خلاف الناتو لا يمنع حرباً

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

الصراع الذي يوجد الآن ما بين دول الناتو ، وكذلك ما بين الدول الأوربية ، من الناحية الظاهرية هو في صالح القضية العراقية ، والقضية الفلسطينية ، وإعادة التشكيل الجيوسياسي للشرق الأوسط ، ولكنه في الحقيقة صراع ذو ثلاثة محاور :

المحور الأول : جيوبوليتيكي ، وله تركيز على الاستراتيجية الجغرافية للمنطقة ، وبلغةٍ أسهل نقصد بأنه صراع على الكعكة الشرق أوسطية ، وحتى لا تنفرد الولايات المتحدة لوحدها بإلتهامها   يشرح لاحقاً في الجزء الثاني  0

المحور الثاني : يوجد صراع مبطن ما بين القوى الأوربية ، أو كما تسميها أمريكا الآن أوربا القديمة ، بقيادة فرنسا وألمانيا ، ويساندهم معظم الشعوب الأوربية على نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية بطرق سلمية ، ولكن الولايات المتحدة تحاول أن تقفز من فوق الفصلين السادس والسابع في ميثاق الأمم المتحدة ، وهو الذي يقول عدم جواز استخدام القوة من خلال الأمم المتحدة وتحت رايتها إلا بقرار من مجلس الأمن   الخليج العدد 8679  ولو تجاهلت الولايات المتحدة الفصلين المذكورين ، فذلك يشكل من ناحية قانونية ، لا من ناحية سياسية كما تدعي الإدارة الأمريكية ، خرق واضح وصريح للتنظيم الدولي ، والقانون الدولي العام ، ويمثل ذلك من ناحية نظرية انهيار الأمم المتحدة ، مثل عندما خالف هتلر قرارات عصبة الأمم قبل الحرب العالمية الثانية ونتج عن ذلك الحرب العالمية الثانية  0

المحور الثالث : النزاعات التي نشأت في الناتو في فبراير 2003م :  لمنع التكرار ، راجع آل ثاني ، فهد ، في كلا من : الراية العدد 7546 ، ومجلة الإنسانيات ، جامعة قطر ، العدد 24  0

من أقوى النزاعات التي شهدها الناتو بعد الحرب الباردة الفيتو الذي استخدمه محور باريس – برلين ، ويساندهم في ذلك بلجيكا ، عندما تقدمت تركيا طالبةً من دول الحلف وفق المادة الرابعة التأسيسية للناتو التي تنص على إجراء مشاورات بين الحلفاء إذا ما اعتبر أحدهم أن سلامة أراضيه ، أو أمنه مهدد  0  الراية العدد 7585  ، وكانت تركيا مستندةً على هذه المادة لتوفر لها قوة دفاعية من دول الناتو في حالة حدوث هجوم على العراق  0 وكانت نتيجة ذلك الاحتجاج الفرنسي الألماني البلجيكي ضد هذا الطلب ، وكان يساند طلب تركيا دول الناتو الستة عشر المتبقية متزعمتها الولايات المتحدة 0 وهذا الطلب التركي أكثر الاحتمالات بأنه سياسي وليس قانوني ، وربما بإيحاء من الولايات المتحدة الأمريكية  0 ونقصد هنا إلزام فرنسا وألمانيا بقرارات الناتو ، حتى عندما تقدم واشنطن مشروع قرار جديد في مجلس الأمن يكون سبق السيف العذل بالنسبة للقوى الأوربية لأنهم لا يستطيعون مناقضة أنفسهم بعد موافقتهم على القرار الرابع للدفاع عن تركيا في حالة قيام الحرب 0 ومن خلال هذه اللعبة للولايات المتحدة استطاعت مع تحالفها الأنجلو أمريكي عمل شرخ في جدار دول الاتحاد الأوربي ، بحيث بواسطة بريطانيا استطاعت أمريكا أن تجر وراء قراراتها العدوانية كلٌ من ايطاليا وأسبانيا والبرتغال وأربعة دول أوربية أخرى ، وذلك جعل محور باريس – برلين وحيداً في أوربا ، وفي الناتو ، ولكنه قوياً في مجلس الأمن بحيث تدعمهُ كلٌ من روسيا والصين ومعظم الدول ذات العضوية الغير دائمة في مجلس الأمن  0

ولكن هذه المعارضة القوية الفرنسية الألمانية في الناتو وأوربا ومجلس الأمن من الناحية السياسية لا تعني بأن هذه الدول إذا روعت مصالحها ستمانع قيام الحرب ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها حرب القرم في القرن التاسع عشر ميلادي  0

أما بالنسبة للمدرسة الأتاتوركية التركية كانت تلعب لعبة استدرار مصالح الحرب ودرء سلبياتها بالأساليب التالية : فاللعبة التركية بدأت بإثارة المادة الرابعة التأسيسية للناتو المذكورة أعلاه ، ونشأ بسبب المادة الرابعة نزاعات في الناتو كادت تعصف به 0 وبعد فترة وجيزة استطاعت تركيا أن تحقق مطالبها الدفاعية من الناتو ، وقال جورج دو برتسون أمين عام حلف الناتو : ” استناداً للمادة الخامسة سنرسل طائرات مراقبة من طراز اواكس وبطاريات صواريخ لتركيا وهي حليف مهدد ” ويضيف ” لهذه الغاية يستخدم حلف الناتو بين الدول الديمقراطية ”  0  الوطن العدد 2728  والمرحلة الأخيرة من المطالب التركية من المنظمة الدولية والناتو هو ما قاله الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر: ” يجب صدور قرار عن الأمم المتحدة يجيز استخدام القوة قبل أن تدرس تركيا فتح أراضيها للجنود الأمريكيين ” ، أما بالنسبة لشروط تركيا لتقديم التسهيلات اللوجستية للناتو هي  أن يدفع لتركيا 25 مليار دولار ، وشطب ديونها العسكرية ، وكذلك الموافقة على رفع نسبة حصة الصادرات من المنسوجات التركية ، وتسهيلات لدخول الحديد والصلب التركي للسوق الأمريكية   الخليج العدد 8676 0

ومن الناحية الجيواستراتيجية تمانع تركيا قيام دولة كردية مستقلة عند حدودها الجنوبية الشرقية  الخليج العدد 8676 0 وبعد كل هذه الشروط ، ربطت الحكومة التركية موافقتها على هذه الشروط بقرار تصويت البرلمان التركي ، وهنا تعطي الحكومة التركية نفسها المرونة الكافية لتحقيق هذه الشروط أو أقصى حد منها ، وحتى تبرهن للأمريكان في حالة الضغط عليهم بأنهم دولة ديمقراطية والأمور الاستراتيجية يحسمها البرلمان ، علماً بأن الحكومة التركية ، والبرلمان ، وأمريكا ، يعلمون جيداً من هي الجهة ذات القرار الأخير في تركيا ؟  0

وعندما واجهت أمريكا معارضة ضخمة من محور باريس – برلين في الناتو وأوربا ومعظم الشعوب الأوربية معهم ، ومن محور باريس – برلين – روسيا – الصين، في مجلس الأمن ، مما شكل تحالف أوراسي في مجلس الأمن ، هذا جعل الولايات المتحدة تلعب لعبةً خطيرة بالنسبة لهيمنتها العالمية وهي ما قاله الرئيس بوش : “الولايات المتحدة مستعدة لخوض الحرب من خلال تحالف من الدول التي تتخذ موقفاً مماثلاً سواءً أيدت الأمم المتحدة ذلك أم لا ”  الخليج العدد 8665  0 نعتقد بأن هذه مناورة من بوش لأن التنظيم الدولي الحالي ممثلاً بالأمم المتحدة ، ومنظمة التجارة العالمية ، وصندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ، يمثل أفضل الآليات لتسهيل الهيمنة الأمريكية على هذا الكوكب إلى فترة زمنية غير قصيرة  0

من هنا نرى النقد المبطن والخلافات الفكرية بين الجيوبوليتيكيين الأمريكان على التهور الذي تقوم عليه استراتيجية بوش الابن 0

أولاً : ذبيغنيو بريجنسكي : الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع التحفظات بشأن العراق ، خلقت انطباعاً بأن بعض زعماء أمريكا خلطوا بين حلف الناتو ومعاهدة وارسو 0 والأسوأ من ذلك ، أن ابتهاج واشنطن لانقسامات الأوربيين تجاه موقفها ، عزز موقف الأوربيين الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة 0 فالولايات المتحدة ، يعتقد الأوربيين بأنها باتت تخطط لوضع استراتيجيات كبرى بشأن التحالفات ، مثلاً كالهند ، وروسيا ، وإسرائيل ، بدلاً من الناتو ، وكل هذه الدول يكن عداء ما لبعض بلدان العالم الإسلامي 0

ويرى كذلك بريجنسكي أن على أمريكا أن تمنح عمليات التفتيش والتدقيق الدولية شهور عدة ، مطلوبة للتأكد بشكل أوضح ، مما إذا كان العراق قد أذعن مرغماً أم أنه يواصل التحايل المتعمد 0

ويرى بريجنسكي بأن الرأي الذي يقول إن نشر القوات الأمريكية في المنطقة يستلزم إشعال الحرب عاجلاً ليس بالضرورة رأياً موثوقاً به : فالقوات الأمريكية الجاهزة للحرب ، والتي تجاوز عددها مئات الآلآف ظلت منتشرة في أوربا لعقود طويلة ، وقدرة أمريكا على نشر قواتها اليوم باتت أعظم من أي وقت مضى 0

ويختم قائلاً إذعان العراق المتواصل سيتطلب قبول الولايات المتحدة أن يكون نزع الأسلحة كمحصلة ، والتحدي خلال أية مرحلة قد يعني حرباً تدعمها الأمم المتحدة ، ويترتب عليها تغيير النظام  الشرق الأوسط العدد 8850  0

ثانياً : نرى التناقض لتصورات بريجنسكي ، من خلال ما قاله هنري كيسنجر : إذا انتهت الأزمة من دون تغيير النظام في بغداد ، وإذا أرسلت الولايات المتحدة مائتي ألف من قواتها إلى المنطقة  الشرق الأوسط  لتعيدهم من دون تحقيق أكثر من احتواء ضبابي لنظام أخل بقرارات الأمم المتحدة لأكثر من عشر سنوات ، فإن مصداقية القوة الأمريكية في الحرب ضد الأرهاب ، وفي الشؤون الدولية عموماً ، سوف تتضرر بشدة، وربما بلا إمكانية لإصلاح الضرر 0

أما بالنسبة للناتو فيرى كيسنجر بأنه لن ينتعش هذا التحالف إلا عبر تفعيل المشاعر والروح المعنوية بعيداً عن قيود القانون والمواثيق 0 إن الحلفاء الذين يشعر شركاؤهم أن بوسعهم الاستفادة من فشلهم على المدى الطويل ليسوا حلفاء 0 وإذا أريد لحلف الناتو أن يبقى مؤثراً في مواجهة تحديات المرحلة الجديدة ، فإن على قادته أن يعثروا على تعريف جديد لتطلعاتهم  الشرق الأوسط العدد 8839  0

الملاحظة هنا بأن الرأي الأول لبريجنسكي يميل أكثر لتطبيق القانون الدولي العام واحترام الميثاق الدولي ، أما الرأي الثاني لكيسنجر فهو رأي سياسي ويحمل في طياته حلم إقامة إسرائيل الكبرى  0

السؤال الذي يطرح نفسه إذا لم يستطع الأمريكان تنفيذ الاستراتيجية الشرق أوسطية : هل ستقوم أمريكا بحل المنظمات الدولية ؟ 0

كل كما ذكرنا في الجزء الأول مجرد مناورات ، فالمنظمات الدولية المعاصرة هي أفضل من يخدم الاستراتيجية الأمريكية الكونية 0 ولكن ذلك لا يمنع أن تقيم أمريكا تحالفات توازن مع أقطاب أوراسية متنافسة فيما بينها ، وكل منهم له مشاكل مزمنة مع المسلمين ، مثل روسيا ، والهند ، وإسرائيل ، وخاصةً بعد إعادة تشكيل الشرق الأوسط تحت القيادة الإسرائيلية ، وذلك لا يمنع أن تبقي أمريكا تحالفها مع أوربا من ضمن الناتو ، ولكن تحقيق ذلك كله يعتمد على التكتيك الذي سوف تستخدمه أمريكا، وتوزيع الأدوار على القوى المتناحرة بعد الحرب الباردة  0

ولكثرة النزاعات على توزيع الأدوار ما بين الدول العظمى ، أصبحت كل من روسيا وفرنسا وألمانيا والصين ، تبدي استيائها من الأحادية القطبية الأمريكية وتبحث عن عالم متعدد الأقطاب ( الوطن العدد 2734 ) 0

فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول : ” الحقيقة المطلقة أن روسيا بلد أوروبي من الناحية الجغرافية والفكرية والثقافية 0 وموسكو ترحب بطرق التكامل في أوربا ولا يتخيل تطوير روسيا من دون تطوير أوربا الخالية من الخطوط التقسيمية ” ( الخليج العدد 8679 ) 0

وهذا مؤشر خطير بالنسبة لأمريكا فعندما تتم إعادة تشكيل العالم الأوراسي ، سواءً تشكلت الكتل المذكورة أعلاه ككتلة واحدة ، أو مجموعة من الكتل المتحالفة ، فذلك سيشكل عالم التوازن خارج الإشراف الأمريكي  ، وفي هذه الحالة ، ربما تتمكن أوراسيا من منافسة القطبية الأحادية لأمريكا 0

ونجد حتى الاستراتيجيين الروس مثل الكسي كيينا يقول : ” إذا بدأت أمريكا بالعراق ، فستذهب بعدها للسعودية ، وبعد ذلك إيران ، وبعد السيطرة على هذه الدول الغنية بالنفط ، ستذعن تلقائياً منظمة الأوبك للمطالب الأمريكية ، وذلك سيؤدي إلى تخفيض حاد في أسعار النفط ” 0

ويقول كيينا : ” ولنفترض أن أسعار النفط انخفضت تحت (10) دولار للبرميل الواحد فإن روسيا ستعود إلى وضع 1998م ولن يكون الوقت كافياً لديها للشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وستجري عملية السباق النووي ، وعلى الأرجح فإن الاستراتيجيين الأمريكان لا يفكرون بذلك ” ( الخليج 8629 ) 0

إذاً الاستراتيجية الضاغطة من الممكن أن تولد عالم توازن خارج السيطرة الأمريكية ، أو من الممكن أن تعيد الحرب الباردة ما بين أمريكا وروسيا ، أو ربما أمريكا واوراسيا 0

أما بالنسبة للولايات المتحدة فقاتلت ما يقارب عقداً من الزمن ، منذ انتهاء الحرب الباردة ، لكي تطبق استراتيجية عولمة العالم بالطريقة الأمريكية ، ولكن هذه الاستراتيجية فشلت فشلاً ذريعاً في العالم وخاصةً الشرق الأوسط ( راجع آل ثاني ، فهذ ، كتاب العالم الإسلامي ، ودراسات في الجغرافيا السياسية ) 0

وبسبب فشل أمريكا في استراتيجية العولمة قفز العجز في الميزان التجاري الأمريكي من 100 مليار دولار عام 1990م ، إلى 450 مليار دولار عام 2000م ، والأخطر في العجز التجاري في عام 2000م هو بأن الواردات النفطية لا تشكل إلا 18% من الواردات الأمريكية ، أما 82% الباقية فهي سلع صناعية مستوردة  0

ومن الأدلة على الفشل الأمريكي في إدارة عولمة العالم بأن أمريكا أصبحت في موقع التبعية لا موقع التحكم ، والدليل على ذلك بأن العجز التبادلي مع الصين في عام 2001م مليار دولار ( الشرق العدد 5364 ) 0

ويقول الكاتب الفرنسي ايمانويل تود : أن الأمبراطورية الأمريكية ، شبيهة بالأمبراطورية الرومانية التي كانت تعتمد على الاستيراد الخارجي ، منها إلى الأمبراطورية السوفيتية التي كانت تعتمد على الاكتفاء الذاتي 0 فأمريكا امبراطورية للإستهلاك لا للإنتاج ، وحاجتها إلى العالم في استهلاكها أشد من حاجة العالم إليها في إنتاجه 0 ولكن الوقت الذي بات فيه العالم ضرورياً لها لتحافظ على مستوى استهلاكها الأمبراطوري ، فإن هذا العالم نفسه لا يقع تحت سيطرتها الاستراتيجية ، فالقطبان الندان لها في مجال الإنتاج الصناعي وهما الاتحاد الأوربي واليابان العجز التجاري الأمريكي يبلغ مقابلهم 60 مليار دولار ، و 68 مليار دولار على التوالي 0 فبالتالي لا تجمعهم مع أمريكا علاقة تبعية ، كما يقضي المنطق الأمبراطوري 0 كذلك فإن القطبين الكبيرين الآخرين في العالم ، وهم الصين وروسيا يقفان خارج مجال سيطرة واشنطن الاستراتيجية ، لاسيما أن روسيا تتمتع باستقلالية نووية تامة ( الشرق العدد 5364)0

وكما ذكرنا سابقاً بأن أمريكا عندما شعرت بعجزها التجاري الكبير مع الصين ، وكذلك مخافةً من أن تطور الصين تكنولوجية الأسلحة الذكية ، أصبحت الولايات المتحدة تحارب تصدير التقنية إلى الصين ففي عام 2001م مثلاً تسلمت وزارة التجارة الأمريكية 1294 طلباً فيما يتعلق بتصدير التكنولوجيا إلى الصين ، 72% من الطلبات حصلت على موافقة ، بينما رفضت وزارة التجارة الأمريكية تصدير 28% من الطلبات ( الخليج العدد 8679 ) إذاً أين العولمة التي تطالب بها أمريكا من ذلك ؟ 0

أمريكا ستحاول تطبيق سيطرتها العالمية من خلال محاولة المحافظة على تفوقها في عالم الجنوب ، وخاصةً الشرق الأوسط لأن ذلك سيعطي أمريكا سيطرة مباشرة على 72% من احتياطيات النفط في العالم ، و 35% من احتياطيات الغاز الطبيعي        (آل ثاني، فهد ، عالم إسلامي ، ص 101) 0

ولكن إذا فشلت ، لن تغامر أمريكا مغامرةً غبية في إلغاء المنظمات الدولية أو بعضها ، أو إجراء مواجهة مباشرة مع القوى الموجودة في العالم الأوراسي ، ولكن أكثر المخاوف في ذلك هو على توزيع الأدوار في الشرق الأوسط ، من خلال إتفاقية سرية تعقدها أمريكا والدول الأوراسية المنافسة لها لتوزيع الأدوار في الشرق من تحت الطاولة 0 والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها الاتفاقية الثلاثية السرية التي جرت في 22 أكتوبر 1956م ما بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ، وكانت تنص هذه الاتفاقية على محورين : الأول : الاستفادة من محاولة الرئيس عبد الناصر عندما أمم قناة السويس كذريعة لضرب مصر ، وإعادة قناة السويس إلى الشركة الفرنسية ( الأهرام العدد 18 فبراير 2003م ) ، علماً بأن مجموعة من الاستراتيجيين ومنهم أمين هويدي قالوا سواءً قناة السويس كانت عند الشركة الفرنسية أو عند مصر صاحبتها الأصلية ، فلا يوجد وسيلة عند المصريين للاستفادة من القناة إلا عندما تؤدي وظيفتها لعبور السفن ، وخاصةً السفن الأجنبية والطرف المصري يحقق ريعاً كبيراً من وراء ذلك 0 فبالتالي العدوان الثلاثي على مصر كان الهدف منه تجريد مصر من السلاح الذي استوردته من أوربا الشرقية ، وإسقاط عبد الناصر من السلطة ، وأخيراً إعادة قناة السويس إلى السلطة المصرية  ( الأهرام 18/2/2003م ) 0

المحور الثاني : الاتفاقية السرية أعلاه ألغت البيان الثلاثي لعام 1950م الذي فرضت بواسطته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا توازن قوى إقليمياً لمصلحة إسرائيل 0 بمعنى آخر التفاف من القوى الاستعمارية ( فرنسا وبريطانيا ) لإخراج القوة الامبريالية الحديثة ( الولايات المتحدة ) من الشرق الأوسط ( الأهرام 18/2/2003م ) 0

ولكن أمريكا قابلت هذه الدول بغضب شديد ، فالسرية وحجم العدوان لم يغضبان أمريكا ، وإنما أغضبتها محاولات فرنسا وبريطانيا العودة إلى المنطقة ، وهذا يعني فشل سياسة ملء الفراغ وإفشال حلف بغداد ودفع العرب نحو الأتحاد السوفيتي ( الخليج العدد 8679 ) 0

فكما ذكرنا أعلاه فأمريكا سوف تضغط لإبتلاع الكعكة كاملةً لوحدها ، ولكنها إذا فشلت ، ستضطر لعقد اتفاق من تحت الطاولة مع القوى المنافسة لها لإعادة توزيع الكعكة الشرق أوسطية 0 وذلك ليس بجديد على القوى الاستعمارية ، فعندما تصارع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى على الكعكة ( الامتيازات النفطية ، الشرق أوسطية اضطروا في النهاية لتقسيم الكعكة فيما بينهم ، فانشأت ما يسمى شركة نفط العراق وأعطيت امتياز الشرق الأوسط بأكمله ، تحت اتفاقية تسمى اتفاقية الخط الأحمر ، وكان تقسيم الحصص في شركة نفط العراق كالتالي : 75ر23% لكل شركة من شركات الدول التالية أسماؤها : بريطانيا ، وهولندا ، وفرنسا ، والولايات المتحدة الأمريكية ، وأرمني يدعى سركيس نحو لبيكان اعطى 5% لدوره في التأسيس وتنسيق إدارة الشركة ( Al-Thani.F.Phd. PP. 41 – 64) 0

والآن لا نستغرب أن تعيد أمريكا توزيع الحصص في الشرق الأوسط حتى لو كان لفترة مؤقتة ، ونعتقد ربما يكون توزيع امتيازات الهايدروكاربون الشرق أوسطي كالتالي : 40% للشركات الأمريكية ، و 10% للبريطانية ، و 10% للفرنسية ، و 5% لكل من : روسيا وإيطاليا وألمانيا وكندا والصين ، وما تبقى يقسم بالطريقة الأمريكية قسمة غرماء ما بين الشركات العالمية  0

أما بالنسبة للعرب فكالعادة سيخرجون من جميع السيناريوهات خاليي الوفاض ، وأكبر دليل على ذلك المعارضة العراقية ، منذ ثمانية سنوات وأمريكا تعدهم بأنها ستحرر العراق من قبضة الرئيس صدام ، وستسلمهم السلطة في بلدهم ، وعندما اقتربت ساعة الصفر لكي تقوم أمريكا بتنفيذ عدوانها على العراق قالت للمعارضة بعد خلع صدام سيكون دوركم استشاري فقط في إدارة العراق ، أما حاكم العراق سيعين بالطريقة الأمريكية  0

ويقول أحمد جلبي أشهر زعماء المؤتمر الوطني العراقي ( يجب أن لا تكون هناك فجوة في سيادة العراقيين على العراق ) ( الوطن العدد 2728 ) 0

وفي اجتماع أنقرة الذي عقدته المعارضة العراقية في فبراير 2003م ( قالت امريكا بصريح العبارة أن على زعماء المعارضة ألا يتوقعوا دوراً أكثر من تقديم المشورة إذا احتاجها الأمريكيون في معالجتهم للقضية العراقية ) ( الخليج العدد 8676 ) 0

وما يحدث للمعارضة العراقية الآن هو ما حدث لزعامات عربية في القرن التاسع عشر والعشرين عندما عقدوا تحالفات مع المستعمرين ، على أنه بعد أن يسيطر المستعمر على الموقف ، يسلمهم السلطة ، ولكن بعد أن ينتصر المستعمر يغرر بهذه الزعامات ، أو ينفيها ، أو يصفيها جسدياً ، أو يسلمها سلطة لا تزيد على كومةً من صخر ، بعد أن كان يواعدها بأن يسلمها سلطةً تعلو على قمة ايفرست في جبال الهمالايا 0

وفي الختام هل نستوعب الدرس ونضع استراتيجية شرق أوسطية لهذه الأمة ؟0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *