الآمال والتحدي للتوازن العالمي

بسم الله الرحمن الرحيم

6/9/2005

قرأت في صحيفة Financial Times August.20th.2005 إعلان من (Clinton Global Initiative Nye 2005) يدعون فيه جميع مثقفي العالم الذين يرغبون في أن يكونوا مساهمين في تغيير الحقائق على الأرض ، وأن عليهم المشاركة بآرائهم عن طريق وسائل الاتصال المختلفة 0

المؤتمر سيعقد ما بين 15 – 17 سبتمبر 2005م في نيويورك تحت مظلة الرئيس كلينتون ، وبمشاركة السيد كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة ، وبمشاركة مجموعة كبيرة من متخذي القرار ومفكري العالم 0 وسوف يمثل الإدارة الأمريكية الحالية في هذا المؤتمر د0 كوندليزا رايس وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية 0

وسوف يركز هذا المؤتمر على أربعة محاور رئيسية تكاد تدنو بكوكب الأرض بتحطيم مبكر قبل النهاية الأبدية التي وضعها الله سبحانه وتعالى له وربما تكون بعد بضع سنين أو ملايين السنين !! وهذه المحاور هي :

المحور الأول :      كيف نقضي على الفقر ؟

المحور الثاني :      كيف نستطيع أن نوظف الديانات لنشر السلام في الأرض ؟

المحور الثالث :      ما هي الإمكانيات لمعالجة البيئة الطبيعة لكوكب الأرض ؟

المحور الرابع :      ما هي الآليات لقيام الحكم الصالح ؟

قبل أن ابدأ في المشاركة برؤيتي في المحاور المذكورة أعلاه ، لابد أن أقدم للمهتمين بهذا الأمر نبذة مختصرة عن وضع العالم الآن بالنسبة للمحاور أعلاه : أولاً : بالنسبة للفقر 40% من سكان كوكب الأرض فقراء إذا استعملنا عتبة الدولارين في اليوم ( الخليج الإماراتية العدد 9590 ) ، ثانياً : بالنسبة للديانات لإقامة السلام في الأرض ، أعتقد بأنه إذا وجد العدل وجد السلام ، وإذا وجد السلام ساهمت جميع الثقافات في المحافظة على الأمن في الأرض ، ثالثاً : لمعالجة البيئة لابد من الإبداع البشري لصناعة البدائل الغير مضرة بالبيئة ، ولصناعة البدائل لابد من إقامة السلام 0 رابعاً: بالنسبة للحكم الصالح ، أنا أنتمي إلى العالم العربي الذي يبلغ عدد سكانه الثلاثمائة مليون نسمة ، أي ما يقارب 5% من سكان كوكب الأرض وأتحدى أي شخص يفسر لنا بدقة في منطقتنا العربية ما هو مفهوم العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم ؟ وما هي آليات تداول السلطة ؟ وما هو المفهوم المطلق للمال العام ؟ وما هو مفهوم المواطنة وحقوقها وواجباتها ؟ وما هي الآليات المعتمدة التي يتم بها توزيع الوظائف ؟ ! 0

يكفي أن نقول لكم في المؤشر السنوي الأول للدول الفاشلة ، والذي قام به كل من فورن بوليسي وصندوق السلام ، والتي على حافة الوقوع في الهاوية ، قام هذا المؤشر بتصنيف ثلثي سكان العالم العربي من ضمن الدول الفاشلة ، أما بالنسبة لكوكب الأرض فثلث سكانه هم سكان الدول الفاشلة ، بمعنى آخر أن سكان الأرض يعيشون في كارثة ، ولكن كارثة العرب ضعف كارثة سكان الكوكب ( ص45 ، يوليو / أغسطس 2005 النسخة العربية Foreign Policy ) 0

بالنسبة لنا كأبناء لمنطقة الشرق الأوسط وصلنا إلى مرحلة نعترف فيها لكل سكان كوكب الأرض بأنه لا يوجد مجال لنا لإصلاح دولنا ، فإذا استعملنا القوة أصبحنا إرهابيين وحاربنا العالم كله ، وإذا استخدمنا أسلوب الحوار المباشر مع السلطة ، أو غير المباشر من خلال مخاطبتها من خلال وسائل الإعلام المختلفة والتي هي أصلاً تحت السيطرة المطلقة للحكومات في الدول الشرق أوسطية والذين يقومون بحذف بعض المشاركات أو استئصال بعض موادها أو عرضها بأسلوب يثير السخرية حتى تجعل المستهلك العادي يشعر بشيء من الاشمئزاز عند تناول هذه الوجهات الفكرية التي تطرح آرائنا التي نتشرف بتقديمها دون السعي لأي  مقابل أو شكر ، ولكن رغبة مننا بطرح آراء جديدة والمساعدة في توعية شعوب المنطقة ، وعوضاً عن التشجيع وفتح المجال لحرية طرح الآراء فإن السلطات الشرق أوسطية تقوم بتهميش من يحاول محاوراتها تهميشاً مطلقاً، إذاً حتى المقاومة بأسلوب الحوار لم نعد نتمتع بها في مثل هذه الدول ، ولم يعد هناك مؤسسات صحية تمثل الرأي والرأي الآخر ، باستثناء قيام بعض الدول ذات السلطة المطلقة بفتح مؤسسات  اعلاميه لطرح بعض الافكار الجريئه للرأي والرأي الآخر خارج نطاق سيادتها الجغرافية ، وأيضاً حتى هذا النوع من المؤسسات لم تسلم من الفساد ، لأن أصحاب هذه المؤسسات يستخدمونها لمحاربة خصومهم حتى ولو كانوا على صواب ، والتحفظ أو تجنب أصدقائهم حتى لو كانوا على خطأ !! 0

أيها السادة الأعزاء ، نحن نخاطبكم من إقليماً اقترب من الاحتراق واستخدمت فيه جميع النظريات الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة ، وقامت تتساقط الواحدة تلو الأخرى مثلما سقطت الشيوعية ، وبعدها سقط سور برلين ، وبعدها سقط النظام الاشتراكي العالمي ! 0

فقد جربت الولايات المتحدة فينا العولمة ، ولم تنجح ، وبعدها جربت الحرب على الإرهاب ، وأعتقد أن أمريكا مازالت تنزف ، والعرب ينزفون، والعالم ينزف ، بسبب الحرب على الإرهاب ، والقضية الحقيقية التي يريدها الشرق الأوسط هي تقرير المصير والعدالة ، أما الإرهاب أو العنف فهو ليس مرتبطاً بأي عقيدة ، ولا أي إقليم جغرافي ، بل أن الشعوب عندما تشعر بالذل والقهر وعدم المشاركة في تقرير مصيرها تخرج منها قلة لتقديم أنفسهم فداءً لأوطانهم وأهلهم 00 والأمثلة كثيرة ، فمنهم فرقة الكامازاكي في اليابان ، هل نستطيع أن نقول أن الشعب الياباني إرهابي ؟ وقلة من التاميل 00 ولكن هل نستطيع أن نقول بأن الشعب الهندي أو السيرلانكي شعباً إرهابياً ؟ 00 الخ 0

إذاً هذه القلة موجودة في كل الدول ، ولكن الأهم من ذلك هو واضع الاستراتيجية لتوظيف هذه القلة ، وهناك استراتيجيات مشروعة مثل المقاومة بالنفس لتقرير المصير ، وهناك استراتيجيات غير مشروعة عندما نعرض المدنيين للإرهاب أو العنف 0

من هنا إذاً علينا أن نوظف هذه القلة التوظيف السليم لخدمة الجماعة، وتوظيف القلة لا يأتي إلا من متخذ قرار ، ومتخذ القرار لابد أن يكون صالحاً وراشداً وبينه وبين شعبه عقد اجتماعي وسياسي موقع بين الطرفين بكامل إرادتهم ، ومن هنا ينطلق الإصلاح في الشرق الأوسط !! 0

السادة الأعزاء ، الولايات المتحدة قدمت برنامج الشرق الأوسط الكبير لمنطقتنا ، وفشل هذا البرنامج ، وهنا الآن برنامج جديد في صيف عام 2005م يسمى بالفوضى البناءة !! 0

ونحن نكرر ونعيد مسئولية العالم التاريخية هو الاقتراب من هذه الشعوب بطريقة مباشرة وسؤالها ماذا تريد ؟ 0 ولكن يجب أن يكون هذا الاختراق من دون أي دور لمؤسسات الدول الشرق أوسطية ، ولم لا ، أليس التوجه العالمي الآن هو صناعة دول تضحي لشعوبها !! 0 وأقترح أن يكون هذا الاقتراب في البداية من خلال مؤسسات استطلاع الرأي العالمية المشهود لها بالنزاهة ، وسؤال الشعوب الأسئلة التالية :

أولاً        :           هل يوجد تداول للسلطة في بلادك ؟

ثانياً        :           هل يوجد عدالة في توزيع الوظائف في بلادك ؟

ثالثاً        :           هل يوجد شفافية في إدارة المال العام في بلادك ؟

رابعاً      :           هل دستور بلادك أعطاك حقك الكامل في المواطنة ؟

خامساً:    هل توجد آلية يمكنك من خلالها المشاركة في السلطة ؟

أعتقد أننا إذا استطعنا أن نحصل على إجابة من شعوب المنطقة على هذه المحاور فإن ذلك سوف يقربنا من عين العاصفة ، التي يجب أن نفجرها سلمياً لوضع برامج إصلاحية سليمة للشرق الأوسط !! 0

السادة الأفاضل ، الشرق الأوسط الآن يقترب من كارثة حقيقية ، وسوف تستغربون جميعكم ، ولكن هذا هو رأيي ، استراتيجية من هو العدو في الشرق الأوسط ؟ كانت موجهة للاحتلال الصهيوني وذلك من خلال تخويف الشعوب من حلم إسرائيل الكبرى ! 0

اليوم عقد العرب صفقة سلام مع إسرائيل ، وسقطت المحرمات واعترف بدولة إسرائيل من الناحية الإقليمية والعالمية والتنظيمية ، وكذلك سقطت المحرمات الإسرائيلية ، وانسحبت إسرائيل من أراضي غزة ، والتفاوض الآن على الانسحاب من أراضي الضفة الغربية ، بمعنى آخر انتهت استراتيجية تقديم التضحيات العربية لتحرير الأرض العربية حتى لو على المستوى الرسمي !! 0

ولكننا الآن في الشرق الأوسط نعيش في مرحلة الهدوء والذي يسبق العاصفة ، لأن الشعوب العربية ستتحرك فرادى وجماعات وبمؤثرات محلية وقطرية وإقليمية وعالمية للمطالبة بحقوقها التي ذكرناها أعلاه (لاستطلاع الرأي من خلال خمسة محاور) !! 0

نحن أبناء الشرق الأوسط لتجنب الكوارث أعلاه لابد أن ننظر لإمكانياتنا وتوظيفها التوظيف السليم ، فاحتياطتنا من النفط تبلغ 72% من الاحتياطي العالمي ، ومن الغاز الطبيعي 35% من الاحتياطي العالمي ، هذا إلى جانب الموارد الاقتصادية والبشرية الكبرى ( آل ثاني ، ص 101 ) ولكن انظروا إلى واقعنا الاقتصادي 00 هونغ كونغ كدولة صغيرة ولا تملك سيادتها الكاملة ، صادراتها في عام 1999م أكثر من صادرات العالم العربي بأكمله ، والأدهى والأمر من ذلك بأن المواد الخام والنفط شكلت ما نسبته 72% من هذه الصادرات العربية ( موقعنا الإلكتروني ) ! 0 نريد حكماء العالم أن ينظروا إلى واقعنا نحن الدول التي تتكالب علينا الأمم لامتصاص ثرواتنا الطبيعية ولاحتلال مقدساتنا والسيطرة على موقعنا الجغرافي ، ولاستخدامنا كسوق استهلاكية لامتصاص فوائض العالم ، ولكن ما هو وضعنا في جغرافية الاقتصاد العالمي ؟ 0 نحن سنجيبكم على ذلك :

بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد في الدول العربية 1.54% من إجمالي التدفقات على مستوى العالم وما نسبته 5% من حصة الدول النامية ! 0 والشركات الأجنبية الرئيسية في العالم العربي بلغت نسبتها 0.6% من إجمالي الشركات المتعددة الجنسيات في العالم ، ونسبة الشركات النوعية والشقيقة بلغت 0.6% من نسبة العالم ( الخليج العدد 9593 ) استفسارنا هنا هل يعقل إقليم يوجد به أكثر من 5% من سكان كوكب الأرض ، ومعظم موارد الأرض ولا يوجد به إلا 0.6% من الشركات العالمية و 1.54% من إجمالي التدفقات على مستوى العالم ! 0 هذا أمر محزن ولكنه في نفس الوقت طبيعي إذا علمنا أن مشاركة العالم العربي في التجارة العالمية لا يتجاوز 3.7% من إجمالي الصادرات العالمية ، و 2.5% من إجمالي الواردات العالمية ، ولا يتجاوز العالم العربي 1% من إجمالي الخدمات التجارية العربية ووضعنا في تجارة الخدمات يمثل مأساتنا الحقيقية التي سنشرحها لاحقاً ، ومعنى تخلفنا في تجارة الخدمات يساوي تخلفنا في تنمية الإنسان والنتيجة البطالة العربية السافرة أصبحت تصل إلى 30% ، والبطالة العربية المقنعة إلى أكثر من 50% من جملة القوى العاملة ! 0 وأصبح اعتمادنا على تصدير الموارد الناضبة ، فالصادرات العربية 52.2% مواد خام ووقود معدني ، و 5.5% من الصادرات معدات وآلات ، والصناعات الأخرى 7.9% ، والأغذية والمشروبات 18.2% ومعظم الواردات ضعف الصادرات باستثناء المواد الخام !! (الخليج العدد  9594) 0

أعتقد بعد هذا التحليل المقتضب ، إذا أراد العرب الخروج من مأساتهم الاقتصادية فعليهم بالتركيز في عمل بنية تحتية كما أوضحناها في كتابنا جيواستراتيجية العالم الإسلامي ص 84 :  فقد قلنا بأن 14 قطراً عربياً يصل عدد العاملين في الأنشطة الأولية 50% ، مثل الصومال وموريتانيا واليمن والسودان 0 وتهبط نسبة العاملين في الزراعة في دول عربية أخرى ودول مجلس التعاون الخليجي باستثناء سلطنة عمان ، وليبيا والأردن إلى أقل من 10% من النشيطين اقتصادياً 0 وتتجه العمالة في هذه الدول الأخيرة إلى الأنشطة الثانوية والثالثة ، ويعود ذلك إما لشح الموارد الزراعية أو لتوفر الصناعة الاستخراجية أو للعاملين معاً 0 أما الدول الإسلامية الأخرى فالأمر فيها أشد وأمر ، حيث يتراوح نسبة العاملين في الحرف الأولية ما بين 75% – 80% من جملة الأيدي العاملة ، ومن هنا يفترض أن لا نستغرب إذا قلنا أن البطالة السافرة والمقنعة في العالم الإسلامي أكثر من 50% من جملة السكان في سن العمل ! 0 وهنا يجب أن نقف برهة 00 ونأخذ نفساً عميقاً 00 فمعدل البطالة المقبول عالمياً يفترض أن لا يزيد على 5% من جملة السكان ، أي معدل البطالة العربية والإسلامية عشرة أضعاف هذا المؤشر العالمي !! 0 لذلك نطالب الدول العالمية أن تساعدنا في إعادة تخطيط قطاعاتنا الاقتصادية ، فالولايات المتحدة الدولة الأولى في العالم إحدى أسرار تفوقها قوة القطاع الخدمي الذي يوجد لديها ، فنسبة العاملين في هذا القطاع تصل إلى 63% من جملة النشطين اقتصادياً ، والعاملين في قطاع الأنشطة الثانوية وإنتاج السلع الاستهلاكية تبلغ 30% ، والعاملين في قطاع الأنشطة الأولية ( الزراعة ) 7% ، والحكمة هنا أن الولايات المتحدة استطاعت أن تقلص نسبة العمالة في الحرف الأولية وقامت بإحلال التكنولوجيا في هذا القطاع ، وفي الوقت نفسه استطاعت أمريكا أن تصبح سلة غذاء العالم ، لذا نرجو من مخططي العالم أن يساعدوننا لكي نقوم بتطبيق هذه البرامج !! وخاصة أن القاعدة المالية لتحويل برامج التخطيط العربية موجودة ، فأرصدة النفط العربي 750 مليار دولار أمريكي وكلها موجودة في خارج العالم العربي ، وهنا الكارثة لأن عوائد النفط العربي التي تصل قيمتها إلى أكثر من 100 مليار دولار سنوياً ، وطبعاً لا تستثمر في السوق المحلي العربي ، الأمر الذي يؤكد ضرورة العمل على فتح قنوات جديدة للاستثمار في البنية التحتية العربية ( جريدة الخليج العدد 9594 ) 0 والاستثمار في البنية التحتية والصناعية هو سر المعجزة الصينية كما سنوضح لاحقاً !! 0

الإعلام ورفع الروح المعنوية :

توجد نقطة محورية أوجهها إلى الإعلام العربي وإلى المفكرين العرب ، وإلى كل من لهم صلة بالتأثير على الجمهور العربي ، وابدأها بأبيات شعر للشاعر العربي أبو القاسم الشابي :

إذا الشعب يوماً أراد الحياة      فلابد أن  يستجيب  القدر

ومن يخشى صعود  الجبال     يعيش أبد الدهر في الحفر

هذه الرسالة يجب أن نوصلها بكل أمانة لكل الجمهور العربي ، فنسبة كبيرة من الأجهزة الإعلامية العربية تجعل المتلقي العربي يشعر بأن كل ما يحدث لنا يعتبر من المسلمات وذلك لأن الاستعمار الأوربي سابقاً والسيطرة الأمريكية في المنطقة حالياً هم الذين خططوا لنا الأوضاع المزرية التي تمر فيها أمتنا الآن ، وطبعاً إذا بقيت شعوبنا تؤمن بهذه المسلمات أعتقد أننا سنبقى من حالاً سيئاً إلى أسوأ إلى أن نصل إلى مرحلة الانهيار !! 0

أعجبتني مقالة قرأتها للكاتب العربي الدكتور عبد المنعم سعيد توضح بأن ما حدث للعرب حدث لأمم كثيرة 00 فالصين هزمت هزيمة ساحقة في 1839 – 1842م , وقسمت إلى مجموعة مناطق للنفوذ الغربي والدول هي كالتالي : بريطانيا ، الولايات المتحدة الأمريكية ، فرنسا ، وروسيا ، وتم شحن أعداد هائلة من الصينيين إلى أمريكا الشمالية ، للعمل في ظروف لا تختلف عن تلك التي عاش فيها العبيد الأفارقة الذين تميزوا بأن قصتهم ومآسيهم قد باتت معروفة 0 ونتيجة معاهدة 1942م تم فصل جزيرة هونغ كونغ ، ومكاو كانت تابعة للبرتغال ، أما الصين الوطنية فقد انفصلت بسبب الهيمنة الأمريكية بجزيرة فرموزا وتوابعها من الدولة الأم 0 وفي عام 1860م كانت الصين مجبرة على إباحة الأفيون والسماح الكامل وبصورة مطلقة لنشر الديانة المسيحية في الدولة الكونفوشية ( الشرق الأوسط العدد 9759 ) 0

إذاً ما حدث للصين هو مثل ما حدث ويحدث للعرب ، وأحياناً أسوأ مما حدث للعرب ، ولكن الصين وجارتها الهند قد قبلتا التحدي ، وإذا ما استمرا على برنامج التنمية الذي لديهما وعلى مستوى نمو ناتجهما المحلي الحالي ، فيتوقع بأنهم سيصبحون أهم قطبين عالميين في كوكب الأرض 0

الذي نراه الآن هو تصديق على نظرية هالفورد ماكيند التي وضع التعديل الثالث في عام 1943م عن القوى العالمية بحيث أعطى أهمية مستقبلية لآسيا الموسمية وحوض الأطلنطي الجنوبي ، أما بالنسبة للشرق أوسطية فضمه ماكيندر من ضمن نطاق العباءة الخالية ( أي المناطق الغير استراتيجية في تسيير السياسة العالمية ) ! 0 ( رياض ، ص 81 ، 86 ) 0 وأتمنى أن يساعدنا العالم على أن لا تكون هذه النظرية حقيقةً على الأرض بالنسبة لنا كشرق أوسطيين !! 0

الصين والهند قوى في التوازن العالمي في القرن الواحد والعشرين:

دائماً نخاطب حكوماتنا في الشرق الأوسط بأنكم إذا أردتم الطريق السليم والحل الناجح لمستقبل منطقتنا فعليكم بالبنية التحتية والصناعة ، ورأيت بأن سر المعجزة الصينية والهندية بأنهم ركزوا على البنية التحتية والتكنولوجيا وليست العمالة الرخيصة فقط ، كما يعتقد الكثيرون من المتابعين للإبداع الصيني والهندي ، وأعجبت لتحليل وضعته صحيفة (The Independent, August 21,2005, U.K) عن الصين والهند ، فالصحيفة تقول بأن سر الإبداع هو التالي :

أولاً : مثل ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية الحصان الفائز في القرن التاسع عشر ، حيث كان عندها اقتصاد قوي ، وأيدي عاملة شابة كبيرة ، وحققت إنجازات في الزراعة والتكنولوجيا وشبكة المواصلات المعتمدة على البخار ، والمحركات البخارية بشكل عام والاتصالات السلكية والكهربائية ، وبهذه الإنجازات استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تنتزع قيادة العالم عن القارة العجوز أوربا !! 0

ثانياً : بعد الحرب العالمية الثانية ، تحققت المعجزات الاقتصادية في اليابان وكوريا الجنوبية ، ولكنهم لم يستطيعوا تغيير قواعد اللعبة العالمية ، ويعود ذلك لفقرهم السكاني 0 وهنا ملاحظة قوية ، فاليابان عدد سكانها 150 مليون نسمة ، وكوريا الجنوبية عدد سكانها 35 مليون نسمة تقريباً ، ويقول التقرير أن مشكلتهم السكانية حجمت أية طموح في النفوذ العالمي ، وهذه رسالة أبعثها لجميع أهلنا في العالم العربي ، نحن أقل من 300 مليون نسمة ونتوزع على 22 دولة ونسبة لا بأس بها منهم متناحرين مع جيرانهم، هل تعتقدون في هذه الحالة نستطيع أن نقدم أية حلول لمصائبنا المزمنة؟!!0

ثالثاً : العنصرين أعلاه يوضحان أن قوة مستقبل العالم ستكون متمثلة في التطبيق الصيني الهندي 0 وأعجبني هنا نموذج تخطيط منطقة شنغهاي في الصين ، من حيث تخطيطها العمراني ، والذي يوضح توزيع نطاق ناطحات السحاب ، والمناطق السكانية ، وشبكة الطرق ، والمناطق الصناعية ، والموانئ ، والمناطق الخضراء في عام 2020م 0 وكذلك يوضح النموذج مناطق الصناعات الكيميائية والثقيلة والسيارات ، والطرق التي تقع أسفل الأرض ، والمطارات ، وهذه كلها مقسمة على تسعة مجتمعات ، وكل مجتمع فيه 800 ألف نسمة 00 الخ 0 والرسالة واضحة للعالم ، شنغهاي تريد أن تصبح مركز العمالة الماهرة في العالم 0

رابعاً : الصين الحديثة استطاعت أن تضاعف دخل العمالة ثلاثة مرات من خلال جيل واحد ، وذلك انتشل ما يقارب ثلاثمائة مليون نسمة من الفقر !! 0

خامساً : يقول التقرير في عام 2030م الهند ستتخطى ألمانيا وستصبح ثالث قوة اقتصادية في العالم ، وفي عام 2050م الصين ستتخطى الولايات المتحدة الأمريكية ، وستصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم!!0

سادساً : يعتقد أن ميزان القوى التقنية سيتحرك من الغرب إلى الشرق، والمثال على ذلك الصين والهند يخرجان نصف مليون مهندس سنوياً ، يقابله 60 ألف مهندس للولايات المتحدة 0 وينمو عدد الباحثين في الصين والهند بمعدل 35% سنوياً ، بحيث سيصلون إلى 1.6 مليون عام 2008م 0 ويقابل ذلك عدد الباحثين في الولايات المتحدة يتناقص 11% سنوياً ، وسيصل في نفس الفترة إلى 760 ألف باحث ، وستكون مساهمة الصين والهند عظيمة في البحوث الطبية والمادية الأخرى !! 0

سابعاً : الصين والهند ينطبق عليهم نظرية الجيوبوليتيكا العضوية في المجال الحيوي القوي ، فكلا القطبين لا يحتاج بشكل مطلق للسوق العالمية لأن لديهم قوى استهلاكية عملاقة ، فالسيارات المستهلكة في الصين يتوقع أن تصل إلى 3 مليون سيارة في عام 2005م ، وذلك يعتبر ثلث سيارات العالم 0 عدد المشتركين في الخدمة الهاتفية في الصين 350 مليون نسمة ، وذلك يتوقع أن ينمو إلى 600 مليون مشترك عام 2009م ، ويعتبر ذلك الأول على مستوى العالم !! وكذلك مستهلكي الجوالات في الهند قفز من 5.6 مليون شخص عام 2000م إلى 55 مليون مشترك الآن 0

السؤال الذي يطرح نفسه : أين البقاع العالمية التي يحدث فيها ما ذكر أعلاه ، غير الصين والهند ؟ ! 0

هنا نحن نعتقد أن الصين والهند سائرتين في الطريق السليم ، لأن هذه القفزات الاقتصادية ستساهم في تأمين مستقبل ثلث سكان الأرض !! ومن هنا أقول بأن المسئولية الأخلاقية تقع على آسيا الموسمية ( الصين والهند ) ، وعلى العالم الغربي وأوربا والولايات المتحدة ، أن يساهموا في مساعدة شعوب الشرق الأوسط لإنقاذ أنفسهم وإنقاذ مستقبل الكوكب ، من خلال مساعدتهم في التخطيط السياسي والاقتصادي لمستقبلهم ومستقبل الكوكب الصغير الذي ننتمي له ، ومسئوليتنا الأخلاقية جميعاً هو أن نسلم الراية لأجيالنا القادمة في كوكب الأرض ، في عالم يظله السلام والعدل والثراء وتكافؤ الفرص0 ونقول لكم وبكل جرأة ، أن هذا ما سيحدث إن شاء الله 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *