بسم الله الرحمن الرحيم
6/6/2004
سبق وأن نُشر هذا الموضوع في ” الراية ” في يوليو 2002م تحت عنوان أحادية، ثنائية ، تعددية أم سياسة الأمر الواقع ، وكان أكثر ما يهمنا في هذا الموضوع هو إسقاط الاستفسارات الجدلية لكشف بعض الحقائق المزمنة في العالم النامي 0 وبعد نشر هذا الموضوع ، قفز إلى ذهننا : هل توجد حلول جذرية لعلاج هذا الموضوع أم لا ؟ 0
ففي البداية دعونا نذهب إلى عمق المقالة من خلال استفساراتها الستة ، وفي الختام سنحاول التطرق إلى الإصلاحات الممكنة 0
حدثنا صديق عن الانحطاط الذي أصاب لغة الحوار في العالم النامي ، وشعرنا بأنه يوجد عند هذا الصديق درجة كبيرة من التشاؤم ، ونظرة سوداوية لأن ما أخبرنا عنه يفوق قدرات عقل أي إنسان عادي 0 فحاولنا أن نطرح عليه بعض الاستفسارات للتأكد من صحة ما يقول :
الاستفسار الأول : سألنا صديقنا ، هل حاولت أن تحاور رجل سياسة عن حرية الرأي ؟
والإجابة على هذا الأمر تعتمد في العالم النامي على ما قاله هوبز : ” إن نجاح الأسلحة ليس هو الذي يعطي الحق في ممارسة السيطرة على المهزوم ، وإنما الاتفاق المعقود معه 0 فهو لا يكون مجبراً لأنه أخضع ، أي هزم أو أسر أو أضطر للهرب ، وإنما فقط لأنه استسلم ، ووافق على الخضوع للمنتصر ” 0
ففاجأني الصديق فأجاب إنه يعلم جيداً بأن هذا الأمر محسوم في العالم النامي ، ولن يتطرق إليه مطلقاً 0
الاستفسار الثاني : أخشى بأنك حاورت خطيب مفوه بعدم قناعتك بخطبته ؟
والإجابة على ذلك : يؤسفنا بأن نبلغك بأن بعض الخطباء يستخدم أسلوب الديماغوجية إلهاب مشاعر الجماهير للجماهير ، وهذا هو نفس الأسلوب المستخدم في عالم الشمال ، ولكن بعض الخطباء في عالمنا النامي استخدموا أسلوب الديماغوجية لإلهاب مشاعر أركان السلطة ، من أجل أن يحافظ هؤلاء الخطباء على مواقعهم ويحققوا أحلامهم في الترقية 0
فأجاب الصديق بأنه يعلم تمام المعرفة بأن هذا الأمر محسوم أيضاً 0
الاستفسار الثالث : نخشى بأنك ناقشت الترقيات الوظيفية ، فالمفروض للحصول على الوظيفة ، أن تكون حاصلاً على مؤهلات علمية ، في السن المناسب ، وتجيد أكثر من لغة ، لديك الخبرة الكافية ، حسن السير والسلوك ، وكامل الأهلية ، وأن تكون مواطناً ؟
الخطاب أعلاه مثالي ولا نستطيع أن نخالفه ، ولكن يجب أن نحذر الصديق عندما تحدث لعبة الاسقاط بالمظلة ، والآن ربما يتساءل القارئ المحترم ويقول : ما هي لعبة الاسقاط بالمظلة ؟ 0
وهي تعني أن يصدر قانون بإحضار شخص لا توجد عنده ولا واحدة من الشروط المطلوبة أعلاه ، ويسقط في الصف الأمامي مراعاة للمصلحة العامة 0
فأجاب الصديق هذا الأمر محسوم محسوم محسوم ولا أريد أن أناقشه 0
الاستفسار الرابع : قلنا للصديق نخشى بأنك حاولت أن تناقش التخطيط السياسي للدول في مرحلة الثورة الإصلاحية للأمم ، وهي كالتالي :
1- الأنظمة والقوانين والقضاء : المقصود منها تهميش جميع القوى العاملة في المجتمع 0 أما بالنسبة لما يسمى بحكومة الثورة ، فالأنظمة والقوانين غير موجودة على الإطلاق 0
2- قوى الأمن الداخلي 0
3- أجهزة المخابرات والمباحث ذات الكفاءة العالية 0
4- وسائل الدعاية : من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة 0
5- قوة عسكرية تضفي شيء من الرهبة في المناسبات وعديمة الفعالية عند الحاجة 0
فقال الصديق بأنه على معرفةٍ تامة بالفساد الذي أصاب السلطات التنفيذية والتشريعية ، ولكن مازال له أمل في السلطة القضائية 0 فقلنا له ألم تقرأ النسخة الفرنسية من بروتوكولات حكماء صهيون ، فرأيها عن ممارسين القانون كالتالي : إن مهنة المحاماة تجعل ممتهنيها باردين قساة عنيدين ، وتنزع من نفوسهم كل المبادئ وتجبرهم على أن ينظروا إلى كل شيء نظرة مجردة ، أو نظرة اجتماعية محضة ، وقد تعود المحامون على ألا يبالوا إلا بربحهم الشخصي الذي يحصلون عليه من القضايا التي يعهد بها إليهم ، ولا ينظرون إلى النتائج الاجتماعية ، وقلما يرفضون قضية ويسعون دوماً إلى براءة موكليهم بأي ثمن ، متمسكين بمناقشة حوار حقوقية صغيرة ، وبذلك يعملون على إفساد المحاكم والقضاء 0
الاستفسار الخامس : فقلنا للصديق نخشى بأنك حاورت قاضي في حكمه 0 فقاطعنا صديقنا واستهل بالمبادرة هذه المرة وقال : أتعتقد بأنني ساذج إن قمت بذلك ، فأنا أعرف تمام المعرفة ، بأن القاضي في العالم النامي يتعامل مع الخصوم كالراعي في القطيع ، آسف كالأسد في الغابة ، آسف ، كالرئيس في العالم الثالث مع شعبه 0 فقاطعنا الصديق وقلنا : لو لم تقل كلماتك الأخيرة لرفعنا عليك قضية لأنك اعتديت على نزاهة القضاء 0
الاستفسار السادس : ” إذاً قل لنا من حاورت ؟ ” واسترسل الصديق بأنه دعي من العالم المذكور للحوار في عرينه 0
فقلنا للصديق أكيد بأن الحوار (dialogue) كان ممتعاً وقدمتم وجبة ثقافية دسمة0 فأجاب الصديق بأن الحوار كان يعتبر أحادي الجانب (monologue) ، وبعد أن انتهى العالم من أوامره آسف حواره ، أبلغني بأن المقابلة قد أنتهت ، وفي نفس الوقت كان دمث الخلق لأنه قال لي بأن الحوار كان شيق ولكن لاحظت بأنه كان يحملق فيني بعينيه الحمراوين ، ربما ليضفي لنفسه شيء من الرهبة ، أو ليخيفني 0
فقاطعنا الصديق وقلنا له بأنه يتجنى على بعض علماء الدين الإسلامي بأنهم لا يجيدون إلا مفهوم الخطاب الأحادي الجانب ، وشعرنا بأنه ربما هناك مؤامرة تحاك ضد الدين الإسلامي من الغرب والدول الصليبية 0
وبادرنا وقلنا لصديقنا أن علماء الدين الإسلامي هم ورثة سيد البشرية جمعاء ، محمد ص نبي اللّه ورسوله ، وأرقى لغة للحوار كان يمارسها سيدنا محمد ص والأمثلة على ذلك ، حوار وأتفاقية صلح الحديبية ، فعندما قال محمد ص لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : أكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو مندوب قريش : أمسك لا أعرف الرحمن الرحيم ، بل أكتب بأسمك اللهم فقال الرسول ص : أكتب بأسمك اللهم 0 فقال سهيل : أمسك لو شهدت أنك رسول اللّه لم أقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك 0 فأمر الرسول ص علي بأن يكتب محمد بن عبد اللّه في موضع محمد رسول اللّه 0
هذا المثال المذكور هو أبهى مثال للغة الحوار في العالم على الاطلاق ، ونحن نعتقد بأن من يتهم علماء الدين الإسلامي بأنهم يمارسون حوار أحادي الجانب في الحديث ، بأنهم يتجنون على هؤلاء العلماء الأجلاء 0
ولكن الصديق أحضر لنا أدلة قطعية بأنه فعلاً يوجد البعض مما يدعون بأنهم علماء دين ، ولكنهم لا يؤمنون إلا بلغة الحوار الأحادي الجانب (monologue) 0
وبعد أن أقنعنا صديقنا بالانهيار الذي أصاب السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وبعض السلطات الإعلامية السلطة الرابعة في العالم النامي 0 عرفنا تمام المعرفة بأنه لن تتحرر فلسطين والمسجد الأقصى ، وكشمير ، والشيشان 0 ولن نستطيع إيجاد الغذاء لمليار ونصف جائع في العالم النامي ، إلا بعد إصلاح البيت من الداخل 0
وهذه الإصلاحات لن تأتي إلا من خلال ثورة دستورية كاملة ، يتم فيها وضع الميكانزم المناسب لجميع السلطات في الدولة ، وتوضيح وظيفة كل سلطة على حده 0 ويضاف إلى ذلك خطط تنموية شاملة أو قطاعية ، وكخليجيين نفضل الخطط قصيرة المدى ، أو أقصى حد المتوسطة المدى ، وذلك لأن معظم دول المجلس غنية من خلال اقتصادها الريعي أولاً ، وثانياً لأن عدد سكانها قليل ، فمن الناحية التقنية من السهل السيطرة على برامج التنمية الضخمة القصيرة المدى 0
والذي يهمنا أكثر من ذلك هو التقييم الدوري لخطط التنمية ، وذلك يتم على ثلاثة محاور شهري ، وسنوي ، وفي نهاية الخطة 0 ويجب أن يشمل هذا التقييم أداء كل القطاعات ، بما في ذلك جميع الدرجات الوظيفية مثل : الأستاذ في جامعته ، والقاضي في محكمته ، والنائب في برلمانه من خلال الناخبين طبعاً ، والوزير في وزارته ، والأهم من ذلك بأن الأخير لا يستمر في منصبه الوزاري أكثر من خمس سنوات ، وأقصى حد عشر سنوات ، لأن الوزير يختلف عن الأستاذ الجامعي أو القاضي أو الموظف الإداري 00 إلخ 0 فهؤلاء الأشخاص يأتون ويترقون من خلال سلم زمني بطيء ويقاس فيه جميع المعايير لكي يترقوا للدرجة التي تليها ، وهنا يفترض بعد ترقيتهم أن يصبحوا أكثر خبرة وأفضل عطاءً 0
أما الوزير فيأتي للوزارة من خلال أهداف محددة (Manifesto) ، وتكون هذه الأهداف مربوطة بفترة زمنية محددة ، وبعد أن تنقضي هذه الفترة يصبح هذا الشخص مستهلك ، ولابد من وجه جديد ، لكي يعطي الهيكل الوظيفي في الوزارة دفعة معنوية ومادية قوية ، لكي تتواكب مع برامج التنمية المقترحة 0 والأسوأ من ذلك بأنه إذا استمر الوزير في وزارته أكثر من الفترة الزمنية المحددة يصبح له شروش عروق في الوزارة ، وبالتالي تصبح الوزارة تدار بطريقة الأمزجة والمصالح الشخصية ، دون أي مراعاة لمصالح الأمة ومستقبل أجيالها 0
وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،