كارثة سيولة الدولة في أفغانستان والعراق

6/6/2004

 قلنا بعد حادثة أيلول الأسود الأمريكي عام 2001م ، بأن الانتقام الأمريكي سيبدأ بأفغانستان ، وأنه إذا حقق نتائج عسكرية على الأرض هناك ، سيواصل الاعتداءات على باقي

دول العالم الإسلامي ، وسينصّب تركيزه على الدول الإسلامية الرافضة للسلام مع إسرائيل ، وكذلك على منظمات المقاومة الإسلامية 0

 وبالفعل بعد الانتصار العسكري الأمريكي في أفغانستان عام 2001م ، ظهر علينا التصنيف الأمريكي الجديد لمحاور الشر في العالم ، من خلال خطاب حال الأتحاد 2002م 0

وكانت الدول الإسلامية التي من ضمن محور الشر : العراق ، وإيران ، وسوريا ، وإن تكن هناك تلميحات لاحقاً لكل من : ليبيا والسودان ، وكذلك لم تسلم المملكة العربية السعودية من

الإشارة إليها بين فترةً وأخرى ، بأن لها نوع من العلاقة في تفريخ الارهابيين ، رغم العلاقة التاريخية ما بين السعودية وأمريكا 0

 وكذلك بدأ يظهر للعلن بأن منظمات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية ، وضعها التصنيف الأمريكي الجديد من ضمن المنظمات الارهابية مثل :

حزب اللّه ، وحماس ، والجهاد الإسلامي ، وإن يكن يضم لها المنظمات القومية للمقاومة تحت نفس التصنيف للإرهاب مثل : فتح والجبهة الشعبية 00 إلخ 0

 وكان لنا تعليق في عشية الاعتداء الأمريكي على أفغانستان ، بأن أمريكا إذا تركت تنفذ مخططاتها في أفغانستان دون وقفة صلبة من جميع دول العالم الإسلامي والدول المحبة

للسلام في العالم ، فإن ذلك سيجعل الولايات المتحدة تقسم العالم الإسلامي إلى مربعات ، وتقضمه جزءً وراء الآخر ، وربما في ذلك سيجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة  ، وللأسف الشديد

الذي توقعناه قبل سنتين بدأ يحدث الآن  0

 الموضوع الخطير في الاعتداءات الأمريكية الآن في الشرق هو بأن حروبها دائماً تحت ذرائع الحرية والديمقراطية وعدالة توزيع الدخل 00 إلخ 0 ولكن دائماً نتائج حروبها

تنقل الأمم المعتدى عليها إلى قرون أسوأ من وضعها قبل الاعتداء ، فمثلاً أفغانستان ، كانت الدولة الأفغانية تمر في مرحلة صلابة في عصر طالبان الذين كانوا يسيطرون على 90% من

الأراضي الأفغانية ، رغم الحصار الذي كان مطبق عليهم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها آنذاك  0

 ولكن أفغانستان بعد الاعتداء الأمريكي عليها قسمت لوردات الحرب كما يحلو لهم أن يسمون ، وفقدت الحكومة المركزية المعينة أمريكياً في كابول السيطرة على بقية الأراضي

الأفغانية ، وذلك اعترافاً من حكومة كابول نفسها بحيث يقول المتحدث الرسمي بأسمها : ” زعماء الولايات الأفغانية لا يرفضون لنا طلباً ، أنهم يوافقون دائماً ، ولكنهم لا يوفوا بما يقولون

0 وقد باتت الأقاليم مستقلة أكثر من اللازم ” (نيوزويك ، العدد150 ص 26 ) 0

 ما قاله المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأفغانية ، هو ما يحدث بالفعل في كل الأقاليم ذات التركيب الأبوي القبلي ، وذلك عندما يقول زعيم القبيلة لبعض أفرادها يسير خير

إنشاء اللّه ، ويتفائلوا بالوعد ، وتمر عليهم عشرات السنين منتظرين تنفيذه إلى أن تقوم عوامل الطبيعة بسحقه وسحقهم معه  0

 عموماً الإصلاحات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان هي إنتشار الفوضى والقتل والمخدرات ، وأصبحت الدولة الأفغانية في حالة سيولة شبه كاملة ،

وكل لورد من لوردات الحرب مستقلاً بإحدى أقاليمها 0 فمثلاً : إسماعيل خان حاكم إقليم هيراث ويطلق عليه أمير الجنوب الغربي لا يعير أي احترام أكثر من الكلام لكرزاي وكابول 0 فعبر

قوة عسكرية تابعة له يبلغ تعدادها 000ر25 مقاتل يفرض خان السيطرة المحكمة على طرق التجارة من إيران وتركمانستان 0 والعائدات التي يحققها 250 مليون دولار تقريباً على شكل

عائدات جمارك فقط ( نيوزويك ، العدد 150 ص 24 ) 0

 ووزير الدفاع محمد فهيم يسيطر على جيش أفغانستان ، وهو الجيش الذي يتألف أساساً من أفراد ميليشيات التحالف الشمالي التابع له ، بعبارة أخرى يسيطر فهيم على إقليم

الطاجيك الشمالي  0

 وكذلك كلا من عبد الرشيد رستم وعطا محمد يسيطران على أجزاء أخرى من الشمال الأفغاني ، وغول أغا شيرازي في الجنوب الشرق ( نيوزويك ، العدد 150 ص 26 ) 0

والأمر المفجع ربما بالنسبة للأمريكان بأن طلبان بدأت تعود وبهدوء في تنظيم صفوفها تحت قيادة الملا محمد عمر  0

 إذاً إصلاحات الولايات المتحدة لأفغانستان تحولت إلى كارثة ، بحيث الإمارة تحولت إلى خمسة أقاليم ، وكل إقليم يسيطر عليه أحد أباطرة الحرب الأفغان ، وكل إقليم عنده

ميليشيا خاصة به ، ومن الصعب على أي ميليشيا أخرى أن تخترق أراضي غير الأراضي المخصصة لها ضمن حيز قائدها الجغرافي ، والأدهى والأمّر من ذلك بأنه حتى الجيش النظامي

التابع لحكومة كابول يخشى الاحتكاك ، وعبور أراضي الأقاليم التي يسيطر عليها الميليشيات خارج كابول  0

 إذاً خلاصة الأمر هذا مصير حرية أفغانستان 2002م ، فالسؤال الذي يطرح نفسه ما هو مصير حرية العراق 2003م ؟

 فالعراق دولة تتشكل من فيسفساء قومية وعرقية من العرب والفرس والأكراد والتركمان والآشوريين والكلدانيين ، ومن طوائف إسلامية مختلفة أهمها أهل السنة والجعفرية

الشيعة ، ويضاف إلى ذلك ديانات أخرى مثل : المسيحية واليهودية00إلخ0

 فأمريكا استطاعت أن تنتصر عسكرياً في الحرب على أفغانستان والعراق ولكن التحدي الأكبر أمامها هو صناعة السلام  0

 هنا سنطرح على القارئ الكريم مجموعة من الآراء لكتّاب ومحللين أجانب ، الأول بول كيندي : خلاصة قوله بأن بريطانيا استطاعت بعد الحرب العالمية الأولى تشكيل خارطة

لجغرافيا سياسية لشرق أوسط جديد آنذاك ، واستطاعت أيضاً أن تصنع مجموعة من الحكام الفاسدين للسيطرة الاستراتيجية على المنطقة ، ولكنها في النهاية لم تستطع أن تخترق المنطقة

ثقافياً 0 والرأي الثاني لسفير أمريكي سابق في الشرق الأوسط يقول : ” أصدقاؤنا وأعداؤنا في هذه المنطقة سواسية من حيث عدم استطاعتنا الاعتماد على أي منهم ” 0

 والرأي الثالث عن الشرق الأوسط لبوب باير يقول : ” الشرق الأوسط منطقة تمت برمجتها بحيث تحجب الحقائق ، حيث أنه في فترة من الفترات ، خطر لي أنه إذا تمكنت من

جمع خيوط لعبة العنف وسبر أغوارها فإنني سأستطيع فهم أسرار العنف الذي تعانيه المنطقة 0 غير أن المسألة كانت تزداد تعقيداً كلما أزدادت الخيوط التي تتجمع لديّ ” 0

 وهنا رأينا على ذلك : الولايات المتحدة تعتقد عندما تقحم نفسها في الشرق الأوسط ، بأنها تستطيع أن تغير هذه المجتمعات من شمولية أو أبوية إلى ديمقراطية تعددية مثل :

اليابان وألمانيا 0

 بالنسبة لليابان وألمانيا كانتا دولتان تمثلان قطبين عالميين رئيسيين في عالم متعدد القطبية آنذاك 0 فاليابان وألمانيا كانتا دولتان متقدمتان وصناعيتان ويملكان ناتج محلي

كبير وشعوبهما متقدمة 0 فكان على أمريكا بعد هزيمة هاتان الدولتان في الحرب العالمية الثانية ، هو نقلهما من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي فقط 0 بحيث رحب معظم شعبيهما

بالديمقراطية وعادا بعد أقل من عقدين من الزمان للمنافسة على قمة هرم الاقتصاد العالمي  0

 ولكن الشرق الأوسط يختلف عنهما بأنه أمة عندها ثقافة سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية تغوص جذورها في مئات وأحياناً آلاف من السنين في عمق الحضارة الإنسانية

0

 وابتليت هذه الأمة منذ ما يقارب من سبعة قرون من الزمان بالفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتلى ذلك الاستعمار وفعل ما فعل في هذه المنطقة بحيث لا توجد مساحة

كافية لذكره هنا 0

 ونتج عن ذلك مجتمعات تعاني من الفقر والجهل والمرض ، وفي القرن العشرين حبا اللّه هذه الأمة بثروة الهايدروكاربون ( النفط والغاز الطبيعي ) 0 بحيث لو استثمرت هذه

الثروة الاستثمار السليم في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي لأصبحنا إحدى القوى في العالم التي تنافس على اتخاذ القرار في هذا الكوكب على أقل تقدير0

 ولكن الآن مضى ما يقارب من سبعين سنة على الثروة الهايدروكاربونية في العالم الإسلامي ووضعه أسوأ مما كان عليه آنذاك  0

 فنقول لأمريكا إذا كنت تبحثين عن مصلحة هذه المنطقة فالآلية التي تعملين بها في المنطقة ستفشل مثلما فشل قبلكم أسلافكم البريطانيين  0

 وفي الختام لن تتطور هذه المنطقة إلا عندما يحترم الإنسان ويعطى حقوقه كاملةً ، ويؤدي واجباته كاملةً ، وإن غداً إنشاء اللّه لناظره قريب  0

 وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *