بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
من خلال متابعتنا للتصورات الأمريكية على مستوى مراكز الأبحاث في أمريكا، وعلى مستوى الإدارات الأمريكية المختلفة ، وجدنا أن هناك اجتهادات من الطيف السياسي الأمريكي سواءً كانوا صقور أو حمائم أو معتدلين ، لوضع سيناريوهات للإدارة الأمريكية ، لكي يصبح من السهل على الولايات المتحدة الأمريكية المحافظة على أحاديتها القطبية في هذا الكوكب لأقصى حد ممكن من الزمن بعد انتهاء الحرب الباردة . 0
فكانت الخطوة الأولى للولايات المتحدة للمحافظة على هيمنتها العالمية ، هي عولمة العالم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وثقافياً تحت ظل القيادة الأمريكية ، وآليات العولمة التي كانت تريد أمريكا استخدامها هي منظمة التجارة العالمية ، وهيئة الأمم المتحدة ، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير . 0
ولكن بحلول عام 2000م أي بعد مرور عقداً كاملاً من الزمن ثبت للأمريكان صعوبة عولمة العالم ، قبل إعادة خلط أوراق العالم مرةً أخرى ، أو إعادة تنظيم العالم 0 والأمر الذي يريد أن يفعلهُ الأمريكان ليس بجديد ، فالأمثلة كثيرة على ذلك ، والمنتصرين أو المنتصر سواءً كان حلف متعدد القطبية ، أو قطباً واحداً ، غالباً ما يعيد تشكيل العالم على طريقته لكي يسهل عليه الأمر في إطالة سيطرته العالمية وإدارة العالم ، ومن الأمثلة على سبيل الذكر لا الحصر روسيا وبريطانيا والنمسا وفرنسا في منتصف القرن التاسع عشر بعد هزيمة الدولة العثمانية في حرب القرم ، حاولوا تشكيل العالم بالطريقة التي تخدم مصالحهم ، وكذلك ألمانيا بسمارك في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، كان لديها تصور للسيطرة العالمية ، وتشكيل عالم ذو قطبية أحادية تحت قيادة ألمانيا 0 والمهم في هذا الأمر بأن هذه السيناريوهات السلفاوية المرنة والمتكررة هي السبب في قيادة العالم إلى الحرب العالمية الأولى 0
وبعد الحرب العالمية الأولى استطاع الحلفاء المنتصرون بريطانيا وفرنسا من إعادة تشكيل العالم من خلال التصديق على وعد بلفور المشؤوم ، وإعادة تقسيم العالم في اتفاقية سايكس بيكو 1919م . 0
الذي أمامنا نبذة مختصرة توضح لنا تاريخ التغيرات في السياسة الدولة ضمن حقبة زمنية محددة 0 إذاً مثل ما أشرنا سابقاً أن ما تقوم به الولايات المتحدة ليس بجديد ، وكل الإدارات العالمية وضعت سيناريوهات متعددة لمواجهة أو للتطبيع والتأقلم مع السيناريوهات الأمريكية ، بما يتوافق مع مصالحهم . ، ويؤسفنا أن نقول لكم بإستثناء الإدارات العربية ، كما سنوضح لاحقاً ، والموضوع الذي نتطرق له اليوم ليس بجديد ، فقد تناولناه في مجموعة من الدراسات والمقالات المنشورة ، نذكر منها جيوبوليتيكية الاقتصاد العالمي ، استراتيجية الهايدروكاربون الإسلامي ، السيناريو الاستراتيجي لدولة الأمة الحديثة ، الوزن الاستراتيجي للعالم العربي ، نحو استراتيجية جديدة للأمة العربية ، هل نستوعب نظاماً إقليمياً جديداً ؟ ، حوار في السلطة الميتافيزيقية ، سايكس بيكو 2002 ، والجيوبوليتيكا الميتافيزيقية 00 إلخ 0
وكل هذه الدراسات تركز على محور واحد ، ما هو السيناريو أو السيناريوهات التي تعدها أو تقوم على إعدادها الإدارات العربية والإسلامية ، لكي يكون لها دور في هذا الكوكب بعد انتهاء الحرب الباردة ، وبروز القطبية الأحادية الأمريكية 0
وطبعاً لا نستطيع أن نغفل الدور الذي قام به مجموعة من الباحثين العرب ، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر
أولاً المفكر العربي د0 تركي الحمد في ندوة مهرجان الأيام الثقافي العراق ، الخليج – السيناريوهات المحتملة في نوفمبر 2002م 0 يقول للسيطرة على العراق هناك أربع سيناريوهات محتملة
السيناريو الأول أن تحكم الولايات المتحدة العراق حكماً مباشراً 0
السيناريو الثاني عودة الملكية السابقة لحكم العراق 0
السيناريو الثالث اتحاد هاشمي أردني عراقي ، ويستند هذا السيناريو على أنه يساعد الأردن في حل مشكلته الاقتصادية والديموغرافية ، باعتبار أن القرار الأردني يتأثر بالأغلبية الفلسطينية على أرضه ، وسوف تؤدي الوحدة مع العراق إلى غياب هذه الأغلبية ، وبالتالي غياب تأثيرها على القرار الأردني 0 ولكن هذا السيناريو يصطدم بخوف أمريكا من قيام كيان قوي قد يبدأ موالياً لها ، ولكنه يمكن أن ينقلب فيكون مصدر قلق لأمريكا لاسيما أمن إسرائيل 0
السيناريو الرابع مملكة أردنية مع وسط العراق 0
ويرى د0 الحمد إنه إذا استطاعت أمريكا أن تسيطر على العراق فستبدأ بالضغط على إيران وسوريا والسعودية لأنهم جميعاً مرتبطين بالأسباب الثلاثة للتدخل أعلاه وهي النفط وأمن إسرائيل واستراتيجية المنطقة 0
ثانياً وفي ندوة عقدت في مركز الخليج للأبحاث في دولة الإمارات العربية المتحدة في فبراير 2002م تصور المشاركون أربع سيناريوها محتملة جاءت على النحو التالي
السيناريو الأول للعراق انقلاب عسكري مبكر بعد انطلاق الحملة الجوية وأثناء دخول القوات الأمريكية الأراضي العراقية 0
السيناريو الثاني انقلاب عسكري متأخر عندما تصل القوات الأمريكية إلى بغداد 0
السيناريو الثالث استمرار أمد الصراع لنحو 12 شهراً ، وفشل أمريكا في إيجاد حكومة قوية في العراق 0
السيناريو الرابع حكومة مفروضة بعد الانتصار الأمريكي 0
وفي ندوة الأهرام في فبراير 2003م تحت عنوان قمة عربية طارئة في ظروف عالمية ضاغطة 0 وكان تركيز الباحثين في هذه الندوة ما هي الطريقة الممكنة لمنع أو تقليص مخاطر السيناريوهات الأمريكية للمنطقة . 0 فيقول د0 مصطفى الفقي أما عن اجتماع القمة العربية الطارئ – الذي دعا إليه الرئيس حسني مبارك – فإنه ضروري ، ذلك لأنه إذا لم يجتمع العرب الآن فمتى يجتمعون ؟ أنه لا يوجد وضع عربي أسوأ مما هو الآن . 0
خلاصة ما نرى بأن العلماء العرب والشعوب العربية ومعظم شعوب العالم متضامنين مع الشعب العراقي ويخشون أن يصيبه أي مكروه من السيناريوهات الأمريكية ذات الثورة الجامحة ، وعكس ذلك نجد بأن معظم الحكومات العربية غير مكترثة بما سوف يحدث للعراق وللمنطقة من الطموح الأمريكي الجامح للهيمنة العالمية0
أما بالنسبة للإدارة الأمريكية فعلى ما يبدو بأنها حسمت الأمر بالنسبة للعراق وللشرق الأوسط والعالم ، ففي مقابلة نشرتها صحيفة الشرق الأوسط العدد 8853 مع ريتشارد بيرل المستشار في وزارة الدفاع الأمريكية ، فيقول إذا لم نستطع استصدار قرار من مجلس الأمن يدعم توجهنا لضرب العراق ، فسنمضي لضرب العراق غير عابئين لا بمجلس الأمن ولا بأي تنظيم دولي آخر ، والذي نفهمه من قصد بيرل هنا لتحقيق مصلحة أمريكا ، والمحافظة على هيمنتها العالمية ، لا يوجد عندنا مانع من نسف وإعادة التنظيم الدولي كاملاً ، وليست العراق أو الشرق الأوسط فقط . 0
وخلاصة ما قاله بيرل إذا لم نستطع استصدار قرار من مجلس الأمن لضرب العراق ، عندها سنهاجم العراق من دون قرار من الأمم المتحدة ، وقال بصريح العبارة بعد احتلال العراق الجنرال فرانكس سيكون هناك حتى يضمن أن العراق صار مستعداً لتطوير مؤسسات سياسية حرة بمعنى آخر أي حاكماً على العراق 0
وكذلك هدد بيرل جميع دول الشرق الأوسط التي تقف عائقاً أمام الاستراتيجية الأمريكية فيقول آمل أن ينظر الرئيس السوري في إصلاحات سورية أو قد يكون الهدف الثاني ، هناك عليه الكثير عمله ، وخصوصاً أغلاق مكاتب المنظمات الإرهابية، وأن يعيد لبنان للبنانيين 0
أما بالنسبة للمقاومة المشروعة فيقول بيرل الإيرانيون قادرون على القيام بعمليات إرهابية ضد الأمريكيين الآن ، أنهم يفعلون ذلك ، أنهم أول داعمين لحماس ، ولحزب اللّه ، والجهاد الإسلامي ، ولا أعتقد أن سياستهم في هذا المجال تعتمد على تحريرنا للعراق أم لا ؟ 0
في الخاتمة نترك القول للإدارة العربية لأن صناعة القرار التاريخي بالنسبة لهذه الأمة بأيديهم ، وإذا كانت معظم الإدارات العربية عاجزة عن إتخاذ قرار في هذا الشأن فعليها أن تعطي شعوبها ديمقراطية حقيقية وليست صورية ، لكي يتسنى لهذه الشعوب أن تختار من يمثلها في الإدارات العربية ، وعندما يحدث أي شيء بعد ذلك بالايجاب أو بالسلب يكون الجميع مشارك في تحمل مسؤوليته 0
ولكن بعض الحكومات العربية للأسف مازالت ترى أن الشعوب العربية إلى الآن غير مؤهلة للديمقراطية الحقيقية . 0 ونقول لهؤلاء المسؤولين متى تعتقدون بأن الشعوب ستصبح كاملة الأهلية لممارسة الديمقراطية ، وهنا استوقفتنا طرفة من إحدى مقالات الكاتب اياد أبو شقرا ، مع اختلاف الموضوع ، فالطرفة هي كالتالي طبيب أمراض عصبية ذهب ذات يوم إلى المستشفى لإجراء معاينة 0 لكنه لدى مغادرته اكتشف لصاً سرق إحدى عجلات سيارته التي كان قد أوقفها بجوار حديقة المستشفى ، فاحتار الطبيب وأخذ يتفكر بكيفية التصرف ، إلى أن قطع حبل تفكيره كلام أحد المجانين عبر السياج . 0 لماذا كل هذه الحيرة يا دكتور ؟ اخرج العجلة الاحتياطية من صندوق السيارة وخذ برغياً من كل عجلة وركب بها العجلة وتوكل على اللّه 0
فصعق الدكتور والتفت على المجنون مخاطباً إياه هل أنت مجنون يا رجل ؟ .. لا واللّه أنك أعقل العقلاء 0 فرد المجنون لا سيدي أنا مجنون حقاً لكنني لست غبياً.؟
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،