مادة أولية لمعظم الصناعات ، وتشاركه في ذلك مصادر الوقود الحفري الأخرى 0
وإذا كان العالم الصناعي في يوم من الأيام يبحث عن طاقة جديدة أو مصادر بديلة للطاقة الهايدروكاربونية ، مخافةً من ارتفاع أسعار نفط الشرق الأوسط ، مما سوف يؤدي
إلى انهيار نظامهم الاقتصادي ، إلا أنهم الآن يسعون حثيثاً لإيجاد مصادر أخرى للطاقة لتحل محل النفط قبل نضوبه فمثلاً الجيولوجي ديفيز ، ومن خلال تطبيق المنحنى الجرسي على
التوسع في الاكتشافات النفطية ، ( ومن صفات المنحنى الجرسي أنه في نهاية المطاف يبلغ الذروة ثم سرعان ما يبدأ بالانحدار ) ، فإنه عندما طبق هذه النظرية الإحصائية عام 1989م على
إمدادات النفط العالمية صعق لرؤيته أن نقطة الذروة لم تعد على بعد عدة عقود كما كان يعتقد ، بل مجرد سنوات قليلة ( في الفترة ما بين عامي 2004 و 2008م ) 0
ومن ناحية جدلية ، نجد أن الخبير العالمي في صناعة النفط الشيخ أحمد زكي اليماني قال ” ذاكرة أوبك قصيرة ، وستدفع ثمناً غالياً لعدم تدخلها عام 1999م للسيطرة على
أسعار النفط 0 الآن فات الأوان للتحرك ، العصر الحجري انتهى لكن نهايته لم تكن لنقص الحجارة 0 والعصر النفطي سينتهي ، ولكن ليس لنقص النفط “0
رأينا العلمي في دراسة منشورة في نيسان / أبريل 2000 ” إذا كان هناك طاقة بديلة للنفط فلن يتحقق ذلك عملياً قبل عام 2050م ، أما النضوب فهو وارد قبل ذلك ” 0
الذي جعلنا نبدأ بالمقدمة السابقة ، هو ما قاله الكاتب الاقتصادي روبرت جيه صامو يلسون في نيوزويك 24/2/2004م ، والذي كرر ما ذكرناه في دراسة لنا قبل عامين
تقريباً ، فيقول صامو يلسون : ” إن المنتجين والمستهلكين يتشاركون في مصالح مشتركة ، بين أهداف أوبك 22 دولار ، 28 دولار للبرميل ، يبدو معقولاً ، والأسعار تربو على ذلك بعض
الشيء حالياً ، على الرغم من أنها بعد تعديلها لأخذ التضخم بنظر الاعتبار ، أقل مما كانت عليه في الفترة الممتدة بين عامي 1973 – 1985م 0
ويضيف صامو يلسون : ” بأن أوبك الكارثل الذي نحب أن نكرهه ، عبر الاعتراف بأنه يتعين علينا أن تكون لنا أجندة مشتركة ، وعلى فرض أن أوبك ستظهر ضبطاً مشابهاً
للنفس ، بعدم محاولة تحريك النفط إلى 40 أو 45 دولار للبرميل ، فإن ذلك سيكون تحالفاً قيماً 0
ولسوء الحظ ، فإن ذلك له حدود 0 فنحن مازلنا بحاجة إلى أن نملأ الاحتياطي الاستراتيجي من البترول إلى ما فوق هدف 700 مليون برميل ، إلى بليون برميل أو أكثر 0
ويشكل هذا ضمانة حصينة ضد الرعب النفطي الأقصى ، الذي على الرغم من أنه لم يقع ، ولكن لا يزال عموماً حتى نكون واضحين من الناحية الاستراتيجية ، خطورة الارتفاع لأسعار النفط
، تماثله خطورة أخرى في حالة انهيار أسعار النفط 0 ففي (FP) عدد يناير – فبراير 2004م تقول : إن النفط والغاز يمثلان 20% من اقتصاد روسيا ، و 55% من أرباح صادراتها ، و
40% من إجمالي دخلها الضريبي وروسيا هي ثاني مصدر للنفط بعد السعودية ، كما أن باطنها يختزن 33% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم 0 وتمد أوربا بــ 30% من احتياجاته
من الغاز 0 وانهيار أسعار النفط عام 1998م أدى إلى انهيار اقتصادي في روسيا 0 ونضيف هنا لو استمر الانهيار الاقتصادي في روسيا لأكثر من سنة كاملة لأدى ذلك إلى عودة الحرب
الباردة مرةً أخرى ، أو لا سمح اللّه إلى حرب عالمية ثالثة 0
وكذلك ذكرنا العنصر الخطير الآخر الذي انقذ أسعار النفط ، أتى من الجانب الآخر للمحيط الأطلسي ، وهو عندما بدأ منتجي النفط الأمريكان بالتحرك ، وذلك بسبب انخفاض
أسعار النفط ، أدى ذلك إلى كساد في صناعة الهايدروكاربون في الولايات المتحدة ، وذلك مما حدى إلى جماعة الضغط الأمريكان ، بالضغط على ممثليهم في الكونجرس ، بالضغط على
الحكومة الأمريكية ، لكي تمارس ضغطها على المنتجين الأجانب ، لكي يقوموا ببعض الآليات التي تؤدي إلى رفع سعر نفطهم في السوق الدولية ( راجع مقالة لنا في العدد 275 يناير
2002م ، مجلة المستقبل العربي ) 0
ويقر بعض المحللين الأمريكان بأنه منذ عام 1999م نجحت أوبك بشكل متزايد في تحديد أسعار النفط ، ولم يحدث ضرراً بسبب اضطرابات سوق النفط منذ الأزمة الأخيرة
المذكورة أعلاه 0
ولكن التحدي 00 هل يستمر هذا الاستقرار النفطي أم لا يستمر ؟ 0
من الممكن أن نجيب على ذلك من خلال مقالة مقنعة نشرت في (The Daily Star Februnry 28.2004) للسيد إبراهيم مراسل صحيفة (New York Times)
ومحرر صفحة الطاقة في صحيفة (Wall Street Journal) سابقاً ، ما قاله السيد إبراهيم : الشركات الأمريكية النفطية الكبرى لم تعد مسيطرة على صناعة النفط في العالم باستثناء
شركة (Exxon Mobil) 0 فبسبب الأسلوب العدائي الذي استخدمته أمريكا ضد الشرق الأوسط منذ أكثر من عقدين من الزمن افقدها الكثير من المناطق الهايدروكاربونية الاستراتيجية
عالمياً مثل : إيران وليبيا والعراق قبل الاحتلال00إلخ0
واستغلت الشركات الأوربية فرصة خروج الشركات الأمريكية أو طردها من بعض دول المنطقة أحسن استقلال مثل : شركة (Totalfina ELF) الفرنسية ، و (ENI)
الايطالية ، و (SHELL) و (BP) البريطانية ، و (Statoil) النرويجية ، و (Repsol) الاسبانية ، وشركة ارامكو السعودية 0
كل الشركات العالمية المذكورة أعلاه حلت محل الشركات الكبرى الأمريكية في منطقة الخليج والشرق الأوسط 0 ومن هنا يرى بعض المحللين ، ربما أن مجالس إدارات
الشركات الكبرى ضغطت على المحافظين الجدد لكي يحتلوا العراق ، وذلك سيسهل على الأمريكان تفكيك تحالفات أوبك ويصبح وجود الأمريكان في المنطقة يمثل أمراً واقعاً 0
وبالفعل حدث أن أمريكا استطاعت أن تحتل العراق خلال فترة زمنية قصيرة جداً، ولكنها منذ احتلالها العراق لم تستطع أن ترسخ الاستقرار في العراق ، والاستقرار سيساعد
الأمريكان على تنفيذ استراتيجيتهم النفطية في العراق والمنطقة ، ولكن الأمريكان قاربوا منذ احتلالهم العراق إلى سنة كاملة ، ولكن لم يستطيعوا أن يعيدوا إنتاج العراق النفطي حتى إلى
مرحلة قبل الاحتلال وهي المرحلة التي كانت العراق محاصرة فيها أصلاً 0
أما بالنسبة للسعودية ، فتحاول أن تبحث لها عن أسواق نفطية جديدة غير الأمريكان ، وخاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر كانت الاستراتيجية الأمريكية ما بين خيارين ، إما احتلال
السعودية وبعد ذلك الذهاب إلى العراق ، أو احتلال العراق وتطبيق الاستراتيجية الأمريكية التي تنفذ على العراق على المملكة العربية السعودية ، ولكن نستطيع أن نقول شيئاً إلى أن نرى ما
ستنتهي عليه الاستراتيجية الأمريكية في العراق 0 وكذلك مناطق نفطية أخرى تشعر بعدائية الاستراتيجية الأمريكية ضدها مثل فنزولا ، وإيران التي صنفت من ضمن محاور الشر (
Axisofevil) 0
الصدمة الحقيقة التي واجهتها أمريكا هي عندما رفض مجلس الحكم العراقي (المعين أمريكياً ) خصخصة قطاع النفط ، بالرغم من أنهم وافقوا على خصخصة جميع
القطاعات الاقتصادية الأخرى أمام الاستثمارات الأجنبية 0 والصفعة الثانية التي تلقتها الإدارة الأمريكية هي عندما قامت السلطات الروسية بسجن المستثمر الروسي خودوروفوسكي رئيس
شركة (Yukos) لأنه كان مخططاً لبيع معظم أصولات الشركة الروسية إلى شركة (Exxon Mobil) الأمريكية 0
بخسارة أمريكا لامتيازاتها النفطية في الشرق الأوسط ، ذلك يجعلها تخسر مناطق احتياطيات نفطية سيطرت أمريكا على امتيازاتها منذ أكثر من 70 عاماً 0
المشكلة الأمريكية ليست الدول المنتجة فحسب ، ولكن المنافسين الصاعدين في الاستهلاك النفطي مثل : الصين والشرق الأقصى الآسيوي ، وجنوب شرق آسيا ، والاتحاد
الأوربي 0 فمثلاً معظم نفط الخليج العربي : السعودية والعراق وإيران والإمارات العربية المتحدة يسوق لآسيا ، والأغرب من ذلك ان انخفضت الصادرات السعودية إلى أمريكا من 25% من
صادرات السعودية قبل أحداث أيلول الأسود الأمريكي ، إلى 10% الآن فقط من الصادرات السعودية النفطية إلى أمريكا 0
والخلاصة ، الاستراتيجية الأمريكية القصيرة المدى لابد لها من البحث عن مناطق نفطية جديدة ، لاسكات الشركات الأمريكية ، فرأي السيد إبراهيم : بأنه من أفضل الحلول
لأمريكا على المدى القصير هو إعادة العلاقة مع ليبيا ، رغم كل ما قالته أمريكا سابقاً عن ليبيا ورئيسها العقيد معمر القذافي مثل : (1) بأنه نظام مطلق وعديم الرحمة (2) وبأنه فجر طائرتين
مدنيتين إحداهما أمريكية والأخرى فرنسية وقتل الكثير من الأبرياء (3) وبأنه قضى على الإمام الصدر زعيم شيعة لبنان السابق (4) وبأنه قتل المعارض الليبي منصور كيخا (5) وبأنه قتل
واعتقل الآلاف من مواطنيه عندما يطالبون بحقوقهم السياسية 0 وبقدرة قادر تغيرت السياسة الأمريكية نحو ليبيا0 لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل السياسة الأمريكية تغيرت نحو ليبيا أم
أمام اغراءات النفط الليبي ؟ 0
وفي الختام في رأينا الشخصي بأن الاستراتيجية الأمريكية في ليبيا تعتبر قصيرة المدى ، والاستراتيجية الأمريكية في دول مجلس التعاون متوسطة المدى ، والاستراتيجية
الأمريكية في العراق طويلة المدى 0 فهل نستوعب أصول اللعبة ؟ 0 وللمهتمين ، من الممكن مراجعة ندوة لنا قدمناها في جامعة قطر في خريف 2003م وقامتا صحيفتي الراية والوطن
مشكورتين بتغطيتها تغطية كاملة ، وكذلك ستنشر كلية الإنسانيات في أواخر ربيع 2004م كتاباً يحتوي على ندوات الكلية ومن ضمنها دراستنا الموسومة : ( جدلية الاستراتيجية الأمريكية في
الشرق الأوسط ) 0
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،