جدلية ارتفاع اسعار النفط

بسم الله الرحمن الرحيم

20/7/2005

في دراسة ستنشر لنا في بداية اغسطس 2005م في مجلة اراء (مركز ابحاث الخليج دبي) عن  اسباب ارتفاع اسعار النفط ، ومن خلال الدراسه قلنا لابد من التطرق الى ثلاثة محاور رئيسيه لكي يسهل علينا تحليل الارتفاع الكبير الذي حدث للسلعه الاستراتيجيه لتوليد الطاقه العالميه ، والمحاور كما هو واضح هي :

أولاً : الاحتياطي النفطي .
ثانياً : التضخم العالمي والأنظمة البيئية .
ثالثاً : دور العملاق الصيني .

الموضوع الأول : الاحتياطي النفطي في العالم :

توجد دراسة قيمة للجيولوجي ديفيز من خلال تطبيق المنحنى الجرسي على التوسع في الاكتشافات النفطية ، ومن صفات المنحنى الجرسي أنه في نهاية المطاف يبلغ الذروة ، ثم سرعان ما يبدأ الانحدار ، وعندما طبق النظرية الإحصائية عام 1989م على امدادات النفط العالمية صعق لرؤيته أن نقطة الذروة لم تعد على بعد عدة عقود كما كان يعتقد ، بل مجرد سنوات قليلة ( في الفترة ما بين عامي 2004م و 2008م) (آل ثاني ، فهد ، المستقبل العربي ، ص 108 ، 109) . الميزة في هذه المعادلة أنها أجريت قبل 15 سنة ، وتوقعت أن امدادات النفط ستصل إلى الذروة في عام 2004  وهذا ما حدث بالفعل فقد وصلت امدادات النفط إلى ما يقارب 90% في أبريل 2004م.

وفي المقابل فإن السيد علي النعيمي وزير البترول السعودي له رأي مغاير عن ما يقوله هذا المنحنى ، فالسيد النعيمي يطمئن الأمريكان قائلاً : إن مخزون السعودي من النفط كان يقدر في السبعينيات بحوالي 88 مليار برميل ، أما الآن فإن المخزون يقدر بحوالي 261 مليار برميل ، وأن السعودية يمكنها أن تزيد الإنتاج بدون صعوبة تذكر من5 , 10 مليون برميل في اليوم إلى 12 و 15 مليون برميل في اليوم بل وتستطيع أن تحافظ على هذا المستوى من الإنتاج لمدة خمسين عاماً ( الشرق الأوسط العدد 9283) .

ولكن الجيولوجي البريطاني كولن كامبل المتخصص في الشؤون النفطية له رأي علمي مختلف بشكل كلي عن ما قاله السيد النعيمي ، فالسيد كامبل يقول في (Daily Star, March 17th 2004) : إن الاحتياطيات النفطية المؤكدة في دول الخليج أقل من الكميات المؤكدة المعلن عنها ، فالاحتياطي السعودي المؤكد 210 مليار برميل وليس ما قيل أعلاه ، والاحتياطي العراقي 90 مليار برميل وليس المعلن الآن 112 مليار برميل من النفط ، والاحتياطي الكويتي 55 مليار برميل وليس 94مليار كما هو معلن ، والاحتياطي الاماراتي 60 مليار برميل وليس 98مليار برميل من النفط كما هو معلن ، ويضيف كامبل قائلاً بأن المستخدم من الطاقة النفطية الآن أكثر من 90% ومع نمو الطلب 2% سنوياً على النفط فإنه في عام 2010م ستكون الأسواق امتصت جميع الامدادات النفطية ، وستكون أسعار النفط تشكل أرقاماً فلكية .

وكذلك بول كروجمان في (Harald Tribune May 15th 2004) : أن الاحتياطي النفطي في العالم 5 , 2 مليون برميل والمتوقع في عام 2004م أن يزيد الطلب على النفط في العالم بمعدل 2 مليون برميل أكثر من عام 2003م . وبالفعل زاد معدل إنتاج النفط في العالم أبريل 2004م بمعدل 2 مليون برميل ( الوطن القطرية العدد 3173) ، وكما ذكرنا أعلاه إذا كانت أقصى طاقة إضافية للامدادات النفطية 5 , 2 مليون برميل كما تؤكد الدراسات العالمية ، فذلك يعني لو حدث فعلاً طلب امدادات نفطية إضافية تعادل 4 مليون برميل فذلك يعني أن الدول النفطية ستنتج أقصى حد لديها من الامدادات النفطية وسيبقى عجزاً في العرض يعادل 5 , 1 مليون برميل من النفط وذلك سيدفع النفط إلى أرقاماً فلكية أو انهيار النظام الاقتصادي العالمي ، أو تغييراً جذرياً في موازين القوى العالمية ربما سيؤدي إلى حرباً عالمية لا سمح الله .

الملاحظ أن تحليل الدراسات العالمية أعلاه يتنافى مع ما يقوله وزراء النفط في كلا من السعودية والكويت والإمارات من خلال محاولة زيادة الامدادات النفطية في الربع الثالث من 2004م ، وذلك كما يبدو لرفع المخزون الاحتياطي الأمريكي من النفط الذي وصل إلى أدنى من 38% (الشرق العدد 5686) وذلك ربما يمثل أحد الأسباب الرئيسية لأرتفاع أسعار النفط ، ولكن المشكلة الحقيقية التي سببت أرتفاعاً في أسعار النفط ، ليس الزيادة في العرض مع ثبات الطلب ، بل هي الزيادة في العرض إلى أن وصلت إلى أقصى حد ممكن في مقابل زيادة في الطلب تفوق زيادة العرض .

وهنا نسجل استغرابنا من الدول النفطية الرئيسية في العالم لماذا تريد تخفيض سعر البرميل من النفط ؟ . أولآ : فسعرالنفط الذي وصل إلى 41 دولار في مايو 2004م ، قيمته الحقيقية تعادل 20 دولار ، إذا ما عدنا 25 سنة للوراء إلى عام 1979م ، وإذا ما قسنا التضخم العالمي ما بين 2 و4 % سنوياً في الفترة 1979م – 2004م ، علماً بأن سعر النفط وصل إلى 40 دولار في عام 1979م والقيمة الفعلية لــ 40 دولار آنذاك 80 دولار اليوم ، إذاً ذلك يعني أنه إذا استمر سعر النفط 40 دولار للبرميل ، فنحن نتقاضى فقط 50% من القيمة الحقيقية لأسعار النفط عندما نقارنها مع أسعار عام 1979م  .

ثانيآ :  يفترض ان نكون حريصين في التعامل مع السوق الدولي سواء في حالة ارتفاع الاسعار اوانخفاضها , وهنا حتى لاننجر وراء العاطفه اوالمصالح الانيه اوبعض التفسيرات السياسيه على اطلاقها (مثل نظرية المؤامره ) .  ولكن يفترض ان نكون واقعيين في عملية تسعير النفط ، ففي عام 2003 – 2004 م كان وزراء اوبك يقولون ان سعر النفط مابين 28 الى 25 دولار هو السعر المقبول للنفط ، وكنا من خلال متابعتنا للتبادل السلعي في العالم نرفض عرض اوبك انذاك ونقول بأن متوسط سعر البرميل في تلك الفتره يفترض ان لايقل عن 35 دولار للبرميل .

وفي عام 2005م ومن خلال مراقبتنا للتبادل السلعي في العالم نجد ان اوبك عدلت متوسط سعرها القديم للنفط ، وتقترح ان متوسط الاسعار 35 دولار للبرميل وهو السعر القديم الذي افترضناه العام الماضي ، ولكن من الناحيه العلميه هذا السعر نرفضه هذا العام !. لان التضخم اصاب جميع السلع في عام 2005 ، ولذلك يفترض ان يكون سعر النفط ان لايقل كمتوسط عن 50 دولار للبرميل , لان لوعرضت اوبك سعر نفطها كما نقترح اعلاه ، فنصيب الدول النفطيه سيرتفع 0,5% من الدخل العالمي . ويعزز تحليلنا هذا بعض المحللين الاقتصاديين في البنك الدولي بحيث يعتقدون وصول سعر النفط الى 100 دولار للبرميل يبقى مقبول عالميآ !.

أما بالنسبة للاحتياطيات التي تقدرها الشركات العالمية ، فآخر دراسات لها تؤكد بأن هذه التقديرات قابلة للتلاعب ، فهناك عدة فضائح حدثت لشركة شل العالمية ، واحداها مشروع ( اورمن لانج ) للغاز بين النرويج وبريطانيا تم بتقديراحتياط الغاز فيه بحدود 400 بليون م3 ، ثم جرت انقاص الاحتياط بنسبة 20% ( الوسط العدد 637 ) .

وكذلك ذكرت (Daily Star March 17th. 2004): بأن شركة شل بالغت في ذكر الاحتياطي العماني بأكثر من 40% ، وكذلك حدثت صدمة أخرى للاحتياطيات النفطية العالمية عندما اثبتت الدراسات الحديثة عدم جدوى الحفر الأفقي في الآبار النفطية القديمة لاستخراج كميات من النفط أكثر من الحفر الرأسي في الآبار النفطية.

وخلاصة القول بأن طريقة حساب الاحتياطيات النفطية يخضع إلى ثلاثة أنواع من المعايير ( الوسط العدد  63( :

الأول : الاحتياطي المثبت : وهو نفط يمكن استخراجه بمعدل 95% ضمن الشروط الاقتصادية الحالية وضمن امكانات التكنولوجيا الموجودة ، والغريب هنا بأن السيد كامبل شكك حتى في الاحتياطيات النفطية المثبتة في العالم ، بحيث قال السيد النعيمي أن الاحتياطي السعودي 261 بليون برميل ، في حين أن كامبل أكد على أن الاحتياطي السعودي لا يزيد على 210 بليون برميل كما ذكر سلفاً .

الثاني : الاحتياطي المرجح : ونسبة استخراجه والحصول عليه تصل إلى50 % .

ثالثاً : الاحتياطي الممكن : ونسبة الحصول عليه تصل إلى 5% .

والنسبتين الأخيرتين الثانية والثالثة نعتقد بأنه من الصعب الاعتماد عليهما في أي تصور استراتيجي للاقتصاد العالمي ، لأنه كمن يشتري السمك في الماء .

الموضوع الثاني : التضخم العالمي والأنظمة البيئة :

مارتن وولف في (Financial Times April 12st. 2004) قال: أن زيادة الطلب على السلع يعتبر أمراً طبيعياً وذلك لأن الاقتصاد العالمي يمر في مرحلة انتعاش فمؤشر نمو الاقتصاد العالمي في أبريل 2004م وصل إلى7, 3 % وكان في سنة 2003 م 6, 2 % فقط . فنمو الناتج المحلي في دول المحيط الهادي الآسيوية قفز من 8 , 3 % عام 2003م إلى3 , 4 % في عام 2004م ، ومن ضمنها الصين والهند التي يصل نمو الناتج المحلي فيها إلى أكثر من 3 , 8 %  ، واليابان 3% ، والولايات المتحدة الأمريكية كان نمو الناتج المحلي فيها عام 2002م 1 , 3 % وقفز في عام 2004م إلى 6 , 4 % ، والاتحاد الأوربي بعد الركود المزمن في معدل النمو ، كان نمو الناتح المحلي في عام 2003م 4 , 0 % قفز إلى    6, 1% عام 2004م .  وهذا النمو انعكس على رفع مستوى الطلب على السلع الإنتاجية والاستهلاكية ، وارتفاع الطلب أدى إلى التضخم في الأسعار ، فمنذ عام 2001م قفزت أسعار السلع بنسبة تصل إلى 59% ، فمثلاً أسعار بعض المواد الخام الصناعية قفزت إلى 73 % ، وسعر الغذاء بشكل عام قفز إلى 6 , 5 % ، وبعضها قفز بأرقام فلكية ففول الصويا قفز سعره خلال الثمانية أشهر الأخيرة إلى ما يقارب من 80% ، وأسعار بعض المعادن خلال الاحدى عشرة شهراً الأخيرة قفزت إلى 50% .

أما بالنسبة للنفط فيعتبر أقل السلع التي شهدت أرتفاعاً في السعر مقارنةً مع السلع الأخرى ، فبرميل النفط كان في ديسمبر 2001م أقل من 20 دولار ، ووصل سعره في مايو 2004م إلى 41 دولار وذلك يمثل أرتفاعاً في سعره بنسبة 100% ، ونحن لا نستغرب هذا الأمر لأنه من الطبيعي أن يرتفع سعر سلعة استراتيجة مثل النفط في ظل الارتفاع في أسعار معظم السلع الاستراتيجية في العالم خلال الثلاث سنوات الأخيرة .  فقد أرتفعت أسعارها بنسبة تصل إلى أكثر من 100% ولم يحتج العالم على ذلك ، في حين أنه عندما ارتفع سعر النفط الذي يوجد أكثر من 70% من احتياطياته في العالم الإسلامي ، قامت أمريكا بأمر الدول النفطية الرئيسية في العالم بإعادة النظر في الأسعار ، ولن نستغرب إذا ما جاء يوماً على العالم الإسلامي يقوم فيه بعمل سعرين لنفطه الأول سعر مخفض لأمريكا ، والثاني سعر حسب العرض والطلب في الأسواق الدولية يباع على باقي دول العالم .

وهنا يفترض اننا ندرك عنصرين اسراتيجيين ، أولآ : بأن التضخم الذي حدث لاسعار النفط يعتبر تضخم عالمي اصاب جميع السلع الاستهلاكيه والخدميه الاخرى ومن ثم انعكس على اسعار النفط ،  ومن اكثر المتأثرين بهذا الارتفاع هم الدول الناميه الغير الصناعيه .

ثانيآ : في عام 2005م لم يعد هناك نقص في الامدادات النفطيه بالنسبه للدول الرئيسيه في استيراد الطاقه في العالم وعلى رأسهم الولايات المتحده الامريكيه ،  وانما المشكله الحقيقيه للمستهلك في امريكا هي اللوبيات القويه لحماية البيئه !.

فالمنظمات البيئيه الامريكيه وقفت ضد انشاء مصافي جديده للبترول مما ادى الى وجود عجز كبير في الطاقه التكريريه في امريكا تصل الى 10% من حاجة السوق الامريكي اليوميه ، والذي يتم تعويضه عن طريق استيراد المنتجات النفطيه من الخارج والتي قد لاتكون دائمآ بالمواصفات المطلوبه.

كما ان هذه الانظمه البيئيه تجعل من الصعب احيانآ مواجهة الطلب في بعض الولايات على بعض انواع البنزين ، وذلك يؤدي الى عدم وجود مخزون كاف من بعض المنتجات . هذه الاختناقات والمشاكل ، أدت الى ارتفاع اسعار البنزين بشكل كبير، مع وجود عجز في في بعض انواع البنزين في بعض الولايات ، وهذا بدوره ساهم في ارتفاع أسعار الزيت الخام !.

الموضوع الثالث : دور العملاق الصيني :

رغم أن قيمة الناتج المحلي الصيني لا يصل حتى إلى 15% من قيمة الناتج المحلي في الولايات المتحدة الأمريكية (Financial Times March. 31st. 2004) ، إلا أن نمو الناتج المحلي الصيني وصل إلى أكثر من 3 , 8 % سنوياً انعكس إلى زيادة الطلب الصيني على كثير من السلع ، مثلاً الطلب الصيني على فول الصويا قفز من 11% من الاستهلاك العالمي عام 1997م إلى 19% عام 2003م ، واستهلاك الصين من القطن في العالم قفز من 25% عام 1999م إلى 32% في عام 2003م ، واستهلاك الصين من النحاس قفزمن 11% عام 1999م إلى 20% في عام 2003م . وبعد أن كانت الصين دولة مصدرة للنفط إلى عام 1993م ، تحولت إلى دولة مستوردة للنفط ، واستهلكت عام 1998م ما يقارب 5 , 5 %  من الإنتاج العالمي وقفز ذلك إلى 8% في عام 2004م . والأخطر من ذلك كله بالنسبة للولايات المتحدة هو بأن الصين جيوبوليتيكياً اخترقت أماكن كانت تعتبرها أمريكا حكراً عليها وعلى حلفائها من دول الناتو ، فنجد الصين في عام 2004م تستورد 17% من حاجياتها النفطية من المملكة العربية السعودية ، و 10% من وارداتها النفطية من عُمان و 6% من روسيا ( الشرق الأوسط العدد 9282) . والأكثر من ذلك بأن الصين بالفعل يمثل نصيبها من النفط العالمي 8 % فقط الآن ، ولكنها في الأربع سنوات الأخيرة ساهمت بـ 37% من نمو الطلب العالمي على النفط ، وإذا استمرت الصين في هذا النمو إلى عام 2025م فذلك يعني أن حصتها من النفط العالمي ستتجاوز نسبة الولايات المتحدة الأمريكية من الاستهلاك العالمي من النفط ، بل لو حافظ الناتج المحلي الصيني على نفس معدل النمو الذي يوجد عليه الآن فمن المحتمل أن يتوازى الناتج المحلي الصيني في عام 2020م مع الناتج المحلي الأمريكي ، لكن السؤال الذي يطرح : هل الولايات المتحدة ستترك الصين على نفس معدل النمو من دون أن تفتعل كارثة تعيق النمو العملاق لدى الصين؟.

وكذلك نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين قد وصلوا إلى عنق زجاجة في التنافس على النفط ، فأمريكا في عام 2001 م تستهلك 25 % من النفط العالمي وكانت تعتمد على استيراد 52 % منه ، وكانت قبل ذلك المملكة العربية السعودية تمد الولايات المتحدة بــ 25% من نفطها المستورد وانخفض ذلك كثيراً بعد أحداث سبتمبر 2001 م ، والآن أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط السعودي ، وبدأ النفط السعودي يتجه إلى الصين كما ذكر أعلاه ، وتعتمد الولايات المتحدة على 48 % من استهلاكها على إنتاجها المحلي ، أما في عام 2020 م فيتوقع أن تحتاج الولايات المتحدة إلى استيراد ما يقارب 66 % من احتياجاتها من النفط ، ويوفر لها إنتاجها المحلي  34 % من النفط فقط ( الوسط العدد 67 ) .

الى اللقاء دائمآ ان شاء الله

تمرد قلم-اعلام الولايات العربية المتحدة

بسم الله الرحمن الرحيم

6/9/2004

حيث أننا نعيش في عصر ثورة المعلومات والدور القوي لأجهزة الإعلام في توجيه وتكوين الرأي العام العالمي ، ولكن أهمية الإعلام لم تبدأ من الآن كما يعتقد البعض ، ولكنها تمتد إلى عمق التاريخ ، كما تقول الآيات الكريمة(وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين 0 لأعذبنه عذاباَ شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطانٍ مبين 0 فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأٍ يقين)  صدق اللّه العظيم 0

وبالتالي في الفترة التي قضيناها في الدول الغربية وفي الدول العربية المختلفة ، لاحظنا بان الإعلام يمثل مدارس فكرية مختلفة ، ولاحظنا أنه خلال القرن العشرين تشكلت أجهزة إعلامية ذات ارهاب فكري عنيف مثل المدرسة النازية في النصف الأول من القرن العشرين ، وتلاها في النصف الثاني من القرن العشرين مدرستين فكريتين واضحتين هما المدرسة الرأسمالية الليبرالية، والمدرسة الشيوعية الاشتراكية ، وكلا المدرستين لها نفوذ عنيف على عقول البشر ، ولهما توجهات ذات جاذبية خاصة ، ومن خلالهما يضع المخططون الاستراتيجيون تصوراتهم المستقبلية لكي يصلوا إلى تحقيق أهدافهم الايديولوجية والاقتصادية والسياسية 00 إلخ 0

أما بالنسبة لشعوب العالم النامي فهم يتبعون احدى المدرستين بلا حول ولا قوة ، وغالباً الشعوب النامية تنقسم على حسب وضعها المادي ، فالفقراء غالباً يبحثون عن المشاركة في المال مع الاغنياء فيتجهون إلى المدرسة الاشتراكية ومن ثم يتأثر أغلبهم بالفكر الشيوعي 0 أما الأغنياء فيتجهون إلى الفكر الليبرالي الرأسمالي لأنه يحفظ لهم مصالحهم بالأرقام فقط في البنوك ويصبحون أثرياء من كرتون 0 والنتيجة ” لا الاشتراكيون ” أصبحوا أغنياء أو استطاعوا تحقيق نموذج سلطوي يحقق مصالح شعوبهم وتطورها ، أو مشاركتهم في الثروة على أقل تقدير ، ولا الليبراليين استطاعوا التوزيع العادل للثروة وتحقيق الحرية والديمقراطية الحقيقية لشعوبهم ، ولا حتى عدالة تطوير وتنمية رؤوس الأموال الوطنية ، بل أصبحت عائدات المواد الأولية للدول العربية الغنية مكتنزة في المصارف الأجنبية ، وياليتها مازالت ملكنا 0 في الحقيقة نحن  نملك الأرقام والمثال حي أمام الجميع بالنسبة لرؤوس الأموال الإيرانية ، والعراقية، والليبية00إلخ0

إذاً ما نملك مجرد أرقام ، وياليتهم يصادرونها ولا يضرون الجزء الآخر من العالم النامي بها ، ولكن الانكى من ذلك والأمّر هو أن توجه هذه الأموال أي رؤوس أموالنا المكتنزة في الغرب إلى دول العالم النامي كقروض لدعم العجز السنوي في ميزان مدفوعاتها السنوي ، إلى أن أصبحت القروض المترتبة على الدول النامية تقدر بالمئات من المليارات من الدولارات ، وأصبح دور الدول النامية فقط هو تسديد فوائد القروض المترتبة عليها ، ويقابل ذلك في كل سنة لتقويم العجز في ميزان المدفوعات في الدول النامية عليها الاقتراض من الدول الغنية ، أي بمعنى آخر أصبحت هذه الدول تدور في حلقة مفرغة ، والنتيجة سيبقى الرأسمالي رأسمالي ومتسلط ، وسيبقى العالم النامي متخلفاً إلى يوم يبعثون ، إذا لم يكن هناك توجه صادق لأبناء الدول النامية للخروج من عنق الزجاجة المغلقة  0

وكل المصائب المذكورة سببها الارهاب الفكري للإعلام العالمي من خلال أجهزته المختلفة ، المرئي ، والمسموع ، والمقروء ، ويقابل ذلك عدم وجود قاعدة ثقافية قوية محلية في الدول النامية 0 وإن كان هناك من يختلف معي ، ويقول بان الإعلام ليس هو السبب الوحيد ، فسوف أقول له نعم ، ولكن الإعلام له الدور الأكبر بطريقة مباشرة ، وغير مباشرة 0

ولو تعمقنا في دور الإعلام على مستوى احدى التكتلين المذكورين ، ولنأخذ على سبيل المثال الإعلام الرأسمالي ، فسوف نلاحظ في الدول المتقدمة فرصة لجميع المدارس الفكرية لكي تعبّر عن آرائها من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، ويعود ذلك بأن لكل مدرسة فكرية اعلامها المختلف مثل الليبراليين ، المحافظين ، العمال 00 إلخ 0 ومن نفس المدارس الفكرية اليمين واليمين المعتدل ، والمتطرف 00 إلخ ، ومثله اليسار بأشكاله المختلفة 0 ومن هنا سوف أقول لكم بأن هذا بحد ذاته رائع ، وربما يقفز البعض ويقول لماذا ؟ فسوف اجيبه لأن ذلك سوف يعطي الفرصة لجميع المدارس الفكرية للتعبير عن آرائها بحرية ، وتصبح هذه الأفكار معروضة على الشارع العام ، وعلى كل المواطنين أن يختاروا ما يناسبهم من أفكار ، مثلما يختار الشخص نوع الفاكهة المناسبة له تماماً عندما يذهب إلى محل بقالة 0 ويؤسفني بأن أقول لكم بأن المخططين الاستراتيجيين في الدول الغربية اعطوا هذا الحق لأبناء دولهم ولكنهم حرمونا منه، وإن طبق عندنا ، طبق بطريقة منقوصة 0 ولكن هذا لا يعني بأنه لا توجد صحافة عربية تمثل توجهات فكرية مختلفة وأقر وأقول بأنها ناضجة أيضاً مثل الصحافة اللبنانية والصحافة المصرية 00 إلخ 0 ولكن الظروف الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تعاني منها دول العالم العربي بشكل عام ، والدولتين المذكورتين بشكل خاص لا تعطي مفكري هذه المدارس ايصال نضجهم الفكري بطريقة مجردة إلى الشارع العام 0

وسوف يستغرب كثيرين عندما أقول بأن الصحافة الكويتية لولا كارثة عام 1990م ، مما جعلها تعيد تقييم توجهها ، وبسبب الظروف السياسية والأمنية التي لن أقول تعانيها دولة الكويت ، ولكن تهابها ، وهذا أمر طبيعي لأي مجتمع لو مر بالأزمة الكويتية لا سمح اللّه 0 وكما ذكرت لولا هذه الأزمة لأصبحت الصحافة الكويتية تحتضن المدارس الفكرية ذات التوجهات المختلفة إقليمياً وعربياً وحتى على مستوى العالم الإسلامي ، ولا وصلت الصحافة الكويتية على قمة الصحافة في العالم النامي ، ولكن يجب أن نعترف بأن روستو وضع عدة نماذج لنمو المجتمع من ناحية اقتصادية ، وفي الحقيقة ممكن أن تطبق على التنمية الشاملة ، ومن هذه المراحل ما قبل الأنطلاق ، ويليه الانطلاق ، ومرحلة الانطلاق تعتبر مرحلة هشة بالنسبة لأي دولة لأنها أما تصل إلى مصاف الدول المتقدمة ، أو تنهار ، ولكن قدرنا في العالم النامي عندما نصل إلى مرحلة الانطلاق هو الانهيار وسوف أسوق لكم عدة أمثلة منها الانهيار والكارثة التي أصابت النموذج الكويتي عام 1990م ، ونفسها اصابت النموذج العراقي منذ عام 1990م أيضاً ، والكارثة والانهيار الذي اصاب النموذج اللبناني عام 1975م 00 إلخ 0

النموذج القطري –

النموذج الإعلامي القطري بدأ يبرز له توجه ليبرالي منذ عام 1995م وخاصة بعد الغاء إدارة الرقابة على الصحف ، وافتتاح قناة الجزيرة ، ولكن كما نقول دائماً بأن لكل تجربة اخطاء، والدليل الحقيقي على أنك تعمل هو أن تخطئ ومن ثم تعيد الانطلاقة إلى أن تصل إلى مرحلة النجاح 0

ولو بدأنا أولاً بالصحافة القطرية سوف نلاحظ مع الغاء إدارة المطبوعات والنشر من المفروض أن يتضاعف عدد الكتّاب القطريين ، ولكن للأسف الشديد ، هناك الكثير من الأقلام القطرية المتميزة والتي كانت تكتب قبل الغاء الإدارة المذكورة ، والذين يفترض أن تتفجر وتبرز ما عندها من طاقات ، ولكن للأسف الشديد انسحبت من الملعب ، هذا يثير سؤال محير عند الجميع ، وعندمانوجه السؤال لهؤلاء الزملاء ونقول لهم ما هي مشكلتكم ؟ منهم من يقول اليد الخفية للحكومة ، ومنهم من يقول رئيس التحرير ، ومنهم من يقول مالك الصحيفة ، ومنهم من يقول الغيرة من البعض ، فعندما نريد أن ننشر أي موضوع يعطل ويرجئ ويقتل ويعتم عليه ، وبعد ذلك ينشر 0 فنقول لهؤلاء الزملاء كلنا نعاني من نفس المشكلة ولكن يجب أن نستمر لخدمة قياداتنا وشعوبنا وأوطاننا وديننا والبشرية جمعاء 0

أما بالنسبة للحيرة التي تعانون منها فنقول أنه من المؤكد وجود يد خفية وراء ذلك ولكن لا نستطيع أن نتهم أحد بذلك سواء الحكومة وهي أصلاً في يدها مرسوم اعادة إدارة المطبوعات والنشر ، أو رؤساء التحرير وهم في الحقيقة دائماً يدعون الكتّاب القطريين ويشجعون المبتدئين منهم ويعطونهم مساحات شاسعة ، ولا نستطيع أن نتهم الملاك لأننا كما نعرف هناك انفصال كلي ما بين الملاك والأجهزة الفنية في الصحيفة 000 إلخ  0 فرد الزملاء الكتّاب القطريين وقالوا إذاً نرجوكم أن تقولوا لنا من هو خصمنا ؟ فقلنا لهم ممكن أن نقترح على الجهات المختصة وجهة نظر استراتيجية 0 بما أننا دولة إسلامية محافظة ، ونحاول أن نقتبس من الآخرين ما يناسبنا ونترك ما ينفرنا ، فلا نستطيع أن نطالب بإيجاد صحافة تمثل المدارس الفكرية المتناقضة مثل ما ذكرنا سابقاً 0ولكن ممكن أن نقترح ايجاد صحافة محلية معتدلة تمثل السواد الأعظم من الشعب بدون أن نوجه أصابع الاتهام إلى أي شخص وهي –

أ  / اعطاء فرصة الترخيص لأي شخص يريد أن يفتح صحيفة محلية ، ويكون هو شخصياً مسئول أمام السلطات إذا أخل بالنظام العام والآداب العامة 0

ب / وربما أفضل الحلول اصدار مرسوم حكومي بتحويل جميع الصحف المحلية إلى شركات مساهمة وسوف يترتب على ذلك التالي –

1/ مجالس إدارة منتخبة 0
2/ تقوم هذه المجالس باختيار رئيس التحرير ، وممكن هنا من ناحية سياسية أن تقوم   هذه المجالس بترشيح ثلاثة لرئاسة التحرير ، وأن يرفع ذلك إلى السلطة العليا في   الدولة وتقوم باختيار أحد الثلاثة المرشحين 0
3/ أن تعقد جمعية عمومية سنوياً ويتم من خلالها ليس مناقشة اقتصادية فقط ، بل   مناقشة فنية لدور الصحيفة محلياً وإقليمياً وعالمياً 0
4/ أن يكون هناك انتخاب لمجلس الإدارة كل ثلاث سنوات ، وأن تتم العملية   الإجرائية كاملة مثلما ذكرت في بند رقم (2) 0
5/ يشترط في كل صحيفة أن تشكل شركة مساهمة مستقلة لصحيفة واحدة فقط ،   حتى لا يستطيع كبار المساهمين السيطرة على عدة صحف 0

جـ / مجرد اقتراح اعطاء الفرصة لتعدد الصحف المحلية حتى جميع الكتّاب والفنانين القطريين والعرب يجدون فرصتهم كاملة مع ما يناسبهم من ناحية فكرية وفنية واقتصادية وسياسية 00 إلخ 0 وربما يعتقد البعض بأن هذا له سلبيات ولكن فوائده أكثر من سلبياته 0

د / دور الحكومة – في رأيي الشخصي والكثير من الكتّاب القطريين يوافقونني عليه إذا لم تقم الحكومة بالإصلاحات المذكورة ، فمن الأفضل أن تعيد الحكومة الدور الرقابي السابق لإدارة المطبوعات والنشر ، حتى عندما تحدث أي مضايقات لأي كاتب قطري ، أو يمنع نشر موضوعه نعرف بأن وراء ذلك إدارة المطبوعات والنشر ، أما ترك الحبل على الغارب مثل ما هو الآن فذلك سوف يخلق ما بين إدارات الصحف المحلية والكتّاب المحليين عداوات ونزاعات وكراهية لا داعي لها وربما رؤساء التحرير أنفسهم مظلومين أيضاً ، وربما لاحظنا بعض هذه النزاعات في الصحافة القطرية في الماضي القريب

بوش ما بين الخيار أو معضلة السقوط

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

أشرنا في مقابلة تليفزيونية ، مع الإعلامي القطري الأستاذ طلال الساده ، في برنامج آفاق ، في أواخر سبتمبر عام 2003م ، وكان موضوع الحلقة التنظيم الدولي ، بأن هناك

فرق ما بين القوة ، والقيادة 0 فالقوة لعبة قصيرة المدى ويفترض لمن يدعي القوة أن تكون نتائجها حاسمة ، وذلك شبيه بالمعادلة الصفرية التي لا تقبل إلا فائز واحد ، أو لعبة الشطرنج ،

أو لعبة الدومينو 0 ولكن القيادة لا تنجح إلا بعمل جماعي، يقوم فيه القائد بتوزيع الأدوار الفعلية التي تحافظ على روح الفريق في الاستمرارية ، وتحقيق نتائج جماعية جيدة 0 ومن هنا ليس

بالضرورة أن تكون أهداف جميع اللاعبين واحدة ، ولكن المتعة في اللعبة الجماعية هي أن لكل لاعب دور في تحقيق الهدف ، وبالتالي المتعة في تحقيق الذات  0

أما القائد الفاشل فيستمر في اللعبة الأحادية المتمثلة بالقوة ، مما يجعل اللاعبين الآخرين جميعهم يتحالفون ضده ، وإن لم يحدث ذلك يحاولون أن يعرقلوا أية خطوة من

الممكن أن يحقق فيها تقدماً ، ومع مرور الزمن يؤدي ذلك إلى تلاشي إنجازاته وانهياره 0

ومن هنا نعود إلى موضوع الحلقة أعلاه ، فكنا خلال تلك الحلقة نحاول أن نؤكد بأن أمريكا لابد لها من ممارسة دورها القيادي ، وفي المقابل كان الضيف الآخر من نيويورك

يقول لا أخلاق مع السياسة  0 ونحن نؤيده في أنه لا أخلاق مع السياسة ولكن ليس دائماً بل أحياناً ، وهذا الموضوع بالفعل انتهى في الغرب في القرن التاسع عشر ، وكان روادها من

ألمانيا بسمارك صاحب المدرسة الواقعية ، ومن بريطانيا غلارستون صاحب المدرسة الأخلاقية  0

ولكن المدرستان تتفقان على فن القيادة 0 فالقيادة لعبة جماعية ، وهذا ما كنا ننتقد به مدرسة المحافظين الجدد في أمريكا 0 وعزز ما نقوله الأستاذ الجامعي الأمريكي الشهير

ذبيغنو بريجنسكي عندما قال  ” علينا اشراك أوربا في حوار استراتيجي جاد ، نقوم من خلاله بالتفحص الدقيق لما يمكن لنا أن نفعله معاً بشأن الشرق الأوسط 0 ولو كنا أذكياء ، فإننا سنعقد

صفقة جيدة نحصل من خلالها على المزيد من الدعم الأوربي والمال والسلاح في أفغانستان والعراق ، حيث ينشط الأوربيون، وفي النهاية على أمريكا رعاية اتفاقية السلام في الشرق

الأوسط مقابل نقل سريع للمسؤولين إلى الأمم المتحدة في العراق ، واتفاق أوربي أمريكي صريح لحدود صيغة الحل السلمي للصراع ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين ”  0

ويضيف بريجنسكي أن إدارة بوش فقدت مصداقيتها ، ويستدل بالتالي  (عندما واجه الرئيس كيندي أزمة الصواريخ الكوبية أرسل وزير خارجيته وين اتشيسون إلى أوربا

للتحدث مع الرئيس الفرنسي شارل ديغول ، وابلاغه بأن هناك صواريخ سوفيتية مزودة بأسلحة نووية موجهة للولايات المتحدة ، وأن أمريكا سوف تستخدم القوة لإزالتها إذا ما اقتضت

الضرورة ، وهذا يعني حرباً نووية هائلة ما بين الشرق والغرب0 وقال اتشيسون لديغول  دعني أريك الدليل الآن 0 فما كان من ديغول إلا أن أجاب قائلاً  لا أريد رؤية الدليل الذي بحوزتك 0

فأنا أثق برئيس الولايات المتحدة ، قل له أننا نقف بجانبه 0 والسؤال الآن  هل يمكن أن يفعل أي رئيس أجنبي هذا هذه الأيام ؟ على الأرجح لا 0 هذا ما تفتقر إليه قوتنا بالضبط )  0

ونضيف هنا بأن جميعكم تتذكرون عندما قدم كولن باول الدليل الذي لديه لمجلس الأمن ، لكي يثبت بأن العراق يمتلك مختبرات متحركة لأسلحة الدمار الشامل ، لم يلاقي هذا

الدليل أية مصداقية من مجلس الأمن 0 وهنا كان تركيز بريجنسكي على مصداقية القيادة ، مقارناً ما بين الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية ، والرئيس الراحل كيندي  0

أما ريتشارد كلارك موظف الإدارة الأمريكية في عهدي كلينتون وبوش ، والذي قدم استقالته احتجاجاً على الغزو الأمريكي للعراق فيقول  نعم فقدنا المصداقية ويقصد إدارة

بوش ، ( بدلاً من السعي للعمل مع الأغلبية في العالم الإسلامي لحشد الرأي العام الإسلامي ضد القيم المتطرفة ، قمنا بفعل الشيء نفسه الذي قالت القاعدة إننا نريد فعله 0 لقد غزونا

واحتللنا دولة عربية غنية بالنفط لم تكن تشكل خطراً علينا، في الوقت الذي لم نكرس فيه سوى أقل قدر من الوقت والجهد للمشكلة الإسرائيلية الفلسطينية 0 وبذلك وفرنا للقاعدة أفضل

دعاية يتصورها العقل لتجنيد أعضاء جدد ) 0

وكذلك كلارك مثله ، مثل بريجنسكي يعطي مثالاً عن الإدارات الأمريكية السابقة ، وطريقة إدارة اللعبة ، فيقول كلارك  ” لابد من بذل جهد دولي لمواجهة أيديولوجية القاعدة ،

فعندما حاربنا الفكر الشيوعي ، أوجدنا متحدثين وقادة وأبطالاً ومدارس وكتباً وأفلاماً وبرامج تنمية 0 وقد ساهمت هذه الجهود في كسب الحرب الباردة ، بالقدر نفسه الذي ساهمت فيه

دبابات الجيش الأمريكي في ألمانيا الغربية 0 غير أنه لم تكن هناك أية محاولة لاتخاذ أي إجراء طموح من هذا النوع في العالم الإسلامي ”  0

ونضيف هنا كما قال مايكل ايسيكوف ، بأن هناك صفعة كانت مجهزة للإدارة الأمريكية ، عندما رفضت أن تقدم كوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي ، شهادتها أمام لجنة

تحقيق أحداث 11 سبتمبر 0 وكانت اللجنة أعدت وثيقة لتصدم بها البيت الأبيض ، وهي تمثل تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 22 نوفمبر 1945م (تظهر الأدميرال ويليام روزفلت

وهاري ترومان أمام لجنة خاصة تابعة للكونغرس كانت تحقق في الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر 0

ويقول العنوان المطبوع فوق الصورة عن شهادة ليهي العلنية ، رئيس هيئة موظفي الرئيس يقدم شهادته 0 كانت النقطة واضحة  لم يعد بوسع البيت الأبيض الادعاء بأن

ظهور رايس سيمثل تجاوزاً عميقاً للسوابق ) 0

أما الآن فإدارة بوش تحافظ على أن تحصل على دور قيادي أخلاقي ، وليس دور بطولي من خلال استخدام مبدأ القوة والسيطرة 0 فنظرية الشرق الأوسط الكبير تعتبر التفاف

للإدارة الأمريكية ، لغسلها في أحاديتها في الشرق الأوسط ، وخاصةً في العراق 0 ومن هنا تريد أمريكا أن تعطي دوراً لأوربا ، وروسيا الاتحادية ، والأمم المتحدة ، والثمان الكبار ،

للمصادقة على نظرية الشرق الأوسط الكبير ، ولكن نعتقد أنها (Too Late) أي متأخرة جداً ، لأن إدارة بوش تحاول أن تمارس دوراً قيادياً مقبولاً، وهي من الأوراق المهمة لإدارة بوش ،

للاستعداد لانتخابات نوفمبر  أولاً  التخلص من أحاديتها في الشرق الأوسط ، ثانياً  إعادة صياغة تحالفها مع الأتحاد الأوربي ، لأن كما يعترف كبار المفكرين الأمريكان وعلى رأسهم كاجان ،

بأنه يجب على أمريكا أن تحصل على شرعية أية عمل من أوربا ، ثالثاً  ادخال الشركات النفطية الأمريكية في روسيا الاتحادية ، رابعاً  صياغة الاتفاقيات التجارية مع الصين، خامساً  تعديل

الميزان التجاري مع اليابان 0 هذا كله مطلوب في السياسة الخارجية الأمريكية ، خلال فترة لا تتجاوز خمسة أشهر ، ومن هنا كنا نعتقد ومن أقوى الاحتمالات ، بأن جميع القوى العالمية

ستحاول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن تماطل في تطور أية خطوات للسياسة الخارجية الأمريكية ، ولكي تكشف إدارة المحافظين أمام الناخب الأمريكي ، ويعود ذلك لأن معظم القوى

العالمية وجدت صعوبة التعامل مع إدارة بوش الابن  0

أما السياسة الداخلية فتعتمد على مستوى الاداء

1- بالنسبة لصغار السن والنساء دائماً يكونون متعلقين بالشخصية الكاريزماتية الفاتنة ، وهذا ما يفتقده بوش ، أما بالنسبة لكيري فعليه أن يثبت في الأيام القادمة بأنه كريزماتي

، وسوف يساعد كيري في الأداء السحري نوعية الفريق الذي سوف يختاره  0
2- الاقتصاد ، على بوش محاولة تجميد الاعفاءات عن العمل ، ومحاولة زيادة توظيف العاطلين عن العمل ، وعلى كيري وضع برنامج اقتصادي طموح لمعالجة الأزمة الداخلية ،

وعلى شرط أن يكون البرنامج منطقياً ومن الممكن تطبيقه ، ووضع تصور إيجابي للعولمة الأمريكية عبر العالم  0
3- الأمن ، الصفات التي قدمها كلارك لإدارة بوش تعتبر إيجابية لدعم كيري ، وخاصةً أن كيري حاول أن يبعد نفسه عن وحل التحقيقات الأخيرة ، وبالتالي ما حدث لبوش يعتبر

آلاماً قوية ، وفي الوقت نفسه قوة للمنافس  0 ومن هنا يستطيع الديمقراطيين أن يستفيدوا من أخطاء بوش ، وأن يضعوا تصور أمن جماعي للنظام العالمي الجديد  0

وفي النهاية اللعبة الانتخابية دائماً قابلة للمفاجآت ، أما حسابياً الآن ، فإدارة بوش تمر من خلال أسوأ مراحلها ، وإذا لم تستطع أن تحقق ما ذكرناه أعلاه من سياسة خارجية

وداخلية ، فبدون شك أن أيام إدارة بوش باتت معدودة  0

هذا ما يحدث للولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن ماذا عن عالمنا النامي ؟  سنترك الإجابة للقارئ الكريم  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

أهمية التخطيط الإستراتيجي للأمم

بسم الله الرحمن الرحيم

24/6/2004

لا تنشأ أمة ولا تتطور من دون برامج تخطيطية ، و هنا نحن لا نقصد التخطيط المركزي الذي كانت تتميز به الدول الإشتراكية ، والذي كان يواجه تنافساً شديداً مع برامج التنمية القطاعية الذي اشتهرت بها الدول الرأسمالية اللبرالية ، وفي النهاية فشلت برامج التخطيط المركزي ، ونجحت برامج التنمية القطاعية الرأسمالية.

ومشكلة الدول العربية أنها إختارت أن تبدأ بالإسلوب الرأسمالي ، وبعد ذلك عادت للإسلوب المركزي ، ومن ثم إستخدمت اللإسلوبين معاً ، وفي النهاية لم ينجح ولا أسلوب من الأساليب التي إتبعوها ! .
إذاً ما هي مشكلتنا في العالم العربي ؟
نعتقد بأن مشكلتنا في العالم العربي هو أننا دائماً نبحث عن النتائج وليس الآليات والأساليب والأدوات التي تحقق هذه النتائج . ونقصد هنا بالنتائج أن يكون

عندنا أفضل مبنى جامعي ، أو أكبر ملعب كرة ، أو أضخم فندق في العالم ، أو أجمل طريق بحري ، أو أغرب مستشفى من حيث التصميم … الخ .

ولكن هذه النتائج لم يوضع لها برامج استراتيجية لإيجاد الآليات المناسبة لإنتاجها مثلاً على التوالي مع أعلاه من دون إيجاد الآليات المناسبة لتطوير البرامج الرياضية ، ومن دون إيجاد الخطة المناسبة لتطوير السياحة في العالم العربي ، ومن دون إيجاد حل لشبكة المواصلات الوطنية ، ومن دون إيجاد البرامج الصحية المناسبة وعدد الغرف الكافية لمرضانا !! .

إذاً من حقنا جميعاً أن نسأل ، ماهو الحل للخروج من عنق الزجاجة الذي وضعنا أنفسنا فيه ؟ .
الحل طبعاً هو التخطيط الإستراتيجي للأمة ، وهذا لن يأتي إلا عن طريق المؤسسات . فمثلاً ألمانيا بعد هزيمتها المذلة في الحرب العالمية الأولى وجدت بأنه لابد من إعادة أمجادها ، ولكي تعيد أمجادها فلابد لها من التخطيط السياسي السليم . ففي عام 1924 م أسس ” معهد ميونخ للجيوبوليتيكا ” وانضم إلى هذا المعهد مجموعة كبيرة من المخططين من الإستراتيجين الألمان مثل ايريخ أوبست وأتومال وجوستاف وعلى رأسهم هاوسوهوفروأبنه البرخت ! . [ رياض ص 90 ] .
وهذا المعهد قدم خلاصة الخطط الإستراتيجية لكي تصبح ألمانيا دولة كونية ، أو كما نسميه في عصرنا الحالي القطب العالمي الأوحد ، ومن آراء هذه المدرسة ، بأنها قسمت الشعوب إلى شعب سيد وهو الشعب الألماني ، وشعوب معاونة  وهم بقية شعوب أوروبا ! . وكانت توصيات هذه المدرسة هو الإقلال من إستخدام القوة العسكرية قدر المستطاع ، إلا عند العمليات الإستئصالية الضرورية ، فمثلاً أوتومال يقول : ” إن التغلغل الإقتصادي الكامل له تماماً نفس الآثار المترتبة على الإحتلال

العسكري ” [ آل ثاني ، فهد ، جغرافيا سياسية ص 126 ] . وهم اللذين وضعوا التوزيع الإقليمي للعالم تحت المسميات التالية : أمريكا الكبرى ، وأوروأفريقيا ،
وروسيا الكبرى ، وآسيا الشرقية ! . [ رياض ص 96 ] .
ولكن كان أكبر مشكلة لهذه المدرسة هو النظام الشمولي لألمانيا الذي أنشأته النازية بقيادة أدولف هتلر ، بعد أن قام هتلر بتجميد قرارات البرلمان الألماني ، وأ صبحت السلطة مركزية في عصره ، وهذه المركزية جعلت هتلر يأخذ مايناسبه فقط من خطط معهد ميونخ ! .
وبعد الهزيمة المذلة لألمانيا في الحرب العالمية الثانية ، حدث مثل ما حدث في الأولى ، ثم قامت الولايات المتحدة بإستقدام معظم العلماء الألمان ، وكذلك أخذت المخطط الألماني للعالمية ، وحولت مايمكن إقتباسه من هذا المخطط لكي يوظف للولايات المتحدة لكي تصبح الدولة الكونية . فعلى سبيل المثال الخطة الألمانية للسيطرة على أمريكا ، وضعت برامجها لوحدة واحدة أسمها أمريكا الكبرى ذات تقسيم إداري هيراكي ، ونلاحظ المخططين الأمريكيين الآن يحاولون التخطيط لإنشاء دولة فيدرالية واحدة تحت مايسمى أوراسيا [ أوروبا وروسيا ] وتكون ذات تقسيمات إدارية هيراكية ، وذلك سوف يسهل السيطرة الإدارية الأمريكية على العالم القديم [ أوروبا وآسيا وإفريقيا ] .

إذاً هنا نرجوا أن يلاحظ القارئ الكريم أن مخطط أمريكا الكبرى الذي وضعه معهد ميونخ ، بعد أن دارت الرحى في ظهر المجن على أوروبا ، عكسته أمريكا وتريد تطبيقه على العالم القديم المذكور أعلاه ! .

ونجد أن الولايات المتحدة إنتبهت أيضاً إلى أنها لن تصبح دولة عالمية من دون

وجود مؤسسات للتخطيط الإستراتيجي ، وبرز دور هذه المؤسسات بعد الحرب العالمية الثانية ، وهي التي وضعت معظم الخطط للقوة المسيطرة على العالم الآن .
ففي مقالة للأستاذ محمد حسنين هيكل قال : ” بأنه عندما تأكد الأمريكيون من أن تصورهم الرأسمالي لن ينجح إلا بعقد صلح تاريخي بين الرأسمالي والمفكر .
ونتيجة لهذا المنطق الذكي للرأسمال الأمريكي نشأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية عشرات ومئات المؤسسات تحمل أسماء أصحاب أكبر المصالح روكلفر وراند
وكارنجي … الخ . وأصبحت كل واحدة من هذه المؤسسات ( شبه حكومة ) تتمتع بنوع من الإستقلال الذاتي وتمارس نشاطات غير محددة في مجال التفكير الإستراتيجي ، ورسم السياسات ، ومتابعة الأزمات ، وكتابة الأوراق ، واقتراح الحلول والتفاوض أحياناً ، وقد وجد الجميع في كفاءة المؤسسة ، تحقيقاً شديد الكفاءة لهدفين : 1- اكتشاف ورصد ودراسة الفضاءات التي تريد المصالح الكبرى أن تعمل فيها وتتوسع وتزيد أرباحها .
2- ثم القيام على علاقة صلة قرب من دوائر القرار السياسي ومتابعة مداخلها ومخارجها ، بما يحقق درجة من التوافق تسمح بتبادل المساعدة ، وتعظيم الفائدة .

وبالفعل هذه المراكز استطاعت أن تقدم لأمريكا مجموعة من المخططين الإستراتيجين أثناء الحرب الباردة ، وبعدها مثل : ماك جورج باندي ، وهنري كيسنجر ، وزبجنيو  بريجنسكي ، وكوندليز رايس ، وشولتز ، وبراون ، ورامسفيلد ، وريتشرد هاس … الخ .

المضحك المبكي ، أن أحد متخذي القرار العربي ذهب إلى إحدى هذه المراكز وقال لهم إعتبروني واحداً منكم ، فأثار عرضه الكثيرمن الدهشة والتساؤل لديهم : هل هذا المسؤول يقصد بعرضه هذا أنه يرغب في إلقاء جنسيته وحمل

الجنسية الأمريكية معنا ؟ أم أنه يجهل بأننا نخطط لإبقاء أمريكا إلى أقصى حد ممكن من الزمن الدولة المهيمنة لكل مقدرات العالم ؟! .
نحن لانستطيع أن ننكر بأن الدول العربية ، وخاصة ً دول مجلس التعاون الخليجي منذ نهاية الحرب الباردة ، وبالتحديد في الفترة مابين سبتمبر إلى مايو من كل عام ، تستضيف الكثير من المؤتمرات الإقليمية والعالمية الإستراتيجية ، وأن تكلفة هذه المؤتمرات تصل إلى أضعاف قيمة ميزانية المؤسسات الإستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية ! .

لكن يفترض أننا ندرك بأن هنك بوناً شاسعاً مابين مصطلحي مؤتمرات ، ومؤسسات ! ، فكلمة مؤتمر إذا لم يكن لها قاعدة لكي تحدد الأهداف الإستراتيجية التي أقيم من أجلها المؤتمر مثل تقوية العلاقات الدولية ، وتحليل التصور الفكري عند الآخر ، وجمع المعلومات وتمحيصها وتدقيقها بعد نهاية المؤتمر ، وأخذ الخلاصة منها وتوظيف المعلومات المستخلصة لمصلحة الأمة المنظمة للمؤتمر .

إذاً .. إذا لم يقدم المؤتمر المعلومات المذكورة أعلاه ، فإسمحوا لنا بأن نسميه مؤتمراً إستعراضياً وليس مؤسسياً ! .
ومن هنا يكمن الفرق بيننا وبينهم ، فمؤسساتهم لها أهداف  إستراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى ، أما مؤتمراتنا ذات الأهدف الإستعراضية الإعلامية الدعائية ينتهي كل شيئ بالنسبة لنا بمجرد إنتهاء المؤتمر ، والعكس صحيح بالنسبة للمؤسسات الإستراتيجية العالمية يبدأ كل شيئ عندهم بعد نهاية المؤتمر !! .

ويمكننا أن نقيس الفرق مابين مؤتمراتنا ، ومؤسساتهم ، بطرح بعض الأسئلة التي يمكن أن يشارك الجميع في الإجابة عليها :

أولاً : كم عدد مؤسسات التخطيط الإستراتيجي في كل قطر خليجي ؟ ومامدى مشاركتها في صناعة القرار الخليجي ؟! .
ثانياً : كم عدد المؤلفات الخليجية التي أنتجت بعد إستضافة المؤتمرات العالمية ، تبرز ارآء الضيوف والمضيفين وأوراق العمل التي شاركوا بها ؟! .
ثالثاً : ماهي المساهمات التي قامت بها دولنا لكي يستطيع المفكرين المحللين الإستفادة من هذه المؤتمرات الإستفادة القصوى ؟! ، وخاصةً الخبراء العالميين القادمين إلى دولنا ؟! .
رابعاً : كم أإسهمت هذه المؤتمرات في مساعدة وتطوير المفكرين والمخططين السياسين والإقتصاديين والإجتماعيين المحلين ، لكي ينعكس تطورهم على الساحة المحلية من خلال بحوثهم ومقالاتهم وندواتهم لتطوير برامج العمل الوظيفي ؟! .
خامساً : والسؤال الذي يطرح نفسه ماهي الفائدة من هذه المؤتمرات من دون قاعدة مؤسساتية ؟! .
وفي الختام المذكور مجرد مساحة للفكر ونحترم ارآء الجميع سواءً يتفق أو يختلف معنا ! .

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله تعالى ،،،

أُهْمّ الحشاشين ، أم نحن مغشوشين ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي ، ظهرت منظمة إسماعيلية منشقة على فرقة الإثنا عشر الشيعية ، وهذه المنظمة أثارت الرعب في قلوب جميع مراكز القوى في

الشرق الأوسط 0

وهذا الموضوع القديم المتجدد تناولته معظم الموسوعات السياسية ، وتناولته أيضاً بشكل غريب ومثير للدهشة المؤرخ المشهور فيليب حتي في كتابه الجدلي تاريخ العرب 0

ومما يؤكد أهمية هذه الحركة المتطرفة من الناحية السياسية في التاريخ العالمي ، هو مسمى الاغتيالات السياسية في اللغة الأنجلو ساكسونية حشاشين ( (

Assassination) 0

وما أثار أنظارنا نحو هذا الموضوع القديم المتجدد هو الأسلوب الراقي الذي تناولاه الكاتبان المشهوران بأسلوبهم المميز وهم د0 تركي الحمد ، والأستاذ خالص جلبي في

سبتمبر وأكتوبر 2002م ، وبالطبع تناوله كُلاً منهم بطريقته وأسلوبه التحليلي، وإن كنت أجد بأن أسلوب الربط الموضوعي بينهما متشابه ، أي أن تنظيم القاعدة شبيه بحركة الحشاشين  0

المؤسس الفعلي لهذه المنظمة هو الحسن بن الصباح بن علي الإسماعيلي (1037 – 1124م ) الذي ولد شيعياً إثنا عشرياً وانتهى به المطاف إسماعيلياً باطنياً ، بل ومؤسساً

لمذهب وفرقة خاصة به من فرق الإسماعيلية 0 والحقيقة يهمنا هنا أسلوب ابن الصباح في التخلص من خصومه ( الشرق الأوسط العدد 806 ) 0

ونحن نتفق بأنه من أخطر ما قامت به حركة الحشاشين لكي تصل إلى السلطة هي محاولتها الخبيثة لاغتيال القائد الإسلامي الشهير صلاح الدين الأيوبي ، كما ذكر الأستاذ

جلبي بأسلوبه الراقي : ” في ليلة الأحد 11 ذي القعدة 571هـ – 1176م ، كان القائد صلاح الدين الأيوبي على موعد مع رسل الموت من الحشاشين ، فبينما كان في خيمة الأمير الكردي

جاولي الأسدي قائد أركانه ، وهم يستعرضان الخرائط الحربية ضد الصليبيين ، اقتحم الخيمة شاب مفتول العضلات وكأنه جني لخفة حركته يلمع في يمناه خنجر هوى به على رأس صلاح

الدين ، ولكنه كان محظوظاً فقد صدم النصل المسموم الزردية من الحديد التي تغطي رأسه ، فأدرك المجرم أنه أخطأ هدفه فقام بتوجيه طعنة إلى الخد فجرحه وأنقض الضباط الأكراد على

الرجل فقتلوه ” ( الشرق الأوسط العدد 8702 ) 0

ويرى د0 الحمد بأن التنظيم في مثل هذه المنظمات ليس كالتنظيم في أية منظمة سياسية أخرى ، سرية كانت أو علنية 0 فمن ناحية هو تنظيم شبه مغلق ، أو هو مغلق فعلاً ، لا

يمكن الدخول فيه إلا لمن كان هو والثقة صنوان لا يفترقان ، وذلك لا يتم إلا بعد أن يكون قد ( تربى ) تربية معينة ، فكرية وتنظيمية ، بعكس معظم التنظيمات ، حتى السري منها ، التي يكفي

الاقتناع بالفكرة سبباً في الانخراط مبدئياً ( الشرق الأوسط العدد 8713 ) 0

أما ما أشار إليه د0 الحمد من ناحية فكرية وتنظيمية لتنظيم القاعدة مشبهاً إياه بتنظيم الحشاشين ، فهي فكرة جدلية ، ولكن ما نستطيع أن نؤكده لكم بأنه لا يوجد تنظيم أو

دولة في هذا الكوكب إلا ولها الأيديولوجيا الفكرية الخاصة به أو بها  0

ويضيف د0 الحمد : ” إن مثل هذه الجماعات غالباً ما يكون تركيزها على الغض من الشباب ، وذلك لأنه من الأسهل إعادة تشكيل عقول هؤلاء وفق الأهداف التي يحددها

الزعيم ، أو تحددها القيادة 0 بل وكلما كانت إعادة التربية في سن أبكر ، كان ذلك أفضل 0 ومن هنا فإن مثل هذه الجماعات لا تبحث عن أعضائها المحنكين في الشوارع أو بين مختلف

فئات وطبقات الناس ، بل يكون التركيز في تلك المؤسسات التي تحتوي على الغض من الفتيان 0 فقد تكون دعوة التنظيم عامة من خلال البيانات والأعمال ، ولكن الانخراط فيه ليس بمجرد

الاقتناع ” 0

أيضاً من رأيي أن هذه النقاط الأخيرة أثارت بعض الجدل ، ولكن كما نعرف بأن أي تنظيم ثوري لا يبحث لجهازه الأمني عن القادة ، ولكن يبحث عن الشباب الصغار الذين هم

بالفعل عندما يقنعون بأيديولوجية التنظيم يصبحون هم العمود الفقري الأمني للتنظيم من ناحية استخباراتية ومن ناحية قتالية  0

ولكن الملفت للنظر عندما قال الأستاذ جلبي ” بأن حسن الصباح قام بتطوير العمل على نحو عبقري ، حيث رأى أن العمل السري المسلح لا يحتاج لجيوش كثيرة بل عناصر

قليلة حسنة التدريب شديدة الولاء إلى حد العبادة ، وبتنظيم خاص غير قابل للاختراق ينتشر مثل انتشار السرطان 0 وبعدد محدود من صغار الشبان الذين يتم غسل أدمغتهم بالتعصب

والحشيش  ” 0

عرضنا لرأي الأستاذين الكبيرين ليس لغرض المزايدة ، ولكن يوجد لنا رأيا يخالف رأيهم وهو كالتالي :

1- الحركة السلفية التي يتبعها السواد الأعظم من المسلمين ، خاصة أن هناك أرتباط مباشر وغير مباشر ما بين المسلمين السنة والحركة السلفية ، فالمسلمين السنة يشكلون

94% من مجموع المسلمين في العالم 0 ومعظم الأفغان العرب من أتباع الحركة السلفية السنية ، وتعاليمها أصلاً مأخوذة من السلف الصالح وسيد البشرية جمعاء محمد نبي اللّه ورسوله

ص ، أما الجماعة الإسماعيلية فهي لا تشكل حتى 1ر0% من نسبة مسلمي العالم ، ويوجد خلافات كثيرة بيننا وبينها لا مجال لذكرها الآن ( آل ثاني ، العالم الإسلامي ص 89 ) 0

2- منذ عام 1980 – 1989 كان المجاهدين الأفغان العرب مدعومين من جميع الدول الإسلامية والعربية ، وعلى رأسهم حليفة العرب والمسلمين آنذاك الولايات المتحدة الأمريكية

، وذلك لمحاربة أمبراطورية الكفر ممثلة بالأتحاد السوفيتي ، ومجموع المساعدات المالية التي وصلت إلى المجاهدين في الفترة المذكورة كانت تزيد على (30) بليون دولار  0 طبعاً بالنسبة

للولايات المتحدة الأمريكية كان الهدف ظاهرياً لمحاربة الكفر والألحاد ، وباطنياً لتعزيز مبدأ سياسة الاحتواء على الأتحاد السوفيتي  0

3- الجهاد فرض عين على كل مسلم قادر ، وخاصةً عندما يعتدى على مقدسات المسلمين وأنفسهم وأرضهم وأموالهم ، والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة لا مجال لذكرها الآن ،

ويدعم ذلك آيات من القرآن الكريم كقوله تعالى :  إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والانجيل

والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم  ( التوبة آية 111 )0

4- ما حدث من صراعات سياسية وأمنية في الشرق الأوسط ما بين الحكومات ، والتيارات الثورية الإسلامية السنية ، في رأيي الشخصي لا يوجد ما بينها وبين الحركة

الإسماعيلية ( الحشاشين ) أي وجه من التشابه 0 وإنما نستطيع أن نسميها بأن الثورة دائماً تأكل أبنائها ، والأمثلة على ذلك كثيرة :

4-1 إنفصال باكستان عن الهند في عام 1948م كان ذلك لإنشاء دولة إسلامية ، وانتهى المطاف بإنشاء دولة للمسلمين 0 ومعظمنا ربما يتذكر المقولة المشهورة للشيخ أبو الأعلى

المودودي رحمه اللّه : ” هل هي دولة للمسلمين ؟ أم هي دولة إسلامية ( آل ثاني ، نفس المصدر ، ص 45 ) 0

4-2 الحركة الوهابية السلفية في الجزيرة العربية ، انتهى بها المطاف إلى صراع ما بين الوهابيين الإصلاحيين ( السلطة ) ، والوهابيين المتشددين ( الأخوان ) 0

4-3 الثورة الإسلامية الشيعية في إيران أصبح التنافس الآن ما بين الإصلاحيين بقيادة الرئيس محمد خاتمي ( السلطة التنفيذية ومجلس الشورى ) ، والمتشددين من أركان الثورة

وهم مرشد الثورة ، ويشرف على الجيش والحرس الثوري والسلطة القضائية ومجلس صيانة الدستور ( آل ثاني ، نفس المصدر ، ص 193 ) 0

4-4 الثورة المصرية ، كانت بدعم كامل من الأخوان المسلمين ، وكان لهم تأثير بشكل كبير لتحريك الشارع المصري ضد الملكية ، وبعد أن حدث الانقلاب عام 1952م بقيادة

مجموعة من ضباط الجيش ، أصبح الضباط نظام حكم ، وأدى ذلك إلى وجود صراع ما بين النظام والتيار الإسلامي مازال مستمراً إلى الآن  0

4-5 حكومة الأنقاذ في السودان ، والتي قامت بانقلاب أواخر الثمانينيات بتحالف ما بين الجيش بقيادة الرئيس البشير ، والشيخ حسن الترابي 0 وانتهى المطاف بصراع ما بين

أركان السلطة فبقي حسن البشير رئيساً للجمهورية ، وأودع د0الترابي في غياهب السجن  0

4-6 الجمهوريات العربية التي قدمت الغالي والنفيس للتيارات التحررية الشعبية لكي تقوم بانقلابات في الدول الملكية أو كما يسمونها الرجعية 0 وكان هناك دور بارز للتيارات

الرديكالية العربية في الدول الملكية الشرق الأوسطية مثل البعث العربي ، والقوميين العرب في فترة الخمسينيات ، والستينيات ، والسبعينيات ، وأنتهى المطاف بمعظم الجمهوريات العربية

إلى جمهوريات وراثية ( ملكية معدلة ) وذلك شكل صدمة عنيفة للتيارات الريديكالية المذكورة ، وخاصةً لامتدادها فوق القطري  0

وفي الختام نقول شهد العالم في القرن العشرين ميلادي أربع حركات وكلها كان عندها طموح عالمي مثل البلشفية والفاشية والنازية والرأسمالية الليبرالية 0 وكل ما يسقط

تيار من الحركات المذكورة ، يقول المنتصرون عليها انقذ الخالق هذا الكوكب من ديكتاتورية كانت ستهلك الحرث والنسل ، وتأكل الأخضر واليابس فيه  0

وأنتهى المطاف إلى انتصار الحركة الرأسمالية الليبرالية ، وتقول عن نفسها بأنها هي الحركة المنقذة للإنسانية  0 ولكن يؤسفني بأن أقول لكم بإن الذي نراه هو عكس ذلك ،

فالحركة الصهيونية عززت اضطهادها واذلالها للشعب الفلسطيني بتأييد تام من قائد العالم الأوحد الولايات المتحدة الأمريكية 0 والأدهى والأمر من ذلك بأن بوش أتى بمصطلح جديد كما

يحلو للبعض بتسميته مبدأ بوش وهو ما يسمى بالحرب الاستباقية الاجهاضية ، وذلك أدى إلى بروز ما يسمى بمحاور الشر في العالم وهي : إيران ، وأفغانستان ، والعراق ، والسودان ،

وسوريا ، وليبيا ، وروسيا ، وكوريا والبقية تأتي  0

وأخيراً بدلاً من التشكيك في الحركات الجهادية الإسلامية ، هو السؤال الذي تعودنا مراراً وتكراراً تقديمه لمتخذي القرار في الشرق الأوسط ، أن يوضحوا لنا برامجهم قصيرة

ومتوسطة وطويلة المدى لإنقاذ هذه المنطقة من وضعها المتردي ؟  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

أنها السياسة يا غبي !

بسم الله الرحمن الرحيم

10/10/2004

كنا في جلسة مع مجموعة من المثقفين العرب ، وكان الموضوع المطروح فيما بينهم هو : لماذا يصبح من هو أقل خبرةً أو علماً أو كفاءة من زملائه رئيساً عليهم أو على مجموعة معينة !

وكان رأينا في هذا الموضوع الذي يفترض بأنه شيء مفروغا  منه ، أن الشخص الغير مؤهل ، ويسوقه القدر إلى السيطرة على مجموعة ، بالطبع لا يستطيع أن يترك المجموعة تتطور بطريقة تلقائية كما هي مع المحافظة على مصادرقوته0 فقفز أحد المثقفين وقال : إذاً ما هو الحل ؟

اولآ        هل سمعت بلعبة تغيير مراكز القوى ؟ 0 هذه اللعبة الديناميكية تتم بطريقة إعادة توزيع المجموعة ، وهذا التغيير يتم من خلاله التغيير التام لمراكز القوى الطبيعية وإظهار مراكز قوى جديدة مصطنعة ، لكي تسير دفة الأمور ، ونتيجة ذلك أن الشخص المسيطر أعلاه من خلال تغيير المجموعة يستفيد من التالي : (أ) إعطاء الفرصة لأشخاص غير مؤهلين ، فيشعرون دائماً بأن المسيطر أعلاه صاحب فضل عليهم ، (ب) تأجيج روح الصراع ما بين المجموعة لأن الغير مؤهل يقود المؤهل ، وذلك يعطي الفرصة للمسيطر الأول الاستقلالية الكاملة بالسلطة العليا ، تحت مبدأ المثل القائل حط حيلهم بينهم ، أو يا نار كلى حطب 00 الخ 0 ومن هنا ربما يتساءل البعض ويقول : كيف ستتطور المجموعة وبالتالي المؤسسة التي ينتمون لها إذا كان هناك صراعات ما بين أفرادها ؟ 0 الإجابة هي يا عزيزي في العالم النامي المسيطر الأول همه يقول : أنا ومن بعدي الطوفان ! 0

وبعد ذلك قفز أحد المثقفين وقال : إن هذه المجموعات أعلاه من الممكن إعادة إصلاحها من خلال ضم لاعبين جدد ، يعتقد الزميل المثقف بأن عملية ضم لاعبين هي عملية تلقائية تدور مع الزمن ، ولا يوجد لأحد دور للتأثير عليها ، حتى المسيطر الأول ! 0 فرددنا عليه وقلنا له العب غيرها 0 هناك لعبة جديدة للمؤهلين الجدد تسمي في العالم النامي لعبة الحلقة المفرغة ! 0

وذلك من خلال التالي : عندما ينضم لاعبين جدد وعندهم طموح العطاء بلا حدود ، والمشاركة في عملية الإصلاح في أوطانهم 0 فأول سؤال يسألهم عنه المسيطر الأول : ما هي القطاعات التي تشعرون بأن عطاءكم فيها سيئاً بشكل محطم للآمال ؟ والسؤال الثاني : ماهي القطاعات التي تتوقع ان تحقق احلامك فيها ؟0 طبعاً بعد الإجابة على الأسئلة أعلاه سيزج باللاعب المؤهل الجديد إلى القطاع المحطم للآمال ، وذلك لكي يثبت أنه فاشل أمام جميع موظفي المؤسسة ، وهنا قال أحد المثقفين : وإذا كان اللاعب الجديد مؤهلاً فعلاً ، فسيتكيف ويثبت وجوده سواءً كان في قطاع وظيفي يرغب العمل فيه أو في قطاع وظيفي محطماً للآمال ولا يرغب العمل فيه ؟ 0 فأجبنا الزميل المثقف بنعم ، لكن طرحنا عليه سؤالاً ثانياً : ألم تسمع بلعبة الحلقة المفرغة ؟ 0 قال لنا الزملاء ما هي لعبة الحلقة المفرغة ؟ 0 فقلنا عندما ينجح المؤهل أعلاه في مكان العمل الذي زج فيه ويكرهه أصلاً ، تعمل لعبة جديدة تسمى الحلقة المفرغة (Vicious circle)  أي أن يبقى الشخص مستمراً في العطاء وهو يدور في حلقة مفرغة بدون أية ترقية أو زيادة في الأجر أو تكريم ، وكلما يزيد في العطاء، يقوم المسيطر الأول بالتقليل من قدر الشخص المؤهل إلى أن تصل طاقة الشخص المؤهل إلى التلاشي والانحسار 0 فقام أحد المثقفين وقال إذا كان الشخص مؤهلاً فعلاً فسيجد مخرجاً ! 0 فقلنا له في لعبة الحلقة المفرغة لا يوجد مخرج أطلاقاً ، إلا إذا جاء أمراً من الله سبحانه وتعالى وأدى إلى تغيير الأمور بشكل جذري ، ولكننا نرى إذا كان الشخص مؤهلاً فعلاً ، فيقوم بلعبة نسميها بلعبة التجديد والمقاومة ، فالرسول (ص) قال : “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه  ، وإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ” 0 وهنا نعتقد أن هناك عدة طرق للمقاومة ، فمقاومة اليد تحتاج إلى قاعدة اجتماعية عريضة وهذه بسبب صعوبة صناعة الرأي في المؤسسات المتخلفة ، فهي مفروغ منها ومن الصعب تشكيلها 0 والعنصر التالي اللسان ، وربما يقصد هنا الفكر ، ومن خلال الفكر من الممكن أن تحطم كل تفاهات المسيطر الأول في العملية الآنية وإبراز فشلها أمام الجميع ، وطبعاً المسيطر الأول أحد أحلامه ليست السنوات التي سيقضيها فقط ، وإنما همه هو الخلود الأبدي لكي يبقى لامعاً من جيل إلى آخر ، ولكي تحرمه هذه الفرصة أعتقد لابد لكل مؤهل إذا كان مؤهلاً فعلاً ومحروماً ، هو إتباع فلسفة أخوان الصفا لكي يتقي شر المسيطر الأول ، وفي نفس الوقت حرمانه من خلوده الأزلي من خلال مؤلف ممتاز ومحكم وموثق ، وأن تكون معلوماته صادقة ، ينشر كوثيقة مستقبلية عن المسيطر الأول تحت مسمى ( الكتاب الأسود ) !! 0

للأسف الشديد هذا وضع المؤهلين والمثقفين في العالم النامي إلا ما ندر ، ونسأل الله العلي القدير أن يفرج همنا وهمكم وهموم جميع المسلمين!0

ولكن بعد الإحباط أعلاه ، دعونا نقودكم إلى فن اللعبة السياسية في عالم الشمال المتقدم 0

أولاً ،  فرنسا : لعبة شيراك ساركوزي ، فالهرم شيراك يميل كثيراً لدوفيلبان ، ولكن ساركوزي خطف الأنظار عن دوفليبان 0 فساركوزي بعد أن كان ساعد شيراك الأيمن ، عندما فكر في ترشيح نفسه لرئاسة الاتحاد من أجل الحركة الشعبية هدد بالطرد من منصبه الوزاري ، ولكن ساركوزي لم يعد يهمه إلا أن يرشح نفسه لرئاسة فرنسا أمام معلمه جاك شيراك 0

فساركوزي بعد أن همشه جاك شيراك في منتصف تسعينيات القرن الماضي ، توسط له دوفيلبان وأعاده إلى الملعب وزيراً للعدل ، ولكن الصدمة الكبرى عندما أصبحت نسبة الرضا عن ساركوزي وزير العدل 60% ، وعن رئيس الجمهورية 40% 0 فكانت اللعبة الأخرى من شيراك تعيين ساركوزي وزيراً للمالية عام 2002م وذلك لكي يخفت بريق ساركوزي ، ولكن الصدمة الكبرى عندما نجح ساركوزي في إدارة ملف المالية الفرنسية ، وزاد بريقه .ا ما المشكلة الآن إذا طرد شيراك ساركوزي وهو محبوب شعبياً ، فذلك يهدد عرش شيراك الرئاسي لأن هناك احتمال أن يتعاطف الحزب مع ساركوزي ، وإذا حاول شيراك أن يوجج الصراع ما بين دفيلبيان وساركوزي ، كل المؤشرات تقول بأن ساركوزي سينتصر ومجرد انتصار ساركوزي على دوفيليبان  ، معنى ذلك أن على شيراك أن يفتح الباب الرئاسي أمام لاعب جديد اسمه ساركوزي ، لأن مغامرة شيراك الدخول منافساً لساركوزي تعتبر مخاطرة تقضي على تاريخ شيراك السياسي ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : ألا تلاحظون متعة لعبة الكراسي السياسية في العالم المتقدم ؟ ! 0

ثانياً ، المملكة المتحدة : محور بلير براون العمالي ، فالرجلان قاما بثورة في حزب العمال الذي خسر انتخاباً تلو الآخر منذ عام 1979م إلى عام 1997م ، فتشكل محور بلير براون وقاما بإصلاحات في حزب العمال، فعززا علاقاته مع النقابات العمالية وابتعدا بالحزب عن دولة الرفاة باتجاه الأسواق الحرة وخلصاه من صورته من حزب لا يحسن إلا فرض الضرائب والإنفاق العام إلى حزب مؤيد العمال ، وبعد وفاة زعيم الحزب جون سميث ، تحققت صفقة ما بين بلير وبروان ، بحيث على براون أن يفسح الطريق لبلير ليترشح لرئاسة الحكومة ، كما حصل عام 1997م ، وأن بلير سيتخلى عن وظيفته في وقت لاحق لبراون 0 لكن بعد وصول بلير إلى دفة السلطة بدأ النزاع بينه وبين حليفه التقليدي براون 0 فقام بلير بطريقة درامية ودعم ألان ميلبورن في حزب العمال ، وميلبورن مشهور بخلافاته مع براون ، أي بمعنى آخر تأجيج الصراع ما بين خصمين جدد ، ويبقى بلير متفرجاً على الموقعة الدامية بين مرؤوسين ، دون أن تتأثر سلطته ! 0 ولكن بلير بعد أن تقلصت أسهمه في الحزب وفي الشارع البريطاني اضطر لعقد صفقة ثانية مع براون لكي يدعمه في مواجهة العواصف السياسية على أن يتنحى بلير عن الرئاسة في أواخر عام 2004م لصالح براون ، ولكن بعد أن وطد بلير الأوضاع ، فيبدوا أنه لن يتنازل لبراون ، وأنه سيخوض انتخابات 2005م لكي يرأس الحكومة البريطانية لدورة ثالثة وأخيرة إذا فاز بالطبع في الانتخابات ! 0

ولكن أين براون من المعادلة ؟ طبعاً براون مازال القلب المحرك للعبة السياسية في حزب العمال ! 0 إذاً ألا تتفقوا معنا بأن اللعبة السياسية في العالم المتقدم فن وذوق راقي ومتعة ، وفي عالمنا المتخلف سمجة ومتجمدة مثلها مثل برامجنا الاقتصادية ، وبرامجنا الرياضية ومهرجاناتنا البهلوانية 00 الخ 0

ثالثاً ، الولايات المتحدة الأمريكية : الصراع ما بين بوش وكيري اقترب من مرحلة الحسم ، وبالفعل عندما تصل مرحلة الانتخابات إلى مرحلة المواجهات المباشرة تعتبر اللعبة قربت من النهاية ، ولكن كما يرى المحللين أن أغرب شيء إلى الانتخابات الأمريكية في هذه الدورة ليس التعادل النسبي في الأصوات ما بين بوش وكيري ، ولكن هو أن المجتمع الأمريكي بالفعل مقسوم ما بينهما ، لأن في العادة الجمهوريين والديمقراطيين يتصارعون على أصوات الذين لم يقرروا موقفهم إلى آخر ليلة من الانتخابات ، ولكن كما ذكرنا أعلاه ، في هذه الدورة انقسم المجتمع الأمريكي ما بين الجمهوريين والديمقراطيين 0

ومن هنا الفريقين المتصارعين على كرسي الرئاسة الأمريكية ينظرون إلى نادر بحذر فمثلاً استطلاعات راسموسية تبين أن بوش وكيري متعادلين نسبياً 46% للأول و 45% للثاني ، ولكن نادر حاصل على 3% من الأصوات ، وهنا أصول اللعبة الحقيقية ، فاستمرار نادر يستطيع أن يسحب أصوات بعض الديمقراطيين مما يؤثر على كيري ، ولكن انسحاب نادر له تأثيره ، فمثلاً لو وصلت النسبة مثل ما هي أعلاه ما بين بوش وكيري وافترضنا جدلاً أن الأصوات 3% التي توجد عند نادر ستذهب إلى كيري فذلك يعني حصول كيري على 48% من الأصوات وبوش على 46% وذلك يعني فوز كيري ، ولكن هناك إشاعات تقول أن نادر استطاع أن يجذب بعض الجمهوريين إلى معسكره ، وهذا مما يجعل اللعبة غير واضحة المعالم إلى أن تقررها صناديق الاقتراع ليلة الانتخابات ! 0

إذاً ألا تتفقوا معي أن السياسة فن ومتعة وذوق في العالم المتقدم 0

والى اللقاء دائماً إنشاء اللّه

الهايدروكاربون يحدد السياسة الخارجية الأمريكية

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

في دراسة سابقة لنا نشر ملخص لها في الراية في مطلع عام 2002م ، وكان من المفترض أن تنشر كاملة في مجلة المستقبل العربي في منتصف عام 2002م تقريباً ، وذلك

قبل أن تغزو أمريكا العراق ، ولكن ارجئ نشرها لأسباب فنية خاصة بالناشر إلى يناير 2004م في العدد 299 مجلة المستقبل العربي 0

وكما يعرف معظم المتخصصون في هذا المجال بأن التدخل الأمريكي في هذه المنطقة يرتكز على محورين استراتيجيين أساسيين هما : المحور الأول : السيطرة المطلقة على

الهايدروكاربون الشرق أوسطي ؛ والمحور الثاني : تغيير المجال الجيوسياسي الشرق أوسطي بما يتناسب مع مصلحة أمريكا وإسرائيل ، وفي النهاية المحورين يصبان في خدمة

استراتيجية أمريكية مركزية واحدة وهي ضمان السيطرة المطلقة العالمية لفترة لا تقل عن خمسين سنة على أقل تقدير  0

الذي يهمنا من ضمن هذه الدراسة هو توضيح أهمية المحور الهايدروكاربوني بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية ؛ لأن الحظر الشكلي للنفط استخدم عربياً في عام 1973م

، وقد أتت هذه البطاقة ثمرتها آنذاك ، ولكن لا ندري هل استخدمه العرب كتكتيك ، أم استخدم كاستراتيجية ؟  0 وفي رأينا بأنه لا هذا ولا ذاك ، بل كان رد فعل معنوياً للنتائج الإيجابية التي

حققها المقاتلون العرب على الأرض آنذاك 0 والدليل على أن القرار المذكور آنفاً كان رد فعل ، هو أننا لم نلمس حلقاته المتواصلة إذا كان تكتيكاً ، ولم نر أنه قد حقق للأمة العربية

والإسلامية استراتيجية محددة لكي تسمو بين الأمم ، على رغم القفزة الكبيرة التي تحققت لأسعار النفط ، بحيث قفزت من 3 دولارات قبل عام 1973م ، إلى أكثر من 40 دولاراً بعد عام

1979م ، وكان ذلك متزامناً مع الثورة الإسلامية في إيران 0 ولكن هذا الربيع لم يستمر طويلاً ، حيث تحول بعد ذلك إلى خريف قاتم ومازال مستمراً حتى الآن 0

فالدول الصناعية وضعت مجموعة تكتيكات لكي تصل إلى استراتيجية في المستقبل المنظور ، وهذه التكتيكات هي عندما قال كيسنجر عام 1979م ” لا تفاوض مع منتجي

البترول إلا بعد أن نرتب بيتنا من الداخل ” ، وحدث ذلك بالفعل وأنشأوا وكالة الطاقة الدولية في باريس 0 وكان للوكالة الدولية تصورين رئيسيين هما : (أ) قصير المدى وهو نظام يسمى

المخزون الاستراتيجي ؛ و (ب) طويل المدى وهو البحث عن الهايدروكاربون خارج منطقة الشرق الأوسط ، والبحث عن مصادر أخرى كبدائل للطاقة 0 وبالفعل حدث انهيار لأسعار النفط

في عام 1985م ، وأصبحت قيمة برميل النفط أرخص من قيمة برميل التراب لو أردنا استيراده من أوربا الغربية كما سنوضح ذلك لاحقاً 0 ونجد أن سعر برميل النفط في بعض الفترات من

منتصف الثمانينيات من القرن الماضي قد وصل إلى 6 دولارات للبرميل ، أي فقط ما يقارب 15 بالمئة من سعره قبل خمس سنوات (1980) 0 وحتى هذه الفترة مازال النفط يعاني تبعاتها ،

حيث وصل سعر برميل النفط في أواخر عام 2001 إلى 20 دولاراً ، وإذا أخذنا في الحسبان معدل التضخم السنوي في العالم ما بين 3 بالمئة إلى 5ر2 بالمئة ، فسنجد أن سعر البرميل

الحالي يعادل في القوة الشرائية سعر البرميل عام 1973م الذي كان يساوي 3 دولارات أو أقل من ذلك 0

أما الخطة الطويلة المدى التي ابتكرها الغرب فكانت :

1- البحث عن النفط في مناطق أخرى غير الشرق الأوسط ، ومنها المناطق القطبية وبحر الشمال وأفريقيا ووسط آسيا ، ولكن النتائج غير مشجعة لوكالة الطاقة الدولية

بحيث بقيت منطقة الشرق الأوسط القطب الرئيسي للطاقة ، وتمتلك 68 بالمئة من احتياطيات النفط 0 وأما ما تبقى من احتياطيات النفط فتتوزع كالتالي : أمريكا الوسطى والجنوبية 9 بالمئة

، أمريكا الشمالية 8 بالمئة ، وأفريقيا 7 بالمئة ، وروسيا الاتحادية 5 بالمئة ، وبحر الشمال 2 بالمئة ، والجمهوريات المطلة على بحر قزوين 2 بالمئة 0

وفي النهاية ، فإن الصورة واضحة لدينا ، فالسيادة في احتياطيات النفط بقيت لدول الشرق الأوسط ، والأهم من ذلك أن تكلفة إنتاج برميل الشرق الأوسط هو من 2 إلى 1

دولار ، ويقابله تكلفة إنتاج أرخص برميل في معظم النفط المذكور وهو يقفز إلى 5 دولارات 0

وبالتالي فبالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها من كبار مستهلكي النفط فإنهم وجدوا أن استراتيجية إذلال الشرق الأوسط من خلال إيجاد احتياطيات نفطية ضخمة في أقاليم

جغرافية أخرى أصبحت فاشلة كما ذكر سلفاً 0 وكان لابد لها من سيناريوهات جديدة للسيطرة على الثروة النفطية في المنطقة ، وكان أكثرها فاعلية في المنطقة هو ما يسمى بمعادلة خلخلة

التوازن ( أو كما تسمى بالعامية لخبطة أوراق المنطقة ) 0 وهذه السيناريوهات آتت ثمارها ، فأصبحت تسعيرة النفط صعوداً وهبوطاً تتحدد من واشنطن دي 0 سي 0

2- الغاز الطبيعي ، حاول الغرب من خلال سياسة التوازن الجغرافي إنتاج الهايدروكاربون ، ومن خلال استراتيجية بالإحلال التوسع في صناعة الغاز الطبيعي 0 ولكن الغاز

الطبيعي لم تتطور التكنولوجيا الخاصة به إلى الآن لتجعله بديلاً كلياً للنفط، وكذلك تكلفته عالية 0 مثلاً سعر تسليم الغاز ميناء الوصول هو 50ر3 دولار لكل مليون وحدة حرارية BTU ؛ إذاً

ربحية تصدير الغاز بما فيها ثمن المادة الخام سوف لا تتجاوز 36ر دولار لكل BTU ، إذ تقدر التكلفة بنحو 14ر3 دولار 0 وبتحويل هذه الأرقام إلى ما يناظرها من نفط ، تصبح ربحية الغاز

نحو 80ر1 دولار لما يعادل برميلاً من النفط الذي يحقق ربحية قدرها 18 دولاراً 0 وكذلك على رغم كل سيناريوهات الإحلال ، والمحاولات المستميتة لتهميش دور الشرق الأوسط في

احتياطيات الغاز الطبيعي ، إلا أن أكبر مخزون استراتيجي لاحتياطيات الغاز بقي في العالم الإسلامي والشرق الأوسط هو كالتالي : الشرق الأوسط والعالم الإسلامي 7ر49 بالمئة ، وروسيا

الاتحادية 9ر32 بالمئة ، وأمريكا الشمالية 6ر5 بالمئة ، وأمريكا اللاتينية 3ر4 بالمئة ، وبقي في آسيا غير الإسلامية 9ر3 بالمئة ، وأوربا 6ر3 بالمئة 0

3- التوسع في الفحم الحجري ، وهو يواجه الكثير من المشاكل البيئية في الدول الصناعية ، ويعتبر من أقذر أنواع الوقود الحفري تلويثاً للبيئة 0

4- التوسع في توليد الطاقة من المفاعلات النووية 0

5- الطاقة المائية المتجددة 0

6- الطاقة المولدة بواسطة الرياح ، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية 0

ولكن مع كل المحاولات المضنية لإيجاد بدائل الطاقة نجد أن السيادة بقيت للطاقة الهايدروكاربونية والوقود الحفري ، بحيث يمثل النفط 40 بالمئة من حجم الطاقة المستخدمة

عالمياً ونمو الطلب عليه 8ر1 بالمئة سنوياً ، والغاز الطبيعي 21 بالمئة من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ونمو الطلب عليه 3ر3 بالمئة سنوياً ، وحجم استخدام الفحم الحجري 21 بالمئة

ونمو الطلب عليه 7ر1 بالمئة سنوياً ، والطاقة النووية 6 بالمئة من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ونمو الطلب عليها – 4ر0 بالمئة ، أما حجم استخدام الطاقة المائية المتجددة فهو 5ر7

بالمئة والنمو السنوي 5ر2 بالمئة 0

والأمر الخطير بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها هو أن تكاليف الوقود من الحفري مازالت باهظة جداً ، ولم تتوصل الدول الصناعية لاستخدامها بشكل فعال ومرن،

وذلك مثل : الطاقة الشمسية ، والطاقة المولدة بالرياح ، والهيدروجين ، والمساقط المائية ، والطاقة النووية ومخاطرها الاشعاعية أيضاً 0

إذاً سيبقى العالم ولفترات طويلة من الزمن ، مصدره الرئيسي للطاقة هو الوقود الحفري ، حيث يشكل الآن 85 بالمئة من الطاقة المستخدمة عالمياً 0 وخلاصة القول على

رغم المحاولات المهلكة لوكالة الطاقة الدولية ، ودعمها لمنتجين جدد من خارج أوبك ، إلا أن الدور الأمريكي بالتلاعب بالتوازن الاستراتيجي الأمني هو الشاغل الأكبر بالنسبة إلى دول

الأوبك 0 ولا نستطيع أن ننكر بأن أمريكا استطاعت اختراق هذا التحالف 0 ويجب أن نعترف بأنه على المدى القصير استطاعت الولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية من تقليص دور

الأوبك ، بحيث كانت الأوبك قبل الحظر النفطي الذي طبقته الدول العربية على حلفاء إسرائيل تسيطر على 85 بالمئة من صادرات السوق الدولية من النفط ، وفي منتصف الثمانينيات

أصبحت حصة أوبك 60 بالمئة ، وفي الألفين أقل من 40 بالمئة 0

ولكن ذلك لا يعني إطلاقاً تقلص أهمية الأوبك ، لأن الاحتياطيات الضخمة موجودة في أوبك : بحيث تصل الآن إلى 68 بالمئة تقريباً من الاحتياطي العالمي للنفط، ونمو الطلب

العالمي على النفط هو 8ر1 بالمئة سنوياً ، أي الصادرات النفطية الآن هي 75 مليون برميل يومياً ، ويتوقع أن تصل إلى 115 مليون برميل يومياً عام 2020 0 وفوق ذلك كله ، يعتبر

النفط بشكل عام ، ونفط الخليج بشكل خاص ، أرخص مصادر الطاقة عالمياً ، حيث أن أقصى ما تتقاضاه الدول المصدرة للنفط هو 20 بالمئة من القيمة الفعلية للنفط بعد وصوله إلى

المستهلك النهائي في الدول المستوردة 0 وأيضاً يمتاز النفط بأنه مادة أولية لمعظم الصناعات ، وتشاركه في ذلك مصادر الوقود الحفري الأخرى 0

وإذا كان العالم الصناعي في يوم من الأيام يبحث عن طاقة جديدة أو مصادر بديلة للطاقة الهايدروكاربونية ، مخافةً من ارتفاع أسعار نفط الشرق الأوسط ، مما سوف يؤدي

إلى انهيار نظامهم الاقتصادي ، إلا أنهم الآن يسعون حثيثاً لإيجاد مصادر أخرى للطاقة لتحل محل النفط قبل نضوبه  فمثلاً الجيولوجي ديفيز ، ومن خلال تطبيق المنحنى الجرسي على

التوسع في الاكتشافات النفطية ، ( ومن صفات المنحنى الجرسي أنه في نهاية المطاف يبلغ الذروة ثم سرعان ما يبدأ بالانحدار ) ، فإنه عندما طبق هذه النظرية الإحصائية عام 1989م على

إمدادات النفط العالمية صعق لرؤيته أن نقطة الذروة لم تعد على بعد عدة عقود كما كان يعتقد ، بل مجرد سنوات قليلة ( في الفترة ما بين عامي 2004 و 2008م ) 0

ومن ناحية جدلية ، نجد أن الخبير العالمي في صناعة النفط الشيخ أحمد زكي اليماني قال ” ذاكرة أوبك قصيرة ، وستدفع ثمناً غالياً لعدم تدخلها عام 1999م للسيطرة على

أسعار النفط 0 الآن فات الأوان للتحرك ، العصر الحجري انتهى لكن نهايته لم تكن لنقص الحجارة 0 والعصر النفطي سينتهي ، ولكن ليس لنقص النفط “0

رأينا العلمي في دراسة منشورة في نيسان / أبريل 2000  ” إذا كان هناك طاقة بديلة للنفط فلن يتحقق ذلك عملياً قبل عام 2050م ، أما النضوب فهو وارد قبل ذلك ” 0

الذي جعلنا نبدأ بالمقدمة السابقة ، هو ما قاله الكاتب الاقتصادي روبرت جيه صامو يلسون في نيوزويك 24/2/2004م ، والذي كرر ما ذكرناه في دراسة لنا قبل عامين

تقريباً ، فيقول صامو يلسون : ” إن المنتجين والمستهلكين يتشاركون في مصالح مشتركة ، بين أهداف أوبك 22 دولار ، 28 دولار للبرميل ، يبدو معقولاً ، والأسعار تربو على ذلك بعض

الشيء حالياً ، على الرغم من أنها بعد تعديلها لأخذ التضخم بنظر الاعتبار ، أقل مما كانت عليه في الفترة الممتدة بين عامي 1973 – 1985م 0

ويضيف صامو يلسون : ” بأن أوبك الكارثل الذي نحب أن نكرهه ، عبر الاعتراف بأنه يتعين علينا أن تكون لنا أجندة مشتركة ، وعلى فرض أن أوبك ستظهر ضبطاً مشابهاً

للنفس ، بعدم محاولة تحريك النفط إلى 40 أو 45 دولار للبرميل ، فإن ذلك سيكون تحالفاً قيماً 0

ولسوء الحظ ، فإن ذلك له حدود 0 فنحن مازلنا بحاجة إلى أن نملأ الاحتياطي الاستراتيجي من البترول إلى ما فوق هدف 700 مليون برميل ، إلى بليون برميل أو أكثر 0

ويشكل هذا ضمانة حصينة ضد الرعب النفطي الأقصى ، الذي على الرغم من أنه لم يقع ، ولكن لا يزال عموماً حتى نكون واضحين من الناحية الاستراتيجية ، خطورة الارتفاع لأسعار النفط

، تماثله خطورة أخرى في حالة انهيار أسعار النفط 0 ففي (FP) عدد يناير – فبراير 2004م تقول : إن النفط والغاز يمثلان 20% من اقتصاد روسيا ، و 55% من أرباح صادراتها ، و

40% من إجمالي دخلها الضريبي وروسيا هي ثاني مصدر للنفط بعد السعودية ، كما أن باطنها يختزن 33% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم 0 وتمد أوربا بــ 30% من احتياجاته

من الغاز 0 وانهيار أسعار النفط عام 1998م أدى إلى انهيار اقتصادي في روسيا 0 ونضيف هنا لو استمر الانهيار الاقتصادي في روسيا لأكثر من سنة كاملة لأدى ذلك إلى عودة الحرب

الباردة مرةً أخرى ، أو لا سمح اللّه إلى حرب عالمية ثالثة  0

وكذلك ذكرنا العنصر الخطير الآخر الذي انقذ أسعار النفط ، أتى من الجانب الآخر للمحيط الأطلسي ، وهو عندما بدأ منتجي النفط الأمريكان بالتحرك ، وذلك بسبب انخفاض

أسعار النفط ، أدى ذلك إلى كساد في صناعة الهايدروكاربون في الولايات المتحدة ، وذلك مما حدى إلى جماعة الضغط الأمريكان ، بالضغط على ممثليهم في الكونجرس ، بالضغط على

الحكومة الأمريكية ، لكي تمارس ضغطها على المنتجين الأجانب ، لكي يقوموا ببعض الآليات التي تؤدي إلى رفع سعر نفطهم في السوق الدولية ( راجع مقالة لنا في العدد 275 يناير

2002م ، مجلة المستقبل العربي ) 0

ويقر بعض المحللين الأمريكان بأنه منذ عام 1999م نجحت أوبك بشكل متزايد في تحديد أسعار النفط ، ولم يحدث ضرراً بسبب اضطرابات سوق النفط منذ الأزمة الأخيرة

المذكورة أعلاه 0

ولكن التحدي 00 هل يستمر هذا الاستقرار النفطي أم لا يستمر ؟  0

من الممكن أن نجيب على ذلك من خلال مقالة مقنعة نشرت في (The Daily Star Februnry 28.2004) للسيد إبراهيم مراسل صحيفة (New York Times)

ومحرر صفحة الطاقة في صحيفة (Wall Street Journal) سابقاً ، ما قاله السيد إبراهيم : الشركات الأمريكية النفطية الكبرى لم تعد مسيطرة على صناعة النفط في العالم باستثناء

شركة (Exxon Mobil) 0 فبسبب الأسلوب العدائي الذي استخدمته أمريكا ضد الشرق الأوسط منذ أكثر من عقدين من الزمن افقدها الكثير من المناطق الهايدروكاربونية الاستراتيجية

عالمياً مثل : إيران وليبيا والعراق قبل الاحتلال00إلخ0

واستغلت الشركات الأوربية فرصة خروج الشركات الأمريكية أو طردها من بعض دول المنطقة أحسن استقلال مثل : شركة (Totalfina ELF) الفرنسية ، و (ENI)

الايطالية ، و (SHELL) و (BP) البريطانية ، و (Statoil) النرويجية ، و (Repsol) الاسبانية ، وشركة ارامكو السعودية 0

كل الشركات العالمية المذكورة أعلاه حلت محل الشركات الكبرى الأمريكية في منطقة الخليج والشرق الأوسط 0 ومن هنا يرى بعض المحللين ، ربما أن مجالس إدارات

الشركات الكبرى ضغطت على المحافظين الجدد لكي يحتلوا العراق ، وذلك سيسهل على الأمريكان تفكيك تحالفات أوبك ويصبح وجود الأمريكان في المنطقة يمثل أمراً واقعاً 0

وبالفعل حدث أن أمريكا استطاعت أن تحتل العراق خلال فترة زمنية قصيرة جداً، ولكنها منذ احتلالها العراق لم تستطع أن ترسخ الاستقرار في العراق ، والاستقرار سيساعد

الأمريكان على تنفيذ استراتيجيتهم النفطية في العراق والمنطقة ، ولكن الأمريكان قاربوا منذ احتلالهم العراق إلى سنة كاملة ، ولكن لم يستطيعوا أن يعيدوا إنتاج العراق النفطي حتى إلى

مرحلة قبل الاحتلال وهي المرحلة التي كانت العراق محاصرة فيها أصلاً  0
أما بالنسبة للسعودية ، فتحاول أن تبحث لها عن أسواق نفطية جديدة غير الأمريكان ، وخاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر كانت الاستراتيجية الأمريكية ما بين خيارين ، إما احتلال

السعودية وبعد ذلك الذهاب إلى العراق ، أو احتلال العراق وتطبيق الاستراتيجية الأمريكية التي تنفذ على العراق على المملكة العربية السعودية ، ولكن نستطيع أن نقول شيئاً إلى أن نرى ما

ستنتهي عليه الاستراتيجية الأمريكية في العراق 0 وكذلك مناطق نفطية أخرى تشعر بعدائية الاستراتيجية الأمريكية ضدها مثل فنزولا ، وإيران التي صنفت من ضمن محاور الشر (

Axisofevil) 0

الصدمة الحقيقة التي واجهتها أمريكا هي عندما رفض مجلس الحكم العراقي (المعين أمريكياً ) خصخصة قطاع النفط ، بالرغم من أنهم وافقوا على خصخصة جميع

القطاعات الاقتصادية الأخرى أمام الاستثمارات الأجنبية 0 والصفعة الثانية التي تلقتها الإدارة الأمريكية هي عندما قامت السلطات الروسية بسجن المستثمر الروسي خودوروفوسكي رئيس

شركة (Yukos) لأنه كان مخططاً لبيع معظم أصولات الشركة الروسية إلى شركة (Exxon Mobil) الأمريكية 0

بخسارة أمريكا لامتيازاتها النفطية في الشرق الأوسط ، ذلك يجعلها تخسر مناطق احتياطيات نفطية سيطرت أمريكا على امتيازاتها منذ أكثر من 70 عاماً  0

المشكلة الأمريكية ليست الدول المنتجة فحسب ، ولكن المنافسين الصاعدين في الاستهلاك النفطي مثل : الصين والشرق الأقصى الآسيوي ، وجنوب شرق آسيا ، والاتحاد

الأوربي 0 فمثلاً معظم نفط الخليج العربي : السعودية والعراق وإيران والإمارات العربية المتحدة يسوق لآسيا ، والأغرب من ذلك ان انخفضت الصادرات السعودية إلى أمريكا من 25% من

صادرات السعودية قبل أحداث أيلول الأسود الأمريكي ، إلى 10% الآن فقط من الصادرات السعودية النفطية إلى أمريكا  0

والخلاصة ، الاستراتيجية الأمريكية القصيرة المدى لابد لها من البحث عن مناطق نفطية جديدة ، لاسكات الشركات الأمريكية ، فرأي السيد إبراهيم : بأنه من أفضل الحلول

لأمريكا على المدى القصير هو إعادة العلاقة مع ليبيا ، رغم كل ما قالته أمريكا سابقاً عن ليبيا ورئيسها العقيد معمر القذافي مثل : (1) بأنه نظام مطلق وعديم الرحمة (2) وبأنه فجر طائرتين

مدنيتين إحداهما أمريكية والأخرى فرنسية وقتل الكثير من الأبرياء (3) وبأنه قضى على الإمام الصدر زعيم شيعة لبنان السابق (4) وبأنه قتل المعارض الليبي منصور كيخا (5) وبأنه قتل

واعتقل الآلاف من مواطنيه عندما يطالبون بحقوقهم السياسية 0 وبقدرة قادر تغيرت السياسة الأمريكية نحو ليبيا0 لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل السياسة الأمريكية تغيرت نحو ليبيا أم

أمام اغراءات النفط الليبي ؟ 0

وفي الختام في رأينا الشخصي بأن الاستراتيجية الأمريكية في ليبيا تعتبر قصيرة المدى ، والاستراتيجية الأمريكية في دول مجلس التعاون متوسطة المدى ، والاستراتيجية

الأمريكية في العراق طويلة المدى 0 فهل نستوعب أصول اللعبة ؟ 0 وللمهتمين ، من الممكن مراجعة ندوة لنا قدمناها في جامعة قطر في خريف 2003م وقامتا صحيفتي الراية والوطن

مشكورتين بتغطيتها تغطية كاملة ، وكذلك ستنشر كلية الإنسانيات في أواخر ربيع 2004م كتاباً يحتوي على ندوات الكلية ومن ضمنها دراستنا الموسومة : ( جدلية الاستراتيجية الأمريكية في

الشرق الأوسط ) 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

المكياج السياسي الأمريكي للدول النامية

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

عندما نتحدث عن المكياج السياسي الأمريكي ، بالطبع لا نقصد به آليات تداول السلطة ، سواءً كان في أمريكا ، أو الدول المتقدمة الديمقراطية ، وإنما نقصد به المعايير التي تضعها أمريكا لآليات تداول السلطة في العالم النامي 0

فأمريكا عالمياً ، تتظاهر بأنها هي الدولة المسؤولة في هذا الكوكب ، عن تطبيق الديمقراطية ، وعدالة توزيع الدخل ، وتوفير الأمن للإنسان ، وصيانة حقوقه ، ولكن من الناحية الفعلية ، فأمريكا تستخدم كل ذلك ، كغطاء لتحقيق استراتيجيتها الكونية الأحادية 0

فمثلاً تذكر (Daily Star. February 28,2004) : بأن الرئيس بوش الأبن عندما زاره أحد زعماء العالم النامي قال عنه : أن دولة الضيف مهمة في مساعدة أمريكا ضد الارهاب ، ودولة الضيف تعتبر دولة رائدة في الديمقراطية والحرية في منطقة الشرق الأوسط 0 طبعاً الأجهزة الإعلامية المرافقة للضيف ركزت على الجزء أعلاه مما قاله الرئيس بوش ، ولكنها ضللت أو تحاشت ذكر النصائح التي وجهها بوش لضيفه مثل : على الضيف أن يعطي الأجهزة الإعلامية الوطنية الفاعلية والحرية الكاملة ، وأن تكون آليات العمل السياسي في وطن الضيف مفتوحة للجميع  0

الآن نريد أن نقدم هذا السؤال للقارئ الكريم : أي جزء من خطاب بوش الأبن ذو مصداقية أكثر ، الجزء الأول أو الثاني 0

طبعاً نريد أن نريح القارئ الكريم قليلاً ونستعين بمقالة كيل لابيدي في (Daily Star) : مصداقية إدارة بوش الأبن تناقصت ليس في العالم العربي فقط ، ولكن حتى في الولايات المتحدة الأمريكية 0 إذاً الجزء الثاني الذي ذكره بوش أعلاه هو لتعديل صورته أمام منظمة حقوق الإنسان الأمريكية ، ومنظمة العفو الدولية ، ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى ، والمنظمات الدولية لحماية الحريات الصحفية في العالم 0 ونضيف إلى ذلك بأن الرئيس بوش يحتاج الآن لابتكار الكثير من الأساليب الجديدة لتحسين صورته أمام الناخبين في نوفمبر 2004م  0

وهذا يعطينا بأن النظرية التي يؤمن بها المحافظين الجدد في الثورة العالمية من الناحية الظاهرية ، هو على رؤساء العالم النامي أن يطبقوا الديمقراطية التجميلية أو كما يسميها الغرب (Cosmetic Changes) ، أما من الناحية الفعلية فالمطلوب منه أن يساعد أمريكا في الحرب ضد الأرهاب الإسلامي ، ( الحرب الغير محددة المعالم ) ، وعليه أن يعترف بدولة إسرائيل ، وأن يقر بالشرق الأوسط الكبير تحت قيادة إسرائيل0 وإذا استطاع الزعيم في العالم النامي أن يطبق المتطلبات الأمريكية الظاهرية والفعلية ، فليس عليه حرج أن يفعل ما يشاء بشعبه  0 وذلك يعطي بعض زعماء العالم النامي ممارسة الفساد المطلق ، كما تقول الصحافة العالمية : فيحكم الدولة من خلال جهاز مخابرات فاسد وقوي ، وذلك يعطي الزعيم السلطة المطلقة في توظيف من يحب من أقاربه وأصدقائه ، وليس ذلك في السلطة التنفيذية فقط ، بل يمتد إلى السلطة التشريعية ، سواءً كانت منتخبة أو معينة ، بحيث يعمل لها عملية ادركسترية لا مجال لشرحها الآن ، يجعلها تتناغم في الألحان والتأليف والأهداف ، مع السلطة التنفيذية ، ويؤسفنا أن نقول بأن نفس هذا الفساد يمتد أحياناً للسلطة القضائية، والأجهزة الإعلامية بجميع أشكالها المختلفة  0 وبعد السيطرة على سلطات الدولة الأربع ، يقوم الزعيم الفاسد وبطانته بالسيطرة على جميع مراكز الاقتصاد الاستراتيجية من حيث مدخلاته ومخرجاته 00 وما تبقى 00 يترك للدهماء لكي يتعايشوا عليه  0 أما بالنسبة لقوى المعارضة ، فهذا البند ملغي اطلاقاً من دولنا في العالم النامي 0 إذاً00 ألا تتفقوا معنا بأن الديمقراطية الأمريكية للعالم النامي تعتبر نوع من المكياج السياسي الأمريكي ؟  0

الآن ربما هناك سؤال يطرح نفسه لبعض القراء الكرام : ما هي الأيديولوجية التي تحكم بها معظم دول العالم النامي ؟ 0

إذا سمحتم لنا بالإجابة : فالأيديولوجية السياسية في معظم العالم النامي ليست كما هي موجودة في الدول المتقدمة مثل : وجود المدارس الأيديولوجية المختلفة المحافظين ، والعمال ، والليبراليين ، والتيوقراطيين 00 إلخ 0 وكل مجموعة يوجد بها المعتدل ، اليمين ، واليسار ، وكذلك المتطرفين  0 ولكن للأسف الشديد معظم العالم النامي لا توجد فيه مذاهب سياسية محددة ، ولكن عندما يوفق الزعيم ويصل إلى قمة الهرم دائماً يذهب إلى مدرسة التكيف السياسي ، وذلك من خلال استخدام مصطلح بأن السياسة : ( هي فن الممكن )  0 ومن خلال فن الممكن يتكيف الزعيم الجديد مع الأوضاع السياسية المحلية والإقليمية والعالمية ، ولا يغير هذا التكيف إلا عندما يكون هناك شيئاً يهدد كرسيه ، فيحاول أن يبحث له عن تكيفً آخر من خلال فن الممكن  0

وذلك يذكرنا بما قاله سيرجيو برنيسز تاين عن السياسة البيرونية القديمة في الأرجنتين ، وذلك من خلال التالي : ” لم تكن البيرونية أحادية 0 لقد كانت حركة عنيفة غير منظمة ومتعددة التوجهات الفكرية ، وهي بذلك عكست الأحداث الجارية في أوربا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ”  0

إذاً ألا تتفقوا معنا بأنه بالفعل عالم غريب  0

أما بالنسبة لآراء الآخرين ، فيقول جورج سورس صاحب كتاب ” فقاعة التفوق الأمريكي ” : بأن أمريكا ليس مطلوباً منها دائماً استخدام تفوقها العسكري ضد الحكام المارقين ، والدول المارقة ، بل أساليب الضغط تأتي أحياناً بنتائج إيجابية أكثر من القوة الامبريالية ، فمثلاً نجد وسيلة الضغط في كثير من الأحيان مناسبة 0 فعندما سجنت السلطات المصرية سعد الدين إبراهيم عام 2000م بتهمة قبول دعم مالي خارجي غير مصرح به ، ردت الولايات المتحدة بتجميد مجموعة إضافية من المعونات لمصر 0 وفي النهاية ، برأت محكمة النقض المصرية إبراهيم في مارس 2003م ، مؤكدة بذلك حرية التعبير وحرية تلقي الأموال من الخارج  0

وللعلم بأن الحكم الذي كان صادر على سعد الدين إبراهيم قد مر بمراحله القضائية الثلاثة في مصر ، وهما : المحكمة الابتدائية ، والاستثنائية ، والنقض ، وجميعهم أقروا الحكم الذي أصدر ضد سعد الدين إبراهيم  0

ما ذكر أعلاه ، نوجهه لكثير من القائمين على القانون في عالمنا المتخلف عندما يعتبرون أحياناً أن لائحة قانونية وكأنها حكم قضائي مقدس مع أنها لائحة قانونية قابلة للتغيير في ظل الظروف المتغيرة في المجتمع ، ويأتون عند حكم قضائي قانوني نهائي وكأنه لم يكن 00 ألا تتفقوا معنا أيها القراء الكرام بأننا نعيش في مسخرة إدارية في العالم النامي  0

أما آخر تصاريح السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة ، وذلك من خلال تصوره لتغيير مفهوم سيادة الدولة القديم ، فيقول : إعادة تحديد سيادة الدولة ، بشكل أساسي ، تحت تأثير قوى العولمة والتعاون الدولي 0 إن الدولة أداة لخدمة شعوبها ، والعكس ليس صحيحاً 0 وفي الواقع يضطلع قادة الدول التي تتمتع بالسيادة بمسؤولية حماية مواطني الدولة 0 وعندما يعجزون عن ذلك ، تتحول هذه المسؤولية إلى المجتمع الدولي 0 فغالباً ما يكون الاهتمام العالمي حبل النجاة الوحيد المتاح للشعوب المقهورة0

فما قاله السيد عنان أخيراً ، يعتبر خلاصة النظرية التي ينادي بها السيد بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، ومنافسه كيري مرشح الديمقراطيين : فهل يصدق الثلاثة بالفعل لايجاد كوكب يعم به السلام والمساواة والأمن والعدل ؟  الإجابة نتركها للزمن  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

المصلحة وفن اللعبة السياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

تحدثنا كثيراً ، وكذلك تحدث الكثير من زملاءنا عن فن صياغة المصلحة في كل لعبة سياسية تريد أية دولة في العالم لعبها ، أو الوساطة فيها ، أو حضور اجتماعاتها، أو

حتى في عملية الامتناع عن التصويت عليها سواءً بالإيجاب أو السلب، وخاصةً في المنظمة الدولية  0 وربما المتابع إلى لعبة شد الحبل ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في

مجلس الأمن يجد بأن الصين إذا أرادت رفع عقوبات اقتصادية عنها أو بعض التسهيلات من الولايات المتحدة ، دائماً تستخدم مبدأ ” أزمة عند البعض تساوي فرصة للآخرين ”  ، فعندما

تكون الولايات المتحدة في أزمة دولية وتريد اصدار مشروع قرار يجيز لها استخدام جميع قواها بما فيها آلاتها القمعية الأمبريالية الفتاكة للوصول إلى أهدافها  ، في هذه اللحظة تتم

مفاوضات تحت الطاولة ما بين الولايات المتحدة والصين ، على أن تقدم الولايات المتحدة بعض التسهيلات للصين أو ترفع عنها بعض العقوبات مثل ( العقوبة التي تعرضت لها الصين

بسبب القمع الدموي لطلابها في ساحة تيانا نمين ) كيسنجر ص 139 ( مقابل أن تمتنع الصين عن التصويت ضد القرار سواءً بالإيجاب أو السلب 00 في هذه الحالة يستطيع كلا من

الطرفين تحقيق مصلحته من خلال اللعبة الدولية  0

ولقراءة مفهوم المصلحة واللعبة السياسية ، ربما كان من الأسئلة المدهشة التي القاها أحد الصحفيين على البارونة مارجريت تاتشر أحد أبرز السياسيين المحافظين في

النصف الأخير من القرن العشرين  0 وكان فحوى السؤال يدور حول التالي : بعد أن احتل العراق الكويت في أغسطس عام 1990م ، كان موقف تاتشر عنيف بشكل كلي ضد العراق  فسألها

أحد الصحفيين على ما نذكر بإنك قلتي في فترة الحرب العراقية الإيرانية في الفترة ما بين 1980م – 1988م بأن العراق حليف للمملكة المتحدة في هذه الحرب ، وبعد أن اعتدى صدام على

الكويت قلتي بأن صدام أكبر عدو للمملكة المتحدة وللإنسانية جمعاء ؟  0

فقالت البارونة تاتشر When talk politics, we talk about our Intrest my dear   وترجمة ذلك يعني ” عندما نتكلم في السياسة ، نتكلم أين توجد مصالحنا يا

عزيزي ”  0

هناك الكثير من النماذج في القرن التاسع عشر عن مبدأ المصلحة في اللعبة السياسية وهي تمثل التالي :

1- مملكة سردينا دخلت حرب القرم ضد روسيا لكي تحصل على تعاطف بريطانيا وفرنسا ( سليم ص 117 ) 0
2- روسيا رغم العداء الكامن بينها وبين بريطانيا ، ولكن لكي تتحقق مصلحة روسيا في آسيا الصغرى ، عرضت على بريطانيا في عام 1853م تقسيم الدولة العثمانية ، بحيث

تأخذ روسيا البسفور وتحتل الآستانة مؤقتاً ، بينما تأخذ بريطانيا مصر وجزيرتي قبرص وكريت ( سليم ص 112 ) 0
3- سؤال دائماً يطرح في الفلسفة السياسية : إذا كان من المفهوم سبب تدخل بريطانيا في الحرب الروسية العثمانية، فما الذي دفع فرنسا إلى التدخل في تلك القضية؟

الإجابة : لأن مصلحة فرنسا ستتضرر ، فروسيا كانت تريد انهاء امتيازات الرهبان الكاثوليك في فلسطين وهم يتبعون فرنسا ( سليم ص 113 ) 0

أما بالنسبة لهذا العصر فتوجد دولة كونية واحدة ، ولكي تحافظ على هذه المكانة، فعليها أن تستخدم جميع أوراق اللعبة للمحافظة على مصلحتها سواءً كانت اقتصادية ، أو

سياسية ، أو حتى لو كانت عسكرية مثل ما قال بوش الابن في خطاب حال الاتحاد 2003 بأنه سيستخدم قوة الولايات المتحدة العسكرية وعظمتها كلها في حرب ضد العراق ( الوطن العدد

2706 ) وهذه القوة سوف تستخدم ضد أية دولة في العالم تريد أن تعرقل الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة الأمريكية ، وإن كانت ستوزع حصص من المصالح على دول الشمال

والشرق الأقصى إذا قبلوا أن تنفذ الولايات المتحدة استراتيجيتها الكونية ( راجع آل ثاني ، فهد ، الأهرام العربي العدد 286 ، والراية العدد 4797 )  0

ونجد الدراسة والمقالة المذكورتين أعلاه يركزان على الاستراتيجية الأمريكية في إعادة تقسيم المنطقة ، ويؤكد ذلك خطاب حال الاتحاد 2003 ، حيث كانت أكثر من 60% من

مادة الخطاب مركزة على ضرب العراق ، كعقدة الرزمة إذا انحلت ، انحلت الرزمة بأكملها ( وللتأكد ابحثوا في التاريخ عن أسباب انهيار الدولة الفارسية ، والرومانية ، والإسلامية ؟  ) 0

أما بالنسبة لرفاهية وسعادة المواطن الأمريكي فلم يعطه السيد الرئيس حتى 5% من مساحة خطاب حال الاتحاد ، علماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية تصل نسبة البطالة فيها

إلى أكثر من 10% من القوى العاملة ، أي أكثر من 20 مليون مواطن أمريكي عائشين على خط الكفاف ، وهؤلاء عددهم أكثر من عدد مواطني دول مجلس التعاون الخليجي 0 والمدهش في

الأمر شريحة كبرى من الشعب الأمريكي تعاني من الفقر ، وأمريكا واضعة برامجاً لحشد 100 مليار دولار لضرب العراق ، وتدمير بنيته التحتية ، وبعد ذلك 75 مليار دولار لإعماره في

المرحلة الأولى بعد الحرب  0

الأمر الجيد ، ويخدم المنطقة ، بأن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة تتعارض مع مصالح قوى عالمية أخرى ، فنجد دولاً مثل : روسيا وفرنسا وألمانيا والصين ترفض رفضاً

باتاً الاعتداء الأمريكي على العراق ، ونحن كمواطنين شرق أوسطيين نقدر من ناحية عاطفية هذا الموقف الدبلوماسي من الدول المذكورة  0

ونجد هذه الدول موقفها أفضل من موقف الدول العربية إزاء الأزمة العراقية ، ونجدها بادرت بحث الدول العربية لعقد اجتماع ودعم الموقف الفرنسي والألماني والروسي

والذي يصر على استخدام نص القرار 1441 ، وهو بأن الحرب غير حتمية 0 وهذا لا يعني أن استخدام القوة غير وارد في مرحلة ما ، لكن علينا استنفاد كل الهوامش الممكنة لمهمة

المفتشين الدوليين الهادفة إلى نزع أسلحة الدمار الشامل واحلال السلام ، والطلب من العراق بذل أقصى جهود التعاون 0 ( الشرق الأوسط ، العدد 8844 ) 0

ونحمد اللّه بأن التشجيع الفرنسي رفع من عزيمة العرب ولو حتى القليل ، وذلك جعل وزراء خارجية العرب في 16 فبراير 2003م يصدرون قرار جماعي يرفضون أي اعتداء

أمريكي على العراق ، ويرفضون أية تهديدات عراقية ضد الكويت ( قنا 16/2/2003م ) 0

ولكن الأمر الغريب بأن رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي قال في منتصف فبراير 2003م بأن الولايات المتحدة ستحظى في حال وقوع الحرب ضد العراق بدعم جميع دول

الخليج تقريباً 0 وأضاف أن كلً من هذه الدول قالت لنا على حدة أنها مستعدة للمساعدة ، باستثناء واحدة 0 وقال أن صيغة بإستثناء واحدة ترمي للسماح للدول المعنية بأن تنفي عند

الاقتضاء دعمها لأي تحرك عسكري ( الوطن ، العدد 2723 ) 0

والذي يثير استغرابنا هنا بأن الدول العربية التي أعطت أمريكا الضوء الأخضر لضرب العراق عندما طلبت أمريكا منها ذلك ، ورفضت أن تضرب أمريكا العراق عندما طلب

التحالف الثلاثي العالمي ( فرنسا وألمانيا وروسيا ) ذلك  0

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي استراتيجية المصلحة في اللعبة السياسية بالنسبة للعالم العربي ، أو للعالم الإسلامي ؟ 0

وفي الختام نرجو أن تجيبنا الجامعة العربية ، أو منظمة المؤتمر الإسلامي ، أو الاتحادات الإقليمية الصغرى العربية والإسلامية على هذا السؤال الأخير  0 لأن الإجابة عليه

بالنسبة لنا كأكاديميين وباحثين وكتّاب ومفكرين وإعلاميين 00 إلخ ، سوف يسهل وضع برامجنا وخططنا ومساهماتنا ضمن الإمكانات والاستراتيجيات العربية والإسلامية  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

العولمه ودولة الرفاهية الاجتماعيه

بسم الله الرحمن الرحيم

27/12/2005

أعتقد ، من أفضل التعريفات التي استطعنا الحصول عليها للمصطلح أعلاه هو ما قاله د. الكيالي وآخرون :

مصطلح يشير إلى قيام الدولة بتقديم خدمات وتأمينات اجتماعية ومعونات إلى أفراد المجتمع بما يحقق ارتفاع مستوى المعيشة أو ضمان حد أدنى لها . وينطلق هذا المفهوم من حق كل إنسان في الحياة الكريمة ومن نظرة اجتماعية وإنسانية قوامها وجود رابطة قوية بين رفاهية الأفراد ورفاهية المجتمع .

وتشمل الخدمات والتأمينات في دولة الرفاهية : التعليم ، الصحة ، مستوى من الدخل ، توفير العمل ، والتأمين ضد العجز والشيخوخة ، على سبيل المثال لا الحصر . ولا تعتبر دولة الرفاهية دولة اشتراكية بالضرورة على الرغم من وجود سمات مشتركة ( كيالى وآخرون ، الجزء الثاني ، ص 713 ) .

أنواع دولة الرفاهية :

أ  – الدول الصناعية المتقدمة :

ذلك يمثل ثورة تراكمية منذ بداية عهد الثورات الصناعية وما واكبها من نضج سياسي واقتصادي واجتماعي وقانوني . وكانت نتيجة ذلك بروز الشخصية المعنوية لمفهوم الدولة الويستفالية ، وبروز دور مؤسسات الدولة ، والتي تستمد سلطتها من الشعب من خلال نصوص دستورية محكمّة وليست هولامية ، وكذلك الممارسين لسيادة الدولة في السلطة التنفيذية والتشريعية يتم اختيارهم شعبياً من خلال مسمى الديمقراطية الغير مباشرة ، والسلطتين المذكورتين يكون لهم دور كبير في تحديد شخصية السلطة القضائية إلى أن يتم لها البروز المستقل عن باقي السلطات ، وفي النهاية استطاعت هذه المجتمعات إيجاد ما يسمى الفصل ما بين السلطات مثل : ما هو الآن النظام الذي يحكم العالم ، واقصد هنا النظام الأمريكي ، أو ما يسمى النظام البرلماني مثل بريطانيا ونظام الجمعية, مثل سويسرا والذي لا يوجد فيه وضوح كامل للفصل ما بين السلطات من الناحية النظرية ، ولكن الأهم من ذلك وجود المجتمعات المدنية المستقلة وذات الإرادة الكاملة مثل : الأحزاب السياسية ، والنقابات ، والتنظيمات السياسية والاجتماعية والخيرية الأخرى !! .

وصراحةً مهما اختلفنا مع أوربا وأمريكا ، ولكننا نستطيع أن نرى الدولة التي تستمد سلطتها من الشعب ، وأستطيع أن أزف إليكم مثلاً معاصراً وبسيطاً جداً ، فسياسيين فرنسا حاملين حلم الاتحاد الأوربي ولهم مساهمات كبيرة في كتابة وصياغة الدستور الأوربي ، والشعب الفرنسي هو الذي رفض الدستور الأوربي ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يحدث ذلك في فرنسا رغم أن قاداته المنتخبين شعبياً هم الذين كتبوا وصاغوا الجزء الأعظم من الدستور الأوربي ؟ .

الإجابة : سهلة وبسيطة ومختصرة ، هو لأن الشعب الفرنسي شعباً يملك إرادته !! .

وخلاصة القول ، استطاعت الإرادة الشعبية في الغرب من إيجاد دولة تمتلك جميع مقومات السيادة وهي :

أولاً :      المحافظة على أمن الدولة في الداخل ، وصد الاختراق من الخارج .

ثانيــاً : عدالة توزيع الدخل .

ثالثــاً : عدالة توزيع الوظائف .

رابعاً : الشفافية الإدارية والاجتماعية والسياسية والمالية الكاملة .

خامساً : حسم النقاط الخلافية من خلال استفتاء دستوري ، والنتيجة إيجاد دولة رفاهية من دون مساومة مثل :

(1)   توفير الحد الأدنى من الخدمات والمرافق الأساسية التي تصون كرامة الإنسان مثل : السكن ، والصحة ، والتعليم ، والترفيه .. إلخ .

(2)   أجور الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل ، وللطلبة ، وللمتقاعدين ، ولكبار السن ، وللعجزة من دون أي تمييز بين الجنسين .

ب : دولة الرفاهية في دول العالم النامي :

صراحةً لم نستطيع أن نجد الصورة الكاملة لدولة الرفاهية في العالم النامي باستثناء بعض النماذج في الدول ذات الموارد الطبيعية الكبيرة مثل الهايدروكاربون . فالدول النامية وخاصة الدول العربية الهايدروكاربونية تمتلك الهايدروكاربون ملكية مطلقة ، وهذا أعطى هامش كبير من المساومة للدول الهايدروكاربونية للابتزاز السياسي وهو من خلال توفير الحد الأدنى من بعض الخدمات والمرافق والإعفاء من ضريبة الدخل ، وتخفيض الضرائب الأخرى مقابل عدم مناقشة مركزية الدولة ، والتي نستطيع أن نصورها بدولة الفرد وهذا المصطلح أعتقد هو أسوأ من كلمة الدولة الشمولية ، لأن مفهوم الدولة الشمولية متمركزة إما في حزب سياسي مركزي مطلق مثل الأنظمة الشمولية في حلف وارسو ، ودول الكوميكون الاشتراكية ، ولكن هذا النموذج طور بطريقة أسوأ في دولنا العربية بحيث تدريجياً انتقلت سلطة النظام الشمولي العائلي أو العسكري من جماعة محددة مسيطرة على السلطة إلى أفراد محددين لهم السيطرة المطلقة من خلال السيطرة الكاملة على النظام الاقتصادي والنظام الأمني ، وللأسف نتيجة ذلك ولد في الشرق الأوسط شيء من اللامبالاة السياسية والوطنية خاصة ما بين معظم الشباب ، وأقصد هنا الأجيال الأقل من 30 سنة !! . وهروب الأجيال التي تحطمت أحلامهم أمام بوابات السلطة الشرق أوسطية وفسادها ، فمثلاً الوطن العربي إذا كان بالإمكان أن تسمحوا لنا بتسمية العالم العربي وطناً يساهم بثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية ، وحيث يشكل الأطباء منهم 50% والمهندسين 23% والعلماء 15% ، وأشارت بعض التقارير إلى أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم . وقد بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة العقول في عقد السبعينيات 11 مليار دولار والآن ضعف هذه الإحصائية عدة مرات . وخلاصة القول أن هجرة الأدمغة تؤدي إلى تأمين في فترة مؤقتة مليارات الدولارات من العملة الصعبة إلى البلدان الأصليين المهاجرين منها ، وتساهم في تحسين الوضع الاجتماعي للعائلات الفقيرة بالذات ، ومع بعد هذه الكفاءات عن اوطانهم الأصلية ، يعني أيضاً توسيع الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة .

ونتيجة هجرة الكفاءات العربية هو القضاء على البصيص المتبقي من الأمل في آخر النفق ، لأن ذلك سيؤثر على أية برامج عربية مستقبلية للتنمية العربية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، ولذلك لابد لنا من إيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة تمهيداً لوقفها !! ( الشرق الأوسط (9836) 0

السؤال الذي يطرح نفسه لو قامت الدول العربية الغنية باستعادة مبالغها المستثمرة في الدول الأجنبية وهي أكثر من 2 تريليون دولار ، وتم ضخها من خلال برامج محكمة في العالم العربي والإسلامي : هل تعتقدون سنخسر الكفاءات العربية المهاجرة إلى الغرب ؟ هل تعتقدون أنه سيكون عندنا في العالم مؤشر البطالة السافرة أكثر من 30% ؟ ومؤشر البطاله المقنعه أكثر من 50% 0

السادة الأفاضل الآن سنقول لكم شيئاً ربما يشكل صدمة لكم , وهو عندما أقول لكم أن دول الرفاهية التي نحن قادمين منها ، وتشكل حلم معظم الشباب العرب للهجرة إليها ، وهي تمثل دول مجلس التعاون الخليجي العربي متوسط مؤشر البطاله بها 15% ,و يوجد بها ما يقارب من 15% إلى 35% من البطالة ما بين الشباب الأقل من 30 سنة !! . والمشكلة الحقيقية ليست بسبب عدم وجود رؤوس أموال لضخها لهندسة برامج تنموية يكون انعكاسها امتصاص الشباب الخليجي العاطل عن العمل ، ويكون هناك نمو متوازي ما بين البرامج الاقتصادية وتوظيف الأيدي العاملة الجديدة ، ولكن الكارثة هو عدم وجود البرامج أصلاً . والمشكلة الثانية هو وجود العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي التي تصل نسبتها ما بين 70% إلى أكثر من 95% من الأيدي العاملة في بعض الدول الخليجية وخاصةً القطاع الخاص ، وإن يكن الطفرة النفطية وعائدات البترودولار ساعدت بعض الدول الخليجية مثلاً : المملكة العربية السعودية على تأهيل العمالة السعودية للاتجاه إلى القطاع الخاص من خلال التدريب في كليات التقنية ، والمعاهد الصناعية ، والمعاهد التجارية ، والمعاهد الزراعية ، ومعاهد المراقبين الفنيين ، ومراكز التدريب المهني ، والنتيجة انخفضت قيمة تحويلات الأجانب من الناتج المحلي السعودي بحيث في عام 1994م بلغت 10% من الناتج المحلي ، وانخفضت تحويلات الأجانب إلى خارج السعودية عام 2004 – 2005م إلى 8.3% من الناتج المحلي !! .

ولكن المشكله الخليجيه الحقيقيه ليست التاثيرات الاقتصاديه للايدي العامله الاجنبيه فقط!0 لان لوقسنا التحويلات لهذه العماله الاجنبيه في عام 2005م لوجدناها لاتتجاوز 6% من النتاج المحلي الخليجي وخاصه هذه السنه بسبب الطفره النفطيه0

ولكن المشكله الحقيقيه التي نادى بها معظم الباحثين العرب لسنوات , ولكن اخيرآ اعترفت بها دول الخليج على المستوى الرسمي, وذلك في 23نوفمبر2005م في مؤتمر وزراء العمل لدول الخليج العربيه بحيث اقر وزراء العمل الخليجيين بأن الخليج مهدد بالمخاطر التاليه:

1-         ان المنطقه قد تتعرض لتغيير سكاني اثني بشكل كبير اذا مافرضت اتفاقيات على المنطقه لتوطين العماله الاجنبيه وذلك وفق ماتنادي به المنظمات الدوليه في اطار سعيها لتحقيق العولمه في مجال الموارد البشريه وتوطين العماله المهاجره , علمآ بأن العماله الاجنبيه تصل نسبتها الى مايقارب 50% من سكان الخليج العربي , واكون مندهش بطريقه كبيره عندما اتذكر العبارات العنصريه التي ينطق بها العنصريين في اوربا وخاصه في المانيا وفرنسا بأن دولهم تنتحر اثنييآ ونسبة الاجانب لاتزيد عندهم على 10%0 اذآ ماذا نقول نحن في دول مجلس التعاون الخليجي؟!0(www.df-althani.com)

2-                          من الناحيه الاجتماعيه تأثيرها على الهويه الثقافيه العربيه الاسلاميه0

3-                          من الناحيه الاسترتيجيه تأثيرها على الامن وعلى السياده الوطنيه0

وكانت التوصيات في الاجتماع اعلاه :

1-   تحديد مهله للعامل الاجنبي لاتزيد على ست سنوات اقامه في البلد الخليجي المضيف0

2-   توفير فرص عمل للعماله الوطنيه وترشيد استقدام العماله الاجنبيه0(الشرق الاوسط24نوفمبر2005م)

النتيجة أعلاه تقول لنا أن نوجه استثماراتنا إلى الإمكانيات البشرية وأن نوفر لهم البرامج التنمية المحكمة ، وذلك سيختصر علينا إيجاد دولة الرفاهية في المنطقة العربية !! .

أخيراً البعض يعتقد بأن هجرة العمالة هو من صالح الدولة الطاردة والخاسر ، الدولة المستقدمة ، طبعاً ذلك ليس بقاعدة ، ففي خمسينيات القرن الماضي ، كانت بريطانيا تعاني من مصطلح سمي آنذاك : هجرة الأدمغة، وكان يقصد به الكفاءات المهاجرة من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، تعني انتقال أهم رأس مال اقتصادي للبلد ألا وهو الرأسمال البشري المثقف ( الشرق الأوسط ، العدد 9836) .

ونفس الموضوع أثير الآن في بريطانيا وهو أن استقدام الكفاءات المهنية في أوربا الشرقية إلى بريطانيا ستساهم في رفع الدخل في بريطانيا وترسيخ مفهوم مجتمع أو دولة الرفاهية ، فيقول ويليام اندرهيل من نيوزويك : ” أعطهم الفرصة وسيعملون بجد ، فالمهاجرين وخاصة من أوربا الشرقية في بريطانيا مساهمتهم من خلال الضرائب في الاقتصاد الوطني البريطاني يصل إلى 500 مليون جنيه إسترليني سنوياً . وبعبارة أخرى استطاع المهاجرون أن يقلبوا الحكمة التقليدية رأساً على عقب حيث أثبتوا أنهم حافز اقتصادي وليسوا عوامل إحباط ، وأنهم ليسوا طفيليات تمتص دم نظام الرفاهية الاجتماعي ” ( نيوزويك العربية العدد 280 ص 31) .

وعدم توظيف الكفاءات العربيه التوظيف السليم اعتقد نستطيع ان نختبره من خلال مثال بسيط ساقدمه لكم وهو مدى الاستفاده من الطفره النفطيه :

الفرق مابين ارتفاع النفط عام 1979-1980 م , و2004 – 2005  م, في الاول صدمه في العرض , اما في الثاني فصدمه في الطلب , وارتفاع اسعار النفط الى 70 دولار من الناحيه الرسميه اقتطعت 4,5 % من الناتج المحلي العالمي , الا ان دول اوبك تستهلك 83% من عوائدها النفطيه في الاسواق الخارجيه بسبب عدم وجود البنيه التحتيه العربيه والاسلاميه الضخمه لاعادة تدوير الريع الذي حققه النفط في 2004-2005 م , مقارنه مع عام 1974 عندما كانت تنفق 27% من ريعها النفطي 0

واتجهت استثمارات الدول المنتجه في شراء اسهم وسندات الدول الاجنبيه , وهذا العامل مهم في تمويل عجوزات كبيره في الحسابات الجاريه في كبريات الدول المستهلكه للنفط مثل الولايات المتحده الامريكيه ! (نيوزويك العربيه 282)0

في دراسه سابقه لنا قلنا بأن الاقتصاد العالمي لن يتأثر عند وصول سعر النفط الى 40 دولار لان ذلك سيقتطع 1,5% من الناتج المحلي العالمي فقط , ولكن العمليه المفاجئه هي بأن سعر برميل النفط 70دولار في اكتوبر 2005 م , الاان النسبه التي اقتطعتها دول الاوبك من الناتج المحلي اعلاه لاتتجاوز 42, 0% , وذلك كما ذكرت سلفآ بسبب اعادة تدوير رأس المال في الدول اصناعيه , اوتهريبه اليها!  0 فكروا لبرهه وتخيلوا لويوجد عندنا دول مؤسسات ناضجه , وبرامج اقتصاديه سليمه , واستوعبنا معظم الكفاءات العربيه في الداخل والمهاجره ايضآ : هل سيبقى دخلنا واقصد الدول النفطيه اقل من 5 , 0 % من الناتج العالمي !0

أيها السادة الأفاضل ، نحن نمر في منعطف تاريخي خطير جداً ، ولم نعد نفكر متى سنعيش في العالم العربي في دولة رفاهية ؟ ولم نفكر متى سيرتفع دخلنا إلى مستوى دخل الشعوب الأوربية ؟ ولكننا لابد لنا من التحرك للاحتفاظ بأدنى حد من الكرامة الإنسانية ؟ .. ولم لا :

فالبقرة في الاتحاد الأوربي تستهلك 205 دولارات في اليوم ، وهذا أكثر مما يقتات به 75% من سكان أفريقيا !! ( الخليج 2/11/2005م) .

وفي الختام لابد لنا من التركيز على محور واحد فقط ، وهو تركيز استثماراتنا في الإنسان !0  إذا أردنا أن يكون لنا مكاناً في المجال الجيوسياسي في كوكب الأرض !! .

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله