بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
لم أجد أقرب من مصطلح قهروماء كوصف لما يعانيه المواطن الخليجي الآن 0 الذي عاش في مرحلة إزدهار ظرفية ، منذ تفجر عائدات البترول في المنطقة ، في الخمسة عقود الأخيرة من القرن العشرين ميلادي 0 والأميز من ذلك كله بأن معدل مستوى الدخل سجل ارتفاعا من صالح المواطن الخليجي إلى بداية حقبة الثمانينيات 0 وهي المرحلة التي شهدت فيها المنطقة الأنهيار الكامل لأسعار النفط 0 ومنذ تلك الفترة والأجور راكدة ، بل أصيبت بستاتيكية مزمنة 0 ويقابلها زيادة تصل إلى 5ر3% تقريباً في عدد المعالين آل ثاني ، سياسية ، وزيادة طردية مذهلة في معدل الاستهلاك ، والشعرة التي قصمت ظهر البعير هو المعدل السنوي للتضخم في دول مجلس التعاون الخليجي الذي في أحسن حالاته يصل إلى 3% 0 وفوق ذلك كله كان المواطن يحصل على معظم متطلباته من خدمات ومرافق ، شبه مجاناً تقريباً 0 أما الآن فأضيف على كاهل المواطن الخليجي المنهك أصلاً ، مجموعة كبيرة من الضرائب والرسوم مثل رسوم الهجرة والجوازات والتسجيل والتجديد والتصديق 00 إلخ 0
كل هذا جعل القوة الشرائية لأجر المواطن تنخفض بشكل كبير ، ولن نبالغ إذا قلنا أحياناً يصل إلى 80% وربما أسوأ من القيمة الفعلية للراتب الوظيفي قبل عشرون عاماً ، وخاصة إذا علمنا بأن هناك شريحة كبيرة من الشباب الخليجي فرض عليها التقاعد القهري وهم في أوج سن عطاءهم ، وفي أهم مراحل العطاء الاجتماعي للمساهمة في تأسيس أنفسهم وأسرهم ، والأمّر من ذلك كله الاحالة الغير قانونية على المعاش اصطحبت معها اقتطاع جزء لا يستهان به من دخل المحال 0
الوضع الذي يحدث في الخليج العربي فعلا حير المفكرين في الفلسفة السياسية ، حيث كنا نجد بعض الجدل الفلسفي بأن الغرض من مجتمع الرفاه في دول مجلس التعاون الخليجي ، هو لغض أبصار الناس عن الكثير من حقوقهم السياسية والمدنية ، وبعض الجدليين يقولون بأن مجتمع الرفاه هو الأساس الذي تقوم حوله المدنية ، بحيث إذا أردت أن ينتج الإنسان فعليك أن توفر له أساسيات الحياة ، وإذا أردته أن يبدع فعليك أن توفر له هامشاً جيداً من الرفاهية 0
والأغرب من ذلك بأن الجدل السياسي ينتقل حتى إلى الاحقاد ، حيث أن هناك من يتصور بأنك إذا أفقرت المجتمع ، أصبح الجميع يقاتل لقوت يومه ، وبالتالي تستطيع أن تبعد الجميع عن حقوقه المدنية الطبيعية ، وهذا الرأي أيضاً جدلي لأن سياسة شد الحزام ، ربما يديرها أحياناً فنانوا اللعبة السياسية لصالحهم ، ويكون ذلك من خلال صناعة آلية لتفجير الشارع ، وفي هذه الحالة لن تكون المطالبة بالرغيف فقط ، ولكنها ستكون بالرغيف وجميع الحقوق المدنية معه 0
عموماً التفجير وشر التفجير اللّه يبعده عن خليجنا المسالم ، ونحن كخليجيون مشهورين على مستوى العالم بأننا حمائم وذلك حتى في حالة التفاوض على السلعة الوحيدة النفط التي وهبنا اللّه سبحانه وتعالى أياها ، ونقتات من وراءها ، دائماً نبحث من خلال هذه السلعة عن ما يرضي جميع الأطراف خصوصاً المستهلكين 0
وخلاصة ذلك كله بأن المشكلة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها المواطن في دول مجلس التعاون الخليجي ، سوف يكون لها انعكاسات سلبية ليس على المستوى المعيشي فحسب ، بل حتى على مستوى النمو السكاني بالنسبة للمواطنين في دول مجلس التعاون الخليجي ، وهذا بحد ذاته يؤدي إلى كارثة متمثلة في فقدان الهوية الخليجية ، وخاصة إذا علمنا بأن بعض الدول الخليجية عدد المواطنين فيها أصبح أقل من 15% من جملة عدد السكان ، وهذا يمثل انتحار للجنس الخليجي في وطنه 0
وعندما ننظر إلى أوربا نجد في فرنسا على سبيل المثال يقول العنصري لوبان فرنسا للفرنسيين ، وكذلك يصرح السياسيين الألمان علماً أن نسبة الأجانب أقل من 10% من جملة السكان حقائق عن ألمانيا 0 ولكن ربما يتساءل معنا البعض ويقول ما هو الأسلوب الأمثل لعلاج مشكلة الفقر السكاني الخليجي ، نرى بأن الأسلوب الأمثل ، كما أوصينا في مجموعة من الدراسات والمقالات السابقة :
1- رفع مستوى الدخل مع مراعاة معدلات التضخم 0
2- التبكير في سن الزواج 0
3- إعطاء علاوة حضانة لكل مولود 0
4- إعطاء راتب كفاية حاجة لكل مواطن خارج سوق العمل من ضمن شروط ملزمة 0
5- التدريب التقني العالي للمواطن الخليجي لكي ينعكس ذلك على تقليص العمالة الأجنبية 0
6- توفير الرعاية الكافية لكبار السن آل ثاني ، استراتيجية التنمية 0
7- توفير الخدمات للمواطن باسعار رمزية أو اضافة علاوة إلى أجره الشهري تسمى علاوة خدمات ومرافق 0
فعلى سبيل المثال في قطر ، تقوم الحكومة بتوفير الكهرباء والماء للمواطن مجاناً، وفي مقالة نشرت لنا في جريدة الراية في نوفمبر 1997م تقريباً ، أوحينا بالتالي ، بأن تقوم لجنة متخصصة بدراسة متوسط سقف الاستهلاك للفرد من الكهرباء والماء ، وعلى هذا الأساس تصرف علاوة شهرية للمواطن لتغطية رسوم هذه الخدمات ، وما فاض عن ذلك يعتبر اسرافاً ، فعلى المواطن الالتزام به 0
وفي الختام بدلا من اتهام هذا الأكاديمي أو ذاك الموظف الذين لا حول لهم ولا قوة، فعلينا أن ننظر إلى أين يوجد مركز الخلل ؟ الخلل الحقيقي بأننا مازلنا في مرحلة عشوائية من حيث استراتيجية التنمية ، وهذا كله رغم جميع الخطط مازلنا نتخبط في محلك سر ، وأكثر ما أخشاه بأن هذا التخبط مخطط لنا من قوى أجنبية بالتعاون مع بعض المستفيدين الذين حققوا المليارات من وراء هذا الوضع المتردي ، واستطاعوا بطريقة محكمة أن يسيطروا على الإعلام والوظائف وحتى التخطيط للأجيال ، ولكنهم حصلوا على كل شيء إلا متعة الانجاز 0
فنحن الخليجيون نشأنا على أن الإشباع جماعي ، والفرح جماعي ، والحزن جماعي هذا ما علمنا إياه السلف ريان قطر ، وعين أبو ظبي ، وسور الكويت ، ودرعية نجد 00 إلخ 0 فلابد لنا من جمع قوانا وتوحيد صفنا ، وتسخير كل ما نملك لتحرير أقصانا 0
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،