رؤيتي سيادة الشعب

بسم الله الرحمن الرحيم

3/7/2006

مصطلح رؤيتي اقتبسته من حضرة صاحب السمو الشيخ محمد المكتوم حاكم دبي ونائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، ولكن رؤية أبو راشد في كتابه كانت تركز على التحديات في سباق التميز ، أما رؤيتي أنا والعياذ بالله من كلمة أنا ، وأفضل عليها ( نحن ) تركز على سيادة الشعب ، وحتى تكون أكثر وضوحاً وصراحةً ، نقصد سيادة الشعب كما يعرّفها القانون الدستوري : وسيادة الشعب يقصد بها ، أن السيادة مجزأة على أفراد الجماعة ، بحيث يملك كل فرد منها جزء من السيادة . والنتائج المترتبة على ذلك ، السيادة تكون مجزأة بين الأفراد ، والانتخاب يعتبر حقاً لا وظيفة ، النائب في البرلمان لا يعتبر ممثلاً عن الأمة بأسرها ، وإنما ممثلاً لناخبيه فقط ، والقانون يكون تعبيراً عن إرادة الأغلبية ، ولذلك لاحقاً سنركز على أهمية الحياة النيابية في سيادة الشعب !! .

أما الآن ، فسنركز على تصورات بعض زعماء الأمة العربية في بناء الأمة .

أولاً : سمو الشيخ محمد بن راشد ، فخلال رؤية أبو راشد (البنيوية) استطعنا أن نستشف ثلاثة محاور استراتيجية (أ) تصور جيوبوليتيكي استراتيجي وهو من خلال اقتباسه للتصور الأمريكي للشرق الأوسط الكبير، وأعطاه مصطلحاً مختلفاً ، حيث سماه أبو راشد منطقة العالم الأوسط الاقتصادي ، وهذه المنطقة تمثل في رؤية أبو راشد ، مجلس التعاون الخليجي وشبه القارة الهندية ، وشمال الخليج ، وآسيا الوسطي ، وبلاد الشام ، وتركيا ، وقبرص ، وشرق أفريقيا وشمالها .

(ب) استخدم أبو راشد في التحدي أسلوباً براغمتياً وهو من خلال ، إذا أردت التحدي في سباق التميز ، لا يهم إن كنت أسداً أو غزالاً فمع كل صباح عليك أن تعدو أسرع من غيرك حتى تحقق النجاح .

(جـ) تصور أبو راشد للمستقبل من خلال استخدامه كلمة ( يجب ) ، فيجب تطوير التعليم ، وتنمية الكوادر البشرية ، وتعميق المشاركة الشعبية، وتطوير المؤسسات البرلمانية التمثيلية ، ودعم الدور القيادي للقطاع الخاص ، وتفعيل القطاع العام ، وتعزيز الشفافية في كل القطاعات ، وتوسيع دائرة الحوافز الاستثمارية لتتعدى المناطق الحرة ، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وتطوير برامج تمويل المشاريع الناشئة ، ومحاربة الفساد ، وتبسيط الإجراءات ، ومتابعة الإصرار على تقديم الجودة والامتياز في كل شيء .

أما بالنسبة لرؤيتنا نحن ( العبد لله ، فهد بن عبد الرحمن ) من خلال تصور سمو أبو راشد للمستقبل ، فنرى أن تنمية المشاركة الشعبية ، وتطوير المؤسسات البرلمانية التمثيلية ، وتعزيز الشفافية في كل القطاعات، هو الدواء الناجح لإخراج الأمة العربية والإسلامية من التخلف والفساد المتفشي في كل نقطة في أحشاءها ! .

ثانياً : رؤية فخامة علي صالح رئيس اليمن لتداول السلطة في العالم العربي . عندما أعلن السيد صالح تنازله عن السلطة في صيف عام 2005م ، اعتبرنا ذلك إنجازاً ، وكتبنا مقالة منشورة في الموقع تحت عنوان (قراءة في التنازل عن الحكم بتاريخ 25/7/2005م ) ، ووضعنا تصورنا صعوبة أن يتنازل السيد صالح عن الحكم ، ولكن السيد صالح استطاع أن يحافظ على وعده إلى يونيه 2006م ، وهنا بدأنا نعد العدة بأن مبدأ تداول السلطة من الممكن أن يتحقق في العالم العربي ، وحتى لا أخفيكم أمراً ، بدأنا نجمع معلومات عن السيد صالح لكي نكتب عنه مؤلفاً كرمز من رموز الأمة العربية ، وكنا نرى أن لو السيد صالح حافظ على وعده بأنه سيكون إحدى رموز القرن الواحد والعشرين ، مثل غاندي وتاتشر ومانديلا رموز القرن العشرين ، ولكن السيد صالح فاجأنا وعاد ورشح نفسه مرةً ثانية علماً بأنه في عام 2000م ، قد أصبح يقترب من إغلاق العقد الثالث من الزمن في الحكم في جمهورية اليمن الديمقراطية ،أن الجماهير العربية لم تصدق وعد السيد صالح بأنه سيتنازل عن الحكم ، ففي استطلاع للرأي في الجزيرة شارك فيه 24975 شخص وكان يركز على : هل تؤيد تراجع السيد صالح عن قرار عدم الترشيح لولاية جديدة ؟ فكان 80.4 % من عينة الاستطلاع تؤيد تنازل صالح عن الحكم ، و 19.6% مع صالح للاستمرار في الحكم ، ولكن الرئيس صالح أخذ برأي الأقلية وتمسك بالحكم ، وأنهى الحلم الذي كان يراودنا كعرب أن يتحقق في عام 2006م وهو تداول السلطة ! .

لاحظنا في استطلاع مفهوم البطل الزعيم في السياسة العربية ركز على هزيمة العرب عام 1967م ، وإعلان الرئيس المصري الراحل عبدالناصر بمسئوليته عما حدث ، وأعلن تنحيه ، لكن الجماهير خرجت باكية نائحة تطالبه بالعدول عن قراره والاستمرار في الحكم ليعبر بها كما قالت وسائل الإعلام آنذاك بحر الهزيمة الذي سقطت تائهة ضائعة في أعماقه إلى شاطئ النصر الذي تستعيد على رماله العزة والكرامة .

ويفسر علماء النفس والاجتماع أن مفهوم البطل لا يزال يلعب دوره في التاريخ قديماً وحديثاً ، وأن الوجدان الجماهيري يعاد تشكيله في مصانع الدعاية الثابتة للسلطة التي تكرر على مسامع هذه الجماهير صباح مساء أن حاكمهم هو الزعيم الملهم ، والقائد الفذ ، والربان الماهر .. إلخ . وهو وحده ومن بين الملايين القادر بحكمته وبصيرته على توجيه دفة السفينة للنجاة بالبلاد من بحر الظلمات !! .

وهذا يذكرنا عندما كنا طلبة في بريطانيا ، واحتل صدام حسين الكويت في أغسطس 1990م ، فكانت وسائل الإعلام الغربية آنذاك ، تتساءل بعد أن تذهب القوى الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة ، وتدحر جيش صدام وتهزمه وتحرر الكويت ، هل الشعب العراقي سيثور على صدام ويعزله بعد الهزيمة ؟ .

وكانت إجابة إحدى أكبر أساتذتنا آنذاك في بريطانيا هي كالتالي : كل الأمم تعشق البطل المنتصر ، إلا الأمة العربية تنهار أمام الزعيم المهزوم ، وتتعاطف معه !! .

السؤال الذي يطرح نفسه : ما هو السبب الذي أوصل الشعوب العربية إلى عشق الزعيم المهزوم ؛ أو الزعيم المستبد ؟ . يفترض أن أترك الإجابة لكم لكي تشاركو بها من خلال الموقع ! .

أما بالنسبة للسيد صالح فيرى بعض المحللين أن إعلانه عن انسحابه من ترشيح نفسه صيف 2005م ، واستمراره إلى يونيو 2006م ، استطاع من كسب تعاطف الجماهير معه ، والسنة كانت كافية لتعبئة الجماهير اليمنية نفسياً وعاطفياً إلى يونيه 2006م ، وبعدها خرجت الجماهير اليمنية تناشد زعيمها البطل العدول عن قرار الانسحاب ، وترشيح نفسه مرةً أخرى ، وفي هذه الحالة فوتت الجماهير اليمنية الشقيقة علينا كعرب نظرية تداول السلطة ، مما جعل السيد صالح يعدل عن انسحابه ويرشح نفسه مرةً أخرى ، رغم وعوده لمرشحين آخرين بأنه سيساندهم لترشيح أنفسهم للرئاسة ، فمثلاً : إحدى الأشخاص الذين كان عندهم طموح ترشيح أنفسهم يدعى إبراهيم الحمدي ، فكان يقول أن برنامجه : القضاء على الفساد ، وبناء دولة النظام والقانون ، والعمل على تخفيف المعاناة عن الشعب ، وتحقيق تكافؤ الفرص ، وبناء الأمن بناءً صحيحاً !! . ويقول الحمدي أن الرئيس صالح عرض عليه دعماً مالياً لحملته الانتخابية لكنه رفض ، وقال للرئيس بأنه يكتفي بما يقدم من دعم للمرشحين بموجب الدستور ، كما يقول الحمدي أن الرئيس وعده بأنه سيقف إلى جانبه للحصول على تزكية 5% من أعضاء البرلمان من أجل خوض الانتخابات الرئاسية . ويقول الحمدي بأنه قال للرئيس صالح ، إذا ما تمسك الرئيس صالح بعدم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة ، فإنه سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه !! .

ولكن السيد صالح عدل عن وعده بالانسحاب من الانتخابات الرئاسية، وعاد ورشح نفسه ، وأقول لكم ونحن نكتب هذا الموضوع في 2/7/2006م بأن السيد صالح شبه المؤكد أو 99.9% بأنه سيفوز بالرئاسة، لأننا كما قلنا للسيد مبارك حاكم مصر ، سنقوله لصالح ، بأن الرئيس بعد أن يحكم أمة أكثر من عقد من الزمن ، يصبح رمزاً وليست حاكم أو رئيس ، ومن سابع المستحيلات أن يقف أمامه أية مرشح آخر ، لأن نفسية معظم الشعب من سابع المستحيلات أن يعطوا صوتهم لمرشح يقف أمام رمز الأمة !! ( راجع موقعنا عن نظرية الرموز ) .

طبعاً نحن عندما نقول ذلك ، لا يعني هذا بأن هناك قصوراً في السيد صالح ، أو السيد مبارك ، وحتى لو كان هناك شيء من هذا ، ففي رأيي من الناحية الأدبية ، بأنه لا يحق لنا نحن كمحايدين ، نقد هذا القصور أو امتداح تلك الإيجابيات ، وإنما ذلك في رأيي من حق شعوبهم ، أما بالنسبة لنا فنكن لهم كل تقدير واحترام ، أما تحليلنا للنقاط أعلاه هو : كيف نستطيع إيجاد آلية تداول للسلطة في عالمنا العربي ورؤساء الجمهوريات يمكثون في مناصبهم أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ؟ ! .

أذكر في مقابلة مع المذيعة المتميزة د. إلهام بدر في تلفزيون قطر في برنامج ( حيث أن ) قلت بأن الرئيس الذي يمكث فترة قصيرة في السلطة لا يعني ذلك بأنه سيئاً ، فمثلاً تاتشر تعتبر إحدى أهم شخصيات النصف الأخير من القرن العشرين ميلادي ، وتعتبر المجدد لنظرية الدولة الحارسة، أعطت الدور الأكبر للقطاع الخاص ، فالسيدة تاتشر فازت في الدورة الانتخابية الأولى والثانية والثالثة ( مدة كل دورة أربع سنوات ) ، وفي نصف الدورة الثالثة ، حدثت ثورة عليها في حزبها ( حزب المحافظين ) ، وخلعوها دستورياً من السلطة ، وتم الاتفاق ما بين المحافظين على أن يكمل المرحلة كرئيس للوزراء إحدى تلامذتها السيد ماجور ، استلم ماجور مكان تاتشر ، واستمر على نفس النظرية التاتشرية ، وترشح ماجور مرة أخرى وقدم برنامجه على نفس النظرية الثاتشريه، وفاز في الانتخابات ، وفي منتصف التسعينيات حدثت ثورة في العمال ، ورشح بلير نفسه ضد المحافظين ، وقدم برنامج للدولة الحارسة والقطاع الخاص ، مقتبساً النظرية الثاتشرية ، وكسب الانتخابات ثلاثة دورات أي من عام 1996م إلى الآن 2006م !! .

وسوف يستغرب البعض عندما يعلم بأن القرن الواحد والعشرين ، أو كما يسمى القرن الأمريكي ، فأمريكا تطبق فيه النظرية المعدلة لثاتشر تحت مسمى الدولة الحارسة ، والقطاع الخاص ( الخصخصة ) ، وتريد الولايات المتحدة أن تعمم هذه النظرية على العالم من خلال منظمة التجارة العالمية للعولمة ، هل تعلمون من هو وراء كل هذا ؟ . طبعاً البارونة مارجريت تاتشر ، ولكن الشعب البريطاني الحر لم يتحمل أن يحكمه حاكم واحد لأكثر من ثلاث دورات ، لأنه أعطى كل ما عنده ، وعلماً بأن بريطانيا والعالم مازال محتفظاً بالإنجازات الثاتشرية ! .

فهل نتفق كعرب بأن الإنجاز الحقيقي للزعيم ليست المدة التي يقضيها جاثماً على قلوب ونفوس شعبه .. ولكن بإنجازاته ؟ !! . كما نضرب المثال بإنجازات سياسيين معاصرين ، مثل : غاندي ، وتاتشر ، ومانديلا ! .

ما هو الحل للواقع العربي المرير ؟

الحل ، لابد من وجود مجتمع مدني قوي مستقل استقلالاً تاماً عن السلطة ، حتى لا يتأثر بما يحاك داخل الدولة ، لأن المجتمع المدني من أهم أدواره أنه يعطي الإنسان المعرفة الكافية ، بالآليات التي من خلالها يستطيع أن يكرس مشاركته السياسية ، ويوضح للمواطن بأن السيادة مجزأة ما بين جميع المواطنين ، وأهم ما ينبثق من المجتمع المدني القوي آلية إيصال النواب إلى السلطة التشريعية .

عندما أذكر السلطة التشريعية ، ربما يحتج علينا بعض زملاءنا القانونيين والسياسيين لأن دساتير المنحة العربية غير ديمقراطية أصلاً ، والنائب عندما يصل إلى البرلمان يجد صلاحياته محدودة . ومن هنا من المفترض أن نستوعب أصول اللعبة ، إن الوضع الذي نعيشه في العالم العربي يعتبر واقعاً مريراً ، ولكن ذلك لا يعني بأننا لا نستغل الفرص إذا جاءتنا حتى ولو كانت أنصاف الفرص ، أو عشرها ، أو جزء من أعشار الفرص ، لأن الميزة من وجود مجتمع مدني ، ووجود نواب منتخبون من المجتمع المدني في السلطة التشريعية ، سيساهم تدريجياً في صناعة الرأي، وصناعة الرأي ستساهم في تثقيف المجتمع ، وتثقيف المجتمع سيساهم في إعطاء الشعوب معرفة دورها الاجتماعي والسياسي في خدمة أوطانها ، وعندما تصل هذه الرسالة إلى الشعوب .. ستطالب الشعوب نوابها في السلطة التشريعية من المساهمة في إصدار القوانين التي تتناسب مع آمال وطموحات الشعوب ، وتحفظ حقوقها وواجباتها .

وبالتدريج حتى إذا ما وصلت السلطة التشريعية إلى مرحلة النضج ، سنلاحظ بداية تكريس مبدأ الفصل ما بين السلطات ، والمراقبة الشديدة التي تمارسها كل سلطة على الأخرى ، وفي النهاية الفائدة تصب لصالح المواطن والوطن !! .

ربما يتساءل البعض عن نماذج ناجحة تمثل سيادة الشعوب : في حقيقة الأمر على المستوى الشخصي ، لم يبهرني في الخليج العربي ، لا أبراجه ، ولا شوارعه ، ولا ملاعبه ، ولا مجمعاته التي استطعنا أن نصنعها من عائدات البترودولار بفضل الله سبحانه وتعالى . بقدر ما أعجبني بفضل الله سبحانه وتعالى ، في حركة الثورة البرتقالية في الكويت، ومساهماتها في دعم الإصلاحيين ، وذلك يرسخ اعتزازي بأنني في يوماً ما، كتبت مقالة منشورة في الموقع أسمها ( إنها الكويت ) ، نعم إنها الكويت، وأعتبرها دائماً وأبداً القلب النابض للخليج العربي ! .

ففي الكويت ، عندما أصبح هناك نزاعاً بين الحكومة ومجلس الأمة ، على عدد الدوائر الانتخابية ، بحيث تقترح الحكومة أن يكون عدد الدوائر الانتخابية عشرة بدلاً من 25 دائرة ، ويقترح النواب الإصلاحيين أن يكون عدد الدوائر خمس دوائر فقط ، وبعد نزاع ما بين السلطتين ، واستخدام حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت حقه الدستوري ، وقام بحل مجلس الأمة ! .

وأستطاع النواب الإصلاحيين من إعادة تنظيم أنفسهم ، والفوز بغالبية مقاعد مجلس الأمة الكويتي ، بحصولهم على 35 مقعد من أصل 50 مقعد في البرلمان ، مقابل 29 مقعد في البرلمان السابق ، وبالمقابل تراجع عدد النواب الموالين للحكومة إلى 13 مقابل 19 في المجلس السابق!.

ولكن لماذا يتنازع الكويتيون على الدوائر الانتخابية ؟ . فتقسيم الدوائر إلى 25 دائرة ، يرى الإصلاحيين ، بأنه يمثل محاربة القيم الديمقراطية بوسائل ديمقراطية ، ويقول الإصلاحيين أن تقسيم الكويت إلى 25 دائرة عزز عند المواطنين الولاءات العائلية والقبلية والطائفية ، وذلك كله يأتي على حساب الوطن والمواطنة ! .

أما نظرية الخمس دوائر تساهم في إجبار المرشح أن يتصارع مع قاعدة أكبر من المرشحين ، وكذلك إجباره على إقناع أعداد أكثر من الناخبين في الدوائر الصغيرة التي غالباً ما كانت تمثل عائلة الشخص أو قبيلته أو طائفته ، أما عندما يكون المرشح يتصارع في دائرة يشارك فيها خمس السكان تقريباً ، فلابد من تقديم برنامج انتخابي قوي لكي يقنع أكبر شريحة من المواطنين ، بأنه يملك برنامج ، من الممكن أن يساهم في خدمة الوطن والمواطن ، وليست مصالح شخصية لهذا أو لذاك !! .

ومن هنا نرى بأن دولنا الخليجية الصغيرة ، لا تحتاج إلى دوائر انتخابية كثيرة ، ويعود ذلك لقلة عدد السكان ، لصغر المساحة ، فمثلاً في لبنان ، محافظة مدينة بيروت تمثل دائرة واحدة ، ويوجد بها 19 مقعد ، ومحافظة الجنوب والنبطية دائرة واحدة ، ويوجد بها 23 مقعداً ، وهاتان الدائرتان تمثلان 33% من مقاعد البرلمان اللبناني ، أي عدد الناخبين بهم ما بين 700 ألف إلى مليون ناخباً ، ولاحظوا الشيء الغريب ، الكويت التي مجموع الناخبين فيها لا يزيدون على 120 ألف ناخب قبل مشاركة المرأة، وينقسمون إلى 25 دائرة !! .

ولكن الشيء المميز ، هو إبداع الإصلاحيين الكويتيين في المطالبة بتغيير الدوائر الانتخابية لصالح الكويت وأهلها ! . أرجو أن يكون هذا الدرس الكويتي أنموذجاً إبداعياً يحتذي به في دول الخليج العربي !! . لكي نبدأ الخطوات الحثيثة لسيادة الشعب ، ونود أن نذكركم بأن الحقوق لا تعطى ، وإنما تؤخذ !! .

والى اللقاء إن شاء الله

خلاف الناتو لا يمنع حرباً

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

الصراع الذي يوجد الآن ما بين دول الناتو ، وكذلك ما بين الدول الأوربية ، من الناحية الظاهرية هو في صالح القضية العراقية ، والقضية الفلسطينية ، وإعادة التشكيل الجيوسياسي للشرق الأوسط ، ولكنه في الحقيقة صراع ذو ثلاثة محاور :

المحور الأول : جيوبوليتيكي ، وله تركيز على الاستراتيجية الجغرافية للمنطقة ، وبلغةٍ أسهل نقصد بأنه صراع على الكعكة الشرق أوسطية ، وحتى لا تنفرد الولايات المتحدة لوحدها بإلتهامها   يشرح لاحقاً في الجزء الثاني  0

المحور الثاني : يوجد صراع مبطن ما بين القوى الأوربية ، أو كما تسميها أمريكا الآن أوربا القديمة ، بقيادة فرنسا وألمانيا ، ويساندهم معظم الشعوب الأوربية على نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية بطرق سلمية ، ولكن الولايات المتحدة تحاول أن تقفز من فوق الفصلين السادس والسابع في ميثاق الأمم المتحدة ، وهو الذي يقول عدم جواز استخدام القوة من خلال الأمم المتحدة وتحت رايتها إلا بقرار من مجلس الأمن   الخليج العدد 8679  ولو تجاهلت الولايات المتحدة الفصلين المذكورين ، فذلك يشكل من ناحية قانونية ، لا من ناحية سياسية كما تدعي الإدارة الأمريكية ، خرق واضح وصريح للتنظيم الدولي ، والقانون الدولي العام ، ويمثل ذلك من ناحية نظرية انهيار الأمم المتحدة ، مثل عندما خالف هتلر قرارات عصبة الأمم قبل الحرب العالمية الثانية ونتج عن ذلك الحرب العالمية الثانية  0

المحور الثالث : النزاعات التي نشأت في الناتو في فبراير 2003م :  لمنع التكرار ، راجع آل ثاني ، فهد ، في كلا من : الراية العدد 7546 ، ومجلة الإنسانيات ، جامعة قطر ، العدد 24  0

من أقوى النزاعات التي شهدها الناتو بعد الحرب الباردة الفيتو الذي استخدمه محور باريس – برلين ، ويساندهم في ذلك بلجيكا ، عندما تقدمت تركيا طالبةً من دول الحلف وفق المادة الرابعة التأسيسية للناتو التي تنص على إجراء مشاورات بين الحلفاء إذا ما اعتبر أحدهم أن سلامة أراضيه ، أو أمنه مهدد  0  الراية العدد 7585  ، وكانت تركيا مستندةً على هذه المادة لتوفر لها قوة دفاعية من دول الناتو في حالة حدوث هجوم على العراق  0 وكانت نتيجة ذلك الاحتجاج الفرنسي الألماني البلجيكي ضد هذا الطلب ، وكان يساند طلب تركيا دول الناتو الستة عشر المتبقية متزعمتها الولايات المتحدة 0 وهذا الطلب التركي أكثر الاحتمالات بأنه سياسي وليس قانوني ، وربما بإيحاء من الولايات المتحدة الأمريكية  0 ونقصد هنا إلزام فرنسا وألمانيا بقرارات الناتو ، حتى عندما تقدم واشنطن مشروع قرار جديد في مجلس الأمن يكون سبق السيف العذل بالنسبة للقوى الأوربية لأنهم لا يستطيعون مناقضة أنفسهم بعد موافقتهم على القرار الرابع للدفاع عن تركيا في حالة قيام الحرب 0 ومن خلال هذه اللعبة للولايات المتحدة استطاعت مع تحالفها الأنجلو أمريكي عمل شرخ في جدار دول الاتحاد الأوربي ، بحيث بواسطة بريطانيا استطاعت أمريكا أن تجر وراء قراراتها العدوانية كلٌ من ايطاليا وأسبانيا والبرتغال وأربعة دول أوربية أخرى ، وذلك جعل محور باريس – برلين وحيداً في أوربا ، وفي الناتو ، ولكنه قوياً في مجلس الأمن بحيث تدعمهُ كلٌ من روسيا والصين ومعظم الدول ذات العضوية الغير دائمة في مجلس الأمن  0

ولكن هذه المعارضة القوية الفرنسية الألمانية في الناتو وأوربا ومجلس الأمن من الناحية السياسية لا تعني بأن هذه الدول إذا روعت مصالحها ستمانع قيام الحرب ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها حرب القرم في القرن التاسع عشر ميلادي  0

أما بالنسبة للمدرسة الأتاتوركية التركية كانت تلعب لعبة استدرار مصالح الحرب ودرء سلبياتها بالأساليب التالية : فاللعبة التركية بدأت بإثارة المادة الرابعة التأسيسية للناتو المذكورة أعلاه ، ونشأ بسبب المادة الرابعة نزاعات في الناتو كادت تعصف به 0 وبعد فترة وجيزة استطاعت تركيا أن تحقق مطالبها الدفاعية من الناتو ، وقال جورج دو برتسون أمين عام حلف الناتو : ” استناداً للمادة الخامسة سنرسل طائرات مراقبة من طراز اواكس وبطاريات صواريخ لتركيا وهي حليف مهدد ” ويضيف ” لهذه الغاية يستخدم حلف الناتو بين الدول الديمقراطية ”  0  الوطن العدد 2728  والمرحلة الأخيرة من المطالب التركية من المنظمة الدولية والناتو هو ما قاله الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر: ” يجب صدور قرار عن الأمم المتحدة يجيز استخدام القوة قبل أن تدرس تركيا فتح أراضيها للجنود الأمريكيين ” ، أما بالنسبة لشروط تركيا لتقديم التسهيلات اللوجستية للناتو هي  أن يدفع لتركيا 25 مليار دولار ، وشطب ديونها العسكرية ، وكذلك الموافقة على رفع نسبة حصة الصادرات من المنسوجات التركية ، وتسهيلات لدخول الحديد والصلب التركي للسوق الأمريكية   الخليج العدد 8676 0

ومن الناحية الجيواستراتيجية تمانع تركيا قيام دولة كردية مستقلة عند حدودها الجنوبية الشرقية  الخليج العدد 8676 0 وبعد كل هذه الشروط ، ربطت الحكومة التركية موافقتها على هذه الشروط بقرار تصويت البرلمان التركي ، وهنا تعطي الحكومة التركية نفسها المرونة الكافية لتحقيق هذه الشروط أو أقصى حد منها ، وحتى تبرهن للأمريكان في حالة الضغط عليهم بأنهم دولة ديمقراطية والأمور الاستراتيجية يحسمها البرلمان ، علماً بأن الحكومة التركية ، والبرلمان ، وأمريكا ، يعلمون جيداً من هي الجهة ذات القرار الأخير في تركيا ؟  0

وعندما واجهت أمريكا معارضة ضخمة من محور باريس – برلين في الناتو وأوربا ومعظم الشعوب الأوربية معهم ، ومن محور باريس – برلين – روسيا – الصين، في مجلس الأمن ، مما شكل تحالف أوراسي في مجلس الأمن ، هذا جعل الولايات المتحدة تلعب لعبةً خطيرة بالنسبة لهيمنتها العالمية وهي ما قاله الرئيس بوش : “الولايات المتحدة مستعدة لخوض الحرب من خلال تحالف من الدول التي تتخذ موقفاً مماثلاً سواءً أيدت الأمم المتحدة ذلك أم لا ”  الخليج العدد 8665  0 نعتقد بأن هذه مناورة من بوش لأن التنظيم الدولي الحالي ممثلاً بالأمم المتحدة ، ومنظمة التجارة العالمية ، وصندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ، يمثل أفضل الآليات لتسهيل الهيمنة الأمريكية على هذا الكوكب إلى فترة زمنية غير قصيرة  0

من هنا نرى النقد المبطن والخلافات الفكرية بين الجيوبوليتيكيين الأمريكان على التهور الذي تقوم عليه استراتيجية بوش الابن 0

أولاً : ذبيغنيو بريجنسكي : الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع التحفظات بشأن العراق ، خلقت انطباعاً بأن بعض زعماء أمريكا خلطوا بين حلف الناتو ومعاهدة وارسو 0 والأسوأ من ذلك ، أن ابتهاج واشنطن لانقسامات الأوربيين تجاه موقفها ، عزز موقف الأوربيين الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة 0 فالولايات المتحدة ، يعتقد الأوربيين بأنها باتت تخطط لوضع استراتيجيات كبرى بشأن التحالفات ، مثلاً كالهند ، وروسيا ، وإسرائيل ، بدلاً من الناتو ، وكل هذه الدول يكن عداء ما لبعض بلدان العالم الإسلامي 0

ويرى كذلك بريجنسكي أن على أمريكا أن تمنح عمليات التفتيش والتدقيق الدولية شهور عدة ، مطلوبة للتأكد بشكل أوضح ، مما إذا كان العراق قد أذعن مرغماً أم أنه يواصل التحايل المتعمد 0

ويرى بريجنسكي بأن الرأي الذي يقول إن نشر القوات الأمريكية في المنطقة يستلزم إشعال الحرب عاجلاً ليس بالضرورة رأياً موثوقاً به : فالقوات الأمريكية الجاهزة للحرب ، والتي تجاوز عددها مئات الآلآف ظلت منتشرة في أوربا لعقود طويلة ، وقدرة أمريكا على نشر قواتها اليوم باتت أعظم من أي وقت مضى 0

ويختم قائلاً إذعان العراق المتواصل سيتطلب قبول الولايات المتحدة أن يكون نزع الأسلحة كمحصلة ، والتحدي خلال أية مرحلة قد يعني حرباً تدعمها الأمم المتحدة ، ويترتب عليها تغيير النظام  الشرق الأوسط العدد 8850  0

ثانياً : نرى التناقض لتصورات بريجنسكي ، من خلال ما قاله هنري كيسنجر : إذا انتهت الأزمة من دون تغيير النظام في بغداد ، وإذا أرسلت الولايات المتحدة مائتي ألف من قواتها إلى المنطقة  الشرق الأوسط  لتعيدهم من دون تحقيق أكثر من احتواء ضبابي لنظام أخل بقرارات الأمم المتحدة لأكثر من عشر سنوات ، فإن مصداقية القوة الأمريكية في الحرب ضد الأرهاب ، وفي الشؤون الدولية عموماً ، سوف تتضرر بشدة، وربما بلا إمكانية لإصلاح الضرر 0

أما بالنسبة للناتو فيرى كيسنجر بأنه لن ينتعش هذا التحالف إلا عبر تفعيل المشاعر والروح المعنوية بعيداً عن قيود القانون والمواثيق 0 إن الحلفاء الذين يشعر شركاؤهم أن بوسعهم الاستفادة من فشلهم على المدى الطويل ليسوا حلفاء 0 وإذا أريد لحلف الناتو أن يبقى مؤثراً في مواجهة تحديات المرحلة الجديدة ، فإن على قادته أن يعثروا على تعريف جديد لتطلعاتهم  الشرق الأوسط العدد 8839  0

الملاحظة هنا بأن الرأي الأول لبريجنسكي يميل أكثر لتطبيق القانون الدولي العام واحترام الميثاق الدولي ، أما الرأي الثاني لكيسنجر فهو رأي سياسي ويحمل في طياته حلم إقامة إسرائيل الكبرى  0

السؤال الذي يطرح نفسه إذا لم يستطع الأمريكان تنفيذ الاستراتيجية الشرق أوسطية : هل ستقوم أمريكا بحل المنظمات الدولية ؟ 0

كل كما ذكرنا في الجزء الأول مجرد مناورات ، فالمنظمات الدولية المعاصرة هي أفضل من يخدم الاستراتيجية الأمريكية الكونية 0 ولكن ذلك لا يمنع أن تقيم أمريكا تحالفات توازن مع أقطاب أوراسية متنافسة فيما بينها ، وكل منهم له مشاكل مزمنة مع المسلمين ، مثل روسيا ، والهند ، وإسرائيل ، وخاصةً بعد إعادة تشكيل الشرق الأوسط تحت القيادة الإسرائيلية ، وذلك لا يمنع أن تبقي أمريكا تحالفها مع أوربا من ضمن الناتو ، ولكن تحقيق ذلك كله يعتمد على التكتيك الذي سوف تستخدمه أمريكا، وتوزيع الأدوار على القوى المتناحرة بعد الحرب الباردة  0

ولكثرة النزاعات على توزيع الأدوار ما بين الدول العظمى ، أصبحت كل من روسيا وفرنسا وألمانيا والصين ، تبدي استيائها من الأحادية القطبية الأمريكية وتبحث عن عالم متعدد الأقطاب ( الوطن العدد 2734 ) 0

فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول : ” الحقيقة المطلقة أن روسيا بلد أوروبي من الناحية الجغرافية والفكرية والثقافية 0 وموسكو ترحب بطرق التكامل في أوربا ولا يتخيل تطوير روسيا من دون تطوير أوربا الخالية من الخطوط التقسيمية ” ( الخليج العدد 8679 ) 0

وهذا مؤشر خطير بالنسبة لأمريكا فعندما تتم إعادة تشكيل العالم الأوراسي ، سواءً تشكلت الكتل المذكورة أعلاه ككتلة واحدة ، أو مجموعة من الكتل المتحالفة ، فذلك سيشكل عالم التوازن خارج الإشراف الأمريكي  ، وفي هذه الحالة ، ربما تتمكن أوراسيا من منافسة القطبية الأحادية لأمريكا 0

ونجد حتى الاستراتيجيين الروس مثل الكسي كيينا يقول : ” إذا بدأت أمريكا بالعراق ، فستذهب بعدها للسعودية ، وبعد ذلك إيران ، وبعد السيطرة على هذه الدول الغنية بالنفط ، ستذعن تلقائياً منظمة الأوبك للمطالب الأمريكية ، وذلك سيؤدي إلى تخفيض حاد في أسعار النفط ” 0

ويقول كيينا : ” ولنفترض أن أسعار النفط انخفضت تحت (10) دولار للبرميل الواحد فإن روسيا ستعود إلى وضع 1998م ولن يكون الوقت كافياً لديها للشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وستجري عملية السباق النووي ، وعلى الأرجح فإن الاستراتيجيين الأمريكان لا يفكرون بذلك ” ( الخليج 8629 ) 0

إذاً الاستراتيجية الضاغطة من الممكن أن تولد عالم توازن خارج السيطرة الأمريكية ، أو من الممكن أن تعيد الحرب الباردة ما بين أمريكا وروسيا ، أو ربما أمريكا واوراسيا 0

أما بالنسبة للولايات المتحدة فقاتلت ما يقارب عقداً من الزمن ، منذ انتهاء الحرب الباردة ، لكي تطبق استراتيجية عولمة العالم بالطريقة الأمريكية ، ولكن هذه الاستراتيجية فشلت فشلاً ذريعاً في العالم وخاصةً الشرق الأوسط ( راجع آل ثاني ، فهذ ، كتاب العالم الإسلامي ، ودراسات في الجغرافيا السياسية ) 0

وبسبب فشل أمريكا في استراتيجية العولمة قفز العجز في الميزان التجاري الأمريكي من 100 مليار دولار عام 1990م ، إلى 450 مليار دولار عام 2000م ، والأخطر في العجز التجاري في عام 2000م هو بأن الواردات النفطية لا تشكل إلا 18% من الواردات الأمريكية ، أما 82% الباقية فهي سلع صناعية مستوردة  0

ومن الأدلة على الفشل الأمريكي في إدارة عولمة العالم بأن أمريكا أصبحت في موقع التبعية لا موقع التحكم ، والدليل على ذلك بأن العجز التبادلي مع الصين في عام 2001م مليار دولار ( الشرق العدد 5364 ) 0

ويقول الكاتب الفرنسي ايمانويل تود : أن الأمبراطورية الأمريكية ، شبيهة بالأمبراطورية الرومانية التي كانت تعتمد على الاستيراد الخارجي ، منها إلى الأمبراطورية السوفيتية التي كانت تعتمد على الاكتفاء الذاتي 0 فأمريكا امبراطورية للإستهلاك لا للإنتاج ، وحاجتها إلى العالم في استهلاكها أشد من حاجة العالم إليها في إنتاجه 0 ولكن الوقت الذي بات فيه العالم ضرورياً لها لتحافظ على مستوى استهلاكها الأمبراطوري ، فإن هذا العالم نفسه لا يقع تحت سيطرتها الاستراتيجية ، فالقطبان الندان لها في مجال الإنتاج الصناعي وهما الاتحاد الأوربي واليابان العجز التجاري الأمريكي يبلغ مقابلهم 60 مليار دولار ، و 68 مليار دولار على التوالي 0 فبالتالي لا تجمعهم مع أمريكا علاقة تبعية ، كما يقضي المنطق الأمبراطوري 0 كذلك فإن القطبين الكبيرين الآخرين في العالم ، وهم الصين وروسيا يقفان خارج مجال سيطرة واشنطن الاستراتيجية ، لاسيما أن روسيا تتمتع باستقلالية نووية تامة ( الشرق العدد 5364)0

وكما ذكرنا سابقاً بأن أمريكا عندما شعرت بعجزها التجاري الكبير مع الصين ، وكذلك مخافةً من أن تطور الصين تكنولوجية الأسلحة الذكية ، أصبحت الولايات المتحدة تحارب تصدير التقنية إلى الصين ففي عام 2001م مثلاً تسلمت وزارة التجارة الأمريكية 1294 طلباً فيما يتعلق بتصدير التكنولوجيا إلى الصين ، 72% من الطلبات حصلت على موافقة ، بينما رفضت وزارة التجارة الأمريكية تصدير 28% من الطلبات ( الخليج العدد 8679 ) إذاً أين العولمة التي تطالب بها أمريكا من ذلك ؟ 0

أمريكا ستحاول تطبيق سيطرتها العالمية من خلال محاولة المحافظة على تفوقها في عالم الجنوب ، وخاصةً الشرق الأوسط لأن ذلك سيعطي أمريكا سيطرة مباشرة على 72% من احتياطيات النفط في العالم ، و 35% من احتياطيات الغاز الطبيعي        (آل ثاني، فهد ، عالم إسلامي ، ص 101) 0

