ستبقى مدمناً على نفطنا يا سيد بوش

بسم الله الرحمن الرحيم

4/2/2006

يقول السيد جورج بوش في خطاب حال الاتحاد في عام 2006م :

( أمامنا مشكلة خطرة ، فالولايات المتحدة تعاني من تبعية كبيرة في مجال النفط ، الذي غالباً ما يأتينا من مناطق غير مستقرة في العالم . وأضاف السيد بوش أن الولايات المتحدة تهدف بحلول عام 2025م إلى خفض وارداتها النفطية من الشرق الأوسط بنسبة 75% من خلال تطوير مصادر طاقة بديلة والطاقة النووية ) .

وتعليقنا هنا ، ما يقوله الرئيس بوش يعتبر ضرباً من المستحيل ، حيث تمثل واردات النفط الأمريكي من الخليج العربي 20% من إجمالي وارداتها ، فيما تمثل وارداتها من دول أوبك حوالي 45% من إجمالي وارداتها !  ، وسيمثل الغاز الطبيعي الشرق أوسطي في عام 2010م ما يقارب 25% من الغاز الطبيعي المستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية!!.

والأغرب من ذلك ، بأن الاحتياطيات الأمريكية من الهايدروكاربون تتلاشى ، والواردات الأمريكية تتزايد طردياً . إذاً ما هي النظرية التي بنى عليها الرئيس بوش نظرية تخفيض واردات النفط الشرق أوسطي بنسبة تصل إلى 75% عام 2025م ! .

أما رأينا في استحالة نجاح نظرية بوش في تقليص اعتماده على نفط الشرق الأوسط هو من خلال ملخص دراستنا التالية ( منشورة بالكامل في موقعنا الإلكتروني  ) .

الفرضية الأولى : الموارد الطبيعية الاستراتيجية ، نجد بأن أهم مورد طبيعي في العالم يوجد في العالم الإسلامي ( الشرق الأوسط الكبير)، وذلك يشكل طاقة ومادة أولية ممثلاً بالهايدروكاربون ( النفط والغاز الطبيعي ) ، فاحتياطيات النفط في العالم الإسلامي تصل إلى 72% من الاحتياطي العالمي ، والنفط يعتبر أهم مصدر للطاقة في العالم ، ويشكل 40% من الطاقة المستخدمة عالمياً . واحتياطي الغاز الطبيعي في العالم الإسلامي 49.7% من الاحتياطي العالمي ، ويشكل الغاز الطبيعي 21% من الطاقة المستخدمة عالمياً . العنصر المهم في هذه الفرضية هو أن دول العالم الإسلامي لها سيطرة كبيرة على 61% من مصادر الطاقة المستخدمة في العالم ، والطلب العالمي على هذين المصدرين للطاقة في تزايد مستمر ، فزيادة الطلب السنوي على النفط تصل إلى 1.8%  ، وعلى الغاز الطبيعي تصل إلى 3.3% ، علماً بأن نمو الطلب على الطاقة في العالم 2.1% سنوياً .

فالدول الصناعية وضعت مجموعة تكتيكات لكي تصل إلى استراتيجية في المستقبل المنظور ، وهذه التكتيكات هو عندما قال كيسنجر عام 1979م ” لا تفاوض مع منتجي البترول ، إلا بعد أن نرتب بيتنا من الداخل ” ، وحدث بالفعل وأنشأوا وكالة الطاقة الدولية في باريس . وكان للوكالة الدولية تصورين رئيسيين هما : (أ) قصير المدى ، وهو نظام يسمى المخزون الاستراتيجي (ب) طويل المدى ، وهو البحث عن الهايدروكاربون خارج منطقة الشرق الأوسط ، والبحث عن مصادر أخرى كبدائل للطاقة .

وبالفعل حدث انهيار لأسعار النفط في عام 1985م ، وأصبح قيمة برميل النفط ، أرخص من قيمة برميل التراب لو أردنا استيراده من أوربا الغربية . ونجد أن سعر برميل النفط في بعض الفترات من منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، وصل إلى 6 دولار للبرميل ، أي فقد ما يقارب من 82% من سعره قبل خمس سنوات (1981م ) . واستمر النفط يعاني منها حتى عام 2002م ، حيث وصل سعر برميل النفط في أواخر 2001م إلى 20 دولار . وإذا أخذنا في الحسبان معدل التضخم السنوي في العالم ما بين 3% إلى 2.5% ، فسنجد بأن سعر البرميل في عام 2001م يعادل أو أقل في القوة الشرائية من سعر البرميل عام 1973م ، الذي كان يساوي 3 دولار ( بالنسبة لدولارات عام 1973م ) ! .

