إلى أين تذهب الفرانكفونية في الشرق الأوسط ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

24/6/2004

تابعنا بعد إنتهاء الحرب الباردة ، وبروز الولايات المتحدة كقطب عالمي      أوحد،عدة محاولات فرنسية لإجراء توازن قوى عالمي . ولضيق المساحة لإعادة تحليل مرحلة تعادل أكثر من عقد من الزمان ، سوف نركزعلى الدور الفرنسي في المرحلة 2002/2003 م .

فمفكر فرنسي مثل الكسندر ديل فال حلل الإستراتيجيات الكونية ، وركز من ضمن تحليله على العالم الإسلامي ( راجع آل ثاني ، مقالة الأوربة الإقتصادية أم العولمة الإمبريالية ! وذلك لتجنب التكرار) .

 والمفكر الفرنسي جي سورمان حاول أن يوضح بأن الهجوم الثقافي الامريكي الشرس على الثقافة الإسلامية بعد أحداث الحادي عشرمن سبتمبر عام 2001 م لايوجد لها مبرر يذكر ! .

 ويضرب امثلة على ذلك عندما اتهم بعض الاستراتيجين الامريكان المملكة العربية السعودية بالوهابية المتطرفة!.
ويقول سورمان : [ بأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس بمتطرفاً بل مُصلحاً دينياً قرر تنقية الاسلام ، وهو بهذا يشبه الى حد كبير مارتن لوثر كنج , الثائر ضد الممارسات الصوفية والسحرية التي كانت تسير الكنيسة  .
ورغبةً في العودة إلى الأصل فرض الشيخ مراجعة الشعائر ، وناضل من أجل عدم المغالاة في إقامة شعا ئر الموتى ، واسلوب بناء المقابر ،كما هاجم المتصوفين وإتهمهم بالدجل وأنه قد تم التأثير عليهم من قبل المسيحية ، واتهم المحافظين بالتراخي . ودعا للتمسك بالنصوص وأيضاً إلى  حرية أكثر للعباد في علاقة مباشرة مع القرآن .
وهذا يدفعنا للتساؤل الموضوعي : ماذا يقول القرآن ؟ وليس ما يدعي البعض بأن القرآن يقوله ] . [ الوطن السعودية العدد 830 ] .

ونجد سورمان بإسلوب جدلي ينتقد الإدارة الامريكية وهو عندما يقول : [ بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر قررت الإدارة الامريكية دمقرطة السعودية ، ولن ننكر أن أفكارها تتسرب إلى المجتمع السعودي عبر الانترنت وغيره . ولكن هذه المحاولات تلقى معارضة من الداخل ، حيث الرفض للتغير في المجتمعات والمؤسسات من الخارج ] .

وأيضاً يرى سورمان بإسلوب نعتقد بأنه محاولة للتقرب من الدول العربية التالي : [ من الأفضل بدلاً من أن نفرض مفاهيمنا وممارساتنا على السعودية ، أن نتركها هي تقوم بالتطوير والتطور ، ربما نحو تمثيل دستوري مرحلي بلأسلوب الذي يلائمها ] . [ الوطن السعودية العدد 830 ] .

وفي يناير/ 5 / 2003 م ألقى أحد المفكرين الفرنسيين محاضرة في الدوحة تحت اشراف المركز الدولي للتحليلات الاستراتيجية ، ويدعى المفكر الفرنسي جاك شيمنياد رئيس حزب العمل الاوروبي ، ومرشح الإنتخابات الفرنسية الأخيرة .

وفوجئنا بأن جميع الباحثين الفرنسيين يكررون نفس المنوال لتحليلهم الكوني بشكل عام وللشرق الأوسط بشكل خاص ، ولكن كل واحد منهم حسب ايديلوجيته ! .

 وقد بدأ شيمنياد الندوة التي كانت تحت عنوان [ ماذا بعد العراق ] مركزاً على ثلاثة محاور هي :[ بأن السياسة الامريكية في الشرق الأوسط يشكل تحركها ثلاثة عوامل أولها : الاعتبارات الإقتصادية ، وثانيها : سياسية ادارة الصراع المستمر، وآخرها : نظرية الصدام الحضاري . واضاف على ذلك أن هذه الاستراتيجية شأنها التمهيد لنشأة وحوش سياسية واقتصادية . ولفت إلى أن اسلوب الحرب هو الضمان لإستمرار الهيمنة الامريكية بالوسائل العسكرية بعد أن وصل النظام الإقتصادي إلى طريق مسدود ، مشيراً إلى أنالإقتصاد الامريكي لم يعد محركاً للاقتصاد العالمي كما كان بعد الحرب العالمية الثانية خصوصاً وأن عجز ميزان المدفوعات يبلغ الآن 1,5مليار دولار يومياً ] . [ الشرق العدد 5318 ] .

في الفقرة المذكورة اعلاه نتفق مع ما ذكره شيمنياد ، بأن امريكا تسعى للهيمنة بالوسائل العسكرية . ولكن نختلف معه في أن امريكا تستخدم آلاتها العسكرية ليس بسبب فشل نظامها الاقتصادي العالمي فقط ، وإنما تستخدم آلاتها العسكرية لإعادة توزيع نظام إقليمي جديد للعالم أيضاً ، وذلك سوف يرسخ السيطرة الامريكية على عالم الشمال وعالم الجنوب ! .

وكذلك هناك نقاط خطيرة بدأ شيميناد بالإشارة إليها وهي :
أولاً : يرى بأن فرنسا وروسيا هما اللتان منعتا الحرب ضد العراق في عام 2002م . ويقول أن إتحاد هذه القوى( ويقصد هنا القوى الاوراسية ) سيحدث تغيير اساسي في ميزان القوى العالمية . ويرى بأنه لتحقيق ذلك يجب توافر عدة أشياء منها : تصور تصور واضح للمستقبل ، واتحاد فعال بين القوى الاستراتيجية ( القوى الاوراسية ) لترتفع إلى مستوى الأحداث ، أما التصور والتخطيط الواضح فيمكن تلخيصة بالكف عن سياسة إشعال الحروب واللجوء إلى دعم سياسة السلام ، واستبدال نظام صندوق النقد الدولي بنظام عالمي جديد أكثرعدلاً واللجوء إلى المشاريع الضخمة التي يتم تمويلها على المدى البعيد والمعروفة بإسم الدفعات المؤجلة . [ الوطن العدد 2683 ]
ثانياً : يرى شيمنياد بأن فرنسا لابد لها من العودة إلى سياسة شارل ديغول ، وهي سياسة فرنسا العربية وأنا أراهن على اعادتها ثانيةً في الفترة القادمة ليس كُرهاً في الشعب الإسرائيلي ، ولكن لصالح شعوب المنطقة بأكملها . وسيكون هدفنا تخضير الصحراء لمصلحة الجميع ، واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ! . [ الوطن العدد 2683 ] .

التحاليل التي أشرنا إليها سلفاً وإن كنا نحن ومجموعة من زملائنا قد أشرنا لها في مواضيع مختلفة ، ولكن لكي نكون صادقين مع أنفسنا يفترض أن نقر بأنها لا تخلو من هامش كبير من الطوبائية .

أما بالنسبة للسيد شيميناد كنا نتوقع بأن ندوته سوف تركز على العراق ومحيطها الشرق أوسطي ،  وجهزنا لهُ مجموعة من الأسئلة التي ربما كان من خلال

ردوده عليها سيساهم هو والباحثين الفرنسيين وزملائهم الآخرين في إخراج المنطقة من نفقها المظلم ، وكانت الأسئلة كالتالي :
1) ما هي الطريقة بإعتقادك التي يستطيع العرب من خلالها تقليص نشر القوات الامريكية ؟ .
2) نريد منكم كمرشح للرئاسة الفرنسية كما تأمل ! أن تعطينا ما هو تصوركم للعرب لكي يستطيعون امتلاك قراراتهم ؟ .
3) هل تعتقد بأن فرنسا تمتلك الميكانزم الكافي لمنع وقوع الحرب الثالثة في الخليج ؟ .
4) ما هو الدور الفرنسي لإيقاف حلم الدولة العالمية الأنجلوامريكية ؟ .
5) اقترحتم تحالف مابين القوى الاوراسية ! هل تعتقدون بأن امريكا ستقف مكتوفة الأيدي متفرجةً على هذا السناريو ؟ .
ولكن يؤسفني أن أقول للقارئ الكريم بأنه لضيق الوقت لم نستطع أن نسأل السيد شيميناد هذه الأسئلة ، وإن كنا سألناه أول سؤالين ، ولكن لم نجد إجابة واضحة بالنسبة لهما ! .

ونحن نقول ونكرر هنا بأننا نرجوا من الباحثين الأجانب القادمين إلينا من الدول المتقدمة ، أن يركزوا تصوراتهم على مشاكلنا الاقليمية مثل التنمية ، والديموقراطية ، وحقوق الإنسان ، والعدالة ، والمساواة … الخ ، وأن يقترحوا علينا سيناريوهات للخروج من هذا التخلف المزمن الذي وضعنا فيه الإستعمار وأعوانه!!.

أما الملاحظة الخطيرة التي نستطيع أن نلخصها لكم من حديث السيد شيميناد هي بأنه ركز في تصوره على نظام عالمي جديد ربما بقيادة فرانكفونية ! ، ولكي يتم

ذلك لابد من تغيرات هيكلية عالمية في التنظيم الدولي ، وطبعاً المقصود هنا هو حدوث ثورة اصلاحية أو إلغاء دور المنظمات التالية : 1- الأمم المتحدة ،2- صندوق النقد الدولي ،3- البنك الدولي للإنشاء والتعمير ،4- منظمة التجارة العالمية ، واستبدالها بمنظمات دولية جديدة تحت القيادة الفرانكفونية الأوراسية ! .
ونؤكد للسيد شيميناد بأن ذلك لن يحدث إلا من خلال حرب عالمية ثالثة ، لأن المنظمات المذكورة تمثل الآليات التي ترسخ الهيمنة العالمية للولايات المتحدة الامريكية ، وأي مساس لأيٍ منها يعتبر مساساً مباشراً للمصالح الامريكية !! .

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *