قراءة في استراتيجية الهايدروكاربون الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

6/9/2004

الاعتداء الصهيوني الوحشي على الشعب الفلسطيني الاعزل في أواخر مارس وأبريل 2002م ، أثار عدة تساؤلات على المستوى الإقليمي ، وهذه التساؤلات هي –

ما هي التكتيكات التي تستخدمها الأمة الإسلامية لكي تحافظ على استراتيجيتها الأمنية في العالم ؟

هل هذه البطاقات التكتيكية تعتمد على الموارد الطبيعية ، أو القوة العسكرية ، أو اللعبة السياسية ؟

الذي ظهر جلياً خلال الاعتداء الأخير بأنه يوجد جدل ما بين الدول الإسلامية في الأسلوب التكتيكي للمحافظة على الاستراتيجية الأمنية للأمة  0 ولو تفحصنا البطاقات التكتيكية الثلاث المذكورة على شكل فرضيات لوجدنا التالي –

الفرضية الأولى – الموارد الطبيعية الاستراتيجية ، نجد بأن أهم مورد طبيعي في العالم يوجد في العالم الإسلامي ، وذلك يشكل طاقة ومادة أولية ممثلاً بالهايدروكاربون ( النفط والغاز الطبيعي ) ، فاحتياطيات النفط في العالم الإسلامي تصل إلى 72% من الاحتياطي العالمي ، والنفط يعتبر أهم مصدر للطاقة في العالم ، ويشكل 40% من الطاقة المستخدمة عالمياً 0 واحتياطي الغاز الطبيعي في العالم الإسلامي 7ر49% من الاحتياطي العالمي ، ويشكل الغاز الطبيعي 21% من الطاقة المستخدمة عالمياً ( آل ثاني 2002 ص101 ) 0 العنصر المهم في هذه الفرضية هو أن دول العالم الإسلامي لها سيطرة كبيرة على 61% من مصادر الطاقة المستخدمة في العالم (عبد اللّه ص 292 ) ، والطلب العالمي على هذين المصدرين للطاقة في تزايد مستمر ، فزيادة الطلب السنوي على النفط تصل إلى 8ر1% ، وعلى الغاز الطبيعي تصل إلى 3ر3%، علماً بأن نمو الطلب على الطاقة في العالم 1ر2% سنوياً ( عبد اللّه ص 120 ، 121 ) 0

الفرضية الثانية عسكرية – الواضح بالنسبة لنا بأن إحدى أكثر الأقاليم في العالم انفاقاً على التسليح هي دول النظام الإقليمي الخليجي ( دول مجلس التعاون ، وإيران ، والعراق ) 0 ففي عقد التسعينيات من القرن الماضي انفقت دول الخليج العربي ما يقارب من 4ر25 بليون دولار على التسليح وحصة دول المجلس من هذا الانفاق 80% ، وعدد القوات المسلحة للأقليم 000ر200ر1 مقاتل ، 27% منهم في دول مجلس التعاون ، وعدد الدبابات 6100 دبابة وحصة مجلس التعاون 30% ، وعدد العربات المدرعة 11750 ونصيب مجلس التعاون 54% ، وعدد قطع المدفعية والراجمات 6050 ونسبة المجلس 18% ، وعدد الطائرات القتالية 1165 ونسبة المجلس 47% ، وعدد الطائرات العمودية 350 وحصة المجلس 37% ، وعدد السفن القتالية 46 وحصة مجلس التعاون الخليجي 72% ( آل ثاني 2002م ص 191 ) 0 ولكن هذه القوة العسكرية المهولة غير ذات جدوى لأنها لم تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في ردع العدو الصهيوني مادياً أو معنوياً عن ممارساته المشينة والشنيعة على مقدسات المسلمين في القدس الشريف ، أو في الأراضي الفلسطينية  والأسوأ من ذلك رغم أن التوازن الاستراتيجي في الإحصائيات المذكورة هو من صالح دول المجلس مقارنةً مع شقيقاتها الأخريات في النظام الإقليمي الخليجي ، إلا أن هذا التفوق لم يجعل دول المجلس تشعر بالاستقرار الأمني في محيطها الجغرافي ، مما جعلها توقع اتفاقيات أمنية مع الدول الأجنبية وعلى رأس القائمة الولايات المتحدة الأمريكية ، التي استغلت الوضع المهزوز في المنطقة وأنشأت قواعد عسكرية في دول مجلس التعاون الخليجي 0 وذلك حقق الحلم الأمريكي من ناحيتين – أولاً – السيطرة الأمريكية على أهم موارد الطاقة في العالم حيث أن دول المجلس تمتلك 5ر44% من احتياطيات النفط في العالم، و 15% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم ( آل ثاني 2001 ص 87 ، 89 ) 0 ثانياً – انتزعت الولايات المتحدة من دول المنطقة استقلالية القرار السياسي ، ومهما حاول أن يتظاهر الزعماء السياسيون بغير ذلك ، فإن واقع الحال عالمياً يقول بأن الدولة العظمى عندما تحصل على قواعد عسكرية في دولة أجنبية فذلك يساهم في الانتقاص من سيادتها ، وذلك حدث بالفعل في دول عدد سكانها يقدر بعشرات الملايين ، مثل التواجد الأمريكي في الشرق الأقصى وتحديداً في الفلبين وكوريا الجنوبية وتايوان واليابان  0