ولكن إذا فشلت ، لن تغامر أمريكا مغامرةً غبية في إلغاء المنظمات الدولية أو بعضها ، أو إجراء مواجهة مباشرة مع القوى الموجودة في العالم الأوراسي ، ولكن أكثر المخاوف في ذلك هو على توزيع الأدوار في الشرق الأوسط ، من خلال إتفاقية سرية تعقدها أمريكا والدول الأوراسية المنافسة لها لتوزيع الأدوار في الشرق من تحت الطاولة 0 والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها الاتفاقية الثلاثية السرية التي جرت في 22 أكتوبر 1956م ما بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ، وكانت تنص هذه الاتفاقية على محورين : الأول : الاستفادة من محاولة الرئيس عبد الناصر عندما أمم قناة السويس كذريعة لضرب مصر ، وإعادة قناة السويس إلى الشركة الفرنسية ( الأهرام العدد 18 فبراير 2003م ) ، علماً بأن مجموعة من الاستراتيجيين ومنهم أمين هويدي قالوا سواءً قناة السويس كانت عند الشركة الفرنسية أو عند مصر صاحبتها الأصلية ، فلا يوجد وسيلة عند المصريين للاستفادة من القناة إلا عندما تؤدي وظيفتها لعبور السفن ، وخاصةً السفن الأجنبية والطرف المصري يحقق ريعاً كبيراً من وراء ذلك 0 فبالتالي العدوان الثلاثي على مصر كان الهدف منه تجريد مصر من السلاح الذي استوردته من أوربا الشرقية ، وإسقاط عبد الناصر من السلطة ، وأخيراً إعادة قناة السويس إلى السلطة المصرية  ( الأهرام 18/2/2003م ) 0

المحور الثاني : الاتفاقية السرية أعلاه ألغت البيان الثلاثي لعام 1950م الذي فرضت بواسطته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا توازن قوى إقليمياً لمصلحة إسرائيل 0 بمعنى آخر التفاف من القوى الاستعمارية ( فرنسا وبريطانيا ) لإخراج القوة الامبريالية الحديثة ( الولايات المتحدة ) من الشرق الأوسط ( الأهرام 18/2/2003م ) 0

ولكن أمريكا قابلت هذه الدول بغضب شديد ، فالسرية وحجم العدوان لم يغضبان أمريكا ، وإنما أغضبتها محاولات فرنسا وبريطانيا العودة إلى المنطقة ، وهذا يعني فشل سياسة ملء الفراغ وإفشال حلف بغداد ودفع العرب نحو الأتحاد السوفيتي ( الخليج العدد 8679 ) 0

فكما ذكرنا أعلاه فأمريكا سوف تضغط لإبتلاع الكعكة كاملةً لوحدها ، ولكنها إذا فشلت ، ستضطر لعقد اتفاق من تحت الطاولة مع القوى المنافسة لها لإعادة توزيع الكعكة الشرق أوسطية 0 وذلك ليس بجديد على القوى الاستعمارية ، فعندما تصارع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى على الكعكة ( الامتيازات النفطية ، الشرق أوسطية اضطروا في النهاية لتقسيم الكعكة فيما بينهم ، فانشأت ما يسمى شركة نفط العراق وأعطيت امتياز الشرق الأوسط بأكمله ، تحت اتفاقية تسمى اتفاقية الخط الأحمر ، وكان تقسيم الحصص في شركة نفط العراق كالتالي : 75ر23% لكل شركة من شركات الدول التالية أسماؤها : بريطانيا ، وهولندا ، وفرنسا ، والولايات المتحدة الأمريكية ، وأرمني يدعى سركيس نحو لبيكان اعطى 5% لدوره في التأسيس وتنسيق إدارة الشركة ( Al-Thani.F.Phd. PP. 41 – 64) 0

والآن لا نستغرب أن تعيد أمريكا توزيع الحصص في الشرق الأوسط حتى لو كان لفترة مؤقتة ، ونعتقد ربما يكون توزيع امتيازات الهايدروكاربون الشرق أوسطي كالتالي : 40% للشركات الأمريكية ، و 10% للبريطانية ، و 10% للفرنسية ، و 5% لكل من : روسيا وإيطاليا وألمانيا وكندا والصين ، وما تبقى يقسم بالطريقة الأمريكية قسمة غرماء ما بين الشركات العالمية  0

أما بالنسبة للعرب فكالعادة سيخرجون من جميع السيناريوهات خاليي الوفاض ، وأكبر دليل على ذلك المعارضة العراقية ، منذ ثمانية سنوات وأمريكا تعدهم بأنها ستحرر العراق من قبضة الرئيس صدام ، وستسلمهم السلطة في بلدهم ، وعندما اقتربت ساعة الصفر لكي تقوم أمريكا بتنفيذ عدوانها على العراق قالت للمعارضة بعد خلع صدام سيكون دوركم استشاري فقط في إدارة العراق ، أما حاكم العراق سيعين بالطريقة الأمريكية  0

ويقول أحمد جلبي أشهر زعماء المؤتمر الوطني العراقي ( يجب أن لا تكون هناك فجوة في سيادة العراقيين على العراق ) ( الوطن العدد 2728 ) 0

وفي اجتماع أنقرة الذي عقدته المعارضة العراقية في فبراير 2003م ( قالت امريكا بصريح العبارة أن على زعماء المعارضة ألا يتوقعوا دوراً أكثر من تقديم المشورة إذا احتاجها الأمريكيون في معالجتهم للقضية العراقية ) ( الخليج العدد 8676 ) 0

وما يحدث للمعارضة العراقية الآن هو ما حدث لزعامات عربية في القرن التاسع عشر والعشرين عندما عقدوا تحالفات مع المستعمرين ، على أنه بعد أن يسيطر المستعمر على الموقف ، يسلمهم السلطة ، ولكن بعد أن ينتصر المستعمر يغرر بهذه الزعامات ، أو ينفيها ، أو يصفيها جسدياً ، أو يسلمها سلطة لا تزيد على كومةً من صخر ، بعد أن كان يواعدها بأن يسلمها سلطةً تعلو على قمة ايفرست في جبال الهمالايا 0

وفي الختام هل نستوعب الدرس ونضع استراتيجية شرق أوسطية لهذه الأمة ؟0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

حوار في السلطة الميتافيزيقية

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

عندما نقول ثورة ، هذا المصطلح يرمز بأن هناك مجموعة تحمل فكر إصلاحي للمجتمع 0 وفي الطرف النقيض هناك المتضررة مصالحهم من هذه الثورة على المستوى

المحلي والإقليمي والعالمي ، ويعتبرونها زوبعة في فنجان ، يصحبها أسلوب ديماغوجي يلهب مشاعر الجماهير ، وبعد ذلك تقوم هذه الثورة بإمتصاص وإهلاك جميع ثروات الأمة المعنوية

والمادية 0

وهذا التشكيك لم تسلم منه ولا ثورة في الشرق الأوسط ، فالحركة السلفية الإصلاحية المباركة التي انطلقت نواتها من الجزيرة العربية في بداية القرن الثامن عشر الميلادي

لقيت من المدح والذم ما يخجل أي شخصٌ عاقل من ذكره ، ونفس هذا الاعتداء الآثم لقيته الثورة الإسلامية في إيران 0 وكذلك الثورة العربية الكبرى 0

والأغرب من ذلك كله لم تسلم حتى الثورات القومية العلمانية من الأعتداء والتشكيك ، مثل التيار القومي التركي بقيادة أتاتورك ، والحركة القومية الناصرية بقيادة جمال عبد

الناصر ، والبعث العربي ، وثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا 00إلخ0

ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن هذه الثورة أو تلك ، وإنما ضد كيل الاتهامات لهذه الثورات دون دليل مادي محسوس 0

والمفزع في هذا الأمر بأن معظم المهاجمين لهذه الأنظمة وجدوا ضالتهم في بروتوكولات حكماء صهيون ، وأكثر ما نخشاه بأن المعارضين لهذه الأنظمة بدل من أن يجدوا

حلولاً للتخلص من هذه الأنظمة ، أن تصبح البروتوكولات متسلطة على أذهانهم، وذلك سيؤدي إلى استسلامهم لهذه الأنظمة ، وكأن الأمر محسوم عالمياً ومن سابع المستحيلات مقاومته  0

فنجد البروتوكولات تقول ( أن الحكام الذين نختارهم نحن من الشعب ، بحسب عبوديتهم لنا ، وعلى شرط أن لا يكونوا على شيء من المعرفة بأمور الدولة فيغدون بسهولة

بيادق في لعبتنا ، بيد علمائنا ومستشارينا العقلاء أصحاب الاختصاص المدربين منذ نعومة أظفارهم على حكومة العالم ) ( بروتوكولات ص 40 ) 0

ويقول  البروتوكول ( الرؤساء يكون ماضيهم مربوطاً بفضيحة ما ، ليكونوا أوفياء في تنفيذ أوامرنا خوفاً من أن يفتضح أمرهم ) ( بروتوكولات ص 1 ) 0

ويقول البروتوكول ( علينا أن نختار من أفراد الشعب رجالاً للإدارة من الأذلاء الذين لم يكتسبوا الخبرة في شئون الحكم ، وسيكون من السهل أن نجعلهم كقطع الشطرنج ) 0

ويرى د0 الصايغ : ” من الواضح أن اليهود قد نجحوا في تنفيذ هذا البند ، فمن المستحيل أن يتخطى سدة الحكم من هو ليس موالياً لليهود ، ويحرص على مصالحهم ،

ويكون موالياً لهم أكثر من موالاة اليهود لأنفسهم ” ( الخليج العدد 8511 ) 0

وترى البروتوكولات ( لابد من القضاء على السواد الأعظم من الطاقات الشعبية الشابة ) ذكوراً وإناثاً ( بالخمور والمخدرات والرذيلة بشتى أنواعها ، وتهميش جميع

الطاقات الاجتماعية الذكية ، وعدم ترك أية فرصة تسنح لحرقهم إجتماعياً ، وأن تطلب الأمر فلا مانع من تصفيتهم جسدياً ) ( بروتوكولات ص 58 ) 0

وترى البروتوكولات ( بأنه بعد السيطرة على المؤسسات الحاكمة ، والقضاء على جميع الطاقات الإجتماعية الفعالة ، فستصبح الشعوب ” الشعوب هم الكويم ، والمقصود أي

إنسان غير يهودي ” ، أشبه بقطيع من الخراف ونحن الذئاب ، ولا يخفى عليكم حينما تدخل الذئاب الحظائر ) ( بروتوكولات ص 75 ) 0

ونجد بأن هناك آراء معارضة لهذه النظرية وتقول : بأن بروتوكولات حكماء صهيون يقال أنها كتبت عام 1897م في بازل بسويسرا ، ونوقشت بالتعاون مع الماسونيين

الأحرار والليبراليين والعلمانيين والملحدين ، لإقامة أمبراطورية عالمية تخضع لسلطان اليهود ، وتديرها حكومة عالمية يكون مقرها القدس 0 ويبلغ عدد هذه البروتوكولات (24) بروتوكولاً

، ونشرت في عام 1905م ( المسيري ص 14 ) 0

والرأي السائد الآن في الأوساط العلمية التي قامت بدراسة البروتوكولات دراسة علمية متعمقة ، هو أن البروتوكولات وثيقة مزورة ، استفاد كاتبها من كتيب فرنسي كتبه

صحفي يدعى موريس جولي يسخر من نابليون الثالث ، بعنوان حوار في الجحيم بين مكيافيللي ومونتسيكو ، نشر في بروكسل عام 1864م ، فتحول الحوار إلى مؤتمر، وتحول الفيلسوف

إلى حكماء صهيون ( المسيري ص 15 ) 0

ويرى المعارضون لنظرية البروتوكولات بأنه مما عزز فكرة حكومة العالم الخفية ، هو الصراع الذي حدث ما بين الأيديولوجتين العالميتين لقيادة العالم الرأسمالية

والاشتراكية في القرن العشرين الميلادي ، ونجد أن من أهم رموز هذا الصراع العالمي ، وقبل انطلاقه في القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين ، دوتشليد الشهير : رمزاً للارتباط

العضوي بين اليهود والرأسمالية ( فيتش ص 139 ) ، وماركس رمزاً للارتباط العضوي أيضاً بين اليهود والاشتراكية 0 ولذا كان من الممكن تفسير كل شيء بالرجوع إلى مقولة اليد الخفية

0

ويرى د0 المسيري : سواءً كان هذا الرأي الأخير صحيحاً أم كاذباً ، فإن ترويج البروتوكولات يخدم المصالح الصهيونية من الناحية العملية 0

ويتم الآن في الشرق الأوسط ، تداول كم هائل من الكتابات مثل : أحجار رقعة الشطرنج واليد الخفية والبروتوكولات نفسها 00 إلخ 0

ويرى د0 المسيري أيضاً : بأن البروتوكولات هدفها إشاعة الخوف من اليهود والصهيونية بتبني رؤية بروتوكولية تنسب إلى اليهود قوة عجائبية 0 ويساهم بعض أعضاء

النخب الحاكم في الترويج لهذه البروتوكولات لتبرير العجز العربي والتخاذل أمام العدو الصهيوني 0 وقد أثبتت الانتفاضة الفلسطينية أن اليهود بشر وأنه يمكن إلحاق الأذى بهم وهزيمتهم ،

وأنهم يهاجمون عدوهم كالصقور حينما تسنح لهم الفرصة ثم يفرون كالدجاج حينما يدركون مدى اصراره ( المسيري ص 21 ) 0

ونستطيع أن نضيف إلى ذلك الخروج المذل لإسرائىل من جنوب لبنان بواسطة مجموعة من الثوار ينقصهم جميع أنواع العتاد العسكري ، ويملكون العزيمة والإصرار

والعقيدة على دحر عدو اللّه وعدوهم  0

أما بالنسبة لنا فلن نرى في النظرية الجديدة المذكورة أية شيء جديد ، فهناك مدرستين سياسيتين ، الأولى تتبنى التخطيط والإصلاح السياسي حسب الأيديولوجية التي

ينتمون إليها ، ودائماً مدرسة الإصلاح السياسي رموزها يفرضون أنفسهم بطريقة تلقائية ، مثلاً الشيخ محمد بن عبد الوهاب طيب اللّه ثراه قبل ثلاثة قرون من الزمن ، وتاريخنا الحديث

والمعاصر مثل : غاندي في الهند ، ومانديلا في جنوب أفريقيا ، والإمام آية اللّه خميني ، والشيخ أسامة بن لادن بالنسبة لأتباعه في كهوف أفغانستان، ويشتهر عن هذه المدرسة الإيثارية

الكاملة والفناء من أجل الهدف  0

والمدرسة الثانية مدرسة صناعة الرموز ، وهي مدرسة مصنوعة ومركبة ، وبالنسبة لها تتبع منهج الميكيافيللي ( الغاية تبررها الوسيلة ) أي مدرسة متقلبة ومتلونة حسب

فصول الزمن السياسية ، والمهتمين بذلك يمكنهم العودة إلى ما خلفه العهد الأغريقي ، والروماني ، والبابوي ، والدولة الإسلامية في عهد الحكام الضعاف 0 أي بمعنى آخر ما توفر لدينا

من البروتوكولات توضح لنا بأنها تجميع لخطط مدرسة صناعة الرموز (الفساد السياسي) جمعت وأطلق عليها بروتوكولات حكماء صهيون  0

ولنا مجموعة من الآراء منشورة لمدرسة صناعة الرموز وهي : مثلاً تقوم وسائل الإعلام أحياناً بإعطاء الشهرة لمن لا يستحقها ، إذ تقوم بالتركيز على شخصية سياسية أو

فنية ، أو صحفية ، أو اجتماعية أو رياضية 00 إلخ ، وهذا كله يخلق تسلطاً ونفوذاً على عقول البشر ، ويزداد ذلك التسلط والنفوذ على العقول البشرية ، كلما زادت قوة شخصية صاحبه ،

خاصةً إذا كان المقابل له منخفضاً من ناحية التعليم والخبرة ( آل ثاني ، الوطن العدد 1639 ) 0

وكذلك أوضحنا دور السلطة في عملية الردع المعنوي : إذا أردت أن تقتل المصداقية في أي إجتماع فكري أو ربما يبحث عن نوع من السرية ، لمح للأشخاص بأن هناك نوعاً

من الرقابة على هذا الاجتماع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وانظر ماذا يحدث ؟ 0

أو ربما أسهل من ذلك عندما تريد أن تشوه صورة شخص له قدسية واحترام معين أمام مجموعته أطلق عليه وصف عميل 0 وانظر ما أقسى ردة الفعل عليه ، وربما هذا

السلاح ، وهو اليد الخفية يستعمل أحد الثوار ضد أحد الرفاق فيقوم فيتهمه بأنه عميل ويقوم باقي الرفاق بتصفيته جسدياً ، وخاصةً إذا لفق الاتهام له بإحكام وأرتبط بقرينة قوية ، ومن هنا

أستخدم مصطلح قوي في الثورات للدلالة على المتعصبين المؤمنين بأهدافها يقدمون الغالي والنفيس لها ، أما الإنتهازيون فإنهم غالباً ما يجنون ثمارها  ( آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص

107 ، 108 ( 0

ومن هنا لا أستطيع أن أجزم بأنه توجد بالفعل للعالم حكومةً خفية أم لا توجد ، ولكن ما أستطيع أن أؤكده للقارئ المحترم ، بأنه بالفعل تقوم الأمم المنتصرة بالتخطيط السياسي

للأمم المغلوبة ، وقدمنا لكم أمثلة كثيرة في مواضيع سابقة ، وكذلك لفت نظرنا مثال في التخطيط السياسي قدمه أخيراً الأستاذ هويدي وهو : أسلوب إعادة تأهيل اليابان بعد هزيمتها في

الحرب العالمية الثانية 0 تولى الجنرال مارك آرثر قائد قوات الاحتلال الأمريكية ، مهمة إعادة اليابان سياسياً واقتصادياً ، فتم إجراء انتخابات ديمقراطية ، فاز فيها الحزب الليبرالي الذي

كانت قيادته رهن إشارة الجنرال آرثر ، وبالتالي وافق الحزب الليبرالي على وضع اليابان تحت الحماية العسكرية الأمريكية ، وأعد الحزب دستور جديد نص على رفض اليابان إلى الأبد

الحرب كحق من حقوق السيادة للأمة 0 الأمر الذي أدى إلى تسريح القوات المسلحة وتجريد اليابان من السلاح، كما تم اصدار قانون زراعي لتفتيت سلطات العائلات الاقطاعية ، ثم جرى

تفتيت الشركات الصناعية الكبرى باعتبارها مسؤولية على التوسع الياباني 0 وكذلك تولت الولايات المتحدة دور تحديد النظام التعليمي ، ومثله النظام الاقتصادي ( الخليج العدد 8507  )

راجع آل ثاني ، العالم الإسلامي ص 231 – 235 .

وفي الختام قلنا لا نستطيع أن نتفق مع نظرية حكومة العالم الخفية على إطلاقه ، وكذلك لا نستطيع أن ننكر بأن هناك ظلم وفساد في العالم العربي والإسلامي أصبحت جميع

الشعوب ترفضه ، وأقوى مثال على ذلك : استطلاع الرأي لمعرفة شعبية الشيخ أسامة بن لادن إذا كان بطل أو مجرم ، والذي أجرته صحيفة الرأي الكويتية على عينة تشتمل على (15500)

شخص كويتي ، علماً بأن عدد مواطني الكويت لا يتجاوزون نصف مليون نسمة تقريباً ، أي أن هذه العينة تشتمل على 3% من مواطنين الكويت ، وأنا بدوري كأستاذ جامعي وكشخص

متخصص أقول لكم إذا كانت العينة عشوائية ، وتشتمل على 3% من مواطني الكويت فإنها قوية بدرجة جيد جداً 0 وكانت نتيجة هذه العينة 75% ترى بأن أسامة بطل ، و 19% ترى بأن

أسامة مجرم ، و 6% لا أدري  0 وربما هذه العينة مفاجئة للبعض لأنها جاءت من الكويت ، والكويت هي الدولة التي حررتها الولايات المتحدة من الاحتلال العراقي ، وأسامة يعتبر العدو

الأول لأمريكا ، فكان من المتوقع بأن نسبة كبيرة تتحفظ أو تكون في صف أمريكا 0

ولأننا لا نستطيع أن ننكر بأن الكويت أكثر الدول العربية من حيث الممارسة الديمقراطية والليبرالية وحرية الرأي 0 وأخيراً لأن الكويت هي رائدة المنطقة في التنمية الحديثة

، بل نحن ومجموعة من الزملاء الباحثين نطلق على التنمية الخليجية النموذج الكويتي 0

والسؤال الذي يطرح نفسه لو أجري هذا الاستطلاع في الدول العربية والإسلامية الأخرى ، ما هي النتيجة التي تتوقعونها ؟ 0

سوف أريحكم وأقول لكم التالي : قمنا بمناقشة وحوار مفكرين ومثقفين يحملون الجنسيات والأيديولوجيات المختلفة مثلاً : ليبراليين ، وبعثيين ، وقوميين واشتراكيين

وإسلاميين بمختلف الأطياف ، وأكاد أن أقول لكم بأن 99% منهم يرون بأن أسامة بطل، والسبب في ذلك ليس إن أسامة اعتدى على أمريكا ، وليس لأن أسامة من المسلمين السلفيين

المتشددين ، ولكن الاتفاق على أن أسامة صاحب مبدأ وإيثاري للوصول إلى هدفه  0

أما السبب الرئيسي في تأييد أسامة هو الأوضاع الرديئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المنطقة العربية والإسلامية ، وذلك أعطى جميع القطاعات الشعبية

بمختلف أطيافها درجة كبيرة من التشاؤم من أوضاعنا الحالية  0 وهذه الخلاصة نقدمها إلى مستشارين وبطانة السلطات في العالمين العربي والإسلامي راجياً منهم عمل التخطيط السياسي

المناسب الذي يفيق الأمة من سباتها  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

حوار حول علاقة الأصوليين بالعنف

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

* الاستفسار الأول : ما هي الأسباب التي دفعت الجماعات الأصولية للتحرك في     الأردن والسعودية وسورية مؤخراً وفي هذا التوقيت بالذات؟0

عندما يطرح مثل هذا السؤال ، بالتأكيد لن نستطيع أن نجد له اجابةً واحدة شافية0 ولكن ربما هنالك مجموعة من العوامل المباشرة والغير المباشرة تؤدي في النهاية إلى مثل هذا الانفجار 0 فالمواطن العربي والمسلم يعاني من الفقر والتهميش والجهل والمرض ، وعندما يصل الإنسان إلى هذه الحالة من اليأس فإننا علينا أن لا نستبعد أية ردة فعل سلبية من الإنسان المقهور  0

وقبل أن نخوض في عمق الموضوع يجب علينا أن لا ننسى بأن أجهزة المخابرات أحياناً عندما تعجز عن مواجهة تنظيم معين ، ويُصبح التنظيم ذا أرضية شعبية كبيرة ، في هذه الحالة يشعر جهاز المخابرات بالخطر ، فيقوم بعملية نسميها في السياسة استراتيجية افتعال أزمة 0 أي يقوم جهاز المخابرات ببعض العمليات التخريبية وينسبها مع قرائن قوية للتنظيم ، وطبعاً يفترض أن هذه العمليات موجهة ضد المدنيين وربما بعضهم من المؤيدين للتنظيم ، وطبعاً لو نجحت أجهزة المخابرات في ذلك فإن النتيجة ستكون فقدان التنظيم لشعبيته تدريجياً ، إلى أن يصبح مهمشاً بشكل كامل0

* طبعاً ما ذكر اعلاه يبقى فرضية جدلية  0

ولكن ربما تكون من العوامل المباشرة في الدول أعلاه ، ونضيف لهم تركيا والباكستان ، يعتبر انبثاق للنكبات التي يعانيها المسلمين وتفاقمت للأسف في القرن الأمريكي  القرن الواحد والعشرين  ومنها :

1- بعد الاعتداء والاحتلال الأمريكي الغير مبرر لدولة أفغانستان والعراق ، أصبحت المنطقة في حالة سيولة سياسية وأمنية ، ولا نستغرب أن يكون رد الفعل عنيفاً ، ويجب أن نفرق ما بين ردتي الفعل فإذا كانت ضد العدو المحتل فذلك في القانون الدولي يسمى مقاومة شرعية ، أما إذا كان ضد المدنيين في دول آمنة ، وحتى لو كانوا أجانب ودخل هؤلاء الأجانب بالطرق الشرعية في الدول الآمنة ذات السيادة وتعرّض هؤلاء الأجانب للعنف ، فذلك بالفعل يعتبر ارهاباً ومحرماً في عقيدتنا الإسلامية السمحاء ، وفي الأعراف الدولية بشكل عام 0

2- عدم وجود برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة في الدول العربية والإسلامية ، ذلك أدى إلى ضياع أفغانستان والعراق ، ومحاصرة الصهاينة لاخواننا في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ونتيجة ذلك ولد كثيراً من القهر عند قطاعات شبابية كبيرة في العالم الإسلامي ، وفقدان الثقة في الأنظمة القائمة ، الأدهى والأمّر من ذلك هو عدم توفر الديمقراطية أو المجتمعات المدنية المتعافية والتي تشكل القنوات الصحية لهذه القطاعات الشبابية للتنفيس عن الضغط القهري الذي يقع عليها ، وبالتالي لا نستغرب أن تكون ردة الفعل سلبية ، وأحياناً تكون عنيفة من بعض الشباب الإسلامي  0

* ما الأهداف التي تسعى إليها الجماعات الأصولية ؟ هل هي مرتبطة بالأوضاع في فلسطين والعراق أم لأسباب داخلية في تلك الدول ؟ 0

أنتم قلتم في البداية الجماعات الأصولية ، ونحن أصبحنا في هذه الأيام نستشف من كلمة الأصولية الجماعات الإسلامية ، وإذا كانت أعمال العنف الأخيرة قامت بها جماعات إسلامية بالفعل ، فذلك يعني بأن هذه الجماعات لها أهداف متعددة ، وتؤدي في النهاية إلى استراتيجية واحدة 0 فالأهداف منها مثلاً تغيير الأنظمة المحلية ، وطرد القوات الأجنبية الموجودة في بعض الدول الإسلامية ، وكذلك بسبب ما يحدث لإخواننا في فلسطين والعراق وأفغانستان ، والهجوم الشرس الذي حدث على العقيدة والثقافة الإسلامية في معظم الدول الإسلامية ، وفي النهاية هذه الأهداف تتبلور عند بعض الجماعات بعالمية الإسلام ، أو على أقل تقدير هو إقامة دولة إسلامية في بعض أجزاء العالم الإسلامي في المرحلة الأولى ، وهذه المرحلة ستعقبها مراحل مثل حلم الحزام الأخضر الذي يمتد من أفغانستان إلى دول شمال أفريقيا ماراً ببعض الدول الأوربية 0

* ما مسئولية الاحتلال الأمريكي للعراق ومشاريع الإصلاح عن تزايد العنف لهذه الجماعات ؟

هذا الاستفسار سيساعدنا في تلخيص الموضوع كاملاً 0 فالسبب الرئيسي لكل ما يحدث للمنطقة هو الولايات المتحدة الأمريكية وذلك يعود للتالي :

1- أمريكا لم تقدم خطة فعالة لحل القضية الفلسطينية علماً بأن مفتاح القضية كاملاً موجود في واشنطن  0
2- أمريكا بعد انتهاء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1990م لم تقدم أية مساعدات للثوار الأفغان لكي يعيدوا تنظيم أنفسهم ووطنهم  0
3- أمريكا بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988م لم تقدم أية مساهمات للنظام الإقليمي الخليجي العربي لكي يستطيع اعادة صياغة نفسه بعد انتهاء الحرب ، بل تركت المنطقة في حالة من التوتر الإقليمي انتهى باحتلال العراق للكويت في أغسطس 1990م 0 وهذا الاحتلال كان يعتبر كتفويض شرعي لأمريكا لكي تتدخل في شؤون المنطقة بشكل مباشر بعد أن كانت سابقاً في الخفاء  0 وطبعاً الجميع يعلم ما حدث بعد ذلك إلى أن وصلنا إلى هذا الحال في مايو 2004م ، والبقية تأتي  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

حوار حول العنف

بسم الله الرحمن الرحيم

24/6/2004

س : هل تعتقد أن تفاقم العنف في الجزيرة العربية يمثل انعكاساً لإحتلال الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان و من بعدها العراق ، وللتنازل الامريكي بالنسبة للقضية الفلسطينية ؟ .

ج : بكل تأكيد ، نذكر في مقالة لنا نشرت بعد احتلال العراق في عام 2003 م قلنا فيها أن الإحتلال الأمريكي للعراق جعل المنطقة في حالة سيولة ، وعندما تصبح المنطقة في حالة سيولة سيكون ذلك له انعكاسات سلبية على الدول المجاورة ، لأن الفوضى ستنتقل إليها من الأراضي المحتلة .
ومن هنا نحن حريصين على أن الولايات المتحدة بالتعاون مع الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي يفترض أن يساهموا في الضغط على الأنظمة الكلاسيكية في المنطقة مثل الأنظمة الأبوية ، والشمولية ، والدكتاتورية لكي تنتقل تدريجياً من الدولة المركزية الفردية إلى نموذج الدولة الحديثة التي يكون فيها الشعب هو مصدر السلطات ، وليس العكس كما هو حادث الآن .
وميزة الانتقال التدريجي مثل النموذج الاسباني عندما سلم الفرانكو السلطة للشعب ، أو مثل النموذج الروسي عندما تنازل الحزب المركزي للتعددية الحزبية ، أن هذه النماذج تؤدي إلى سلاسة انتقال السلطة من دون انهيار النظام ، وكذلك تؤدي إلى امكانية المحافظة على بعض المؤسسات والانجازات الصحيحة للدولة ، مثل الجيش والأمن الداخلي ، وكذلك البنية التحتية والخدمات والصناعات التي انشأتها الأنظمة السابقة ، فلإحتفاظ بهذه المنشآت سيسهل على السلطات الجديدة انشاء دولة مؤسسات حديثة ! .

وذلك عكس ما حدث للعراق بحيث اعيدت الدولة إلى مرتبة الصفر ! من الناحية البنيوية !! .
وكذلك ساعد كشف امريكا لهشاشة النظام العربي السياسي إلى زيادة عمليات العنف في المنطقة . و هذا المؤشر ساهم في تحريض بعض الجماعات مما أدى إلى رغبتها في تغيير الأنظمة العربية .
واخيراً اذا العرب ارادوا أن يحتفظوا بكرامتهم وتحرير مقدساتهم ، وعدالة توزيع الوظائف ، وعدالة توزيع الدخل ، ليس لهم إلا أن يعودوا إلى المخططين الإستراتيجيين للأمة لإخراجها من الكارثة التي وقعت فيها الأنظمة العربية !! .

حوار 4 × 4 في الإرهاب

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

كنا في حوار مع بعض الأخوة ، وتحول هذا الحوار إلى نقاش ، وكان هذا النقاش يركز على أربعة محاور رئيسية هي :

المحور الأول : هل يجب أن نعلن الحرب على الكفار في الشاطئ الآخر ؟
المحور الثاني : من يخاف من إرهاب الآخر ؟
المحور الثالث : ما هي حدود التعاون مع الآخر ؟
المحور الرابع : هل تنظيم القاعدة بهذا الحد من الضخامة في تنفيذ عمليات نيويورك      وواشنطن والرياض والدارالبيضاء ؟ أم أن الغضب من أميركا      أصبحت تنفذه مجموعات محلية مستقلة عن القاعدة ؟

المحور الأول : إعلان العداء ؟

نعتقد بأن إعلان العداء ضد الكفار أو غير الكفار بالنسبة لنا كمسملين يفترض أن يتم عندما يكون هناك اعتداء على أموالنا ، أو أعراضنا ، أو أوطاننا ، والدفاع يفترض أن يكون من ضمن استراتيجية إقليمية لحماية أمن المسلمين ، في حالة وقوع إعتداء عليهم ، أو على أياً من أقاليمهم  0

أما بالنسبة لمصطلح كفار فنعتقد بأننا بشكل كبير ضد استخدامه على اطلاقه 0 لأن من يوجودون على الشاطئ الآخر ، أو عبر البحار ، فيهم مسلمون ومسيحيون ويهود أي الاثنين الأخيرين كتابيين ، وحتى الآخرين يوجد بيننا وبينهم ميثاق 0 وخلاصة القول بأننا لسنا في حالة حرب معهم سواء الكتابيين أو غيرهم ، ووصية أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه لجيش أسامة نعتقد أنه يعرفها جميع المهتمين بهذا الشأن0

ويفترض أن نوضح بأنه عبر البحار أي في أمريكا وأوربا بشكل خاص يوجد من يدافع عن قضايانا العربية والإسلامية أفضل بكثير من الأساليب المترهلة الموجودة لدينا 0

ويفترض أن نعلم بأن معظم شعوب الشمال موضوع السياسة ليس الشغل الشاغل لهم يومياً مثل الشعوب العربية والإسلامية 0 والسبب هو بأن شعوب الشمال لديها جميع القنوات المناسبة للتعبير عن آراءها ، ولإختيار ممثليها ، وللمنافسة الديمقراطية للمشاركة السياسية من قمة الهرم إلى قاعدته  0

ونجد بأن ما يشغل المواطن العادي في الشمال يومياً هو الدخل وكيفية التعامل مع الضرائب ، والاعفاء الوظيفي ، والتقاعد ، والبطالة ، ومن الجهة الأخرى أصبح معظمهم يعاني من التفكك الأسري ، بسبب مذهبهم الليبرالي  0

والكارثة التي تحدث في الشرق الأوسط تتم من خلال تنظيمات لها استراتيجية خاصة بها ، ورؤيا استراتيجية بالنسبة لهذا الكوكب بشكل عام ، والشرق الأوسط بشكل خاص 0 وهذه التنظيمات من خلال الشعارات التي قدمت للمواطن المذكور أعلاه مثل : خفض الضرائب ، ورغيف لكل جائع ، ومقعد مدرسة مناسب لكل طفل ، ومصحة لكل كهل استطاعت أن تصل إلى السلطة ديمقراطياً  0

وبعد الوصول إلى السلطة يتم تنفيذ تصوراتهم الكونية في العالم : فالصهاينة المسيحيين يعتمدون على ( عهد إبراهيم ) ، وعد اليهود بكامل أرض الميعاد ، التي تضم اليوم الضفة الغربية ، وذلك للأبد 0 والكثيرون من الإنجليين يعتقدون أن يسوع لن يعود قبل أن تتم إعادة بناء الدولة العبرية بشكل كامل بما في ذلك القدس ( نيوزويك العدد 155 ) 0

ونجد في هذا نوع من التلاقي ما بين أعلاه والأساطير اليهودية في تحقيق دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل  ( الأهرام العدد 323 ) 0

إذاً يفترض علينا بأن الإنسان العادي عبر البحار ليس بعدو لنا ، ولكن المهم الكيفية التي نستطيع من خلالها أن ننظم أنفسنا ونصل إليه  0

المحور الثاني : من يخارف من إرهاب الآخر ؟

نحن نرى بأننا نعاني من أرهاب أمريكا ، أكثر من أن تعاني أمريكا من إرهاب الشرق الأوسط ، وطرحنا هو كالتالي : من يحتل من ؟ طبعاً أمريكا تحتل أجزاء كبيرة من أوطاننا  0

من يسلب من ؟ : طبعاً إسرائيل سلبت أرضنا ومقدساتنا في فلسطين وحولتها لما يسمى إسرائيل ، وبدعم أمريكي مطلق وأوربي مستتر  0

من يسيطر على موارد من ؟ : أهم مورد لدينا في العالم العربي والإسلامي الهايدروكاربون ( النفط والغاز الطبيعي ) وهو يقع الآن تحت سيطرة أمريكية شبه مطلقة ، ويضاف إلى ذلك امكاناتنا الاقتصادية ، والبشرية ، والمكانية ، ومن يرفض ذلك يعاني من التهميش الأمريكي بطريقة مباشرة وغير مباشرة  0

من يضع سيناريوهات لإختراق من ؟ : طبعاً أمريكا خططت واخترقت واحتلت المنطقة ، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وذلك تم في الخليج العربي ، ووسط آسيا ، وجنوب شرق آسيا ، ووادي النيل ، وشمال أفريقيا ، وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا  0

ويؤسفنا أن نقول لكم لا توجد سيناريوهات عربية أو إسلامية لإيقاف عملية الاختراق الأمريكية للمنطقة ، والنتيجة نعتقد بأن الجميع يراها  0

إذاً وبكل سهولة نستطيع أن نقول لكم بأننا نحن الذين نعاني من الأرهاب الأمريكي  0

المحور الثالث : حدود التعاون :

القضية الحقيقية ليست حدود التعاون مع الآخر ، ولكن ما هي حدود التعاون الإقليمي ما بين الدول العربية والإسلامية ؟  0

تحدثنا كثيراً وكتبنا كثيراً بأنه إذا لم يكن هناك تعاون إقليمي ما بين دول الشرق الأوسط 0 ونقصد دول العالم العربي والإسلامي فلن يكون لهذه الدول دوراً يذكر في هذا الكوكب  0 وللأسف انتظرنا إلى أن تحدث بوش الأبن في مايو 2003م ، بأنه سوف يقوم بصياغة شرق أوسط جديد حسب التصور الأمريكي الإسرائيلي للمنطقة 0

وصرح بعض الدبلوماسيين بأن هذا الشرق الأوسط سيكون كالتالي : فإتفاقية التجارة الحرة للشرق الأوسط الأمريكي ، يقضي بأن تكون إسرائيل طرفاً أساسياً في أي تبادل تجاري بين دول المنطقة والولايات المتحدة 0 وكذلك بالنسبة لمكونات السلع التي يسمح بدخولها إلى السوق الأمريكية ، هو ضرورة اشتمال هذه السلع على مكونات إسرائيلة المنشأ بنسبة 13% على الأقل وإلا تم حظر دخولها  0

المحور الرابع : هل تنظيم القاعدة بهذه الضخامة ؟  :

طبعاً نحن في حل عن الإجابة عن تنظيم مازال قائماً على مستوى العالم أصلاً 0 ونسمع جميعاً نشرات قيادة القاعدة وبين فترةً وأخرى عن طريق الأشرطة المسجلة في المحطات الإعلامية أو على الإنترنت  0

فنعتقد أنه بإستطاعتهم الإجابة على هذا السؤال بطريقة أو بأخرى 0

ولكن نستطيع أن نقول لكم من خلال متابعتنا للتاريخ السياسي للأمم 0 عندما تصبح الأنظمة مترهلة وينعكس ذلك على ضعف التنظيم الأمني والعسكري لحماية الأوطان ضد الاعتداء الأجنبي ، وينتج عن ذلك تبعية سياسية واقتصادية في الأقاليم السياسية ، وهي الاقتراب من نقطة الصفر التي نصنفها للأمم  0

وعندما تصل الأمة إلى نقطة الصفر يأتي الغازي وليسهل عليه ابتلاع الجسد السياسي المنار أصلاً  0

ولكن بعد الاحتلال تبدأ الشعوب بتشكيل أنفسها من جديد من خلال خلايا عنقودية للمقاومة ، وغالباً ذلك ما يكون نتيجته تحرر الأوطان إنشاء اللّه  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

حسمها الأصوليون والشرق الأوسط يدفع الثمن

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

ماحدث للعراق في مارس 2003م من بشاعة وخرق لجميع المواثيق الدولية ، وإن يكن من ناحية عملية مرتبط بإدارة بوش الابن ، ولكن البعد النظري الجيوستراتيجي مخطط له منذ أكثر من عقدين من الزمن ، والذي نستطيع أن نؤكده بأنه منذ عام 1991م والدليل على ذلك ما قاله بوش الأب في نيوزويك العدد 146 : ” كنت أعتقد أن صدام سيلقي حتفه ، مثلما اعتقد كل زعيم عربي ، وأحس كل زعيم في الخليج بأنه سينتهي ، والبريطانيون والفرنسيون وكل شخص ” 0

ونستطيع أن نحلل رأي بوش الأب بعدم المواصلة في التخلص من الرئيس صدام عام 1991م إلى ثلاثة عوامل متوقعة :

أ  – حرب تحرير الكويت عام 1991م كسبت شرعية دولية تحت مظلة مجلس الأمن ضمن المادة 42 وجوب أن يكون التفويض من جانب مجلس الأمن 0 وبما أن الولايات المتحدة حصلت على تفويض شرعي من مجلس الأمن لتحرير الكويت ، وفي نفس الفترة كانت نهاية الحرب الباردة ، وبروز أمريكا كالقطب العالمي الأوحد في العالم ، لذلك يعتقد بأن أمريكا كانت تحترم قرارات مجلس الأمن بشكل كبير ، لأن من خلال ذلك كانت تريد المحافظة على السيطرة العالمية بطريقة قانونية  0
ب – يعتقد أن العامل الثاني هو ثورة الأخوان الشيعة في الجنوب العراقي ، وكانت أمريكا ودول مجلس التعاون الخليجي متخوفين من مطالبة شيعة جنوب العراق الاهتمام مع أخوانهم الشيعة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وذلك سيخلق جيوبوليتيكية جديدة في المنطقة  0

ج – العامل الأخير يعتقد بأن إدارة بوش الأب في عام 1991م اعتقدت حدوث انقلاب داخلي في مؤسسة الحكم العراقية ، علماً بأن هناك تقارير تدعم بأن الولايات المتحدة حاولت أن تدعم هذه النوعية من الانقلابات  0

ولكن ما نستطيع أن نقوله لكم بأنه من شبه المؤكد أن إدارة بوش الأب اعتقدت بأنها ستنتصر في انتخابات عام 1992م ، وهذا سيعطيها الفترة الزمنية الكافية لوضع عدة سيناريوهات لأزمة الشرق الأوسط ، وكانت الإدارة الأمريكية تحاول أن تحافظ على الحلف العراقي معلقاً كمسمار جحا ، وهذا المسمار يعطيها الحق في التدخل في المنطقة متى شاءت  0

ولكن الشيء الذي لم يكن في الحسبان بالنسبة للجمهوريين الأصوليين هو خسارتهم في انتخابات عام 1992م ووصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض في عام 1993م ، واستمرت سيطرتهم على البيت الأبيض إلى عام 2000م 0 وذلك مما جعل الجمهوريون يدخلون في انتخابات 2000م بكل ثقلهم لكي يصلوا إلى البيت الأبيض ، واستخدموا جميع أسلحتهم المشروعة وغير المشروعة ، والدليل على ذلك استطاع الجمهوريون إيصال بوش الابن إلى البيت الأبيض ليس بواسطة الانتخابات الشرعية ، وإنما بواسطة قانون المحكمة ومازال الجدال مستمراً حول مدى دستورية تنصيب بوش الأبن رئيساً على الولايات المتحدة  0

والأمر المفجع بأنه على رأس قائمة الجمهوريون عندما وصولوا إلى البيت الأبيض هو ما قاله كولن باول في مارس 2001م :

1- القدس عاصمة إسرائيل 0
2- العراق سوف تعالج أزمته بأسلوب احتواء وقمع جديدين 0
3- السودان يقسم إلى دولتين في الشمال والجنوب 0

وبعد ذلك صرح المصدر الأمريكي بأن ذلك مجرد فرضيات ، ولا تعتبر قرارات رسمية  راجع آل ثاني ، فهد ، العالم الإسلامي ، ص 119 ، 120  0

وفي منتصف مارس 2003م ظهر للملأ مبدأ بوش الابن الكلاسيكي لإستخدام القوة ، وهو عندما قال للرئيس العراقي : تنازل عن السلطة وأخرج أنت وأبنائك من العراق خلال 48 ساعة وإلا سنخرجك بالقوة  0 ما قاله بوش الابن يبدو ظاهرياً أنذار، ولكنه في الحقيقة قطع خط الرجعة بشكل كلي أمام العراق لمحاولة إيجاد مخرج من الاعتداء الأمريكي المحسوم عليها  0 وهذا بالفعل ما قالته الإدارة العراقية نحن جاهزون للمنازلة ؛ بغض النظر ما هي النتائج الختامية ؟  0

وبدأت الكارثة الإنسانية والطبيعية على العراق بالأهداف الثمانية التي حددها رامسفيليد ، ونحن نسميها الموبقات الثمانية ضد القانون الدولي العام وهي خلع الرئيس العراقي ، وأربع نقاط منها بخصوص الارهاب وأسلحة الدمار الشامل ، ووضع حد للعقوبات المفروضة على العراق ، وتأمين حقول النفط ، ومساعدة إعادة تشكيل الجيش العراقي 0 وهذه المطالب السبعة الأخيرة جميعها أذعن لها العراق وفتح أبوابه على مصراعيها للأمم المتحدة ، وكل من تفوضه للبحث عنها ، ولكنهم فشلوا في إيجاد أي من المحظورات ، أو في مساعدة العراق فيما يمكن إصلاحه  0 وذلك يعود للضغوط المستمرة التي تتعرض لها المنظمة الدولية من قبل الولايات المتحدة لإفشال أي مسمى لإيجاد حل سلمي للأزمة العراقية  0

خلاصة القول بأن ما حدث ويحدث للعراق مقرراً له أن يحدث منذ فترة زمنية طويلة ، وربما أكثر من عقدين عندما اعتدت إسرائيل على المفاعل النووي العراقي  0

ويدعم ذلك ما تقوله النظرية الاستعمارية ، ففي مقالة نشرتها وول ستريت جورنال ، قال لونستون تشرشل حفيد الزعيم البريطاني تشرشل : ” كان جدي ، هو الذي صنع العراق ، وأسس معظم الشرق الأوسط الحديث منذ عام 1921م ، ورسم الحدود الدولية في المنطقة ، ونصب الحكام فيها ” 0 ولم يتبق للحفيد إلا أن يقول أن الشرق الأوسط من أملاك التاج البريطاني ، والولايات المتحدة وريثة المملكة المتحدة في الشرق الأوسط وفي العالم 0 وفي النظرية الاستعمارية هذا يعطي الولايات المتحدة الحق أن تتصرف في الشرق الأوسط كيفما تشاء  0

وعموماً النظرية الاستعمارية ربما تجد من يذعن لها وكله آذاناً صاغية لما تقول في الشرق الأوسط ، وهم قلة طبعاً  0

ولكن لإقناع الشارع المتحرر فكرياً في الغرب لابد من أن يستخدم له سلاح آني وعصري يمثل الخطر الذي يهددهم به المتخلفون في الشرق الأوسط وعالم الجنوب ، وهو ما قاله هنري كيسنجر لمجلة  باري ماتش  : ” الحرب ضد العراق جزء أساسي من مكافحة الارهاب ، وهي المرحلة الثانية من هجوم بدأ في أفغانستان ” 0

وهذا يعطينا النظرية الأصولية لهنري كيسنجر وهو يوضح بأن حصان طرواده الأرهاب ظاهرياً ، ولكن بواطن الأمور تكمن في تغيير خارطة الشرق الأوسط ، وصناعة إسرائيل الكبرى  0

ويدعم رأينا بالنسبة لما يحدث للعراق والشرق الأوسط المفكر الأمريكي مايكل كولينر بايبر في محاضرة ألقاها في مركز زايد ، وقال : ” هذه الخطة تتصل بحلم إسرائيل الكبرى ، الأمر الذي تعمل الإدارة الأمريكية على تشجيعه والترويج له ” 0

وفي الختام ما قامت به الولايات المتحدة في العراق يعتبر انتهاك كامل للقانون الدولي وللتنظيم الدولي بشكل كلي وذلك لأنها لم تستخدم الطرق السلمية لحل النزاع ، والتهديد باستخدام القوة ، وبل استخدامها دون تفويض من مجلس الأمن 0 وكذلك استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة المحرمة دولياً كالقنابل العنقودية والانشطارية والقنابل التي تزن أكثر من سبعة أطنان من المتفجرات والقنابل المساحية 0 ومن الانتهاكات الأخرى التي قامت بها الولايات المتحدة للقانون الدولي العام هو التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، وضرب المناطق المدنية ، وتحطيم التراث الحضاري للأمم0

السؤال الذي يطرح نفسه الاعتداء الأمريكي على العراق انهى صلاحية كلٌ من المنظمات التالية : الجامعة العربية ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، وعدم الانحياز ، وعلى رأس القائمة الأمم المتحدة  0

السؤال هو : هل ستعيد الولايات المتحدة صياغة القانون الدولي ؟ والتنظيم الدولي ؟ 0 لأننا كقانونيين أعتقد بأننا لا نستطيع أن نعمل بهذا القانون الوضيع الذي يفتقد للشمولية ، لأنه يترك البعض ويطبق على البعض الآخر  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

حرب تحرير الصفقات

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

الحرب المسماه بحرب تحرير العراق ، نرى أن من أهدافها الرئيسية ، كما ذكرنا كثيراً من خلال وسائل إعلامية ، ومناسبات علمية ، هو التالي :

أ  – أمن إسرائيل ، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى 0
ب – تغيير المجال الجيوسياسي للشرق الأوسط  0
ج – السيطرة الجيواستراتيجية على قلب العالم ، وعلى موارد الطاقة ، وذلك يعطي الولايات المتحدة عنصرين رئيسيين هما :
1- السيطرة على جميع مجالات الحركة في العالم القديم 0
2- السيطرة على معظم موارد الطاقة 0
ونتيجة ذلك سيحافظ على هيمنة الولايات المتحدة الأحادية على العالم بطريقة تلقائية ربما تصل إلى خمسة عقود من الزمان  0
د – تنشيط الاقتصاد الأمريكي وإخراجه من الركود على المدى القصير  0

النقطة الأخيرة هي حجر الزاوية التي يدور حولها هذا الموضوع ، وبالطبع ذلك ليس بغريباً ، فأحد عوامل قيام الحرب العالمية الثانية هو الركود الاقتصادي الأمريكي في عام 1929م ، وتلى ذلك الركود شبه إنهيار للاقتصاد الأمريكي والعالمي  0

وكأن التاريخ يعيد نفسه ، فبعد الحرب الباردة كانت المحاولات الأمريكية لعولمة العالم بطرق سلمية ، أو ربما بطرق تستخدم فيها الجزرة أكثر من العصا  0 ولكن بعد أن فشلت برامج العولمة ما بين 1991م – 1998م ، بدأ العالم الصناعي وخاصةً أمريكا ، تعاني من ركود كبير ، وانعكس ذلك على عدة مؤشرات اقتصادية منها : العجز المزمن في الميزان التجاري ، وانخفاض النمو في الناتج المحلي إلى أقل من 1%، وارتفاع معدل البطالة ، وانعكس ذلك على خسائر فادحة على كبرى الشركات الأمريكية المساهمة ، كما سيوضح لاحقاً  0

إذاً الأزمة الاقتصادية موجودة أصلاً قبل أحداث 11 سبتمبر 2001م ؛ والدليل على ذلك أن الإدارة الأمريكية حاولت تقديم مجموعة من الحلول للخروج من هذه الأزمة، وبالنسبة لنا كشرق أوسطيين ، ربما نتذكر جيداً الهبوط الكبير الذي أصاب أسعار النفط ، وأكثر وضوحاً التأرجح الذي أصاب أسعار النفط صعوداً وهبوطاً ، وأوضحنا ذلك من خلال دراسة نشرت لنا في مجلة المستقبل العربي ، الكيفية التي يستطيع بها الأمريكان التحكم في أسعار النفط ، وذلك لتنشيط العرض والطلب الكلي في الأسواق العالمية ( راجع آل ثاني ، فهد ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 275 ) 0

وبعد فشل استراتيجية الجزرة ، اتجه الأمريكان إلى استراتيجية العصا ، وهنا آراء كثيرة تتهم الإدارة الأمريكية بأنها عندما تريد استخدام استراتيجية العصا ، فسوف تجد بأن معظم شرائح الرأي العام الأمريكي يقف ضد الحرب ، إلا عندما يكون هناك تهديد للأمن القومي الأمريكي 0

إذاً لمحاولة اقناع الرأي العام لأهمية استراتيجية العصا ، لابد من إحداث كارثة محلية ، حتى يضغط الرأي العام الأمريكي على إدارته ، لأستخدام جميع الأساليب القمعية ، من جميع البؤر المارقة في العالم ، والأمثلة على ذلك :

1- الشعب الأمريكي كان يؤثر مبدأ العزلة ، أي عزل أمريكا عن مشاكل العالم القديم ، وبالتالي كان الرأي العام الأمريكي ضد التدخل الأمريكي المباشر في الحرب العالمية الثانية ، ولكن الاستراتيجيين الأمريكان كانوا يرون أنه إذا لم تتدخل أمريكا في هذه الحرب مباشرةً ، وتحدد مسارها ، فلن تصبح أمريكا قوة عالمية ، كما تخطط لها مدارسها الاستراتيجية 0

والمثال هنا لنظرية الكارثة ، كذريعة لكسب الرأي العام الأمريكي ، على تحريض حكومته للدخول في الحرب العالمية الثانية ، هو احداث بيرل هاربر : فالرئيس الأمريكي يعلم أن اليابان على وشك أن تشن هجوماً عسكرياً على الولايات المتحدة ، وذلك من خلال اختراق الشفرة السرية للبرقيات ؛ المرسلة من وزارة الخارجية اليابانية ، إلى السفارة اليابانية في واشنطن  0 بل أن السفير الأمريكي لدى اليابان جوزيف جرو ، توقع أن يكون الهجوم الياباني على بيرل هاربر بالتحديد  0 فيرى بعض المخططين الاستراتيجيين بأن الولايات المتحدة سعت لدفع اليابان إلى مهاجمتها كمبرر لدخول الحرب في الجبهة الأوربية ، وكأداة للتغلب على معارضة الرأي العام الأمريكي لدخول الحرب ( سليم ، ص 461 )0

2- غزوة نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر يقال أن هناك مصادر أمنية أمريكية كثيرة ، كانت على علم بالمخطط لعملية سبتمبر ، وربما سيستغرب البعض ، بأن حتى معظم الأسماء القيادية في غزوة سبتمبر كانت معروفة ، وجميع اتصالاتها كانت مراقبة بدقة ، ولكن حدث ما حدث في 11 سبتمبر 2001م  0

ونود أن نوضح هنا بأن الرأي العام الأمريكي قبل أحداث سبتمبر كان معظمه يقف ضد استخدام القوة ، بل حتى ضد سياسة التسلح الأمريكية  0 ولكن بعد أحداث سبتمبر ، أصبح الرأي العام الأمريكي بنسبة 85% يدعم حكومته بشن حرب ضد الأوغاد المارقين  0

نتائج غض الطرف لحدوث كارثة ، من الصعب على ذهن الإنسان العادي تصديقها ، ولكن من الجهة الأخرى ، عندما تنظر للمصالح الاستراتيجية الكبرى التي تحققها أمريكا على المستوى الكوني ، تجعل الإنسان يدور حول قرنية كبرى ، ومن الممكن حدوثها 0

فياعزيزي القارئ ، أحداث بيرل هاربر اعطت الولايات المتحدة الحق في التدخل في الحرب العالمية الثانية ، بطريقة مباشرة ، وذلك أخرجها من مبدأ العزلة ، وأصبحت بعد ذلك دولة عالمية ، وورثت معظم المستعمرات الأوربية في العالم القديم والحديث 0 أما أحداث سبتمبر فاعطت الولايات المتحدة الشرعية لدك العالم الإسلامي كيفما تشاء، ومتى تشاء ، ويدعمها في ذلك أكثر من 80% من الرأي العام الأمريكي 0

والنتائج المتحققة في غزو أفغانستان استطاعت الجيوبوليتيكا الأمريكية أن تتدخل مكانياً في آسيا الوسطى ، وهذا يعطيها تحقيق ثلاثة عناصر ؛ الأول : السيطرة المباشرة على 15% من احتياطيات النفط في العالم 0 والثاني : ممر استراتيجي للنفط في جنوب شرق آسيا 0 وأخيراً : الاحتواء الكامل للحلم الروسي عندما يستعيد عافيته ويريد التوسع مكانياً مرةً أخرى ، وخاصة بأنه محتوى أيضاً في جنوب وشرق أوربا بواسطة أمريكا  0

إذاً الخسائر التي حدثت لأمريكا من نظريات غض الطرف ، لا تساوي ذرة من تراب في المحيط الهادي مقابل مكاسبها  0 وفي النهاية هذه هي السياسة أقذر طبخة في العالم  0

عموماً حرب تحرير العراق أسبابها ظاهرياً نزع أسلحة الدمار الشامل الغير موجودة في العراق أصلاً ، والذريعة الثانية هي تغيير السلطة في العراق ، وفي الحقيقة لا هذا ولا ذاك ، وإنما حرب العراق مذكورة أسبابها سلفاً ، ومن هذه الأسباب تنشيط الاقتصاد الأمريكي بعد أن شارف على الإنهيار ، والدليل على ذلك الإنهيار الذي أصاب كبريات الشركات الأمريكية في عام 2002م مثل : ازون ، وورلدووت ، وتيكو ، وزيروكس ، وخسائر وول ستريت في شهر يوليو 2002م ، فقد وصلت 7 مليارات دولار ، بسبب الهبوط الحاد في أسعار الأسهم  آل ثاني ، سايكس بيكو ، 2002م  0

ونجد أن حتى الصحافة الأمريكية تتهم الإدارة الأمريكية بأن حرب العراق ، هي حرباً اقتصادية في المقام الأول ، فتقول صحيفة نيويورك تايمز في 16 مارس بأن شركة كلير شانيل كوميونيكا شنز قد مولت مظاهرات مؤيدة للحرب على العراق في كلٌ من ماساشوستس وسان فرانسيسكو وبوسطن ، واشترك فيها آلاف 0 وتعقب الصحيفة قائلةً بأن هذا التمويل لا يعد شيئاً يذكر بالمقارنة مع الأرباح التي ستجنيها الشركة عندما تسند إليها إعادة إعمار الراديو والتليفزيون العراقي  0  الأهرام العربي ، العدد 315 ، ص 50  0

وهنا نوضح بأن أرباح الشركات في إعادة إعمار العراق سوف تكون أرباحاً  فلكية 0 فأرباح الشركات التي ساهمت في إعمار الكويت بعد كارثة أغسطس 1990م ، كانت أكثر من 150% ، فالكلفة النهائية لإعادة إعمار الكويت كانت 60 مليار دولار ، رغم ما تم تدميره كان 23 مليار دولار فقط ، ونالت الولايات المتحدة 53% من إجمالي العقود  الأهرام العربي ، العدد 315 ، ص 48  0

ومن أقوى الأدلة على أن هذه الحرب هي حرب لتوزيع الصفقات ، هو أن معظم متخذي القرار في الإدارة الأمريكية في حرب العراق ، توجد لهم علاقة مع كبريات شركات النفط ، والخدمات الأمريكية ، فمثلاً :

بوش الأب في مجموعة كارلايل ، ومندوبها في أوربا هو جون ميجور رئيس الوزراء السابق في بريطانيا ، وهنا عليكم تلمس ربما أسباب الدعم الشبه الكلي للمعارضة البريطانية  المحافظين ، لرئيس الحكومة البريطانية بلير في شن الحرب على العراق ، علماً بأن نسبة كبرى من حزب بلير  العمال  كانوا يقفون ضد الحرب  ، وهذا يعتبر من العجائب في تاريخ الديمقراطية الأوربية  0

وديك تشيني عمل كمدير لشركة هاليبرتون النفطية العالمية ، ورايس في شركة شيفرون للنفط ، وريتشارد بيرل في شركة جلوبال كروستيدج وكذلك منصب كبير في شركة اتونومي البيرطانية 00 إلخ  الأهرام العربي ، العدد 315 ، ص 38  0

ربما كان من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها النظام العراقي ، هو التفاوض على عقود النفط والصيانة مع الشركات الفرنسية والروسية والصينية في مرحلة التسعينيات ، دون مراعاةً لميزان القوة ، لأن القوى التي ورطت العراق في حرب الخليج الأولى ، وحرب الخليج الثانية كما نعتقد ويعتقد الكثيرون 0 وكذلك ساهمت في هدم البنية التحتية العراقية بشكل كبير في عام 1991م ، علماً بأن تحطيم البنية التحتية العراقية لا يوجد له علاقةً بتحرير الكويت  0 كانت تتوقع هذه القوى أن تعود شركاتها بعد الحرب لتوقيع العقود مع العراق لإصلاح ما هدمته الحرب ، ولكن الآن سبق السيف العذل  0

فلو تركت الولايات المتحدة الأمريكية العراق توقع العقود مع كلاً من : فرنسا وروسيا والصين 00 إلخ 0 فما هو إذاً مصير كبريات الشركات الأمريكية في الخدمات مثل بكتل ، وفلور جروب ، كيلوج براون اندروت ، وبار سونز جروب 00 إلخ 0

من أقوى الملاحظات خلال الحرب هو السعي البريطاني الحثيث لكي تحصل على حصتها من العقود لإعمار العراق قبل أن تنتهي الحرب ، ويدعم هذا السعي حملة سياسية وإعلامية ، ويعود ذلك لأن بريطانيا خرجت خالية الوفاض اقتصادياً في حرب الخليج الأولى ، وبالتالي في هذه الحرب هناك اصرار بريطاني كبير على الحصول على نسبة كبيرة من الكعكة العراقية  0

وفي الختام إذا استطاعت أمريكا تسيطر على العراق فذلك يعطيها السيطرة على 10% من احتياطيات النفط العالمية ونضيف إلى ذلك 45% احتياطيات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي ، و 15% في وسط آسيا ، و 10% الاحتياطيات الأمريكية المباشرة ، ومجموع ذلك 80% من الاحتياطيات العالمية من النفط ، وأما 20% من الاحتياطيات النفطية في العالم لابد لها من البحث عن استرضاء أمريكا لكي تجد لها وضع قدم في السوق العالمية ، أي بمعنى آخر الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على 100% من احتياطيات النفط في العالم ، وهذه الطاقة مساهمتها أكثر من 70% من جملة الطاقة المستخدمة في العالم يومياً 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

حافظوا على الندرة الفكرية في مجتمعاتنا

6/6/2004

الذي أثار هذه الفكرة توقف وإيقاف أو مضايقة بعض الكتّاب القطريين ، إلى أن أدى ذلك إلى ابتعاد بعضهم عن الكتابة 0

وهذا الأمر غريب بالفعل ونحن البلد الذي تنطلق منه قناة الجزيرة التي تحمل شعار الرأي والرأي الآخر  0 والأهم من قناة الجزيرة هو المادة رقم (48) في دستورنا الدائم والتي تنص على حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة ، وفقاً للقانون 0 ودستورنا الدائم أعطانا هامش جيد من الديمقراطية ، والديمقراطية بمعنى آخر هو توسيع قاعدة المشاركة الشعبية ضمن الحدود التي ينص عليها الدستور 0

والمشاركة الشعبية الفعلية لن تأتي إلا من خلال سلطة رابعة قوية ، ولكي يكون عندنا سلطة رابعة قوية لابد من مشاركة الكتّاب المواطنين ، ومن خلال مشاركة الكتّاب المواطنين سيقدمون للمواطن التحاليل التي تتناول أداء السلطات الثلاث من خلال مقالات يومية أو أسبوعية 0

وكلما زادت الأقلام المواطنة كلما زادت الوجبات الفكرية ويُسهل على المواطن أن يختار ما يناسبه من الأفكار 0

وبالنسبة لنا في دولة قطر فإننا نمثل أصغر دولة عربية من الناحية السكانية ، وذلك يعني بأننا من أصغر دول العالم من ناحية سكانية 0 وذلك يعني بأن الإنسان يمثل بالنسبة لنا عملة نادرة ، وإذا كان الإنسان نفسه يمثل عملة نادة 0 إذاً ماذا تمثل المواهب بالنسبة لنا ؟ 0

وأقول لكم كأستاذ جامعي نعم يمكننا أن نخرج سنوياً العشرات من حملة الدكتوراة ، والماجستير ، والمئات من حملة البكالوريوس في جميع التخصصات الأكاديمية 0 ولكن كم عدد الكتّاب الذين نستطيع أن نخرجهم سنوياً ؟

ونحن نؤكد لكم بأن تخريج الكتّاب صعب جداً أو شبه مستحيل 00 لأن ذلك يعتمد على قدرات شخصية وفنية لا تلقن في القاعات الأكاديمية ، وهذه القدرات مثل: أولاً : الموهبة ، ثانياً : الثقافة ، وثالثاً : التفاعل اليومي مع الأحداث 000 إلخ 0

ويمكن أن نطرح جميعنا سؤالاً ونقول فيه : كم العمر الزمني للصحافة القطرية ؟

وسوف نجيب جميعنا بأن عمرها يزيد بشيء بسيط عن ثلاثة عقود من الزمن0

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كم هم كتّاب المقال اليومي القطريين في الصحافة القطرية ؟

نعتقد بأن الجميع سوف يجيب بأنهم أقل من عدد أصابع الكف الواحدة ، ففي الراية الأستاذ عبد اللّه العمادي ، وفي الشرق الأستاذ جاسم صفر ، وفي الوطن الأستاذ جابر الحرمي  00 إلخ 0

إذاً بالفعل نحن نعاني من مشكلة كتّاب المقال اليومي والأسبوعي من المواطنين القطريين 0 ونعلم كذلك جيداً بأنه من الممكن أن يفضي البعض ويقول نستطيع أن نغطي هذا العجز من خلال استقدام الأخوة العرب لممارسة العمل الصحفي 0 وربما تراودهم هذه الفكرة مثل : استقدام الأساتذة والأطباء والفنيين واللاعبين والأيدي العاملة الأجنبية  0

وتعليقنا على ذلك بأنه بالفعل قد استفدنا بشكل كبير من خلال استقدام الخبرات العربية والأجنبية في التخصصات المختلفة من الخارج  0 ومن هؤلاء الإعلاميين والصحفيين العرب بالفعل استفدنا منهم ، وتعلمنا على أيدي بعضهم ، ومازلنا محتاجين لخبراتهم 0

ولكن نعتقد بأن القضايا الوطنية القُطرية البحتة لا يستطيع أن يثيرها ويناقشها ولا أبناء القُطر أنفسهم لما لها من حساسية عندما يتدخل فيها الضيف  0 وعندما يتدخل الضيف للتحدث عن قضية قُطرية دائماً يلتزم الحياد أو إظهار الوجه الإيجابي من القضية ، وغالباً ما يتجنب الضيف الخوض في قضايا محلية 0

وهذا بالفعل ما سوف نعملهُ نحنُ القطريين لو كتبنا في الصحافة المصرية أو الأردنية أو السورية عن قضية خاصة بهم ، في البداية سنحاول نتجنب الكتابة عن قضاياهم المحلية ، ولو اضطررنا سنلتزم الحياد في المعالجة أو ابراز الوجه الإيجابي من القضية  0 0 0 متبعين في ذلك مبدأ البيت العربي :

ومن لم يجامل في أمورٍ كثيرةٌ  يغرس بانيابٍ ويوطأ بمنسم  0

إذاً قضايانا المحلية لن يستطيع أن يكتب عنها بموضوعية وبدون حساسية إلا الكتّاب القطريين ، وكلما شجعنا الكتّاب القطريين على الكتابة ، كلما زاد عددهم ، وكلما زاد عددهم ، كلما تنوع التحليل الفكري والأيديولوجي لمعالجة قضايانا الوطنية0

وهذا التنوع الفكري يمثل التعددية والرأي والرأي الآخر ، ومن هذه القاعدة تنطلق الديمقراطية التي نطالب بها جميعاً 0 لأن الديمقراطية ليست حبر على ورق ، وإنما مشاركة شعبية تعم فائدتها على الجميع في النهاية  0

ومن المآخذ التي يهضم فيها حق الكتّاب القطريين ونذكر بأنه سبق أن كتب عنها بعض الكتّاب القطريين ونضم رأينا لرأيهم بأنه ، إذا نظم مؤتمر في قطر وما أكثر المؤتمرات التي تنظم في قطر ، لا يتم توجيه دعوات رسمية لهم للمشاركة في المؤتمرات وكأن المؤتمر يعقد في كوكب آخر ، علماً بأنه يعقد بمرمى حجر من أماكن تواجدهم ، ولكن كرامتهم تمنعهم من حضور المؤتمرات الغير مدعوين لها رسمياً  0

ونذكر بأننا كنا في إحدى المؤتمرات العالمية طبعاً خارج قطر ، وكانت تلك الدولة قد دعت مجموعة من كتابها المحليين لحضور المؤتمر ، علماً بأن المؤتمر ذو صبغة أكاديمية أكثر  0 وشرح لنا المنظمين للمؤتمر بأنهم يركزون بشكل كبير على تنويع الهوية الفكرية للمدعوين ، وحكمتهم في ذلك بأن كل شريحة فكرية تمثل رأي قطاع لا يستهان به في المجتمع وتنقل أفكار المؤتمر إلى المجتمع ، ومتطلبات المجتمع إلى المؤتمر0 ونعتقد بأن هذه الرسالة الحقيقية للمؤتمرات ، ولكن هل نحن مطبقين لذلك بالفعل ؟  0

* ملاحظة : ربما يحتج البعض بأن المادة (48) سوف تخضع للتكييف والتفسير القانوني 0 وتعليقنا هو : من واجبات اللجنة التفسيرية للمواد أن تدعم حرية الصحافة والطباعة والنشر ، وتجنب تقييدها ، إلا في الحالات التي تدعمها مواد دستورية صريحة مثل المادة (1) عن الديانة ، والمادة (64) عن الأمير 0
وما يدعم رأيي بالنسبة للمادة (48) هو ما تقوله المادة (146) الأحكام الخاصة بالحقوق والحريات العامة لا يجوز طلب تعديلها إلا في الحدود التي يكون الغرض منها منح مزيد من الحقوق والضمانات لصالح المواطن  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

جيوبوليتيكية الاقتصاد العالمي

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

النظام العالمي الذي يمثله كوكب الأرض بأغلفته الأربعة الصخري والمائي والحيوي والجوي ، لم يترك فيه مجال للصدفة ، وإنما كل بقعة من هذا الكوكب وضعت له الخطة التي تتناسب معه ، وهذه الخطط توضع من خلال اللاعبين الكبار الذين دائماً يبحثون عن دور عالمي في كوكب الأرض ، وهذا الدور أحياناً يكون أحادي القطبية ، وأحياناً أخرى ثنائي القطبية ، وفي بعض المراحل يُصبح متعدد الأقطاب 0

ومن أهم الخطط العالمية التي وضعت لكوكب الأرض ، هي السيناريوهات التي أعتمدتها مدرسة ميونيخ للدراسات الاستراتيجية عام 1920م تقريباً 0 وكانت استراتيجية هذه المدرسة تعتمد على ثلاثة مبادئ رئيسية هي :

1- مبدأ الدولة العملاقة 0
2- مبدأ الجزيرة العالمية 0
3- مبدأ ازدواجية القارات 0

والمبادئ الثلاثة المذكورة قادت مدرسة ميونيخ إلى وضع نظام عالمي جديد آنذاك في صورة مفهوم الأقاليم الكبرى ، على أن يكون مركز هذه الأقاليم بون ، أي كان المطلوب نظاماً أحادي القطبية ، وتوزيع الأقاليم هو كالتالي :
1- امريكا الكبرى : وتضم كل من الأمريكيتين تحت زعامة الولايات المتحدة 0
2- روسيا الكبرى : ويضم معظم الاتحاد السوفيتي عدا شرق سيبيريا ، كما تضم إيران وأفغانستان وشبه القارة الهندية 0
3- أوروأفريقيا : وهذا النظام يصعب تطبيقه الآن ، لأنه يمثل أوروبا ، ومعظم أوروبا الآن تحت مظلة السوق الأوروبية المشتركة ، والعالم العربي وتركيا وضع له سيناريو الشرق أوسطية تحت قيادة إسرائيل 0
4- آسيا الشرقية الكبرى : وهو يمثل ما تبقى من العالم جنوب اليابان ، بما فيه الصين وشرق الاتحاد السوفيتي ودول جنوب شرق آسيا واستراليا ومعظم مناطق المحيط الهادي  رياض ص 91 ، 96  0 وهذا التصور أيضاً من الصعب تطبيقه الآن ، لأن اليابان أصبحت دولة لها وضع أمني وإقتصادي مقنن ، والصين لها أطماع استراتيجية إقليمية بتصورها الاشتراكي ، ودول جنوب شرق آسيا أصبح لهم وضع اقتصادي خاص تحت مظلة اسيان ، واستراليا تحاول أن تمارس نظام إقليمي خاص بها في أوقنانوسيا ، ومعظم مناطق المحيط أصبحت تحت سيطرة الولايات المتحدة 0

إذاً النموذجان اللذان سوف نحاول أن نسلط عليهم الضوء من خلال هذه الدراسة ، هما أمريكا الكبرى ، ومدى ارتباطها بتصور الجزيرة العالمية  العالم القديم  الذي اقترحه هالفورد ماكيندر منذ بداية القرن المنصرم 0 بالإضافة إلى بعض الاسقاطات على ما تبقى من العالم لغرض ربط التصور الاستراتيجي للاقتصاد العالمي 0

التصور الاستراتيجي للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى :

بعد الحرب العالمية الأولى اقتبست الولايات المتحدة تصوراً ووضعه لها السلف ممثلاً برئيسها جيمس مونرو عام 1823م ، ويسمى بمدأ العزلة  المجذوب ، قانون دولي ، ص 165 0 وهذا المبدأ ظاهرياً ، كان يصور بأن الولايات المتحدة ستطبق العزلة وتبتعد عن مشاكل القارة العجوز  أوروبا  ، وسوف يركز الأمريكان مجهودهم في تطوير الولايات المتحدة من خلال توجيه الاستثمارات الضخمة إلى قطاع الأنشطة الأولية والثانوية والبنية التحتية ، وهذا التصور ، أدى إلى نشأة الدولة العملاقة التي نادى بها فريدريك راتزل في القرن التاسع عشر 0 والمرحلة الثانية اتجهت الولايات المتحدة إلى أمريكا الوسطى والجنوبية من خلال سيطرتها على البحر الكاريبي والانتيل والسيطرة التامة على قناة بنما بعد شقها ، ووجهت الاستثمارات الأمريكية إلى جميع القطاعات الأولية والثانوية والخدمية ، وذلك ممثلاً باحتكار الولايات المتحدة المحاصيل النقدية في أمريكا اللاتينية مثل الفواكه ، البن ، الكاكاو ، المطاط ، السكر ، والكولا0 وكذلك سيطرة الولايات المتحدة على الصناعات الإستخراجية مثل البترول في المكسيك وفنزويلا والنحاس في بيرو وتشيلي والقصدير في بوليفيا ، وكذلك وجهت الاستثمارات الأمريكية نحو المناجم والمصانع والسكك الحديدية وشركات الطيران حول أمريكا الجنوبية  رياض ، ص 163 ، 164   0

ومن هذا المنطلق استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق مبدأ ازدواجية القارات ، بحيث تكون قارة في الشمال تمتلك القوة العسكرية ، والموارد البشرية المؤهلة ، والتكنولوجيا المتطورة ، ورأس المال الكبير ، والأخرى في الجنوب يوجد فيها الأيدي العاملة والمواد الأولية والسوق الاستهلاكية 0 وفي عام 1930م أصبحت الثنائية واضحة في أمريكا قارة شمالية يوجد فيها تضخم رأسمالي ، وقارة جنوبية تابعة لاستثمارات الشمال 0 وفي هذه المرحلة أصيب رأس المال الأمريكي بالتخمة وأنطلق يبحث عن دور عالمي له 0 وكان ذلك واضحاً قبل الحرب العالمية الثانية من خلال التغلغل الأمريكي في جنوب شرق آسيا وأستراليا والبحث عن المعادن والمحاصيل النقدية في أفريقيا 0 ولكن الدور العالمي الفعلي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية بات واضحاً ، عند بداية الحرب العالمية الثانية ، وشاركت فيها الولايات المتحدة من ضمن دول الحلفاء ضد دول المحور بقيادة المدرسة النازية الألمانية آنذاك 0

وأثناء الحرب العالمية الثانية استطاعت الولايات أن تفاوض الحلفاء وخاصة بريطانيا على وضع إستراتيجية اقتصادية للعالم بقيادة الولايات المتحدة ، وذلك من خلال اتفاقية  بريتون أند ودز  في الولايات المتحدة منذ بداية الأربعينيات من القرن المنصرم ، ومن خلال هذه المفاوضات أدى إلى إنشاء المؤسسات الرئيسية التي يدور في فلكها الاقتصاد العالمي ، وهذه المؤسسات هي :

1- سيادة الدولار كعملة رئيسية عالمية وتمثل مخزن للقيم ، ومقياس للقيم ، ووسيلة للتبادل على أن يتواكب مع متطلبات العصر وقابليته للتجدد 0

2- التصور الذي وضعه الأمريكي هويت في عام 1942م وأدى إلى تأسيس البنك الدولي للإنشاء والتعمير ، ومهمته الاقراض طويل الأجل لكي يساهم في تنمية العالم 0

3- التصور الذي وضعه هويت الأمريكي وكينز الإنجليزي وأدى إلى نشأة صندوق النقد الدولي عام 1943م ، وهدفه الرئيسي حفظ التوازن لعملات الدول المشاركة من ضمن الصندوق وذلك من خلال الاقراض قصير الأجل 0

4- بروز الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية ( GATT) عام 1947م ، وفي عام 1995م سميت بمنظمة التجارة العالمية (WTO) ، وأصبح عدد المشاركين فيها الآن أكثر من 138 دولة 0

5- شعوب العالم المغلوب، والحكومات المتخلفة أنشأت ما يسمى بالاونكتاد منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية  عام 1962/1964م دويدار ص 480 ، 515 0

وعندما وصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مرحلة الإنطلاق العالمية نسفت توصيات السلف السابقة المتمثلة بمبدأ العزلة لمونرو ، وأقر الكونجرس مبدأ الرئيس ترومان عام 1947م ، الذي نستخرج من نصه ، إباحة تدخل الولايات المتحدة في جميع شئون الدول ، وتفرض عليها المخططات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وتعتبر نفسها العالم الحر وحامية حمى الديمقراطية  المجذوب ، قانون دولي ، ص 166  0

ونجد التدخل الأمريكي العملاق في أوروبا من خلال قانون الجنرال مارشال عام 1947م ، الذي وقعت اتفاقيته عام 1948م في باريس وعلى ضوئها إنشأ مايسمى المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي  ، ووصل أعضاء هذه المنظمة إلى 18 دولة أوروبية ، ورفض الأتحاد السوفيتي هذا العرض وتبعته دول الديمقراطيات الشعبية كما تسمى آنذاك ، ومن هنا أصبح بروز نظام عالمي جديد يتشكل من كتلتين من حلفاء الأمس ، الأول غربي بقيادة الولايات المتحدة ، والآخر شرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي ؛ وهذين التكتلين يمثلان انطلاق الحرب الباردة ، التي انتهت بإنهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م 0

أما بالنسبة لمسمى المنظمة المذكورة ففي عام 1960م عدل إلى مسمى جديد منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية  وأنضم إلى هذه المنظمة أعضاء جدد هم الولايات المتحدة الأمريكية ، كندا ، فنلندا ، اليابان ، استراليا ، ونيوزلندا  المجذوب ، التنظيم ، ص 293 ، 294  0

وعن طريق مشروع مارشال تحققت الانطلاقة الأمريكية الحقيقية ، حيث هزيمة ألمانيا واليابان ، وخروج أوروبا مفلسة مخرّبة مما أعطى الفرصة الذهبية لرأس المال الأمريكي القوي فقام بدور هائل في بناء اقتصاد أوروبا الغربية عامة ، وألمانيا واليابان خاصة 0 وبذلك دخلت الولايات المتحدة شريكاً فعلياً في كثير من المؤسسات الصناعية الأوروبية واليابانية المزدهرة 0 والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة ، أصبحت الوريث الشرعي لمستعمرات الدول المنهارة المذكورة سلفاً في عالم الجنوب ، فكان التغلغل الأمريكي الاقتصادي والأمبريالي في أجزاء كثيرة من أفريقيا وآسيا  رياض ص 23  0

وكان متوازياً مع التصور العالمي للاستراتيجية الاقتصادية الأمريكية ، استراتيجية إنشاء أحلاف عسكرية ، وكان أهم هذه الأحلاف ، حلف شمال الأطلسي (NATO) ، وبداية انطلاق هذا التصور إلى حيز التطبيق هو عندما أوصى مجلس الشيوخ الأمريكي 11 يونيو 1948م قراراً يحبذ فيه اشتراك الولايات المتحدة في منظمات أمنية جماعية إقليمية 0 وفي 24 أغسطس 1949م دخل حلف الناتو إلى حيز التطبيق بمشاركة دول أوروبا الغربية ، وبعد انتهاء الحرب الباردة ، انضم إلى هذا الحلف بعض دول أوروبا الشرقية على سبيل المثال في مارس 1999م انضم كلاً من : التشييك والمجر وبولندا  آل ثاني ، جريدة الوطن ، العدد 1353 ، 1354 0

وبالإضافة إلى الناتو أنشأت الولايات المتحدة أحلافاً استراتيجية في الشرق الأوسط ممثلة بالحلف المركزي ، وفي جنوب شرق آسيا ، ومن هنا نجد الولايات المتحدة تطبق الاستراتيجية التي وضعها الجيوبوليتيكين الأمريكيين الفرد ماهان 1840 – 1914م ، ونيكولاس سبيكمان 1942  حسين ، جغرافيا سياسية ، ص 400 ، 417  0 ومن خلال هذه الاستراتيجية طبقت سياسة الاحتواء الأمريكية مع الأتحاد السوفيتي أبان الحرب الباردة 0 وخلاصة الاستراتيجية الأمريكية قبل عام 1990م كانت :

1- سياسة الاحتواء والحرب الاقتصادية ضد الاتحاد السوفيتي وحلفائه 0 وانتهت في عام 1990م بانهيار الاتحاد السوفيتي  0

2- سياسة قمع الثورات في مهدها ومن الأمثلة على ذلك ، الحرب الكورية في الخمسينيات ، وتحولت كوريا رسمياً إلى كوريتين في الشمال والجنوب ، وحرب الفيتنام في الستينيات ، وفرض الحصار على كوبا ، ووصل الأمر بالولايات المتحدة إلى حتى التدخل المباشر في تغيير رؤساء الجمهوريات في البحر الكاريبي إذا تطلب الأمر ذلك 0

3- إجادة الولايات المتحدة وبإبداع إلى خلق تحالفات عدم التوازن في الشرق الأوسط، مثل دعم مركز الصهيونية العالمية ممثلاً بإسرائيل ، وفي نفس الوقت تقيم علاقات  مميزة مع ألد أعدائها في المحيط الجغرافي ممثلاً بمصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وسوريا 0 والنموذج الآخر في غرب آسيا بحيث الولايات المتحدة مع أربعة كتل باستراتيجيات متنوعة مثل : دول مجلس التعاون الخليجي التي يوجد فيها قواعد عسكرية أمريكية ، وإقامة علاقة مميزة مع اليمن في غرب الجزيرة العربية ، والاحتواء لكل من العراق ذو المذهب الأيديولوجي البعثي ، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ذات المذهب الرئيسي الشيعي 0 ونفس الاستراتيجية تتبعها الولايات المتحدة في الشرق الأقصى ما بين تايوان والصين 0

4- الثلاث نقاط أعلاه سهلت على الولايات المتحدة إنشاء دولة عالمية أحادية القطبية، ويوجد لها أساطيل وقواعد عسكرية في جميع المحيطات الأطلسي والهادي والهندي ، بل ويوجد لها تواجد في جميع البحار الداخلية الاستراتيجية، مثل الكاريبي والبحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي وبحر الصين 0
النظام العالمي الجديد بعد الحرب الباردة :

عندما نسقط نظرة مقتضبة على المراحل التي صور بها الجيوبوليتيكيون العالم فسوف نلاحظ التالي :

1- المرحلة الأولى كانت تقوم على أساس مناخي ، أي نشأة الدول حول نويات محددة مثل حضارة بلاد الرافدين ومصر 0

2- المرحلة الثانية تقوم القوى العالمية على أساس قاري ، وهي عملية السيطرة على مناطق القاعدة في العالم القديم ، مثل السيطرة الإسلامية التي تمت على الهلال الخصيب وأواسط آسيا مما أعطى للمسلمين سيطرة عالمية في العالم القديم في العصور الوسطى 0

3- تقوم القوى بعد الثورة الصناعية ، على أساس الحركة ، من خلال الثورة الكبرى التي نشأت في وسائل المواصلات والنقل ، وتم من خلالها اكتشاف رأس الرجاء الصالح ، والأمريكيتين ، واستطاع العالم الصليبي من الوصول إلى عالم المحيط الهادي والمحيط الهندي ، مع تحاشي الاحتكاك مع القوة القارية العالمية في العصور الوسطى ممثلة بالدولة الإسلامية ، ومن هنا تم احتواء الدولة الإسلامية ووضع لها السيناريوهات المناسبة إلى أن تم انهيارها ، ووزعت كفريسة ما بين الدول الاستعمارية 0 وأن استقلت هذه الدول ما بين الخمسينيات والثمانينيات من القرن الماضي ، إلا أن جميعها بقي متأثراً بتبعية اقتصادية ، وتخلف سياسي قاتل 0

4- منذ أواخر القرن التاسع عشر ، وضعت المدارس الجيوبوليتيكة سيناريو القرن الواحد عشرين ، بحيث تقوم القوى العالمية على أساس التكتلات السكانية والاقتصادية ، وأكد على هذا التصور الأستاذ اتوماول أحد أعضاء مدرسة ميونيخ الاستراتيجية عام 1920م يقول : ” أن التغلغل الاقتصادي الكامل له تماماً نفس الآثار المترتبة على الاحتلال العسكري ” آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص 125 ، 126 0

ومن هذا المنطلق نجد بأن الجيوبوليتيكا وضعت الخطة السياسية لكوكبنا منذ قرن مضى 0 وبعد انتهاء الحرب الباردة عام 1990م سعت الولايات المتحدة لتحويل نظرية القرن الواحد والعشرين ، إلى واقع عملي على الأرض ، وذلك من خلال تفعيل دور عالمي للمؤسسات الاقتصادية والأمنية المذكورة سلفاً 0 وخاصة منظمة الجات التي تعتبر شبه مجمدة منذ نشأتها عام 1947م 0 وفي عام 1993م عقدت الجات مؤتمرها في أورجواي حضرته 117 دولة ، وفي عام 1994م عقد مؤتمر للجات في مراكش حضره 124 دولة  عبد الرسول ، ص 224 ، 225  0 ووصل عدد أعضاء هذه المنظمة الآن إلى ما يزيد على 138 دولة 0

ورغم وجود التصور للدور الكبير الذي يتوقع أن تلعبه منظمة التجارة العالمية ، من خلال النظام التجاري متعدد الأطراف 0 إلا أن السياسة تتدخل ما بين حين وآخر عندما تتعارض مصلحة دولة عظمى مع الاتفاقيات الدولية 0 فمثلاً حماية البيئة من الوقود الحفري ، التي وضعت تحت مسمى الاتفاقيات البيئية المتعددة الأطراف ، حتى يفرق بينها وبين اتفاقيات منظمة التجارة العالمية 0 ونجد اتفاقية البيئة  بروتوكول كيوتو  رغم التصور الأمريكي لها في التسعينيات ، ولكن عندما وجد الأمريكان بأنهم أكثر دولة مستهلكة للوقود الحفري في العالم آثروا عدم التصديق على هذه الاتفاقية إلى الآن أبريل 2001م ،  عبد اللّه ، ص 230  ، رغم غضب حلفاء الأمريكان في أوروبا الغربية 0

أما بالنسبة لأهم النماذج الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد بعد عام 1990م ، هو النظام الإقليمي الذي وزع عليه عالم اليوم ، من خلال كتل اقتصادية يكون بينها تعرفة جمركية موحدة ، وأبرز هذه الكتل نافتا ، ومركسور ، والسوق الأوروبية المشتركة ، وآسيان ، ومنظمة الشرق أوسطية وهي في عالمنا المقهور مرجئة إلى أن ترضى إسرائيل على المنطقة 0 ومن خلال هذه الكتل الاقتصادية يتم توحيد العالم ، تحت ما يسمى أهداف منظمة التجارة العالمية :

1- تحرير تجارة السلع الأولية ، وهي تمثل مصدر الرزق الأساسي لدول العالم النامي0
2- تحرير تجارة الخدمات 0
3- الدولة الأولى بالرعاية ، أي أن تكون معاملة العالم متساوية 0
4- ايقاف الدعم عن السلع الأساسية 0
5- تقديم الحماية للسلع الأساسية  آل ثاني ، جيوبوليتيكية العالم ، الراية ، عدد 6765  0

وبالفعل بدأت الثورة الاقتصادية في العالم منذ بداية التسعينيات ، والدليل على ذلك أرتفع معدل التجارة العالمية إلى 60% ، ولكن بدايتها على شكل كتل اقتصادية  نيوزويك 24/4/2001م ، فنجد كتلة نافتا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعضوية كلاً من المكسيك وكندا ، قفزت التجارة البينية فيها من 43% عام 1990م إلى 54% عام 1999م ، وطبعاً التصور الاستراتيجي الأمريكي يسعى لإنشاء منطقة تجارة حرة للأمريكيتين يغطي منطقة يزيد عدد سكانها على 800 مليون نسمة 0 ولكن المخططين السياسيين والاقتصاديين البرازيليين انتبهوا إلى الانفجار الهولامي الضخم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والذي حسب تطور الأحداث يعكس للعالم مبدأ مونرو للعزلة الذي طبقته الولايات المتحدة على الأمريكيتين في عقد العشرينيات والثلاثينيات من القرن المنفلت 0 فأنشأ بقيادة البرازيل ما يسمى بمنطقة التجارة الحرة لدول مركسور في بداية التسعينيات والدول الرئيسة التي يتوقع أن تلعب دوراً فيه الأرجنتين والأرغواي والباراغواي ، وقفزت التجارة البينية في هذه الكتلة من 9% عام 1990م إلى 21% عام 1999م 0 وهذه الكتلة أصبحت تشكل عائقاً أمام حلم الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل منطقة تجارة حرة في الأمريكيتين ، ونجد الرئيس البرازيلي وعالم الاجتماع المشهور كارد سو يقول : ” إن منطقة التجارة الحرة في الأمريكيتين خيار ، ولكن مركسور هي قدرنا ” 0  نيوزويك 24/4/2001م  0

ومن هنا نجد بأن مؤتمر كيبك المعقود في كندا 2001 ، تحت مظلة منظمة التجارة العالمية ، واجه نوعين من التحدي الأول هو مخاوف بعض الدول وخاصةً مجموعة مركسور من ضم الـ 34 دولة في الأمريكيتين تحت مظلة اقتصادية واحدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو شبيه بتصور مدرسة ميونيخ 1920م لأمريكا الكبرى ، ولكن إدارته هذه المرة سوف تكون من واشنطن دي سي 0 ثانياً : مخاوف الشعوب الأمريكية ممثلةً بالطلاب وطبقة العمال وهم يمثلون القاعدة السكانية العظمى التي يقوم عليها المجتمع الأمريكي من السحق الاقتصادي ، وبهذه الحالة سوف ينقسم المجتمع الأمريكي إلى طبقتين لا ثالث لهما الطبقة العليا والطبقة المسحوقة وهو نفس تصور حضارات قبل التاريخ السالفة مثل الأغريق ، ولكن في هذه المرة سوف نجد الطبقة العليا تمثل الحكام والنبلاء والبورجوازيين ، والطبقة المسحوقة تمثل الفلاحين والأجانب والرعاة ومعهم الأساتذة أيضاً 0 ومن هنا سوف يقضى على ما يسمى بالطبقة الوسطى التي يفترض أن تكون هي الأساس لبناء أي مجتمع في الألفية الثالثة 0

ولكن لميزة الوعي الثقافي عند الإنسان الأمريكي بدأ ينظم نفسه لكي يتعامل مع الوضع الراهن ، فنجد نقابات العمال وحتى أولياء أمور الطلبة ، بدأوا بتمويل أي مشروع منظم يشكل معارضة للعولمة ، والملاحظة القوية بأن أي مؤتمر يعقد للعولمة تقوم ضده مسيرات شعبية منظمة وتصل إلى العنف أحياناً 0 وأقوى دليل على ذلك هو عندما نظم الكنديون أنفسهم أمنياً لاستقبال قمة كيبك 0 واقتبس الأمريكان من العالم النامي أسلوب الاضاءات التي يعامل بها الإنسان  فوضع الكنديون للمتظاهرين ثلاثة مناطق ، الأولى خضراء وهي لجموع المتظاهرين ، والثانية صفراء يوجد فيها جمع كبير من أعضاء الاتحادات العمالية وأصحاب الرأي ، والثالثة حمراء مجاورة للحائط الأمني ويعتقل كل من يقترب منها  ورغم كل الاحتياطات الأمنية إلا أنه شكلت هذه الحركات الكثير من الاضطرابات أثناء عقد القمة ، وكذلك أثرت على إرادة الزعماء في إتخاذ القرارات الحاسمة 0

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ؟ الحكومات تسعى لايجاد الآلية لتفعيل دور العولمة ، والشعوب رافضة لذلك ، فبالتالي هنا من الممكن أن تنشأ أيديولوجيات سياسية جديدة في الأمريكيتين وتتحول هذه الأيديولوجيات إلى جماعات ضغط وأحزاب سياسية ، وربما يصبح لها دور حتى في الحكم مستقبلاً 0 ومن هنا نجد الشغل الشاغل لمراكز اتخاذ القرار العالمي هو ما هي الآلية المناسبة لامتصاص نقمة الشعوب واقناعهم بأن مشروع العولمة هو من صالحهم ؟ 0

أما بالنسبة لبلقنة التجارة العالمية ، فنجد أن أوروبا يوجد لديها اتفاقيات مع 27 بلداً تحت مسمى التجارة التفضيلية ، وتصل نسبة التجارة البينية ما بين الدول الأوروبية إلى 64% عام 1999م من حجم التجارة الأوروبية 0 وآسيان رغم الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها هذه الكتلة ، إلا أن التجارة البينية في هذه الكتلة قفزت من 20% عام 1990م إلى 22% عام 1999م 0 ولكن الآسياويون مازالوا يبحثون عن سيناريو آسيوي يقزم دور صندوق النقد الدولي الذي يوجه له اللوم بأزمة 1997م الآسيوية ، وتتركز المباحثات الآن فيما بينهم على جمع احتياطياتهم البالغة ترليون دولار لإنشاء صندوق نقد آسيوي على غرار صندوق النقد الدولي في واشنطن 0

ولكن بطاقة اللعب بالأمن الآسيوي أيضاً موجودة في واشنطن دي سي ، فكلما ضغط الآسياويون بتشكيل نظام اقتصادي آسيوي كلما ضغطت عليهم الولايات المتحدة بالبطاقة الأمنية التي سوف نتطرق لها لاحقاً 0

أما بطاقة الضغط الثانية التي من الممكن أن تستخدم ضد آسيان ، هو من خلال تقديم بعض الاغراءات لبعض دول آسيا لكي تشق صف المنظمة ، وأكبر دليل على ذلك سنغافورة شقت صف آسيان وسعت وراء صفقات ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل بعض المتنفذين في القرار الآسيوي بتسمية سنغافورة الولاية الأمريكية الواحدة والخمسون  0 ونجد دولاً مثل استراليا ونيوزيلندا رغم أنه لا يوجد لها تكتل اقتصادي بارز ، ولكن لها دور مؤثر في قرار التجارة العالمية ، وهو من خلال اتفاقيات التجارة التفضيلية التي قفزت من 100 إلى 240 للدولتين المذكورتين 0

سيناريو الحرب الباردة في الألفية الثالثة :

هناك بعض التصورات من خلال التنافس الأمريكي الصيني في الشرق الأقصى وبالتحديد في تايوان وكوريا والممرات المائية المجاورة للصين من ناحية 0 والتنافس الأمريكي الصيني في المحيط الهندي ، والتصور الأمريكي بأن الصين تدعم الدول الخارجة عن استراتيجية أمريكا للعالم مثل كوريا الشمالية وإيران وسوريا والسودان والعراق من ناحية تكنولوجية ، وخاصة تقنية الأسلحة المحرمة دولياً 0 وبالإضافة إلى أن الصين تقوم بكسر الحصار الاقتصادي المفروض على الدول المذكورة 0

هذا جعل بعض المحللين يتوقعون بأن يكون للصين دور عالمي ، وتسحب بساط أحادية القطبية من الولايات المتحدة ، ويصبح العالم ثنائي القطبية ، أي بمعنى آخر نشوء حرب باردة جديدة 0

ولكن هذا الاحتمال مستبعد الآن ، رغم أن الصين تشكل ما يقارب خمس سكان العالم ، ومعدل النمو الاقتصادي مرتفع فيها بشكل كبير يصل إلى 8% ، ويقابله معدل تضخم شبه منعدم 0 ولكن عندما نقارن ما بين الناتج المحلي الصيني والأمريكي، نجد بأن الناتج المحلي الصيني لا يصل حتى إلى 8% من الناتج المحلي الأمريكي ، ونصيب الفرد الصيني من الناتج المحلي لا يصل حتى إلى 12% من نصيب الفرد في الولايات المتحدة 0

ولكن هناك من المحللين من يرى بأن معدل النمو الاقتصادي الكبير في الصين ، من الممكن أن يؤهل الصين لكي تكون قوة اقتصادية منافسة للولايات المتحدة بعد خمسة عشر عاماً ، وأن الأمريكان الآن مركزين على استراتيجيتين لعرقلة التنمية الاقتصادية في الصين الأولى الاستفزاز الإقليمي المستمر في ممر تايوان وفي بحر الصين ، والثانية إحياء برنامج الدرع الدفاعي الأمريكي الذي سوف يضغط على الصينيين لاقتطاع جزء كبير من رؤوس الأموال المستثمرة في التنمية الاقتصادية وتوجيهها إلى صناعة اسلحة استراتيجية لخلق توازن مع الولايات المتحدة ، ولو فعل الصينيون ذلك ، فسوف يحدث لهم إنهيار اقتصادي مثل ما حدث للاتحاد السوفيتي السابق ، وسوف تفشل جميع برامج التنمية الاقتصادية لديهم  0

أما بالنسبة لعدد أفراد القوات المسلحة المطلق وحجم التسليح المطلق ، لم يعد يعطي أي معنى في الوقت الحاضر ، وأقوى دليل على ذلك أكثر من كدس أسلحة استراتيجية هو الاتحاد السوفيتي ولكن ذلك لم يمنعه من الأنهيار 0 ولكن حتى لو قارنا ما بين الأسلحة الاستراتيجية الصينية والأمريكية لوجدنا بأن المقارنة لصالح الولايات المتحدة من حيث برامج التسليح ذات التقنية العالية ، أو كما تسمى الأسلحة الذكية 0 ولكن الأهم من ذلك بأن الولايات المتحدة أصبح لها بعد جيوبوليتيكي عالمي من خلال تحالفاتها الاقتصادية والعسكرية ، وهذا التواجد في كل العالم تقريباً وهو يمثل شبه احتواء للصين ، فمثلاً الولايات المتحدة متواجدة في أوروبا ، والشرق الأوسط ووسط آسيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأقصى 0

وفي نفس الوقت الولايات المتحدة مستثمرة بطريقة أو بأخرى التنافس الاستراتيجي الموجود ما بين الهند والصين في المحيط الهندي ، وما بين الصين وروسيا على أواسط آسيا ، وبالتالي تصور الحرب الباردة ما بين الصين والولايات المتحدة الآن مستبعد أطلاقاً 0

ولكن في هذا المنوال لا نستطيع أن ننفي ، بأن الصين من ناحية إقليمية ممكن أن تخلق توازن للدول الصغيرة لكي يكون لها دور في هامش ضيق جداً لكي تلعب توازن خاص لها ما بين الولايات المتحدة والصين 0 ولكن هذا التوازن الهش مازال سهلاً على الاستراتيجية الأمريكية لاختراقه ، فمثلاً مجرد استقبال اليابان للرئيس التايواني السابق في أبريل 2001م ، أدى ذلك إلى توتر العلاقات ما بين الصين واليابان ، وفي هذه الحالة سوف تجمد أية مفاوضات ما بين دول آسيان والصين ، إلى أن يوجد حل دبلوماسي للنزاع المذكور 0 وهناك بطاقات معلقة كثيرة ضد الصين إقليمياً منها كوريا الشمالية وفيتنام وتايوان ، ونموذج الاقتصاد الاشتراكي الذي تحللت منه معظم الدول التي طبقته ، وأهمها الأتحاد السوفيتي السابق الذي كان يقود التصور لهذه النظرية عالمياً 0 وكذلك مطلوب من الصين تطبيق ملف الديمقراطية بمفهومه الغربي ، وهناك ورقة الضغط على الصين من حيث حقوق الإنسان ، وأخطرها كلها على الصين ملف الصراع الحضاري الصيني للاقليات السلالية والأيديولوجية 0

جيوبوليتيكة النظام الإقليمي الإسلامي :

المسمى المذكور أكثر الأنظمة العالمية هشاشةً رغم أن هذا النظام يمثل ربع العالم من ناحية سكانية ، وأكثر من خمس كوكب الأرض من ناحية مكانية ، ويعتبر قلب العالم من ناحية جيوبوليتيكة ، بحيث من المستحيل وضع أي تصور جيوبوليتيكي عالمي قاري أو بحري أو جوي ، دون تصور مركزي لهذا النظام 0 ويتوزع جغرافياً في هذا النظام جميع المواد الأولية في العالم بكميات تجارية ضخمة ، وعلى رأسها الطاقة الهايدروكاربونية ممثلة بالنفط والغاز الطبيعي ، بحيث يوجد ما يقارب 72% من احتياطيات العالم من النفط ، و 35% من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي 0   آل ثاني ، جيوبوليتيكية العالم ، الراية ، العدد 6763  0

وتبلغ مجموع دول هذا النظام 56 دولة ، ولكن هذا النظام مخترق بشكل كلي من قِبَلْ الدول الاستعمارية سابقاً ، ومن الأمبريالية العالمية الآن 0

ولكن للعقم السياسي الذي أصاب هذه الأمة بقيت مكبلة ، ولم ينفع معها ولا سيناريو استراتيجي ، وحتى السيناريو الذي ساهم الغرب في وضعه ، وهو إنشاء الجامعة العربية ، وذلك من خلال مطالبة أنطوني أيدن بطريقة مباشرة في البرلمان البريطاني في 29 مايو 1941م بإنشاء منظمة عربية تجتمع تحت رايتها جميع الدول العربية ، ونشأت بالفعل الجامعة العربية ، عام 1945م  آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص 128 0 وفشلت الجامعة في أول اختبار اقتصادي لها ، وهو من خلال إنشاء السوق العربية المشتركة عام 1965م ، والتي بقيت على ورق إلى الآن ولم يفعل دورها 0

وفي عام 1969م أنشأت منظمة المؤتمر الإسلامي ، وكانت هناك الكثير من التوصيات لقيام تكامل اقتصادي إسلامي 0 ومن هذه التوصيات :

1- التنسيق ما بين الخطط والأهداف الاقتصادية الإسلامية 0
2- توجيه الاستثمارات للبنية التحتية الإسلامية ، وكذلك الأنشطة الاقتصادية الأولية والثانوية 0
3- دعم مجالات البحث لتطوير الأنشطة الاقتصادية الأولية والثانوية والثالثة 0
4- إقامة جهاز لتبادل المعلومات 0
5- سهولة إنتقال العمالة الإسلامية 0
6- إنشاء سوق إسلامية مشتركة  يونس ، ص 143 ، 144  0

وبقي كل مجهود عربي إسلامي مجمد ، إلى أن أنتهت الحرب عام 1990م ، وبدأت عملية السلام العربي الإسرائيلي في مدريد عام 1991م ، وكان من أهم مشاريع عملية السلام هو إحياء الفكرة التي نادى بها أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل آنذاك في ديسمبر 1973م  عندما أخبر حلفائه الأمريكان بأن المنطقة لن تستقر سياسياً إلا من خلال ابتكار كتلة اقتصادية شرق أوسطية ، تكون بالطبع إسرائيل هي اللاعب الرئيسي فيها  0  آل ثاني ، جغرافيا سياسية ، ص 131  0 وبالفعل عقدت أربع مؤتمرات لمشروع الشرق الأوسطية كان أولها في فاس بالمملكة المغربية ، وثانيها في عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية ، وثالثها في القاهرة بجمهورية مصر العربية ، ورابعها في الدوحة بدولة قطر عام 1997م 0 ورحمةً من اللّه لهذه الأمة فشل مشروع الشرق الأوسطية ، وسوف نتجنب من خلال هذا التحليل الجانب الحضاري رغم أننا جميعاً نؤمن بهويتنا القومية العربية وديننا الإسلامي الحنيف 0 ولكن لكي نثبت استراتيجياً بأنه لو نجح مشروع الشرق أوسطية ، لنهب عالم الشمال الصناعي جميع الموارد الطبيعية الموجودة في الشرق الأوسط ، والأمثلة على ذلك كثيرة أمامنا ومنها :

أولاً : عندما نراجع أهداف منظمة التجارة العالمية 1995م المذكورة سلفاً ، لوجدناها شبيهة ومعززة لأهداف صندوق النقد الدولي ، التي طالب بتطبيقها في الدول النامية عام 1975م وهي :

1- تحرير التجارة الخارجية ، أي أزالة العوائق أمام الصادرات والواردات 0
2- تحرير سوق الصرف ، وتحرير الأثمان في الداخل ، لكي يسهل على الدول الصناعية ذات القيمة المضافة التهام الدول النامية التي عمودها الفقري الاقتصادي يعتمد على المواد الأولية 0
3- عدم تدخل الدولة في سوق العمل 0
4- التركيز على النشاط الاقتصادي الفردي ، أي تدعيم للنظرية الرأسمالية وفتح الأسواق أمام الشركات الاحتكارية الكبرى 0  دويدار ، ص 501 ، 502 ، 504  0

نحن لا نستطيع أن ننكر بأن هذه البرامج لو طبقت على دولة غنية وصناعية تمر في حالة من التضخم والعجز في الميزان التجاري ، ربما تكون ناجحة أحياناً ، مثلاً المملكة المتحدة في عام 1976م ، عندما أوصاها صندوق النقد الدولي بتخفيض قيمة العملة  الجنيه الاسترليني  كانت هذه الاستراتيجية ناجحة بالنسبة للاقتصاد البريطاني ، لأن بريطانيا تملك ناتج محلي ضخم ، وتخفيض العملة زاد من صادرات السلع البريطانية إلى السوق الدولية ، وذلك ساهم في تعديل الميزان التجاري البريطاني إلى التعادل والفائض أحياناً ، فحلت المشكلة الاقتصادية في المملكة المتحدة 0

ولكن عند تطبيق هذه التوصيات على دولة نامية ذلك سوف يسبب لها انهيار اقتصادي 0 النموذج ماثل أمام معظم المهتمين في هذا المجال في العالم 0 فالمكسيك عندما طبقت عليها سياسة صندوق النقد الدولي عام 1982م وهي دولة مستوردة للسلع المصنعة ، أدى ذلك إلى رفع أسعار السلع المستوردة على المستهلك المحلي ، والدولة لكي تعالج هذه المشكلة لابد لها من الاستدانة من الخارج ، لأنها تعتمد أصلاً في عائداتها من العملة الصعبة على مواردها الطبيعية وعدم وضع قيود لهذه الموارد يؤدي إلى انخفاض قيمتها في السوق الدولية 0 وفي العام المذكور أعلاه توقفت المسكيك عن خدمة الدين الخارجي وذلك مثل انهيار اقتصادي في المكسيك 0 وكان علاج المؤسسات المالية العالمية للمكسيك هو الاقراض أيضاً ، وعلى شكل القرض المرتهن ، أي دخول الشركات الاحتكارية العالمية الكبرى إلى المكسيك وتملكها أسهماً من ثرواتها الطبيعية ، أي أصبحت الموارد الطبيعية المكسيكية ملكاً للدول الصناعية ، وعلى نفس المنوال تسير الأرجنتين الآن التي يبلغ مجموع ديونها 140 بليون دولار 0

الوضع أعلاه يحدث في دول مشاريعها الاقتصادية أفضل بدرجات كبيرة ، من دول العالم الإسلامي ، إذاً ما هو الوضع المتوقع للعالم الإسلامي إذا دخل من ضمن جيوبوليتيكية العولمة ، وخاصةً إذا كانت الديون المترتبة على العالم الإسلامي أكثر من 702 بليون دولار ، ولخدمة فوائدها السنوية تزيد على 80 بليون دولار ، وحجم التجارة البينية بين دولة لا تزيد على 7% ، ونصيبه من التجارة الدولية 3% فقط 0 والأسوأ من ذلك كله بأن المتسلطين على مراكز القوى في العالم الإسلامي مغيبين دور الإنسان تماماً ، ولا يهم إلا مصلحتهم الاقتصادية والوظيفية ، وذلك عكس جميع الكتل المذكورة أعلاه 0 ففي دولة عظمى مثل الولايات المتحدة ، رغم وجود الديمقراطية على النموذج الرئاسي ، والرئيس ذو السلطة المنفردة التي استمدها من الأمة الأمريكية يملك قوة إتخاذ القرار ، ولكننا نجد البيت الأبيض والكونجرس دائماً يراقب مطالب جماعات الضغط الأمريكية فمثلاً :

1- عندما قررت الحكومة الأمريكية اقراض مصر عام 1955م ، قرضاً طويل الأجل لإنشاء السد العالي ، مارست جماعات الضغط الأمريكان على الحكومة الأمريكية ضغوطاً لإثنائهم عن هذا القرار ، لأن نجاح مشروع السد العالي ، سوف يوفر مياه كثيرة ، وذلك سوف يساعد المصريين على زيادة حجم الأراضي المخصصة لإنتاج القطن الطويل التيلة ، وفي هذه الحالة سوف يصبح القطن المصري منافساً شرساً للقطن الأمريكي ، وذلك ينتج عنه كساداً لمنتجو القطن الأمريكان 0 واستجابت الحكومة الأمريكية لهذا الضغط وأوقفت القرض المخصص لمصر 0

2- مصدر الرزق الرئيسي لسكان العالم الإسلامي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هو الثروة الهايدروكاربونية ، وأكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم الولايات المتحدة الأمريكية بحيث تصل حصتها ما يقارب 25% من الاستهلاك العالمي 0 ونجد البورصة الحقيقية لسعر النفط موجودة ولدى جماعة الضغط الأمريكان ، فعندما ينخفض سعر النفط إلى أقل من 10 دولار للبرميل ، يتحرك منتجوا النفط الأمريكان ويطلبون من حكومتهم رفع الأسعار لأن ذلك سوف يؤدي إلى ايقاف حقول الإنتاج الأمريكية التي تصل تكلفة إنتاج البرميل فيها إلى أكثر من 10 دولار أحياناً ، ويقابله تكلفة إنتاج برميل النفط العربي في بعض الحقول إلى أقل من دولار واحد أحياناً 0 وعندما يرتفع سعر النفط في السوق العالمية إلى أكثر من 20 دولار يتحرك المستهلك الأمريكي ويطالب حكومته بالضغط على الدول المنتجة للنفط لتخفيض أسعارها ، لأن أرتفاع أسعار الطاقة ينعكس بصورة غير مباشرة على أرتفاع أسعار السلع الصناعية والخدمية 0

هذا هو وضعنا الآن 0 والسؤال الذي نطرحه على حكوماتنا الشرق أوسطية ، أو الإسلامية ، أو العربية كيفما أرادوا يسمونها ، ما هو السيناريو المعد لهذه الأمة عندهم ، والتي يعاني 677% من أبنائها من فقر مدقع 0 وفي الختام نقول لجميع حكوماتنا الإسلامية بأن جميع الأمم وضعت سيناريوهات لمستقبلها ولرفاهية وإسعاد وحرية شعوبها ، باستثناء المسميات الثلاث المذكورة  ولن يتغير وضعنا الحالي إلا بوضع تصور براغماتي يتعامل مع الإنسان

إلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه تعالى 0

المراجــع

1- آل ثاني ، فهد جريدة الوطن القطرية ، العدد 1353 ، 1354 0
2- آل ثاني ، فهد ، دراسات في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا ، عمان ، دار وائل للنشر، 2000م 0
3- آل ثاني ، فهد ، جيوبوليتيكية العالم الإسلامي ، جريدة الراية القطرية ، العدد ، 67763، 6765 0
4- آل ثاني ، فهد ، استراتيجية التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي ، الدوحة ، دار الشرق ، 2001م 0
5- حسين ، عبد الرزاق ، الجغرافيا السياسية ، بغداد ، مطبعة أسعد ، 1976م 0
6- عبد اللّه ، حسين ، مستقبل النفط العربي ، بيروت ، المركز العربي للدراسات ، نوفمبر 2000م 0
7- دويدار ، محمد ، مبادئ الاقتصاد السياسي ، بيروت ، الدار الجامعية ، 1998م 0
8- رياض ، محمد ، الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا ، بيروت ، دار النهضة العربية ، 1979م 0
9- عبد الرسول ، كوثر ، الجغرافيا الاقتصادية ، بيروت ، دار النهضة العربية ، 1996م 0
10- المجذوب ، محمد ، التنظيم الدولي ، بيروت ، الدار الجامعية 0
11- المجذوب ، محمد ، القانون الدولي العام ، بيروت ، الدار الجامعية 0
12- نيوزويك ، 24/4/2001م 0
13- يونس ، عادل ، العالم الإسلامي اليوم ، القاهرة ، مكتبة ابن سينا ، 1989م 0
14- The Military Balance 1999/2000, The International Institute for Strategic Studies, Oxford, Oxford University Press.