هل التنظيم الدولي يواكب القرن الواحد والعشرون ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/9/2004

المفهوم الحديث للسياسة الدولية برز بعد نهاية حرب الثلاثين عام في أوربا ، وذلك منذ صلح وستفاليا عام 1948م ، وهو من خلال – احترام سيادة الدول ، ومبدأ المساواة ، ومفهوم التوازن الأمني ( سليم ، ص 60 ) 0

وانهار هذا المفهوم ، بعد هزيمة نابليون الثانية ، وفي عام 1815م ، أصبح هناك تنظيم جديد للعلاقات الدولية ، وذلك من خلال مؤتمر فيينا ، عندما اجتمعت الدول المتحالفة آنذاك – بريطانيا وروسيا والنمسا وبروسيا ، لوضع أسس التسوية في أوربا0

والمرحلة الثالثة خضع التنظيم الدولي للتعديل ، وذلك بناءً على نتائج حرب القرم 1856 / 1871م ( سليم ، ص 109 ) 0

والمرحلة الرابعة للسياسة الدولية وذلك من خلال المرحلة البسماركية عام 1871/ 1890م ( سليم ، ص 189 ) 0

والمرحلة الخامسة للسياسة الدولية منذ سقوط بسمارك حتى الحرب العالمية الأولى ( سليم ، ص 189 ) 0

وبعد الحرب العالمية الأولى كانت هناك منادات فردية ، تلتها منادات حكومية لتشكيل تنظيم دولي ليحمي البشرية من وقوع كارثة مثل الحرب العالمية الأولى – وكان مهام العصبة ضمان السلم العالمي ومنع الحروب ، وتنظيم التعاون الدولي ، وتوثيق عراه ( سليم ، ص 113 ) 0

وأنشأ هذا التنظيم عام 1919م وانتهت شخصيتها الاعتبارية عام 1939م والأسباب هي –

1/ عدم انضمام جميع الدول الكبرى والمقصود الولايات المتحدة ، بالرغم من إنها من ضمن المؤسسين حسب النظرية الويلسونية 0 وهو ما يحدث الآن بالنسبة للأمم المتحدة بحيث هناك بعض الأصوات الأوربية تنادي فرنسا وروسيا وألمانيا ، والأتحاد الأوربي وروسيا الاتحادية بإعادة تشكيل التنظيم الدولي بسبب الانتهاكات الأمريكية المستمرة له 0

2/ الطابع الأوربي الذي غلب على العصبة ، وخاصةً أنه كان مسيطر عليها الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى 0 وذلك نفس الطابع الذي يسيطر على الأمم المتحدة الآن ، وذلك من خلال عدم اعطاء الهند واليابان وألمانيا مقاعد دائمة في مجلس الأمن 0

3/ ترد العصبة في إتخاذ المواقف الحازمة عند الملمات وذلك يمثل الغزو السوفيتي لفنلندا ، وسقطت عضوية الدولتين ، واعتداء اليابان على الصين ، والاستراتيجية التي لعبها الفاشيين في ايطاليا عندما سمح الألمان النازيين باحتلال الحبشة مقابل مباركة الايطاليين احتلال ألمانيا لكل – من التشيك والنمسا ، وذلك لا يعني نهاية العصبة فقط ، بل بداية إضاءة أول شعلة للحرب العالمية الثانية 0 ولو لاحظنا نفس هذه الانتهاكات تقوم بها الولايات المتحدة الآن ، عندما غزت كوسوفو دون تفويض أممي ، وتلى ذلك حديثاً غزو العراق دون أي تفويض من مجلس الأمن 0

4/ احتواء ميثاق العصبة على عيوب كثيرة شلت حركة المنظمة العالمية وقضت على الكثير من إمكاناتها ، ولعل أشهر العيوب التصويت الجماعي لإصدار القرارات في المسائل المهمة 0 وذلك يختلف مع آلية إتخاذ القرار في الأمم المتحدة ، حيث أن التصويت في الجمعية العمومية بالأغلبية الموصوفة الثلثين ، أو بالأغلبية النسبية أكثر من 50% ، أما في مجلس الأمن فالتصويت في المسائل الإجرائية بأغلبية تسعة أعضاء ، أما في المسائل الموضوعية بأغلبية (9) على أن يكون فيما بينهم الخمسة أعضاء الدائمي العضوية في مجلس الأمن ( تنظيم ص 120 ) 0

نشأة هيئة الأمم المتحدة

تعتبر الأمم المتحدة الوريث الشرعي لعصبة الأمم ، وتم إنشائها عام 26 يونيو 1945م 0 ومن قراءة ميثاق الأمم المتحدة نلاحظ التالي ؛ إنه يشتمل على المبادئ التالية – (1) حفظ السلم والأمن الدوليين (2) تنمية العلاقات بين الدول على أساس المساواة في الحقوق ( تنظيم ص 132 ، 133 ) 0 أما مبادئ الميثاق فمنها – (1) قيام هيئة الأمم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها (2) امتناع الأعضاء عن استعمال القوة والتهديد باستعمالها (3) عدم تدخل هيئة الأمم في الشئون الداخلية للدول الأعضاء 0 ( حاول تراجع الآن مدى التزام الولايات المتحدة بهذه المبادئ ) ( تنظيم ص 136 ، 138 ، 140 ) 0

وأعتقد أن الذي يهمنا في هذا الموضوع هو آلية تنفيذ تطبيق الأمم المتحدة للعقوبات القسرية ، ونجد بأن الميثاق أفرد الفصل السابع للعقوبات القسرية ( المواد 39 / 51 ) ( تنظيم ص 163 ) 0 فنجد مواد العقوبات تطبق بطريقة تدريجية –

1/ المادة (39) – إن مجلس الأمن يقرر أن ما وقع هو تهديد للسلم ، أو إخلال به ، أو هو عمل من أعمال العدوان ويقدم في ذلك توصياته 0

2/ المادة (41) – تنص على أن لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب إتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته ، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير 0 ويجوز أن يكون من بينها وقف العلاقات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها وقفاً جزئياً أو كلياً ، وكذلك قطع العلاقات الدبلوماسية 0

3/ المادة (42) – تنص على أنه يجوز للمجلس ، إذا رأى أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض ، أو إذا ثبت أنها لم تف به ، أن يتخذ بواسطة القوات الجوية والبحرية والبرية أي عمل يراه ضرورياً كحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادتهما إلى نصابهما 0 ويجوز أن يشتمل هذا العمل على الاستعراضات وتدابير الحصار والعمليات الأخرى التي تقوم بها القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة 0

ونلاحظ هنا أن العقوبات القسرية لا تُنزل بالدول بسبب خرقها للالتزامات التي نص عليها الميثاق الأممي ، بل بسبب قيامها بأعمال عدوانية ، أو بأعمال تهدد السلم أو تخل به ( سنحاول تعريف ذلك لاحقاً ) 0

4/ المادة (43) – على أعضاء الأمم المتحدة أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن ، بناء على طلبه ، وطبقاً لاتفاقات خاصة ، ما يلزم للقوات المسلحة من المساعدات والتسهيلات ومنها حق المرور لحفظ السلم والأمن الدوليين 0

5/ المادة (45) – على أعضاء الأمم المتحدة ، تمكين المنظمة من إتخاذ التدابير الحربية العاجلة ، وتشكل لجنة أركان حرب من رؤوساء أركان الحرب في الدول الخمس الكبار 0

الخمسة بنود التي ذكرناها أعلاه نرجو أن تتفقوا مع واحدة منها تشرع اعتداء الولايات المتحدة على العراق ، أو التهديد الدائم للولايات المتحدة لكلُ من إيران وسوريا  0

فروع الأمم المتحدة

تضم الأمم المتحدة ستة فروع هي الجمعية العمومية ، ومجلس الأمن ، والمجلس الاقتصادي ، ومجلس الوصاية ، ومحكمة العدل الدولية ، والأمانة العامة 0 وذلك يختلف عن فروع عصبة الأمم حيث كانت ثلاثة فقط 0 ويرى الفقهاء بأنه من الممكن أن نعتبر الجمعية العمومية برلمان عالمي ، والدليل على ذلك بأن الخصائص الدستورية أوكلت إلى الجمعية العمومية – وهي بعد أن يقترح ثلثي أعضاء الجمعية وموافقة تسعة من أعضاء مجلس الأمن ، أن توصي بتعديل أحكام الميثاق ، أو أن تجمع مؤتمراً لإجراء هذا التعديل ، على أن التعديلات لا تصبح نافذة إلا بعد تصديق ثلثي أعضاء الهيئة بما فيهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن ( تنظيم ص 175 ، 176 ) 0

مجلس الأمن –

من الممكن اعتباره الجهاز التنفيذي ، ويتكون مجلس الأمن من (15) عضواً منهم خمسة دول دائمة ، ونلاحظ أن ذلك شبيه بعصبة الأمم حيث سيطر على العصبة الحلفاء المنتصرون ، فمجلس الأمن الأعضاء الخمسة الدائمون هم الحلفاء الرئيسيون المنتصرون على دول المحور ، ويشاركهم في ذلك الدول المتضررة من دول الحرب والدول هي – الولايات المتحدة الأمريكية ، وبريطانيا ، وفرنسا ، والاتحاد الروسي ، والصين)0 وتملك هذه الدول حق النقض وخاصة في القرارات الاستراتيجية التي نسميها بلغة القانون موضوعية ، واستخدمت جميع الدول الخمس حق النقض وأكثر من استخدمه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ، وإن كان ذلك يهز كيان مجلس الأمن مما ينعكس على التنظيم الدولي ، ولكن بسبب وجود توازن الرعب النووي ما بين القطبين آنذاك الأمريكي والسوفيتي فكان خيار الابقاء على التنظيم الدولي كمجلس سياسي واستراتيجي للقاء ما بينهما خياراً استراتيجياً ، وذلك ربما يعتبر من العوامل المساهمة في إبقاء الأمم المتحدة في الفترة ما بين عام 1945 / 1990م إلى نهاية الحرب الباردة 0

أما الأعضاء العشرة الآخرون فيتم انتخابهم عن طريق الجمعية العامة لمدة عامين0 ويحرص على توزيعهم كما تنص اتفاقية الجنتلمان كالتالي – هو اتفاق عقد في لندن عام 1946م ، اقر قاعدة توزيع المقاعد غير الدائمة ( وكانت ستة قبل تعديل الميثاق ) ، بين المناطق الجغرافية التالية – مقعدان لأمريكا اللاتينية ، ومقعد لكلاً من- أوربا الشرقية ، والشرق الأدنى ، والكومنولث البريطاني 0 وفي عام 1973م قررت الجمعية العامة توزيع المقاعد غير الدائمة على الشكل التالي – خمسة مقاعد للدول الأفريقية والآسيوية ، ومقعدان لأمريكا اللاتينية ، ومقعدان لأوربا الغربية ، ومقعد لأوربا الشرقية 0 وتوجد ملاحظة يجب أن نثيرها بأن ميثاق الجنتلمان لا يطبق بدقة ، لقد أدخل عليه بعض التعديل بسبب المساومات والأحداث وزيادة عدد الدول 0 بل إن الدول أخذت في الآونة الأخيرة ، تتنصل منه أو تتنكر له 0 إن ليبيريا مثلاً انتخبت عام 1961م لتشغل المقعد المخصص لدول أوربا الغربية 0

المذكور أعلاه يعطينا إمكانية تعديل الميثاق ، لأن التعديلات الدستورية موجودة ما بين الجمعية العمومية ومجلس الأمن ، ومن الأمثلة على ذلك زيادة عدد أعضاء المجلس الغير دائمين من 6 إلى 10 دول ، وتعديل التوزيع الجغرافي للدول الغير دائمة العضوية في مجلس الأمن 0 ونذكر في مقولة مشهورة لبطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة وذكرتها في إحدى مقالاتي ( الراية العدد 7672 ) – ( إن الأمم المتحدة ما هي إلا أداة لخدمة السياسة الأمريكية ، تستخدمها عندما تحتاج إلى معالجة متعددة الأطراف ، وعندما لا تحتاج إليها تتصرف خارج إطار هذه المنظمة ) 0 ونلاحظ كوفي أنان الأمين العام الحالي للأمم المتحدة ، في سبتمبر 2003م في كلمته في افتتاح الجمعية العمومية – قدم دعوته إلى المجتمع الدولي لكي يبادر بصورة عاجلة إلى توسيع عضوية مجلس الأمن ، بحيث تصبح هيئة صنع القرار الدولي أكثر فاعلية ، وتعكس حقائق اليوم الجغرافية السياسية ( الخليج العدد 8894 ) 0

مجلس الوصاية –

وهو يعتبر الوريث الشرعي لمناطق الانتداب في عهد العصبة ، وغير اسمه لمجلس الوصاية مرتبطاً بوجود نظام آخر يتلاءم والأفكار والمبادئ التحررية التي نادت بها الأمم المتحدة 0 وهي كاونصت المادة 78 على أن نظام الوصاية لا يطبق على الأقاليم التي أصبحت أعضاء في هيئة الأمم المتحدة 0 ولذلك كان يفترض على أمريكا أن تحترمه قبل غزو العراق ، ولكن للأسف غزت أمريكا العراق دون تفويض من مجلس الأمن ، واحتلت العراق في 9/4/2003م ، وبعد ذلك عادت الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن واستصدرت القرار رقم 1483 الذي أعطى الاحتلال الأمريكي الشرعية في العراق 0 وهذا القرار يخالف نظام الوصاية الأممي ، لأنه قضى على وظائف وصلاحيات مجلس الوصاية لتالي –

1/ فحص التقارير التي ترفعها السلطة المفوضة بالإدارة 0
2/ قبول عرائض السكان وفحصها بالتشاور مع السلطة المفوضة 0
3/ تنظيم زيارات دورية للأقاليم المشمولة بالوصاية في أوقات يتفق عليها مع السلطة القائمة 0
4/ وضع مجموعة أسئلة عن مدى تقدم سكان إقليم الوصاية في الميادين الاقتصادية، والاجتماعية ، والسياسية ، والتعليمية 0

السؤال الذي يطرح نفسه ما هو التفسير القانوني الذي تمارسه الولايات المتحدة في العراق – هل هو احتلال استعماري جديد ؟ أو نظام وصاية معدل ؟ 0

ما يحدث في العراق الآن احتلال وليس نظام وصاية ، فآخر تصريح لكولن باول وزير الخارجية الأمريكي في 26/9/2003م قال – بأن أمريكا لن ترضخ للطلب الفرنسي ، وهو بتولي الأمم المتحدة المسؤولية عن الاحتلال الأمريكي في العراق 0 والأسوأ من ذلك يقول باول – ستحدد ستة أشهر للقادة العراقيين الذين يعملون تحت الاحتلال الأمريكي ( مجلس الحكم ) لصياغة دستور جديد للبلاد ( الشرق الأوسط العدد 9069) 0 في هذه الحالة رأينا هو بأن يصبح الدستور غير قانوني لأن لجنة الدستور يجب أن تنتخب بكل حرية ونزاهة بواسطة الشعب العراقي وليس بالتعيين الأمريكي مع كل الاحترام للجنة الحالية ، وحتى بعد أن تقوم اللجنة المنتخبة بإعداد الدستور يجب إجراء استفتاء شعبي عام على هذا الدستور ، وبعد ذلك تتشكل الدولة الجديدة ، وإذا تم إعداد الدستور بآلية اللجنة المنتخبة واجري عليها استفتاء دستوري وأقره أغلبية الشعب العراقي فيصبح ذلك دستور البلاد الشرعي ، ومن يخرج عليه بعمليات عنف ، فنستطيع أن نعتبر ذلك ارهاباً لأنه ضد الإرادة الشعبية ، أما ما يحدث الآن بتفويض مجلس الحكم المعين أمريكياً وتخضع قرارته لفيتو بريمر ( الحاكم الأمريكي للعراق ) بتشكيل دستور، فذلك غير شرعي ، وأي أعمال تنشأ الآن ، أو بعد عمل الدستور الصوري يعتبر مقاومة في القانون الدولي  0

ولكن يؤسفني أن أقول لكم بأن القرار الأمريكي هناك احتمال قوي لقبوله في مجلس الأمن ( طبعاً إذا نشرت هذه المقالة قبل صدور القرار ) 0 فأمريكا استطاعت أن تخترق محور باريس 00 برلين 00 روما 0 فآخر لقاء لشرودر المستشار الألماني مع الرئيس بوش في 24/9/2003م قال – ( انهما تجاوزا خلافاتها السابقة بشأن العراق واتفقا على العمل معاً من أجل استقراره ) ( الراية العدد 5579 ) 0 أما بوتين الرئيس الروسي قال – ( موقف روسيا واضح وثابت وحدها المشاركة المباشرة للأمم المتحدة في إعادة إعمار العراق تعطي شعبه فرصته لتحديد مستقبله بشكل مستقل 0 وكانت الملاحظة المباشرة على تعليق بوتين بأنه لم يشر إلى نقل فعلي للسيادة من التحالف الأمريكي البريطاني إلى سلطة عراقية ، مميزاً موقفه عن موقفي فرنسا وألمانيا ، اللتين كانتا مع موسكو أشد معارضي الحرب ( الشرق العدد 5580 ) 0 والاستراتيجية الأمريكية تسعى من خلالها لعزل فرنسا في الجمعية العامة ، وذلك سينعكس على مجلس الأمن0

فإذا وصل المجلس إلى هذا المستوى ، فهل ما زالت الأمم المتحدة تستطيع أن تحافظ على الأمن والسلم الدوليين ، والمساواة بين الدول في السيادة وتقرير المصير ؟0

اذكر في مقالة نشرت لنا في الراية العدد ( 7644 ) بتاريخ 12/4/2003م قلنا بأن ما قامت به أمريكا في العراق يعتبر انتهاكاً كاملاً للقانون الدولي وللتنظيم الدولي بشكل كلي وذلك لأنها لم تستخدم الطرق السلمية في النزاع ، والتهديد باستخدام القوة ، بل واستخدامها دون تفويض من مجلس الأمن 0 وكذلك استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة المحرمة دولياً كالقنابل العنقودية والانشطارية والقنابل التي تزن أكثر من سبعة أطنان من المتفجرات والقنابل المساحية 0

ومن الانتهاكات الأخرى التي قامت بها الولايات المتحدة للقانون الدولي العام هو التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، وضرب المناطق المدنية ، وتحطيم التراث الحضاري للأمم 0 وأنهيت هذه الفقرة قائلاً التصرف الأمريكي أعلاه اعلان وفاة للأمم المتحدة والقانون الدولي العام 0 وقلنا أيضاً – لابد من إعادة صياغة التنظيم الدولي والقانون الدولي العام 0 وما ذكرناه في أبريل 2003م ، قاله كوفي أنان في سبتمبر 2003م وبطريقة دبلوماسية 0

نعم أمريكا القطب العالمي الأوحد في القرن الواحد والعشرون –

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل أمريكا تستطيع إعادة صياغة العالم ؟ 0

الاستراتيجية الأمريكية قائمة على العولمة ، والعولمة تعريفها – العولمة تعني تحول العالم إلى سوق وقرية عالمية واحدة تنتقل فيها عناصر الانتاج دون قيود ( سليم ص 650 ) 0 وتسعى أمريكا لتطبيق هدفين في العالم العولمة الاقتصادية والليبرالية الثقافية وينتج عن ذلك نهاية سيادة الدول 0 كما قال فوكياما – أن المنظومة الفكرية والنظامية الرأسمالية الليبرالية ستسود تطور السياسة الدولية حتى نهاية التطور التاريخي حيث اثبتت هذه المنظومة بعد انهيار المنظومة الشمولية ، أنها الوحيدة القادرة على تحقيق التقدم الإنساني ( سليم ص 648 ) 0

ولكن لتحقيق ذلك لابد من عنصرين رئيسيين الأول إنهاء سيادة الدول ، ثانياً – الاختراق الثقافي للشعوب 0 وآخر دراسات لــ F.P أثبتت فشل هذين العنصرين فعدد يوليو وأغسطس لــ F.P. يقول بأن الولايات المتحدة في الفترة من عام ( 1898 / 2003م ) تدخلت في (16) دولة لتطبيق الديمقراطية ولم تنجح إلا في (4) دول فقط أي نسبة النجاح 25% فقط ، إذاً الاستراتيجية الأمريكية في تطبيق الديمقراطية فشلت 0 ثانياً النزعة القومية في تقرير F.P. مايو / يونيو ، هو بالفعل انخفض في دول مثل – فرنسا إلى 40% وبريطانيا 49% ، والولايات المتحدة نفسها إلى 72% ، ولكن مازالت النزعة القومية موجودة عند شعوب العالم النامي ، فنسبة النزعة القومية في إيران أكثر من 92% ، وفي مصر 81% ، وكلما يرتفع مؤشر الشعور القومي للشعوب ، كلما زادت النزعة القُطرية للشعوب ، ويزداد كذلك طردياً الجوانب الثقافية القُطرية مثل – الدين ، اللغة ، العادات والتقاليد 000 إلخ 0 وعلى الولايات المتحدة الانتظار قرناً كاملاً لإنهاء هذه النزعة ، وربما تنتهي أمريكا وتبقى هذه النزعة على حالها  0

وكيف لأمريكا أن تطالب بالتغيير الثقافي للعالم والتعددية العالمية ؟ وهي نفسها تدخلت في عنصر الولاء لموظفين الأمانة العامة في الأمم المتحدة ، بحيث كان مفروض ولاء الموظف للأمم المتحدة ويتناسى أية اعتبارات أخرى 0 ففي عام 1952/1953م أثارت الولايات المتحدة مشكلة الولاء على المنظمة العالمية 0 وطالبت واشنطن باعتبار الأمريكيين ، الشيوعيين واليساريين ، غير جديرين بالحصول على وظائف دولية أو البقاء فيها 0 وضغطت حكومة الولايات المتحدة على الأمين العام ليتخلص من هؤلاء الأمريكيين ، فأبدى بعض المقاومة ثم وافق وفصل الموظفين الأمريكيين الذين نشرت حكومة واشنطن حولهم الشبهات ( تنظيم ص 219 ، 220 ) 0

نحن اختبرنا اعلاه ما مدى تطبيق العولمة من ناحية الإصلاحات الديمقراطية ، والليبرالية الثقافية ، والآن سنختبرها أدناه من ناحية العولمة الاقتصادية –

1/ تقرير التنمية البشرية عام 2003 – قال التقرير بأن دول العالم المتخلف الذي يوجد به مليار جائع ، ولا يلاقي إلا 50 مليار دولار مساعدات ، علماً بأن أدنى مبلغاً يحتاجه العالم النامي 100 مليار دولار ( الوطن السعودية العدد 1013 ) ، آلا توافقونني أنه كان من الأفضل بدلاً أن تشن أمريكا حرباً على العراق ، وتدفع 50 مليار دولار الإضافية مساعدات للمليار جائع في العالم 0

2/ من أهداف منظمة التجارة العالمية تحرير تجارة السلع الأولية ، وايقاف الدعم عن السلع ، ونلاحظ الدول المفترض أن تتمسك بهذا لانجاح نظرية العولمة ، هي أول من ينتهك البنود المذكورة أعلاه ، بحيث يبلغ دعم منتج القطن الأمريكي ثلاث أضعاف مساعدات أمريكا للدول الأفريقية جنوب الصحراء ، ويبلغ الدعم الحكومي للزراعة في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية 300 بليون دولار سنوياً ( الحياة العدد 14715 ) 0 ويقول تقرير التنمية البشرية المذكور أعلاه بأن كل بقرة أوربية تحصل على 3 دولار في اليوم ، ويعيش أكثر من 40% من سكان أفريقيا على دولار واحد للفرد يومياً ( الوطن السعودية العدد 1013 ) 0 هل هذه العولمة المطلوبة لإنقاذ البشرية من الهلاك ؟ 0

3/ صراع الولايات المتحدة الأمريكية ، ودول الاتحاد الأوربي ، وذلك يمثل وضع أمريكا تعريفات على واردات الصلب الأوربي لحماية المنتج المحلي ، وكذلك أوربا تمنع دخول الأغذية المعدلة وراثياً ( نيوزويك العدد 172 ) 0

4/ حرب أمريكا ضد الارهاب – أثر ذلك على التدفقات المالية ، فإن الحكومة الأمريكية تراقب التحركات النقدية من وإلى البنوك ، وهذا يؤثر على مرونة وسلاسة تحركات رؤوس الأموال وينعكس سلباً على العولمة ( نيوزويك العدد 172 ) 0

5/ كارثة الدولار – فأمريكا ترغب بدولار أكثر ضعفاً من أجل خفض صادراتها وابطاء نمو وارداتها بشكل تدريجي وفرض السيطرة على عجزها التجاري الذي يبلغ 500 بليون دولار 0 ولكن لكي يحدث ذلك يجب على عملات أخرى أن ترتفع مقابل الدولار ، في حين أن الصين واليابان وغيرهما من الدول الآسيوية تقاوم ذلك ، وواشنطن تضغط عليهما بقوة ( نيوزويك 172 )

ونضيف بأنه من كوارث ضعف الدولار وتسعيرة النفط بالدولار ، فالدول الإسلامية تخسر ما يقارب 137 مليون دولار يومياً ، ويعتبر ذلك دعماً مباشراً للاقتصاد الأمريكي 0 ولكن هل تستطيع الدول الإسلامية إعادة النظر في تغيير آلية تسعيرة النفط بالدولار ؟  0

6/ الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم وصلت عام 99/2000م إلى 200ر1 مليون دولار ، وانخفضت بنسبة 50% في العالم عام 2002م 0

7/ الوجه الآخر للعولمة هو تنازل الدول عن هامش كبير من سيادتها للشركات المتعددة الجنسية ، ولكن الصدمة التي هزت أمريكا والعالم هو انهيار كبرى الشركات العالمية المتعددة الجنسية مثل انرون ، ووبلد دوت ، وتيكو ، وزيروكس ، بالإضافة إلى خسائر وول ستريت الفلكية ( مقالة منشورة لنا في الراية العدد 7658 ) 0

8/ جولات منظمة التجارة العالمية ، كانت الثمان سنوات الأولى منذ 1993م لصالح اليابان وأمريكا وأوربا ولكن بعد ذلك حدث الركود العالمي ، فجاءت جولة الدوحة وحققت بعض الانتعاش لمنظمة التجارة العالمية ، ولكن جولة كانكون هزت منظمة التجارة العالمية ، لأن الدول النامية كانت تسعى لبعض التسهيلات لبعض السلع مثل تخفيض الاصرار على براءة الاختراع وذلك ليسهل على الدول النامية صناعة الأدوية لمكافحة الأيدز وبعض الأوبئة الفتاكة ( نيوزويك العدد 172 ) 0

ونتيجة عدم تقديم الدول المتقدمة تسهيلات للعالم النامي أدى ذلك إلى تحالفهم ، وهو عندما تحالف الدول الـ 22 تحت قيادة البرازيل ، وهذا التحالف كان بين دول مصدرة للسلع الزراعية وهي البرازيل واستراليا والارجنتين وجنوب أفريقيا وأندونيسيا وتايلاند وجنوب أفريقيا والفلبين 00 إلخ 0 وعقدت تحالفات مع الهند والصين ، ومثلت الدول مجتمعة ثلثي مزارعي العالم ، و 60% من إنتاج العالم الزراعي ، ويقول تقرير نيوزويك وبدت مجموعة 22 وكأنها عودة مجموعة 77 0

هل الولايات دولة امبريالية ؟

1/ ميزانية السلاح في الولايات المتحدة لعام 2003م (470) بليون دولار ، وذلك يمثل 50% من ميزانية التسليح على مستوى العالم 0 وكذلك رفضت الولايات المتحدة التوقيع على تجديد معاهدة الحد من الأسلحة البلاسيتية ، ويوجد عندها برامج جديدة لتطوير أسلحتها النووية ، وتطوير حرب النجوم 0
2/ الولايات المتحدة رفضت التصديق على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية 0
3/ منذ نهاية الحرب الباردة خاضت عدة حروب دون تفويض من مجلس الأمن 0
4/ سابقة خطيرة تمارسها الولايات المتحدة وتعتبر انتهاك لاتفاقية جنييف حول الأسرى، وهو وجود معتقلي غوانتناموا 0

/ إحدى أهم دعائم العولمة الحديثة هو التوجه العالمي نحو البيئة – هل الولايات المتحدة من المساهمين في حماية البيئة العالمية ؟ طبعاً نستطيع أن نقول لا ، لأنها لم تصادق على اتفاقية كيوتو للبيئة العالمية  0

/ في الختام جميع زعماء العالم المؤثرين في القرارات الدولية اجمعوا بطريقة غير مباشرة على رفض التصرفات الأمريكية في العالم  خلال كلمتهم في الجمعية العمومية في سبتمبر 2003م –

1/ امبيكي رئيس جنوب أفريقيا – ويعتبر خليفة أحد أهم سياسيين الكوكب في   القرن العشرين ( نيلسون مانديلا ) وقال امبيكي – ( الفقراء لن يقبلوا   الحفاظ على الوضع القائم ، الذي يؤبد الفقر 0 وقال مليارات الفقراء في   العالم يطالبون أن تقوم الأمم المتحدة بعمل من أجل نقل الموارد إليهم ، ما   سيمكنهم من التحرر من ربقة الفقر ) ( الخليج العدد 8894 )  0

2/ ميجاواتي رئيسة أندونيسيا ، وأندونيسيا تمثل أكبر دولة إسلامية حيث أن   عدد سكانها 217 مليون مسلم تقريباً ، قالت – ( كثير من المسلمين في   أندونيسيا يعتقدون أنه عندما تتصرف القوى الكبرى بطريقة أكثر عدلاً   وتوضح حياديتها في الشرق الأوسط عندئذ فمعظم الأسباب الأساسية   للارهاب الذي يرتكب باسم الإسلام ، ستكون قد حلت ) ( الخليج العدد 8894 ) 0

3/ لولا رئيس البرازيل ويبلغ عدد سكانه 170 مليون نسمة ، والبرازيل هي   أكبر دولة في أمريكا اللاتينية يقول – ( على الرغم من اخفاقات الأنظمة   التي تريد تعميم الثروة من دون الحكم على آخرين بفقر مدقع ، فإن كثيراً   من الناس لا يزالون يصرون على جشعهم وقصر نظرهم ) ( الخليج العدد 4988 )0

وبعد ذلك سنطرح سؤال أخير ، الفقهاء عندما نشأت الأمم المتحدة استبشروا خيراً بالمنظمة الجديدة ، وكانوا فرحين بأن الأمم المتحدة حرمت الحرب إلا بتفويض من مجلس الأمن ، ويقولون ذلك أفضل مما كانت عليه العصبة التي يقول ميثاقها عدم جواز اللجوء إلى الحرب  0 هل تعتقدون لو هؤلاء الفقهاء مازالوا موجودين سيحافظون على نفس الرأي المذكور أعلاه ؟  0

* إذاً على الولايات المتحدة أن تتعاون مع العالم ، لإخراج العالم من هذا النفق المظلم الذي لا يعلم إلا اللّه سبحانه وتعالى نهايته 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *