بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
بداية سنتجنب التطرق للمرحلة التأسيسية للجامعة العربية بإسهاب لأن ذلك سبق وأن شرحناه في كتابينا الجغرافية السياسية ، والعالم الإسلامي 0
لقد لفتت أنظارنا أخيراً ظاهرة الانسحابات من جامعة الدول العربية ، وذلك جعلنا نتذكر مقولة قديمة مشهورة للدكتور مجذوب وهي : ” لقد تعرضت الجامعة لانتقادات شديدة تتعلق بميثاقها ونشاطها وأسلوب عملها ، وشلت حركتها في أحيان كثيرة بسبب الخلافات السياسية بين الحكومات العربية 0 ومع ذلك لم تنسحب أية دولة من عضويتها ، ولم تطالب أية دولة بإلغائها 0 لقد بقيت الجامعة رغم الأعاصير البيت الوحيد الذي تجتمع فيه الدول العربية مرتين في السنة ” 0 مجذوب ، ص 271 0
والظاهر هنا بأن د0 مجذوب يعزي نفسه حتى بالحد الأدنى من التعاون العربي تحت مظلة الجامعة العربية ، ولكن هذا الحد الأدنى الذي رضي به المفكرين العرب ، أبت الحكومات العربية إلا القضاء عليه ، ففي أكتوبر 2002م تقدمت ليبيا بطلب للانسحاب من الجامعة العربية ، وفي قانون الجامعة كما نعرف بأن الدولة تملك الإرادة كاملة للانسحاب من الجامعة متى شاءت وإن وجد بعض الشكليات للانسحاب 0 وفي خبر مماثل ورد بأن قطر مثل ليبيا تسعى إلى طلاق الجامعة العربية مع نهاية رئاستها لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، ولاقى هذا الخبر نفياً قاطعاً من مندوب قطر لدى الجامعة العربية ، وصرح بأن قطر لا تعقد النية للانسحاب من الجامعة 0 وهناك دول عربية تنتظر الفرصة لكي يتم إنشاء سوق شرق أوسطية ، وفي رأيهم بأن هذا هو البديل للجامعة العربية 0 والأهم من ذلك كله بأن معظم الشعوب العربية لم تعد تنظر للجامعة بكثير من التفاؤل لأنها لم تقدم حلولاً لمشاكلهم القطرية أو العربية عربية ، أو العربية أجنبية 00 إلخ ، وسنشرح ذلك لاحقاً :
في رأيي قبل أن نخوض في عمق هذا الموضوع لابد لنا من معرفة الغرض من وراء إنشاء الجامعة العربية :
1- صيانة إستقلال الدول العربية 0
2- المحافظة على الأمن القومي العربي 0
3- تحقيق التعاون السياسي العربي 0
4- تحقيق التعاون في المجالات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية00 إلخ 0
وحتى نكون منصفين في تحليلنا النقدي للجامعة العربية ، لابد لنا من ذكر إيجابياتها قبل سلبياتها ، وهذه الإيجابيات من خلال ما توفر لنا في بحثنا العلمي ، كان معظمها قبل حرب أكتوبر 1973م العربية الإسرائيلية وهي :
أ – عندما رفعت الجامعة العربية قضية اليمن عدن في صيف 1964م إلى هيئة الأمم المتحدة ، مطالبة باستقلال عدن من بريطانيا ، وفي 5/11/1965م أصدرت الجمعية العامة ، بأغلبية 90 صوتاً ضد 11 صوتاً ، قراراً يناشد جميع الدول مد يد المساعدة إلى شعب عدن للحصول على استقلاله ويطلب من بريطانيا بإلغاء قواعدها العسكرية هناك بأسرع وقت ممكن 0
ب – دور الجامعة العربية في إقامة اتحادات فيدرالية عام 1958م ما بين مصر وسوريا وكان الطموح إلى ضم اليمن ، والوحدة ما بين العراق والأردن 0
ولكن هذه الاتحادات باءت بالفشل ، مما أضعف أحلام الوحدة التدريجية العربية0 وحتى نكون صريحين في هذا الموضوع بعد اتفاقية كامب ديفيد الأولى عام 1977م اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية أصبحت الجامعة العربية عديمة الجدوى ، وخاصةً بعد عزل مصر عن الجامعة العربية وهي تمثل ما يقارب 25% من إجمالي سكان العالم العربي 0 والأدلة على ذلك كثيرة وسنطرحها على شكل أسئلة : ما هو دور الجامعة العربية في التالي : 1 الحرب العراقية الإيرانية 2 احتلال العراق للكويت 3 حصار العراق وتهديده المستمر 4 حصار ليبيا 5 مشكلة الجنوب والشمال في السودان 6 مشكلة الصومال 7 الحرب الأهلية في الجزائر 8 الصحراء الغربية 9 سبته ومليله 10 لواء الاسكندرون السوري 11 مشكلة الأكراد في العراق 12 النزاعات الحدودية ما بين الدول العربية الكامنة والنشطة والمتفجرة 13 أم القضايا القضية الفلسطينية 0
أعتقد بأن القارئ الكريم ينتظر منا إجابة عن ما هو السبب الرئيسي لضعف الجامعة العربية ، أو الأسباب التي أدت إلى اضمحلال دورها ؟ 0
والإجابة على ذلك كما نرى بأن قوة المنظمات الدولية تعتمد على تنازل الدولة الديمقراطية عن جزء من سيادتها بطريقة هيراكية تبدأ من القاعدة إلى القمة ، وذلك من خلال مؤسسات وآليات اتخاذ القرار القطرية ، وتتدرج إلى أن تصل إلى مؤسسات وآليات اتخاذ القرار على المستوى التنظيمي الإقليمي أو الدولي 0 وهذا الشيء طبعاً معدوم بالنسبة للدول العربية ، لأن السلطة في جميع الدول العربية مازالت فردية، أما على شكل نظام أبدي أو نظام شمولي 0 وفي السلطة الفردية كما يعلم الجميع بأن إرادة اتخاذ القرار تعتمد على الفرد نفسه ، وفي هذه الحالة الفرد عند حالة اتخاذ أية قرار سوف يعتمد على مصلحته الشخصية المباشرة على المستوى القطري والإقليمي والدولي 0 ولسوء حظ مواطني العالم العربي بأن جميع حكام العالم العربي مختلفين مع بعضهم نسبياً ، ونتيجة ذلك ستنعكس تلقائياً على المنظمات الإقليمية ، وأعتقد الجميع مدرك لذلك في تاريخنا المعاصر وهو انهيار الاتحاد الإقليمي العربي الذي يضم الأردن والعراق ومصر واليمن ، والتجميد الذي يشبه الانهيار الذي أصاب الاتحاد المغاربي العربي ، والتطور البطئ الممل لمنظمة مجلس التعاون الخليجي علماً بأنها دخلت الآن عقدها الثالث من الزمن 0
ومن الطبيعي النتائج السلبية التي حققتها المنظمات الإقليمية الصغرى ، ستنعكس على المنظمة الإقليمية الكبرى الجامعة العربية 0
ونرى في الختام كما يعتقد الكثيرون بأن الجامعة العربية كمنظمة قومية دورها انتهى تقريباً ، خاصة بأنها تعتبر أكبر منظمة دولية في العالم من حيث السن ، ولم تحقق أي تقدم يذكر ، فشخصيتها الاعتبارية المادية تعتبر انتهت من ناحية قانونية ، ولم يبقى منها إلا الجانب المعنوي وهو المقر والموظفين ومندوبين الدول الموجودين فيها 0 وبالتالي لابد من دمج الجامعة العربية مع منظمة المؤتمر الإسلامي ، على أن تقوم الدول الإسلامية بإنشاء منظمات إقليمية صغرى مثلاً : النظام الإقليمي للخليج والجزيرة العربية ، النظام الإقليمي للهلال الخصيب ، والنظام الإقليمي لدول آسيا الوسطى ، والنظام الإقليمي لوادي النيل ، والنظام الإقليمي للمغرب العربي ، والنظام الإقليمي لدول جنوب الصحراء الكبرى ، والنظام الإقليمي لشبه القارة الهندية ، والنظام الإقليمي لجنوب شرق آسيا ، وتلتقي جميع هذه المنظمات الإقليمية الصغرى في منظمة كبرى تحت مسمى منظمة المؤتمر الإسلامي آل ثاني ، عالم إسلامي ، ص 227 0
ونقترح كذلك في المرحلة الأولى أن يقفل الباب أمام أية تهاون في أية مسائل سياسية ، لأنها ستعجل انهيار المنظمات الجديدة ، ويتم التركيز على التعاون في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمالية والمواصلات والشؤون القانونية 00 إلخ 0 فهذه العناصر ستعود في المستقبل إنشاء اللّه إلى التنسيق السياسي 0
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،