الفرضية الثالثة سياسية – آلية إتخاذ القرار السياسي في العالم الإسلامي ، وخاصة دول نظام الأقليم الخليجي غير واضح المعالم ، باستثناء إيران نسبياً بحيث نستطيع أن نرى دور مرشد الثورة ، ومجلس صيانة المصلحة ، ومجلس صيانة الدستور، ورئيس الجمهورية ، ومجلس الشورى المنتخب 0 ولكننا لن نسترسل في هذا المنوال كثيراً ، ولربما نأتيكم بدراسة مستقلة مستقبلاً إنشاء اللّه عن آلية إتخاذ القرار السياسي في دول النظام الأقليمي الخليجي  0

أما ما يهمنا في هذا الموضوع هو استراتيجية الهايدروكاربون ، وهل هو ورقة ضغط سياسية أم لا كما أستخدمه العرب في عام 1973م 0 ونستطيع أن نستشف مفهوم هذه البطاقة من خلال تصريحات المسئولين السياسيين في أكبر ثلاث دول خليجية ويضاف لهم الرأي الأمريكي ، والوضع السياسي للأمة الإسلامية في 2002م –

أولاً – مرشد الثورة الإيرانية في 5/4/2002م طلب من الدول الإسلامية المنتجة للنفط ” تعليق تسليم النفط بشكل رمزي لمدة شهر إلى الدول الغربية وتلك التي تقيم علاقات مع إسرائيل ” ( الوطن 2407 ) 0

ثانياً – اعلن الرئيس العراقي صدام حسين في 8/4/2002م حظر تصدير النفط العراقي لمدة شهر 0 والعراق ينتج 2ر2 مليون برميل يومياً وغير خاضع لحصص الأوبك بسبب عقوبات الأمم المتحدة ( أمريكا ) تحت ما يسمى النفط مقابل الغذاء 0

ثالثاً – المصدر السعودي فقد مثله الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وقال “بأن النفط ليس سلاحاً وأي واحد يطالب بحظره لا يفهم حقيقة الاقتصاد العالمي )  (ق0ن0أ،4/4/2002) 0

رابعاً – الخطاب السياسي الأمريكي أثناء الاعتداء الصهيوني الغاشم ، كان يركز على أنه عندما يتكلم عن إسرائيل فهو يتكلم عن صديق ، ” وهذه رسالة دبلوماسية موجهة لجميع الدول العربية والإسلامية بأنه غير مسموح لأية دولة بأن تتهور وتتصرف برعونة لأن نتيجة ذلك ستدفع غالياً ” وفي ذات الوقت يعتبر نفسه محايداً (لايجاد آلية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ) 0 وفي الحقيقة هو الدفاع العربي الإسلامي الفلسطيني ضد الغزو الصهيوني الغاشم ، وفي الوقت نفسه يلمح الخطاب السياسي الأمريكي ، بأن أعمال المقاومة ( المشروعة للاحتلال ) ، والعمليات الاستشهادية (المباركة) في فلسطين بأنها ارهاباً  0 أما الأرهاب الغاشم الذي تقوم به إسرائيل على المواطنين الفلسطينيين العزل في الأرض ، فتراه أمريكا بأنه حق مشروع لإسرائيل وذلك يمثل الدفاع عن النفس  0

وتعليقاً على ذلك ، فعلى الرغم من أن أمريكا دولة علمانية وتؤمن بتطبيق القانون الدولي العام بحذافيره ، ، عندما يكون ذلك لمصلحتها أو لمصلحة إسرائيل ، ولكن عندما تتضرر مصلحتها أو مصلحة حليفتها ، فإنها تنظر للقانون الدولي العام بالمقلوب  0

ولم نستغرب من ذلك ، فأمريكا وضعت التصور الاستراتيجي المناسب للسيطرة على جميع دول المنطقة ، والدليل على ذلك هو التالي – عندما قرر العراق توقيف نفطه لمدة شهر لم يكترثوا لذلك ، حيث صرحت مسئولة في وزارة الطاقة الأمريكية ” بأن الطاقة الغير مستغلة تبلغ 7 مليون برميل يومياً ، وأضافت أن هذه الطاقة متاحة طالما أوبك لم تؤيد العراق ” ( الراية 7276 ) 0 أما بالنسبة لأوبك فالأمر محسوم للأسف الشديد حيث قال مصدر مسئول في الأوبك ” لا مجال لفرض حظر ، لأنه لا يمكن لعاقل ، حسب رأيهم ، أن يدعم مثل هذا الإجراء الذي سيرتد علينا بالتأكيد ” ( الوطن 2407 ) 0

خامساً – الأمة العربية والإسلامية – في أواخر عام 2001م اتصل بنا صديق صحفي ، وسألنا بعد الاعتداء الأمريكي الغير مبرر على أفغانستان ، أين الأمة الإسلامية ؟ قلت له – الأمة بخير ولكن القرار السياسي مريض  0 وأعتقد بأن الأمر الآن واضح وبجلاء ( أي في أبريل 2002م ) ، بأن الأمة العربية الإسلامية بخير ، والقرار السياسي مريض ، ولا توجد آلية لاتخاذ القرار السياسي 0

الامكانات والآليات التي يستند عليها قرار قطع النفط –

أولاً – إيران – فمن حيث الأمن القومي ، فإيران من الدول التي تستطيع أن تعتمد على الذات نسبياً لمدة سنة تقريباً ، فمعدل النمو السنوي لإنتاج الحبوب في إيران 5ر6% وذلك اعطى إيران اكتفاءً ذاتياً وصل إلى 100% من البقوليات ، و 80% من إنتاج القمح ، و 65% من إنتاج الأرز ، أما بالنسبة لمعدل الزيادة السنوية لنصيب الفرد من اللحوم فإنه يبلغ 6ر3% 0 أما بالنسبة لاستقلالية القرار السياسي الإيراني ، فإيران من الدول التي استطاعت أن تبتكر آلية خاصة بها لاستقلالية القرار السياسي كما ذكر سابقاً 0 ومن حيث الموارد الهايدروكاربونية ، فإيران ثاني أكبر منتج في أوبك وحصتها 3 مليون برميل يومياً ، ويوجد بها 10% من الاحتياطي العالمي للنفط ، و 16% من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي ( آل ثاني ، 2002 ص 206 ) 0

أما بالنسبة لوضع إيران في الأسرة الدولية ، فإيران من الدول التي صنفها مبدأ بوش الابن من دول ( محور الشر ) وذلك سبب لها ، ومازال يسبب الكثير من المتاعب من حيث الخطر الاقتصادي الذي يمارس عليها ، وأن تم اختراقه أحياناً بواسطة بعض الدول الأوربية الغربية وروسيا الاتحادية والصين وكوريا الشمالية والثلاث الأخيرة أيضاً تعتبر من محور الشر حسب التصنيف الأمريكي الأخير ، وكذلك نجد الاختراق المذكور يخضع لرقابة كبيرة بواسطة أمريكا  0

من أمثلة الضغوط التي تتعرض لها إيران ، حرمانها من أن تلعب دوراً محورياً لتصدير هايدروكاربون دول بحر قزوين من خلالها إلى الخليج العربي ، ومن ثم إلى العالم ، ( كيمب ، مصادر الطاقة ، ص 77 ) رغم أن إيران من ناحية جغرافية هي أقرب وأفضل ممر للانابيب الهايدروكاربونية الوسط آسيوية ، ولكن من ناحية استراتيجية محرومة من أن تلعب هذا الدور 0
ولكن تبقى إيران عندها نقطة أفضلية عن باقي دول المنطقة العربية ، بأنها تخلصت من جميع القواعد الأجنبية التي كانت جاثمةً على أراضيها وفي مياهها الإقليمية قبل عقدين من الزمن وذلك كان في عهد الشاه 0

وفي الفترة الأخيرة أصبحت إيران تدرك اللعبة الاستراتيجية المحلية والإقليمية والعالمية بطريقة مذهلة 0 وبالتالى أدى ذلك إلى فشل مجموعة سيناريوهات لإستدراج إيران ، وضعت بواسطة القوة العالمية  0

ولكن لربما الاستفسار الحقيقي التي تنقبض أنفاس معظمنا لسماعه ، هل تستطيع إيران أن تحظر تصدير النفط شكلياً لمدة شهر ؟

الإجابة – بنعم ، تستطيع لأنه يوجد لديها إرادة وأهلية سياسية مستقلة ، ومن ناحية أخرى مستوعبة جلياً أصول اللعبة الدولية ، وخاصةً أن النفط يمثل 80% من ايراداتها من العملة الصعبة ، وأي قرار فردي سيضر بإيران ( الوطن 2407 ) رغم أنها ثاني أكبر مصدر للنفط في أوبك 0 ولكن يجب أن نعلم جميعاً بأن هناك إمكانية ما يقارب من 10 مليون إلى 7 مليون برميل يومياً مجمدة في حقولها ، وذلك بسبب نظام الحصص ما بين دول أوبك وايبك للاحتفاظ باستقرار أسعار النفط للدول المنتجة ، وبما يتناسب والتنمية الاقتصادية في دول وكالة الطاقة ( الدول المستهلكة ) 0 ومعظم الطاقة الإنتاجية المجمدة موجودة في أوبك ، وتسمى الطاقة المحورية للتعويض في حالة النقص ، وللإغراق في حالة تلاعب الدول الأخرى بالأسعار ، وفي الوقت نفسه يوجد نفوذ كبير للولايات المتحدة على طاقة الارتكاز المحورية  0

ومن هنا يجب علينا أن لا نستغرب التكييف السياسي لاقتراح مرشد الثورة الإيراني للحظر المؤقت للنفط ، بواسطة السيد كمال خرازي وزير خارجية إيران ” هذا ليس قراراً يمكن أن يقرره بلد واحد بنفسه ، يجب أن يكون قراراً جماعياً لكي يكون فعالاً ” ( الوطن 2407 ) 0

ثانياً – العراق – أعلن العراق حظر تصدير النفط لمدة شهر كما ذكر سلفاً ، فالقرار العراقي قراراً شجاعاً ، وهو بالفعل من صالح المقاومة في فلسطين المحتلة 0 وفي الوقت نفسه العراق من ناحية سياسية وأمنية لا يوجد لديه ما يخسره ، فهو مفروض عليه حظر من أكثر من إحدى عشرة سنة ، وفي التصنيف الأخير لبوش الأبن يعتبر من دول محور الشر ، والأسوأ من ذلك كله في اللقاء الأخير ما بين بوش الأبن وبلير ، وأثناء قيام الأرهاب الصهيوني بدك معاقل المرابطون في الأرض الفلسطينية المحتلة ، ركز الزعيمين على ابتكار آلية جديدة لضرب العراق وتغيير نظام الحكم ، ويسمى ذلك في علم السياسة (defusing) وهو أسلوب تلطيف أزمة موجودة ، وذلك بافتعال أزمة كامنة ، والهدف طبعاً مصلحة إسرائيل 0 ولكن اللاعب العراقي استطاع أن يقحم نفسه في الملعب في الوقت المناسب ، وهذا القرار العراقي سيؤثر كثيراً على الدول التي تنوي أن تلعب دور محور ارتكاز ، لأنه سوف يكشفها بطريقة مجدرة أمام 5ر1 بليون مسلم  0

ثالثاً – الأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية ، وهو يعتبر أحد أفضل وزراء الخارجية في العقود الثلاثة الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط ، ويشاركه في ذلك الشيخ صباح الأحمد من الكويت ، والأستاذ طارق عزيز من العراق ، والسيد عمرو موسى من مصر ، حسب المعلومات المتوفرة لدينا من خلال إجادتهم لمعادلة اللعبة الداخلية ، واللعبة الخارجية ، ولعبة التوازن ، وخلخلة التوازن  0 أما بالنسبة لإجابة الأمير الفيصل المذكورة سلفاً ، فهي إجابة دبلوماسية اقتصادية ، لأننا عندما نحللها من ناحية اقتصادية صحيحة ، ولكن عندما نحللها من ناحية سياسية استراتيجية فهي إجابة لدينا عليها تحفظ كبير ، وسواءً كان يقصد الفيصل هذا أو ذاك 0 إلا أننا لابد لنا من قراءة سريعة لأوراق الشرق الأوسط ، وخاصةً الأمن القومي العربي –

أولاً – بطاقة الهايدروكاربون –

الحظر الشكلي للنفط استخدم عربياً في عام 1973م ، وقد أتت هذه البطاقة ثمرتها آنذاك ، ولكن لا ندري هل استخدمه العرب كتكتيك ، أم أستخدم كاستراتيجية ؟ 0 وفي رأينا بأنه لا هذا ولا ذاك ، بل رد فعل معنوي للنتائج الإيجابية التي حققها المقاتلون العرب على الأرض آنذاك ، والدليل على ذلك أن القرار المذكور آنفاً كان رد فعل ، أننا لم نلمس حلقاته المتواصلة إذا كان تكتيكاً ، ولم نرى بأنه قد حقق للأمة العربية والإسلامية استراتيجية محددة لكي تسمو ما بين الأمم  0 رغم القفزة الكبيرة التي تحققت لأسعار النفط بحيث قفزت من 3 دولار قبل 1973م ، إلى أكثر من 40 دولار بعد عام 1979م ، وكان ذلك متزامناً مع الثورة الإسلامية في إيران 0 ولكن هذا الربيع لم يستمر طويلاً ، حيث تحول بعد ذلك إلى خريف قاتم ومازال مستمراً حتى الآن  0

فالدول الصناعية وضعت مجموعة تكتيكات لكي تصل إلى استراتيجية في المستقبل المنظور ، وهذه التكتيكات هو عندما قال كيسنجر عام 1979م ” لا تفاوض مع منتجي البترول إلا بعد أن نرتب بيتنا من الداخل ” وحدث بالفعل وأنشأوا وكالة الطاقة الدولية في باريس ( الوطن 2072 ) وكان للوكالة الدولية تصورين رئيسيين هما – (أ) قصير المدى وهو نظام يسمى المخزون الاستراتيجي (ب) طويل المدى وهو البحث عن الهايدروكاربون خارج منطقة الشرق الأوسط ، والبحث عن مصادر أخرى كبدائل للطاقة 0 وبالفعل حدث انهيار لأسعار النفط في عام 1985م ، وأصبح قيمة برميل النفط ، أرخص من قيمة برميل التراب لو أردنا استيراده من أوربا الغربية كما سنوضح ذلك لاحقاً 0 ونجد أن سعر برميل النفط في بعض الفترات من منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وصل إلى 6 دولار للبرميل ، أي فقد ما يقارب من 82% من سعره قبل خمس سنوات (0891م ) 0 وحتى هذه الفترة مازال النفط يعاني منها ، حيث وصل سعر برميل النفط في أواخر 2001م إلى 20 دولار ، وإذا أخذنا في الحسبان معدل التضخم السنوي في العالم ما بين 3% إلى 5ر2% ، فسنجد بأن سعر البرميل الحالي ، يعادل أو أقل في القوة الشرائية من سعر البرميل عام 1973م الذي كان يساوي 3 دولار  0

أما الخطة طويلة المدى التي ابتكرها الغرب كانت –

1/ البحث عن النفط في مناطق أخرى غير الشرق الأوسط ، ومنها المناطق القطبية وبحر الشمال وأفريقيا ووسط آسيا ( آل ثاني 2000م ص 130 ) ، ولكن النتائج غير مشجعة لوكالة الطاقة الدولية بحيث بقيت منطقة الشرق الأوسط القطب الرئيسي للطاقة ، وتمتلك 68% من احتياطيات النفط ، وأما ما تبقى من احتياطيات النفط فتتوزع كالتالي – امريكا الوسطى والجنوبية 9% ، وأمريكا الشمالية 8%، وأفريقيا 7% ، وروسيا الاتحادية 5% ، وبحر الشمال 2% ، والجمهوريات المطلة على بحر قزوين 2% (BP Statistical Review of World Energy 1998)
وفي النهاية الصورة واضحة لدينا ، فالسيادة لاحتياطيات النفط بقيت لدول الشرق الأوسط ، والأهم من ذلك فإن تكلفة إنتاج برميل الشرق الأوسط من 2 إلى 1 دولار ، ويقابله تكلفة إنتاج أرخص برميل في معظم النفط المذكور يقفز إلى 5 دولار  0

وبالتالي فبالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها من كبار مستهلكي النفط وجدوا بأن استراتيجية إذلال الشرق الأوسط من خلال ايجاد احتياطيات نفطية ضخمة في أقاليم جغرافية أخرى أصبحت فاشلة كما ذكر سلفاً 0

وكان لابد لها من سيناريوهات جديدة للسيطرة على الثروة النفطية في المنطقة ، وكان أكثرها فاعلية في المنطقة هو ما يسمى بمعادلة خلخلة التوازن ( أو كما تسمى بالعامية لخبطة أوراق المنطقة ) 0 وهذه السيناريوهات آتت ثمارها ، فأصبحت تسعيرة النفط صعوداً وهبوطاً تتحدد من واشنطن دي سي ( راجع آل ثاني ، المستقبل العربي العدد 275 ) 0

2/ الغاز الطبيعي ، حاول الغرب من خلال سياسة التوازن الجغرافي لإنتاج الهايدروكاربون ، ومن خلال استراتيجية الإحلال بالتوسع في صناعة الغاز الطبيعي 0 ولكن الغاز الطبيعي إلى الآن لم تتطور التكنولوجيا لتجعله بديلاً كلياً للنفط ، وكذلك تكلفته عالية ، مثلاً ( سعر تسليم الغاز ميناء الوصول 50ر3 دولار لكل مليون وحدة حرارية  Btu ، إذاً ربحية تصدير الغاز بما فيها ثمن المادة الخام سوف لا تتجاوز 36ر0 دولار لكل Btu ، إذ تقدر التكلفة بنحو 14ر3 دولار 0 وبتحويل هذه الأرقام إلى ما يناظرها من نفط ، تبلغ ربحية الغاز نحو 80ر1 دولار لما يعادل برميلاً من النفط الذي يحقق ربحية قدرها 18 دولاراً   (عبد اللّه ص 89 ) 0 وكذلك رغم كل سيناريوهات الإحلال ، والمحاولات المستميتة لتهميش دور الشرق الأوسط في احتياطيات الغاز الطبيعي ، إلا أن أكبر مخزون استراتيجي لاحتياطيات الغاز بقي في العالم الإسلامي والشرق الأوسط وهو كالتالي – الشرق الأوسط والعالم الإسلامي 7ر49% ، وروسيا الاتحادية 9ر32% ، وأمريكا الشمالية 6ر5% ، وأمريكا اللاتينية 3ر4% ، وبقيت آسيا الغير إسلامية 9ر3% وأوربا 6ر3% ( عبد اللّه ص 303 ) 0

3/ التوسع في الفحم الحجري ، وهو يواجه الكثير من المشاكل البيئية في الدول الصناعية ، ويعتبر من أقذر أنواع الوقود الحفري تلويثاً للبيئة 0

4/ التوسع في توليد الطاقة من المفاعلات النووية 0

5/ الطاقة المائية المتجددة 0

6/ الطاقة المولدة بواسطة الرياح ، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية ( آل ثاني 2000م ص 130) 0

ولكن نجد مع كل المحاولات المضنية لايجاد بدائل الطاقة ، بقيت السيادة للطاقة الهايدروكاربونية والوقود الحفري بحيث يمثل النفط 40% من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ونمو الطلب عليه 8ر1% سنوياً ، والغاز الطبيعي 21% من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ونمو الطلب عليه 3ر3% سنوياً ، وحجم استخدام الفحم الحجري 21% ونمو الطلب عليه 7ر1% سنوياً ، والطاقة النووية 6% من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ونمو الطلب عليها / 4ر0% ، أما حجم استخدام الطاقة المائية المتجددة فهو 5ر7% والنمو السنوي 5ر2% ( عبد اللّه 292 ) 0

والأمر الخطير بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها بأن تكاليف الوقود الغير حفري مازالت باهظة جداً ، ولم تتوصل الدول الصناعية لاستخدامها بشكل فعال ومرن ، وذلك مثل – الطاقة الشمسية ، والطاقة المولدة بالرياح ، والهيدروجين ، والمساقط المائية ، والطاقة النووية ومخاطرها الاشعاعية أيضاً ( نيوزويك 9/4/2002 ) 0

إذاً سيبقى العالم ولفترات طويلة من الزمن ، مصدره الرئيسي للطاقة هو الوقود الحفري حيث يشكل الآن 85% من الطاقة المستخدمة عالمياً 0 وخلاصة القول رغم المحاولات المهلكة لوكالة الطاقة الدولية ، ودعمها لمنتجين جدد من خارج أوبك 0 والدور الأمريكي بالتلاعب بالتوازن الاستراتيجي الامني بالنسبة لدول الأوبك ، ولا نستطيع أن ننكر بأن أمريكا استطاعت اختراق هذا التحالف 0 ويجب أن نعترف بأنه على المدى القصير استطاعت الولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية من تقليص دور الأوبك ، بحيث كانت الأوبك قبل الحظر النفطي الذي طبقته الدول العربية على حلفاء إسرائيل تسيطر على 85% من صادرات السوق الدولية من النفط ( عبد اللّه ص 95 ) ، وفي منتصف الثمانينيات كانت حصة أوبك 60% ، وفي الالفين أقل من 40% ( كول مصادر الطاقة ص 184 ) 0

ولكن ذلك لا يعني أطلاقاً تقلص أهمية الأوبك ، لأن الاحتياطيات الضخمة موجودة في أوبك بحيث تصل الآن إلى 68% تقريباً من الاحتياطي العالمي للنفط ( كول 178 ) ونمو الطلب العالمي على النفط 8ر1% سنوياً ، أي الآن الصادرات النفطية 75 مليون برميل يومياً ، ويتوقع أن تصل إلى 115 مليون برميل يومياً عام 2020م ( كول ص 184 ) 0 وفوق ذلك كله النفط بشكل عام ، ونفط الخليج بشكل خاص يعتبر أرخص مصادر الطاقة عالمياً ، حيث أن أقصى ما تتقاضاه الدول المصدرة للنفط هو 20% من القيمة الفعلية للنفط بعد وصوله عند المستهلك النهائي في الدول المستوردة ( آل ثاني 2001م ص 131 ) 0 وأيضاً يمتاز النفط بأنه مادة أولية لمعظم الصناعات ، ويشاركه في ذلك مصادر الوقود الحفري الأخرى ( آل ثاني 2001 ص 37 ) 0

وإذا كان العالم الصناعي في يوم من الأيام يبحث عن طاقة جديدة أو مصادر بديلة للطاقة الهايدروكاربونية ، مخافةً من أرتفاع نفط الشرق الأوسط مما سوف يؤدي إلى انهيار نظامهم الاقتصادي 0 إلا أنهم الآن يسعون حثيثاً لايجاد مصادر أخرى للطاقة لتحل محل النفط قبل نضوبه  فمثلاً الجيولوجي ديفييز ، ومن خلال تطبيق المنحنى الجرسي على التوسع في الاكتشافات النفطية ، ومن صفات المنحنى الجرسي أنه في نهاية المطاف يبلغ الذروة ثم سرعان ما يبدأ الانحدار ، وعندما طبق ديفييز هذه النظرية الاحصائية عام 1989 على امدادات النفط العالمية ، ( صعق لرؤيته أن نقطة الذروة لم تعد على بعد عدة عقود كما كان يعتقد ، بل مجرد سنوات قليلة – في فترة ما بين عامي 2004 و 2008 ) ( نيوزويك 9/4/2002 ) 0

ومن ناحية جدلية نجد أن الخبير العالمي في صناعة النفط الشيخ أحمد زكي يماني قال ” ذاكرة أوبك قصيرة ، وستدفع ثمناً غالياً لعدم تدخلها عام 1999م للسيطرة على أسعار النفط 0 الآن فات الأوان للتحرك ، العصر الحجري أنتهى لكن نهايته لم تكن لنقص الحجارة 0 والعصر النفطي سينتهي ، ولكن ليس لنقص النفط ) ( الخليج 7779 ) 0

رأينا العلمي في دراسة منشورة في أبريل 2000م ( إذا كان هناك طاقة بديلة للنفط فلن يتحقق ذلك عملياً قبل 2050م ، أما النضوب فهو وارد قبل ذلك ) ( راجع آل ثاني 2000م ص 88 ) 0

ثانياً – الأمن الغذائي العربي – من ناحية إنتاج الغذاء نجد أن العالم العربي مكشوف أمام العالم ، وذلك عكس الوضع في إيران كما ذكر سابقاً 0 فالعالم العربي يعاني من عجز مزمن في توفير الغذاء ، إذ تستورد الدول العربية 45% من حاجياتها الغذائية ( مقاسة بالقيمة ) 0 وتستورد دول مجلس التعاون الخليجي 78% من جملة الاستهلاك الغذائي ، وبالمقارنة لا يتجاوز متوسط الواردات الزراعية في بقية أقطار العالم ككل 9% من حاجياتها ( آل ثاني ، 2002 ص 100 ) 0

ثالثاً – التجارة الدولية – نستطيع أن نعالج ذلك من خلال مراقبة التجارة البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي وبقية العالم 0 والتجارة البينية بين دول المجلس والعالم العربي ضئيلة بشكل مفزع بحيث تصل 9ر1% وهذه الإحصائية هي أقل مؤشر لحجم التجارة الخليجية مع بقية العالم 0 والتجارة البينية بين دول المجلس نفسها 6ر6% ، وهذا غير مستغرب بسبب تماثل السلعة الاستراتيجية الموجهة للخارج ممثلة بالهايدروكاربون 0 ونلاحظ بأن دول المجلس مرتبطة ارتباطاً شبه كاملاً في علاقتها التجارية مع الدول الصناعية الرئيسية 0 فالتجارة البينية مع دول السوق الأوروبية المشتركة 5ر21% ، والميزان التجاري لصالح أوربا بأكثر من الضعف حيث واردات الخليج 31% من أوربا ، وأوربا تستلم 12% من الصادرات الخليجية ، والتجارة البينية مع جنوب شرق آسيا 5ر17% والميزان التجاري لصالح دول المجلس ظاهرياً ، ولكن من ناحية فعلية هو من صالح آسيا ، لأن سلعنا إما مواد أولية أو ثانوية ، أما سلعهم فهي نهائية الشكل ، والتجارة البينية مع اليابان 16% والميزان التجاري لصالح دول المجلس ظاهرياً ، ومع أمريكا 13% والميزان التجاري لصالح أمريكا ، ومع الصين 2ر2% ( آل ثاني 2001 ص 125 ) 0

بالنسبة للتجارة الدولية توجد نقطة مرعبة يجب أن نتوقف وننتبه لها ، فدول المجلس تملك 5ر44% من احتياطيات النفط ، و 15% من احتياطيات الغاز الطبيعي، بمعنى آخر تعتبر القطب الرئيسي والاستراتيجي للاقتصاد العربي ( آل ثاني 2001 ص 87 ، 89) وجميعها تبادلها التجاري مع عالم الشمال مما جعلها مكشوفة اقتصادياً أمام العالم الصناعي ، وخاصةً بأن معظم العملة الصعبة الخليجية لا تعود إلى المنطقة وإنما تأخذ دورتها المالية في الدول الصناعية ، وذلك أدى إلى أن الأموال الخليجية في الخارج تقدر بثمانمائة بليون دولار وهذه في الحقيقة أموال أسمية 0 لأن أصحابها المباشرين لا يستطيعون استردادها إلى المنطقة ، وفقدوا السيطرة عليها 0 أما بالنسبة للمواطن الخليجي والعربي والمسلم فلا يستفيد منها ، وإنما يقبع تحت طائلة العدو الثلاثي المزمن للأمة الإسلامية – الفقر والجهل والمرض  0 أما الثروة النفطية التي وهبها اللّه سبحانه وتعالى لهذه الأمة فهي قيمتها أرخص من قيمة التراب في أوربا كما ذكر سابقاً، والدليل على ذلك في تحقيق منشور في جريدة الشرق 9/4/2000م، وهو مقارنة ما بين السلع المصنعة والمادة الخام النفطية ويقول ” ما يعادل برميل واحد من زيت السمسم تساوي قوته الشرائية 100 برميل من النفط ، وما يعادل برميل واحد من الشامبو تساوي قوته الشرائية 62 برميل من النفط ” ( الشرق العدد 4315 ) 0

والأدهى من ذلك ما ينتظر الدول النفطية خلال ما قاله د0 لقمان سكرتير عام أوبك ” قد تخسر دول أوبك وحدها 600 بليون دولار من الدخل ما بين عامي 1995م / 2020م لو فرضت الدول الأوربية ضريبة الكربون ، تبلغ 300 دولار على الطن ” (الراية العدد 6043 ) 0

ورغم المصالح الضخمة لأوربا في الخليج إلا أنها لا تضع أي هيبة تكتيكية أو استراتيجية لدول المجلس ، لأن جميع أوراقها مكشوفة أمامها ، فمثلاً أوربا من خلال تعاملها مع دول مجلس التعاون ، لا تطبق أهم محاور منظمة التجارة العالمية وهو الدولة الأولى بالرعاية ( أي ان تكون معاملة العالم متساوية ) ( آل ثاني 2002 ) ، علماً بأن أوربا من أكثر المتعصبين لمبادئ منظمة التجارة العالمية ولكنها تكيل بمعيارين عندما تجد لقمة سهلة الابتلاع والهضم فمثلاً ( تفرض أوربا ضريبة تصل إلى 6% على صناعة البتروكيماويات الخليجية ، ويقابل ذلك اعفاء البتروكيماويات المستوردة من أمريكا اللاتينية من الضرائب ) ( آل ثاني 2001 ص 131 ) 0

رابعاً – استراتيجية إنشاء البنية التحتية – أفقر بنية تحتية في العالم على الأطلاق ، مقرها الرئيسي هو العالم العربي والإسلامي ، والنتيجة – 75% من العمالة الإسلامية تعمل في الأنشطة الأولية ، ونسبة الأمية 50% ، ونسبة العاطلين عن العمل 50% ، ومعدل الحضرية لا يزيد على 34% ، ونصيب الفرد من الناتج المحلي تحت خط الفقر 725 دولار ، وجملة الناتج المحلي الإسلامي منخفض مقارنة بعدد سكان العالم الإسلامي الذين يمثلون 25% من سكان الكوكب ، ويحتلون 23% من مساحة كوكب الأرض 0 والناتج المحلي الإسلامي 3ر1 تريليون دولار ومنهك بالديون التي تبلغ 702 بليون دولار ، أي ما يعادل 36% من جملة ديون العالم النامي، والناتج المحلي الإسلامي أصلاً لا يساوي حتى 10% من الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية 0 وللأسف الشديد ما يعادل (1) ترليون دولار من أموال المسلمين مستثمرة في الدول الأجنبية ، ونحن نقول مجمدة في أوربا وأمريكا 0 هذه الأموال المجمدة في الغرب الصناعي تعادل 77% من قيمة الناتج المحلي الذي يعيش منه 5ر1 بليون مسلم ( آل ثاني 2002م ص 114 ، 179 ) 0

والحقيقة التي يجب أن نقر بها جميعاً ، فالأمة الآن أمام منعطف تاريخي خطير0 بحيث كل السيناريوهات السياسية والاقتصادية والإقليمية فشلت وانكشفت ، وكان أهمها دبلوماسية المساعدات التي كانت تعتمد عليها دول مجلس التعاون الخليجي لكي تحافظ على توازنها الاستراتيجي الإقليمي ، وهذه الدبلوماسية جعلت دول المجلس تدفع ما بين عامي 1970 / 1987م ما يقارب من 84 بليون دولار للدول العربية والإسلامية ، ولكن جميع هذه الأموال لم تعالج أياً من المشاكل الخليجية أو العربية أو الإسلامية ، ولنتوقف جميعاً لبرهة – وسوف يأتي من ناحية تلقائية السؤال الذي يطرح نفسه ( أين هذه الأموال ) ؟  0

الحقيقة التي يجب أن نؤمن بها بأن هذه الأمة لن تنهض إلا بجهد جماعي مشترك توظف كل طاقات الأمة البشرية والاقتصادية والمكانية لكي تسمو هذه الأمة ما بين الأمم ويصبح لها موضع قدم  0

خامساً – استراتيجية الدفاع – وضح لنا شكل وزعته رويتر في 14 سبتمبر 2001م تقريباً ، توزيع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط ، وتوزيع الدول المارقة حسب التصنيف الأمريكي ، والدول المارقة هي – إيران والعراق وسوريا وليبيا والسودان  0 بمعنى آخر الدول التي لا تنصاع للأوامر الأمريكية 0 ويوضح الشكل التواجد الأمريكي العسكري في الشرق الأوسط ، حيث الأسطول السادس في البحر المتوسط ، والأسطول الخامس في المحيط الهندي وبحر العرب 0 وهذا يمثل مبدأ كارتر أيام الحرب الباردة وبما يسمى قوات التدخل السريع 0 ولكن الآن أصبح للأمريكان تواجد مكاني كما يوضح الشكل من خلال قواعدهم العسكرية في السعودية والكويت والبحرين وقطر ، والبريطانيين في عُمان 0 وهذا هو مبدأ بوش لحماية الأصدقاء من الاحتلال  0 وفي الحقيقة هم هنا لحماية آبار النفط للأسف الشديد  0 وبالتالي كان التواجد الأمريكي في المنطقة ، وأمريكا حليفة لإسرائيل ، والأكثر من ذلك اللوبي الصهيوني يؤثر على جميع مؤسسات اتخاذ القرار في واشنطن دي سي  0 إذاً كيف نتوقع أن أياً من هذه الدول تستطيع أن توقف النفط عن أمريكا وإسرائيل وحلفائها ؟

وخلاصة القول أن الوضع الأمني في الشرق الأوسط هو كالتالي –

1/ افتعال سيناريو الأزمة المستمرة ، بين إيران والعراق ودول مجلس التعاون ، مما جعل دول المجلس مديونة بأكثر من 50 بليون دولار ، بل وأغلبها أصبح يمول ميزانيته العامة بالعجز أو يبيع بعض الأصول بحجة الخصخصة ، وبلغ الدين العام في بعض دول المجلس أكثر من 200 بليون دولار وذلك يعني أنهياراً اقتصادياً، ولكن كما يقول خبير صهيوني هولندي (؟) ” بأن دولكم مديونة نعم  وتشرف على مرحلة انهيار اقتصادي مثل ما حدث في المكسيك والأرجنتين نعم  ولكن الفرق بينكم وبينهم أن كنوز الذهب الأسود توجد تحت أرضكم  ” 0 ولكن كل ما تبيع دول المجلس كمية من كنوز الذهب الأسود ، يفتعل لها سيناريو أزمة أمنية ، وتنفق الأموال على التسليح الغير استراتيجي ، بحيث وصل انفاق دول المجلس على التسليح أواخر التسعينيات أكثر من 20 بليون دولار ، ومازالت دول المجلس لم تحقق أي توازن استراتيجي أمني مع جارتيها إيران والعراق  0

وهذا ما أعطى الحجة لأمريكا لوضع الدولتين – إيران والعراق تحت الحصار المزمن تارةً لأنهما تشكلان خطراً على جيرانهم ، وتارةً أخرى تشكلان خطراً على أمريكا ، وفي الحقيقة لا هذا ولا ذاك أنهما يشكلان خطراً على إسرائيل  0

2/ الدول التي وقعت معاهدات سلام ملزمة مع إسرائيل تحت إشراف الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت تتلقى هذه الدول مساعدات نقدية وغذائية من أمريكا ، علماً بأن ما يعادل 10 مليون برميل يومياً من النفط الشرق الأوسطي مجمد في حقوله النفطية كمحور أرتكاز للمحافظة على الأسعار ، ودول عربية ربطت مع أمريكا وإسرائيل معاهدات قانونية ومساعدات نقدية ، ومساعدات غذائية 0

3/ انعدام آلية إتخاذ القرار العربي ، وممكن مراجعة ذلك ( الراية العدد 7255 ) 0

/ وفي الختام نقول –

هل النفط سلاح ؟
/ نعم سلاح اقتصادي وسياسي وأمني  0
لماذا لا نستخدمه ؟
/ بعد أن نصلح البيت من الداخل  0

وفي الختام أذكر نفسي وأدعوكم ، أن تدعوا معي ، دعاء سيد البشرية جمعاء سيدنا محمد ص بعد خروجه من الطائف – ” اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي000 ” 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

قائمة المراجـع

1/ آل ثاني ، فهد ، استراتيجية التنمية ، دار الشرق ، الدوحة ، 2001م 0
2/ آل ثاني ، فهد ، دراسات في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا ، دار وائل للنشر ، عمان، والمؤلف الدوحة ، 2000م 0
3/ آل ثاني ، فهد ، العالم الإسلامي – دراسات جيوستراتيجية وجيوبوليتيكية ، الدوحة 2002 ( في الطريق قريباً للنشر إنشاء اللّه ) 0
4/ آل ثاني ، فهد ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 275 0
5/ جريدة الخليج الإماراتية ، العدد 7779 0
6/ جريدة الراية القطرية ، العدد 6043 0
7/ جريدة الشرق القطرية ، العدد 4315 0
8/ جريدة الوطن القطرية ، العدد – 2407 ، 2072 0
9/ عبد اللّه ، حسين ، مستقبل النفط العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 2000م0
10/ ق0ن0أ ، 4/4/2002 0
11/ مصادر الطاقة في بحر قزوين ، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، أبو ظبي ، 2001م 0
12/ نيوزويك ، 9/4/2002م 0
13/ BP Statistical Review of World Enrgy 1998.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *