بسم الله الرحمن الرحيم
24/6/2004
في مساء الإربعاء السابع من الشهرالحالي ( مايو 2003 ) شاهدنا المقابلة الهاتفية التي أجرتها محطة الجزيرة في الدوحة مع حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود من جنيف .
وكان الأمير يعلن في المقابلة عن إنشاء الهيئة السياسية الملكية السعودية التي قال أن من مهامها : 1 . تقديم المشورة والنصح بإتجاه تقويم الحكم . 2 . مساندة النبلاء من أعضاء الأسرة المالكة لقيادة المملكة .
طبعاً نحن نحترم ما قاله الأمير سلطان ، ولكن لنا رأي يختلف عن تصوره السياسي . فالمنطقة لا تتحمل في الوقت الراهن هذا النوع من المعارضة ، خاصةً بعد الإحتلال الأمريكي للعراق . فالإستراتيجيين الأمريكين الآن يضعون تصوراتهم لإدارة العراق ، وبعد نجاح النموذج العراقي من خلال التصور الأمريكي سيصدر للتطبيق في جميع دول المنطقة ! .
ومن هنا نلاحظ بأنه ليست الأنظمة الملكية فقط ( الحمائم ) ، بل حتى الأنظمة الثورية ( الصقور ) في المنطقة بدأو يقدمون مجموعة من التنازلات وإن كانت أحياناً ليست بإستراتيجية وإنما تكتيكية لكي يتعاملوا مع العاصفة القادمة إلى الشرق الأوسط ! .
فمثلاً المحافظين في ايران ، والذين كانوا يراقبون الإصلاحيين عندما يحاولون الإقتراب من الطرف الأمريكي بطريقة مباشرة أو غيرمباشرة لكي يثنوهم عن هذه المبادرة ! ، نجد أنه بعد الإحتلال الأمريكي للعراق ، قام المحافظين بتغيير خطابهم السياسي ، فآية الله كاشاني أحد أبرز علماء الدين المقربين من آية الله خامنئي أعاد تفسير شعار الموت لأمريكا ، الذي يتصدر شعارات الثورة إذ قال : “هذا الشعار لا يعني الموت للشعب الأمريكي أو الموت للصناعة المدنية وللعلم وللأشياء الطيبة في أمريكا ، وإنما الثورة تقصد الموت للأعمال الظالمة التي يمارسها المسؤولون الأمريكيون ، وللسياسة الخادعة والتوجهات الخاطئة للأدارة الأمريكية ” . [ الأهرام العربي العدد319 ] .
وكذلك صقور البحر المتوسط قدموا بعض التنازلات لأمريكا بعد إحتلالها للعراق ، فسوريا إستجابت للمطالب الأمريكية ، وقامت بإغلاق الحدود بينها وبين العراق ، وقدمت الوعد لكولن باول وزير الخارجية الأمريكية بإغلاق مكاتب المقاومة الفلسطينية الموجودة في سوريا على حد قوله بعد زيارته لسوريا ! .
وإمتدت هذه التنازلات لشيخ المقاومة الفلسطينية السيد ياسر عرفات عندما وافق على التنازل عن بعض سلطاته لمحمود عباس ، بعد ماعينه السيد عرفات رئيساً لوزراء السلطة الفلسطينية ، وإستطاع رئيس الوزراء الفلسطيني تعيين بعض الوزراء رغم رفض السيد عرفات لهم ! .
المذكور يوضح لنا بأن المنطقة تمر في مرحلة مخاض صعب جداً ، ومطلوب من جميع دول المنطقة أن تقدم تنازلات ، ومن يقدم تنازلاً واحداً سينتهي به الأمر إلى تقديم كشف من التنازلات ، وبعد هذه التنازلات ياليته يسلم على وحدة إقليمه السياسي على أقل تقدير ، والنموذج العراقي ماثل امامكم ! .
إذاً هذه المرحلة تحتاج إلى نوعين من التكتيكات : الأول : محلي ، والثاني : إقليمي ، وذلك لكي يحافظ كل إقليم سياسي على حد أدنى من التماسك القُطري والإقليمي لصد الإختراق المباشر أو الكلي على أقل تقدير من الولايات المتحدة الأمريكية ! .
والذي لفت نظرنا في حوار الأمير سلطان بأنه يتخذ موقف معادي بطريقة مباشرة ضد رموز السلطة في المملكة العربية السعودية ، ونرد عليه ، أولاً : أنه جرى في العرف عندما تحدث خلافات ما بين أفراد الأنظمة العشائرية يبتعدون عن إعلان هذا النزاع ، لأن هناك أصلاً مجموعات من المنافسين لهم ينتظرون أية فرصة لإختراق هذه الأنظمة أو الكتل الصلبة ، وطبعاً أفضل فرصة أو ثغرة لهذا الإختراق هي نزاعات الكتلة فيما بينهم ! . وثانياً : ونقتبسه من أصولنا العربية في البيت القائل :
بلادي وإن جارت علي عزيزةٌ وأهلي وإن ضنوا علي كرامُ .
أي يا أخي سلطان لن يكون الغريب مهما وصل من الطيب أرحم عليك من القريب مهما وصل من السوء ! . والأمثلة كثيرة على ذلك قديمة وحديثة ومعاصرة ، فالشخص عندما ينشق على عشيرته ، يستغل كورقة ضدهم ، وبعد أن ينتهي الدور الوظيفي لهذه الورقة تحرق ، وتعاد العلاقة ما بين القوى التي استغلته وعشيرته إن
كانت ماتزال موجودة ، أو من حل محلها ، ويعود ذلك إلى أن الأصل في اللعبة السياسية هو المصلحة ! .
ومن أقوى الأمثلة على ذلك هو عندما إنشق حسين كامل وصدام كامل على الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، وذهبوا إلى عَمان ، تم أخذ كل المعلومات لديهم، وكانوا يعتقدون بأنهم بعد أن يعطوا الأمريكان أسرار سلطتهم ! سيقوم الأمريكان بخلع صدام حسين وتنصيبهم على رأس السلطة في العراق آنذاك ! . ولكن بعد أن أخذ الأمريكان منهم مايريدون ، لم يعطوهم حتى اللجوء السياسي ، وأعيدوا
للرئيس صدام حسين وعشيرتهم لكي يواجهوا مصيرهم المحتوم كخونة للنظام الذي إنشقوا عنه ! . وتوجد لدينا أمثلة كثيرة معاصرة لا مجال لذكرها الآن ومنها رامبوا الخليجي !!.
وفي الختام نعتقد بأن النزاعات العشائرية وحتى الحزبية ، إذا كان المتنازعين مازالت لديهم النزعة على تماسك الكتلة ، سيحاولون أن يجدوا حلولاً لنزاعاتهم من خلال الأبواب المغلقة ، وإذا أصبح ذلك مستحيلاً تدار اللعبة بطرق أخرى ، وليس بطريقة تشهيرية تضر الكتلة نفسها !.
وننهي رأينا بأن المنطقة تمر فعلاً بمرحلة مخاض كبيرة ، وكلها تعاني من إستعمار وشبه إستعمار أمريكي ، وبطاقات الضغط عليها هي : 1 . الديموقراطية : والديموقراطية المطلوبة هي أن يتنازل السلطان عن جميع سلطاته ، ويعطيها لحكومة منتخبة ، ويبقى كرمز فقط ، بمعنى آخر يملك ولا يحكم ! . ونذكر في 7 / 5 / 2003 م سمعنا في إذغعة لندن عن الديموقراطية الغربية ، بأن جاك شيراك
الرئيس الفرنسي أهدى توني بلير رئيس الحكومة البريطانية خمس زجاجات من النبيذ الفرنسي ، وهذا النبيذ أثار إستخدام مادة قانونية في بريطانيا ، لأن قيمته السوقية 1000 جنيه إسترليني ، وأقصى حد يسمح به لرئيس الوزراء البريطاني هو أن يقبل هبة بـ 140 جنيه إسترليني ، وما زاد عن ذلك إما أن يعيده لخزينة الدولة أو أن يدفع فارق الثمن ، والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل بالفعل نحن مستعدين لهذا النوع من الديموقراطية ؟! .
2 . إعادة توزيع الدخل : والسؤال الذي يطرح نفسه من خلال نظرية إعادة توزيع الدخل ، هل نحن بالفعل مستعدين لتطبيق النظرية اللا لاسكية لتوزيع الموارد الطبيعية ؟! .
وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله