جيوبوليتيكية العالم الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

 هذه الأمة هي أمة الخير والحق ، والذي يسير على طريق الخير والحق لابد أن تقف في طريقه شياطين الأنس والجن لتثنيه عن مسيرة الخير المباركة ، ولكن المؤمن الحقيقي الذي يريد أن يساهم في بناء الأمة الإسلامية ، لابد أن يكون عنده عقيدة وإرادة قوية ، تتصدع منها جبال الظلم والكفر والفساد 0 ومن أفضل الروايات التي قدمها لنا الإسلام لقوة الإرادة هي قصة ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه عنها منذ طفولتها ومساهمتها في دعم المهاجرين العظيمين سيد البشرية جمعاء رسول اللّه ونبيه محمد ص ووالدها أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه عندما كانوا في غار ثور مختبئين من امبراطورية الكفر ، في طريق الهجرة العظيمة ، التي غيرت مجرى التاريخ ، من مكة إلى يثرب 0

 وعندما بلغت أسماء ما يقارب المائة سنة ، سطرت في التاريخ ملحمة عظيمة ، سوف تخلدها إن شاء اللّه تعالى إلى يوم يبعثون ، وهي : عندما حاصر الحجاج قائد جيش بني أمية ابنها عبد اللّه بن الزبير في مكة ، وخذله الناس حتى أهله وولده ، وعرض عليه بنو أمية الأمان والولاية والمال ، ذهب عبد اللّه إلى والدته أسماء يستشيرها في عرض بني أمية ، فقالت أسماء العظيمة لأبنها عبد اللّه العظيم : ” يا ولدي ، إن كنت على حق تدعو إليه فأمضي عليه ، فقد قتل عليه أصحابك ، ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية فيتلعبوا بك ، وإن قلت إني كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي فليس هذا فعل الأحرار ، ولا فعل من فيه خير 0 كم خلودك في الدنيا ؟ القتل أحسن ما يقنع به يا ابن الزبير 0 واللّه لضربة بسيف في عز أحب إليّ من ضربة بسوط في ذل ” 0 فمضى عبد اللّه بن الزبير كما أوصته والدته واستشهد ، ومُثّل بجثته وصلبت في مكة 0 وذهبت أسماء إلى الحجاج وقالت له : “أما آن لهذا الراكب أن ينزل ؟ ” وحدثت مشادة كلامية بين أسماء والحجاج 0 فقال الحجاج لأسماء : ” اذهبي فإنك عجوز خرفت ” 0 فقالت أسماء للحجاج : ” لقد سمعت الرسول ص يقول : يخرج من ثقيف كذاب ومبير مهلك ، فأما الكذاب فرأيناه ، وأما المهلك فأنت هو”0

 الأحداث المذكورة حدثت في خير القرون الهجرية ، إذاً ماذا تتوقعون بعد خمسة عشرة قرناً هجري ، ونحن في قمة قرون الهرج والمرج ، طبعاً أنا على يقين بأن الأغلبية سوف يقولون لن نستغرب إذا رأينا في هذا الزمان الكذاب والمهلك والمفجع والمفقر والمتسلق والمفتون بنفسه0 ورغم هذا كله لابد لنا من وقفة مع أنفسنا ، لا ننكر وجود أصحاب هذه الصفات المشينة بيننا، ولكنهم والحمد للّه قلة ، ودليلنا على ذلك ما قاله الرسول ص ” لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اللّه وهم كذلك ” 0

 ربما يفتن البعض من عظمة أسماء رضي اللّه عنها ، فأقول لهم لا تستغربوا ذلك فإنها أبنة العظيم أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه واضع الجيوبوليتيكا الإسلامية ، الذي قال عنه ابن دغنه ، عندما كان أبي بكر من المرشحين إلى هجرة الحبشة لاتقاء ايذاء امبراطورية الكفر ، فذهب ابن دغنه إلى أبي بكر وأجاره ، أي اعطاه الأمان ، وطلب منه أن لا يهاجر إلى الحبشة، وقال ابن دغنه عن أبي بكر : ” إن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، أرجع وأعبد ربك ببلدك ” 0

 أما التصور الجيوبوليتيكي للفتوحات الإسلامية عند أبي بكر ، فنستطيع أن نستشفه عندما أوصى جيش أسامة ، فقال لهم : ” لا تخونوا ، ولا تغدروا ، لا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ، ولا شيخاً كبيراً ، وامرأة ، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله 0 وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام ، فإذا أكلتم منها شيئاً بعد شيء فأذكروا اسم اللّه عليها ، وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً 0 اندفعوا باسم اللّه ” 0

 ما أوصى به أبو بكر رضي اللّه عنه قبل خمسة عشرة قرناً يمثل خلاصة ما توصلت له جامعات العالم المتقدم من العلوم التالية : 1 الجيوبوليتيكا 2 علم السياسة 3 الاستراتيجية العسكرية 4 القانون الدولي 5 البيئة 6 حقوق الإنسان 0

 وأعتقد بأن علينا أن لا نستغرب ذلك فأبي بكر خريج مدرسة محمد ص العظيمة ، ومن أقوال الرسول ص والتي يعمل بها الغرب المتقدم أيضاً وهي : ” إذا أتاكم عزيز قوم فأكرموه”0 أما بالنسبة للأمة الإسلامية فتركت التعاليم والايديولوجيا العظيمة التي جاءت من السلف ، وذهبت تلهث وراء الغرب والشرق لكي تجد لها مكاناً في التاريخ الحديث والمعاصر ، ولا نستطيع أن ننكر بأنها  وجدت مكاناً بالفعل ، ولكن للأسف في مؤخرة الأمم كما ستوضح هذه الدراسة من خلال موضوع المقومات الجغرافية للأمة الإسلامية :

المراحل التاريخية للأمة الإسلامية :

1- مرحلة التأسيس : في عهد الرسول ص ، استمرت إلى السنة الحادية عشرة للهجرة 0
2- مرحلة الخلفاء الراشدين : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم واستمرت إلى سنة 41 هجرية 0
3- مرحلة الدولة الأموية : من سنة 41 هجرية إلى سنة 133 هجرية 0
4- فترة الدولة العباسية : واستمرت إلى سنة 656 هجرية ، وإن كان لها وجود اسمي إلى ما يقارب سنة 900 هجرية 0
5- مرحلة الدولة العثمانية : واستمرت إلى القرن الرابع عشر هجري عندما أطلق عليها اسم رجل أوروبا المريض 0
6- مرحلة الاستعمار : وهي بدأت منذ عصر الكشوفات ، وتطورت أيام الثورة الصناعية ، إلى أن قسم العالم الإسلامي إلى دويلات تحت عدة مسميات وهي مستعمرة ، محمية ، انتداب 0 وفي هذه المرحلة زرعت الامبريالية العالمية الكيان الصهيوني المصنوع في قلب العالم الإسلامي ممثلاً بدولة إسرائيل ، في أرض فلسطين الإسلامية الطاهرة 0 ومن بعد الحرب العالمية الثانية قررت القوى الاستعمارية منح مستعمراتها الاستقلال بالتدريج ، فنتج عن ذلك : أ دويلات ممزقة ب تبعية اقتصادية جـ عدم وضوح البنية السياسية للدولة ، مما جعل جميع الدول الإسلامية قبل اتخاذ أي قرار تذهب إلى القوى الاستعمارية السابقة ، وعلى رأسهم مارد العالم الحديث ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية لأتخاذ القرار أو عدمه د الديون المتراكمة هـ الخلافات الحدودية و انتهاك حقوق الإنسان ز عدم وضوح مفهوم حقوق الإنسان ومفهوم الانتماء هل هو للدولة ، أم للسلطة ، أم للشعب ، أم للأمة ؟ 000 إلخ 0
7- الاستقلال : وهي المرحلة التي يعيش فيها العالم الإسلامي الآن ويعاني الأمرين من خلالها 0

مفهوم العالم الإسلامي :

 يرى بعض الفقهاء بأن المجال المكاني للعالم يمثل المفهوم التقليدي لدار حرب ، ودار سلام0 أي الدار التي لم يدخلها الإسلام ، ولا يوجد للمسلمين ميثاق معها ، تعتبر دار حرب ، وأرض الإسلام تعتبر مكان سلام 0 وطبعاً اختلف الأمر كثيراً الآن ، لأن المسلمين موجودين في جميع قارات العالم ، وحتى لو عدنا إلى الدول المصنفة على إنها إسلامية فسوف نجدها لا تطبق الشريعة الإسلامية إلا قلة قليلة منها ، وعموماً هذه المسألة أصبحت خلافية ، وبما من يرجع إلى الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه اللّه ، يستطيع أن يستشف من بعض اجتهاداته في تفسير الدولة الإسلامية : هل هي دولة للمسلمين ؟ ، أم هي دولة إسلامية ؟ 0

معايير تعريف الدولة الإسلامية :

1- معيار عددي : أي الدولة التي يكون عدد سكانها المسلمين أكثر من 50% تعتبر دولة إسلامية ، ولكن هناك من الكتّاب الإسلاميين الذين يرفضون هذا المعيار بحيث يقولون : أولاً : بأن معظم العالم الإسلامي كان مستعمراً بواسطة الصليبيين ، وبالنسبة للصليبيين عدوهم الأول هو الإسلام ، فبالتالي الدول الصليبية قامت بإعطاء السلطة في مستعمراتها للشرائح غير الإسلامية من المواطنين 0 وقام المستعمرون أيضاً من خلال الإحصاءات السكانية بإظهار المسلمين دائماً بأنهم هم الأقلية في المستعمرة ، ويترتب على ذلك ضياع حقوق المسلمين السياسية والاقتصادية والثقافية والخدمية 0 ونجدهم غالباً إذا كان في الدولة مسلمين وديانات أخرى ، نجد بأن المسلمين في آخر الركب الوظيفي والاجتماعي ، وأكثر من ذلك يتعرضون للتبشير للديانة المسيحية ومن يرفض منهم يتعرض للاضطهاد والاذلال وتصل أحياناً إلى الابادة ، ومن هنا لا يعني إذا كانت نسبة المسلمين أقل من 50% بأن هذه النسبة حقيقية ، لأنها غالباً تكون مفتعلة بواسطة المستعمر وعملائه 0 ثانياً : هناك من الكتّاب من يقول بأنه حتى لو كانت نسبة المسلمين فعلاً أقل من 50% يجب أن نعتبر الدولة إسلامية ، وحتى لو كان نظامها لا يطبق الشريعة الإسلامية ، ويعود ذلك إلى أن معظم الدول الإسلامية لا تطبق الشريعة الإسلامية أصلاًَ 0 ويضيفون أصحاب الرأي الثاني بأنه عندما نضم الدول التي فيها أقلية إسلامية إلى دول العالم الإسلامي : أ نستطيع أن نقلص الخلافات الحضارية فيما بيننا وبين أصحاب العقائد الأخرى ب نستطيع أن نصون حقوق أخواننا المسلمين في دول الاقليات الإسلامية 0 وهذا ما أخذت به بالفعل منظمة المؤتمر الإسلامي0

2- معيار دستوري : وهو أن تعلن الدولة بأنها دولة تطبق الشريعة الإسلامية ، واشهر الدول التي أعلنت أن دستورها الإسلام هي : المملكة العربية السعودية ، والجمهورية الإسلامية الايرانية ، والجمهورية الباكستانية 0 ولكن يجب أن نكون واقعيين بأنه لا توجد ولا دولة إسلامية تطبق الإسلام بحذافيره ، ويعود ذلك للتفاعلات المكانية والزمانية والسياسية التي تحدث في مختلف أرجاء العالم الإسلامي 0

3- معيار تنظيمي : ونقصد هنا أن هناك من يعتبر بأن الدولة التي تقبل عضويتها في منظمة المؤتمر الإسلامي ، تعتبر دولة إسلامية بغض النظر عن دستورها ، والجوانب العددية فيها 0 وهذا المعيار جيد ولكن يجب على المنظمة أن لا تغفل حق التمثيل للاقليات الإسلامية ، التي توجد في دول لم تشترك في المنظمة مثل الاقليات الإسلامية في الصين والهند بحيث تبلغ نسبتهم أكثر من 10% في الدولتين ، أي أكثر من 220 مليون نسمة ، وذلك قريب جداً من عدد سكان جميع دول الجامعة العربية 0

  وتبلغ دول منظمة المؤتمر الإسلامي الآن 56 دولة موزعة  29  دولة في قارة آسيا و 24 دولة في قارة أفريقيا ، و 3 في أوربا تقريباً 0

المقومات الجغرافية للعالم الإسلامي

 هذا المصطلح هو مصطلح خلافي منهم من يسميه المقومات الجغرافية ، ومنهم من يسميه المقومات الطبيعية والبشرية والاقتصادية للدولة أو للكتلة أو للعالم ، وعموماً بالنسبة لنا لدراسة المقومات الجغرافية للعالم الإسلامي سوف نعتمد على التسمية الأخيرة وهي :

أولاً : المقومات الطبيعية للدولة :

 ولمناقشة المقومات الطبيعية للأمة علينا دراسة خمسة عوامل رئيسية لكي يتسنى لنا تقييم العالم الإسلامي من ناحية طبيعية وهي الموقع ، والمساحة والحجم ومظاهر السطح والمناخ والشكل 0

أ – الموقـــع :

 بالنسبة لموقع العالم الإسلامي علينا دراسة ثلاثة عناصر وهي : الموقع الفلكي ، والموقع بالنسبة للبحار والمحيطات ، وموقع العالم الإسلامي بالنسبة للكتل العالمية الأخرى ، هذا طبعاً إذا جاز لنا أن نسمي العالم الإسلامي كتلة من خلال هذه الدراسة 0

 الموقع الفلكي : يقع العالم الإسلامي بين دائرة عرض 555 شمالاً عند الأطراف الشمالية من حدود جمهورية كازخستان الآسيوية ، ودائرة عرض 517 جنوباً عند الأطراف الجنوبية من جمهورية جزر القمر الأفريقية ، ومن حيث خطوط الطول فإن أقصى امتداد للعالم الإسلامي هو 5142 شرقاً عند أطراف الجمهورية الأندونيسية ، ومن الغرب أقصى امتداد له عند درجة طول 518 غرباً بنهاية حدود موريتانيا وجامبيا على الساحل الأفريقي 0 وبالتالي فامتداده من الشمال إلى الجنوب 572 ، وبالنسبة لخطوط الطول 5160 0 وعند تحويل الدرجات إلى مسافات فاقصى عرض له هو 7500 كم ، وأقصى طول له 000ر17 كم 0

موقع العالم الإسلامي من المحيطات والبحار :

 يطل العالم الإسلامي على جميع المحيطات الرئيسية في هذا الكوكب ، وذلك لم يتسن ولا لكتلة عالمية واحدة بإستثناء العالم الإسلامي ، فيطل على المحيط الهادي في أقصى الشرق ، والمحيط الهندي في الجنوب ، والمحيط الأطلسي من الغرب ، أما بالنسبة للبحار والبحيرات فيطل العالم الإسلامي على الخليج العربي ، وبحر العرب وخليج عمان والبحر الأحمر ، والبحر المتوسط والبحر الأسود وبحر مرمرة ، وبحر ايجه ، وخليج غينيا ، وخليج البنغال ، وبحر الصين ، والبحر الميت ، وبحيرة قزوين ، وبحيرة ارال 0 وهذه المساحات المائية الضخمة التي يطل عليها العالم الإسلامي لم تعط فقط سهولة الحركة وامكانيات اقتصادية هائلة ، بل أعطته أيضاً ممرات استراتيجية تدور حولها جميع التصورات الاستراتيجية للسيطرة العالمية ، مثل مضيق جبل طارق ، ومضيق الدردنيل ، ومضيق البسفور ، وباب المندب ، وقناة السويس ، وهرمز ، ومضيق مالقه 0

موقع العالم الإسلامي من حيث الكتل العالمية :

 يمتد العالم الإسلامي على جميع قارات العالم القديم ، أو كما اسماه الاستراتيجي هالفورد ماكيندر الجزيرة العالمية ، فنجد العالم الإسلامي يمتد في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتشكل آسيا 46% من مساحة العالم ، وما تبقى من مساحته فمعظمها موجودة في أفريقيا والتي تعتبر من خلال المعيار العددي قارة إسلامية 0 عموماً العالم الإسلامي يمثل منطقة القلب للعالم القديم ، ونجده يشكل متوازية أضلاع من أواسط آسيا وجنوبها ، ويشكل مستطيل من شمال أفريقيا إلى جنوبها ، وله بعض الاختراقات من شرق أفريقيا عند القرن الأفريقي ، ووسط أفريقيا ، وغربها 0 ويضاف إلى ذلك الكتل المنفصلة عن العالم الإسلامي في جنوب شرق آسيا ، وشرق أوروبا 0 وهذا يعطينا بأن معظم أجزاء هذه الأمة متصل بإستثناء بعض الدول مثل الجزر وهي تمثل جزر القمر والبحرين والمالديف ، بالإضافة إلى الدول الإسلامية المتفردة مثل البوسنة والهرسك ، وألبانيا وبنغلاديش 0 أما بالنسبة للاحتكاكات المكانية ، فالعالم الإسلامي له اتصال مع جمهورية الهند والتي كانت أصلاً جزءاً من أرض الإسلام ، ولكن المستعمرون قاموا بفصلها ، والصين والتي تحتل جزءاً كبيراً من أرض الإسلام ممثلاً بأقليم سنكيانغ  تركمستان الشرقية  ، وأوربا التي كانت معظم شرقها إسلامي يتبع للامبراطورية العثمانية ، وروسيا الاتحادية والتي ماتزال تضم أجزاءً كبيرة من أرض الإسلام مثل الشيشان وداغستان 00 إلخ 0

 ورغم أن العالم الإسلامي يمتد مكانياً على سواحل بحرية يزيد طولها على100 ألف كم، إلا أنه يوجد به بعض الدول القارية مثل : في آسيا أفغانستان وطاجكستان ، وأوزبكستان ، وقرغيزيا 0 وفي أفريقيا تشاد ، والنيجر ، وبوركينا فاسو 0

 ولكن يجب أن لا ننسى بأن العالم الإسلامي كما ذكرنا سابقاً بأنه يمثل الكتلة العالمية الأولى من حيث الامكانات الساحلية والمائية ، فهو لا يقف عند هذا الحد بل له أهمية قارية في العالم القديم توازي أهميته المائية ، وخاصة قبل عصر الكشوفات الأوروبية التي اكتشف من ضمنها رأس الرجاء الصالح وذلك سهل بالنسبة للقوى الأوروبية الاتصال بالشرق من خلال الالتفاف من جنوب أفريقيا دون احتكاك مباشر مع الامبراطورية الإسلامية عندما كانت في قمة مجدها ، في عام 1869م أي قبل قيام فرنسا بشق قناة السويس بين البحرين المتوسط والأحمر 0 فكانت الحركة القارية العالمية ، قبل عصر الكشوفات وتلاها مرحلة الاستعمار ، وشق قناة السويس ، تمتد من البحر المتوسط شرقاً مارة بخط السير التاريخي المشهور عالمياً ويسمى خط الحرير ما بين دائرتي عرض 530 – 540 تقريباً ، ويمتد هذا الطريق عبر القارة من الغرب إلى أقصى الشرق الآسيوي ، وتقلصت أهمية هذا الخط القاري بعد العلميات التي ذكرناها سلفاً 0 ورغم هذا كله فالإقليم القاري الإسلامي في آسيا الوسطى ، أهميته الاستراتيجية العالمية مازالت مستمرة للربط بين الشرق الآسيوي وأوروبا ، ومما ضاعف أهمية هذا الإقليم الاكتشافات الهايدروكاربونية الضخمة في أواسط آسيا الإسلامية ، بالإضافة إلى استقلال هذه الجمهوريات من الاتحاد السوفيتي السابق ، مما جعلها تبحث لها عن هوية إقليمية، لكي تستطيع التعامل مع مفهوم النظام العالمي الجديد الغير واضح المعالم أصلاً 0

ب – المساحة والحجم :

 تبلغ مساحة العالم الإسلامي أكثر من 31 مليون كم2 وذلك يعادل 23% من مساحة اليابس تقريباً  ممثلاً بستة وخمسين دولة ، وهي دول منظمة المؤتمر الإسلامي ، وبهذه المساحة يمثل العالم الإسلامي المرتبة الأولى مقارنة مع بقية العالم من حيث المساحة في العالم 0 ونجد العالم الإسلامي تنطبق عليه جميع التصانيف الدولية من حيث المساحة وهي كالتالي :

– دولة عملاقة مساحتها أكثر من 2 مليون كم2 ومن ضمن هذا النموذج يوجد في العالم الإسلامي المملكة العربية السعودية ، وكازخستان في آسيا ، وفي الجانب الأفريقي السودان والجزائر 0
– دولة كبرى مساحتها أقل من 2 مليون كم2 ، وأكثر من مليون كم2 ، ومن أمثلة ذلك أندونيسيا وإيران في آسيا ومصر وليبيا في أفريقيا 0
– دولة متوسطة مساحتها أقل من مليون كم2 وأكثر من 500 ألف كم2 ، ومن أمثلة هذا النموذج باكستان وتركيا في آسيا 0
– دولة صغيرة مساحتها أقل من 500 ألف كم2 ، وأكثر من 50 ألف كم2 ، والأمثلة كثيرة على هذا النموذج ، منها : العراق وسوريا والإمارات والأردن وجميعها في آسيا0
– دولة صغيرة جداً وهي التي تكون مساحتها أقل من 50 ألف كم2 والدول كثيرة ، ومن ضمن هذا النموذج أيضاً : قطر والبحرين والمالديف ولبنان وجميعها في الشق الآسيوي الإسلامي 0

 وعموماً المساحة لا نستطيع أن ننكر بأنها كل ما كبرت شكلت مركزية أكثر بالنسبة للدولة ، وأعطتها عمق استراتيجي أمني ، وربما فرصتها أكثر من غيرها في اكتشاف بعض الموارد الطبيعية ، ولكن الفكر الاستراتيجي الآن يعطي المساحة أهمية ثانوية بحيث أصبح يركز أكثر على موقع الدولة ، وكثافتها السكانية ، وعلاقتها الدولية ، ومستوى الموارد الطبيعية المكتشفة فيها ، والمستوى التكنولوجي الذي وصلت له الدولة 0

جـ – مظاهر السطح :

 عالج مظاهر السطح في العالم الإسلامي المغفور له إن شاء اللّه الأستاذ محمود شاكر بالطريقة التالية حيث قال : إن العالم الإسلامي ينقسم إلى منطقتين مختلفتين تمام الاختلاف وهي كالتالي :

أولاً : منطقة قديمة ذات صخور متبلورة :

 وتمتد على أفريقيا وغرب آسيا ، وكانت في الأصل كتلة واحدة ، ثم أصابتها انهدامات، فانفصل بعضها عن بعض ، وتشمل هذه المنطقة أفريقيا المسلمة بمعظمها عدا الأجزاء الشمالية منها ، ثم الجزيرة العربية 0 وأهم الانهدامات التي جزأتها ، الانهدام السوري – الأفريقي الذي يمتد من شمال سوريا حتى أفريقيا ، وتنقسم الكتلة الإسلامية القديمة نتيجة هذا الانكسار إلى ثلاثة أقسام وهي :

1- وادي الغاب والبقاع والبحر الأحمر والبحيرات الأفريقية 0
2- نتيجة الانهدامات في المناطق القديمة تشكلت الجبال الممتدة على طرفي البحر الأحمر ، والتي تعرف في الجزيرة العربية باسم السراة ، وتشمل سراة الحجاز وعسير واليمن ، وفي أفريقيا تعرف بجبال البحر الأحمر ، وفي الجزيرة العربية  السعودية  جبال شمر أيضاً ويعرفون بجبلي أجا وسلمى ، وتقع بينهما مدينة حائل 0 وفي الجانب الأفريقي توجد هضبة الحبشة الموازية لجبال اليمن ، وجبال تيبستي بين ليبيا وتشاد ، ومرتفعات الهكار وسط الصحراء الكبرى 0
3- منطقة منخفضة : وبسبب الصدوع وجدت مناطق منخفضة بعد أن عملتها عوامل التعرية المختلفة ، فمنها ما كان سهولاً رسوبية كمناطق تهامة ، ومنها ما غطي بالرمال كما هي الحال في شمال أفريقيا ، وفي بعض البقاع الأخرى طغى البحر على ما انخفض منها ، حتى إذا حدثت التواءات انحسر عنها بعد أن خلف رسوباتها مكامن غنية بالنفط ، أو مناجم واسعة من الفوسفات ، وتضم الأرض القديمة بشكل عام ثروات طبيعية ضخمة 0

ثانياً : منطقة التضاريس الحديثة في العالم الإسلامي :

 وتقع شمال الأولى ، وكان مكانها مغطى بالماء فتوقعت فيها الرسوبات ، ثم أصابتها الالتواءات فشكلت جبالاً شاهقة بينها هضاباً واسعة ، وأودية منخفضة ومنها :

1- جبال طوروس وزاغروس ومرتفعات القفقاس وجبل نفوسه والاخضر في ليبيا ، وجبال أواسط آسيا العالية ، والجبل الأخضر في عمان ، وجبال الأطلس في بلاد المغرب العربي0
2- السهول : مثل غوطة الشام 0
3- الأنهار : نتيجة الارتفاعات الشاهقة للجبال أدى إلى تساقط الأمطار بكميات كبيرة ، والثلوج ، وحدوث مجاري نهرية مثل سيحون وجيحون في تركيا ، ونهر دجلة والفرات ، وأنهار بلاد الشام ، وبلاد المغرب 0
4- هذه المنطقة الحديثة لاتزال الهزات الأرضية تنتابها بين فترة وأخرى ، مثل الزلزال الذي حدث في الأجزاء الغربية من تركيا في أغسطس عام 1999م وأودى بحياة ما يقارب من 20 ألف نسمة ، وزلزال أغادير الشهير في المغرب 0

د – المناخ :

 العالم الإسلامي بحكم كبر مساحته وامتداده الجغرافي رأسياً وأفقياً ، كل ذلك منحه جميع الأقاليم المناخية المصنفة عالمياً تقريباً ، وذلك يتمثل في الآتي :

أولاً : الإقليم الاستوائي : ويقع عند درجة صفر إلى 58 شمال وجنوب دائرة الاستواء ، وأمطاره يومية ، ويبلغ معدلها السنوي 2030 ملم ، ودرجة حرارته اليومية لا تتعدى 527 يومياً، والمدى الحراري السنوي 52 مئوية ، والرطوبة النسبية اليومية تبلغ 80% ، وذلك يتمثل في كل من أندويسيا ونيجيريا ، ويشتهر بغابات السلفا الضخمة والتي قاربت على النقراض بسبب القطع الجائر بدون تعويض 0

ثانياً: الإقليم المداري : ما بين خطي عرض 58 – 518 شمال وجنوب خط الاستواء ، ودرجات حرارته مرتفعة طوال السنة ، وأمطار صيفية تتراوح ما بين 500 – 1500 ملم ، ويشتهر بحشائش السفانا الشاهقة الارتفاع ، ومن الدول الإسلامية التي يحدث فيها السنغال ، وجنوب السودان 0

ثالثاً: الإقليم الموسمي : وهو يتداخل مع الأقليم المداري من حيث دوائر العرض ، إلا أنه يختلف عنه بأنه يتعرض للرياح الموسمية الصيفية مما يؤدي إلى تساقط كميات كبيرة من الأمطار تزيد أحياناً على 2500 ملم ، ويشتهر هذا الأقليم بالغابات الموسمية المدارية ، ومن المناطق التي تتعرض له في العالم الإسلامي هي اليمن وجنوب باكستان وبنغلاديش0

رابعاً: الإقليم الصحراوي : ما بين دائرة عرض 518 – 530 شمال وجنوب خط الاستواء ، ودرجات الحرارة مرتفعة فيه بحيث تصل في الصيف إلى أكثر من 540 مئوية ، أما المتوسط الشتوي فهو 520 مئوية تقريباً ، وأمطار شحيحة لا تزيد على 200 ملم سنوياً، وينتج عنها بعد التساقط ظهور بعض الحشائش الصحراوية ، ويوجد الأشجار المقاومة للجفاف فيه مثل بعض الأشجار الشوكية ، وأهم مناطقه في العالم الإسلامي يوجد في صحراء شبه الجزيرة العربية ، والصحراء الكبرى في أفريقيا 0 وبشكل عام ما يقارب من ثلثي أراضي العالم الإسلامي تقع ضمن الإقليم الصحراوي ، وما تبقى منها يتجه للتصحر بسبب الجفاف ، والرعي الجائر ، والقطع الجائر للأشجار ، والنمو السكاني والعمراني على حساب المناطق الخضراء ، ويعود للتخبط الدائم للعملية التخطيطية والفنية في العالم الإسلامي 0

خامساً: اقليم البحر المتوسط : يقع ما بين خطي عرض 530 – 540 شمال وجنوب خط الاستواء ، يعرف هنا في البحر المتوسط بالمناخ المعتدل الدافئ في غرب القارات ، متوسط الحرارة في هذا الإقليم 510 مئوية شتاءً ، 525 صيفاً ، ومعدل الأمطار ما بين 750 ملم إلى 250 ملم 0 ويقع في نطاقه كثير من دول العالم الإسلامي ومنها : جمهورية مصر العربية ، ودول المغرب العربي 00 إلخ 0

سادساً: الإقليم القاري : يوجد هذا الأقليم داخل القارة ما بين خطي عرض 530 – 550 شمال وجنوب خط الاستواء ، ويتميز هذا الإقليم بالمدى الحراري الكبير ، بحيث ترتفع درجات الحرارة بشكل كبير صيفاً ، وتنخفض شتاءً ، أما معدل التساقط فهو ما بين 500ملم – 300 ملم ، وتسقط في أواخر الربيع وأوائل الصيف ، مع سقوط ثلج أحياناً في النصف الشمالي من الكرة الأرضية ، ومن الدول التي تقع من ضمنه كازخستان وأذربيجان وأوزبكستان وقرغيزيا 0

 وبما أن العالم الإسلامي يشتمل على معظم الأقاليم المناخية في العالم ، فبالتالي توجد فيه جميع أنواع التربة المصنفة عالمياً أيضاً مثل : تربة البودزل في الأقاليم شبه القطبية ، وتربة اللاترايت توجد في الأقاليم الاستوائية غير خصبة ، تربة البراري خصبة في الأقاليم المناخية الانتقالية بين الجافة والرطبة مثل الإقليم القاري ، والتربة السوداء في الأقاليم المدارية ، وتنتشر في مناطق الحشائش بالأقاليم شبه الرطبة شديدة الخصوبة ، التربة البنية وتوجد في الأقاليم الشبه جافة وهي تربة خصبة ، والتربة الصحراوية  السيروزم  وهي تربة غير خصبة0

 وبما أننا تعرضنا للمناخ وقبله لمظاهر السطح نجد أنه من نتاج تفاعل العنصرين المذكورين، أدى إلى وجود مجاري مائية دائمة في العالم الإسلامي من أشهرها في أفريقيا نهر النيل والذي يعتبر ثاني أطول نهر في العالم بعد المسيسبي ، بحيث يبلغ طوله 6600 كم ، ونهر النيجر وطوله يبلغ 4200كم ، وفي جنوب آسيا يوجد نهري البراهما بورتا والجانج وطولهما يبلغ 2700 كم ، ونهر السند وطوله 3200كم ، وفي غرب آسيا الفرات وطوله 3400 كم ، ودجلة وطوله 1700 كم ، والعاصي وطوله 450 كم 0 ومعظم هذه الأنهار المذكورة إن لم تجد دول العالم تسوية من خلال نظام إقليمي حديث ينشأ في العالم الإسلامي سوف تكون فتيل لاشعار حرب مياه في العالم الإسلامي لا سمح اللّه كما سأوضح لاحقاً 0 والمصدر الطبيعي الثالث للمياه في العالم الإسلامي يتمثل في المياه الجوفية بشقيها السطحية، والمياه الجوفية الموجودة في الطبقات العميقة ، وهذه المياه أصلاً مصدرها الأساسي هو مياه الأمطار أيضاً 0 وأكثر الدول التي تعتمد على المياه الجوفية هي دول الإقليم الصحراوي ، مثل دول مجلس التعاون الخليجي التي دأبت على عمليات السحب الدائم من خزانها الجوفي ، وغالباً ما يكون السحب أكثر مما تعوضه الأمطار ، مما يؤدي بطريقة مستمرة إلى تملح الخزان الجوفي ، وإذا استمرت هذه العمليات على ما هي عليه الآن ، فذلك سوف يؤدي إلى تدمير العدسات الموجودة في الخزان الجوفي ، مما سوف ينتج عنه إستحالة علاج عملية تملح المياه الجوفية 0 وعموماً دول مجلس التعاون الخليجي بما يتوفر عندها الآن من طاقة هايدروكاربونية ضخمة ، وريع كبير أيضاً من العائدات الهايدروكاربونية ، اتجهت إلى استخدام تقنية تحلية المياه ، مما أدى إلى وجود ما يزيد على 60 محطة تحلية مياه في دول المجلس 0

 وعموماً شئنا أم أبينا ، مشكلة المياه من الملفات الساخنة التي تنتظر العالم الإسلامي في بداية الألفية الثالثة ، ومن أكثر المناطق سخونة هي :

1- تركيا تنفذ مشاريع ضخمة على الفرات ، على حساب سوريا والعراق 0
2- إسرائيل توظف تفوقها العسكري لأخذ أكثر من نصيبها على حساب الأردن وفلسطين المحتلة ولبنان 0
3- أثيوبيا ترفض أن توقع اتفاقية مع مصر والسودان ، لاستغلال مياه النيل الأزرق للتنمية0 وهناك دراسات أمريكية إسرائيلية وضعت للحكومة الأثيوبية لإنشاء 26 خزاناً على النيل الأزرق لتنمية أقاليمها ، ولو نجحت هذه المشاريع فسوف تقلص نصيب مصر والسودان من المياه 0
4- صراع الهند وباكستان على نهر الهندكوش في كشمير 0
5- تتضارب مصالح دول آسيا الوسطى حول استغلال مياه نهري سيرداريا واموداريا ، التي أقيمت عليها سدود ومنشآت مائية ضخمة ، كادت تستنفذ كل مياههما مما يهدد مستوى قاعدتهما ، بحيرة ارال بالتجفيف بعد بضع سنوات ، خاصة وأن السلطات السوفيتية ، التي كانت تنظم الاستغلال المشترك لهذه المنشآت بين الدول المعنية قد تلاشت دون قيام بديل 0

 وعموماً بالنسبة لأزمة المياه ، هناك متفائلين ، ومتشائمين ، فالمتفائلين يقولون ممكن أن تحل مشكلة المياه من خلال : 1 اعادة استخدام المياه المستعملة بعد اكتشاف تقنية عالية لكي تجعلها مناسبة للاستخدام الآدمي 2 التوسع في تحلية مياه البحر مع محاولة ايجاد تكنولوجيا تخفض تكلفة التقطير 3 إقامة السدود التي من الممكن أن توزع المياه إلى حصص بين إقاليم الدولة التي يوجد بها نقص مائي ، أو لتوزيع الحصص بعدالة بين الدول في حالة وجود الأنهار الدولية ، ولكن هذه النقطة الأخيرة أي السدود ، مجرد التفكير فيها ممكن أن ينشأ مشكلة استراتيجية بين الدول المعنية ، فانظر إلى مشروع سد أتاتورك في تركيا ، فقد جعل هناك توتر دائم بين سوريا والعراق من جهة ، وتركيا من جهة أخرى ، ومجرد التفكير في إنشاء  سدود على منابع النيل الأزرق في الحبشة يخلق نوع من التوتر والريبة بشكل كبير ما بين مصر والسودان من جهة وجاراتهما الحبشة من جهة أخرى 0

هـ – الشكل :

 كما وصفت العالم الإسلامي في قسم موقع العالم الإسلامي بين الكتل العالمية المشروح سابقاً ، ووجدنا أن العالم الإسلامي يشكل شكلين ، أحدهما متوازي أضلاع تقريباً في القسم الآسيوي ، والآخر مستطيل في القسم الأفريقي ، وهذان الشكلان يعطيان العالم الإسلامي شكل مركزي مثالي ، يصعب اختراقه من ناحية استراتيجية خاصةً لو كان بالفعل هناك تعاون استراتيجي ما بين الدول الإسلامية 0 وعموماً نحن لم نأت بجديد ، لو راجعنا التصورات التي وضعتها المدارس الاستراتيجية في القرن العشرين ميلادي ، لوجدنا أن الذين وضعوا هذه التصورات الجيوبوليتيكية اعتمدوا على قسم واحد من قدرات الدولة ، أما البحرية ، أو القارية ، أو الجوية أحياناً ، ولكن العالم الإسلامي ينطبق عليه جميع التصورات العالمية لكي يصبح له دور كقوة عالمية ضخمة ، ويمكن للمهتمين في هذا الشأن مراجعة النظريات القارية التي وضعها هالفورد ماكيندر ومدرسة ميونخ ممثلة بكارل هاوسهوفر وابنه البرخت ، والنظريات البحرية التي وضعها الفرد ماهان وسبيكسمان 0 ومن تصفح هذه النظريات المذكورة ، سوف يدرك بأن اللّه سبحانه وتعالى أعطانا كل شيء ولم يبق إلا دورنا نحن أبناء العالم الإسلامي لكي ننهض بهذه الأمة 0

ثانياً : المقومات البشرية للعالم الإسلامي :

 عند دراسة المقومات البشرية لابد لنا من التركيز على عنصرين أساسيين هما السكان من حيث العدد والتوزيع والكثافة والجوانب الديموغرافية لهم ، والشق الثاني الجوانب الحضارية للسكان 0

أ – عدد السكان والجوانب الديموغرافية :

 يبلغ عدد سكان منظمة المؤتمر الإسلامي 230ر1 مليار نسمة ، أما عدد المسلمين في هذا الكوكب فيبلغ 480ر1 مليار نسمة 0 وخاصة إذا علمنا بأن المسلمين الموجودين خارج العالم الإسلامي يبلغ عددهم أكثر من 250 مليون مسلم ، وهذا الشيء ليس بغريب أطلاقاً ، فدولتين مثل الصين والهند يوجد بهما ما يقارب 220 مليون مسلم كما ذكرنا سابقاً 0 وهذا يعطينا بأن نسبة المسلمين من سكان العالم وصلت إلى 25% تقريباً 0 ولو قارنا النمو السكاني للمسلمين ، مع الديانة الأولى في العالم من حيث معتنقيها ممثلة بالمسيحية لوجدنا التالي : أن المسلمين زادوا خلال قرن من الزمان إلى أكثر من 1000 مليون نسمة ، وهذه الزيادة ترتبت من ناحية نسبية كالتالي ، ففي عام 1900م كان المسلمون 12% من سكان هذا الكوكب ، وكان المسيحيون 33% من سكان الأرض ، وفي عام 1980م وصلت نسبة المسلمون إلى 20% من سكان هذا الكوكب ، وفي عام 2000م أصبح المسلمون يمثلون 25% من سكان الأرض ، والمسيحيين 30% فقط 0 ويعود سبب هذا النمو الهائل لدى المسلمين من عام 1900م إلى 2000م إلى ستة أضعاف ، ونمو المسيحيين 5ر2 ضعف فقط إلى الآتي :

1- الإسلام من الديانات التي تحث على زيادة النسل 0
2- الإسلام يشجع على الزواج والتعدد في الزوجات 0 وذلك عكس المسيحية التي قمة التدين فيها الرهبانية والعزوف عن الزواج 0
3- السن المبكر في الزواج بالنسبة للمسلمين 0
4- معظم الدول الإسلامية ذات طابع ريفي تقليدي وتنتشر فيه الأمية ، وطبيعة الريفيين يحبذون الأسرة الكبيرة 0
5- الصراع الحضاري أحياناً يؤدي إلى زيادة عدد السكان ، كالصراع العنصري القائم ما بين السكان السود والبيض في موريتانيا ، والصراع الطائفي القائم في لبنان بين المسيحيين والمسلمين ، والصراع العرقي الموجود في فلسطين المحتلة بين العرب الفلسطينيين والصهيونية الغازية 0 وفي هذه الحالة كل من الطرفين المتصارعين يحاول أن يزيد من نموه الطبيعي لكي تكون له الغلبة في حالة الصراع العسكري ، والسلمي 0 والسلمي يقصد به إذا وجد سلام ما بين المتصارعين ، فالذي يمتلك أعداداً أكثر ، سوف يكون تمثيله النيابي أكثر في البرلمان وإدارة دفة الحكم ، طبعاً إذا وجد هذا الشيء أصلاً 0
6- يضاف إلى الزيادة الطبيعية ، بأن الدعوة مازالت نشطة عند المسلمين لغير المسلمين ، وذلك يجعل أعداد كبيرة تضاف إلى الإسلام كل سنة ، وهذا المؤشر يعطينا بأن نسبة المسلمين إذا ما أستمر نموهم على ما هو عليه في القرن العشرين ، فإنهم في العقود الخمسة الأولى من القرن الواحد والعشرين ميلادية سوف يصبحون الديانة الأولى في العالم من ناحية عددية 0

 أما بالنسبة للديانة اليهودية فكانت نسبتهم 4ر% من سكان هذا الكوكب في عام 1900م ، وانخفضت هذه النسبة إلى 3ر% تقريباً عام 2000م ، مما جعل بعض الكتّاب يقولون بأن الديانة اليهودية فهي تتجه إلى انتحار الجنس بطريقة تدريجية 0

 وإذا أردنا أن نصنف الدول الإسلامية من حيث الحجم السكاني فسوف نجد جميع النماذج موجودة في دول العالم الإسلامي :

1- عملاقة من الناحية السكانية : أكثر من مائة مليون نسمة ويتمثل ذلك في : أندونيسيا وبنغلاديش وباكستان ونيجيريا 0
2- كبرى : أقل من مائة مليون نسمة وأكثر من خمسين مليون نسمة ، مثل : مصر ، تركيا، إيران 0
3- متوسطة : أقل من خمسين مليون نسمة وأكثر من عشرة مليون نسمة مثل : العراق ، السعودية ، سوريا 0
4- صغرى : أقل من عشرة مليون نسمة وأكثر من واحد مليون ، مثل : الكويت ، الإمارات، لبنان 0
5- صغيرة جداًً : أقل من واحد مليون نسمة ، مثل : قطر ، البحرين ، المالديف 0

الكثافة السكانية وتوزيع المسلمين في العالم الإسلامي :

 يتوزع معظم سكان العالم الإسلامي ما بين آسيا وأفريقيا ، ونجد بأن ثلثي سكان العالم الإسلامي موجودين في آسيا ويشكلون ثلث سكانها ويمثلون 46% من مساحتها ، وثلث سكان العالم الإسلامي موجودين في أفريقيا ، ولكن لهم ميزة عددية أفضل من آسيا ، بحيث يشكل المسلمون 60% من سكان أفريقيا ، وبالتالي تعتبر أفريقيا قارة إسلامية من ناحية عددية 0

 الكثافة السكانية بالنسبة لدول منظمة المؤتمر الإسلامي تبلغ 40 شخص للكم2 ، وهذا المؤشر يعطينا كثافة سكانية منخفضة بشكل كبير إذا ما قارناها بالمملكة المتحدة مثلاً ، والتي تصل الكثافة السكانيها فيها إلى 242 شخص للكم2 ، وقارة أوربا بشكل عام 104 شخص للكم2 ، وقارة آسيا 120 للكم2 0 ولكن الكثافة السكانية العامة للعالم الإسلامي لا تعطي الصورة الحقيقية للتوزيع السكاني في العالم من حيث الكثافة ، فنجد دولة موسمية مثل بنغلاديش تصل الكثافة السكانية فيها إلى ما يقارب 836 شخص للكم2 الواحد ، ودولتين مداريتين أخرتين مثل أندونيسيا ونيجيريا تصل الكثافة السكانية فيهما 101 شخص للكم2 و 121 شخص للكم2 على التوالي 0

 وعندما نقيس الإقليم الصحراوي الإسلامي نجد أن الكثافة السكانية تنخفض فيه بشكل كبير جداً ، فدولة إسلامية عظمى من حيث المساحة ممثلةً بالعربية السعودية نجد بأن كثافتها السكانية أقل من 9 أشخاص للكم2 ، ودولة إسلامية غنية وجزءها الشمالي يقع على بحر الحضارات ممثلاً بالبحر المتوسط ، ونقصد هنا ليبيا ، نجد أن كثافتها السكانية لا تزيد على 4 أشخاص للكم2 ، وهذا المؤشر يعطينا تناقض في عوامل توزيع السكان في العالم الإسلامي ، وبشكل عام نجد التركيز في العالم الإسلامي في الأقاليم التالية :

1- المناطق المناخية الوفيرة المطر مثل الإقليم المداري والموسمي 0
2- مناطق السهول الساحلية 0
3- مناطق الواحات الموجودة في الصحراء 0
4- مجاري المياه الدائمة مثل نهر النيل في مصر بحيث يرتكز عليه ما يقارب 96% من سكان مصر ، أي أن معظم سكان مصر العربية يرتكزون في 4% من مساحتها 0
5- الموارد الاقتصادية ، لها طابع سحري في جذب السكان ، فنجد دولة صغيرة مثل شبه الجزيرة القطرية ، كثافتها السكانية لا تتعدى 2 شخص للكم2 في عام 1950م ، وبعد الاكتشافات الهايدروكاربونية الضخمة ، أصبحت قطر مثلها مثل دول الهايدروكاربون الخليجية الصغيرة الأخرى ، من أكبر بقاع العالم جاذبية للسكان ، فأدى ذلك إلى أن تقفز الكثافة السكانية في قطر إلى 61 شخص للكم2 في 2000م 0

الأوضاع الديمغرافية لسكان العالم الإسلامي :

– مراحل النمو السكاني :

 النمو السكاني في العالم بشكل عام ، وفي العالم الإسلامي بشكل خاص ، مر خلال نموه السكاني بأربعة مراحل ، هي :

1- المرحلة البدائية : وهي تمثل عدد مواليد مرتفع ، وعدد وفيات مرتفع ، وتتابع ذلك نمو سكاني بطئ جداً 0

2- مرحلة الانفجار السكاني : وذلك المؤشر يعطينا معدل مواليد مرتفع بشكل صارخ ، ومعدل الوفيات يتجه نحو الانخفاض بحيث يصل معدل المواليد إلى 35 في الألف ، ومعدل الوفيات إلى 15 في الألف سنوياً ، فتصبح الزيادة الطبيعية 25 في الألف سنوياً ، وهذه المرحلة يمر فيها معظم دول العالم الإسلامي ، بحيث يكون تضاعف السكان فيها مرة في أقل من 25 سنة كمتوالية عددية ، وهذا الشيء جيد ولكنه يحتاج إلى استثمار أكبر 0
3- مرحلة التزايد السكاني المتأخر : وهي عندما يحدث نمو سكاني من 10 إلى 20 في الألف سنوياً ، وهذه المرحلة توجد فيها بعض الدول الإسلامية مثل تونس ولبنان 0
4- مرحلة الاستقرار والنضج : وهي مرحلة تصبح فيها الدولة نموها السكاني بطئ جداً أي أقل من 10 في الألف سنوياً ، ويوجد في العالم الإسلامي من هذا النموذج الدول الإسلامية الأوروبية مثل البوسنة والهرسك ، وألبانيا 0
5- مرحلة الشيخوخة : وهي المرحلة التي وصلت إليها أوروبا الغربية الآن ، حيث أن أكثر من 25% من سكانها فوق 65 سنة ، وذلك يعطينا أن أوروبا الغربية من ناحية سكانية ستفقد ما يقارب 25% من سكانها خلال العقود الأولى للقرن الواحد والعشرين ميلادي0

 وكما ذكرنا بأن العالم الإسلامي معظمه يمر في مرحلة الانفجار ، فمعدل النمو السكاني فيه يصل إلى 27 في الألف سنوياً ، وهذا المؤشر يوحي لنا بأن عدد المسلمين سوف يتضاعف خلال فترة تقل عن 25 سنة إذا استمر النمو السكاني على ما هو عليه الآن ، ويعتبر النمو السكاني الإسلامي من أعلى معدلات النمو السكانية في العالم ، فعندما نقارنه مع المعدلات الأخرى في العالم نجد بأن النمو السكاني في العالم 16 في الألف سنوياً ، وفي أمريكا الشمالية 8 في الألف ، وفي أوربا 3 في الألف 0 ولكن رغم ذلك كله فإن العالم الإسلامي مازال يعاني من مشكلة كبيرة في توزيع السكان ، فكما نعرف بأن الدول عادة تنقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث التناسب ما بين السكان والموارد :

أ – فيض سكاني : ويعني ذلك بأن عدد السكان أكبر من الموارد بشكل كبير ، ويؤدي ذلك إلى انخفاض كبير في الدخل ، وإذا كان المقياس الحديث لأدنى نسبة دخل في العالم يعتمد على أدنى من 725 دولار أمريكي ، فإننا سوف نجد معظم الدول الإسلامية العملاقة سكانياً تقع ضمن الدول التي تعاني من انخفاض كبير في نصيب الفرد من الناتج المحلي مثل أندونيسيا وبنغلاديش وباكستان ونيجيريا ومصر 00 إلخ 0

ب – فقر سكاني : ومن ضمن هذا النموذج يوجد في العالم الإسلامي مجموعة من الدول التي مواردها أكثر من إمكاناتها السكانية مثل الدول الصحراوية في الخليج العربي والجزيرة، بحيث يبلغ نصيب الفرد في بعضها أكثر من 20 ألف دولار مثل : قطر والإمارات والكويت ، وهذا من حيث مقياس الدخل يجعلها تنتقل إلى مصاف الدول الصناعية الغنية 0

جـ – أنسب السكان : وفي هذه الحالة يكون هناك توازن ما بين السكان والموارد ، وهذا يعتبر الشكل المثالي للأمة مثل المملكة المتحدة ، وفرنسا 0 وبالتالي من خلال مرورنا إلى هذه النماذج في العالم الإسلامي ، نجد بأن العالم الإسلامي يعاني من خلل كبير في توزيع السكان 0

التركيب السكاني للعالم الإسلامي :

 من حيث التركيب السكاني العام للعالم الإسلامي ، نجده يمثل الشكل التقليدي للنمو السكاني التي تمر بها الأمم في حالة الانفجار بشكل عام ، وفي حالة النمو المتأخر أحياناً ، وعندما نوزع فئات السكان إلى مراحل ، نجد أن ما يقارب 45% من السكان أطفال أقل من 15 سنة ، ونجد أن كبار السن أكثر من 65 سنة ، بدأوا يتزايدون في السنوات الأخيرة في العالم الإسلامي بحيث بدأت تصل نسبتهم إلى 4% ، فبالتالي ما يقارب 49% من سكان العالم الإسلامي بصورة مطلقة غير منتجين اقتصادياً أو معالين ، أما بالنسبة للشباب في العالم الإسلامي ، وهي الطبقات التي يفترض أنها تنتج تبلغ 51% من السكان 0 ولذلك نجد أن مؤشر الاعالة الحقيقية في العالم الإسلامي 250 شخص ، بينما في السويد مثلاً 120 شخص ، وذلك يعطي رغم الدخل المنخفض لطبقة النشطون اقتصادياً في العالم الإسلامي ، إلا أن نسبة الأشخاص الذين يعيلونم أكثر من ضعف المعالين في السويد مثلاً ، ويجب أن نفرق بين الاعالة الحقيقية والاعالة الخام 0 ونجد أن أكثر من 49% من الفئة التي يفترض أن تكون نشطة اقتصادياً في العالم الإسلامي تعاني من الأمية ، وتزيد بين الإناث أكثر من الذكور بسبب الطابع الريفي 0 ونجد أن نسبة الأمية في أوروبا والولايات المتحدة واليابان وصلت إلى الصفر تقريباً الآن 0 ونجد أن التركيب السكاني في أوروبا يمثل الفئة السنية الأقل من 15 سنة تصل إلى أقل من 20% من سكان أوروبا ، والفئة السنية ما بين 15 – 65 سنة تصل إلى أكثر من 60% من سكان أوروبا ، والفئة السنية الأكثر من 65 سنة تصل إلى 20% من سكان أوروبا 0 ولو وضعنا الهرمين للعالم الإسلامي وأوروبا لوجدنا التالي : أن الهرم السكاني الإسلامي يتسع عند القاعدة ، ويبدأ بالانسياب التدريجي بزاويتين حادتين متجهتين نحو بعضهما إلى أن تصلان إلى القمة ، ويشكلان مثلث ، وهذا الطابع يسمى الانفجار السكاني ، أما الهرم الأوروبي فهو ذو قاعدة ضيقة ، تنبعج في الوسط ، وتتدبب في القمة ويسمى المجتمع الذي انتقل من مرحلة النضج إلى مرحلة الشيخوخة 0 وأقوى دليل على ذلك أن العمر الوسيط  العمر الذي يقع تحته معظم السكان في أوربا أكثر من 36 سنة، أما في العالم الإسلامي فهو أقل من 19 سنة تقريباً  وهذا يعطينا أن المجتمع الإسلامي مجتمع فتي يحتاج إلى الاستثمارات الضخمة كما سنوضح لاحقاً 0

التركيب النوعي لسكان العالم الإسلامي :

 من خلال التركيب النوعي لسكان العالم الإسلامي ، نستطيع أن نستنبط ثلاثة نماذج إسلامية :

أ – نماذج نسبة النوع فيها طبيعية ، أي كل 102 من الرجال يقابلة 100 من النساء 0
ب – نموذج سكاني غير طبيعي ، وهو يمثل كل 300 من الرجال يقابله 100 من النساء تقريباً، وذلك بسبب الهجرة الوافدة للمجتمع الخليجي 0

حـ- نموذج سكاني غير طبيعي وهو يمثل كل 86 من الرجال يقابله 100 من النساء ، وهذا يمثل المجتمع في فلسطين ، ويعود ذلك بسبب الاحتلال والاضطهاد للرجال ، مما يجعل فلسطين منطقة ذات هجرة طاردة للسكان 0

 وعموماً غالباً يتأثر التركيب النوعي للسكان ، بإحدى الأسباب التالية : الحرب ، أو الوفيات النوعية ، أو الهجرة الطاردة أو الهجرة الوافدة 0 وأخيراً للقسم الديمغرافي نجد أن العالم الإسلامي لا يعاني من قلة سكانية بحيث يمثل 25% من سكان العالم ، ولكن كما قال الحديث الشريف للرسول ص : ” تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول اللّه ، قال : لا أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ” وصدق الرسول الكريم ، وهذا ما يحدث لنا الآن وهو بسبب التخبط في المفهوم الإستراتيجي للتنمية في العالم الإسلامي ونتائجه هو :

1- الخدمات الصحية : هناك أربع دول تصل فيها الخدمات الصحية إلى أقل من 30% من السكان في العالم الإسلامي رغم أننا نعيش في عصر ثورة المعلومات التي جعلت العالم قرية صغيرة ، ونجد الدول الإسلامية الباقية متدنية فيها الخدمات الصحية ، بإستثناء بعض الدول الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة 0 ولو أخذنا المراكز الصحية للولادة في العالم الإسلامي كمثال لوجدنا التالي : 9 أقطار إسلامية فقط 75% من مواليدهم يولدون في مراكز صحية ، ومن أمثلتهم : ألبانيا والبوسنة والهرسك ، وعموماً بالنسبة للدولتين المذكورتين رغم سوء أوضاعهم الاقتصادية والسياسية المعقدة ، إلا أن العامل المكاني الأوروبي له دور كبير جداً عليهم من خلال التنمية البشرية ، ومثال على ذلك نجدهم يتمتعون بأعلى نموذج لتحديد النسل في العالم الإسلامي 0

2- المياه النقية : مستخدموا المياه النقية تصل نسبتهم في بعض دول العالم الإسلامي إلى 60% من السكان فقط مثل : أندونيسيا وباكستان ، وبعضهم يصل إلى أقل من ذلك مثل : نيجيريا ، وسيراليون ، بحيث لا تزيد نسبة الحاصلين على المياه النقية على 40% من السكان فقط ، بينما توجد دول إسلامية تصل نسبة الحاصلين فيها على مياه نقية أي أكثر من 95% مثل بعض الدول الخليجية كدولتي الكويت والبحرين رغم شح الموارد المائية في الإقليم الصحراوي الخليجي 0

3- النشاط الاقتصادي : بالنسبة للطابع الوظيفي عندما نذكر العالم الإسلامي سوف يقفز إلى أذهاننا منذ أول وهلة الوضع الاقتصادي ، ونجد أن لدراسة الطابع الوظيفي الإسلامي يجب علينا دراسة العاطلون عن العمل بشكل عام حتى يتسنى لنا معرفة المشكلة الاقتصادية الإسلامية ، ونجد هؤلاء يمثلون الفئات التالية : 1 طلاب فوق 15 سنة 2 العجز 3 السجناء 4 ربات البيوت وإن كنت أختلف مع من يعتبرهم عاطلات عن العمل وخاصة إذا كن حاضنات 5 المتقاعدون 6 العاطلون عن العمل0 ومن هذه الفئات تستطيع أن نقول بأن 50% من العالم الإسلامي يعاني من بطالة سافرة ومقنعة 0 ويعود السبب في ذلك أن النشاط الاقتصادي الرئيسي في العالم الإسلامي يعتمد على الزراعة التقليدية بحيث نجد نسبة العاملين في الزراعة في 14 قطر عربي يصل إلى 50% مثل الصومال وموريتانيا واليمن والسودان ، وتهبط نسبة العاملين في الزراعة في دول عربية أخرى مثل دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء سلطنة عمان ، وليبيا ولبنان والأردن إلى أقل من 10% من النشطين اقتصادياً ، وتتجه العمالة في هذه الدول الأخيرة إلى الأنشطة الثانوية والثالثة 0 أما الدول الإسلامية الأخرى فالأمر فيها أشد وأمّر ، بحيث ما يقارب 80% إلى 75% من الأيدي العاملة فيها تعمل في النشاط الزراعي التقليدي ، وهذا المؤشر يعطينا بأن اقتصاديات العالم الإسلامي اقتصاديات تقليدية زراعية ورعوية 0

  أما في الدول الصناعية بسبب الثورة الكبرى في التقنية نجد دولة مثل الولايات المتحدة تصدر الغذاء لجميع دول العالم الإسلامي والعاملين في الزراعة فيها لا تزيد نسبتهم على 7% من النشطون اقتصادياً ، ونجد 63% من العمالة تعمل في القطاع الخدمي الثالث ، و 30% تعمل في القطاع الاقتصادي الثانوي 0

4- معدل التحضر : نسبة التحضر في العالم الإسلامي  أي سكان المدن  لا تزيد على 34% من السكان وهذا طبيعي كما ذكرنا أعلاه بأن الاقتصاد الإسلامي تقليدي ريفي ، ومعدل التحضر في العالم بشكل عام 5ر44% ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يزيد معدل التحضر على 75% 0 ولكن بسبب البطالة المقنعة في الريف الإسلامي ، والنمو السنوي الكبير للسكان ، نجد الريف السكاني طارد لسكانه بحيث معدل التحضر السنوي في العالم الإسلامي يصل إلى 5ر3% سنوياً ، ومعدل التحضر العالمي 5ر2% ، ومعدل التحضر في العالم الصناعي المتقدم أقل من 8ر% 0 وينتج عن ذلك بأن معظم المدن الإسلامية الكبرى يوجد فيها ضغط سكاني أكبر من طاقتها الطبيعية مما يجعل طابعها العمراني وخاصة في مناطق الهوامش نجد مدن الصفيح المتخلفة (Shanty Houses) ، ويرتفع معدل البطالة في المدينة الإسلامية ، وخدمات المدنية الإسلامية لا تستطيع أن تقوم بالتزاماتها كما يجب نتيجة الضغط السكاني الهائل عليها ، وينتشر في المدينة الإسلامية أيضاً ظاهرة الشحاتين ، والسرقات والفساد الأخلاقي 0

  ورغم كل الذي ذكرناه أعلاه إلا أن هناك دول إسلامية ذات نموذج كبير في معدلات التحضر بحيث تصل نسبة الحضر فيها إلى أكثر من 95% مثل قطر والكويت 0

5- النساء العاملات في العالم الإسلامي : تصل نسبة النساء العاملات في العالم الإسلامي إلى أكثر من 45% من مجموع النساء في سن العمل ، وذلك شبيه على ما هو عليه في المملكة المتحدة بحيث يصل نسبة العاملات إلى 49% من النساء ، ولكن نجد المرأة في العالم الإسلامي يسند لها دور عمل ثانوي مثل لا تعمل في القطاعات الأمنية ، أو القطاعات القيادية ، أو القطاعات الصناعية وخاصة الموجودة في المناطق النائية ، وإنما يسند لها دور تعليم وتطبيب المرأة ، في الريف يسند لها دور العمل في الزراعة تحت اشراف أولياء أمرها 00 إلخ 0 وذلك خلق تذمر كبير في القطاع النسائي ، مما جعل وجود حركات نسائية قوية في العالم الإسلامي تطالب بإدارة المجتمع بشكل عام، وحدث هذا بالفعل في أكبر دول إسلامية بحيث اسندت القيادة ولفترات إلى نساء في كل من أندونيسيا وبنجلاديش وباكستان ، وبشكل عام استلام المرأة للمراكز القيادية في الإسلام هي مسألة خلافية ، ولكن يؤسفني أن أقول لكم بأن مشكلتنا الحقيقية ليست بأن المرأة تقود المجتمع أو لا تقوده ، إن مشكلتنا هي أكبر من ذلك 0 حيث أن مشكلتنا رغم استقلال العالم الإسلامي ، إلا أنه مازال ينظر إلى أوامر المستعمرين لكي ينفذ أو لا ينفذ أي مشروع أو برنامج يخطر في بال المسئولين القائمين عليه ، وعلى مطلع الألفية الثالثة أصبح الجميع في العالم الإسلامي يتجه إلى منبر واحد ممثلاً بالبيت الأبيض الأمريكي لكي يكسب رضاه قبل أية خطوة يتخذها أي نظام إسلامي 0

  ولكن بالنسبة لنا نحن أبناء هذه الأمة ، يجب أن تكون عندنا إرادة كبيرة ، وإيمان عميق بأن الأمور إن شاء اللّه سوف تتغير ، وخاصة عندما نتذكر حديث أشرف الخلق ص ” الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ” 0

ب – الجوانب الحضارية للسكان :

 الديانة الإسلامية من أعظم الحضارات والديانات في المساواة بين الشعوب ، بغض النظر عن ديانتهم أو بشرتهم ، أو أصولهم 0 فنجد مثلاً أن الرسول ص تعرض لأشد البلاء من يهود يثرب ، ولكنه صان العهد الذي كان بينه وبينهم بإستثناء من خانه منهم ، والدليل على ذلك أن الرسول ص يصون العهود ، ويجيز التعامل مع أصحاب العقائد الأخرى شريطة أن لا تخالف أي من أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء ، والدليل على ذلك ، عندما انتقل أشرف الخلق ص إلى الرفيق الأعلى كان  درعه مرهونة عند يهودي مقابل ثلاثين صاعاً من الشعير  ، وهذه العظمة تدل على أن الإسلام ديانة تجيز التعامل مع أصحاب الحضارات الأخرى من ضمن إطار الشريعة الإسلامية 0 ومن ناحية عرقية وعنصرية نجد الرسول ص يعامل الموالي مثل معاملته لأبناء عمومته المسلمين من قريش ، فيقول أشرف الخلق كرم اللّه وجهه سلمان الفارسي منا البيت ، والدليل هنا أن الرسول ص يعتبر النسب الحقيقي هو الدين الإسلامي 0

وكان الصحابي الجليل الحبشي الأصل بلال له مكانة خاصة عند الرسول ص ، وهذا دليل أن الإسلام هو أول الأيديولوجيات التي صانت حقوق الإنسان 0

 ونجد أن الإسلام من الديانات التي تحث على العلم ، واقتباس الحضارات المفيدة عند الأمم الأخرى ، فمثلاً أخذ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه من الروم  تدوين الدواوين  ، وأخذ من الفرس  وضائع كسرى  في تقدير ضريبة الأرض الزراعية ، وأخذ الأمويون  علوم الصنعة  عن مدرسة الاسكندرية 0

 وسنقوم في قسم الجوانب الحضارية بالتركيز على السلالات واللغة والقومية والديانة 0

1- السلالة : يوجد من ضمن سكان العالم الإسلامي جميع السلالات المصنفة في العالم وهم القوقازيين والمغول والزنوج 0 وتتوزع السلالات في العالم الإسلامي كالتالي :

 أ – القوقازيون 65% من سكان العالم الإسلامي وهم : اريون هندو أوربيون مثل   الفرس وباكستان وأفغانستان وشمال الهند والقوقاز 0
ب – جنس البحر المتوسط الاسمر : 1 ساميون جزيرة العرب والهلال الخصيب 2   حاميون مصر وشمال أفريقيا والصومال والسودان 0
جـ – الاجناس الصفراء الآسيوية وهم : 1 الاتراك بتركيا واذربيجان وآسيا الوسطى   2 الملاويون : بماليزيا وأندونيسيا 3 المغول والتتر في آسيا الوسطى ،   وأقليات بشرق أوروبا 0
د – الزنوج : ومنهم النبتو بوسط وشرق أفريقيا ، النيليون بجنوب السودان ، الدرافيون   وهم يمثلون خليطاً مهجناً يتميز بملامح ملاوية ، وبشرة داكنة أو سوداء ، يتمثلون   في سكان بنغلاديش ومسلمي جنوب الهند 0

2- القوميات واللغات : طبعاً هناك ارتباط قوي ما بين القومية واللغة ، فنجد في العالم الإسلامي الكثير من القوميات ، وكل قومية لها لغة خاصة بهم ، والقوميات الرئيسية تمثل العربية ، والأندونيسية ، والمالاوية ، والبنغالية ، ونجد أن اللغة الرسمية في باكستان هي الأوردية ولكن معممة على عدة قوميات مثل :  البنجابية والسندية والباشتوية والبلوتشية  ، والقومية التركية والقومية الكردية ، والقوميات الأفريقية الزنجية ، وبعضهم لهم لغات خاصة مثل السواحلية 0

3- الديانة : تمثل نسبة معتنقي الديانة الإسلامية في العالم الإسلامي 90% ، وما تبقى من السكان فهم يمثلون الديانات التالية ، 6% نصارى ، 3ر% يهود ، 2% إبراهيميون ، 5ر1% الوثنيون ، 1% كونفشيون ، 4ر% بوذيون 0 وهذا دليل قوي من ناحية حضارية، كما ذكرنا سابقاً بأن الإسلام من الديانات الذي يحترم جميع الديانات والسلالات 0

 أما الفرق الإسلامية فهم يتوزعون كالتالي 94% من مسلمي السنة ، والشيعة الجعفرية يمثلون 5% ، وما تبقى يمثل الزيدية ، والخوارج ومنهم الاباضية ، والجماعات المسلمة ظاهراً وتسمى بالظاهرية كما يسميها بعض العلماء المتخصصين في هذا المجال ومنهم البنجان واليزيديون ، ومنهم فرق باطنية ، مثل الاسماعيلية والنصيرية والدروز ، وأصحاب فرق إسلامية جديدة يرجعها بعض العلماء إلى الاستعمار وهم البهائية ، والقاديانية 0

 وهذا يذكرنا بما قاله أشرف البشر محمد ص : ” افترقت اليهود على احدى وسبعون فرقة ، وافترقت النصارى على إثنان وسبعون فرقة ، وتفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعون فرقة كلها في النار إلا واحدة ” 0 ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي على ما أذكر بأن الرسول ص أقر بأن هذه الأمة أمته رغم افتراقها إلى 73 فرقة 0 فبالتالي نحن المسلمين علينا أن نبحث على ما يجمعنا ونترك ما يفرقنا ونفكر كيف نصعد بهذه الأمة لكي ننافس باقي الأمم ونخرج من المرتبة الأخيرة التي وضعنا فيها في تاريخنا المعاصر إلى مرتبتنا الأولى التي وصلنا إليها في القرون الأولى لانتشار الإسلام 0

 ولو رجعنا مرة أخرى إلى مقدمة القسم الحضاري ، ونظرنا إلى الإسلام قبل خمسة عشرة قرناً كيف ألغى كل الحواجز الحضارية ، وصان حقوق الإنسان ، لعرفنا أن الحضارة الإسلامية هي قمة الحضارات ، والدليل على ذلك بأن ليس المسلمين يقولون ذلك فقط ، ولكن حتى العلماء العرب من أصحاب العقائد الأخرى يفتخرون ، بأيديولوجيتهم الإسلامية ، فمن علماء مصر الأقباط منهم من يقول مثل الأستاذ وليم مكرم عبيد ” نحن مسيحيون في الدين – مسلمون في الوطن ” ، ويقول الدكتور أنور عبد الملك ” أنا مصري ، عربي ، شرقي – قبطي المولد – مسلم الحضارة ” 0 وهذا يعتبر من أقوى الردود على المشككين في الإسلام بأنه ديانة طائفية أو عنصرية 0 ولكن دعنا ننظر إلى من ينسبون إلى أنفسهم التطور ويعتبرون أنفسهم قادة العالم وصائنين حقوق الإنسان ، ودولهم أكثر بقاع العالم عنصرية وطائفية 0 ومن الأمثلة على ذلك :

1- اتحاد جنوب أفريقيا ومشكلة السود إلى عام 1990م ، رغم أن البيض أقلية لا تزيد نسبتهم على 19% 0
2- الولايات المتحدة الأمريكية ، ومشكلة السود الذين تبلغ نسبتهم 9% من سكان الولايات المتحدة 0
3- ألمانيا وكوارث النازية في الحرب العالمية الثانية ، بسبب المغالات في بقاء الجنس النازي سيداً للعالم 0
4- النظرة الفوقية التي تزرعها الصهيونية العالمية في نفس اليهود بأنهم مميزين على باقي الأجناس البشرية ، لأنهم شعب اللّه المختار 0
5- الاختلاف في الدين والجنس كما هو الحال في قبرص 0
6- التفوق العسكري والحضاري واضطهاد العناصر الوطنية المغلوبة كما هو الحال في استراليا ، والولايات المتحدة 0

 وفي الختام بالنسبة للقسم الحضاري نجد أن الاستعمار في العالم الإسلامي نقل جزء من مشاكله التي يعاني منها مثل المذهبية وهو الصراع القائم ما بين البروتستانت والكاثوليك مسيحيين في المملكة المتحدة ، والصراعات العنصرية المذكورة أعلاه ، ووظفها في أرض المسلمين لكي يخلق صراع حضارات طائفية فيما بينهم ، والأمثلة على ذلك كثير مثل مشكلة القومية الكردية ، ومشكلة القومية البالوتشية ، ونجد أيضاً أن الاستعمار لم يتوانى في اشعال الفتنة ما بين المسلمين من ناحية مذهبية وطائفية مثل الصراع الذي يحدث ما بين الشيعة والسنة وكل ما هدأت لفترة ، عادت إلى السطح مرة أخرى ، وهذا من مهمة المسلمين أنفسهم لإصلاح ذات بينهم 0

 أما في القسم الثاني من هذه الخاتمة فسوف نضيف تحليل قام به العلامة الكبير الأستاذ الدكتور محمد رياض عن مدرسة الحتم التاريخية ، ودور المستشرقين فيها لمحاربة كل ما هو إسلامي من ناحية نفسية رغم أن الحقائق كلها تناقض آراءهم والدس الحضاري والبيئي الذي يريد به المستشرقين محاربة الإسلام ، فيقول بعض المستشرقين إن الحتم التاريخي يمتد بمبادئه في أحيان كثيرة لكي يستخلص قواعد جغرافية وبيئية تفسر نمو الأمم والدول إلى حدود لا تستطيع أن تمتد بعدها 0 فيرى بعض المستشرقون ، أن توقف الدولة الإسلامية العربية عند بلاط الشهداء في فرنسا بأن العرب والإسلام غير متكيف مع بيئات غير البيئة الطبيعية للنظام الصحراوي وهوامشه 0 وبذلك فإنه توقف وانسحب حينما خرج خارج حدود تلك البيئة إلى غرب أوروبا 0 ولكن مثل هذه الدعوة الحتمية تحتاج إلى تعليلات أخرى إذا أريد تطبيقها على انتشار الإسلام في بيئات أخرى غير البيئة الصحراوية ، واستقراره فيها مثل البيئات المناخية المذكورة 0 ولو حدث الفشل لحملة طارق بن زياد على أسبانيا ، لاستخدم المستشرقون نفس السلاح المذكور لتحطيم الروح المعنوية عند المسلمين ولإشعارهم بالوهن 0

 إن الأديان لا تعرف حدوداً بيئية 0 والإنسان في مجموعه أيضاً لا يعرف حدوداً بيئية لانتشاره ، بل هو دائم التكيف مع الايكولوجيات الطبيعية المختلفة ، وربط الإسلام بالعرب بنظرة ضيقة جداً 0 فالدولة العربية الإسلامية خارج الجزيرة العربية ، لم تنطو على طرد أو إبادة السكان الاصليين وحلول العرب محلهم 0 بل أن هناك رواد من العرب المسلمين الذين استقروا هنا وهناك بين منغوليا والأندلس وبقية الدولة الإسلامية تكونت من تحول السكان الأصليين إلى الإسلام 0 وكذلك كان يمكن أن يكون الحال في فرنسا وبقية أوروبا : رواد من مسلمي العرب وسكان فرنسا الأصليين أو غيرهم يتحولون إلى الإسلام 0 وهكذا تسقط حجة الحتميين التاريخيين والجغرافيين بأن للإسلام حدوداً بيئية لا يتعداها 0

ثالثاً : الموارد الاقتصادية للعالم الإسلامي :

أ – الغــذاء :

 معظم دول العالم الإسلامي دولاً مستوردة للغذاء ، وذلك يعود لعدة أسباب منها :

1- ضعف الرقعة الزراعية بالنسبة للسكان 0
2- الاعتماد على الزراعة البعلية  المطرية  التقليدية بنسبة 75% ، علماً بأن المطر غير مستقر 0
3- النمو السكاني الكبير بطريقة متوالية عددية ، ويقابله نمو الانتاج بطريقة متوالية حسابية0
4- تدهور البيئة 0
5- سوء الظروف السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والتقنية ، والتخطيطية ، مما جعل الانتاج متدني بشكل كبير جداً ، فمثلاً انتاج الهكتار من الحبوب في المغرب العربي يعادل أقل من 10% من انتاج الهكتار في غرب أوروبا 0 ورغم ذلك كله نجد أن العالم الإسلامي يمثل المراكز الأولى في انتاج الغذاء عالمياً ، دليلنا على ذلك هو المنتجات التالية :

 أ – القمح : ينتج من العالم الإسلامي ما يعادل 13% من الانتاج العالمي ، وذلك   يجعل العالم الإسلامي يحتل المرتبة الثانية عالمياً ، ولكن تقريباً معظم الدول   الإسلامية تعاني من عجز سنوي محلي في الطلب على القمح مما يجعلها تستورده   من الأسواق الخارجية خاصة الولايات المتحدة واستراليا 0
ب – الأرز : ينتج العالم الإسلامي ما يعادل 18% من الانتاج العالمي ، وذلك يمثل   المرتبة الثانية عالمياً ، علماً بأن معظم الدول الإسلامية مستوردة له 0
جـ – الشعير : يوجد فائض في بعض الدول الإسلامية ، وينتج العالم الإسلامي 14%   من الانتاج العالمي ، ويمثل المرتبة الثانية عالمياً 0

 د – الذرة : ينتج العالم الإسلامي 4% من الانتاج العالمي ، ويمثل ذلك المرتبة الخامسة   عالمياً 0

 أما بالنسبة للثروة الحيوانية فنجد العالم الإسلامي يمثل المراتب الأولى ، رغم أن هذه الثروة جلها ما زال يرعى بالطريقة التقليدية ، ولا يوجد لها أي أساليب حماية وقائية من التقلبات البيئية ، وتمثل الثروة الحيوانية في العالم الإسلامي المراتب التالية :

1- الأغنام : تبلغ نسبة العالم الإسلامي 8% من القطيع العالي وذلك يعطي العالم الإسلامي المرتبة الأولى عالمياً 0 ومعظم دوله مستودة للحوم من الدول الأجنبية وخاصةً استراليا ونيوزلندا 0
2- الماعز : تبلغ نسبة العالم الإسلامي 20% من القطيع العالمي وذلك يعطيها المرتبة الأولى عالمياً 0
3- الأبل : تبلغ نسبة العالم الإسلامي 85% من القطيع العالمي وذلك يعطيه المركز الأول عالمياً 0
4- الخيل : تبلغ نسبة العالم الإسلامي 8% من القطيع العالمي ، وذلك يعطي العالم الإسلامي إحدى المراتب الثلاثة الأولى عالمياً 0
5- الأبقار : تبلغ نسبة العالم الإسلامي 18% من القطيع العالمي ، وذلك يعطي العالم الإسلامي المرتبة الثانية عالمياً 0

  والثروة الحيوانية مثلها مثل انتاج الحبوب ، ممكن أن يستفاد منها ، بإستهلاكها بطريقة مباشرة ، وممكن أن يستفاد منها بتعليبها وتصنيعها ، من خلال الاستفادة من اللحوم ، ومنتجات الألبان ، والصوف ، والجلود ، والعظام 0 ولكن في حقيقة الأمر الثروة الحيوانية غير مستفاد منها في العالم الإسلامي مثلها مثل غيرها وذلك لعدة أسباب هي فقر المراعي ، ولعدم اتباع الأساليب الحديثة لتربية المواشي ، ونجدها عرضة للتقلبات البيئية ، فمثلاً جفاف بداية الثمانينيات من القرن المنصرم في الساحل الأفريقي، قضى على نسب مرتفعة من المواشي ، وصلت في بعض البلاد مثل : موريتانيا والنيجر ومالي إلى 70% من ثروتهم الحيوانية 0

6- الأسماك : تبلغ نسبة العالم الإسلامي من انتاج الأسماك 6% وذلك يمثل المرتبة الرابعة عالمياً ، علماً بأن بإمكان العالم الإسلامي أن يصبح الدولة الأولى عالمياً في انتاج الأسماك لأنه يمتلك امكانات طبيعية ضخمة ، ولكن الإمكانات البشرية متواضعة ، وربما أفضلها في العالم الإسلامي أندونيسيا 0

 ونجد أيضاً أن العالم الإسلامي يحتل المراتب الأولى في انتاج المحاصيل التالية مثل الانتاج الشجري للتمور والزيتون والحمضيات ، وجوز الهند ، بالإضافة لإمكانية زراعة الفواكه ، والخضروات 00 إلخ 0

 ورغم كل الامكانيات المذكورة إلا أننا نجد على سبيل المثال العالم العربي يعاني من عجز مزمن في توفير الغذاء ، إذ تستورد الدول العربية 45% من حاجياتها الغذائية  مقاسة بالقيمة  0 وتستورد دول مجلس التعاون الخليجي 78% من جملة الاستهلاك الغذائي 0 وبالمقارنة لا يتجاوز متوسط الواردات الزراعية في بقية أقطار العالم ككل 9% من حاجياتها0 ولماذا هذا يحدث للمسلمين ؟ لا نعلم  ، ولكن نوجه هذا السؤال لمتخذي القرار في العالم الإسلامي ، وسوف نجد أن متخذ القرار في العالم الإسلامي يقع تحت ضغوط محلية وإقليمية وعالمية ، فمثلاً عندما حاولت الكويت كدولة نفطية غنية ، أن تقوم ببعض الاستثمارات في الدول الإسلامية ، مثل صناعة السكر في السودان ، والمساهمة في مشروع صناعة الحديد والصلب في موريتانيا تعرضت لفاجعة سياسية ، إذاً السياسة هي كارثة العالم الإسلامي ، ولن تحل المشكلة إلا بواسطة قادته 0

ب – الطاقة والمواد الأولية :

 من حيث الطاقة يحتل العالم الإسلامي المراتب الأولى عالمياً وذلك من خلال التالي :

1- معظم احتياطي الهايدروكاربون يوجد في العالم الإسلامي ، فيوجد فيه 72% من الاحتياطي العالمي من النفط ، و 35% من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي 0 ونفس هذا الخام يعتبر مواد أولية للصناعات الكيميائية المختلفة 0 وهي ما تسمى صناعة البدائل 0
2- الفحم الحجري : يوجد في العالم الإسلامي ما يقارب 5% من الاحتياطي العالمي 0
3- الطاقة الكهرومائية : توجد في بعض الدول الإسلامية التي فيها مجاري مائية دائمة مثل : جمهورية مصر العربية ، وتركيا ، وأواسط آسيا الإسلامية 0
4- اليورانيوم : يوجد في بعض الدول الإسلامية مثل : الجزائر والغابون والنيجر ، وتوجد بعض الدول الإسلامية التي قامت بتخصيب اليورانيوم لتوليد الطاقة الكهربائية مثل : جمهورية إيران الإسلامية وباكستان 0
5- الأخشاب : الطاقة المولدة من الأخشاب كانت إحدى المصادر المهمة في العالم الإسلامي خاصة الدول الإسلامية التي توجد فيها غابات مدارية ، ولكن القطع الجائر للأشجار ، جعل هذه الدولة تعيد النظر مرة أخرى بأسباب المشاكل البيئية التي أصبحت تعانيها مثل التصحر 0

 أما بالنسبة للمواد الأولية : فتوجد في العالم الإسلامي احتياطيات استراتيجية من جميع المواد الأولية الرئيسية في العالم مثل المعادن الفلزية واللافلزية والمحاصيل الزراعية النقدية 0

1- المعادن الفلزية : يوجد في العالم الإسلامي من الحديد 5ر5% من الانتاج العالمي البالغ 547 مليون طن ، والبوكسيت  خام الألمنيوم  10% من الانتاج العالمي البالغ 110 مليون طن ، والنحاس 8% من الانتاج العالمي البالغ 2ر9 مليون طن ، بالإضافة إلى المنغنيز والرصاص والزنك والقصدير 0

2- المعادن اللافلزية : المعادن اللافلزية مثل : الفوسفات ، وتعتبر المغرب من أهم دول العالم من حيث الاحتياط ، إذ يوجد فيها ما يقارب 60 مليار طن ، أما المعادن الفلزية الأخرى مثل مواد البناء فهي تقريباً موجودة في جميع دول العالم الإسلامي 0

3- المعادن النادرة : يتوفر في العالم الإسلامي كميات لا بأس بها من المعادن النادرة مثل : الكروم في تركيا ، الكوبلت في المغرب ، والانتمران في المغرب ، والنيكل في نيجيريا، والكولمبيت في نيجيريا 0

4- المعادن النفيسة : الذهب ، يبلغ انتاجه 5ر143 ألف كلغم وأهم الدول المنتجة له أوزبكستان ، وأندونيسيا ، وماليزيا 00 إلخ 0 والألماس 530 قيراط ، وتشتهر به جمهورية أفريقيا الوسطى ، والفضة ينتج المغرب 271 طن 0

5- مواد أولية زراعية : المطاط 92% من الانتاج العالمي ، والجوت 75% من الانتاج العالمي ، وقصب السكر 10% من الانتاج العالمي ، والكاكاو 48% من الانتاج العالمي، والقطن 43% من الانتاج العالمي ، والشمندر 5% ، والصمغ ، والتبغ ، والشاي ، والقهوة 0

جـ – الصناعـة :

 الصناعة تمثل صيحة النصف الثاني من القرن العشرين في العالم النامي ، وذلك بعد أن بدأت الدول الاستعمارية تعطي الدول النامية ومنها الدول الإسلامية استقلالها ، وبداية مرحلة تشكيل المؤسسات السياسية في العالم الإسلامي والتي معظمها أتى عن طريق الانقلابات العسكرية ، أو التحالفات الطائفية ، ولكن كان على كل زعيم إسلامي أن يقدم إلى شعبه برنامج أو مشروع حكم أحياناً لكي يعطيهم شيء من التفاؤل ، وكان أفضل برنامج للبروبوجاندا السياسية آنذاك هو الصناعة ، وخاصةً صناعة الحديد والصلب ، والتي تعتبر آنذاك قاعدة صناعية استراتيجية لقيام صناعات وسيطة ونهائية ، وترابطات أمامية صناعية 0 ولكن جل هذه الصناعات قامت دون عمل دراسة جدوى حقيقية لنجاحها 0

 مقومات الانتاج الصناعي التي يجب أن تدرس قبل قيام أية صناعة وهي : 1 المواد الخام 2 الطاقة 3 الأيدي العاملة 4 رؤوس الأموال 5 الأسواق والقوة الشرائية 6 النقل والمواصلات 7 التوجهات السياسية 8 الإدارة 9 أهمية اختيار الموقع الصناعي0

وطبعاً لو نجحت الدول الإسلامية في دراسة مقومات الصناعة دراسة حقيقية ، لتحققت النتائج التالية وهي : 1 تنويع مصادر الدخل 2 امتصاص الأيدي العاملة والقضاء على البطالة 3 عمل قيمة مضافة للمواد الخام تصل أحياناً إلى أكثر من أربعة أضعاف 4 رفع مستوى المعيشة 0 ولو استطاع مخططين العالم الإسلامي منذ ما يقارب نصف قرن تحقيق المذكور لانتقلوا بنا إلى مصاف الدول المتقدمة ، لأن فوائد الصناعة الحقيقية هي 1 من ناحية اجتماعية التقدم 2 من ناحية اقتصادية الغنى 3 من ناحية سياسية الاستقلال 0 ولكن يؤسفني أن أقول لكم بأنه لم يتحقق ولا شيء من ذلك والأسباب سوف أذكرها لكم لاحقاً0

أنواع الصناعة في العالم الإسلامي :

أ – الصناعات الخفيفة : تنتشر في دول العالم الإسلامي بشكل كبير ، ففي أفغانستان تصل نسبة المؤسسات الخفيفة إلى 75% من إجمالي عدد المؤسسات الصناعية الأخرى ، وفي أندونيسيا تصل هذه المؤسسات إلى 80% ، وفي تونس 65% ، وفي بنغلاديش إلى 60% ، ويرى د0 بسام النصر ، إن سبب الانتشار الواسع للصناعات الخفيفة في العالم الإسلامي ، هو توفر المتطلبات التقليدية لقيام الصناعة الخفيفة مثل : 1 توفر أيدي عاملة كبيرة قليلة الأجر 2 لا تتطلب رؤوس أموال ضخمة 3 تزايد الطلب على هذه المصنوعات باستمرار ، لأن أصلاً معظمها استهلاكي مثل : الصناعات الغذائية والمشروبات والأثاث والتبغ 00 إلخ 4 توفر المواد الأولية 0

  وبشكل عام يتميز الهيكل الصناعي في العالم الإسلامي بهيمنة الصناعات الاستهلاكية التي تمثل 65% ، مقابل 35% للصناعات الوسيطة والرأسمالية ، والتي تعتبر المحرك الحقيقي للنمو والتنمية الصناعية ، ولكن كما يعلم الجميع بأن تكنولوجيا وسائل الانتاج جميعها مستوردة من الدول الصناعية ، وخاصة بالنسبة للصناعات الرأسمالية ، وذلك مما يرسخ التبعية الاقتصادية للدول الصناعية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *