بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
في المقدمة قبل أن نعرض أية آلية إصلاحية ، لابد لنا على ما نعتقد من استعراض بعض الآراء الأجنبية حول العالم الإسلامي ، ونود أن ننوه هنا بأن هذه الآراء سبق وأن كتبنا عنها الكثير من المقالات والدراسات والبحوث ، وربما من أشهرها كتابنا عن العالم الإسلامي ، وقد أوضحنا من خلال المواضيع السابقة بأن عالمنا الإسلامي يعيش في وضع مأساوي ، فلابد له من إصلاحات بنيوية في القطاعات الاستثمارية الخدمية والصناعية والغذائية ، وإصلاحات تنظيمية في قطاعاته التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وإلا فسوف نعاني من مصائب كبرى ، وسيحاكمنا التاريخ أمام الأجيال القادمة ، بسبب الكوارث التي سوف تورثه إياه أنانيتنا ، وحبنا للذات والتسلط ، حتى ولو بلغ بنا أن نقدم كل المجتمع كبش فداء ، للمحافظة على الوضع التسلطي لأصحاب المصالح في المجتمعات الإسلامية 0
من أول الآراء التي سوف نقدمها هو ملخص مقالة قمنا بترجمتها للكاتب الاقتصادي ديفيد هال من شيكاغو ، وكانت منشورة في صحيفة ( The Wall Street Journal Europe September, 5/7/2003) ، فخلاصة النتائج التي توصل إليها ديفيد هي
1- بأن أوضاع العالم العربي والإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين ميلادي هو أفضل من أوضاعهم الآن ، ولكن بسبب الأنظمة التسلطية وعدم الانفتاح الاقتصادي على العالم ، جعل التنمية لديهم عكسية . 0
2- رغم اعلان دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتبني برامج الخصخصة ، إلا أن القطاع العام مازال مسيطراً على الهياكل الاقتصادية ، ومازالت هذه الدول توظف أكثر من 17% من السكان في القطاع العام ، وهذه النسبة تعادل ثلاثة أضعاف نسبة التوظيف في باقي دول العالم النامي 0
3- ونسبة الصرف على الأسلحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعادل 2ر8% من جملة الناتج المحلي ، ومقارنةً مع الناتو أقل من 2% من جملة الناتج المحلي 0 وهذه إضافة من عندنا 00 معظم هذه المبالغ تذهب إلى حسابات خاصة ، ويوجد لها كشف عند الولايات المتحدة ودول الناتو ، وذلك بعد أن تم فتح الحسابات السرية كإحدى برامج الحرب ضد الارهاب ، ورغم أن نسبة الصرف على التسليح عندنا أكثر منه في دول الناتو ، إلا أن اعتمادنا الأمني كاملاً قائم على الولايات المتحدة . 0
4- الفجيعة سنذكرها لكم الآن ، رغم طنطنة الفضائيات العامة والخاصة والمستقلة بإنجازات دول الشرق الأوسط . ؛ فمعدل التجارة الخارجية في العالم نما بنسبة 8% ، وفي العالم الإسلامي فقط 3% 0 ويضيف الكاتب قائلاً برغم أن عدد سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يزيدون على 300 مليون نسمة ، إلا أن مجموع الناتج المحلي لديهم أقل من أسبانيا ذات 39 مليون نسمة 0
ما ذكر الآن سبق وأن كتبناه في ملخص دراسة لنا عن العالم العربي ونشرت في صحيفة الراية في مطلع عام 2002م ، وبعد ذلك ذكر نفس الموضوع في تقرير التنمية البشرية في أغسطس 2002م للأمم المتحدة ، وفي سبتمبر 2003 ذكره ديفيد في صحيفة وول ستريت . 0
5- مجموع الصادرات التجارية لــ 49 دولة إسلامية 7ر515 بليون دولار ، وذلك يمثل 8% من الصادرات العالمية فقط 0 وعندما نفصل الدول النفطية عن مجموع الدول المذكورة أعلاه ، نجد بأن مجموع ما تصدره الدول النفطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 212 بليون دولار ، وعندما نخصم الصادرات النفطية عن هذه الدول الواقعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، نجد بأن مجموع صادراتها لا يتجاوز 30 بليون دولار 0 ونضيف على ذلك 00 أما زلنا نتحدث عن الإنجازات التي وصل لها العالم الإسلامي .. 0
6- عندما نجري مقارنة للصادرات في الدول الإسلامية ونسبتها من الناتج المحلي ، ونقارن هذه النسبة مع دول العالم النامي الأخرى ، سنجد التالي نسبة ما تصدره مصر مقارنةً مع ناتجها المحلي لا يزيد على 9ر2 % ، والمغرب لا يزيد على 7% ، والمملكة العربية السعودية والجماهيرية الليبية العظمى لا يزيد على 30% ، علماً بأن الدولتين الأخيرتين معظم صادراتهما من النفط الخام . 0
ولو قارنا ذلك مع دولة إسلامية يقودها المبدع مهاتير محمد ، ومطبقة للديمقراطية ولمعايير العصر للتنمية الاقتصادية ، وبدون أن تتنازل عن أياً من مبادئها ، سنجد بأن ما تصدره ماليزيا تصل نسبة إلى 5ر10% من جملة الناتج المحلي الماليزي 0
7- نصيب الشرق الأوسط من التجارة الدولية انخفض من 5ر13% عام 1980م إلى 4ر3% عام 2000م وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط الخام 0
8- نصيب الدول العربية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، آخذاً في الانخفاض ، ففي الفترة 1975 – 1980م كان 6ر2% ، وفي الفترة 1980 – 1990م 3ر1% ، وفي الفترة 1990 – 1998م انخفض إلى 7ر% من مجموع الاستثمارات في العالم 0 ونضيف على ذلك أين الإصلاحات الاقتصادية المواكبة لروح العصر التي يقول عنها المستفيدين في العالم العربي ؟ 0
9- رغم وجود الدول المسيطرة على احتياطيات النفط في العالم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، إلا أن نسبة نمو الناتج المحلي في الفترة ما بين 1970 – 1980م لم تتجاوز 5ر3% ، ومقارنةً مع العالم النامي في نفس الفترة وصلت إلى 5% . 0
اضطررنا إلى ترجمة وتلخيص المقالة المذكورة أعلاه ، لأن بعض متخذي القرار في العالم الإسلامي يقولون بأن الباحثين العرب نظرتهم تشاؤمية عند تحليل الأوضاع في العالم الإسلامي ، لذلك عرضنا آراء الباحثين الآخرين في العالم المتقدم ، وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية 0
طبعاً الكاتب أعلاه يدعو حكومته إلى تطبيق الديمقراطية والليبرالية والعولمة الاقتصادية ، لمعالجة القضايا المزمنة في العالم الإسلامي ، وإلا ستبقى شعوب العالم الإسلامي فقيرة محلياً ، ومصدرة للارهاب عالمياً .. 0
أما الكاتب الأمريكي الثاني فهو معروف لدى معظمكم من خلال نيوزويك العربية ، وأسمه فريد زكريا 0 فخلاصة قوله بأن التجربة الأمريكية لابد أن تنجح في العراق ، وبعد نجاحها لابد أن تطبق في الشرق الأوسط ، وأن تمويل هذه التجربة لابد من أن تشارك فيه دول الشرق الأوسط النفطية وأوربا واليابان ، وكذلك لابد لهم من المشاركة العسكرية لحفظ الأمن في العراق تحت المظلة الأمريكية 0 وخلاصة ما قاله زكريا بأن أمريكا لابد لها أن تجرب عدة سيناريوهات في العراق ، وعلى الحكومات المجاورة أن تساهم في إنجاح إحدى هذه السيناريوهات التي ستطبق عليهم بعد الانتهاء من العراق . 0
فما ذكره زكريا بالتحديد هو التالي على الأمم المتحدة المساعدة على تجنيد الآلاف من الموظفين الغير عسكريين للمساهمة في إعادة إعمار العراق 0 ويجب أن تبلغ المساعدات المالية غير الأمريكية 40% من المجموع 0 على أن يأتي الجزء الأكبر من الاتحاد الأوربي واليابان ومن الدول العربية النفطية 0
ويضيف زكريا سيكون الفشل في العراق خسارة فادحة للدور الأمريكي في العالم 0 وبذلك ستكون واشنطن قد خلقت نوعاً من عدم الاستقرار في قلب العالم المنتج للنفط 0 وذلك سيضعف قدرة أمريكا على التغيير في بلدان شرق أوسطية أخرى مثل المملكة العربية السعودية وإيران وسوريا وطمأنة خصومها 0 وسوف يبتهج النظام القديم ، ويعود الشرق الأوسط إلى طرقه الخاملة المدمرة .. 0
أعتقد بعد العرض المذكور سلفاً ، لابد لنا من التوقف لبرهة ، وأن نسأل أنفسنا لماذا لا تكون لنا المبادرات الخاصة بنا ؟ . 0
وهنا يفترض أن يعلم الجميع بأن في اللعبة الدولية ، لا يوجد دور للاعب احتياط، فأما أن تكون أساسياً مثل الولايات المتحدة التي تحاول أن تستفرد بالأحادية
القطبية ، أو مثل محاولات الاختراق للقطبية الأحادية التي يقوم بها كلاً من الاتحاد الأوربي ، واليابان ، والصين ، والهند ، واستراليا ، والبرازيل ، والأرجنتين ، وروسيا الاتحادية 0 أو أن تكون تابعاً فتخطط لك القوى العظمى ، كما تفعل الآن الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم الإسلامي ، بحيث يعتبر جزءاً من آليات اللعبة الدولية ، فتخطط له ، بما يخدم لها مصالحها في القطبية الأحادية للقرن الواحد والعشرين . 0
ربما نتساءل هنا ونقول ما هي طريقة اللعبة الدولية حتى نستطيع أن نفرض احترامنا على سكان هذا الكوكب ؟ 0
نعتقد بأنه من أبرز الأمثلة على اللعبة الدولية ، هو ما ذكره إيمانويل تود ، فيما بعد الأمبراطورية ، فيقول تود الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الوضع الروسي تقوم على هدفين الأول هو تفكيك روسيا الذي يمكن تسريعه عن طريق تحريض النزعات الاستقلالية في القوقاز ، والحضور العسكري الأمريكي في آسيا الوسطى 0 إن عمليات عرض القوة هذه من شأنها ، في الحساب الأمريكي ، أن تشجع الميول الانفصالية داخل قسم الاثنية الروسية في الاتحاد الروسي 0 ولو نجح ذلك فيعتبر المسمار الأخير الذي يطرق في نعش الاتحاد الروسي . 0
ولكن روسيا استوعبت الدرس جيداً ، وخاصةً بعد خبرتها المزمنة مع الصراعات المزمنة الدينية والعرقية والثقافية في الأتحاد الروسي 0 فالمعالجة قضية التماسك الداخلي للجسد الجيوسياسي للاتحاد الروسي ، فقامت روسيا كما ذكرت الأهرام العربي في عددها 335 بالتالي ففي الفترة ما بين عامي 1991 – 2000م بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، حاولت روسيا في إصلاح أوضاع المسلمين في الاتحاد الروسي حيث تم إصدار صحف خاصة بالمسلمين ، وزادت معدلات بناء المساجد بدرجة أصبحت تفوق ثلاثة أضعاف بناء الكنائس 0 كما سمحت الحكومة الروسية بعملية اعانة المسلمين من ذوي الدخل المحدود الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية بتأدية فريضة الحج وزيارة الأماكن المقدسة 00 إلخ 0
ومن هذا المنطلق ، فروسيا الاتحادية تعلم جيداً بأنها لاعباً أساسياً في اللعبة الدولية ، وإذا أرادت أن تجيد الدور ، فلابد لها من مراعاة جميع الأقليات الموجودة لديها ، وخاصةً إذا كانت هذه الأقلية بوزن المسلمين ، الذين يشكلون أكثر من 20% من سكان الأتحاد الروسي 0 فبوتين الرئيس الروسي لم يهرول عبثاً عندما تقدم بالدعوة إلى أن تتوجه روسيا للإنضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي 0 ونرجو أن لا يستغرب أحداً من ذلك التوجه الروسي ، فمعايير تحديد الدولة الإسلامية كما ذكرنا في كتابنا للعالم الإسلامي ص 46 ، 47 يعتمد على إحدى التصانيف التالية 1 المعيار العددي أن يكون أكثر من 50% من سكان الدولة من المسلمين 2 المعيار الدستوري هو أن تعلن الدولة بأن دستورها هو الإسلام 3 المعيار التنظيمي ونقصد هنا عندما تقبل عضوية الدولة في منظمة المؤتمر الإسلامي 0
ولو ناقشنا بالنسبة للوضع الروسي بالنسبة للمعايير الثلاثة لوجدنا التالي 1 من الناحية العددية ، فيوجد دول إسلامية في منظمة المؤتمر الإسلامي نسبة عدد سكانها من المسلمين أقل من روسيا مثل غوينا التعاونية نسبة المسلمين 9% من جملة عدد سكانها ، والتوغو 10% ، وسورينام 19% راجع ال ثاني ، فهد ، العالم الإسلامي ، ص 276 ، 291 ، 292 ، وجملة عدد السكان المسلمين في روسيا الاتحادية تزيد نسبتهم على 20% ، 2 أما من الناحية الدستورية ، فلا نعتقد بأن التواجد الروسي سوف يشكل مشكلة دستورية بالنسبة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، لأن معظم دول المنظمة لا يوجد بها دساتير إسلامية ، وحتى بالنسبة للعدد لا بأس به من دول المنظمة مازالت قوانينها الدستورية غير واضحة المعالم ، 3 أما من الناحية التنظيمية ، فنعتقد انضمام روسيا يمثل مكسب إقليمي قوي لدول منظمة المؤتمر الإسلامي ، وكذلك روسيا الاتحادية من خلال الاستفادة من التالي التطور التكنولوجي في روسيا الاتحادية ، ومن خلال تكريس التعاون الأمني ما بين روسيا والدول الإسلامية ، وعمل سوق اقتصادية تشمل روسيا الاتحادية ودول آسيا الوسطى ودول جنوب وجنوب شرق وجنوب غرب آسيا وأفريقيا وآسيا الصغرى ودول البلقان وشرق أوربا ، وكذلك لوضع استراتيجية هيدروكاربونية ما بين روسيا الاتحادية ودول العالم الإسلامي 0 أما من الناحية المحلية في روسيا الاتحادية فذلك يفترض أن يعيد الحقوق المسلوبة للمسلمين في روسيا الاتحادية ، مثل اعطاء نوع من الاستقلال الذاتي للمسلمين في الشيشان وداغستان وانجوشيا ، وكذلك المطالبة بزيادة عدد الأعضاء المسلمين في الدوما المجلس التشريعي الروسي من 6% كما هو الآن ، إلى 20% من جملة عدد أعضاء الدوما الروسي ، لكي يتناسب مع عددهم في الأتحاد 0
فروسيا قدمت بالفعل مبادرة جيدة للعالم الإسلامي على طبقٌ من ذهب ، ولكن هل نستطيع نحن أن ندرس المبادرة الروسية ونقدم مبادرة أخرى للتقارب مع روسيا مقابل أن نحترمها وتحترمنا ونقوم بدور الند بالند بالنسبة لما ينفع مصالحنا المشتركة ، أو نرضى بالدور الذي وضعته لنا الولايات المتحدة الأمريكية وهو دور التابع .. 0
وكذلك روسيا تعاملت بذكاء مع الهدف الثاني في الاستراتيجية الأمريكية التي ذكرنا هدفها الأول وتعامل روسيا معه سلفاً 0 فالهدف الثاني في الاستراتيجية الأمريكية لروسيا الاتحادية هو الاحتفاظ بقدر من التوتر في علاقات الولايات المتحدة مع روسيا ، من أجل منع التقارب ما بين أوربا وروسيا ، وذلك عن طريق الاحتفاظ إلى أطول وقت ممكن بالتناقض الموروث عن الحرب الباردة 0
ولكن أيضاً بوتين الرئيس الروسي كما يقول ايمانويل تود استطاع أن يلعب هذه اللعبة بذكاء ، فعرض على أوربا الغربية التقارب من خلال التبادل التجاري ، وبالفعل كان معدل التبادل التجاري بين روسيا وأمريكا في عام 2001م 10 مليار يورو ، وما بين روسيا والأتحاد الأوربي 75 مليار يورو أي أكثر من سبعة أضعاف التبادل التجاري ما بين روسيا وأمريكا ، وكذلك تعهد بوتين للأتحاد الأوربي بإمدادات الطاقة والتعاون الأمني الأوراسي المشترك ، وخاصةً حلم القوة الأوربية المستقلة عن أمريكا تراود بعض القوى الأوربية بعد انتهاء الحرب الباردة وخاصةً محور برلين باريس والدول الأوربية المؤيدة لهم مثل بلجيكا ولوكسمبورغ 00 إلخ 0
في حقيقة الأمر هذه أصول لعبة التوازن الروسية مع الشرق والغرب ، وعالم الجنوب ، ولكن نحن كدول إسلامية شرق أوسطية ، أين دورنا من ضمن اللعبة الدولية؟ هل كتب علينا الانتظار وعدم استباق الأحداث ؟ وذلك يذكرنا لما قيل لأحد الزعماء العرب بأن البلاد منهارة ، فقال لناقلي الخبر لا تستبقوا الأحداث ، فعلاً لم يستبقوا الأحداث ، والنتيجة المسرح السياسي عاري أمام الجميع الآن 0 إذاً 00 فهل مازال علينا أن لا نستبق الأحداث ؟. 0
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،