زمن التناقضات العربي

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

 من خلال الأزمة الأخيرة في الخليج العربي ، استطاعت الولايات المتحدة أن تثبت أمام جميع الشعوب العربية هشاشة النظام العربي وضعفه على المستوى القطري ، وعلى المستوى الإقليمي 0 فالولايات المتحدة وحليفتها التقليدية ” المملكة المتحدة ” منذ الحرب العالمية الأولى وهم مصممون على خوض الحرب في العراق ، أما الدول دائمة العضوية الأخرى في مجلس الأمن فهم رافضين للحرب وذلك بسبب تضارب المصالح .. 0

 أما بالنسبة للموقف المتناقض فهو الموقف العربي ، فجميع الدول العربية رافضةً استخدام القوة لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية كما تدعي وتسميها أمريكا . 0

 واستطاع العرب أن يبرهنوا مطالبهم من خلال المنظمات الإقليمية التي ينتمون إليها وهي

أ – الجامعة العربية  حيث الاجماع العربي يصر على رفض استخدام القوة ضد العراق ، ودول الجامعة تمثل 11% من دول العالم تقريباً 0
ب – منظمة المؤتمر الإسلامي  جميع الدول الإسلامية ترفض استخدام القوة ضد العراق، وهذه الدول تمثل 30% من دول العالم . 0
ج – دول عدم الانحياز ترفض وبصورة قطعية ضرب العراق وهذه الدول تمثل 70% من مجموع دول العالم 0

 ولكن الأمر المناقض للإجماع العربي من خلال المنظمات الثلاثة المذكورة أعلاه ، بأن معظم الدول العربية تقدم تسهيلات لوجستية للقوات الأنجلوأمريكية ، فهم متواجدين في جميع دول مجلس التعاون الخليجي ، وأساطيلهم في الخليج العربي وخليج عمان وفي بحر العرب ، والبحر الأحمر ، والبحر المتوسط . 0 ونجد القوات الأنجلوأمريكية مستفيدة من جميع الممرات المائية العربية  قناة السويس ، وباب المندب ، ومضيق هرمز 0

 وعندما تقوم القيامة الأمريكية على العرب ستتكالب جميع هذه القوى الامبريالية على قمع العراق العربي متجاهلةً شعبه وتراثه وحضارته وتاريخه وانتمائه ، ولا نستغرب التجاهل الأمريكي لذلك ، لأن قمع العراق سينطلق لوجستياً من أراضي اشقائه العرب .. 0

 التناقض هنا ما هو القرار العربي الذي نعتمد عليه ، هل هو القرار العربي النظري بمنع ضرب العراق ، أو القرار العربي الفعلي بتقديم التسهيلات اللوجستية لضرب العراق .. 0

 طبعاً بالنسبة لنا نرى أن القرار العربي هو الثاني ، وهو تقديم تسهيلات عربية للقوى الامبريالية لضرب العراق ، والدليل على ذلك بأن الدول العربية النفطية تتعهد في حالة ضرب العراق وتوقف إنتاجه من النفط بأنها ستغطي أي عجز يحدث في الأسواق النفطية بسبب توقف الصادرات النفطية العراقية البالغة 2 مليون برميل يومياً0 ويقول علي النعيمي وزير النفط السعودي ” بأن المملكة قادرة على مواجهة أي نقص في السوق النفطية مع طاقة متوافرة لإنتاج 5ر2 مليون برميل في اليوم ” 0 وكذلك يعد أعضاء أوبك التي أعضاءها العرب يشكلون معظم احتياطياتها النفطية ، بأنهم سيعملون على تعويض أي نقص في النفط إذا توقف الإنتاج في أي دولة ، ونؤكد لكم بأن المقصود في أي دولة هو العراق . 0

 والأمر المدهش بأن دول الأوبك العربية متعهدة لأمريكا بأمرين في حالة الاعتداء الأمريكي على العراق

أولاً  تعويض امدادات النفط الناقصة في السوق 0
ثانياً  محاولة أغراق السوق النفطية في حالة حدوث ارتفاع دراماتيكي في الأسعار 0

 والأمر الثاني هو المهم لأن حدوث أرتفاع دراماتيكي في الأسعار سيجعل مواطني أمريكا وأوربا يقوموا بمظاهرات جارفة ضد الحرب ، وهذا سيعين العمليات العسكرية الأنجلوأمريكية ونضيف لها العربية ضد العراق .. 0

 ولغرض المقارنة ، انظروا إلى حال العرب اليوم 2003م ، وإلى حالهم قبل ثلاثة عقود من الزمن ، ففي حرب عام 1973م كان أحد أهم الأسلحة التي استخدمها العرب ضد إسرائيل هو تخفيض صادرات النفط العربي إلى الغرب ، والذي أدى إلى قفز أسعار النفط من أقل من ثلاثة دولارات للبرميل الواحد في بداية السبعينيات لأكثر من 40 دولار للبرميل الواحد في بداية الثمانينيات 0 وأصبحت الدول العربية البترولية تتحكم في السيولة العالمية بحيث قدر مجموع السيولة التي تسيطر عليها دول النفط آنذاك ما يقارب 200 بليون دولار ، مما جعل واضعي الاستراتيجية الغربية يقولون  لو استمر الحال على ما هو عليه فسوف ينهار المعسكر الاقتصادي الغربي .  راجع آل ثاني، فهد ، جغرافيا سياسية ، مجلة المستقبل العربي ، عدد أبريل 2002م  0

 ومن نتائج استخدام سلاح النفط ، أنه ساهم في الضغط على أمريكا وإسرائيل في بدء المفاوضات العربية الإسرائيلية ، لكي يتحقق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المصرية والسورية والأردنية ، وعلى إسرائيل أن تعيد الضفة الغربية وقطاع غزة للفلسطينيين لكي يؤسسوا دولتهم ، وذلك ما يسمى كامب ديفيد 1977م ، والمطلب الإسرائيلي كان فقط هو السلام والاعتراف بهم عربياً كدولة .. وأقامت الحكومات العربية وشعوبها الدنيا ولم تقعدها ، ونحن نشير هنا إلى التاريخ للمقارنة فقط ولنوضح شتان ما بين اليوم والبارحة . 0

 علماً بأن معظم الشعوب العربية في أحداث السبعينيات وما قبلها من القرن الماضي ، كانت تصف معظم الحكومات العربية بالتهاون والعمالة والخذلان 0 إذاً ماذا سوف تقول الشعوب العربية الآن في 2003م ؟ .. 0

 وأخيراً كنا في مؤتمر الخليج الثالث عشر في طهران في مارس 2003م ، فسألتنا مراسلة وكالة الأنباء الإيرانية ، ماذا سوف تقدم الجامعة العربية لاحتواء الأزمة العراقية الأمريكية ؟

 فأجبناها بالسؤال الذي يطرح نفسه متى الجامعة أو العرب قدموا حلول لقضاياهم، والأمثلة كثيرة على ذلك

1- ماذا قدمت الجامعة لقضية فلسطين منذ 1948م ؟
2- ماذا قدمت الجامعة للأراضي العربية المحتلة ؟
3- ماذا قدمت الجامعة للحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 1980 – 1988م ؟
4- ماذا قدمت الجامعة للاحتلال العراقي للكويت ؟

 فقالت المراسلة  لم استوعب ماذا تقصد ؟

فقلنا لها إذا قدمت الجامعة حلولاً للقضايا السالفة الذكر ، فسوف تقدم حلولاً للقضايا الانية والمستقبلية .. 0

 الذي يهمنا الآن هو ليس ما حدث أو يحدث ، بل هو التعري السياسي الذي أصاب الأنظمة العربية على المستويين القطري والإقليمي ، والذي يهمنا أيضاً بعد إنتهاء هذه الأزمة أو الأزمات ، ما هي المشاريع التي سوف تتقدم بها الأنظمة العربية لإصلاح الانهيار المعنوي الذي أصاب شعوبها ؟

 ونختتم قائلين نتمنى أن لا تقدم الأنظمة العربية الديمقراطية بدساتير صورية . ، وأن لا تقدم إعادة توزيع الدخل بإحصائيات مزيفة . ، وأن لا تقدم مشروع تكافؤ الفرص وكلاً يجهز أبناؤه لكي يخلفوه في وظيفته ، ونرمي بالكفاءات في سلة المهملات . ، وأن لا نصادق على وثيقة حقوق الإنسان ، وجميع حقوق الإنسان منتهكة.. 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *