الخليج العربي رؤى للمستقبل

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

 هذا العنوان لندوة شاركنا فيها مع كوكبة من المفكرين الكرام من الخليج العربي والعالم العربي وآخرين في أبريل 2000م ، وكان صاحب التنظيم والدعوة لهذه الندوة المغفور له إنشاء اللّه الشهم تريم عمران رئيس إدارة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر ، الشارقة ، دولة الإمارات 0

 وكان لنا تعقيب على الدراسة المميزة التي قدمها الزميل د0 غانم النجار من مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية ، جامعة الكويت  راجع مطر وآخرون ، الخليج العربي ، الشارقة، دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر 2001م ، ص 56 – 60  0

 وكان تعقيبنا على هذا الموضوع كالتالي :

 قام د0 غانم النجار بمجهود يشكر عليه في هذه الدراسة ، وذلك من خلال الفكرة وجمع المعلومة ، واستخدامه لمنهج التحليل الوضعي ، وتسلسل الأفكار في عرض الموضوع 0

 وقد ركز على ثلاثة محاور رئيسية :

1- المؤثرات والإصلاح السياسي 0
2- دول مجلس التعاون الخليجي والحالة الراهنة 0
3- التحديات السياسية التي تواجه دول المجلس 0

 ولا أستطيع أن أنكر أن المحاضر أسقط ضوءاً قوياً على المحاور الرئيسية في النقاش بطريقة مقتضبة ، لكني أعتقد أنه في موضوع قوي كهذا ، كان من الأجدر به أن يتطرق لوضع سيناريوهات عدة كحلول لهذه القضية ، متضمناً درجة من الترجيح لكل حل وآخر ، كأن يعتبر السيناريو الأول هو الأفضل ، ثم يأتي الثاني في الأهمية00 وهكذا 0

 في رأيي توجد مجموعة من العناصر يفترض أن نقوم بتحليلها في دول مجلس التعاون الخليجي قبل أن نصدر الحكم على أي جهة ونحملها مسؤولية التخلف الاجتماعي والإداري والاقتصادي في دول المجلس ، ومن أهم هذه العناصر ما يلي :

1- الأسر الحاكمة 0
2- القبيلة 0
3- المجتمع 0
4- منهجية الإصلاح 0
5- العقد الاجتماعي 0
6- البعد الديني 0
7- الإنسان 0

أولاً : الأسر الحاكمة :

 ما أريد قوله إن هذه الأسر الحاكمة الموجودة في دول الخليج العربي لم تهاجر من هندوراس أو كولومبيا إلى غرب آسيا ، مثل هجرة الشعوب الآرية إلى أمريكا ، والتي استطاعت أن تنشئ إمبراطورية لها هناك ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية  القطب الأوحد في العالم المعاصر  0

 ولكن هذه الأسر الخليجية الحاكمة هي جزء لا يتجزأ من الأسر العربية الخليجية العريقة في هذه المنطقة ، وأصولها تنحدر إلى آلاف السنين ، أي بمعنى آخر لو تفحصنا الجانب العضوي للتربة الخليجية لوجدنا أن بعضها تكون من الأشلاء المتحللة من أسلافهم ، ويشاركهم في ذلك أسلاف باقي الخليجيين 0 إذاً عندما تثار الأسئلة عن الحاكم ، فمرجعية الحاكم الأسرة الحاكمة ، ومرجعية الأسرة الحاكمة التحالفات القبلية والشعبية في المجتمع من خلال المصالح المشتركة المختلفة مثل : النسب ، والعلاقات الشخصية ، والتجارة ، وزمالة العمل ، والانتماء الفكري والمادي للمؤسسات الاجتماعية المختلفة مثل : الأندية الرياضية ، والثقافية ، والمشاركة حتى في الفكر الأيديولوجي 0 إذاً المقصود هنا أننا لا نستطيع أن نفصل الحاكم ، والأسرة الحاكمة ، والقبيلة ، والمجتمع ، عن بعضهم بعضا ، ولكننا لا ننكر وجود بعض السلبيات التي سوف نتطرق لها في آخر هذا التعليق 0

ثانياً : القبيلة :

 القبيلة هي السمة السائدة في المجتمعات القديمة ، وإن بدأ دور القبيلة يتحلل ويذوب تدريجياً تحت مفهوم المجتمع المدني الذي هو أصلاً موضع خلاف بين الفلسفات السياسية المختلفة ، ولا ننكر أن دور القبيلة انتهى تقريباً في الدول المتقدمة في أوربا الغربية والدول الاسكندنافية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان 0 ولكن الوضع المميز للقبيلة مازال مترسخاً في أفريقيا الزنجية والجزيرة العربية وإيران والعراق وأواسط آسيا وأجزاء من شبه القارة الهندية 0

 من هذا المنطلق عندما نتكلم عن دول مجلس التعاون الخليجي نجد أن القبيلة تشكل لبنات رئيسية في المجتمع الخليجي ، بما لها من دور حيوي في حفظ التوازن في المجتمع السياسي ، من خلال التحالفات المختلفة بين الأسر الحاكمة والقبائل الخليجية ، وهذا أعطى الطرفين قوة ناتجة عن التبادل المشترك لخلق واصطناع قوة متكاملة لنشأة الدولة الخليجية ، والتي بدونها من المستحيل أن تنشأ الدولة ، لأن قيام الدولة يحتاج إلى سلطة وأرض وشعب ، وبعد ذلك تأتي العناصر الأخرى مثل الموارد الاقتصادية والتنظيم 0

 ونحن لا نستطيع أن ننكر أن هذا الأمر خلق بعض السلبيات ، ولكن كانت له أيضاً إيجابيات كثيرة ، وربما يكون من سلبياته استغلال بعض أفراد الأسر الحاكمة أو أفراد بعض القبائل الوضع المصطنع لابتزاز موارد المجتمع ، واستغلال الفئات نفسها أوضاعها للاستحواذ على مراكز القوى فيه ، وهذه السيطرة المالية والوظيفية تؤدي إلى التذمر في بعض الفئات الاجتماعية إن لم يكن كلها 0

 أما عن رأي بعض المفكرين في أن الحكام وأسرهم هم المستحوذون على كل الكعكة الخليجية ، فنرد عليهم ونقول : نعم الكعكة الخليجية يستفيد منها الحكام والأسر الحاكمة ، وكذلك نسبة كبيرة من الشرائح القبلية والبرجوازية والاجتماعية ، بل إن بعض هذه الشرائح القبلية والبورجوازية أصبح وضعها أفضل بعشرات المرات من بعض أفراد الأسر الحاكمة الخليجية 0 وربما يرجع البعض ويقول إن هذا وضع مصطنع ، ونحن لا ننكر ذلك ، ولكن نود أن نقول إن الحبل يفرط عن الغارب كثيراً ، ولكن يبقى هؤلاء الزعماء يتظاهرون بأن أصول اللعبة مازالت في أيديهم 0

ثالثاً : المجتمع :

 ينقسم المجتمع إلى مجتمعين كما يرى بعض فقهاء القانون والسياسة ، مجتمع سياسي ومجتمع غير سياسي ، لكن هذه الصور غير واضحة بحذافيرها في المجتمع الخليجي لأنه سياسياً مازال يشكل خلطة من الهوية الثيوقراطية والديمقراطية والعائلية في السلطة 0 الجانب الديني الإسلامي كذلك أعطى المجتمع أسلوباً نسقياً غريباً جداً نادراً ما يوجد في العالم ، وذلك بسبب التقارب الحضاري بين المواطنين الخليجيين ، فنجد أبناء الأسرة الحاكمة وأبناء القبيلة وأبناء العوائل الخليجية المختلفة وحتى المغتربين وخاصة العرب منهم عندما يجتمعون في مكان عمل واحد يكون بينهم تناسق وتناغم وذوبان وظيفي غريب جداً ، ونادراً ما يحصل ذلك في العالم وهو موجود في الخليج بالفعل ، ولا ينهار هذا التناغم إلا عند تدخل الأيدي الخفية للسلطة في ذلك ، مع ملاحظة أن هذه الأيدي الخفية ليست غالباً هي الرموز الرئيسية للسلطة ، وإنما تكون من المستحوذين على مراكز القوى وذلك يمكنها من خلق اهتزاز دائم للسلطة ، مما يجعل السلطة تتشبث بها للاحتفاظ بالتوازن 0

 إذاً نحن هنا نوصي الأنظمة الخليجية بالاقتراب أكثر من شعوبها ، وإتاحة الفرصة لأبنائها المميزين ، والاستمرار في تغيير الدماء والوجوه لأن ذلك يعطي الناس دائماً شيئاً من التفاؤل بالمستقبل ، وعلى الأنظمة نفسها أن تطبق مبدأ الثواب والعقاب0 ولن يتم ذلك إلا من خلال منهج سنذكره لاحقاً 0

رابعاً : منهجية الإصلاح :

 نقصد هنا أنه على الدول الخليجية أن تتجه إلى ثورة إصلاحية في جميع السلطات التنفيذية والفضائية والتشريعية ، وذلك لن يتحقق إلا من خلال مشاركة شعبية شاملة 0 ولكن لكي يتم التلاقي لابد للطرفين من تقديم تنازلات مثل مطالبة بعض المفكرين النظام الخليجي أن يتنازل عن سلطته ، ولو حدث ذلك لوقعت فتنة لا تحمد عقباها ، والمهتمون بهذا الموضوع يمكنهم الرجوع لمقالتنا المنشورة في صحيفة الراية القطرية يوم 3/3/2001م تحت عنوان ” فلسفة النظم ”  فالفاروق عمر بن الخطاب – رضي اللّه عنه – استطاع أن يبقي التوازن السياسي وذلك أعطاه القوة لإبقاء الدولة ، وعلي بن أبي طالب – كرم اللّه وجهه – لم يستطع أن يحافظ على التوازن وفاوض في السلطة مما أدى إلى انهيار الدولة  0 إذاً لابد لنا من تطوير نموذج إصلاحي خليجي يرضي جميع أطراف اللعبة ، وفي الوقت نفسه يساعد على إبقاء البيت الخليجي ملتحماً ومعافى 0

خامساً : العقد الاجتماعي :

 العقد الاجتماعي هو الوثيقة الدستورية الموقعة بين الحاكم والمحكوم 0 وهذا العقد يجب أن يشتمل على حقوق وواجبات كل طرف في الدولة ، والذي يهمنا في هذا المحور أن يكون هناك تناسق ما بين الإمارات الخليجية جميعها ، وأقصد هنا الكويت ومملكة البحرين وقطر بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ، وذلك لإنشاء دساتير محلية مشابهة لبعضها بعضاً مع احتفاظ كل إمارة بخصوصيتها في العقد 0 وبعد ذلك ننتقل لهدفنا الأسمى وهو عمل دستور فيدرالي خليجي لجميع الإمارات المذكورة أعلاه ، على أن يصيغ هذا الدستور حكام الإمارات الخليجية ، مع كوكبة خليجية متساوية في النسب من جميع الإمارات الخليجية ، ويمكن للحكام أن يختاروا هذه الكوكبة شريطة أن يكون مصدرهم الأصلي مجالس تشريعية منتخبة شعبياً على المستوى المحلي في كل إمارة 0

سادساً : البعد الديني :

 أعتقد أنه في أي تصور لأي نموذج سياسي خليجي مستقبلي من دون أن نخلق تجانساً كاملاً بين متطلباتنا الدنيوية وديننا الإسلامي ، فإننا سوف نفتح على أنفسنا الكثير من الكوارث ، وأعتقد أن مهمة المدارس الإسلامية الوسطية في هذه المرحلة ضرورية بشكل كبير ، وذلك لإنقاذ الموقف الخليجي من الانهيار 0

سابعاً : الإنسان :

 الإنسان الخليجي هو أساس كل ما ذكرناه سابقاً ، ولكن هناك فجوة فكرية فعلية بين الإنسان الخليجي والفكر الخليجي وأعتقد أن هذا العنصر من العناصر الحتمية لتطوير أي مجتمع في العالم ، أي لابد من وجود التقاء بين المفكر الخليجي والمخطط الخليجي والإنسان الخليجي ، وعلى أن يبدأ ذلك من القاعدة ، عبر التثقيف الوطني للأطفال والتلامذة في المدارس والأندية ، ولكي يطور هامشاً كبيراً من الحس الوطني للنشء من خلال وسائل التسلية والإلعاب ، وذلك سيسهل الالتقاء بين القاعدة الخليجية والمفكرين الخليجيين ، أما إذا بقينا على الوضع الراهن فذلك سوف يؤدي إلى خلق فجوة ثقافية بين المفكرين والمواطنين ، ولن يبقى بعد ذلك للمفكرين سوى التفاخر بعدد الكتب المنتجة والبحوث المنشورة والندوات التي شاركوا فيها والترقيات الأكاديمية التي حصلوا عليها ، والتي لن يستفيدوا منها سوى الشهرة من دون أي دور فعلي للنهوض بالمجتمع ، ونحن لا نفكر في الشهرة على حساب الآخرين ، قدر ما نفكر بإيصال مجهودنا لإسعاد ورفاهية البشرية 0

الخاتمـــة :

 ربما تجدون أننا قد ركزنا على التعليق على الدراسة المميزة للزميل د0 غانم النجار والتي بدورها تركز على محور المستقبل السياسي الخليجي ، رغم أن المحاور الأخرى لا تقل عنها من حيث الأهمية كالمحورين الاجتماعي والاقتصادي ، والعلاقات الخليجية – الخليجية ، والعلاقات الخليجية – العربية ، والنظرة المستقبلية للخليج بشكل عام 0

 ولكن من دون إيجاد آلية عمل للمحور الأول وهو المستقبل السياسي الخليجي تبقى المحاور الأخرى مجرد أفكار طوباوية مقفول عليها في الأدراج ، أي بمعنى آخر إذا أردنا أن نضع حلولاً ناجحة لأوضاعنا الأمنية والاقتصادية ومشكلة الخلل السكاني الخليجي ، وعلاقتنا المحلية والإقليمية والعالمية ، لابد لنا من إصلاحات سياسية حقيقية خالية من التشنجات من جميع الأطراف سواء كانوا حكاماً أو محكومين 0

 وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *