بسم الله الرحمن الرحيم
12/5/2005
رغم أننا كتبنا هذا المقال قبل 5 مايو 2005م ، وكان بالتحديد كتابتنا له يوم 1/5/2005م ، أي قبل بدء الاقتراع على مجلس العموم في بريطانيا بخمسة أيام ، إلا أن الصورة شبه منتهية ، فأعتقد بأنه لا محالة ، فبلير سوف يفوز للمرة الثالثة برئاسة وزراء بريطانيا 0 وطبعاً نحن ليس الوحيدين الذين توقعوا ذلك ، فتوماس فريدمان في :
Herald Tribune April. 23rd. 2005 قال : ( Sizzle, Yes, but beef too ) 0
طبعاً لن أسعى لترجمة العنوان حرفياً ، ولكن سنحاول أن نجد المرادف له في لغتنا العربية ( اسمع جعجعةً ولكنني أرى طحيناً أيضاً ) 0 وطبعاً فريدمان ينصح الديمقراطيين في أمريكا أن يتبعوا فلسفة بلير إذا أرادو أن يصلوا إلى الحكم مرةً أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية وهي: (1) تأييد حرب الحرية في العالم مثل خلع صدام حسين (2) قيادة العمال إلى السوق الحرة ، والولوج في العولمة (3) النمو الاقتصادي في فترته أفضل من المحافظين ، ووظف المال في قطاع الخدمات والبنية التحتية 0
وذلك سوف يقودنا إلى تحليل برامج الحزبين الرئيسيين في بريطانيا كما وضحت جريدة : (Financial Time, April. 6th. 2005) ، طبعاً كما نعرف جميعاً أن الحزب المنافس للعمال في بريطانيا ، هو حزب المحافظين ، فمايكل هاورد قائد المحافظين : يؤيد الوجود العسكري في العراق ، وتقوية القوات المسلحة ، وهذا يعني للناخب عدم وضوح الصور في برامج المحافظين ، فأحياناً يوضح الحزب المحافظ أن ذهاب بلير إلى الحرب يعتبر خطيئة ، وأحياناً نفس الحزب يتبنى قرار الحرب ، وهنا المحافظين لا يستطيعون كسب التيار المعارض للحرب ، ولا المؤيدين للحرب ، وذلك مما يعزز موقف حكومة العمال لأنها تستطيع أن تجذب التيارين من خلال التوأمين المتناقضين بلير وبراون كما سنشرح لاحقاً ! 0 والمطب الثاني الذي وقع فيه هاورد هو معارضته للدستور الأوربي واليورو ، وذلك مما جعله يسير ضد التيار العالمي الجارف ، لأن العالم يتجه نحو نهاية الدولة القومية وهاورد يحاول أن يرسخها !! 0
في الجانب المقابل بلير مصراً, وبكل صراحة على أن قراره للذهاب إلى الحرب في العراق أنه قراراً صحيحاً ، ويؤيد الدستور الأوربي ، ولكنه بذكاء رمى الكرة في ملعب الناخبين ، لأنه سيعرض الدستور الأوربي للاستفتاء الشعبي في بريطانيا ، وكذلك كان بلير صريح وثابت من خلال دعمه للقوانين التي تساهم في محاربة الإرهاب ، وزيادة الإنفاق على الدفاع !! 0
وكذلك لم يكن هاورد زعيم المحافظين واضحاً ، بالنسبة لقوانين الهجرة ، بحيث يشجع الحصة النسبية للهجرة ، وسيدعم بناء مراكز خارجية لطالبي اللجوء ، وكذلك أضاف هاورد ، إضافة خطيرة جداً على حياته السياسية وهي ؛ بأنه سينسحب من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين في حالة فوزه !! 0 الخطيئة التي وقع فيها هاورد هنا هي بأن العالم يتجه حتى ولو ظاهرياً إلى ترسيخ التنظيم الدولي ، وحقوق الإنسان !! ، وهاورد يعلن صراحةً بأنه سيقف ضد التيار الإنساني الجارف !! 0
ولكن فلننظر كيف لعبها بلير عندما أعلن بوضع قوانين مشددة مثل : التسجيل الإلكتروني عند عبور الحدود الدولية ، والتأكد من مهارة الطالبين للإقامة الدائمة في بريطانيا ، وفرض غرامة على أرباب العمل الذين يوظفون المهاجرين الغير شرعيين 0 طبعاً برنامج بلير هنا ضيق الخناق على الهجرة بطريقة غير مباشرة ، ولكنه لم يعلن صراحةً لا من قريب ولا من بعيد بأنه سينسحب من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين ، لأن هذا الإعلان سيؤدي إلى انسحاب شريحة كبيرة من الناخبين البريطانيين عنه ، وخاصةً الملونين ، وكذلك سيؤثر على بريطانيا في علاقاتها الدولية !! 0
ورغم ذلك كله لا نستطيع أن ننكر أن المحافظين استطاعوا تقليص الفجوة بينهم وبين العمال ، بحيث كانت حصة المحافظين في مجلس العموم في الانتخابات السابقة 25% ، ونصيب العمال 62% أي أن الفجوة كانت لصالح العمال في مجلس العموم بـ 37% ، أما استطلاعات الرأي قبل انتخابات 2005م فكانت تعطي للعمال 40% ، وللمحافظين 30% ، أي أن الفجوة تقلصت إلى 10% ، ولكنها مازالت كبيرة رغم النكبات التي تعرض لها العمال ، بسبب حربهم في العراق ، وكذلك بعضها داخلية بسبب توجيه المساعدات الحكومية إلى الأسر التي لديها أطفال والمتقاعدين ، وحرم منها العزاب والأزواج من غير أطفال !! 0
ومن مميزات بلير أنه أعلن برنامجه ذو 110 صفحات بطريقة قوية ومنها : (1) تعهد الحزب بالمحافظة على الاستقرار الاقتصادي (2) تعهد بمواصلة الضغوط على إيران وكوريا الشمالية في شأن برامجهم النووية (3) رحب بالإصلاح في الشرق الأوسط وأهمية قيام دولة فلسطينية (4) مكافحة الجريمة (5) برنامج معتدل لاستيراد العمالة والهجرة (6) خفض الفقر في أفريقيا (7) رمى الدستور الأوربي في ملعب الناخبين كما ذكرنا سابقاً 00 إلخ !! 0
وأيضاً من مميزات حزب العمال هو وجود زعيمين قويين في الحزب ، ومتناقضين في الأيديولوجية ، ولكنهم هدفهم واحد هو الفوز بالانتخابات والوصول إلى 10 داوننج ستريت ، ولكل من هذين الثنائيين شعبيته ، فبلير بالنسبة للرأي العام البريطاني يعتبر مجدد وسطي ، أما براون فهو اشتراكي تقليدي 0 ولكن لو تطابق الواقع مع التحليل أعلاه ، وهو فوز العمال للمرة الثالثة على التوالي : هل بلير سيتنازل عن الرئاسة لبراون ؟ أم ستصيبه حمى حب السلطة عند العرب ؟ !! 0
وفي الختام يجب أن لا ننسى أهمية الجانب الأثني ، والديني ، والطائفي في التأثير على الناخبين ، وإن كان الجميع يتحاشى الخوض في الملف العنصري !! 0
والله اللقاء إن شاء الله 0
د0 فهد بن عبد الرحمن آل ثاني
أستاذ مشارك في الجيوبولتيكس
وباحث قانوني