العولمه ودولة الرفاهية الاجتماعيه

بسم الله الرحمن الرحيم

27/12/2005

أعتقد ، من أفضل التعريفات التي استطعنا الحصول عليها للمصطلح أعلاه هو ما قاله د. الكيالي وآخرون :

مصطلح يشير إلى قيام الدولة بتقديم خدمات وتأمينات اجتماعية ومعونات إلى أفراد المجتمع بما يحقق ارتفاع مستوى المعيشة أو ضمان حد أدنى لها . وينطلق هذا المفهوم من حق كل إنسان في الحياة الكريمة ومن نظرة اجتماعية وإنسانية قوامها وجود رابطة قوية بين رفاهية الأفراد ورفاهية المجتمع .

وتشمل الخدمات والتأمينات في دولة الرفاهية : التعليم ، الصحة ، مستوى من الدخل ، توفير العمل ، والتأمين ضد العجز والشيخوخة ، على سبيل المثال لا الحصر . ولا تعتبر دولة الرفاهية دولة اشتراكية بالضرورة على الرغم من وجود سمات مشتركة ( كيالى وآخرون ، الجزء الثاني ، ص 713 ) .

أنواع دولة الرفاهية :

أ – الدول الصناعية المتقدمة :

ذلك يمثل ثورة تراكمية منذ بداية عهد الثورات الصناعية وما واكبها من نضج سياسي واقتصادي واجتماعي وقانوني . وكانت نتيجة ذلك بروز الشخصية المعنوية لمفهوم الدولة الويستفالية ، وبروز دور مؤسسات الدولة ، والتي تستمد سلطتها من الشعب من خلال نصوص دستورية محكمّة وليست هولامية ، وكذلك الممارسين لسيادة الدولة في السلطة التنفيذية والتشريعية يتم اختيارهم شعبياً من خلال مسمى الديمقراطية الغير مباشرة ، والسلطتين المذكورتين يكون لهم دور كبير في تحديد شخصية السلطة القضائية إلى أن يتم لها البروز المستقل عن باقي السلطات ، وفي النهاية استطاعت هذه المجتمعات إيجاد ما يسمى الفصل ما بين السلطات مثل : ما هو الآن النظام الذي يحكم العالم ، واقصد هنا النظام الأمريكي ، أو ما يسمى النظام البرلماني مثل بريطانيا ونظام الجمعية, مثل سويسرا والذي لا يوجد فيه وضوح كامل للفصل ما بين السلطات من الناحية النظرية ، ولكن الأهم من ذلك وجود المجتمعات المدنية المستقلة وذات الإرادة الكاملة مثل : الأحزاب السياسية ، والنقابات ، والتنظيمات السياسية والاجتماعية والخيرية الأخرى !! .

وصراحةً مهما اختلفنا مع أوربا وأمريكا ، ولكننا نستطيع أن نرى الدولة التي تستمد سلطتها من الشعب ، وأستطيع أن أزف إليكم مثلاً معاصراً وبسيطاً جداً ، فسياسيين فرنسا حاملين حلم الاتحاد الأوربي ولهم مساهمات كبيرة في كتابة وصياغة الدستور الأوربي ، والشعب الفرنسي هو الذي رفض الدستور الأوربي ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يحدث ذلك في فرنسا رغم أن قاداته المنتخبين شعبياً هم الذين كتبوا وصاغوا الجزء الأعظم من الدستور الأوربي ؟ .

الإجابة : سهلة وبسيطة ومختصرة ، هو لأن الشعب الفرنسي شعباً يملك إرادته !! .

وخلاصة القول ، استطاعت الإرادة الشعبية في الغرب من إيجاد دولة تمتلك جميع مقومات السيادة وهي :

أولاً :      المحافظة على أمن الدولة في الداخل ، وصد الاختراق من الخارج .

ثانيــاً : عدالة توزيع الدخل .

ثالثــاً : عدالة توزيع الوظائف .

رابعاً : الشفافية الإدارية والاجتماعية والسياسية والمالية الكاملة .

خامساً : حسم النقاط الخلافية من خلال استفتاء دستوري ، والنتيجة إيجاد دولة رفاهية من دون مساومة مثل :

(1)   توفير الحد الأدنى من الخدمات والمرافق الأساسية التي تصون كرامة الإنسان مثل : السكن ، والصحة ، والتعليم ، والترفيه .. إلخ .

(2)   أجور الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل ، وللطلبة ، وللمتقاعدين ، ولكبار السن ، وللعجزة من دون أي تمييز بين الجنسين .

ب : دولة الرفاهية في دول العالم النامي :

صراحةً لم نستطيع أن نجد الصورة الكاملة لدولة الرفاهية في العالم النامي باستثناء بعض النماذج في الدول ذات الموارد الطبيعية الكبيرة مثل الهايدروكاربون . فالدول النامية وخاصة الدول العربية الهايدروكاربونية تمتلك الهايدروكاربون ملكية مطلقة ، وهذا أعطى هامش كبير من المساومة للدول الهايدروكاربونية للابتزاز السياسي وهو من خلال توفير الحد الأدنى من بعض الخدمات والمرافق والإعفاء من ضريبة الدخل ، وتخفيض الضرائب الأخرى مقابل عدم مناقشة مركزية الدولة ، والتي نستطيع أن نصورها بدولة الفرد وهذا المصطلح أعتقد هو أسوأ من كلمة الدولة الشمولية ، لأن مفهوم الدولة الشمولية متمركزة إما في حزب سياسي مركزي مطلق مثل الأنظمة الشمولية في حلف وارسو ، ودول الكوميكون الاشتراكية ، ولكن هذا النموذج طور بطريقة أسوأ في دولنا العربية بحيث تدريجياً انتقلت سلطة النظام الشمولي العائلي أو العسكري من جماعة محددة مسيطرة على السلطة إلى أفراد محددين لهم السيطرة المطلقة من خلال السيطرة الكاملة على النظام الاقتصادي والنظام الأمني ، وللأسف نتيجة ذلك ولد في الشرق الأوسط شيء من اللامبالاة السياسية والوطنية خاصة ما بين معظم الشباب ، وأقصد هنا الأجيال الأقل من 30 سنة !! . وهروب الأجيال التي تحطمت أحلامهم أمام بوابات السلطة الشرق أوسطية وفسادها ، فمثلاً الوطن العربي إذا كان بالإمكان أن تسمحوا لنا بتسمية العالم العربي وطناً يساهم بثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية ، وحيث يشكل الأطباء منهم 50% والمهندسين 23% والعلماء 15% ، وأشارت بعض التقارير إلى أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم . وقد بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة العقول في عقد السبعينيات 11 مليار دولار والآن ضعف هذه الإحصائية عدة مرات . وخلاصة القول أن هجرة الأدمغة تؤدي إلى تأمين في فترة مؤقتة مليارات الدولارات من العملة الصعبة إلى البلدان الأصليين المهاجرين منها ، وتساهم في تحسين الوضع الاجتماعي للعائلات الفقيرة بالذات ، ومع بعد هذه الكفاءات عن اوطانهم الأصلية ، يعني أيضاً توسيع الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة .

ونتيجة هجرة الكفاءات العربية هو القضاء على البصيص المتبقي من الأمل في آخر النفق ، لأن ذلك سيؤثر على أية برامج عربية مستقبلية للتنمية العربية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، ولذلك لابد لنا من إيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة تمهيداً لوقفها !! ( الشرق الأوسط (9836) 0

السؤال الذي يطرح نفسه لو قامت الدول العربية الغنية باستعادة مبالغها المستثمرة في الدول الأجنبية وهي أكثر من 2 تريليون دولار ، وتم ضخها من خلال برامج محكمة في العالم العربي والإسلامي : هل تعتقدون سنخسر الكفاءات العربية المهاجرة إلى الغرب ؟ هل تعتقدون أنه سيكون عندنا في العالم مؤشر البطالة السافرة أكثر من 30% ؟ ومؤشر البطاله المقنعه أكثر من 50% 0

السادة الأفاضل الآن سنقول لكم شيئاً ربما يشكل صدمة لكم , وهو عندما أقول لكم أن دول الرفاهية التي نحن قادمين منها ، وتشكل حلم معظم الشباب العرب للهجرة إليها ، وهي تمثل دول مجلس التعاون الخليجي العربي متوسط مؤشر البطاله بها 15% ,و يوجد بها ما يقارب من 15% إلى 35% من البطالة ما بين الشباب الأقل من 30 سنة !! . والمشكلة الحقيقية ليست بسبب عدم وجود رؤوس أموال لضخها لهندسة برامج تنموية يكون انعكاسها امتصاص الشباب الخليجي العاطل عن العمل ، ويكون هناك نمو متوازي ما بين البرامج الاقتصادية وتوظيف الأيدي العاملة الجديدة ، ولكن الكارثة هو عدم وجود البرامج أصلاً . والمشكلة الثانية هو وجود العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي التي تصل نسبتها ما بين 70% إلى أكثر من 95% من الأيدي العاملة في بعض الدول الخليجية وخاصةً القطاع الخاص ، وإن يكن الطفرة النفطية وعائدات البترودولار ساعدت بعض الدول الخليجية مثلاً : المملكة العربية السعودية على تأهيل العمالة السعودية للاتجاه إلى القطاع الخاص من خلال التدريب في كليات التقنية ، والمعاهد الصناعية ، والمعاهد التجارية ، والمعاهد الزراعية ، ومعاهد المراقبين الفنيين ، ومراكز التدريب المهني ، والنتيجة انخفضت قيمة تحويلات الأجانب من الناتج المحلي السعودي بحيث في عام 1994م بلغت 10% من الناتج المحلي ، وانخفضت تحويلات الأجانب إلى خارج السعودية عام 2004 – 2005م إلى 8.3% من الناتج المحلي !! .

ولكن المشكله الخليجيه الحقيقيه ليست التاثيرات الاقتصاديه للايدي العامله الاجنبيه فقط!0 لان لوقسنا التحويلات لهذه العماله الاجنبيه في عام 2005م لوجدناها لاتتجاوز 6% من النتاج المحلي الخليجي وخاصه هذه السنه بسبب الطفره النفطيه0

ولكن المشكله الحقيقيه التي نادى بها معظم الباحثين العرب لسنوات , ولكن اخيرآ اعترفت بها دول الخليج على المستوى الرسمي, وذلك في 23نوفمبر2005م في مؤتمر وزراء العمل لدول الخليج العربيه بحيث اقر وزراء العمل الخليجيين بأن الخليج مهدد بالمخاطر التاليه:

1-         ان المنطقه قد تتعرض لتغيير سكاني اثني بشكل كبير اذا مافرضت اتفاقيات على المنطقه لتوطين العماله الاجنبيه وذلك وفق ماتنادي به المنظمات الدوليه في اطار سعيها لتحقيق العولمه في مجال الموارد البشريه وتوطين العماله المهاجره , علمآ بأن العماله الاجنبيه تصل نسبتها الى مايقارب 50% من سكان الخليج العربي , واكون مندهش بطريقه كبيره عندما اتذكر العبارات العنصريه التي ينطق بها العنصريين في اوربا وخاصه في المانيا وفرنسا بأن دولهم تنتحر اثنييآ ونسبة الاجانب لاتزيد عندهم على 10%0 اذآ ماذا نقول نحن في دول مجلس التعاون الخليجي؟!0(www.df-althani.com)

2-                          من الناحيه الاجتماعيه تأثيرها على الهويه الثقافيه العربيه الاسلاميه0

3-                          من الناحيه الاسترتيجيه تأثيرها على الامن وعلى السياده الوطنيه0

وكانت التوصيات في الاجتماع اعلاه :

1-   تحديد مهله للعامل الاجنبي لاتزيد على ست سنوات اقامه في البلد الخليجي المضيف0

2-   توفير فرص عمل للعماله الوطنيه وترشيد استقدام العماله الاجنبيه0(الشرق الاوسط24نوفمبر2005م)

النتيجة أعلاه تقول لنا أن نوجه استثماراتنا إلى الإمكانيات البشرية وأن نوفر لهم البرامج التنمية المحكمة ، وذلك سيختصر علينا إيجاد دولة الرفاهية في المنطقة العربية !! .

أخيراً البعض يعتقد بأن هجرة العمالة هو من صالح الدولة الطاردة والخاسر ، الدولة المستقدمة ، طبعاً ذلك ليس بقاعدة ، ففي خمسينيات القرن الماضي ، كانت بريطانيا تعاني من مصطلح سمي آنذاك : هجرة الأدمغة، وكان يقصد به الكفاءات المهاجرة من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، تعني انتقال أهم رأس مال اقتصادي للبلد ألا وهو الرأسمال البشري المثقف ( الشرق الأوسط ، العدد 9836) .

ونفس الموضوع أثير الآن في بريطانيا وهو أن استقدام الكفاءات المهنية في أوربا الشرقية إلى بريطانيا ستساهم في رفع الدخل في بريطانيا وترسيخ مفهوم مجتمع أو دولة الرفاهية ، فيقول ويليام اندرهيل من نيوزويك : ” أعطهم الفرصة وسيعملون بجد ، فالمهاجرين وخاصة من أوربا الشرقية في بريطانيا مساهمتهم من خلال الضرائب في الاقتصاد الوطني البريطاني يصل إلى 500 مليون جنيه إسترليني سنوياً . وبعبارة أخرى استطاع المهاجرون أن يقلبوا الحكمة التقليدية رأساً على عقب حيث أثبتوا أنهم حافز اقتصادي وليسوا عوامل إحباط ، وأنهم ليسوا طفيليات تمتص دم نظام الرفاهية الاجتماعي ” ( نيوزويك العربية العدد 280 ص 31) .

وعدم توظيف الكفاءات العربيه التوظيف السليم اعتقد نستطيع ان نختبره من خلال مثال بسيط ساقدمه لكم وهو مدى الاستفاده من الطفره النفطيه :

الفرق مابين ارتفاع النفط عام 1979-1980 م , و2004 – 2005  م, في الاول صدمه في العرض , اما في الثاني فصدمه في الطلب , وارتفاع اسعار النفط الى 70 دولار من الناحيه الرسميه اقتطعت 4,5 % من الناتج المحلي العالمي , الا ان دول اوبك تستهلك 83% من عوائدها النفطيه في الاسواق الخارجيه بسبب عدم وجود البنيه التحتيه العربيه والاسلاميه الضخمه لاعادة تدوير الريع الذي حققه النفط في 2004-2005 م , مقارنه مع عام 1974 عندما كانت تنفق 27% من ريعها النفطي 0

واتجهت استثمارات الدول المنتجه في شراء اسهم وسندات الدول الاجنبيه , وهذا العامل مهم في تمويل عجوزات كبيره في الحسابات الجاريه في كبريات الدول المستهلكه للنفط مثل الولايات المتحده الامريكيه ! (نيوزويك العربيه 282)0

في دراسه سابقه لنا قلنا بأن الاقتصاد العالمي لن يتأثر عند وصول سعر النفط الى 40 دولار لان ذلك سيقتطع 1,5% من الناتج المحلي العالمي فقط , ولكن العمليه المفاجئه هي بأن سعر برميل النفط 70دولار في اكتوبر 2005 م , الاان النسبه التي اقتطعتها دول الاوبك من الناتج المحلي اعلاه لاتتجاوز 42, 0% , وذلك كما ذكرت سلفآ بسبب اعادة تدوير رأس المال في الدول اصناعيه , اوتهريبه اليها!  0 فكروا لبرهه وتخيلوا لويوجد عندنا دول مؤسسات ناضجه , وبرامج اقتصاديه سليمه , واستوعبنا معظم الكفاءات العربيه في الداخل والمهاجره ايضآ : هل سيبقى دخلنا واقصد الدول النفطيه اقل من 5 , 0 % من الناتج العالمي !0

أيها السادة الأفاضل ، نحن نمر في منعطف تاريخي خطير جداً ، ولم نعد نفكر متى سنعيش في العالم العربي في دولة رفاهية ؟ ولم نفكر متى سيرتفع دخلنا إلى مستوى دخل الشعوب الأوربية ؟ ولكننا لابد لنا من التحرك للاحتفاظ بأدنى حد من الكرامة الإنسانية ؟ .. ولم لا :

فالبقرة في الاتحاد الأوربي تستهلك 205 دولارات في اليوم ، وهذا أكثر مما يقتات به 75% من سكان أفريقيا !! ( الخليج 2/11/2005م) .

وفي الختام لابد لنا من التركيز على محور واحد فقط ، وهو تركيز استثماراتنا في الإنسان !0  إذا أردنا أن يكون لنا مكاناً في المجال الجيوسياسي في كوكب الأرض !! .

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

العولمة والرفاهية

بسم الله الرحمن الرحيم

27/12/2005

يوجد جدل بين كثير من المفكرين حول إيجابية وسلبية العولمة ، وفي دراسة عقبنا عليها من خلال تركيزنا على النقاط السلبية التي ذكرها الباحث ، وأعرض التعقيب عليكم مرةً أخرى متأملاً مشاركة الأخوة المهتمين بموضوع العولمة سواءً من الناحية الإيجابية ، أو الناحية السلبية ، وسنكون بالفعل شاكرين لمساهمتكم من خلال موقعنا الإلكتروني .

غطى الزميل د. منير الحمش الجانب النظري للدولة الراعية بأسلوب شيق وممتع ، وذلك من خلال تلخيص المراحل النظرية لدور الدولة ، مثل الدولة الحارسة في عهد آدم سميث ، ومدرسة الكلاسيك التي بدأت تقريباً سنة 1750م مرحلة الانهيار الاقتصادي للمدرسة الكلاسيكية في بداية الثلاثينيات من القرن الخامس ، وخلف هذا النظام نظام الدولة الراعية أو كما يسمى النظام الكنزي أو النظام المختلط بعد الحرب العالمية الثانية . وهذا النموذج برز للعيان موازياً لانطلاق المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة التجارة العالمية ، هذا وما رافق اتفاقية بريتون أند وودز . هذا النظام استمر إلى بداية سبعينيات القرن الماضي . وفي بداية أزمة السبعينيات في القرن الماضي ، برز في العالم الصناعي الغربي مرحلة من التضخم والكساد ، وزاد الأزمة سوءً الحرب العربية الإسرائيلية وإيقاف تصدير النفط الجزئي ، والتهديد بإيقافه مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط . وبقيت هذه الأزمة إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي ، وهي الفترة التي ظهر فيها على العالم النموذج التاتشري الذي هو قريب نوعاً ما من النموذج الكلاسيكي .

ولكن في هذا التعقيب سأركز على الجانب التطبيقي للعولمة ، علماً بأن معظم نتائج العولمة التي اطلعت عليها من معظم الأخوة الباحثين سلبية. إذاً أعتقد أننا عرضنا معظم ما هو سلبي في العولمة . ولكن هل بالإمكان أن نحصل على بعض الإيجابيات من وراء العولمة ؟ . فالنتائج التي ذكرها الزميل الفاضل هي :

أولاً : العولمة أدت إلى تغيرات جسيمة أدخلتها على بنية الاقتصاد مما أدى إلى زعزعة الأنظمة القائمة . فقد أصبحت فرص الأثرياء أكبر من فرص الفقراء للاستفادة من التحولات الكبيرة المتاحة ، ولدفع المجتمع نحو مزيد من الاستقطاب ، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى العالمي ، فالأثرياء يزدادون ثراء ، بينما يتعرض الفقراء لمزيد من التردي والفقر .

ثانياً : في ألمانيا نتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي تم اعتمادها في إطار التحولات الاقتصادية الجديدة ، فإن ألمانيا أصبحت تعاني من مشكلات من شأنها إعاقة تحسنها الاقتصادي ، وتتمثل هذه المشكلات في نقص الطلب المحلي ، مما يهدد بحصول انكماش متزايد . ويقول هانز أن ألمانيا تكافح نتائج خمس صدمات اقتصادية هي العولمة ، الاتحاد الأوربي وتوسعته ، إدخال اليورو ، فتح أوربا الوسطي والشرقية ، إعادة توحيد ألمانيا .

ثالثاً : نتائج العولمة في الولايات المتحدة الأمريكية :

1-              التآكل في التصنيع وفقدان موقعها الريادي .

2-              تزايد العجز الاقتصادي .

3-              ضعف قدرة المراقبة والسيطرة على المعاملات المالية .

4-              ازدياد الديون على القطاع العام والخاص .

5-              تخفيض الضرائب على الفئات الميسورة ، وزيادة الإنفاق على التسليح .

6-     تزايد التبعية على النفط المستورد يسهم في النزاعات العدوانية العسكرية لتأمين الاحتياجات .

7-     أخيراً تراجع الحركة العمالية وتصدير الوظائف إلى الخارج ، سيزيد الفجوة بين الطبقات الميسورة والفقراء .

رابعاً : معالم العولمة الاقتصادية كحقيقة لم تبرز إلى الآن ، بسبب الصراع ما بين اللاعبين الرئيسيين مثل استمرار أوربا والولايات المتحدة الأمريكية في دعم الزراعة ، ووضع الولايات المتحدة بعض القيود الجمركية على بعض الموارد والمنتجات المستوردة من اليابان وغيرها ، فضلاً عن المشكلات الناجمة عن تصدير الألبسة والمنسوجات الصينية .. إلخ .

خامساً : منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي إلى منتصف التسعينيات من القرن نفسه ، حقق النمور الآسيويين معدلات عالية في التنمية ، وطبعاً خلال الفترة التي استخدموا فيها نظام الدولة الراعية ، ولكن عندما اتجهوا إلى نظرية الدولة الحارسة بإعطاء مزيد من الحرية الاقتصادية أدى ذلك إلى انهيار اقتصادهم في منتصف عام 1997م .

سادساً : أخطر النتائج الاجتماعية للعولمة : تعاظم دور الجريمة المنظمة والمافيا ، وفي تقرير الأمم المتحدة ( عولمة الإجرام ، لسنة 1995م ) أن الدخل السنوي للتنظيمات الإجرامية تريليون دولار أمريكي ، وهو مبلغ يعادل الناتج المحلي الإجمالي للبلدان ذات الدخل الضعيف مجتمعة ، ومجموع سكانها 50% من سكان كوكب الأرض .

سابعاً : يقول البنك الدولي : لا شك في أن التنمية التي تسيطر عليها الدولة ، وقد فشلت ، ولكن فشلت أيضاً التنمية التي تتم بغير تدخل الدولة . وقد أثبت التاريخ مراراً وتكراراً ، أن الحكومة الجيدة ليست من قبيل الترف ، بل هي ضرورة حيوية ، لأنه بدون دولة فعالة يتعذر تحقيق التنمية المستديمة ، سواء في جانبها الاقتصادي أو الاجتماعي . إذاً ما هو الحل لهذه القضية الشائكة ؟ وما هو مكان وطننا العربي والإسلامي بالنسبة إلى هذه القضية ؟ .

وفي الختام ، نرجو مشاركتكم مرة أخرى في إبداء آرائكم حول إيجابية أو سلبية العولمة ! .

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

الثورة الزائفة في التسعينيات

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

كنا في إحدى الدول العربية الشقيقة ، فقابلنا أحد إخواننا الصحافيين وسألنا :  ما هو رأيكم في الثورة الإصلاحية التي يشهدها العالم النامي في القرن الواحد والعشرين ؟ 0

قلنا له : نعم خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي سمعنا عن ثلاث ثورات في عالمنا النامي ، وكانت تحت مسميات متعددة ومنها : ثورة الشباب في التسعينيات ، وثورة الطلائع في التسعينيات ، والثورة الإصلاحية 000 إلخ 0

وكانت هذه الثورات جميعها استجابةً لنهاية الحرب الباردة ، وانتهى في العالم ما يسمى بالقطبية الثنائية ، وبرز في كوكبنا مسماً جديد يدعى القطبية الأحادية المركزية0 وبرامج القطبية الأحادية لكوننا هذا هي : العولمة الاقتصادية والسياسية ، وإعطاء الشعوب هامش من الديمقراطية ، والحياة الليبرالية ، ومساواة المرأة بالرجل ، وصيانة حقوق الإنسان ، والعدالة في توزيع الدخل والمناصب  0

ومنذ أن طالبت الولايات المتحدة بنظامها العالمي الجديد بالإصلاحات الكونية المذكورة ، كانت معظم الأنظمة الديناصورية جاهزة لتتواكب ظاهرياً مع هذه الإصلاحات، واختارت معظم هذه الأنظمة الموجودة أصلاً منذ سبعينيات وستينيات القرن الماضي ، شعارات جديدة ، وهو ما يسمى بالأنظمة الشابة ، أو الأنظمة الطلائعية ، أو الأنظمة الإصلاحية  0 وإذا لم تصدقوا ، اعيدوا قراءة التاريخ ، ولاحظوا ما هو الفرق ما بين الأنظمة الديناصورية ، والأنظمة الإصلاحية المعاصرة  0

فكانت هناك مداخلة قوية من زميلنا الصحفي قائلاً : إذاً ماذا تسمون الإصلاحات الحديثة ؟ 0

نعم هناك ما يسمى بالإصلاحات ، ومنها ما نستطيع أن نسميه لك بالديمقراطية الدوجماتية ، بمعنى آخر ديمقراطية تعطي هامش من الحياة النيابية المنتخبة ، ولكن لا توجد صلاحيات تشريعية تذكر على الاطلاق 0 وحرية إعلامية ، ولكن نجد أن الإعلام ديما نحوجي ، ويركز بحرية على معظم القضايا خارج الوطن ، ولكنه لا يقترب من القضايا القطرية ، أو الأقاليم السياسية التي علاقتها استراتيجية مع مالكيه 0 والمجتمع المدني معظمه مسّيس ويقع تحت سيطرة مباشرة للسلطة السياسية ، علماً بأن من شروط المدني أن يعطى الفرصة المطلقة لكي يشكل نفسه بنفسه فكرياً وسياسياً ووظيفياً  0

فأجابنا زميلنا الصحفي : ما قلتموه لي هو الحقيقة ، ولكنني أريد منكم كلاماً يبسط إلى فوق عني وعنكم  0

فقلنا له ما طار طيراً وأرتفع إلا كما طار وقع ، وإذا كنت أنت ترى بأن هناك أناساً فوق بالفعل تهمهم المصلحة العامة ، فيجب أن يتعاملوا بشفافية ويعلموا أن إصلاحاتهم الظاهرية لا تنطلي لا على معظم مجتمعاتنا ، ولا حتى على الولايات المتحدة إذا كانوا يعتقدون بأن ذلك ارضاءً لها  0

ونود أن نذكرهم جميعاً بأن ما ذكرناه من إصلاحات صورية أعلاه ، بأن الولايات المتحدة على علم تام به ، وكذلك تعلم عن جميع الرشاوي والسلب والنهب الذي يحدثه المسؤولين في دول العالم النامي للمال العام ، ولكن ذلك سيستخدم ضدهم كبطاقات ضغط في الأوقات المناسبة ، وما ذكرناه لكم هنا ، هو ما قاله لنا بعض الزملاء الأمريكان الذين نلتقي معهم في المؤتمرات العلمية والفكرية المتنوعة  0

فقفز زميلنا الصحفي وقال : أنا لا يهمني الأمريكان ، أنا يهمني أنتم المواطنون العرب ، فقلنا له نحن 00 نحن قدمنا على ما نذكر منذ بضعة سنوات في صحيفة الوطن القطرية ، وقلنا في هذه البيعة لمعظم الزعماء العرب : ” الاقتصاد لكم ، والسياسة لكم ، والجيش والأمن لكم ، والثروات الطبيعية والموارد الاقتصادية لكم ، والمؤتمرات لكم ، والرياضة لكم ، والبرامج التعليمية لكم ، والمجتمع المدني لكم والسلطات التنفيذية والتشريعية والبرلمانات والقضائية والرابعة لكم  ” 0

فتوقفنا لبرهة ، ثم قلنا لزميلنا الصحفي : اتعلم ماذا حدث بعد هذه البيعة ؟ فقال: ماذا ؟ قلنا له : قفز أفلاطون من قبره وقال هذا خنوع واستسلام  0

ولكننا نبهنا جميع إخواننا المواطنين في العالم النامي ، أن ما يقوله أفلاطون محض افتراء ، ويريد أن يزرع الفتنة في المجتمع  0

وفي الختام نحن شعوب مغلوبة على أمرها ومقدورٌ عليها ، ولكن المارد العالمي الأوحد لا يعجبه ظاهرياً خنوعنا ، فهو مصر على أن يعطينا الديمقراطية والمشاركة في إدارة أوطاننا وعدالة توزيع الدخل وصناعة مجتمعات مدنية جديدة غير مسّيسة  0

ووضعت الإدارة الأمريكية والإسرائيلية مجموعة من السيناريوهات للمنطقة ومنها الديمقراطية ، وجدوا بأن معظم شعوب المنطقة ملتزمين بالدين الإسلامي ، وأن الديمقراطية ستحضر متدينيين أو كما يسموهم أصوليون لدفة الحكم  0 وكان قبل ذلك تم رفض الأحزاب القومية العربية عن وصولها إلى دفة الحكم لأن حسب رأيهم بأن القومية العربية ولدت قيادات راديكالية مثل البعث العربي في كلٌ من سوريا ، العراق، والقوميين العرب في مصر وليبيا  0

وكنا في الأول من يونيو 2002م كتبنا في الراية العدد 7329 : بأن مايكملويبي الباحث في مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والسياسية في واشنطن والقدس المحتلة وضع سيناريو لنظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط :

1- مستقبل العراق سيؤثر بشكل عميق جداً على كل موازين القوى في الشرق الأوسط ، فالمعركة لإعادة تعريف البلد ، السيطرة عليه ، هي بالاستتباع معركة للسيطرة على ميزان القوى في المنطقة على المدى البعيد 0
2- البعث مثل الشيوعية تعيش أيامها الأخيرة والقضية الآن هي ما إذا كان الغرب وإسرائيل سيصوغان استراتيجية للحد من الفوضى التي سيحدثها هذا الانهيار : استراتيجية تملي على الولايات المتحدة أساساً التخلي عن سياسة التسوية العربية- الإسرائيلية الشاملة لمصلحة مفاهيم جديدة للهوية ولموازين قوى الشرق الأوسط 0
3- وهو مربط الفرس : الدول العربية في المنطقة مخلوقات اصطناعية وسكان سوريا والعراق على سبيل المثال لا الحصر يعرفون أنفسهم من خلال وحدات اجتماعية كالعائلات والقبائل والعشائر ، والحل يكمن في مؤسسة الأبحاث في تأسيس “دولة عربية جديدة ” على أسس عائلية أو قبلية أو عشائرية ، على أن يعاد بعد ذلك إقامة التحالفات القبلية بينها على امتداد الشرق الأوسط بإشراف الغرب وإسرائيل  0

كما يقول بعض المفكرين العرب بأن التغيير قادم قادم لا محالة 0 ونستطيع أن نقول لكم بأن ما حدث للعراق في أبريل 2003م حول حجر الزاوية للتغيير ، وبعد ذلك سيبدأ مسلسل التغييرات في الدول الإسلامية والعربية والاستراتيجية مثل : باكستان وإيران والسعودية وسوريا ومصر والسودان 00 إلخ 0

ونلاحظ هنا بأن بعض القيادات السياسية في العالم الإسلامي والعربي بعد انهيار العراق ، بدأت ببعض التحركات لإصلاح ذات البين على المستوى القُطري ففي الحياة العدد 14630 : ذُكر أن الرئيس الباكستاني أوفد جنرالين على مستوى رفيع للقاء مخدوم أمين فهيم ممثل بوتو في إسلام أباد ، وذلك من أجل تنسيق المواقف بشأن التعديلات الدستورية التي وضعها وترفضها المعارضة 0 ولكن فهيم رفض البت بالتعاون ما لم يعود إلى زعيمته بوتو التي تنتقل بين العواصم الغربية وتدعو أمريكا إلى إسقاط مشرف والقضاء عليه 0

ونحن لا نستغرب حدوث هذه الاضطرابات بين زعماء العرب والمسلمين ، وصحيفة هاآرتس تقول : لا ، ليس هذا سقوط سور برلين 0 فسقوط سور برلين نبع من مسيرة نضوج داخلية ، وليس لغزو خارجي ، فسقوط سور برلين جرى في أعقاب ثورة مدنية هادئة ، وليس في أعقاب حرب عنيفة 0 ما ولد منذ فترة قريبة في بغداد هو شرق أوسط جديد 0 لا أحد يعرف كيف سيكون شكله 0 ولكن لن يكون كما كان عليه في الخمسين سنة الأخيرة 0 لن يكون منطقة تحكمها سلسلة من الطغاة المتحجرة الفاسدة 0

الآن كل شيء منوط بالمجتمعات العربية نفسها 0 كل شيء منوط بالجمهور العربي 0 ذلك أن ما فعله المارينز في العراق هو تحرير هذا الجمهور 0 ما فعله المارينز هو منح مواطني العالم العربي فرصة لم تتوافر لهم أبداً 0

ونقول حسبنا اللّه ونعم الوكيل على من أوصلنا إلى هذا الحال  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

البيئة ، أم المعارك في انتخابات 2008م الأمريكية

بسم الله الرحمن الرحيم

6/9/2005

الرئيس بوش بدأ مرحلته الرئاسية الأولى عدائياً للبيئة ، حيث رفض أن يصادق على اتفاقية كيوتو لتخفيض التسخين الحراري في كوكب الأرض ! 0 ولكن رغم عدم تصديق بوش على اتفاقية كيوتو ، إلا أن البيئيين استطاعوا أن ينتصروا على الرئيس بوش داخل الولايات المتحدة لأنهم استطاعوا أن يحموا البيئة الأمريكية من التوسع في بناء مصافي للنفط في الأراضي الأمريكية ، وهذا العمل هو الذي ساهم بشكل كبير في رفع أسعار النفط في عام 2005م وليس بسبب نقص إمداد الأسواق بالنفط الخام0

ومشكلة البوش في انتخابات عام 2008م سيواجهون خصمين قويين، الأول هو خصم الجمهوريين التقليدي ممثلاً بالديمقراطيين وربما يكونوا بقيادة هيلاري كلينتون إذا استطاعت أن تجد لها مقعداً في مجلس الشيوخ في عام 2006م 0

فتقرير (The Independent) يقول أن الحملة الانتخابية الأمريكية لعام 2008م بدأت مبكرة منذ 2005م ، وذلك بعد زيارة وفد من الأحزاب السياسية الأمريكية إلى ولاية الاسكا ، وكان من أبرز السياسيين في الوفد هيلاري كلينتون وماكين وليبرمان وجراهام ، والغريب في الوفد كأنه تحالف ديمقراطي جمهوري ضد البوش لإخراجهم من الملعب السياسي عام 2008م ! 0

فالتقرير يقول أن ولاية الاسكا تمثل خط المواجهة الأول لكوارث التسخين الحراري على البيئة الأمريكية ( العالمية ) ، فعلماء البيئة يقولون عن الاسكا بأن الجليد بدأ بالذوبان التدريجي ، ومعدل مياه السواحل بدأت في الارتفاع ، وشكل التعرية بسبب ذوبان الجليد أصبح ظاهراً للعيان !! 0

ومما جعل السيدة هيلاري كلينتون تذهب على التحدث مع الناس في الاسكا ومشاهدة التغيرات البيئية على أرض الواقع ، فالسيدة كلينتون تقول: رأيت بأم عيني انحسار الغابات في الاسكا ، وانتشار الحشرات ، وكذلك سمعت من السكان الأصليين بسبب التغييرات البيئية الأسماك أصبحت أكثر عدائية مقارنة على ما كانت عليه في السابق !! 0

ميزة اللعبة السياسية عند الديمقراطيين هذه المرة هو تغيير التكتيك ، لأن انتخابات عام 2004م كان تكتيك الديمقراطيين هو الهجوم على الجمهوريين بسبب أخطاءهم في الحرب على الإرهاب ( كما تسمى ) في أفغانستان والعراق ، ولكن هذا التكتيك كان يستخدمه الجمهوريين في الوقت نفسه لإشغال الديمقراطيين بنتائج الحرب ، وكان الجمهوريين في المقابل يقدمون برامجهم الانتخابية للجمهور ، والتي تهمهم أكثر من نتائج الحرب فقط !! 0

أما هذه المرة فتوجد عند الديمقراطيين مجموعة أوراق قوية مثل تقديم برامجهم موضحين خطة لحماية البيئة ، وكذلك تقديم حلول للتخلص من سلبيات الحرب على الإرهاب على أمريكا ، والأهم من ذلك بأن فترة بوش الرئاسية ستنتهي في 2008م ولا يحق له التجديد ، ويعقد العزم البوش هذه المرة لدعم جيب بوش ليصبح رئيساً ، ولكن الديمقراطيين هنا يستطيعون شق صف الجمهوريين لكي يدعموا مرشح آخر أو مرشحين آخرين مع إبعاد أو تهميش جيب بوش في حالة ترشيح نفسه !! 0 وطبعاً فوق ذلك كله لابد للديمقراطيين من تقديم برنامجاً انتخابياً قوياً وواقعياً !! 0

والخلاصة قضية البيئة ، قضية عالمية ، وليست قضية أمريكية فقط، فخلال أقل من قرن من الزمن ، درجة حرارة الكوكب ارتفعت درجتين مئويتين ، وذلك بدأ يؤثر على ذوبان بعض القطع الجليدية ، وذوبان الجليد سيكون له آثار سلبية في ارتفاع المياه الساحلية ، وتغيير كبير في النظام البيولوجي في الأرض ، وكذلك ستحدث تغييرات في معدلات توزيع الأمطار في كوكب الأرض !! 0

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل تسخين المناخ سببه أول وثاني أكسيد الكربون أم دورة المناخ العالمية ؟

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

البلقان مفتاح السيطرة العالمية

بسم الله الرحمن الرحيم

6/9/2004

بعد انتهاء الحرب الباردة ، منذ بداية هذا العقد ، طغى على السطح ما يسمى بمشاكل البلقان ، وكأن هذه المشاكل لم يكن لها وجود خلال النصف الثاني من هذا القرن ، وخاصة بعد انشاء قوة اقتصادية وعسكرية في البلقان وشرق ، ممثلتين ( بالكوميكون ) و ( وارسو ) 0 ومن خلال هاتين المنظومتين استطاع الزعماء في هذا الأقليم من إحكام قبضتهم الحديدية على هذا الأقليم وصراعاته الحضارية ، ونفس القبضة استطاعت أن تسيطر على التوزيع المكاني للإقليم من خلال ما يسمى بحدوده السياسية المبلقنة 0 وبعد انتهاء الحرب الباردة ، أنتهى معها وارسو والكوميكون  0 ومنها بدأنا نسمع ونرى ونقرأ عن الكوارث البشرية والمكانية التي حدثت للبوسنة والهرسك ، والحلول الغير مقنعة للمشكلة المذكورة من خلال اتفاقية دابتون للسلامة ، وبعدها انفجرت مشكلة أخرى وهي مشكلة كوسوفو بعد فشل مقترحات راجوبيه للسلامة في الإقليم 0 وبعد ذلك بدأ قصف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لصربيا ، وظهر ما يسمى بالشروط الخمسة للناتو لايقاف القصف الموجه ضد الصرب 0

وبما أن هذه المقدمة هي أحد المآسي البشرية التي نعايشها خلال هذا العقد ، ويفترض على جميع المهتمين بهذا الشأن ، فسوف نقوم بتحليل البلقان من الناحية الاستراتيجية وخاصة إذا اتضح لنا بأن البلقان تمثل المنطقة الواقعة ما بين الادرياتيك شرقاً والبحر المتوسط جنوباً وبحر إيجه غربا وتمتد إلى الشمال من خلال اتصالها بشرق أوربا 0 الجمهوريات المستقلة من الاتحاد السوفيتي السابق ممثلة في – بلاتنيا واستوانيا وليتوانيا وذلك يشكل كفاصل كامل ما بين أوربا الغربية وروسيا من ناحية أخرى 0

إذن هذه المنطقة ذات التناقضات المتطرفة مثل الحضارية والطبيعية والمكانية والاقتصادية كل ذلك يعطيها بعد استراتيجي عالي ، ونجد المآسي والكوارث البشرية والمكانية التي تحدث فيها اليوم ، كل ذلك أصابها عبر التاريخ 0 والأدلة كثيرة على ذلك مثل – في عام 1815م كانت شبه الجزيرة مقسمة بين امبراطوريتين قداميتي الأطراف ، فالعثمانيون سيطروا على جزئها الأعظم ، والهايسبورغ سيطروا على الجزء الباقي منها 0 وبعد ذلك حدث في المنطقة عدة حروب منها حرب القرم عام 1854 / 1856م ، والحرب الروسية التركية عام 1877 / 1878م 0 ويضاف إلى ذلك بأن أبشع الحروب التي شهدها التاريخ انطلقت من البلقان وشرق أوربا وجاء ذلك متمثلا في الحرب العالمية الأولى ( 1914 / 1918م ) ، والتي انطلقت شعلتها من البوسنة والهرسك ، والحرب العالمية الثانية انطلقت شعلتها من بولندا عام 1939م0 وربما من أسهل الطرق لمعرفة المأساة التي عاناها الإنسان في البلقان هو النظر إلى خارطة البلقان ، خلال أربعة مراحل وهي عام 1815م ، 1918م ، 1950م ، وتأتي المرحلة الرابعة بعد الحرب الباردة خلال التسعينيات 0 وهذا سوف يوضح لنا خطة مصطلح البلقنة 0

إذن المنطقة المذكورة دائماً تكون جزءاً من ميدان معركة الصراع للسيطرة العالمية ، ومن أقوى الأمثلة على ذلك هو عندما استطاعت الولايات المتحدة ودول أوربا الغربية من إنشاء حلف عسكري عام 1948م تحت مسمى الناتو ، بعد الحرب العالمية الثانية ، قام الطرف المنافس في شرق أوربا وأوراسيا بقيادة الاتحاد السوفيتي بإنشاء حلف وارسو عام 1955م ، وسعى حلف وارسو إلى انضمام جميع دول شرق أوربا إليه لكي يشكل كتلة عسكرية في مواجهة الغرب ، وعلى أن يكون مفتاح السيطرة أو خط المواجهة الأول ( شرق أوربا ) ، وذلك أدى إلى وجود صراع حضاري مكاني ما بين الناتو ووارسو ، ونلاحظ عن الناتو هو وجوده في المنطقة قبل وارسو ، من خلال ضم دول جنوب شرق أوربا ممثلة في تركيا واليونان عام 1952م 0 ومن هنا أصبح الممر الرئيسي الوحيد ألى المياه الدافئة بالنسبة لزعيم الكتلة الشرقية ووارسو يوجد من خلال إحدى دول الناتو ، وذلك يمثل ممري البوسفور والدردنيل ( بحر مرمرة ) وبحر ايجه إلى البحر المتوسط 0

إذن لو ركزنا على الأربعة عقود التي مرت من خلالها الحرب الباردة ، لوجدنا بان أهم أماكن الصراع العالمي ما بين الكتلتين هي الأماكن الواقعة ما بين شرقي وجنوب شرقي أوربا 0 ولو تطرقنا من الناحية النظرية لآراء المدارس الاستراتيجية حول أهمية شرق أوربا خلال هذا القرن لوجدنا التالي – أولاً – هالفورد ماكيندر عام 1919م يقول – ” إن من يحكم شرق أوربا يحكم قلب العالم ، ومن يحكم قلب العالم يتحكم في الجزيرة العالمية ، والمقصود هنا آسيا وأوربا وأفريقيا 0 ومن يتحكم في الجزيرة العالمية ، يتحكم في العالم ” 0 وعلى هذا أصبحت المناطق الحاجزة بين الجرمان والسلاف الممتدة من استونيا إلى بلغاريا في رأي ماكيندر مفتاح السيطرة العالمية 0

ونفس النظرية المذكورة اعتنقتها المدرسة النازية للسيطرة العالمية ، بحيث مؤسسيها هاو سهوفي وابنه البراخت وآخرين قالوا – ” بأن السيطرة على أوربا هو مفتاح قوة المانيا ، ومن خلال هذه السيطرة فسوف تستطيع المانيا إجبار الاتحاد السوفيتي دون حرب بالجلوس للتفاوض بشأن حكم أوراسيا ( أوربا وآسيا ) ” 0 وكان هاو سهوفي يشكك في إمكانية قيام حرب صاعقة المانية ضد المساحة الضخمة للاتحاد السوفيتي ، فيقول – ” إذا كان تطبيق سيناريو الحرب قد نجح بالنسبة للألمان في دول محدودة المساحة مثل بولندا وفرنسا وهولندا ، إلا أن نصيبها من النجاح في المساحات السوفيتية الضخمة محفوف بالمخاطر ” 0 ولكن هتلر خالفهم وأضاع أحلامهم 0

والدليل على شدة المنافسة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في بداية الخمسينيات من هذا القرن هو الاهتمام الأمريكي في جذب الدول الشيوعية المهمة بالنسبة للمعسكر الغربي من خلال المساعدات الاقتصادية فالمساعدات التي حصلت عليها يوغسلافيا في الفترة ما بين 1951 / 1953م تصل إلى أكثر من 325 مليون دولار ، وهي دولة صغيرة وقليلة السكان ، بينما أمريكا اللاتينية التي تبلغ عشرة أضعاف يوغسلافيا ، وقامت القاعدة الأساسية للتنمية في الولايات المتحدة من ثرواتها ، وهي في أشد الحاجة لمن يأخذ بيديها ويمدها برأس المال المطلوب لتنمية مصادرها ، ورفع مستوى حياة شعوبها ، لم تنل من الولايات المتحدة في المدة نفسها أكثر من 101 مليون دولار أي أقل من ثلث ما نالته يوغسلافيا ، وهذا الدعم يعطينا مؤشرين – الأول – الأهمية الاستراتيجية ليوغسلافيا 0 ثانياً – المساهمة في تدعيم الخلاف الذي نشأ بين يوغسلافيا وموسكو 0 ثالثاً – لجوء يوغسلافيا إلى إنشاء كتلة تحت مسمى حركة عدم الانحياز مكونة من دول العالم الثالث والمؤسسين الأصليين لها هم – تيتو وعبد الناصر ونهرو 0 والمقصود من هذه الحركة لتكون وسطاً بين معسكري الحرب الباردة ، أي من خلال هذه الحركة أصبح دور يوغسلافيا العسكري بالتحديد محايد 0 وربما القصف الأمريكي واستخدام الأسلحة الذكية للمنشآت اليوغسلافية سابقاً ، الصربية حالياً لتدمير البنية التحتية التي ساهم فيها رأس المال الأمريكي المذكور ، وأعتقد بأن الأمريكان في هذه الحالة ، استخدموا المبدأ القانوني القائل إمكانية العودة في الهبة  0

إذن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية سواء كان هناك حرب باردة أم لم تكن ، وسواء بقي الناتو على شكله الحالي أو تغير ، فهذه المنطقة بالنسبة له من أهم المواقع الاستراتيجية العالمية ، إن لم يكن أهمها على الاطلاق ، وخاصة بعد الانهيار الكبير الذي أصابها بعد انتهاء الحرب الباردة 0 فيوغسلافيا تحولت إلى صربيا ، وكرواتيا ، ومقدونيا ، والجبل الأسود، والبوسنة والهرسك ، وسلوفينا ، وفي الطريق كوسوفو 0

فتشيكوسلوفاكيا تحولت إلى – ( التشيك ، والسلوفاك ) ، وباقي دول أوربا الشرقية والبلقان تعاني من اضطرابات سياسية واقتصادية بعد الفشل الذريع الذي أصاب أنظمتها السياسية الشيوعية ، والاقتصادية الاشتراكية 0 ومن خلال هذه الأوضاع المتردية أصبح من السهل على الولايات المتحدة التدخل في هذه المنطقة لوضع أي برامج اقتصادية أو أمنية لها 0 والدليل على ذلك خطة الولايات المتحدة بضم دول شرق أوربا إلى حلف الناتو 0 ومن الطبيعي بأن روسيا تعارض هذه الفكرة ، ولكن الغريب في ذلك هو معارضة بعض حلفاء الولايات المتحدة الغربيين في ضم بعض دول شرق أوربا إلى الناتو ، ولكن الناتو انضم إليه في مارس 1999م ثلاث دول من دول شرق أوربا ممثلة بالتشيك والمجر وبولندا ، والبقية تأتي 0

وإن كانت أمريكا كقوة عالمية ترى بأن الناتو الذي تعتمد قاعدته الأساسية عليها وعلى دول أوربا الغربية ، ولكنها دائماً تنظر بعين من الشك والريبة لمصداقية أوربا الغربية المستقبلية وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة ، والتقارب الاقتصادي والسياسي الأوربي الكبير ، مما يجعل إمكانية تحول السوق الأوربية المشتركة إلى الولايات المتحدة الأوربية ، ومن الطبيعي عندما يصلون الأوربيون إلى هذه المرحلة فلن يحتاجوا إلى أي نوع من المشاركة الأمريكية 0 والأدلة على ذلك كثيرة –

أولاً – إمكانية قيام اتحاد أوربي هي عملية ممكنة ، ولو نظرنا لبعدها التاريخي لوجدنا أن أجزاء كبرى من أوربا سبق لها أن توحدت في عهد شارلمان في أواخر الألفية الأولى تقريباً، وبعد ذلك قسمت ما بين احفاده الثلاثة ( شارل فرنسا ، ولوثر لوترنجيا، ولويس جرمانيا ) 0

ثانياً – في القرن التاسع عشر طالب ايمانويل كانت على إقامة اتحاد أوربي ما بين الدول الأوربية المتناصرة ، وذلك سوف يؤدي إلى قيام اتحاد عالمي تحت قيادة أوربا (نتيجة لأن أوربا في عصر (كانت) كانت تسيطر على اقدار العالم السياسية 0

ثالثاً – عدم مصداقية الأوربيين وسهولة تنصلهم حتى على الماهدات الموقعة فيما بينهم ، فنلاحظ ما بين الحربين أثرت أمريكا مبدأ العزلة بدلاً من التدخل في أوضاع أوربا المتدهورة ، وصاغ الأوربيون اتفاقية خاصة فيما بينهم ممثلة بماهدة فرساي ، وهي التي من خلالها أجبرت ألمانيا وبكل اذلال على الموافقة على شروط المعاهدة ومنها – تحديد الجيش من حيث الكم والنوع ، ومستوى التسليح ، ونشأ في أوربا آنذاك عصبة الأمم ، وكان اللاعبين الرئيسيين فيها الدول الأوربية المنتصرة في الحرب وبدون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن في هذه المرحلة كان واضحا عدم التزام الدول الأوربية بالاتفاقيات الموقعة بينهم ، مما سهل على ألمانيا التنصل من العقوبات المفروضة عليها من خلال الدور الذي لعبه هتلر في التحلل من قيود فرساي ، ويعد للحرب ويتحدث في نفس الوقت عن السلام 0 وشجع انتهاك هتلر لمعاهدة فرساي على أن يشن موسوليني حربه ضد الحبشة في عام 1935م 0 ووقعت عصبة الأمم بإيعاز من بريطانيا العقوبات الاقتصادية على إيطاليا ، ولكن انجلترا وفرنسا تخاذلتا في تطبيقها 0 ونلاحظ هتلر استغل هذه الثغرة وشجع الاعتداء الذي قام به موسوليني وذلك أدى إلى ارتباطه بألمانيا لأنها هي القوة الوحيدة التي ساندته 0 ومن هنا نشأ محور برلين روما ، الذي كان الأساس لقيام الحرب العالمية الثانية 0

رابعاً – الولايات المتحدة لا تنسى الدور الرهيب الذي قامت به فرنسا عام 1966م عندما انسحبت من الناتو وطالبت بنقل قيادته وقواته من فرنسا برغم أنها من أول المستفيدين من هذا الحلف في مساعدتها بطريقة غير مباشرة في حرب استقلال الجزائر ، وفي فترة الرئيس ميتران عادت إليه مرة أخرى 0 وبالإضافة إلى ذلك امريكا لن تنسى مطالب الأوربيين بعد الحرب الباردة في روما بحل الحلف ، لأن العدو الشيوعي قد زال ولم يعد للناتو أي مبرر للاستمرار 0 فيما كانوا يتحدثون الأوربيين فيما بينهم ضرورة انشاء منظمة أوربية للدفاع مستقلة عن أمريكا ، لأن لا وحدة أوربية حقيقية دون استقلال تام عن أمريكا 0

خامساً- أما بالنسبة لروسيا وظروفها الاقتصادية والسياسية المعقدة ، وبرغم أنها تعيش الآن على الهبات والقروض الأمريكية ، ودول السبع الكبار الأخرى الذين معظمهم منظمين في الناتو إلا واحدة تدور في فلكه ممثلة باليابان 0 إلا أن أمريكا وأوربا دائماً ينظرون إليها بانها هي العدو التقليدي للناتو والذي يمكن عودته في أية لحظة كمنافس عالمي 0 ومن خلال هذا المنطلق نلاحظ أن الدول الغربية تحاول وباستمرار من القضاء على جميع قواعد القوة التي كانت تعتمد عليها وروسيا في أوج مجدها ، أو امكانية الاعتماد في المستقبل ، فنلاحظ روسيا بعد انتهاء الحرب الباردة – (1) طالبت دول الناتو باعتبار أن وارسو قد انتهى بعد الحرب الباردة0 (2) احتجت على انضمام دول شرق أوربا للناتو لأن ذلك يشكل خطراً عليها 0 (3) شجبت ضرب الناتو لصربيا وهو يمثل آخر حلفاء روسيا في شرق أوربا وتربطهم معها عرقية واحدة ممثلة بالسلافيين ، ومذهب واحد ممثل بالارثوذكس ، ولكنها فقدت مصداقيتها بشكل كلي ، وأثبتت عجزها أمام جميع حلفائها العراق عام 1990م وصربيا عام 1999م 0 (4) عموماً روسيا شعرت بهذا العجز منذ انحلال الاتحاد السوفيتي ولكنها قامت بعدة محاولات لإقامة أي محور أو حلف ليحفظ لها أي نوع من التوازن العالمي على أقل تقدير 0 فتارةً حاولت استمالة الصين رغم فتور العلاقات فيما بينهما منذ الخمسينيات ، وتارة أخرى خلال عام 1088م دعا -بريماكوف- ببناء مثلث استراتيجي في آسيا يضم كل من روسيا والصين والهند ، وهذه الدول الثلاث كل واحدة منهم مؤهلة لقيادة أوراسيا ، كما يرى بعض الاستراتيجيين 0 وكل هذه المحاولات الروسية تعطي مؤشراً بأن روسيا مازالت تبحث عن دور استراتيجي عالمي حتى ما سنحت لها الفرصة ، ولابد من وضع السيناريو المناسب للاجهاز عليها ، وهي ضعيفة ، حتى لا يقوم لها قائمة 0

التصورات الاستراتيجية لشرق أوربا والمحاور الأربعة المذكورة تعطينا الأهمية المركزية بالنسبة لشرق أوربا كمنطقة لنفوذ الناتو بشكل عام وأمريكا بشكل خاص ، وفي حالة تحلل حلفائها التقليديين من التزاماتهم نحو الناتو ، ويثبت دورها العالمي من خلال توغلها وسيطرتها على شرق أوربا 0 أما بالنسبة لروسيا فسوف تصبح في مرحلة احتواء أكثر من الأولى أيام الحرب الباردة ، بحيث احتوائها سوف يتم الآن من خلال مناطق نفوذها وقوتها السابقة وذلك ممثلاً بالأجزاء الغربية من الاتحاد السوفيتي السابق من البلطيق إلى بحر ايجة وذلك يمثل استوانيا ولاتفيا ولتيوانيا إلى بلغاريا جنوباً ، ومن الجنوب أماكن الانتاج الزراعي والمعدني 0 السوفيتي السابق وذلك ممثلاً بالجمهوريات السوفيتية المستقلة في وسط آسيا ، ومن ناحية الشرق الدور التقليدي لأمريكا في المحيط الهادي 0 وطبعاً هذا النوع من الاحتواء سوف يضعف من إمكانية اتصال روسيا بدول أوربا الشرقية 0 ومن الناحية المكانية سوف يضعف امكانية الاتصال الروسي الهندي والروسي الصيني 0

والبعض يربط ما بين مطالبة الدول الأوربية بحل الناتو وانغلاق حروب البلقان كسيناريو لبقاء الناتو 0 عموماً سواء طالب الأوربيين بحل الحلف أو الابقاء عليه ، فالولايات وبدون النظر لآراء الآخرين ، فقد وضعت استراتيجيتها للحلف خلال العشر سنوات القادمة 0 وكما ذكرنا سابقاً أن عدد المنضمين للحلف وصل إلى ثلاثة دول عام 1999م ، ولكن هناك (24) دولة على قائمة الانتظار للانضمام وخاصة أن بعض الدول المنهارة اقتصادياً ترى بأن هذا الحلف ممكن أن يشكل خلاصها من مشاكلها المتنوعة والمتعددة ، وأهداف الناتو ظاهرياً في المرحلة القادمة هي – (1) الحيلولة دون انبعاث القوة الروسية من جديد 0 (2) تصدير الاستقرار إلى شرق أوربا 0 (3) تحقيق الديمقراطية في الدول المنظمة حديثاً للحلف 000 إلخ 0

وأما بالنسبة لأهمية الحلف عند الأمريكيين فنلاحظ أن هناك رأيان ، وهو رأي مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية – ” بحيث ترى أهمية استمرار الحلف وتوسعه بعد انتهاء الحرب الباردة ” 0 ونلاحظ المؤرخ الأمريكي الشهير جور ج كنان يعارض هذا الرأي حيث يقول بان – ” استمرار الحلف يعتبر أسوأ خطأ أمريكي بعد الحرب الباردة ” 0

وعموماً نستطيع أن نلخص المنظور الأمريكي بالنسبة للناتو وبالنسبة للسيطرة العالمية من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي – الأول – اقتصادي فالولايات المتحدة تعتبر الدولة الأولى في انتاج الأسلحة في العالم ، ودول الناتو والاحلاف الممتدة منه تعتمد على هذه الاسلحة 0 ثانياً- الناتو وما يتبعه من احلاف قائم على البعد الاستراتيجي للسيطرة العالمية 0 ثالثاً – هناك مواقع بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لا تقبل النقاش فيها ومنها البحر الكاريبي وقناة بنما ، وكوريا الجنوبية ، وتايوان ، والفلبين ، وعلى رأس هذه القائمة البلقان ، وشرق أوربا 0 وبمعنى آخر عندما تضمن الولايات المتحدة انضمام شرق أوربا لها في حلف اقتصادي عسكري وخاصة بشكل دولها الممزقة كما ذكرنا سلفاً ، فسوف تضمن عدم قيام اتحاد أوربي بين حلفائها التقليديين 0 وإن قام أو حاول بعضهم الانفصال عن الحلف فلن يهم ذلك الولايات المتحدة كثيراً وخاصة بعد انضمام شرق أوربا 0

وربما يتساءل البعض وماذا عن منطقة الشرق الأوسط ؟ بعض المدارس الاستراتيجية لم تنكر أهمية هذه المنطقة كمنطقة معابر استراتيجية وموارد اقتصادية وسوق استهلاكية ، ولكنهم سموها منطقة العباءة الخالية ، ومن يتحكم في مفاتيح السيطرة العالمية ، سوف يسهل عليها السيطرة على عالم الشمال ، ومن يسيطر على عالم الشمال ، فسوف يسيطر تلقائياً على منطقة الشرق الأوسط 0

وإلى اللقاء إن شاء اللّه تعالى ،،

البغل السياسي

بسم الله الرحمن الرحيم

4/12/2004

أولاَ : لماذا البغل ، وليس بالعجل السياسي  أو اللاعب السياسي ؟

البغل لأنه من السهل تدريبه على معرفة اداء الدور المطلوب منه ، أما العجل فغالباً ما يضيع طريقة اللعبه ، أما اللاعب السياسي سنأجله إلى مناقشة أخرى  حتى لا نحرق الدور المناط به !! .

ثانياَ : لعبة البغل السياسي : في العالم المتقدم ، تسمى احياناَ بلعبة اللاعب المخسر أو المخرب ، أي أن دوره ليس للكسب بل لتخسير الخصوم مثل لعبة ميلبورن في بريطانيا، ودي فيليبيان في فرنسا ورالف نادر في امريكا ، ولكن هل من الممكن أن يتحول البغل السياسي إلى لاعب سباق طبعاَ من سابع المستحيلات ، لأنه أصلاَ يمثل العصا التي يضرب بها الخصوم، أما الجمهور فدائماَ يعشق أن يكون اللاعب السياسي غامضاَ .

ثالثاَ : الفرق مابين تغير قواعد اللعبه والبغل السياسي : عندما يكون هناك عشرة من المؤهلين في حزب واحد ، يتنافسون على منصب المحافظ لهذا الحزب على سبيل المثال ، سنجد أن كل واحد من هؤلاء العشرة يرى زملاءه الاخرين لايستحقون هذا المنصب باستثناءه هو ! . ولكن لو عقد تحالف مابين مجموعه من العشرة فرضاَ ثلاثة أو أربعة لترشيح واحد منهم ، هنا يمكن أن يدعم باقي العشرة هذا المرشح على مضض وإن كانوا غير مقتنعين بأن لاعب التحالف يجيد دور المحافظ . ولكن لونفس التحالف رشح لاعب غامض من خارج العشرة على أن يكون غامضاَ ، فهنا ادارة اللعبة تتغير ، وخاصة عندما يقر التحالف بأن لاعبهم القادم من خارج المجموعة ، أفضل منهم بكثير ، فهنا سيتسلط التحالف فكريا على مجموعة العشرة المؤهلين ، بأن المرشح الخارجي الغامض إن لم يكن مؤهل اكثر من الجميع ، فلابد أنه يملك مقومات لا توجد بينهم ، وفي الحقيقة غالبا يكون المرشح الخارجي أقل في قدراته من جميع المؤهلين العشرة ، ولكن فن التحالف استطاع أن يكسر الحلقة ويبقي منصب المحافظ عندهم !! .

وهذا لاحظناه في العاب القوى في سباق المسافات الطويلة بحيث يكون هناك تحالف مابين لاعبين الفريق ، فيقوم مجموعة منهم بدور اللاعب المخسر ، أي يسحب المنافسين الاخرين بقوة منذ بداية السباق إلى أن يقطع انفاسهم ، وفي لحظة الحسم ينطلق اللاعب الاساسي المعقود عليه أن يكسب الفريق بعنف . فقفز أحد مدربي سباقات الهجن وقال أيضا نحن نستخدم نفس اللعبة ، عندما يكون المدرب يشرف على أكثر من هجين في نفس السباق ، فيجعل بعضها يلعب دور المخسر ، ويعقد الأمل على واحدة تنطلق بشدة في نقطة الحسم لكي تكسب الموقعة ، أو الحرب النهائية . ولكن من سبق من في لعبة اللاعب المخسر ، هل  السياسة هي المتصدر الأول ، أم أن السياسة مقتبسة العبة من الآخرين ؟ .

رابعاَ : اذاَ ماهي مهام البغل السياسي أو اللاعب المخرب ؟ : في الدول المتقدمة دور البغل السياسي شرحناه اعلاه ، أما في الدول المتخلفة فالوضع مختلف إلى حد ما ، فحتى لا يواجه الزعيم خصومه مباشرة مما يؤدي إلى كشف ضعفه امام خصومه فإنه يلجأ إلى تسليط البغل المخرب عليهم ، بحيث يتهجم على مقامهم ، ويصادر وظائفهم ، ويقزم انجازاتهم أيا كانت ، فيتحول الصراع بدلا من أن يكون مابين الزعيم وخصومه المؤهلين فيكون بين هؤلاء الخصوم والبغل المخرب ، وفي هذا الصراع يستهلكون كل قواهم السياسية والمالية والعلمية … الخ . وربما يؤدي التمادي في الصراع معه إلى كوارث سياسية واجتماعية بالنسبة لهم وذلك يؤدي إلى تهميش الخصوم .

خامساَ : هل البغل المخرب مؤهل أن يحل محل الزعيم أو المحافظ : طبعاَ لا وألف لا ، تعلمون لماذا ؟؟ لأنه أصبح مستهلكا سياسيا ، أي مثل الأرجوز ، يوم يمثل دور الشخص الثقيل المتزن ، ويوم يمثل دور الشخص الثوري العدواني ، ويوم يمثل دور اللاعب الإجتماعي الواصل لكل افرد المجتمع ، ويوم يمثل دور الشخص المتعجرف الذي يرى الناس كالشرار أو الحشرات أجلكم الله ، ويوم يمثل دور الخطيب العالم المفوه ، ويوم دور الشخص الريفي أو البدوي العادي ، ويوم دور الشخص المتحرر من كل القيم ، ويوم يقوم بدور الواعظ الإجتماعي … الخ .

سادسا : ماذا يستفيد البغل الساسي ؟ : البغل السياسي يجب أن يكون جريء وشره ومتحلل من كل القيم ، و يستفيد أن  الزعماء في الدول النامية يقومون بعمل ميزانيتين لدولهم ، ميزانية للزعيم ولكامل الأمة ، وأخرى للبغل السياسي ، وذلك لأن البغل السياسي يفترض أنه شره ولا يشبع كالجراد عندما يهجم على منطقة خضراء ، أو كالطوفان عندما يبتلع القرى في طريقه ، أو كالنار كل ما يلقي فيها شيئاَ تقول هل من مزيد ؟! ، ولكن الأمثلة التي ذكرناها لها نهاية أما جشع البغل السياسي فليس له نهاية إلا إذا انتهى دوره ، أو توقف يومه ، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ؟! .

سابعاَ : ماهي الطريقة للتخلص من البغل السياسي ؟ : توجد مناطق تلجأ إلى العنف ، ولكن مشكلة الدم إذا أريق لا يتوقف ، وهذا مايجعل سياسة العنف عند السياسيين البارعين مستبعدة جداَ ، وإن بقى خياراَ في حالة الدفاع عن النفس ! .

إذا ماهي الطريقة للتعامل مع البغل السياسي ؟ الطريقة تتمثل في فن ادارة اللعبة السياسية ، وسنؤجل الخوض في موضوع فن ادارة اللعبة السياسية إلى مقالة قادمة إن شاء الله تعالى .

وإلى اللقاء دائما إن شاء الله تعالى ،،،

الآمال والتحدي للتوازن العالمي

بسم الله الرحمن الرحيم

6/9/2005

قرأت في صحيفة Financial Times August.20th.2005 إعلان من (Clinton Global Initiative Nye 2005) يدعون فيه جميع مثقفي العالم الذين يرغبون في أن يكونوا مساهمين في تغيير الحقائق على الأرض ، وأن عليهم المشاركة بآرائهم عن طريق وسائل الاتصال المختلفة 0

المؤتمر سيعقد ما بين 15 – 17 سبتمبر 2005م في نيويورك تحت مظلة الرئيس كلينتون ، وبمشاركة السيد كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة ، وبمشاركة مجموعة كبيرة من متخذي القرار ومفكري العالم 0 وسوف يمثل الإدارة الأمريكية الحالية في هذا المؤتمر د0 كوندليزا رايس وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية 0

وسوف يركز هذا المؤتمر على أربعة محاور رئيسية تكاد تدنو بكوكب الأرض بتحطيم مبكر قبل النهاية الأبدية التي وضعها الله سبحانه وتعالى له وربما تكون بعد بضع سنين أو ملايين السنين !! وهذه المحاور هي :

المحور الأول :      كيف نقضي على الفقر ؟

المحور الثاني :      كيف نستطيع أن نوظف الديانات لنشر السلام في الأرض ؟

المحور الثالث :      ما هي الإمكانيات لمعالجة البيئة الطبيعة لكوكب الأرض ؟

المحور الرابع :      ما هي الآليات لقيام الحكم الصالح ؟

قبل أن ابدأ في المشاركة برؤيتي في المحاور المذكورة أعلاه ، لابد أن أقدم للمهتمين بهذا الأمر نبذة مختصرة عن وضع العالم الآن بالنسبة للمحاور أعلاه : أولاً : بالنسبة للفقر 40% من سكان كوكب الأرض فقراء إذا استعملنا عتبة الدولارين في اليوم ( الخليج الإماراتية العدد 9590 ) ، ثانياً : بالنسبة للديانات لإقامة السلام في الأرض ، أعتقد بأنه إذا وجد العدل وجد السلام ، وإذا وجد السلام ساهمت جميع الثقافات في المحافظة على الأمن في الأرض ، ثالثاً : لمعالجة البيئة لابد من الإبداع البشري لصناعة البدائل الغير مضرة بالبيئة ، ولصناعة البدائل لابد من إقامة السلام 0 رابعاً: بالنسبة للحكم الصالح ، أنا أنتمي إلى العالم العربي الذي يبلغ عدد سكانه الثلاثمائة مليون نسمة ، أي ما يقارب 5% من سكان كوكب الأرض وأتحدى أي شخص يفسر لنا بدقة في منطقتنا العربية ما هو مفهوم العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم ؟ وما هي آليات تداول السلطة ؟ وما هو المفهوم المطلق للمال العام ؟ وما هو مفهوم المواطنة وحقوقها وواجباتها ؟ وما هي الآليات المعتمدة التي يتم بها توزيع الوظائف ؟ ! 0

يكفي أن نقول لكم في المؤشر السنوي الأول للدول الفاشلة ، والذي قام به كل من فورن بوليسي وصندوق السلام ، والتي على حافة الوقوع في الهاوية ، قام هذا المؤشر بتصنيف ثلثي سكان العالم العربي من ضمن الدول الفاشلة ، أما بالنسبة لكوكب الأرض فثلث سكانه هم سكان الدول الفاشلة ، بمعنى آخر أن سكان الأرض يعيشون في كارثة ، ولكن كارثة العرب ضعف كارثة سكان الكوكب ( ص45 ، يوليو / أغسطس 2005 النسخة العربية Foreign Policy ) 0

بالنسبة لنا كأبناء لمنطقة الشرق الأوسط وصلنا إلى مرحلة نعترف فيها لكل سكان كوكب الأرض بأنه لا يوجد مجال لنا لإصلاح دولنا ، فإذا استعملنا القوة أصبحنا إرهابيين وحاربنا العالم كله ، وإذا استخدمنا أسلوب الحوار المباشر مع السلطة ، أو غير المباشر من خلال مخاطبتها من خلال وسائل الإعلام المختلفة والتي هي أصلاً تحت السيطرة المطلقة للحكومات في الدول الشرق أوسطية والذين يقومون بحذف بعض المشاركات أو استئصال بعض موادها أو عرضها بأسلوب يثير السخرية حتى تجعل المستهلك العادي يشعر بشيء من الاشمئزاز عند تناول هذه الوجهات الفكرية التي تطرح آرائنا التي نتشرف بتقديمها دون السعي لأي  مقابل أو شكر ، ولكن رغبة مننا بطرح آراء جديدة والمساعدة في توعية شعوب المنطقة ، وعوضاً عن التشجيع وفتح المجال لحرية طرح الآراء فإن السلطات الشرق أوسطية تقوم بتهميش من يحاول محاوراتها تهميشاً مطلقاً، إذاً حتى المقاومة بأسلوب الحوار لم نعد نتمتع بها في مثل هذه الدول ، ولم يعد هناك مؤسسات صحية تمثل الرأي والرأي الآخر ، باستثناء قيام بعض الدول ذات السلطة المطلقة بفتح مؤسسات  اعلاميه لطرح بعض الافكار الجريئه للرأي والرأي الآخر خارج نطاق سيادتها الجغرافية ، وأيضاً حتى هذا النوع من المؤسسات لم تسلم من الفساد ، لأن أصحاب هذه المؤسسات يستخدمونها لمحاربة خصومهم حتى ولو كانوا على صواب ، والتحفظ أو تجنب أصدقائهم حتى لو كانوا على خطأ !! 0

أيها السادة الأعزاء ، نحن نخاطبكم من إقليماً اقترب من الاحتراق واستخدمت فيه جميع النظريات الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة ، وقامت تتساقط الواحدة تلو الأخرى مثلما سقطت الشيوعية ، وبعدها سقط سور برلين ، وبعدها سقط النظام الاشتراكي العالمي ! 0

فقد جربت الولايات المتحدة فينا العولمة ، ولم تنجح ، وبعدها جربت الحرب على الإرهاب ، وأعتقد أن أمريكا مازالت تنزف ، والعرب ينزفون، والعالم ينزف ، بسبب الحرب على الإرهاب ، والقضية الحقيقية التي يريدها الشرق الأوسط هي تقرير المصير والعدالة ، أما الإرهاب أو العنف فهو ليس مرتبطاً بأي عقيدة ، ولا أي إقليم جغرافي ، بل أن الشعوب عندما تشعر بالذل والقهر وعدم المشاركة في تقرير مصيرها تخرج منها قلة لتقديم أنفسهم فداءً لأوطانهم وأهلهم 00 والأمثلة كثيرة ، فمنهم فرقة الكامازاكي في اليابان ، هل نستطيع أن نقول أن الشعب الياباني إرهابي ؟ وقلة من التاميل 00 ولكن هل نستطيع أن نقول بأن الشعب الهندي أو السيرلانكي شعباً إرهابياً ؟ 00 الخ 0

إذاً هذه القلة موجودة في كل الدول ، ولكن الأهم من ذلك هو واضع الاستراتيجية لتوظيف هذه القلة ، وهناك استراتيجيات مشروعة مثل المقاومة بالنفس لتقرير المصير ، وهناك استراتيجيات غير مشروعة عندما نعرض المدنيين للإرهاب أو العنف 0

من هنا إذاً علينا أن نوظف هذه القلة التوظيف السليم لخدمة الجماعة، وتوظيف القلة لا يأتي إلا من متخذ قرار ، ومتخذ القرار لابد أن يكون صالحاً وراشداً وبينه وبين شعبه عقد اجتماعي وسياسي موقع بين الطرفين بكامل إرادتهم ، ومن هنا ينطلق الإصلاح في الشرق الأوسط !! 0

السادة الأعزاء ، الولايات المتحدة قدمت برنامج الشرق الأوسط الكبير لمنطقتنا ، وفشل هذا البرنامج ، وهنا الآن برنامج جديد في صيف عام 2005م يسمى بالفوضى البناءة !! 0

ونحن نكرر ونعيد مسئولية العالم التاريخية هو الاقتراب من هذه الشعوب بطريقة مباشرة وسؤالها ماذا تريد ؟ 0 ولكن يجب أن يكون هذا الاختراق من دون أي دور لمؤسسات الدول الشرق أوسطية ، ولم لا ، أليس التوجه العالمي الآن هو صناعة دول تضحي لشعوبها !! 0 وأقترح أن يكون هذا الاقتراب في البداية من خلال مؤسسات استطلاع الرأي العالمية المشهود لها بالنزاهة ، وسؤال الشعوب الأسئلة التالية :

أولاً        :           هل يوجد تداول للسلطة في بلادك ؟

ثانياً        :           هل يوجد عدالة في توزيع الوظائف في بلادك ؟

ثالثاً        :           هل يوجد شفافية في إدارة المال العام في بلادك ؟

رابعاً      :           هل دستور بلادك أعطاك حقك الكامل في المواطنة ؟

خامساً:    هل توجد آلية يمكنك من خلالها المشاركة في السلطة ؟

أعتقد أننا إذا استطعنا أن نحصل على إجابة من شعوب المنطقة على هذه المحاور فإن ذلك سوف يقربنا من عين العاصفة ، التي يجب أن نفجرها سلمياً لوضع برامج إصلاحية سليمة للشرق الأوسط !! 0

السادة الأفاضل ، الشرق الأوسط الآن يقترب من كارثة حقيقية ، وسوف تستغربون جميعكم ، ولكن هذا هو رأيي ، استراتيجية من هو العدو في الشرق الأوسط ؟ كانت موجهة للاحتلال الصهيوني وذلك من خلال تخويف الشعوب من حلم إسرائيل الكبرى ! 0

اليوم عقد العرب صفقة سلام مع إسرائيل ، وسقطت المحرمات واعترف بدولة إسرائيل من الناحية الإقليمية والعالمية والتنظيمية ، وكذلك سقطت المحرمات الإسرائيلية ، وانسحبت إسرائيل من أراضي غزة ، والتفاوض الآن على الانسحاب من أراضي الضفة الغربية ، بمعنى آخر انتهت استراتيجية تقديم التضحيات العربية لتحرير الأرض العربية حتى لو على المستوى الرسمي !! 0

ولكننا الآن في الشرق الأوسط نعيش في مرحلة الهدوء والذي يسبق العاصفة ، لأن الشعوب العربية ستتحرك فرادى وجماعات وبمؤثرات محلية وقطرية وإقليمية وعالمية للمطالبة بحقوقها التي ذكرناها أعلاه (لاستطلاع الرأي من خلال خمسة محاور) !! 0

نحن أبناء الشرق الأوسط لتجنب الكوارث أعلاه لابد أن ننظر لإمكانياتنا وتوظيفها التوظيف السليم ، فاحتياطتنا من النفط تبلغ 72% من الاحتياطي العالمي ، ومن الغاز الطبيعي 35% من الاحتياطي العالمي ، هذا إلى جانب الموارد الاقتصادية والبشرية الكبرى ( آل ثاني ، ص 101 ) ولكن انظروا إلى واقعنا الاقتصادي 00 هونغ كونغ كدولة صغيرة ولا تملك سيادتها الكاملة ، صادراتها في عام 1999م أكثر من صادرات العالم العربي بأكمله ، والأدهى والأمر من ذلك بأن المواد الخام والنفط شكلت ما نسبته 72% من هذه الصادرات العربية ( موقعنا الإلكتروني ) ! 0 نريد حكماء العالم أن ينظروا إلى واقعنا نحن الدول التي تتكالب علينا الأمم لامتصاص ثرواتنا الطبيعية ولاحتلال مقدساتنا والسيطرة على موقعنا الجغرافي ، ولاستخدامنا كسوق استهلاكية لامتصاص فوائض العالم ، ولكن ما هو وضعنا في جغرافية الاقتصاد العالمي ؟ 0 نحن سنجيبكم على ذلك :

بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد في الدول العربية 1.54% من إجمالي التدفقات على مستوى العالم وما نسبته 5% من حصة الدول النامية ! 0 والشركات الأجنبية الرئيسية في العالم العربي بلغت نسبتها 0.6% من إجمالي الشركات المتعددة الجنسيات في العالم ، ونسبة الشركات النوعية والشقيقة بلغت 0.6% من نسبة العالم ( الخليج العدد 9593 ) استفسارنا هنا هل يعقل إقليم يوجد به أكثر من 5% من سكان كوكب الأرض ، ومعظم موارد الأرض ولا يوجد به إلا 0.6% من الشركات العالمية و 1.54% من إجمالي التدفقات على مستوى العالم ! 0 هذا أمر محزن ولكنه في نفس الوقت طبيعي إذا علمنا أن مشاركة العالم العربي في التجارة العالمية لا يتجاوز 3.7% من إجمالي الصادرات العالمية ، و 2.5% من إجمالي الواردات العالمية ، ولا يتجاوز العالم العربي 1% من إجمالي الخدمات التجارية العربية ووضعنا في تجارة الخدمات يمثل مأساتنا الحقيقية التي سنشرحها لاحقاً ، ومعنى تخلفنا في تجارة الخدمات يساوي تخلفنا في تنمية الإنسان والنتيجة البطالة العربية السافرة أصبحت تصل إلى 30% ، والبطالة العربية المقنعة إلى أكثر من 50% من جملة القوى العاملة ! 0 وأصبح اعتمادنا على تصدير الموارد الناضبة ، فالصادرات العربية 52.2% مواد خام ووقود معدني ، و 5.5% من الصادرات معدات وآلات ، والصناعات الأخرى 7.9% ، والأغذية والمشروبات 18.2% ومعظم الواردات ضعف الصادرات باستثناء المواد الخام !! (الخليج العدد  9594) 0

أعتقد بعد هذا التحليل المقتضب ، إذا أراد العرب الخروج من مأساتهم الاقتصادية فعليهم بالتركيز في عمل بنية تحتية كما أوضحناها في كتابنا جيواستراتيجية العالم الإسلامي ص 84 :  فقد قلنا بأن 14 قطراً عربياً يصل عدد العاملين في الأنشطة الأولية 50% ، مثل الصومال وموريتانيا واليمن والسودان 0 وتهبط نسبة العاملين في الزراعة في دول عربية أخرى ودول مجلس التعاون الخليجي باستثناء سلطنة عمان ، وليبيا والأردن إلى أقل من 10% من النشيطين اقتصادياً 0 وتتجه العمالة في هذه الدول الأخيرة إلى الأنشطة الثانوية والثالثة ، ويعود ذلك إما لشح الموارد الزراعية أو لتوفر الصناعة الاستخراجية أو للعاملين معاً 0 أما الدول الإسلامية الأخرى فالأمر فيها أشد وأمر ، حيث يتراوح نسبة العاملين في الحرف الأولية ما بين 75% – 80% من جملة الأيدي العاملة ، ومن هنا يفترض أن لا نستغرب إذا قلنا أن البطالة السافرة والمقنعة في العالم الإسلامي أكثر من 50% من جملة السكان في سن العمل ! 0 وهنا يجب أن نقف برهة 00 ونأخذ نفساً عميقاً 00 فمعدل البطالة المقبول عالمياً يفترض أن لا يزيد على 5% من جملة السكان ، أي معدل البطالة العربية والإسلامية عشرة أضعاف هذا المؤشر العالمي !! 0 لذلك نطالب الدول العالمية أن تساعدنا في إعادة تخطيط قطاعاتنا الاقتصادية ، فالولايات المتحدة الدولة الأولى في العالم إحدى أسرار تفوقها قوة القطاع الخدمي الذي يوجد لديها ، فنسبة العاملين في هذا القطاع تصل إلى 63% من جملة النشطين اقتصادياً ، والعاملين في قطاع الأنشطة الثانوية وإنتاج السلع الاستهلاكية تبلغ 30% ، والعاملين في قطاع الأنشطة الأولية ( الزراعة ) 7% ، والحكمة هنا أن الولايات المتحدة استطاعت أن تقلص نسبة العمالة في الحرف الأولية وقامت بإحلال التكنولوجيا في هذا القطاع ، وفي الوقت نفسه استطاعت أمريكا أن تصبح سلة غذاء العالم ، لذا نرجو من مخططي العالم أن يساعدوننا لكي نقوم بتطبيق هذه البرامج !! وخاصة أن القاعدة المالية لتحويل برامج التخطيط العربية موجودة ، فأرصدة النفط العربي 750 مليار دولار أمريكي وكلها موجودة في خارج العالم العربي ، وهنا الكارثة لأن عوائد النفط العربي التي تصل قيمتها إلى أكثر من 100 مليار دولار سنوياً ، وطبعاً لا تستثمر في السوق المحلي العربي ، الأمر الذي يؤكد ضرورة العمل على فتح قنوات جديدة للاستثمار في البنية التحتية العربية ( جريدة الخليج العدد 9594 ) 0 والاستثمار في البنية التحتية والصناعية هو سر المعجزة الصينية كما سنوضح لاحقاً !! 0

الإعلام ورفع الروح المعنوية :

توجد نقطة محورية أوجهها إلى الإعلام العربي وإلى المفكرين العرب ، وإلى كل من لهم صلة بالتأثير على الجمهور العربي ، وابدأها بأبيات شعر للشاعر العربي أبو القاسم الشابي :

إذا الشعب يوماً أراد الحياة      فلابد أن  يستجيب  القدر

ومن يخشى صعود  الجبال     يعيش أبد الدهر في الحفر

هذه الرسالة يجب أن نوصلها بكل أمانة لكل الجمهور العربي ، فنسبة كبيرة من الأجهزة الإعلامية العربية تجعل المتلقي العربي يشعر بأن كل ما يحدث لنا يعتبر من المسلمات وذلك لأن الاستعمار الأوربي سابقاً والسيطرة الأمريكية في المنطقة حالياً هم الذين خططوا لنا الأوضاع المزرية التي تمر فيها أمتنا الآن ، وطبعاً إذا بقيت شعوبنا تؤمن بهذه المسلمات أعتقد أننا سنبقى من حالاً سيئاً إلى أسوأ إلى أن نصل إلى مرحلة الانهيار !! 0

أعجبتني مقالة قرأتها للكاتب العربي الدكتور عبد المنعم سعيد توضح بأن ما حدث للعرب حدث لأمم كثيرة 00 فالصين هزمت هزيمة ساحقة في 1839 – 1842م , وقسمت إلى مجموعة مناطق للنفوذ الغربي والدول هي كالتالي : بريطانيا ، الولايات المتحدة الأمريكية ، فرنسا ، وروسيا ، وتم شحن أعداد هائلة من الصينيين إلى أمريكا الشمالية ، للعمل في ظروف لا تختلف عن تلك التي عاش فيها العبيد الأفارقة الذين تميزوا بأن قصتهم ومآسيهم قد باتت معروفة 0 ونتيجة معاهدة 1942م تم فصل جزيرة هونغ كونغ ، ومكاو كانت تابعة للبرتغال ، أما الصين الوطنية فقد انفصلت بسبب الهيمنة الأمريكية بجزيرة فرموزا وتوابعها من الدولة الأم 0 وفي عام 1860م كانت الصين مجبرة على إباحة الأفيون والسماح الكامل وبصورة مطلقة لنشر الديانة المسيحية في الدولة الكونفوشية ( الشرق الأوسط العدد 9759 ) 0

إذاً ما حدث للصين هو مثل ما حدث ويحدث للعرب ، وأحياناً أسوأ مما حدث للعرب ، ولكن الصين وجارتها الهند قد قبلتا التحدي ، وإذا ما استمرا على برنامج التنمية الذي لديهما وعلى مستوى نمو ناتجهما المحلي الحالي ، فيتوقع بأنهم سيصبحون أهم قطبين عالميين في كوكب الأرض 0

الذي نراه الآن هو تصديق على نظرية هالفورد ماكيند التي وضع التعديل الثالث في عام 1943م عن القوى العالمية بحيث أعطى أهمية مستقبلية لآسيا الموسمية وحوض الأطلنطي الجنوبي ، أما بالنسبة للشرق أوسطية فضمه ماكيندر من ضمن نطاق العباءة الخالية ( أي المناطق الغير استراتيجية في تسيير السياسة العالمية ) ! 0 ( رياض ، ص 81 ، 86 ) 0 وأتمنى أن يساعدنا العالم على أن لا تكون هذه النظرية حقيقةً على الأرض بالنسبة لنا كشرق أوسطيين !! 0

الصين والهند قوى في التوازن العالمي في القرن الواحد والعشرين:

دائماً نخاطب حكوماتنا في الشرق الأوسط بأنكم إذا أردتم الطريق السليم والحل الناجح لمستقبل منطقتنا فعليكم بالبنية التحتية والصناعة ، ورأيت بأن سر المعجزة الصينية والهندية بأنهم ركزوا على البنية التحتية والتكنولوجيا وليست العمالة الرخيصة فقط ، كما يعتقد الكثيرون من المتابعين للإبداع الصيني والهندي ، وأعجبت لتحليل وضعته صحيفة (The Independent, August 21,2005, U.K) عن الصين والهند ، فالصحيفة تقول بأن سر الإبداع هو التالي :

أولاً : مثل ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية الحصان الفائز في القرن التاسع عشر ، حيث كان عندها اقتصاد قوي ، وأيدي عاملة شابة كبيرة ، وحققت إنجازات في الزراعة والتكنولوجيا وشبكة المواصلات المعتمدة على البخار ، والمحركات البخارية بشكل عام والاتصالات السلكية والكهربائية ، وبهذه الإنجازات استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تنتزع قيادة العالم عن القارة العجوز أوربا !! 0

ثانياً : بعد الحرب العالمية الثانية ، تحققت المعجزات الاقتصادية في اليابان وكوريا الجنوبية ، ولكنهم لم يستطيعوا تغيير قواعد اللعبة العالمية ، ويعود ذلك لفقرهم السكاني 0 وهنا ملاحظة قوية ، فاليابان عدد سكانها 150 مليون نسمة ، وكوريا الجنوبية عدد سكانها 35 مليون نسمة تقريباً ، ويقول التقرير أن مشكلتهم السكانية حجمت أية طموح في النفوذ العالمي ، وهذه رسالة أبعثها لجميع أهلنا في العالم العربي ، نحن أقل من 300 مليون نسمة ونتوزع على 22 دولة ونسبة لا بأس بها منهم متناحرين مع جيرانهم، هل تعتقدون في هذه الحالة نستطيع أن نقدم أية حلول لمصائبنا المزمنة؟!!0

ثالثاً : العنصرين أعلاه يوضحان أن قوة مستقبل العالم ستكون متمثلة في التطبيق الصيني الهندي 0 وأعجبني هنا نموذج تخطيط منطقة شنغهاي في الصين ، من حيث تخطيطها العمراني ، والذي يوضح توزيع نطاق ناطحات السحاب ، والمناطق السكانية ، وشبكة الطرق ، والمناطق الصناعية ، والموانئ ، والمناطق الخضراء في عام 2020م 0 وكذلك يوضح النموذج مناطق الصناعات الكيميائية والثقيلة والسيارات ، والطرق التي تقع أسفل الأرض ، والمطارات ، وهذه كلها مقسمة على تسعة مجتمعات ، وكل مجتمع فيه 800 ألف نسمة 00 الخ 0 والرسالة واضحة للعالم ، شنغهاي تريد أن تصبح مركز العمالة الماهرة في العالم 0

رابعاً : الصين الحديثة استطاعت أن تضاعف دخل العمالة ثلاثة مرات من خلال جيل واحد ، وذلك انتشل ما يقارب ثلاثمائة مليون نسمة من الفقر !! 0

خامساً : يقول التقرير في عام 2030م الهند ستتخطى ألمانيا وستصبح ثالث قوة اقتصادية في العالم ، وفي عام 2050م الصين ستتخطى الولايات المتحدة الأمريكية ، وستصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم!!0

سادساً : يعتقد أن ميزان القوى التقنية سيتحرك من الغرب إلى الشرق، والمثال على ذلك الصين والهند يخرجان نصف مليون مهندس سنوياً ، يقابله 60 ألف مهندس للولايات المتحدة 0 وينمو عدد الباحثين في الصين والهند بمعدل 35% سنوياً ، بحيث سيصلون إلى 1.6 مليون عام 2008م 0 ويقابل ذلك عدد الباحثين في الولايات المتحدة يتناقص 11% سنوياً ، وسيصل في نفس الفترة إلى 760 ألف باحث ، وستكون مساهمة الصين والهند عظيمة في البحوث الطبية والمادية الأخرى !! 0

سابعاً : الصين والهند ينطبق عليهم نظرية الجيوبوليتيكا العضوية في المجال الحيوي القوي ، فكلا القطبين لا يحتاج بشكل مطلق للسوق العالمية لأن لديهم قوى استهلاكية عملاقة ، فالسيارات المستهلكة في الصين يتوقع أن تصل إلى 3 مليون سيارة في عام 2005م ، وذلك يعتبر ثلث سيارات العالم 0 عدد المشتركين في الخدمة الهاتفية في الصين 350 مليون نسمة ، وذلك يتوقع أن ينمو إلى 600 مليون مشترك عام 2009م ، ويعتبر ذلك الأول على مستوى العالم !! وكذلك مستهلكي الجوالات في الهند قفز من 5.6 مليون شخص عام 2000م إلى 55 مليون مشترك الآن 0

السؤال الذي يطرح نفسه : أين البقاع العالمية التي يحدث فيها ما ذكر أعلاه ، غير الصين والهند ؟ ! 0

هنا نحن نعتقد أن الصين والهند سائرتين في الطريق السليم ، لأن هذه القفزات الاقتصادية ستساهم في تأمين مستقبل ثلث سكان الأرض !! ومن هنا أقول بأن المسئولية الأخلاقية تقع على آسيا الموسمية ( الصين والهند ) ، وعلى العالم الغربي وأوربا والولايات المتحدة ، أن يساهموا في مساعدة شعوب الشرق الأوسط لإنقاذ أنفسهم وإنقاذ مستقبل الكوكب ، من خلال مساعدتهم في التخطيط السياسي والاقتصادي لمستقبلهم ومستقبل الكوكب الصغير الذي ننتمي له ، ومسئوليتنا الأخلاقية جميعاً هو أن نسلم الراية لأجيالنا القادمة في كوكب الأرض ، في عالم يظله السلام والعدل والثراء وتكافؤ الفرص0 ونقول لكم وبكل جرأة ، أن هذا ما سيحدث إن شاء الله 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

استراتيجية الرعب والاحتواء المزدوج

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

بعد نهاية الحرب الباردة عام 1990م ، كان على أمريكا أن تقدم للعالم نظام عالمي جديد ، أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية 0

وطبعاً كان على أمريكا لكي تطبق سيطرتها على العالم إعادة قراءة التصورات الجيوبوليتيكية للقرن الواحد والعشرين ، واختيار السيناريو المناسب على هيمنتها العالمية  0

وسيناريو الهيمنة الذي اختارته أمريكا هو تقسيم العالم إلى تكتلات سكانية واقتصادية ، وكل كتلة لها دولة رائدة ، أو على أسوأ الأحوال دولة مشاكسة مثل بريطانيا في السوق الأوربية المشتركة ، على أن تكون هذه الدولة الرائدة أو المشاكسة مذعنة إذعاناً تاماً للتصورات الأمريكية ( راجع آل ثاني ، فهد ، جغرافيا سياسية ، ص 125 ) 0

وعلى كل حال ، الولايات المتحدة لا تحتاج إلى معجزة لتفعيل دور التكتلات المقترحة ، فبمجرد تحريك أعمال المنظمات العالمية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية مثل : الغات ( منظمة التجارة العالمية ) وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ، فذلك كله سيوفر الآليات المناسبة لإنشاء أو المساهمة في نشأة التكتلات الاقتصادية العالمية تحت مظلة منظمة التجارة العالمية  0

أما بالنسبة لنا كشرق أوسطيين ، فكان الاقتراح هو إنشاء كتلة الشرق أوسطية الاقتصادية تحت قيادة إسرائيل 0 وهذه الكتلة أصلاً كان مطلب إسرائيلي منذ ثلاثة عقود من الزمن ، وبالتحديد بعد حرب أكتوبر العربية الإسرائيلية عام 1973م 0 وكان أبا إيبان وزير الخارجية الإسرائيلي هو أول من صرح بهذه الفكرة ، عندما أخبر حلفاءه الأمريكان بأن المنطقة لن تستقر سياسياً ، وتستطيع أن تنفذ إسرائيل مخططاتها فيها إلا من خلال ابتكار كتلة اقتصادية شرق أوسطية جديدة بدلاً من التعصبات القومية والدينية  0 ( آل ثاني ، فهد ، جغرافيا سياسية ، ص 131 ) 0

وبعد انتهاء الحرب الباردة مباشرة عام 1990م ، بدأت مفاوضات مدريد العربية الإسرائيلية تحت المظلة الدولية برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية  0

وكان التصور الأمريكي لكي يمشي موازياً مع عملية السلام هو إنشاء كتلة اقتصادية شرق أوسطية ، وتم بالفعل عقد اجتماعات لهذه الكتلة في المغرب عام 1994م  ، والأردن عام 1995م ، ومصر عام 1996م ، وقطر 1997م  0

وبسبب عرقلة عملية السلام العربية الإسرائيلية ، وتشدد الصقور من الدول الشرق أوسطية ضمن أنموذج الشرق أوسطية ، وهذه هي العراق قبل أبريل 2003م ، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وسوريا ، والمملكة العربية السعودية أحياناً ، وليبيا0

هذا كله أدى إلى وقف أنموذج الشرق أوسطية ، إلى أن يوجد حلاً للقضية العربية الإسرائيلية ، أو استراتيجية معينة لتدجين الدول النفطية المهمة في الشرق الأوسط ، وبعد تدجينها ستقبل عملية السلام ، والانضمام إلى قافلة الشرق أوسطية  0

ومن هذه السيناريوهات لتدجين الدول الناشزة على عملية السلام هي ما ذكرته (ايما ميرفي وآخرون) ، هو تقسيم دول الخليج العربي إلى ثلاثة كتل ، على أن تكون الكتلة الأولى دول مجلس التعاون الخليجي وهم في هذه الحالة يمثلون كتلة العمائم ، فالرعب والتهديد المفتعل يكفيهم من الجيران لكي يمتثلوا الجميع للأوامر الأمريكية 0 أما الكتلتين الأخريين في النظام الإقليمي الخليجي ، فيمثلون إيران والعراق ، فكان لابد من طريقة احتواء مزدوج  0

فالكتلة الأولى تمثل دول مجلس التعاون الخليجي ، وطريقة النظام الدولي الجديد لها :

أولاً :  تأكيد التحالف معها 0 حفظ الأمن والاستقرار السياسي فيها 0
ثانياً : تعزيز دور التعاون العسكري الثنائي والجملي لدول الخليج مع الولايات    المتحدة0
ثالثاً : تخزين الأسلحة الأمريكية المتطورة في بعض أجزاء المنطقة 0
رابعاً : اعتبارها سوقاً استهلاكية أساسية لمصانع الأسلحة الغربية وبخاصة الأمريكية    منها 0
خامساً : استمرار تكريس برامج مواجهة الخطر المحدق لهذه الدول من جانب كل من    إيران والعراق 0

أما الكتلة الثانية فتمثل إيران ، ويقوم تبعاً في النظام الدولي الجديد مع إيران على القواعد التالية :

أولاً : سياسة ( الترويع ) وهو تشويه صورة إيران كدولة وكفكراً إيديولوجياً وكدولة    تشكل خطراً على بقاء دول مجلس التعاون الخليجي 0
ثانياً : العمل على عزل إيران عن الوسط المجاور لها في الخليج 0
ثالثاً : الحيلولة دون قيام إيران بأي دور في دعم النظام السياسي والاقتصادي    والاجتماعي وبنائه في الجمهوريات السوفيتية الإسلامية المستقلة حديثاً 0
رابعاً : العمل على إضعاف البناء والتماسك الداخلي في إيران 0
خامساً : محاصرة إيران تكنولوجياً واقتصادياً 0

أما تصور النظام الدولي الجديد للكتلة الثالثة ممثلاً بالعراق فهو التالي :

أولاً : تدمير القوة العسكرية غير التقليدية بكل مكوناتها وجوانبها 0
ثانياً : استمرار فرض الحصار الاقتصادي والسياسي عليه حتى يتأهل للتجاوب مع    السياسات الدولية في المنطقة 0
ثالثاً : تعميق الخلاف والعداء بين العراق وجيرانه العرب والمسلمين 0
رابعاً : إلغاء الدور القومي للعراق كعمق استراتيجي لدول المواجهة مع إسرائيل 0
خامساً : من خلال قضية تهديد الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي بواسطة    العراق ، تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على قواعد عسكرية    في دول المجلس  0
سادساً : العمل على تغيير بنية النظام العراقي السياسية والاقتصادية  0

هذه التصورات الثلاثة وضعها النظام العالمي الجديد ، لدول النظام الإقليمي الخليجي ، وذلك للسيطرة عليه بشكل كلي ، ونلاحظ سيناريو دول مجلس التعاون الخليجي نجح بدرجة 100% ، وبالنسبة للعراق تم اضعافه بالفعل ، وبعد ذلك التهامه ونجح بدرجة 100% ، وإيران يحيط بها الخطر من كل مكان  0

فبعد احتلال العراق فتصور النظام الدولي الجديد لهذا الإقليم ، هو من أنبوب نفط من الموصل إلى إسرائيل ، وكذلك سيطلب من دول مجلس التعاون الخليجي أو دولة خليجية بالتحديد ، مد أنبوب غاز طبيعي لإسرائيل ، وسيطلب من تركيا ومصر مد أنبوبان للمياه من الفرات والنيل على التوالي إلى إسرائيل ، وأي دولة ترفض هذه الأوامر ، سيطبق معها سياسة الضرب الاستباقية لأنها بقدرة قادر ستصبح دولة إرهابية  0 وأكثر دولة مهددة بذلك طبعاً سوريا ، ونحن لا نفشي لكم سراً بذلك ، لأن الإدارة الأمريكية  وعلى لسان قمة هرمها بوش قدم تهديده المباشر لسوريا 0 طبعاً في البداية سيستخدم معها سياسة الضغط الدبلوماسي ، وبعد سياسة الضغط والحشود العسكرية على حدودها ، وإذا لم تذعن سوريا فبعد ذلك لا سمح اللّه ستتعرض لاعتداء أمريكي مباشر  0

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أين الدول العربية والإسلامية من ذلك كله ؟

فبعد أن احتلت الولايات المتحدة أفغانستان عسكرياً ، ذاقت طعم النصر بعد فاجعتها وهزيمتها المذلة في فيتنام ، وكذلك قلت هيبة العالم الإسلامي أمامها ، فذهبت والتهمت العراق ، وكما يقول الرواد في الجغرافيا السياسية وعلى رأسهم فريدريك راتزل ” أن الميل العام للتوسع والضم ينتقل من دولة إلى أخرى ثم يتزايد ويشتد 0 فتاريخ التوسع يدل على أن الشهية تزداد نتيجة لتناول الطعام ” 0

وإذا لم تتحرك الدول الإسلامية الآن دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً وتكتيكياً ، وحتى لو تطلب ذلك عسكرياً ، وإلا ستصبح المنطقة كلها شرق أوسطي تحت قيادة إسرائيل ، وإذا كانت الأنظمة السياسية بعدم تحركها تعتقد بأن ذلك سيضمن لها بقائها، فنحن نستطيع أن نقول لهم بأن ذلك لن يحدث 0 لأن أمريكا من الدول التي تؤمن بتغيير الوجوه ، وحكمة ذلك ، بأن الوجوه الجديدة دائماً تسهل التقارب وإيصال الثقافة الجديدة التي تريدها أمريكا للشعوب  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

استراتيجية الحرب الغير منتهية

بسم الله الرحمن الرحيم

12/5/2005

رغم أننا كتبنا هذا المقال قبل 5 مايو 2005م ، وكان بالتحديد كتابتنا له يوم 1/5/2005م ، أي قبل بدء الاقتراع على مجلس العموم في بريطانيا بخمسة أيام ، إلا أن الصورة شبه منتهية ، فأعتقد بأنه لا محالة ، فبلير سوف يفوز للمرة الثالثة برئاسة وزراء بريطانيا 0 وطبعاً نحن ليس الوحيدين الذين توقعوا ذلك ، فتوماس فريدمان في :

Herald Tribune April. 23rd. 2005  قال : ( Sizzle, Yes, but beef too ) 0

طبعاً لن أسعى لترجمة العنوان حرفياً ، ولكن سنحاول أن نجد المرادف له في لغتنا العربية ( اسمع جعجعةً ولكنني أرى طحيناً أيضاً ) 0 وطبعاً فريدمان ينصح الديمقراطيين في أمريكا أن يتبعوا فلسفة بلير إذا أرادو أن يصلوا إلى الحكم مرةً أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية وهي: (1) تأييد حرب الحرية في العالم مثل خلع صدام حسين (2) قيادة العمال إلى السوق الحرة ، والولوج في العولمة (3) النمو الاقتصادي في فترته أفضل من المحافظين ، ووظف المال في قطاع الخدمات والبنية التحتية 0

وذلك سوف يقودنا إلى تحليل برامج الحزبين الرئيسيين في بريطانيا كما وضحت جريدة : (Financial Time, April. 6th. 2005) ، طبعاً كما نعرف جميعاً أن الحزب المنافس للعمال في بريطانيا ، هو حزب المحافظين ، فمايكل هاورد قائد المحافظين : يؤيد الوجود العسكري في العراق ، وتقوية القوات المسلحة ، وهذا يعني للناخب عدم وضوح الصور في برامج المحافظين ، فأحياناً يوضح الحزب المحافظ أن ذهاب بلير إلى الحرب يعتبر خطيئة ، وأحياناً نفس الحزب يتبنى قرار الحرب ، وهنا المحافظين لا يستطيعون كسب التيار المعارض للحرب ، ولا المؤيدين للحرب ، وذلك مما يعزز موقف حكومة العمال لأنها تستطيع أن تجذب التيارين من خلال التوأمين المتناقضين بلير وبراون كما سنشرح لاحقاً ! 0 والمطب الثاني الذي وقع فيه هاورد هو معارضته للدستور الأوربي واليورو ، وذلك مما جعله يسير ضد التيار العالمي الجارف ، لأن العالم يتجه نحو نهاية الدولة القومية وهاورد يحاول أن يرسخها !! 0

في الجانب المقابل بلير مصراً, وبكل صراحة على أن قراره للذهاب إلى الحرب في العراق أنه قراراً صحيحاً ، ويؤيد الدستور الأوربي ، ولكنه بذكاء رمى الكرة في ملعب الناخبين ، لأنه سيعرض الدستور الأوربي للاستفتاء الشعبي في بريطانيا ، وكذلك كان بلير صريح وثابت من خلال دعمه للقوانين التي تساهم في محاربة الإرهاب ، وزيادة الإنفاق على الدفاع !! 0

وكذلك لم يكن هاورد زعيم المحافظين واضحاً ، بالنسبة لقوانين الهجرة ، بحيث يشجع الحصة النسبية للهجرة ، وسيدعم بناء مراكز خارجية لطالبي اللجوء ، وكذلك أضاف هاورد ، إضافة خطيرة جداً على حياته السياسية وهي ؛  بأنه سينسحب من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين في حالة فوزه !! 0 الخطيئة التي وقع فيها هاورد هنا هي بأن العالم يتجه حتى ولو ظاهرياً إلى ترسيخ التنظيم الدولي ، وحقوق الإنسان !! ، وهاورد يعلن صراحةً بأنه سيقف ضد التيار الإنساني الجارف !! 0

ولكن فلننظر كيف لعبها بلير عندما أعلن بوضع قوانين مشددة مثل : التسجيل الإلكتروني عند عبور الحدود الدولية ، والتأكد من مهارة الطالبين للإقامة الدائمة في بريطانيا ، وفرض غرامة على أرباب العمل الذين يوظفون المهاجرين الغير شرعيين 0 طبعاً برنامج بلير هنا ضيق الخناق على الهجرة بطريقة غير مباشرة ، ولكنه لم يعلن صراحةً لا من قريب ولا من بعيد بأنه سينسحب من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين ، لأن هذا الإعلان سيؤدي إلى انسحاب شريحة كبيرة من الناخبين البريطانيين عنه ، وخاصةً الملونين ، وكذلك سيؤثر على بريطانيا في علاقاتها الدولية !! 0

ورغم ذلك كله لا نستطيع أن ننكر أن المحافظين استطاعوا تقليص الفجوة بينهم وبين العمال ، بحيث كانت حصة المحافظين في مجلس العموم في الانتخابات السابقة 25% ، ونصيب العمال 62% أي أن الفجوة كانت لصالح العمال في مجلس العموم بـ 37% ، أما استطلاعات الرأي قبل انتخابات 2005م فكانت تعطي للعمال 40% ، وللمحافظين 30% ، أي أن الفجوة تقلصت إلى 10% ، ولكنها مازالت كبيرة رغم النكبات التي تعرض لها العمال ، بسبب حربهم في العراق ، وكذلك بعضها داخلية بسبب توجيه المساعدات الحكومية إلى الأسر التي لديها أطفال والمتقاعدين ، وحرم منها العزاب والأزواج من غير أطفال !! 0

ومن مميزات بلير أنه أعلن برنامجه ذو 110 صفحات بطريقة قوية ومنها : (1) تعهد الحزب بالمحافظة على الاستقرار الاقتصادي (2) تعهد بمواصلة الضغوط على إيران وكوريا الشمالية في شأن برامجهم النووية (3) رحب بالإصلاح في الشرق الأوسط وأهمية قيام دولة فلسطينية (4) مكافحة الجريمة (5) برنامج معتدل لاستيراد العمالة والهجرة (6) خفض الفقر في أفريقيا (7) رمى الدستور الأوربي في ملعب الناخبين كما ذكرنا سابقاً 00 إلخ !! 0

وأيضاً من مميزات حزب العمال هو وجود زعيمين قويين في الحزب ، ومتناقضين في الأيديولوجية ، ولكنهم هدفهم واحد هو الفوز بالانتخابات والوصول إلى 10 داوننج ستريت ، ولكل من هذين الثنائيين شعبيته ، فبلير بالنسبة للرأي العام البريطاني يعتبر مجدد وسطي ، أما براون فهو اشتراكي تقليدي 0 ولكن لو تطابق الواقع مع التحليل أعلاه ، وهو فوز العمال للمرة الثالثة على التوالي : هل بلير سيتنازل عن الرئاسة لبراون ؟ أم ستصيبه حمى حب السلطة عند العرب ؟ !! 0

وفي الختام يجب أن لا ننسى أهمية الجانب الأثني ، والديني ، والطائفي في التأثير على الناخبين ، وإن كان الجميع يتحاشى الخوض في الملف العنصري !! 0

والله اللقاء إن شاء الله 0

د0 فهد بن عبد الرحمن آل ثاني

أستاذ مشارك في الجيوبولتيكس

وباحث قانوني

www.df.althani.com

df_althani5@hotmail.com

أخيراً عقدت صفقة الصلح بين القوى العظمى

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

قبل الاعتداء على العراق كان هناك صراعاً دبلوماسياً دائراً ما بين الولايات المتحدة وحليفتها التقليدية المملكة المتحدة من جهة ، وفرنسا وروسيا وألمانيا من جهةً أخرى 0

وكان مركز هذا الصراع مجلس الأمن ، وكانت أمريكا لكي تخلق نظاماً شرق أوسطياً جديداً مصرة على احتلال العراق عسكرياً ، والمعسكر الآخر يريد أن يردع السلطة الأحادية المطلقة لأمريكا على الشرق الأوسط ، لأن من بعده ستنعكس هذه السيطرة على العالم بالوسائل الدبلوماسية والقانونية  0

وفي هذه الحالة أصبحت المنطقة العربية ما بين المطرقة والسندان ، والشعوب العربية والإسلامية كانت تصرخ مناجيةً زعمائها لايجاد سيناريو بديل لحماية المنطقة من الطوفان القادم إلى المنطقة ، ولكن كما يقول المثل المحلي على ما نعتقد أذن من طين وأذن من عجين  0

وكان بعض المفكرين العرب وبعض القطاعات الشعبية العربية ينظرون بإجلال لفرنسا ولروسيا ولألمانيا ، لما لهم من دور ايجابي في محاولة إعاقة الاعتداء الأمريكي على العراق  0

ونذكر في مقالة نشرت لنا في الراية قبل بدء الحرب تحت عنوان : ” خلاف الناتو وتوزيع الأدوار ” وقلنا فيها التالي : أمريكا ستضغط لابتلاع الكعكة كاملة لوحدها ، ولكنها إذا فشلت ، ستضطر لعقد اتفاق من تحت الطاولة مع القوى المنافسة لها لإعادة توزيع الكعكة الشرق أوسطية 0 وذلك ليس بجديد على القوى الاستعمارية ، فعندما تصارع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى على الكعكة ” الامتيازات النفطية” ، الشرق أوسطية اضطروا في النهاية لتقسيم الكعكة فيما بينهم ، فأنشأت ما يسمى شركة نفط العراق وأعطيت امتيازات الشرق الأوسط بأكمله ، تحت اتفاقية تسمى اتفاقية الخط الأحمر ، وكان تقسيم الحصص في شركة نفط العراق كالتالي : 75ر23% لكل شركة من شركات الدول التالية اسماؤها : بريطانيا وهولندا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ، وأرمني يدعى سركيس جولبيكان اعطى 5% لدوره في تأسيس وتنسيق إدارة الشركة ( راجع Al-Thani.F. Phd. PP,14 – 46  ) 0

وكان لبعض الأخوة الذين نحترم آرائهم يفضلون لعبة التهدئة السياسية وعدم ذكر الحقائق التاريخية ، لما لكلاً من فرنسا وحلفاؤوها من دور مشرف في مجلس الأمن ، وفي الناتو لدعم القضايا الشرق أوسيطة قبل غزو العراق في مارس 2003م  0

لكن رأينا عندما ذكرنا الحقائق التاريخية لم يكن انقاصاً من دور فرنسا 0 حلفاؤوها قبل الغزو ، ولكن كان لابد من استراتيجية عربية قوية تدعم الموقف الفرنسي وحلفائه 0 لأن هذا الموقف مؤقت إلى أن تتغير الحقائق على الأرض وبعد ذلك كل دولة ستبحث عن مصلحتها ، لأن الأصل في اللعبة هو المصلحة  0

وأخيراً غزت الولايات المتحدة العراق واحتلته من دون أية تفويض من مجلس الأمن يضفي عليها غطاءً شرعياً لتبرير الغزو والاحتلال آنذاك ، هذا إذا كان للغزو والاحتلال شرعية أصلاً  0

وبعد أن انتهى الاحتلال الأمريكي للعراق عادت إلى مجلس الأمن لاستصدار وثيقة شرعية لهذا الاحتلال ، وحدث بالفعل ما قلناه قبل الاعتداء على العراق 0 فتقدمت أمريكا بمشروع قرار لمجلس الأمن وكان من بنوده التالي : (1) الأمن العام للأمم المتحدة أن يواصل بالتشاور مع السلطة ( المحتلة ) ممارسة مسؤولياته بموجب القرار 1472 و 1476 ( قراري تمديد النفط مقابل الغذاء ) لمدة أربعة أشهر ( تمديد البرنامج ) عقب اعتماد هذا القرار لتأمين توريد السلع المدنية ذات الأسبقية بموجب عقود معتمدة من جانب لجنة 661 ( لجنة مجلس الأمن للعقوبات ) ( الشرق الأوسط ، العدد 8929 ) 0

انظروا إلى ما قلناه في البداية ، أن أصول اللعبة قائم على المصلحة ولكي يمرر هذا القرار في مجلس الأمن ، وهو يمثل الوثيقة الدولية المصدقة لشرعية الاحتلال الأمريكي للعراق ، لابد لأمريكا من مراعاة مصالح اللاعبين الآخرين ، ومن أهم هؤلاء اللاعبين روسيا  0

فالمادة المذكورة أعلاه تراعي العقود الروسية لبرنامج النفط مقابل الغذاء قبل الاعتداء، والتي كان لها قبل الاعتداء عقوداً تصل قيمتها حوالي 6ر1 مليار دولار ( الشرق الأوسط ، العدد 8929 )  0

ترددت دول الضد في قبول مشروع القرار بطريقة مباشرة وحبذوا اعطائه بعض الوقت ، وهو بمعنى آخر الاحتفاط بماء وجه ، وبعد ذلك تقديم التنازل التدريجي للولايات المتحدة إلى أن يتم التصديق الكلي على قرارها  0

فروسيا انتقدت القرار باستحياء ، وفرنسا رأت بأن به بعض النقاط الايجابية ، وألمانيا رأت بأنه مقتصراً ، وحتى لا نطيل عليكم نرجو من المهتمين بهذا الأمر البحث عن متخصص في اللغة العربية لكي يفسر ما هو الفرق ما بين التعليقات الثلاثة للدول أعلاه ، وبعد ذلك مراجعة القرار 1483 ومحاولة ابراز ما هو العراق ما بين قبل التعديل وبعد التعديل  0 ( الشرق الأوسط ، العدد 892 ) 0

عموماً عدلت أمريكا مشروع القرار وهذه أهم بنوده : ترفع كل العقوبات التجارية والمالية المفروضة على العراق بعد احتياج أغسطس 1990م وبعده ، فوراً باستثناء حظر الأسلحة ، وتواصل الأمم المتحدة برنامج النفط مقابل الغذاء لمدة ستة أشهر ( تذكروا مصلحة روسيا أعلاه ) ، يعترف مجلس الأمن بأن القوات المحتلة ( يشار إليها بالسلطة ) ( لا سلطة ومسؤولية وواجبات محددة ، بموجب القانون الدولي ، ويعين الأمن العام للأمم المتحدة كوفي عنان مستشاراً خاصاً للعراق مهمته العمل مع السلطة والشعب العراقي بهدف تسهيل العملية المؤدية إلى حكومة تتمتع بصفة تمثيلية معترف بها دوليا ) ( الراية العدد 7685 ) 0 البندين المذكورين وهما شرعية تحول الاحتلال إلى سلطة ، وإيجاد ممثل للأمم المتحدة يعمل مع السلطة هما حَسب رأينا أهم بندين في القرار 1483 لكي تُطبق الولايات المتحدة على الاقتصاد والسياسة العراقية بطريقة شرعية  0 وهو بالفعل ما حصلت عليه الولايات المتحدة من مجلس الأمن بالاجماع ، لأن سوريا تخلفت عن التصويت وبعد ذلك حَسب علمنا صادقت على القرار  0

نحن لا نستغرب حدوث هذا ، أو ما سيليه لأن هذه الاستراتيجيات العالمية لم تعد سراً ، بل متوافرة في معظم مراكز الأبحاث العالمية ، وإن تكن فرنسا وروسيا وألمانيا والصين بعد الاحتلال الأمريكي للعراق كانوا يفضلوا ابلاغ رسالة لأمريكا قبل التصويت على القرار 1482 ، بأن العالم متعدد القطبية 0 وذلك عندما قال شيراك : ” العالم متعدد الأقطاب شاء المرء أم أبه ”  0 ولكن الدبلوماسي الأمريكي ريتشارد هاش عندما ذهب إلى باريس في مهمة رأب الصدع ما بين أمريكا وفرنسا قال : ” اعتقد أن فكرة عالم متعدد الأقطاب غير مرغوبة وغير قابلة للاستدامة 0 أنا ببساطة لدي شكوكي حول قدرة فرنسا على تحقيق ذلك التوازن ”  0

خلاصة القول بأن شيراك لم يتأخر كثيراً بل سارع بالاتصال ببوش الابن بعد سقوط بغداد ليبلغه رغبة باريس في اتخاذ موقف براغماتي بشأن الاعتراف بدور أمريكا في العراق ( نيوزويك العدد 154 ) 0

أما المستشار الألماني جير هارد شرودر بعد سقوط بغداد فكان خطابه السياسي كالتالي : ” بالقطع نحن متفقون جميعاً على أننا نريد قطباً واحداً في السياسة العالمية نلتف حوله هو قطب الحرية والسلام والعدالة ”  0

وقال : ” تربط بين ألمانيا والولايات المتحدة صداقة حيوية حقيقية ، هذه الصداقة قائمة على أساس متين من الخبرات المشتركة والقيم المشتركة ” ( الشرق الأوسط العدد 8929)0

نعتقد بأن المذكور أعلاه لا يحتاج إلى تعليق منا ، ولكن سؤالنا التقليدي أين دول العالم العربي والإسلامي عن جميع هذه الطبخات العالمية ؟  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،