أما الخطة طويلة المدى التي ابتكرها الغرب كانت :

1-     البحث عن النفط في مناطق أخرى غير الشرق الأوسط ، ومنها المناطق القطبية وبحر الشمال وأفريقيا ووسط آسيا ، ولكن النتائج غير مشجعة لوكالة الطاقة الدولية بحيث بقيت منطقة الشرق الأوسط القطب الرئيسي للطاقة ، وتمتلك 68% من احتياطيات النفط ، وأما ما تبقى من احتياطيات النفط فتتوزع كالتالي : أمريكا الوسطي والجنوبية 9% ، وأمريكا الشمالية 8% ، وأفريقيا 7% ، وروسيا الاتحادية 5% ، وبحر الشمال 2% ، والجمهوريات المطلة على بحر قزوين 2% . وفي النهاية الصورة واضحة لدينا ، فالسيادة لاحتياطيات النفط بقيت لدول الشرق الأوسط ، والأهم من ذلك فإن تكلفة إنتاج برميل الشرق الأوسط من 2 إلى 1 دولار ، ويقابله تكلفة إنتاج أرخص برميل في معظم النفط المذكور يقفز إلى 5 دولار .

2-     الغاز الطبيعي ، حاول الغرب من خلال سياسة التوازن الجغرافي لإنتاج الهايدروكاربون ، ومن خلال استراتيجية الإحلال بالتوسع في صناعة الغاز الطبيعي . ولكن الغاز الطبيعي إلى الآن لم تتطور التكنولوجيا لتجعله بديلاً كلياً للنفط ، وكذلك تكلفته عالية ، مثلاً (سعر تسليم الغاز ميناء الوصول 3.50 دولار لكل مليون وحدة حرارية Btu ، إذاً ربحية تصدير الغاز بما فيها ثمن المادة الخام سوف لا تتجاوز 0.36 دولار لكل Btu ، إذ تقدر التكلفة بنحو 3.14 دولار . وبتحويل هذه الأرقام إلى ما يناظرها من نفط ، تبلغ ربحية الغاز نحو 1.80 دولار لما يعادل برميلاً من النفط الذي يحقق ربحية قدرها 18 دولاراً . وكذلك رغم كل سيناريوهات الإحلال ، والمحاولات المستميتة لتهميش دور الشرق الأوسط في احتياطيات الغاز الطبيعي، إلا أن أكبر مخزون استراتيجي لاحتياطيات الغاز بقي في العالم الإسلامي والشرق الأوسط وهو كالتالي : الشرق الأوسط والعالم الإسلامي 49.7% ، وروسيا الاتحادية 32.9% ، وأمريكا الشمالية 5.6% وأمريكا اللاتينية 4.3% ، وبقيت آسيا الغير إسلامية 3.9% ، وأوربا 3.6% .

3-     التوسع في الفحم الحجري ، وهو يواجه الكثير من المشاكل البيئية في الدول الصناعية ، ويعتبر من أقذر أنواع الوقود الحفري تلويثا للبيئة.

4-             التوسع في توليد الطاقة من المفاعلات النووية .

5-             الطاقة المائية المتجددة .

6-             الطاقة المولدة بواسطة الرياح ، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية .

ولكن نجد مع كل المحاولات المضنية لإيجاد بدائل الطاقة ، بقيت السيادة للطاقة الهايدروكاربونية والوقود الحفري بحيث يمثل النفط 40% من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ، ونمو الطلب عليه 1.8% سنوياً ، والغاز الطبيعي 21% من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ، ونمو الطلب عليه 3.3% سنوياً ، وحجم استخدام الفحم الحجري 21% ، ونمو الطلب عليه 1.7% سنوياً ، والطاقة النووية 6% من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ، ونمو الطلب عليها 0.4% ، أما حجم استخدام الطاقة المائية المتجددة فهو 7.5% والنمو السنوي 2.5% .

والأمر الخطير بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها بأن تكاليف الوقود الغير حفري مازالت باهظة جداً ، ولم تتوصل الدول الصناعية لاستخدامها بشكل فعال ومرن ، وذلك مثل : الطاقة الشمسية ، والطاقة المولدة بالرياح، والهيدروجين ، والمساقط المائية ، والطاقة النووية ومخاطرها الإشعاعية أيضاً .

إذاً سيبقى العالم ولفترات طويلة من الزمن ، مصدره الرئيسي للطاقة هو الوقود الحفري ، حيث يشكل الآن 85% من الطاقة المستخدمة عالمياً . وخلاصة القول رغم المحاولات المهلكة لوكالة الطاقة الدولية ، ودعمها لمنتجين جدد من خارج أوبك . والدور الأمريكي بالتلاعب بالتوازن الاستراتيجي الأمني بالنسبة لدول الأوبك ، ولا نستطيع أن ننكر بأن أمريكا استطاعت اختراق هذا التحالف . ويجب أن نعترف بأنه على المدى القصير استطاعت الولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية من تقليص دور الأوبك، بحيث كانت الأوبك قبل الحظر النفطي الذي طبقته الدول العربية على حلفاء إسرائيل تسيطر على 85% من صادرات السوق الدولية من النفط ، وفي منتصف الثمانينيات كانت حصة أوبك 60% ، وفي الألفين أقل من 40% .

ولكن ذلك لا يعني أطلاقاً تقلص أهمية الأوبك ، لأن الاحتياطيات الضخمة موجودة في أوبك بحيث تصل الآن إلى 68% تقريباً من الاحتياطي العالمي للنفط ، ونمو الطلب العالمي على النفط 1.8% سنوياً ، أي أن الصادرات النفطية 75 مليون برميل يومياً (2002) ، ويتوقع أن تصل إلى 115 مليون برميل يومياً عام 2020م . وفوق ذلك كله النفط بشكل عام ، ونفط الخليج بشكل خاص ، يعتبر أرخص مصادر الطاقة عالمياً ، حيث أن أقصى ما تتقاضاه الدول المصدرة للنفط هو 20% من القيمة الفعلية للنفط بعد وصوله عند المستهلك النهائي في الدول المستوردة. وأيضاً يمتاز النفط بأنه مادة أولية لمعظم الصناعات ، ويشاركه في ذلك مصادر الوقود الحفري الأخرى .

وإذا كان العالم الصناعي في يوم من الأيام يبحث عن طاقة جديدة أو مصادر بديلة للطاقة الهايدروكاربونية ، مخافة من ارتفاع نفط الشرق الأوسط مما سوف يؤدي إلى انهيار نظامهم الاقتصادي . إلا أنهم الآن يسعون حثيثاً لإيجاد مصادر أخرى للطاقة لتحل محل النفط قبل نضوبه ، فمثلاً الجيولوجي ديفييز ، ومن خلال تطبيق المنحنى الجرسي على التوسع في الاكتشافات النفطية ، ومن صفات المنحني الجرسي أنه في نهاية المطاف يبلغ الذروة ثم سرعان ما يبدأ الانحدار ، وعندما طبق ديفييز هذه النظرية الإحصائية عام 1989م على امدادات النفط العالمية ، ( صعق لرؤيته أن نقطة الذروة لم تعد على بعد عدة عقود كما كان يعتقد ، بل مجرد سنوات قليلة – في فترة ما بين عامي 2004 و 2008 ) .

ويأتينا السيد بوش الآن ويقول أن استراتيجيته أن تستغني الولايات المتحدة عن النفط الشرق الأوسطي بنسبة تصل إلى 75% في عام 2020م علماً بأن ما يحتاجه العالم من النفط في عام 2020م سيقفز من 85 مليون برميل يومياً الآن إلى 115 مليون برميل يومياً ، أي بزيادة تصل إلى 35% على ما هي عليه الآن . ونقول للسيد بوش نظم مؤتمراً في واشنطن وأنفق عليه بكرم على مفكري العالم في الطاقة سواء من يمثل العالم الاستهلاكي، أو العالم المنتج للهايدروكاربون ، وسنثبت لك بالإحصائيات الدقيقة بأن حلمك مستحيل .

والله اللقاء إن شاء الله

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *