بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
كنا في إحدى الدول العربية الشقيقة ، فقابلنا أحد إخواننا الصحافيين وسألنا : ما هو رأيكم في الثورة الإصلاحية التي يشهدها العالم النامي في القرن الواحد والعشرين ؟ 0
قلنا له : نعم خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي سمعنا عن ثلاث ثورات في عالمنا النامي ، وكانت تحت مسميات متعددة ومنها : ثورة الشباب في التسعينيات ، وثورة الطلائع في التسعينيات ، والثورة الإصلاحية 000 إلخ 0
وكانت هذه الثورات جميعها استجابةً لنهاية الحرب الباردة ، وانتهى في العالم ما يسمى بالقطبية الثنائية ، وبرز في كوكبنا مسماً جديد يدعى القطبية الأحادية المركزية0 وبرامج القطبية الأحادية لكوننا هذا هي : العولمة الاقتصادية والسياسية ، وإعطاء الشعوب هامش من الديمقراطية ، والحياة الليبرالية ، ومساواة المرأة بالرجل ، وصيانة حقوق الإنسان ، والعدالة في توزيع الدخل والمناصب 0
ومنذ أن طالبت الولايات المتحدة بنظامها العالمي الجديد بالإصلاحات الكونية المذكورة ، كانت معظم الأنظمة الديناصورية جاهزة لتتواكب ظاهرياً مع هذه الإصلاحات، واختارت معظم هذه الأنظمة الموجودة أصلاً منذ سبعينيات وستينيات القرن الماضي ، شعارات جديدة ، وهو ما يسمى بالأنظمة الشابة ، أو الأنظمة الطلائعية ، أو الأنظمة الإصلاحية 0 وإذا لم تصدقوا ، اعيدوا قراءة التاريخ ، ولاحظوا ما هو الفرق ما بين الأنظمة الديناصورية ، والأنظمة الإصلاحية المعاصرة 0
فكانت هناك مداخلة قوية من زميلنا الصحفي قائلاً : إذاً ماذا تسمون الإصلاحات الحديثة ؟ 0
نعم هناك ما يسمى بالإصلاحات ، ومنها ما نستطيع أن نسميه لك بالديمقراطية الدوجماتية ، بمعنى آخر ديمقراطية تعطي هامش من الحياة النيابية المنتخبة ، ولكن لا توجد صلاحيات تشريعية تذكر على الاطلاق 0 وحرية إعلامية ، ولكن نجد أن الإعلام ديما نحوجي ، ويركز بحرية على معظم القضايا خارج الوطن ، ولكنه لا يقترب من القضايا القطرية ، أو الأقاليم السياسية التي علاقتها استراتيجية مع مالكيه 0 والمجتمع المدني معظمه مسّيس ويقع تحت سيطرة مباشرة للسلطة السياسية ، علماً بأن من شروط المدني أن يعطى الفرصة المطلقة لكي يشكل نفسه بنفسه فكرياً وسياسياً ووظيفياً 0
فأجابنا زميلنا الصحفي : ما قلتموه لي هو الحقيقة ، ولكنني أريد منكم كلاماً يبسط إلى فوق عني وعنكم 0
فقلنا له ما طار طيراً وأرتفع إلا كما طار وقع ، وإذا كنت أنت ترى بأن هناك أناساً فوق بالفعل تهمهم المصلحة العامة ، فيجب أن يتعاملوا بشفافية ويعلموا أن إصلاحاتهم الظاهرية لا تنطلي لا على معظم مجتمعاتنا ، ولا حتى على الولايات المتحدة إذا كانوا يعتقدون بأن ذلك ارضاءً لها 0
ونود أن نذكرهم جميعاً بأن ما ذكرناه من إصلاحات صورية أعلاه ، بأن الولايات المتحدة على علم تام به ، وكذلك تعلم عن جميع الرشاوي والسلب والنهب الذي يحدثه المسؤولين في دول العالم النامي للمال العام ، ولكن ذلك سيستخدم ضدهم كبطاقات ضغط في الأوقات المناسبة ، وما ذكرناه لكم هنا ، هو ما قاله لنا بعض الزملاء الأمريكان الذين نلتقي معهم في المؤتمرات العلمية والفكرية المتنوعة 0
فقفز زميلنا الصحفي وقال : أنا لا يهمني الأمريكان ، أنا يهمني أنتم المواطنون العرب ، فقلنا له نحن 00 نحن قدمنا على ما نذكر منذ بضعة سنوات في صحيفة الوطن القطرية ، وقلنا في هذه البيعة لمعظم الزعماء العرب : ” الاقتصاد لكم ، والسياسة لكم ، والجيش والأمن لكم ، والثروات الطبيعية والموارد الاقتصادية لكم ، والمؤتمرات لكم ، والرياضة لكم ، والبرامج التعليمية لكم ، والمجتمع المدني لكم والسلطات التنفيذية والتشريعية والبرلمانات والقضائية والرابعة لكم ” 0
فتوقفنا لبرهة ، ثم قلنا لزميلنا الصحفي : اتعلم ماذا حدث بعد هذه البيعة ؟ فقال: ماذا ؟ قلنا له : قفز أفلاطون من قبره وقال هذا خنوع واستسلام 0
ولكننا نبهنا جميع إخواننا المواطنين في العالم النامي ، أن ما يقوله أفلاطون محض افتراء ، ويريد أن يزرع الفتنة في المجتمع 0
وفي الختام نحن شعوب مغلوبة على أمرها ومقدورٌ عليها ، ولكن المارد العالمي الأوحد لا يعجبه ظاهرياً خنوعنا ، فهو مصر على أن يعطينا الديمقراطية والمشاركة في إدارة أوطاننا وعدالة توزيع الدخل وصناعة مجتمعات مدنية جديدة غير مسّيسة 0
ووضعت الإدارة الأمريكية والإسرائيلية مجموعة من السيناريوهات للمنطقة ومنها الديمقراطية ، وجدوا بأن معظم شعوب المنطقة ملتزمين بالدين الإسلامي ، وأن الديمقراطية ستحضر متدينيين أو كما يسموهم أصوليون لدفة الحكم 0 وكان قبل ذلك تم رفض الأحزاب القومية العربية عن وصولها إلى دفة الحكم لأن حسب رأيهم بأن القومية العربية ولدت قيادات راديكالية مثل البعث العربي في كلٌ من سوريا ، العراق، والقوميين العرب في مصر وليبيا 0
وكنا في الأول من يونيو 2002م كتبنا في الراية العدد 7329 : بأن مايكملويبي الباحث في مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والسياسية في واشنطن والقدس المحتلة وضع سيناريو لنظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط :
1- مستقبل العراق سيؤثر بشكل عميق جداً على كل موازين القوى في الشرق الأوسط ، فالمعركة لإعادة تعريف البلد ، السيطرة عليه ، هي بالاستتباع معركة للسيطرة على ميزان القوى في المنطقة على المدى البعيد 0
2- البعث مثل الشيوعية تعيش أيامها الأخيرة والقضية الآن هي ما إذا كان الغرب وإسرائيل سيصوغان استراتيجية للحد من الفوضى التي سيحدثها هذا الانهيار : استراتيجية تملي على الولايات المتحدة أساساً التخلي عن سياسة التسوية العربية- الإسرائيلية الشاملة لمصلحة مفاهيم جديدة للهوية ولموازين قوى الشرق الأوسط 0
3- وهو مربط الفرس : الدول العربية في المنطقة مخلوقات اصطناعية وسكان سوريا والعراق على سبيل المثال لا الحصر يعرفون أنفسهم من خلال وحدات اجتماعية كالعائلات والقبائل والعشائر ، والحل يكمن في مؤسسة الأبحاث في تأسيس “دولة عربية جديدة ” على أسس عائلية أو قبلية أو عشائرية ، على أن يعاد بعد ذلك إقامة التحالفات القبلية بينها على امتداد الشرق الأوسط بإشراف الغرب وإسرائيل 0
كما يقول بعض المفكرين العرب بأن التغيير قادم قادم لا محالة 0 ونستطيع أن نقول لكم بأن ما حدث للعراق في أبريل 2003م حول حجر الزاوية للتغيير ، وبعد ذلك سيبدأ مسلسل التغييرات في الدول الإسلامية والعربية والاستراتيجية مثل : باكستان وإيران والسعودية وسوريا ومصر والسودان 00 إلخ 0
ونلاحظ هنا بأن بعض القيادات السياسية في العالم الإسلامي والعربي بعد انهيار العراق ، بدأت ببعض التحركات لإصلاح ذات البين على المستوى القُطري ففي الحياة العدد 14630 : ذُكر أن الرئيس الباكستاني أوفد جنرالين على مستوى رفيع للقاء مخدوم أمين فهيم ممثل بوتو في إسلام أباد ، وذلك من أجل تنسيق المواقف بشأن التعديلات الدستورية التي وضعها وترفضها المعارضة 0 ولكن فهيم رفض البت بالتعاون ما لم يعود إلى زعيمته بوتو التي تنتقل بين العواصم الغربية وتدعو أمريكا إلى إسقاط مشرف والقضاء عليه 0
ونحن لا نستغرب حدوث هذه الاضطرابات بين زعماء العرب والمسلمين ، وصحيفة هاآرتس تقول : لا ، ليس هذا سقوط سور برلين 0 فسقوط سور برلين نبع من مسيرة نضوج داخلية ، وليس لغزو خارجي ، فسقوط سور برلين جرى في أعقاب ثورة مدنية هادئة ، وليس في أعقاب حرب عنيفة 0 ما ولد منذ فترة قريبة في بغداد هو شرق أوسط جديد 0 لا أحد يعرف كيف سيكون شكله 0 ولكن لن يكون كما كان عليه في الخمسين سنة الأخيرة 0 لن يكون منطقة تحكمها سلسلة من الطغاة المتحجرة الفاسدة 0
الآن كل شيء منوط بالمجتمعات العربية نفسها 0 كل شيء منوط بالجمهور العربي 0 ذلك أن ما فعله المارينز في العراق هو تحرير هذا الجمهور 0 ما فعله المارينز هو منح مواطني العالم العربي فرصة لم تتوافر لهم أبداً 0
ونقول حسبنا اللّه ونعم الوكيل على من أوصلنا إلى هذا الحال 0
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،