سقوط قلاع العالم المتحجرة

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

في بداية هذا الموضوع أتذكر مبدأ الشرعية عند أفلاطون في محاورة الجمهورية يقول  ” حتى بين اللصوص لابد من وجود مبدأ العدالة الذي يمكنهم من تقسيم غنائمهم ” 0

وفي العصر الحديث يقول فوكاياما  ” من الواضح أن مبدأ الشرعية هذا متأصل في أغلب المؤسسات السياسية والعسكرية ، وحتى الدموية منها كعصابات المافيا ، فلا يمكن لأي من زعماء المافيا أن يصبح زعيماً ما لم توافق عائلته على شرعيته ” نهاية ، ص 33 0

هذه المقدمة الفلسفية التي تتوافق مع واقعنا العملي في العالم المعاصر ، ربما يرى البعض بأنها تحتاج إلى الاختزال والتعريف بطريقة مبسطة ، ونعتقد بأن أسهل طريقة لتعريف هذه المقدمة ، هو القصة الشهيرة لرواية طائرة فوق العش ، وتقول  تدور الرواية حول سكان مصحة عقلية يحيون حياة طفولية خاوية تحت رقابة وسيطرة مربية ضخمة الحجم 0 ويبذل بطل الرواية محاولات عدة لتحرير هؤلاء المرضى عن طريق خرق قوانين المصحة ، وبالفعل يقودهم إلى الحرية ، لكنه يكتشف في النهاية أنهم كانوا متقوقعون ومحبوسون بإرادتهم ، ويخاف الجميع من العالم الخارجي ، فيعودون طواعية إلى المصحة مفضلين السجن على الحرية ، بسبب الأمان الذي تقدمه المصحة لهم  النهاية ، ص 41  0

أعتقد بأن المثالين اللذين سقناهما لكم في المقدمة كان الأول يمثل شرعية السلطة في العالم المتخلف والنامي ، والثاني  الرواية  يمثل الوضع القهري الذي وضعت السلطة هذه الشعوب فيه . 0

ولكن لكل بداية نهاية ، حتى هذا الكون سوف تكون له نهاية تؤدي إلى فناء جميع الكائنات الحية من وجه البسيطة 0 فنحن كمسلمين نؤمن إيماناً مطلقاً بأنه ستكون هناك ساعة الصفر لهذا الكون تؤدي إلى فناء جميع أغلفته الحيوي والمائي والصخري والجوي 0 أما أصحاب العقائد الأخرى ونضيف لهم العلمانيين والملحدين يؤمنون بأن هناك ساعة الصفر لهذا الكون ، وهي ستكون أما عن طريق  1 تغير محور الأرض فيختل النظام المغناطيسي في الأرض ، وذلك سينعكس سلباً على جميع الأنظمة الأيكولوجية وتكون النتيجة نهاية هذا الكون 2 أن ترتطم إحدى الكويكبات السابحة في الفضاء الخارجي بكوكب الأرض مما سيؤدي إلى فناءه أو فناء أجزاء كبرى منه 3 حرب كونية تستخدم فيها الأسلحة الغير تقليدية 00 إلخ 0

وإذا كنا نؤمن بأن هذا الكوكب كله مصيره إلى الفناء ، فسوف نسوق لكم مثال بسيط قاله لنا أحد الأشخاص الذين نكن لهم الكثير من الاحترام وهو رواية العربة والقضبان   إن قلة من الأشخاص المسيطرين على كل ثروات الأمة يركبون عربة التنمية التي طريقها سالكاً على القضبان الحديدية ، أما الشعوب فيركبون العربة التي اقتلعت من قضبانها الحديدية ، ووضعت على قارعة الطريق 0 وينظر الشعوب بحسرة إلى القلة الممتصون لكل ثرواتهم ، وهم يتضررون جوعاً  0

ولكن نبشركم لكل بداية نهاية أيضاً والأمثلة كثيرة وسوف نسوقها لكم الآن
أولاً  التسليم الغير سلمي للسلطة  لتحقيق الجمهورية الفرنسية الأولى عام 1792م ، قدمت فرنسا أجيالاً على آثارها الأجيال ، لتحقيق الحرية الفرنسية القائمة على  الحرية والمساواة والآخاء  الثورة ، ص 913  0

ثانياً  النظام الشمولي للفرانكوية  استطاع هذا النظام تحقيق التنمية ، ولكنها تنمية الجماد دون الإنسان ما بين على مدى 1965 – 1974م كان معدل نمو الناتج المحلي الأسباني 7% سنوياً ، وهذا المعدل يعتبر فلكياً ، لكن التنمية كانت تسير على القضبان ، والشعب يقبع في العربة الموجودة خارج القضبان ، وعندما توفى فرانكو عام 1975م ، كان لابد للفرانكو التسليم للسلطة ، وكان قسماً لا يستهان به من نظامه الحاكم مهيأ لقبول شرعية عدد من القوانين التي حلت بطريقة سلمية كل مؤسسات فرانكو الهامة ، وسمحت بانتخاب المجلس التأسيسي الذي كلف بوضع دستور ديمقراطي كامل  نهاية ، ص 30 ، 36 ، 129  0

ثالثاً  النظام الشمولي السوفيتي  فمعدل نمو الناتج المحلي في الاتحاد السوفيتي في الفترة ما بين 1928م – 1955م ، كان 6% سنوياً ، وذلك أفضل من معدل النمو في الولايات المتحدة الأمريكية في نفس الفترة ، وهو ما أكسب تهديد خروتشيف الشهير بالقضاء على الولايات المتحدة الأمريكية مصداقية إلى حدٍ ما 0

ولكن مركزية السلطة ، ووجود فئة محددة متنفذة في اتخاذ القرار ، ومسيطرة سيطرة شبه مطلقة على الثروة ، جعلت الشعب السوفيتي على قارعة الطريق ويدور في حلقة مفرغة 0 وبالتالي هذه التنمية لا تعني له شيئاً ، وهذا أدى إلى قتل العطاء والإبداع البشري 0 والنتيجة في منتصف السبعينيات بدأت نقطة التلاشي للسوفيت ، فالناتج المحلي وصل إلى 2% سنوياً ، وفي منتصف الثمانينيات وصل إلى صفر وأحياناً 1% 0

وفي نهاية الثمانينيات بدأ يتحرك فريق ممن قضوا حياتهم في قلب جهاز الحزب الشيوعي ، ومنهم جورباتشوف ويلتسين وشيفرنازده ، بثورة إصلاحية ، سميت بالبروسترويكا ، ولكنها كانت ذات قيود . 0 ولكن الشعوب السوفيتية عندما رأت بصيص النور من خلال النفق المظلم ، بدأت تشكل نفسها من خلال الأحزاب السياسية، والجمعيات الجديدة ، والاتحادات العمالية ، وإصدار الصحف الجديدة ، والأندية والتجمعات الأدبية ، والكنائس والجماعات القومية 00 إلخ  نهاية ، ص 45 ، 48  0

وفي النهاية أدى ذلك إلى إنهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك جمهورياته ، ومازال إلى الآن في مرحلة صناعة المؤسسات الديمقراطية 0 ولكن الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها ، وفساد السلطة ، واستراتيجية الاحتواء الجديدة التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية للاتحاد الروسي ، ستجعل روسيا تتخبط لفترة طويلة في برامجها التنموية ، وربما تنتهي العملية بحرب كونية إذا لم تعالج الأزمات الروسية . 0

رابعاً  إصلاح المؤسسة الصينية  الحزب المركزي الشيوعي قام باستثمارات وإصلاحات اقتصادية ضخمة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، ونتج عن ذلك أن أصبح الناتج المحلي الصيني يتراوح ما بين 8% إلى 9% سنوياً منذ منتصف التسعينيات ، والتوقعات تقول إذا استمر الصينيون بنفس هذا المعدل إلى عام 2015م فسيصبح الناتج المحلي الصيني يعادل أو يفوق الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية 0

وفي عام 2001م انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية ، واستفاد الصينيون من ذلك كثيراً بحيث استطاعوا خلال فترة زمنية قصيرة أن يصبحوا إحدى أهم عشر دول مصدرة للسلع في العالم ، ولكن في النهاية أدرك الصينيون بأن كل عملهم سيذهب هباءً منثورا ، إذا بقي القلة مسيطرون على عجلة التنمية ، وتهميش وقهر الإنسان الصيني 0

والنتيجة كما رأها الجميع في نوفمبر 2002م عندما انسحب ديناصورات السلطة الصينية فاتحين الطريق إلى الإصلاحيين الجدد 0 حيث انسحب من الحزب الشيوعي الصيني جيل بمن فيهم جيانغ زيمين الرئيس الصيني ، ورئيس البرلمان لي بينغ ورئيس الوزراء رونجي ، وثلاثة أعضاء آخرين من القيادة ، وكذلك دخل 180 عضواً جديداً للجنة المركزية للحزب ، وذلك يمثل أكثر من 50% من أعضاء الحزب 0 ولكن هناك تغييرات عقائدية في الحزب كانت تعتبر من المحرمات بالنسبة للحزب الشيوعي ، وذلك من خلال تعديل ميثاق الحزب الشيوعي بشكل يسمح بدخول الرأسماليين إلى صفوفه ، وذلك أدى إلى استبدال الحزب الشيوعي الصيني بطليعة الطبقة الفاصلة ، بعبارة جديدة الحزب الشيوعي هو طليعة الطبقة العاملة الصينية والشعب الصيني والأمة الصينية الراية ، العدد 7496  0

وسوف يلي هذه الإصلاحات بالتدريج التعددية الحزبية والجمعيات الجديدة والنقابات 00 إلخ 0

لكن السؤال الذي يطرح نفسه  الشمال أصلح أو بدأ بإصلاح مؤسساته السياسية، والشرق الأقصى ، وجنوب شرق آسيا كذلك ، ولم يبق في العالم إلا العالم العربي والإسلامي ، والشعوب الموجودة في الأدغال الأفريقية ، أو في جبال أمريكا اللاتينية . 0 والسؤال هو متى وأين ومن سوف يقوم بإصلاح مؤسساتنا السياسية ؟ .0

وفي الختام العالم العربي والإسلامي والنامي يوجد به 90% من سكان العالم ، ومنهم ما يقارب 5ر1 مليار جائع ، ومعظم دولهم ما بين أبوية وشمولية ، ولا نستطيع أن ننكر وجود برامج للتنمية في العالم النامي ، ولكن يعيبها

1- التنمية ، تنمية الجماد وليس تنمية الإنسان ، والنتيجة مثل ما حدث في أسبانيا الفرانكوية ، أو السوفيت الشيوعي ، وأحياناً أكثر ريدكالية مثل الجمهورية الفرنسية الأولى . 0
2- بروز مافيا رأسمالية ، بحيث نجد السياسيين المتنفذين ، هم أنفسهم المستثمرين الرئيسيين في المشاريع التي يمثلون فيها مصلحة الأمة من ناحية سياسية وذلك يتم بطريقة مباشرة أو بأسماء مستعارة وذلك يعتبر قمة الفساد السياسي في العالم النامي . 0
3- معظم إن لم يكن جميع المشاريع الصناعية والخدمية ، تنتج سلع إستهلاكية ، وليست سلع إنتاجية وذلك مما يرسخ التبعية للخارج . 0

الحل هو مشاركة الإنسان في عملية التنمية بطريقة سلمية وذلك من خلال إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، شريطة أن لا يكون ذلك مجرد شعارات استهلاكية على المنابر .. 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *