جيوبوليتيكية مجلس التعاون الخليجي

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

 إن التاريخ العالمي على مدى أكثر من خمسمائة ألف سنة ، شهد أكثر من مائة وخمسين ألف حرب ، بمعدل حرباً واحدة كل ثلاث سنوات ، وشهد العالم في القرن العشرين ، حربين كونيتين ، وكان ضحايا الأخيرة منها ما يزيد على أربعين مليون نسمة ، وفي النصف الأخير من القرن العشرين ، شهد العالم ما يزيد على مائة وثمانين حرباً ، بلغت ضحاياها أكثر من ثلاثين مليون نسمة 0 ومعظم هذه الحروب نتجت من خلال طمع الكبار في ضم الصغار ، أو سلب مواردهم 0

 فمن خلال هذه الدراسة ، سوف أسلط الضوء على أهمية وضع تصور بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي ، من ناحية استراتيجية ومؤسسية 0 وسوف تلاحظون هنا بأننا سوف نقوم بتجنب الخوض في بعض المواضيع عن دول مجلس التعاون الخليجي ، كالجوانب السكانية والحضارية والاقتصادية ، حيث تناولناها بشكل مفصل في كتابنا ” دراسات في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا ” 0

 ولقد حاولت أن يكون جل اهتمامي هو الكيفية التي نشأ بها مجلس التعاون الخليجي 0 ولمعرفة ذلك لابد من التركيز على البعد المحلي ، والإقليمي ، والقومي ، والعالمي بالنسبة لدول الخليج العربية 0

 فمنذ انطلاق مرحلة الكشوف الجغرافية الأوربية في القرن الخامس عشر الميلادي ، أصبحت منطقة الخليج من المناطق المهمة في مسرح السياسة العالمية ، فنلاحظ الصراع بين القوات المختلفة في الخليج ، مثل : البرتغاليين ، والهولنديين ، والفرنسيين ، والبريطانيين في الفترة الأخيرة ، أي منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي ، أصبحت بريطانيا القوة الرئيسية المسيطرة في الخليج 0 وتعود أهمية ذلك إلى أن الخليج يعتبر الحلقة الرابطة ما بين المستعمرات البريطانية في الغرب الآسيوي ، والشرق الآسيوي 0

 ومع أن الأمم تتقلص وتتفاقم همومها ، إلا أن الخليج مشكلته المزمنة والتي نلاحظها في الأزمنة المختلفة ، هي مشكلة المحافظة على أمن واستقرار المشايخ الخليجية ، وإيجاد سيناريو لخلق ذلك 0 ففي اتفاقية الهدنة بين إمارات الساحل الغربي للخليج وبريطانيا عام 1853م تعهد الحكام فيها ألا يشنوا حرباً بحرية فيما بينهم ، وأعطت هذه الاتفاقية بريطانيا في أن تتولى أعمال الشرطة على طول السواحل الخليجية 0 وتولت بريطانيا أيضاً الشئون الخارجية للإمارات الخليجية ، وكانت حينئذ عشراً هي : الكويت والبحرين وقطر والإمارات السبع  المشكّلة لدولة الإمارات العربية المتحدة حالياً  0 وعموماً تلى أتفاقية الهدنة البريطانية توقيع اتفاقية الحماية البريطانية ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، الاتفاق الأنجلو تركي ، وفي المادة الحادية عشرة للميثاق تنص على أن تتنازل تركيا عن قطر ، ويبقى حكمها عند الشيخ جاسم بن محمد  رحمه اللّه  وخلفاؤه من بعده في 28 يوليو 1913م ، وكما ستتعهد بريطانيا بحماية قطر ضد أي أعتداء خارجي 0 ثم تلتها اتفاقية الحماية 1916م الموقعة ما بين الشيخ عبد اللّه ابن جاسم  رحمه اللّه  والحكومة البريطانية ، وكانت اتفاقية الحماية لإمارات الساحل المتهادن تسبق قطر بقرن تقريباً عام 1820م 0

 وبعد هذه الاتفاقيات الأمنية ، بقي الوضع الأمني في الخليج هادئاً على أقل تقدير من غزو القوات الإقليمية الكبرى نسبياً ، وإن بقي نوع من الصراع الداخلي ما بين الإمارات الخليجية ، ولكن غالباً يكون تحت السيطرة بالنسبة لبريطانيا ، وإن كان البعض يتهمها بإشعاله تارة واخماده تارة أخرى 0 واستمر هذا الوضع السياسي والأمني إلى الستينيات من هذا القرن، ولكن بعد ذلك أعلنت بريطانيا عن رغبتها في الانسحاب من الخليج ، وذلك شكل هزة بالنسبة للقوة الحليفة الأخرى في الناتو ، والتي تعتمد على التوازن الاستراتيجي في المنطقة من خلال تواجد المملكة المتحدة 0 ومنذ اعلان حكومة هارولد ويلسون العمالية الانسحاب من الخليج ، بدأ الحديث عن فراغ سياسي في الخليج ، تزامن معه العديد من الدعوات بضرورة ملء الفراغ المحتمل من خلال ايجاد ترتيبات أمنية في المنطقة تهدف إلى :

1- الدفاع عن المصالح الغربية في المنطقة 0
2- المحافظة على الوضع السياسي القائم 0
3- ضمان وصول امدادات النفط 0
4- صد أي هجوم محتمل على المنطقة 0
5- محاربة انتشار الايديولوجيات المضادة للمصالح الغربية في المنطقة 0

 ومن هنا كان على المملكة المتحدة تسوية الأوضاع قبل انسحابها من الخليج ، فكان من السيناريوهات لأمن الخليج العربي أنه لابد من تشكيل اتحاد كونفيدرالي أو فيدرالي ما بين الإمارات الخليجية ، حتى تستطيع حماية نفسها ، ويقوم هذا التصور على أن يكون هناك ما بين المشايخ الخليجية التسع ممثلين بقطر والبحرين والإمارات السبع  المشكلين لدولة الإمارات الحالية  0 وقد تم التقارب وتوقيع الاتفاقية ما بين هذه المشايخ بالفعل في 27 فبراير 1968م 0 ولكن لم تنجح هذه الفكرة كاملة ، ويعود ذلك لعدة أسباب منها : 1 احتجاج بعض القوى الخليجية الكبرى نسبياً على قيام هذا الاتحاد 0 2 مشكلة الزعامة الاتحادية 0 3 منهم من يؤيد تشكيل مجالس تشريعية منتخبة ، ومنهم من يرفضها 0 4 الاختلاف على موقع العاصمة الاتحادية 0 5 ما هو موقف الاتحاد إذا احتلت دولة أو جزء من دولة ؟ 6 بالإضافة إلى الخلافات القائمة ما بين هذه الدول على الحدود وغيرها 0 7 ما هي الطريقة التي سوف تعتمد بها ميزانية الاتحاد ؟ 8 البعد المكاني بالنسبة لبعض إمارات الاتحاد نسبياً 0

كل هذا أدى إلى عدم نجاح فكرة قيام فيدرالية ما بين الإمارات التسع 0 وبعد ذلك في 3/9/1971م أعلنت دولة قطر استقلالها ، وأعلنت دولة البحرين استقلالها ، وتشكل اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة من الإمارات السبع  أبو ظبي ، دبي ، الشارقة ، رأس الخيمة، عجمان ، الفجيرة ، وأم القوين  0 وهذا يعطينا مثال بأن فكرة الاتحاد والتحالف ما بين دول الخليج ، سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، عن الطريق القوى الأجنبية موجودة من القرن التاسع عشر ، وتطورت الفكرة ووصلت إلى قمة نضجها ، في العقد السادس من القرن العشرين ميلادي ، من خلال بريطانيا ، ولكن للأسف لم ينتج عنه إلا اتحاد الإمارات العربية 0

 أما بالنسبة لبريطانيا في المنطقة ، رغم محاولتها لوضع سيناريو استراتيجي لأمن منطقة الخليج العربي ، إلا أنها أثبتت فشلها في احتواء الكثير من الأزمات الإقليمية والقومية قبل تفاقمها ، والأمثلة على ذلك كثيرة منها : 1 الشعور العربي الإسلامي الدائم بأن المتسبب الأول في ضياع فلسطين هو بريطانيا 0 2 بروز المد القومي العربي 0 3 فشل العدوان الثلاثي على مصر 0 4 انهيار حلف بغداد 0 5 أحداث اليمن 0 6 الثورة الظفارية في عمان 0

 أما أسباب خروج بريطانيا من المنطقة من ناحية عالمية يعود إلى : 1 من الناحية الجيوبوليتيكية أنتهى دور الدول النووية  مثل بريطانيا  بسبب نضج القوميات في المستعمرات كما ذكرنا سلفاً ، وبدأ بروز دور الدول القارية مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق 0 2 ضغوط حزب العمال البريطاني على حكومته بالانسحاب 0 3 التدهور الاقتصادي الذي أصاب بريطانيا وشروط صندوق النقد الدولي بتخفيض العملة 0 4 ميزانية التقشف الحادة في بريطانيا أواخر الستينيات 0

 وطبعاً هنا لاستيعاب الانسحاب البريطاني من الخليج كان لابد من وجود قوة عالمية حليفة لملء الفراغ الذي سوف تتركه بريطانيا في المنطقة ، والمرشح الوحيد لهذا الدور هو الولايات المتحدة الأمريكية لما لها من مصالح اقتصادية واستراتيجية في منطقة الخليج العربي، ولكن الولايات المتحدة في هذه الفترة لا تريد الدخول المباشر في شئون الدول الأخرى ، وذلك بسبب الضغوط التي تتعرض لها الحكومة الأمريكية من الكونغرس بسبب الفشل الأمريكي الذريع في فيتنام ، وتبنى الكونغرس قرار الحد من صلاحيات الرئيس في أرسال قوات أمريكية للقتال خارج الأرض الأمريكية دون الموافقة المسبقة الكونغرس 0 وبالتالي لجأت الولايات المتحدة في سياستها مع الخليج على إنشاء قاعدة خليجية محلية تستطيع أن تحمي نفسها بنفسها ، وذلك من خلال مبدأ العمودين المتساندين ، وذلك بقيام تنسيق ما بين الحليفين الاستراتيجين للولايات المتحدة والمتمثلتين في المملكة العربية السعودية من ناحية وإيران من ناحية أخرى 0 والمقصود هنا هو صد أي هجوم شيوعي من دول الشمال المركزي 0

 وفي عام 1976م كان هناك مشروع امريكي لقيام منظومة خليجية تضم جميع الدول المطلة على الخليج بما فيها إيران والعراق ، تكون مسئولة عن أمن واستقرار المنطقة 0 ولكن جميع التصورات الأمريكية للمنطقة تأثرت بشكل متطرف بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في أواخر السبعينيات ، وأصبح الخليج منقسم إلى ثلاث إيديولوجيات متناحرة ممثلة بالثورة الراديكالية في إيران ونظام البعث العربي في العراق والأنظمة الملكية في دول الخليج العربية، ولوجود هذا التطرف أصبح من الصعب وجود أي تنسيق استراتيجي ما بين هذه الدول لمواجهة الخطر الشيوعي من الاتحاد السوفيتي السابق ، بل الاسوأ من ذلك أصبحت كل دولة تحاول أن تحافظ على توازن معين حتى لا تلتهمها دول الجوار ، وبعد ذلك قامت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت فترة ثمانية سنوات ، وانتهت عام 1988م ، وشكلت هذه الحرب هزة إقليمية كاملة لجميع دول المنطقة من الناحية الاستراتيجية السياسية ، ومن الناحية الاقتصادية00 إلخ 0 وهذا يبرز لنا فشل مبدأ نيكسون في المنطقة ، ولم يبقى لها إلا مبدأ كارتر الذي ينص على قوات التدخل السريع ، وتعدد الخيارات ، أي انضمام باكستان للنظام الإقليمي الخليجي من الناحية الأمنية ، وإنشاء قواعد عسكرية في المنطقة ، وبالفعل نجحت بعض تصورات هذا المبدأ كما سنذكر لاحقاً 0

 وبالطبع ، لم تبق القوة المضادة للغرب مكتوفة الأيدي بالنسبة للتصورات الأمنية لمنطقة الخليج والمحيط الهندي بشكل عام ، فهناك بعض التصورات للمدرسة الشرقية المضادة للغرب ولكنها فشلت تقريباً بفشل النظام الشيوعي الاشتراكي بشكل عام منذ عام 1990م 0 ولكن التصور الأمريكي الحقيقي ربما نستطيع أن نستشفه من تصور المستشار الأمريكي الأسبق للأمن القومي بريجنسكي من قوله : ” إن منطقة الخليج تواجه تهديداً متصاعداً ناتجاً عن عدم قدرة أنظمتها المحلية الصمود أمام ضغوط التحديث من جهة ، ومواجهة تهديد الانبعاث الإسلامي من جهة أخرى ، وأضاف بأن على الولايات المتحدة خلق سيناريو كامل للاستقرار المطلوب ، وحماية مصالحها في المنطقة ” 0

 أما بالنسبة لأهم المبادرات التي قام بها زعماء الدول الخليجية ، إنشاء مجلس التعاون الخليجي ، وإن كان الكثير من النقاد يعلقون قيام المجلس بسبب وجود الهزات الأمنية في المنطقة وخاصة بروزها بشكل واضح في عام 1981م ، وهي نفس السنة التي انشئ فيها المجلس ، ومن هذه الأحداث : 1 الثورة الإيرانية وسياسة تصدير الثورة 0 2 الغزو السوفيتي لأفغانستان 0 3 الحرب العراقية الإيرانية 0

 وعموماً كما ذكرت في دراسة سابقة بأن المنظمات الإقليمية والدولية لابد من وجود محور أساسي لنشأتها ، ومن ثم نفس المنظمات تقوم بأدواراً أخرى ، وهو ما لم نلمسه من مجلس التعاون لا من ناحية المحور الأساسي ، ولا المحاور الأخرى كما سنذكر لاحقاً 0 وعموماً جرى العرف على تقسيم الدول من ناحية سكانية ومساحية إلى دول عملاقة ، ودول كبيرة ، ودول متوسطة ، ودول صغيرة ، ودول صغيرة جداً 0 ولو قمنا بتقسيم دول المجلس على هذا الأساس لوجدنا أن معظمها يتمرجح ما بين صغير وصغيرة جداً 0 إذاً الدراسة التي عرضها مركز الدراسات الاستراتيجية في النرويج بالنسبة للدول الصغيرة ممكن أن تكون من الخيارات الأمنية الممكنة لاستمرارها كمؤسسات سياسية : 1 أن تنأى بنفسها عن الصراعات القائمة مع الاعتماد على قوتها الذاتية ، وهذا مستحيل بالنسبة لدول الخليج لأنها تمثل مطمعاً لعدة أسباب منها قلة عدد السكان وخاصة عندما تعتمد كلاً منها على إمكاناتها البشرية والذاتية ، وجود الاحتياطي الهايدروكاربوني الكبير ، والموقع الاستراتيجي ، وعدم استيعاب جميع شرائحها الاجتماعية للمساهمة في التنمية وخاصة المؤهلين منهم 0 2 أن تتحد الدول الصغيرة اتحاداً فيدرالياً أو كونفدرالياً ، وهذا يمكن أن نلحظه من خلال تشكيل اتحاد الإمارات العربية عام 1968م ، ولكنه فشل نوعاً ما لضم جميع الدول العشر الصغيرة في منظومة واحدة كما كان متصوراً لها منذ عام 1853م بأنها لا تستطيع أن تعتمد على قدراتها الذاتية منفردة  ، كما ذكرنا سلفاً 0 3 أن تنسق الدول الصغيرة مع دول إقليمية كبيرة قوية ، وهذا أثبت فشله من خلال محاولة التنسيق ما بين دول الخليج الصغيرة والدول الخليجية الكبيرة ، وربما اسوأها احتلال العراق للكويت عام 1990م 0 4 أن تغذي الصراع بين القوى الإقليمية لكي تنشغل عنها ، وهذه الاتهامات وجهت بعنف لدول المجلس خلال الحرب العراقية الإيرانية، ولكن في الحقيقة الصراع الإيراني العراقي هو صراع أيديولوجي وتاريخي أيضاً ، وموجود حتى قبل أن يكون لدول المجلس كيانات سياسية مستقلة 0 6 أن تتحالف مع دولة قوية من خارج المنطقة التي تنتمي إليها ، وهذا ما يحدث بالفعل لجميع دول المنطقة ، وإن كان قبل احتلال الكويت ، كان هناك كتمان كبير على هذا الأمر ، أما الآن فأصبح هذا التحالف علني ، ووصل إلى تقديم التسهيلات والسماح بإنشاء قواعد عسكرية للدول الأجنبية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا 0 7 أن تتحالف الدول الصغيرة مع دول قوية داخل الإقليم ودول قوية خارج الإقليم ، وهذا ما نستطيع تطبيقه على دول المجلس الصغيرة بحيث تحاول بعضها بالمحافظة على علاقة قوية مع المملكة العربية السعودية التي تعتبر دولة قوية داخل الإقليم بالنسبة للدول الخليجية الصغيرة الأخرى ، وفي نفس الوقت تلجأ الدول الصغيرة إلى تحالفات خارج الخليج كما ذكرنا أعلاه 0

 وأحياناً تلعب الدول الصغيرة لعبة التوازن السياسي ، وهذا الدور رأى البعض بأن الكويت هي أفضل من لعبته من خلال العلاقة الإقليمية مع القوى الإقليمية الثلاث الكبرى ، ممثلة في المملكة العربية السعودية ، والعراق ، وإيران ، وهو يتم من خلال المحافظة على علاقة ممتازة مع الثلاث قوى ، وإن حاولت إحدى القوى فرض عليها نفوذها أو الضغط عليها مالت أكثر للقوتين المتبقيتين للاحتفاظ بالتوازن ، ونفس سياسة التوازن هذه اتهمت بها الكويت أيضاً من خلال علاقاتها العالمية من خلال محافظتها على توازن معين في علاقتها ما بين المعسكرين الغربي وعلى قمته الولايات المتحدة ، والشرقي وعلى قمته الاتحاد السوفيتي السابق 0

 وأيضاً للكويت دور ثالث في معادلة التوازن من خلال تقوية علاقاتها مع الدول الصغيرة في الإقليم وحثهم على تشكيل فرع من الاتحاد الفيدرالي أو الكونفيدرالي أو التحالف في مواجهة القوى الإقليمية الأخرى ، وعموماً لعبة التوازن هي من الألعاب التي تعطي الدول الصغيرة دور بارز في إقليميها السياسي ، ويمتد ذلك إلى أن يكون لها دور في مسرح السياسة العالمية ، ولكن هذه اللعبة كالخلطة السحرية التي متى ما اختل إحدى مركباتها ، تدفع الدولة ثمن ذلك غالياً 0 وفي الوقت الحاضر يتهم بعض المحللين قطر بأنها تحاول لعب نفس اللعبة 0

 وعموماً من خلال لعبة الشد والجذب في إقليم الخليج على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي لم يستطع المجلس الخليجي أن يقدم حلولاً مرضية لحل مشاكل دول المجلس الآتية : 1 مشكلة الحدود 0 2 المشاركة السياسية 0 3 العمالة الوافدة 0 4 عدم التنسيق فيما بينها في المنظمات الدولية 0 5 عدم وضوح صورة التنسيق الاقتصادي 0 6 تخوف البعض من إنشاء جيش موحد 0 7 عدم إعطاء ضمانات مرضية وكافية للمواطن الخليجي من حيث العمل والاستثمار والتنقل 0 8 وأخيراً لم نستطع أن نستشف من هذا المجلس بعد مرور ما يقارب عقدين من الزمن أي محاولة للتوجه نحو الفيدرالية أو الكونفيدرالية 00

 وحتى التنسيق الأمني ما بين دول المجلس لا توجد له صورة واضحة ، رغم كبر الانفاق العسكري في دول المجلس الذي يصل معدله إلى 24 مليار دولار ، كما هو في عام 1996م وتقابله ديون تصل إلى ما يزيد على 102 مليار دولار ، وعجز في موازنة دول المجلس يصل متوسطه إلى 25% ، ورغم هذا كله نلاحظ بأن دول المجلس معتمدة من الناحية الأمنية بشكل شبه كلي على الدول الأجنبية ، مع عدم مراعاة أي هزة في السياسة العالمية ، وفي عام 2000م وبسبب ارتفاع أسعار النفط يتوقع أن يصل الفائض في ميزانية دول مجلس التعاون إلى أكثر من 22% ، ولكن جل مخاوفنا تتركز على أن لا تصنع الدول المستهلكة للنفط سيناريو مضاد للدول المنتجة لكي تسحب فائض الميزانية ، وخاصةً إذا علمنا بأن أكثر من 25% من الطاقة النفطية تستهلكه الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الخليج بحيرة خاصة لبوارجها العسكرية 0 ودائماً يقال بأن مشكلة دول الخليج مشكلة سكانية وهي التي لا تعطي هذه الدول إمكانية لحماية نفسها ، وأنا اختلف اختلافاً كلياً مع من يقول ذلك ، وإنما مشكلة دول الخليج مشكلة تنظيمية وتخطيطية ، أما من الناحية السكانية فهي تبلغ 26 مليون نسمة، وحتى لو قلنا بأن سكان الخليج يبلغون 50% من إجمالي هذا العدد فسوف نجدهم بأنهم يصلون إلى 13 مليون نسمة ، وأكثر من نصفهم من الشباب  ذكور وإناث  أي مجموع الشباب لا يقلون 5ر6 مليون نسمة ، وهل يعقل بأننا لا نستطيع أن نجند ما يقارب 15% من هذا العدد وسوف يكون لدينا واحد مليون جندي حاملين للسلاح ، والباقين ممكن أن يخضعون لتجنيد اجباري لفترة زمنية محددة ، أي في النهاية يوجد عندنا ما يقارب من 5ر6 مليون نسمة جاهزين لحمل السلاح والدفاع عن أوطانهم 0

 وبالمقارنة مع إسرائيل سوف نجد عدد سكانها لا يزيد عن 6 مليون نسمة ، وتعتبر القوة الأولى في الشرق الأوسط 0 وربما يقفز هنا مجموعة من المفكرين ويقولون لا وجه للمقارنة ما بين مجلس التعاون وإسرائيل ، وسوف أقول لهم احترم رأيكم ، ولكن ماذا لو أجرينا مقارنة ما بين العراق عندما دخل الكويت في أغسطس 1990م ، وكان يومها عدد سكانه أقل من 18 مليون نسمة ، ويقابله عدد سكان دول المجلس الآن ما يزيد على 26 مليون نسمة ، وكان العراق يعتبر يوم دخوله الكويت رابع أكبر قوة في العالم ، ولكي يخرج من الكويت تم تحالف ما بين 40 دولة لإخراجه 0 وربما يقول البعض بأن هذا التحالف مظلة أمريكية لتعبئة الرأي العام العالمي ضد العراق ، ولكنني سوف أختلف معهم هذه المرة لأنه لاخراج العراق من الكويت في عام 1990م لم يكن أمام أمريكا إلا واحد من خيارين ، إما استخدام أسلحة غير تقليدية وهذا مرفوض تماماً على جميع المستويات ، أو إنشاء تحالف دولي ضد العراق ، أو أن يخوض الأمريكان حرباً لوحدهم وحتى لو حققوا فيها النصر ، ولكن سوف تكبدهم خسائر كبيرة0 إذاً النموذج العراقي ممكن أن يطبق على دول المجلس من الناحية العسكرية مع مراعاة ظروف كل إقليم ، ولماذا لا نكون صريحين مع أنفسنا ، فالعراق سخر شريحة كبيرة من موارده لقوته العسكرية وأخرج جيشاً قوياً قبل كارثة 1990م ، ونحن سخرنا معظم مواردنا وعائداتنا للتمويل العسكري ، وازداد ارتباطنا بالقوى الأجنبية للدفاع عنا 0

 وممكن أن اجتهد وأقول بأن المشكلة التنظيمية والتخطيطية التي تعاني منها دول المجلس هي عدم احترام العقول المؤهلة الموجودة لديها والتي انفقت عليها الدول الخليجية مليارات الدولارات ، فدائماً هذه الكفاءات تكون الحكومات تنظر إليها بعين من الشك والريبة ، أو تكون هناك فئة من الصفوة (Elite) تخاف على نفوذها من التقلص فتحاول أن تقفل جميع الأبواب أمام مفكرين الأمة بكل ما أوتيت من سلطان ، ولكن عزاؤنا الوحيد هو إتجاه بعض القيادات الخليجية في محاولة اعطاء الفرصة للمشاركة الشعبية ، وتشكيل مجالس منتخبة ، وهذا كله سوف يدعم خطط التنمية والأمن في المنطقة 0 وعموماً نرى من أفضل الدول الخليجية في المشاركة الشعبية هي الكويت بحيث بدأ منذ عام 1921م ، وشكل أول مجلس للأمة الكويتي عام 1963م وربما يهاجم البعض الكويت سابقاً ويقول بأن مجلس الأمة الكويتي لم يعط الحق للمرأة لا في الانتخاب ولا الترشيح ، ونرد عليهم بالسؤال هل اعطيتم الرجل حقه حتى تفكروا في حق المرأة ؟ وعموماً صدر أخيراً مرسوم من سمو أمير دولة الكويت سمح بمشاركة المرأة الكويتية في الانتخابات البرلمانية وأعضاء البرلمان الكويتي المنتخب شعبياً هم أنفسهم رفضوا ترشيح المرأة للبرلمان  0 ويوجد في سلطنة عمان مجلس شورى منتخب ، وفي الإمارات المجلس الوطني بالتعيين ، وفي السعودية أخيراً بعد حرب الخليج الثانية أسس مجلس شورى بالتعيين ، وفي البحرين المجلس الوطني نصفه بالانتخاب والنصف الآخر بالتعيين0 وعطل بمرسوم أميري منذ عام 1975م ، وفي سبتمبر 2000م ، أصدر سمو أمير دولة البحرين مرسوماً بتشكيل مجلس شوري بحريني بالتعيين ، ولكنه يحمل في طيه ظاهرة غريبة ولأول مرة تحدث في دول مجلس التعاون الخليجي بحيث من بين أعضاء المجلس عضوين أحدهما  مسيحي والآخر يهودي ، وسؤالنا هنا ، هل لو حدثت انتخابات حرة ونزيهة في دولة البحرين أن يصل أي مسيحي أو يهودي إلى مجلس شورى البحرين ؟ والإجابة سوف أتركها لكم 0 ومجلس الشورى القطري بالتعيين 0 وفي رأيي من الأعمدة الأساسية للتنمية في دول المجلس هو إنشاء مجالس تشريعية منتخبة على أن تكون هناك فرصة لجميع المواطنين للمشاركة فيها من ذكور وإناث ، مدنيين وعسكريين ، وجميع الفئات الاجتماعية بما فيهم أبناء الأسر الحاكمة في دول المجلس 0 ومن نفس المجلس المنتخب في كل دولة يقوم أعضاء هذا المجلس بترشيح خمسة أعضاء من مجلسهم للمشاركة في البرلمان الخليجي على شرط أن يتم التجديد لهم سنوياً أو استبدالهم من مجالسهم الأصلية ، ومن خلال هذا التوجه ممكن أن ننشئ نواة لمؤسسة خليجية واحدة 0

 وأخيراً مستقبل المنطقة مربوط بالسلام مع إسرائيل ، فإذا نجح السلام هناك خيار ، وإذا لم ينجح فهناك تصورات أخرى 0 عموماً بالنسبة للتصور الأول وهو نجاح السلام مع إسرائيل فسوف يلغي كل ما هو قومي أو ديني من ناحية تنظيمية وسوف يستبدل بمظلة الشرق أوسطية وسوف يفرض على جميع الدول في نظام الشرق أوسطية تطبيق الديمقراطية وإنشاء مجالس تشريعية منتخبة ومن يرفض ذلك سوف تجمد عضويته مثل ما يحدث بالنسبة لدول الكمنولث Commonwealth 0 ولكن هناك خوف من التلاعب بالعملية الانتخابية من خلال دعم بعض الفئات معنوياً ومادياً من بعض الجهات المتنفذة ، أو العمل على إحياء التناحر الفكري ما بين الناخبين الذين غالباً يمثلون المدارس الفكرية المختلفة 0 وفي النهاية سوف يكون ذلك ضياع الهدف الأساسي من العملية الانتخابية وهو تحقيق التنمية الشاملة ورفاهية وأمن المجتمع 0

 أما السيناريو التالي لو فشلت عملية السلام والدول لم تعد سيناريو بديل لفشل هذه العملية فذلك سوف يعيد الكرة مرة أخرى في ملعب المدارس القومية والدينية وخاصة الرايديكالية ، وسوف يخلق نوع من المواجهة الغير مستحبة ما بين الحكومات والمدارس الرايديكالية وهي في الخليج وصلت الآن إلى أكثر من ستة مدارس وجميعها تنتظر الفرصة السانحة لكي يكون لها دور في المشاركة بشكل عام ، وربما يطالب بعضها بالتغيير 0

 ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا بأن مؤسسات دول مجلس التعاون يمكن أن يكون لديها في مطبخها السياسي السيناريوهات البديلة لكل مرحلة 0 وإن لم نشاهد على أرض الواقع أياً من السيناريوهات البديلة في مواجهة الأزمات السابقة 0

 ولا نقول وداعاً بل إلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه تعالى 0

  قائمة المراجع

1-  د0 فهد بن عبد الرحمن آل ثاني ، دراسات في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا ، عمان ، دار وائل للنشر ، 2000م 0
2- Al-Thani, F., The Spatial Impact of the Hydro Carbon Industry on Land and Sea Use in Qatar. Ph.D Thesis, Durham University, 1992.
3- د0 محمد متولي ، حوض الخليج العربي ، الجزء الأول ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة 0
4- د0 محمد متولي ، معرض الخليج العربي ، الجزء الثاني ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1981م 0
5- محمد حسن محمد الجابر، الجغرافية البشرية لقطر ، ماجستير، جامعة القاهرة،1977م0
6- د0 محمد حسن العيدروس ، الأمن السياسي لدول مجلس التعاون ، دار المتنبي للطباعة والنشر ، جامعة الإمارات العربية المتحدة ، الطبعة الأولى 0
7- د0 عبد الخالق عبد اللّه ، النظام الإقليمي الخليجي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1998م 0
8- د0 أحمد زكريا الشلق ، تطور العلاقات السياسية بين قطر وبريطانيا 1916 – 1935م، جامعة عين شمس ، مركز بحوث الشرق الأوسط 0
9- د0 حسن حمدان العلكيم ، الأمن والاستقرار في منطقة الخليج – دراسة استشرافية ، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية ، رأس الخيمة ، العدد 3 ، يناير 1999م 0
10- عبد العزيز محمد المنصور ، التطور السياسي لقطر ، 1868 – 1916م  رسالة ماجستير  0
11- عبد العزيز محمد المنصور ، التطور السياسي لقطر 1916م – 1949م ،  رسالة دكتوراه  ، منشورات ذات السلاسل ، الطبعة الأولى ، 1979م.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *