بسم الله الرحمن الرحيم
24/6/2004
نذكر في مقالة ” مساحة حوار في فلسفة السياسة ” أننا قمنا بنقاش بعض صور القوانين الدستورية للأمة العربية ، وركزنا آنذاك على دول مجلس التعاون الخليجي العربي ، وسوريا ، وليبيا .
الذي ذكرنا بهذه المقالة الآلية التي عُين بها مجلس الحكم الإنتقالي في العراق، وبتزكية أمريكية ، ولكن أقصى ما نخشاه هو أن يحصل هذا المجلس على تفويض أمريكي لكي يقوم بتشكيل الدستور العراقي ! .
ومن هنا ممكن أن تثار الكثير من الشكوك حول هذا الدستور هل قام بصياغته المجلس الإنتقالي ؟ أم جاء جاهزاً مع الدبابات الأمريكية إلى العراق ؟ . والحالتان سيان سواءً قام المجلس الإنتقالي بصياغته أم جاء الدستور جاهزاً من أمريكا ، فلن يتم تطبيقه في العراق إلا بعد مصادقته من الإدارة الأمريكية .
وكيف يستطيع العراقيون أن يثقوا في الدستور الأمريكي وفي مقابلة نشرها الصحفي كال توماس مع وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت نسب فيها إلى أشكروفت : “
أن الأسلام هو يطالبك فيه الرب أن ترسل والدك ليموت من أجله ( الله ) . والمسيحية هي عقيدة يرسل فيها الرب ولده ليموت من أجلك ” !! .
وكيف نستطيع أن نثق في الدستور الأمريكي للعراق ومنذ بداية الحرب على العراق أخضعت الإدارة الأمريكية إحدى عشر ألف مهجر عراقي لعمليات إستجواب ؟! . [ مجلة الوطن العربي العدد 1377 ] .
وكيف نستطيع أن نثق في الدستور الأمريكي للعراق والتقرير السنوي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية لعام 2003 م يقول أن أوضاع الحقوق المدنية للمسلمين في أمريكا خلال العام الماضي ، أحصى أكثر من 600 شكوى من حوادث التمييز التي تعرض لها المسلمون في أمريكا عام 2002 م ، وذلك بزيادة قدرها 64 % مقارنة بعام 2001 م ؟! .
ربما نقف جميعاً لبرهة ونقول ما هو الحل البديل للعراق إذا لم نقبل الحل الأمريكي ؟ .
الحل هو مانشرناه في دراسة ” الجدلية القانونية للوصاية الأمريكية على العراق ” وذلك من خلال إنتخاب مجلس لإعداد الدستور العراقي ، وبعد ذلك يقوم هذا المجلس بعرض هذا الدستور على الشعب العراقي للإستفتاء الدستوري . ولكن الشيء الذي يجعلنا مطمئنين على مستقبل العراق بأن بعض النخب العراقية في يوليو 2003 م لديها تصور شبيه بتصورنا الذي نشرناه منذ مايو 2003 م تقريباً . وذلك من خلال زيارة قام بها الشريف علي إلى آية الله السيستاني وصدر بيان إثر هذا الإجتماع أفاد بأن الرجلين قالا : ” إن الشرعية تستمد من الشعب لا بالتعيين ولا بلإختيار ” . [ الشرق الأوسط العدد 9009 ] .
إذاً نعتقد بأن مجموعة كبيرة تتفق بأن الأفضل ليس للعراق فقط بل لجميع دول العالم العربي واللإسلامي هو المجالس المنتخبة شعبياً لإنشاء الدساتيير ، وحتى لا نترك الأمر على إطلاقه ممكن أن يشترط على هذه المجالس بعض الثوابت الوطنية مثل : إحترام الدين ، والقومية ، وعدم التنازل عن أي جزء من المجال
الجغرافي للدولة أو الوحدة الوطنية ، وحقوق الإنسان ، ومراعاة أوضاع الأقليات إن وجد … الخ .
وبسبب عدم وجود الآلية السليمة والواضحة في إعداد الدساتيير العربية والإسلامية ، نجد معظم صراعات الدول العربية والإسلامية تدور حول شرعية البنود القانونية ، ونجد معظم هذه الصراعات تبدأ بالإحتجاج والمعارضة ، وأحياناً يكون رد الدول على هذه النوعية عنيفاً المعارضة إلى العنف ، والخلاصة الشعوب دائماً هي التي تدفع الثمن على مستوى العالم الإسلامي ! .
ويوجد لدينا الكثير من الأمثلة على الإختلاف نحو شرعية آلية بعض القوانين الدستورية العربية والإسلامية فمثلاً :
1 – باكستان : فالتعديلات الدستورية التي أجراها الرئيس برويز مشرف مستنداً في ذلك إلى التخويل الذي منحته له المحكمة الدستورية العليا بتعديل الدستور في غياب البرلمان ، بعد الإنقلاب العسكري عام 1999 م . فيما تقول أحزاب المعارضة ومن ضمنها أكبر حزبين باكستانيين هما حزب الرابطة الإسلامية الذي يتزعمه نواز شريف وحزب الشعب الباكستاني الذي تتزعمه بنازير بوتو ، إن هذه التعديلات والمراسيم الرئاسية لايمكن أن تصبح جزءاً من الدستور بدون عرضها للنقاش أمام البرلمان وموافقته عليها بغالبية الثلثين وفقاً لما ينص عليه الدستور . [ الخليج العدد 8836 ] .
2 – تونس : بعد الثورة الدستورية التي قام بها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عام 1987 م ، حدد من خلالها عدد فترات تولي الشخص الواحد رئاسة الدولة في تونس وهذا الشيئ كان إيجابياً ، كما عرفنا من بعض المحللين العرب بأن هذه الخطوة كان لها رد فعل إيجابي كبير على مستوى العالم العربي حتى تتخلص هذه الأمة العربية والإسلامية من نظرية الزعيم الخالد ! .
أما الآن تغير الوضع في تونس بحيث تم تعديل مادة في الدستور سمحت بالترشيح للرئاسة من دون تحديد لعدد الولايات ولكنها حددت عمر المرشح بما لا يتجاوز 75
عاماً ولا يقل عن 40 عاماً . وسمعنا من أحد الزملاء القانونين العرب بأن حتى المادة التى تنص على العمر بلإمكان تعديلها أيضاً ، بحيث يجعل من الممكن أن يكون عمر الرئيس أقل من 40 سنة وأكثر من 75 سنة ، ويقول أن لديه الأدلة على ذلك ! .
3 – السودان : مازلنا ننتظر الحل النهائي لإعلان ماتشاكوس ، ومقترحات الإيقاد ، والحلول التي ستسفر عن القضايا الرئيسية التالية : تولي السلطة ، وتوزيع الثروة ، والترتيبات الأمنية ، والمناطق السودانية المهمشة ، وخلاصة هذه القضايا هو الشكل النهائي للدستور السوداني الذي سيُبرز على الملأ دولة سودانية واحدة ، أوفيدرالية ، أو دولتين منفصلتين ، أوحرب أهلية لا سمح الله ويكون ختامها بتدخل أجنبي مباشر!.
4 – مصر : لفت نظرنا أخيراً الدعوة التي رفعها المحامي الناصري عصام الإسلامبولي ضد رئيس الجمهورية بصفته ، بسبب عدم تعيين نائباً له رغم مرور أكثر من 22 عاماً على توليه منصبه . وتنص دعوى الإسلامبولي ” بأن عدم تعيين نائب لرئيس الجمهورية أمراً مخالفاً للدستور ، وخصوصاً في مادة رقم 139 التي تنص على أن لرئيس الجمهورية أن يعين نائباً أوأكثر ، ويحدد إختصاصاتهم ” .
[ الشرق الأوسط العدد 9009 ] .
وفي الختام لن يسامح التاريخ متخذي القرار في العالم العربي والإسلامي إذا لم يقوموا بإصلاحات دستورية حقيقة ، وهذه الإصلاحات ستكون المنقذ لجميع الشعوب في هذه المنطقة ، لأن هذه الإصلاحات ستمهد الطريق لوصول الطاقات العربية والإسلامية إلى المناصب القيادية والتي من خلالها سيساهمون في دفع عجلة التنمية في الأنشطة الإقتصادية الثلاثة الخدمية والأولية والصناعية التقنية ، من دون التفكير في المصالح الشخصية ، لأن الإصلاحات الدستورية الحقيقية تكون ذات شفافية دقيقة وبالتالي يصبح لا مكان للفساد والمفسدين ! .
وإذا حققنا الإصلاحات الدستورية الحقيقية ونشأت عندنا البرلمانات المنتخبة إنتخاباً نزيهاً ، ففي الخطوات القادمة نستطيع أن ننشئ برلمانات إقليمية ، وعربية ،
وإسلامية وربما يكون ذلك بداية الطريق لفيدرالية على المستوى الإقليمي على سبيل المثال مجلس التعاون الخليجي … الخ .
وإذا إستطعنا تحقيق ذلك سنقول لمتخذ القرار العربي والإسلامي نعم الآن نستطيع أن نشارك في العولمة وبشروطنا وليس بالشروط الفوقية التي تملأعلينا من الشمال ! .
أما بقائنا على الوضع الحالي بحيث منحنى التطور لأمتنا يسير بالسالب مقارنةً مع باقي الأمم ، وكلما شعر متخذ القرار بأننا قاربنا من الإنهيار حاول أن يبحث عن إنجاز أمني أو تنظيمي أو رياضي أو إعلامي لكي يبهر الشارع بمستوى الرقي الذي وصلت له أمتنا ، وبعد مرور الفترة الزمنية للإنجاز يكتشف الجميع بأن وضعهم الحضاري كان أفضل قبل الإنجاز ، إلى أن ينتهي الأمر بالإنهيار التام ، والتاريخ بعد ذلك لن يرحم أحداً ! .
وأفضل خاتمة نعتقد بأننا نستطيع أن نختم بها هو ماقاله موشي دايان غداة النكسة العربية في يونيو 1967 م ” إن العرب لا يقرؤون ، وإن قرؤا لا يفهمون ، وإن فهموا لا يعملون ” . [ الخليج العدد 8833 ] .
وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله تعالى ،،،