ماذا على أمريكا أن تراجع أولاً ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

ونحن نتابع التهديدات الأمريكية المستمرة للعراق ، ولمحاور الشر الأخرى حسب التصنيف الأمريكي في الشرق الأوسط ، يمكننا أن نسميها محض افتراءات ، ومن الممكن أن نسميها ذرائع أمريكا 0 وأحياناً يصل بنا الحال من الدهشة إلى المثل العربي القائل ” فلان يكذب الكذبة ويصدقها ”  0 وذلك بسبب تكراره واصراره على تلك الكذبة 0

ولفت نظري أخيراً الأسلوب الذي تناول به د0 المسيري أكاذيب حقيقية (True Lies ) وهي تمثل معظم الحقائق التي يأتي بها الاختزاليون ، حقائق موضوعية ووقائع ثابتة حدثت تحت مسمع من الناس وبصرهم ، فهم لا يختلقون الحقائق  في أغلب الأحيان ، وإنما يجتزئونها ، ولكن كثيراً ما تكون الحقائق التي يذكرونها تافهة هامشية جزئية لا علاقة لها بالحقيقة الكلية ، أي كلمة حق جزئي يُراد بها باطل كلي ( المسيري ص284) .

وبالنسبة للولايات المتحدة فالحقيقة الجزئية أن العراق لا يوجد فيه ديمقراطية مثله مثل الدول العربية الأخرى ، وتوجد شريحة كبيرة من الشعب العراقي تعاني من الاضطهاد 0 ولكن قبل أن نناقش الحقيقة الجزئية علينا مراجعة الحقيقة الكلية 0 هل أمريكا بالفعل تريد أن تخلص العراق من السلطة الشمولية التي يمارسها النظام العراقي على شعبه ؟

بالنسبة للحقيقة الكلية 00 لو العراق اعترف بإسرائيل ، وفتح بابه للاستثمارات الأمريكية من دون أية شروط ، والغى جميع برامجه العسكرية ؛ لأصبح العراق دولة معتدلة بالنسبة لأمريكا  ، بغض النظر إذا بقيت نفس السلطة المركزية الشمولية أم خلعت ، أما حقوق الإنسان العراقي فهي ذريعة أمريكية ، لأن أمريكا أصلاً لم تسأل حلفاؤها الآخرين في الشرق الأوسط عن حقوق الإنسان العربي 0

وبالتالي ما تريد أن تطبقه الولايات المتحدة في العراق ، هو نفس ما سوف تطبقه في جميع دول محور الشرق أوسطية ، والسبب في ذلك أن أمريكا تريد تشكيل نظام عالمي جديد  0 ولكي ينشأ هذا النظام في الشرق الأوسط ، فعلى أمريكا تفكيك البنية التحتية : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدول الشرق أوسطية ، مثل ما فعلت مع اليابان وألمانيا بعد هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية 0 ومن ثم إعادة تأهيل المنطقة مثل ما فعلوا مع اليابان وألمانيا ، وذلك من خلال تطبيق النظرية الأمريكية السياسية والأمنية   سياسة السوق المفتوح وتطبيق نظام ديمقراطي مدجن ، وتعميم الليبرالية الثقافية الأمريكية على القطاعات الشعبية وخاصةً الشابة .

وهذا التصور الأمريكي يثير لنا لقطة مهمة هي : الشرق الأوسط ليس ألمانيا واليابان ، لأن هاتين الدولتين يعتبران دولتين عظيمتين أثناء الحرب العالمية الثانية ، وكانتا تمثلان دول المحور ، وكان عندهم طموح تشكيل نظام عالمي جديد تحت قيادة ألمانيا 0 أما دول الشرق الأوسط (العالم العربي) يعتبر القرن العشرين من أسوأ القرون التي مر بها التاريخ العربي 0 فبداية القرن شهد انهيار الدولة العثمانية ، وقسمت دول العالم العربي كقطع من الكعك ما بين الدول الاستعمارية وعلى رأسهما المملكة المتحدة وفرنسا  0 وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح الدور الأمريكي مسيطراً على المنطقة (راجع آل ثاني ، حولية مركز البحوث للدراسات الإنسانية).

الحل الحقيقي للشرق الأوسط الذي يغفله أو يتغافل عنه الأمريكان هو بأن المنطقة تحتاج لإصلاح سلمي ، لأن هذه المنطقة شارفت على الانهيار ، وربما أقوى دليل عندنا هو المؤشرات التالية :

1- البطالة : نسبة العاطلين عن العمل في الدول العربية الغير نفطية تصل إلى 50% من حجم القوى التي تقع في سن العمل ، ولو أجرينا مقارنة ما بين الدول العربية ، والدول الصناعية في الغرب من معيار سقف الأجور ، لوجدنا مجموعة البطالة في العالم العربي المقنعة والسافرة تصل إلى 90%  0 والأدهى والأمر من ذلك فأن نسبة البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي ما بين المواطنين في سن العمل تتراوح ما بين 25% إلى 30% ، علماً بأن القطاع العام في بعض هذه الدول تصل فيه نسبة الأجانب إلى 70% ، وتصل نسبة الأجانب في القطاع الخاص بطريقة ساحقة تصل إلى أكثر من 95% 0 إذاً هذا هو الحال المزري للمواطن في دول مجلس التعاون الخليجي التي تمتلك ما يقارب من 45% من احتياطات النفط العالمي ، و 15% من احتياطيات الغاز الطبيعي 0 وتعود هذه المأساة إلى عدم وجود برامج تخطيطية واضحة للتركيب الوظيفي في دول مجلس التعاون الخليجي ، وسبق أن تناولنا ذلك في دراسات سابقة ، وسنتناوله في المستقبل إن شاء اللّه 0

2- نسبة الأمية ، تعتبر من أعلى المعدلات العالمية ، حيث أن نسبة الأمية في العالم العربي ككل تصل إلى 50% ، وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي ما زالت قريبة من 20%  0

3- انعدام الديمقراطية : نستطيع أن نقول بإنه لا توجد ديمقراطية في العالم العربي ، وما وجد منها فهو يعتبر دساتير صورية ، تجعل المواطن يدور في حلقة مفرغة ، وبعد مرور فترة من الزمن يجد المواطن نفسه محلك سر ، وهكذا تفنى وتتوالى الأجيال في الاستراتيجية العربية  0

4- التنمية والاستثمارات العربية : معظم الاستثمارات العربية إستهلاكية ، وتعتمد على الاستيراد من الخارج ، وكذلك الصناعة العربية فهي صناعة إستهلاكية وتعتمد بشكل شبه كلي على وسائل الإنتاج الأجنبية ، وفيها تبعية كبيرة للدول الأجنبية 0 والأسوأ من ذلك بأن الاستثمارات الخدمية والصناعية يوجد فيها محسوبية كبيرة ، وتقتل الإبداع عند الإنسان 0 ونتيجة ذلك ربما يتذكر بعض المتابعين في دراسة نشرناها في الراية في العددين 6902 ، 6904 في مارس 2001م تقريباً ، وكذلك أعدنا نشرها في كتابنا “العالم الإسلامي” في أبريل 2002م ، بأن الناتج المحلي العربي لا يصل إلى 39% من الناتج المحلي الفرنسي ، ولا يصل إلى 42% من الناتج المحلي البريطاني ، وكذلك الفاجعة الكبرى بأنه أقل حتى من الناتج المحلي الأسباني بحيث يصل إلى 5ر99% من الناتج الأسباني ، علماً بأن أسبانيا تعتبر حسب المواصفات الأوربية دولة نامية (آل ثاني ، عالم إسلامي ، ص 132) وعزز ذلك تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002م الصادر من الأمم المتحدة في أغسطس 2002م .

وهنا نقول لأمريكا إذا كانت صادقة تريد قيادة العالم وتحقيق الأمن والسلام والعدالة لشعوبه عليها كما نرى أن تطبق التالي :

1- على أمريكا أن تبلغ متخذي القرار في العالم العربي والإسلامي ، وهم أنفسهم المتسابقين على البيت الأبيض ، لأن كلٌ منهم يريد أن يثبت لأمريكا بأنه هو الأصلح لأمريكا ولشعبه وللعالم ، وذلك شكل كثير من الارباك في جدول أعمال الإدارة الأمريكية ، وأثر على مصالح شعبها ودورها الاستراتيجي في العالم  0 إذاً المطلوب من أمريكا أن تقول لهؤلاء المسئولين عودوا إلى شعوبكم واحضروا لنا التفويض الذي عندكم لكي تكونوا الصوت الناطق بأسم هذه الشعوب  0

2- على النظام العالمي الجديد أن يكون له دور واضح في الديمقراطية الحقيقية لا الديمقراطية الصورية ، وكذلك على النظام العالمي الجديد أن يكون له دور إصلاحي واضح في الجوانب الدستورية والسلطة ونوعية الخلافة في الممالك الدستورية ، والجمهوريات الوراثية  0

3- على النظام العالمي الجديد أن يجد حلول سلمية للقضايا الشرق أوسطية المعلقة التالية : أم القضايا القضية الفلسطينية ، وأزمة العراق ، ومشكلة السودان ، وقضية أفغانستان ، وإخراج إيران وسوريا من تصنيف محور الشر  0

4- على النظام العالمي الجديد ، أن يقول للزعماء العرب ، بأن الأموال العربية الموجودة في المصارف والبورصات الأوربية والأمريكية تصل إلى خمسة أضعاف الناتج المحلي العربي (5ر2 تريليون دولار تقريباً) ، علماً بأن ما يقارب من 50% من سكان العالم العربي قاربوا من خط الفقر  0 ونحن في رأينا أنه ليس هناك مانع من أن تصدر أمريكا أوامرها على الزعماء العرب لاعادة هذه الأموال للعالم العربي ، حتى لو اشترطت أمريكا بأن 50% من هذه الأموال يفترض بأن الشركات التي تعمل بها شركات أمريكية ، شريطة أن يكون جميع الأيدي العاملة عربية باستثناء الخبرات الفنية الغير متوفرة في العالم العربي ، أو الخبرات الإدارية التي تريد هذه الشركات أن تحتفظ بها لنفسها  0

وفي الختام إذا كانت أمريكا تتهم العرب والمسلمين بالارهاب ، فماذا سوف تتهم من قاموا بعمليات انتحارية من اليابانيين في الحرب العالمية الثانية ؟ وماذا عن الفيتناميين ؟ والكوبيين أبان الثورة الكوبية في الخمسينيات ؟ ، والتاميل في سيرلانكا ؟ 0 كل هؤلاء قاموا بعمليات فدائية ، وحسب المعيار الأمريكي انتحارية ، ولكن لم نسمع بأن أمريكا قالت عن اليابان أرهابية أو آسيا أو أمريكا اللاتينية  0

وماذا عن قائد السرب الأمريكي الذي ضرب هيروشيما وناجازاكي ، عندما قال لطياريه من إصيبت طائرته منكم ، عليه أن يحاول إنزالها بالقرب من الأراضي الصديقة 0 وعندما سأله الطيارين الشباب وماذا عنك سيدي ؟

فأجاب ” أعتقد أنني عشت ما فيه الكفاية ، وإذا إصيبت طائرتي فسوف أختار أكثر المباني أضراراً بالنسبة للعدو ، وسوف أتحول أنا والطائرة إلى قنبلة مدمرة للعدو ، وكل ذلك فداءً لأمريكا وأجيالها القادمة “

وبعد ذلك رأى الجميع نظرة اعجاب عند الشباب بقائدهم فيلم (Pearl Harbour) ولماذا لا يسمى ذلك ارهاباً ؟ 0

إذاً على أمريكا أن تعلم بأن العمليات الاستشهادية في الشرق الأوسط ، يولدها القهر واليأس عند الشعوب عندما تصادر أملاكهم ، وتدنس أعراضهم ، وتنتهك حرماتهم ، وتصادر إمكاناتهم  0

وأخيراً نقول نعم من الممكن أن يصبح العالم المأوى الأكثر سلاماً وعدالة ، إذا استطاع النظام العالمي الجديد أن يلغي تكتيك حروب اجهاضية ، أو استباقية ، ويستبدل ذلك باستراتيجية جديدة أسمها أمن وسلام وعدل يشمل العالم كله  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

ماذا بعد عصر الهايدروكاربون ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

في مقولة مشهورة للشيخ أحمد زكي يماني ، بأن العصر الحجري أنتهى من دون أن تنتهي الحجارة ، وعصر النفط سينتهي من دون أن ينتهي النفط .

وفي كتابنا للجغرافيا السياسية قلنا بأن عصر النفط لن ينتهي فجأة ، وإنما يحتاج إلى ثورة كاملة في تغيير وسائل الإنتاج ، وذلك لن يحدث قبل عام 2050م 0

وفي مقالة منشورة حديثاً لباتريك سيل تعزز ما قلناه ، وهو يقول : ” كيف ستكون صورة العالم بعد أربعين أو خمسين عاماً من الآن ، بعد أن ينزل النفط عن عرشه “( الحياة العدد 14442 ) 0

ويرى باتريك سيل بأن النفط العربي يواجه اليوم ثلاثة تهديدات :

1- الاستقلال السياسي للعرب مهدد بما لا يمكن تسميته بأقل من الأمبريالية الجديدة .

ونرى بأن الدول العربية فعلاً أصبحت مستعمرات أمريكية ، ولكن من نموذج استعماري أمبريالي ، يتواكب مع مفهوم العصر ، وذلك من خلال السيطرة على التالي: (أ) النفط ينتج في العالم العربي وكمية تصديره وأسعاره تحدد من أمريكا (ب) التواجد العسكري الأمريكي المباشر على الأراضي العربية ، والسيطرة الأمريكية الكاملة على المجال السيادي الجغرافي للدول العربية  (جـ) التدخل الأمريكي المباشر في تنصيب وخلع رؤساء الدول العربية ، ومن رفض ذلك بقي هو ودولته وشعبه تحت الحصار المذل .

2- ويرى سيل ، محاولة منتجي النفط في روسيا ، وبحر قزوين ، وغرب أفريقيا ،   وأمريكا اللاتينية 0 وذلك لإسقاط التحكم العربي بامدادات النفط 0

ونحن نرى بأن هذه المحاولة فشلت بالفعل لأن مازال الوطن العربي يسيطر على 60% من احتياطيات النفط العالمي ، وكذلك مازال الوطن العربي يسيطر على 45% من السوق العالمية للنفط 0 ونضيف إلى ذلك بأن الوطن العربي يسيطر على 22% من احتياطيات الغاز الطبيعي (آل ثاني ، العالم الإسلامي ص 128 ).

لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا كانت الولايات المتحدة تسيطر على نفط وحكومات الشرق الأوسط ، ولكنها لم ولن تستطع أن تسيطر على شعوب الشرق الأوسط ، والملاحظة الغريبة بأن كلما تقترب أمريكا طردياً من حكام الوطن العربي ، كلما ينعكس ذلك سلبياً في العلاقة ما بين أمريكا والشعوب العربية  0

إذاً هذه القضية تمثل حلم مزعج بالنسبة لأمريكا ، فسيطرتها المكانية والسياسية والاقتصادية على الشرق الأوسط ظاهرياً ، تمثل سيطرة مطلقة ، ولكن باطنياً تمثل سيطرة هزيلة ، لأن الــ 300 مليون نسمة المكممة أفواههم في الوطن العربي ، يمثلون بركان هادئ ولكنه نشط ، وخاصةً إذا علمنا بأن معدل الزيادة الطبيعية في العالم العربي ، تعتبر من أعلى المعدلات العالمية ، وهي 5ر3% سنوياً ، وذلك يعني بأن سكان العالم العربي سيتضاعف في فترة أقل من 25 سنة ، أي في عام 2025م سيصبح سكان العالم العربي 600 مليون نسمة تقريباً  0

ولذلك فأمريكا وحلفاؤها يسعون سعياً حثيثاً بسبب الرعب السكاني الجارف في العالم العربي ، إلى إيجاد البدائل من خلال محورين :

أ – ايجاد الهايدروكاربون في مناطق خارج العالم العربي ، وأن أصاب ذلك الكثير   من المخططين الأجانب شيء من الاكتئاب لإيجاد هذه البدائل 0
ب – المحاولة لايجاد مصادر بديلة عن طاقة الهايدروكاربون 0 وهذا يمثل التهديد   الثالث كما يقول سيل : ” يلوح في الأفق حالياً إمكان إيجاد مصدر لا ينضب   للطاقة المتجددة المستخرجة من الأكسجين الذي سيتسبب باحتضار النفط   البطئ”0

ومن هنا أتفق مع سيل بأن بالفعل الدول الصناعية بدأت تحقق نتائج طيبة في بدائل الهايدروكاربون ، ومن هنا اقتبس هذه العبارة مباشرةً من سيل وهي : ” أن الهيدروجين يمثل التهديد الأكثر خطورة على النفط ” 0 ولم يعد سراً أن الشركات الصناعية الأوربية والمعاهد العلمية المتخصصة ، تنفق أموالاً طائلة على الأبحاث الخاصة بالبدائل 0 وقرر الأتحاد الأوربي أن يكون من أهدافه المرحلية الملحة توفير 22% من الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء عام 2010م ، و 12% من الاحتياجات الأخرى من مصادر غير نفطية 0

وانتجت جنرال موتورز سيارة ثورية تعمل على الهيدروجين ، يؤكد جيريمي ديفكين رئيس مؤسسة الاتجاهات الاقتصادية ومقرها واشنطن ” أنها ستكون النهاية للمحركات التي تعتمد على المحروقات ” ، وأخيراً يقول رينكن : ” بأن سينتقل العالم من حضارة تعتمد على النفط إلى حضارة تعتمد على الهيدروجين ” 0

وفي مجموعة دراسات سابقة بالنسبة لنا ومنها : كتاب الجغرافيا السياسية ، ودراسة قراءة في الهايدروكاربون نشر ملخص لها في الراية في مطلع عام 2002م ، وستنشر بالتفصيل قريباً إنشاء اللّه في مجلة المستقبل العربي 0

وركزنا خلال الدراسات المذكورة على الهايدروكاربون ، وعلى بدائله ، وذكرنا ذلك بالنسب التي أصبحت مصادر الوقود الأخرى تسحبها من الهايدروكاربون ، والبدائل منها :

1- الهيدروجين 0
2- الطاقة الشمسية 0
3- طاقة البخار المضغوط 0
4- المولدات على السدود المائية 0
5- طاقة الرياح 0
6- الأمواج البحرية 0

ونختم هنا الآن قائلين إلى من يهمه الأمر ، بأن التنمية موجهة إلى الاستهلاك في القطاعات الاقتصادية الثلاثة : الأولية والثانوية والخدمية 0 وساعد ذلك وجود الاقتصاد الريعي ، وخاصة في الدول النفطية النامية 0 ولكن أثناء هذا السبات العظيم لابد لنا من إثارة قضية مهمة ومرعبة  ؛ ماذا بعد انتهاء عصر الهايدروكاربون سواءً بالنضوب ، أو وجود طاقة بديلة ؟ 0

ما هي الآلية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سيعتمد عليها الاقتصاد العربي في مواجهة 600 مليون نسمة تقريباً ، بعد عام 2025م ؟  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

فلسفة النظم

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

النظام هو مجموعة من التشريعات وضعها الإنسان ليضمن التعايش القهري ، ومع التطور سمي بالسلمي ما بين المجموعات البشرية المختلفة 0 والنظام يقوم دائماً على

الترغيب والترهيب ، ويقيس المحللون السياسيون كفاءة النظام من خلال الآلية التي يتحكم فيها في قياس ميزان الترغيب والترهيب ، وطبعاً هذين المفهومين يختلفان عند عالم الجنوب

مقارنةً بعالم الشمال ، وفي الأنظمة الديمقراطية مقارنة بالأنظمة الغير ديمقراطية ، وعند الأنظمة الدينية عنها بالنسبة للأنظمة اللادينية 0 فعلى سبيل المثال أول تنظيم لآدم بعد أن خلقه اللّه

سبحانه وتعالى قال له   وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا منها رغداً حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين  صدق اللّه العظيم 0 ولكن آدم عليه السلام خالف

القاعدة التشريعية التي وضعها له النظام الإلهي ، ونتيجة ذلك صدر عليه حكم بالعقوبة وأنزله المولى عز وجل إلى الأرض ، ورغم العقوبة أعطاه الفرصة لكي يعود إلى الجنة 0 والدليل

على ذلك الآية القرآنية التالية   قلنا اهبطوا منها جميعاً ، فإما يأتينكم مني هدى ، فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون  صدق اللّه العظيم 0 إذاً ، إذا كانت المدارس المختلفة قد

رصدت وجود للإنسان قبل مليوني سنة ، وكان يقول روادها بأنه كان يتجول في جماعات كالبهائم ، فإنه بالنسبة لنا كمسلمين فالآيات السالفة الذكر تعطينا معنيين وهما  الأول  بأن الإنسان

منذ خلقه المولى عز وجل أعطاه العقل 0 الثاني  بأنه خضع لتنظيم محلي في الجنة فخالفه ، فأنزله المولى عز وجل إلى الأرض 0 ومن هنا بدأ انطلاق التنظيم البشري وتطور من خلال

محاوره الأربعة المعروفة  (1) نظام محلي ، (2) نظام إقليمي ، (3) نظام دولي ، (4) نظام عالمي 0 ونجد أن هناك عدة مدارس حاولت وضع بعض التعريفات لمصطلح نظام ومنها ، اناتول

رابر بورت ” بأن النظام هو المجموع الذي يعمل ككل ، نتيجة الاعتماد المتبادل بين الأجزاء ” ، ويرى مورتن كابلن بأنه ” مجموعة النماذج والقواعد المترابطة التي تحكم عمل العلاقات بين

الدول وتحدد مظاهر ومصادر الانتظام فيها خلال فترة زمنية معروفة ” 0

ولو حاولنا رصد المراحل التي تطور فيها التنظيم البشري لوجدنا التالي  (1) الجمع والالتقاط (2) الرعي (3) الزراعة (4) التعدين (5) الصناعة (6) ثورة المعلومات 0

ولو توقفنا بدقة وقلنا متى نشأت الدولة لوجدنا أنها نشأت منذ المرحلة الثالثة وهي مرحلة الزراعة وهذا واضح للعيان من خلال الحضارات القديمة في الشرق الأوسط فنجدها تركزت على

المجاري المائية الدائمة مثل بلاد الرافدين التي نشأت فيها حضارة سومر واكاد وبابل والكاشيون والآشوريين والكلدانيين ، ومنطقة سواحل الهلال الخصيب نشأت فيها حضارة الكنعانيين

والفينيقيين ، وحضارة وادي النيل الفرعونية 0 وبعد نشوء هذه الأنظمة المحلية بدأت تتعرض لصراع الفطرة البشرية ما بين الأخضر والأصفر ، ويقصد بالأخضر أهل الزراعة الذين نشأ

فيما بينهم تنظيم ما، وأدى هذا التنظيم إلى نشأة الدولة الأولى في التاريخ ، وما بين الأصفر وهم يمثلون قبائل الرعاة الذين يمثلون الهجوم في هذه الحالة ، وهذا الهجوم يتم لأحد هذين

السببين  (1) أما للتفاخر القبلي وهو من يحقق أكبر غنائم من خلال عمليات الغزو والفتوحات وهو في الحقيقة السطو والهلاك 0 (2) يتم هذا العمل بالنسبة لبعض القبائل الرعوية في

حالات الجدب، فيجدون بأنه لا يوجد عندهم خيار إلا غزو الأخضر 0 والمهم أن ذلك يعطينا بأنه يوجد لعبتين في هذه الحالة الأولى من خلال التنظيم الذي نشأ ما بين أهل الأخضر وأعطاهم

نموذج ابتدائي لنشأة الدولة ، والثاني التنظيم القبلي لقبائل الرعاة 0 ولكي تستمر الحياة لابد من وجود لاعبين ولعبة أو العاب وتوازن 0 وطبعاً في هذه المراحل تمت عدة اجتهادات

لترويض قبائل الرعاة ، واللاعبين في هذه الحالة سلاطين الأخضر وزعماء القبائل ، واللعبة هو توزيع الأدوار ما بين القوى ، والنتيجة هي حدوث تحالف من خلال لعبة التوازن بحيث

تتحالف بعض قبائل الأصفر مع قبائل الأخضر ، وأصبح دور الأخضر الإنتاج ودور الأصفر الحماية ، ولكن لاحظنا بأن الأصفر أصبح يمثل القوة أو أداة القمع مما جعل بعض قبائل الأصفر

يصلون إلى الحكم 0 ومن هنا صرخ ابن خلدون في العصور الوسطى وقال الأخضر صناع حضارة والأصفر يحكمون 0 ولكن بعض حكماء السياسة ابتكروا أسلوباً جديداً للإدارة العملية ،

وهو من خلال نظرية الشيء وضده ، أي التحالف مع قبيلة واحدة يعني اخضاع الأمة لسلطة فريق واحد ، والتحالف مع قبيلتين من الأصفر خلق ثنائية غير مستحبة ويسمى اختلال التوازن

، وأفضلها تعددية التحالف بحيث تكون الوسيلة لكل قبيلة هو الإثبات من هو صاحب الشوكة والأجدر لحماية الأمة ، وذلك يمثل صراع معنوي ضخم تقدم فيه تضحيات تقارن بالمعجزات ولا

تقدر بثمن اطلاقاً ، وفي هذه الحالة تتحقق الغاية المطلوبة وهي حماية الأمة من غزوات الأصفر ، وبدل أن يهلك الأصفر الحرث والنسل أصبح صراعهم فيما بينهم 0 ولكن مع حراك الأجيال

أصبحت شريحة كبرى من أبناء الأصفر ، جزء من الأخضر لأن جميع أهل الأخضر كانوا من الأصفر أصلاً ، فإذاً في هذه الحالة لابد من تنظيم جديد ، ويمثل ذلك مرحلة جديدة من تطور النظام

المحلي ، وبدأت تظهر نظام الطبقات الإجتماعية من ناحية وظيفية ، وعموماً جميعها يدور حول هذا المنوال مع الاختلاف في التوزيع ، وذلك يمثل  (1) الحكام (2) النبلاء (3)

البورجوازيين (4) الفلاحين (5) الأجانب (6) الرعاة (7) العبيد 0 عموماً هذه الطبقات استمرة بحالة استاتيكية وساكنة كأن المولى عز وجل خلق الدنيا هكذا إلى أن أصبح على سبيل المثال

بأن البورجوازي خلق بورجوازي كما خلق اللّه سبحانه وتعالى القرش في البحر ، والراعي خلق راعي كما خلق الذئب ، والعبد خلق عبداً كما خلق الجمل 00 إلخ 0

ولكن هذا الميكانيزم تغير مع مرور الزمن ، وأصبح يتطور بطريقة ديناميكية كأن يوم القيامة سوف يقوم غداً 0 فانتبهت بعض المدارس الفكرية في السلطة لذلك فقامت تصنع

وتبتكر طبقات من ضمن نفس الطبقات ، بحيث أصبح بطريقة أخرى مثلاً درجات النبلاء ودرجات البورجوازيين ، ودرجات الأجانب ، ودرجات العبيد ، أي بمعنى آخر شغلوهم بأنفسهم،

وبدأت السلطة تتحرر من الضغوط السابقة التي شكلها عليها النظام الثوري ، لأن كل شخص أصبح عنده طموح يبحث عن وضعه من ضمن طبقته وهذا خلق ستاتيكية جديدة كأن الزمن خلق

لكي لا يتغير ، بحيث حتى أمبراطور فرنسا قبل الثورة ، عندما كان مجتمعاً مع الفنان ليناردو ديفنشي لكي يطلع الملك على بعض تصاميمه ، فأتى مسئول البروتوكول وقال للامبراطور “

سيدي النبلاء ينتظرون قدومك في قاعة الاجتماعات ” فقال الامبراطور للموظف ” سوف أأتيهم بعد برهة ” ، ولكن الامبراطور تأخر لساعات ، فقدم الموظف مرةً أخرى وذكر الامبراطور

بالاجتماع ولمح الموظف للامبراطور بأن النبلاء وصلوا إلى درجة من الامتعاض ، وذلك أدى إلى غضب الامبراطور وقال لموظفه اغرب عن وجهي فهؤلاء النبلاء أنا الذي صنعتهم ، ولكن

هذا ويقصد ديفنشي صنع لي هذا ويقصد تصميم ديفنشي 0 وهذا يعطينا دليل بأن السلاطين كان ينتابهم شعور بأن الزمن قد توقف وبأن الطبقات قد ثبتت ، وبأن الإنسان انتهى دوره في

التغيير ، بل انتهى دوره ككائن عضوي أيضاً 0 وبدأت تتصور الأنظمة المحلية بأن القوانين التي وضعت ، وتوضع ، والتي سوف توضع كانت وبقيت وستبقى تسير الإنسان ، وهي من خلال

مراحل القوانين المختلفة مثل  الحق الإلهي ، مرحلة القوة ، ومرحلة العرف، مرحلة تدوين القوانين وتمثل  حامورابي ، وبوخريس ، واداركون وصولون وكليستان ، وجوستنيان ،

والأنظمة الدينية مثل الأنظمة الإسلامية ، القانون الإنجليزي ، والقانون الفرنسي 00 إلخ ، من التشريعات 0 وهذه التشريعات من جهة استطاعت أن توفر للإنسان الأمن المحلي والعمل

المتواضع والغذاء 00 إلخ 0 ولكنها أصبحت حجر عثرة أمام الفكر والإبداع والعطاء البشري ، لأن كل خطوة يريد أن يخطوها ابن آدم يجب أن يكون لها تشريع ، وإذا لم يوجد فعليه أن

ينتظر لمدة مائة عام ، أو مائتين عام أو أكثر إلى أن يوجد تشريع لذلك، وطبعاً ذلك ممكن أن يتحقق من خلال تعاقب الأجيال ، وهذا أيضاً مرفوض وضرباً من الخيال لكي يتحقق لأن كما

نعرف جميعاً بأن المكان ثابتاً بشكله متغيراً من خلال الحراك البشري عليه0 ولكن الاستاتيكية القاتلة لم تستمر أيضاً ، بل اعقبتها ثورات اقتصادية وسياسية مثل التطور الاقتصادي من الرق

إلى إقطاعي إلى حرفي ، إلى رأسمالي ، إلى مختلط ، ومن الناحية السياسية قوة الفرد ، إلى الارستقراطية ، إلى الديمقراطية بتقسيماتها المعروفة 0 وهذا أدى إلى وجود تنظيمين ثنائي

القطبية في العالم النظام الاقتصادي الرأسمالي ذو الفكر الليبرالي في الحكم ، والنموذج الاقتصادي الاشتراكي ذو الفكر المركزي الشيوعي 0 وهذا التصور لنماذج النظم من ناحية

اقتصادية وسياسية جعل المفكرين يركزون في تاريخ النظم من النواحي التالية  (1) التيوقراطية ( الحق الإلهي ) 0 (2) الديمقراطية ( المشاركة الشعبية)0 (3) المرحلة الاجتماعية 0 (4)

التطور التاريخي للدولة 0 وبالتالي التطور الحديث بدأ يعطينا تصور آخر للمجتمع بحيث أصبح بعض المنظرين يصورون المجتمع إلى مجتمعين سياسي وغير سياسي ، رغم اتفاق جميع

العلماء بأن السياسة من حق الجميع كالهواء والماء 0 ولكن حتى في العصر الحديث لم يسلم ابن آدم من عملية تلاعب المخططين السياسيين للمجتمع، فنلاحظ الفكر وضع تصور للاعبون

من ناحية شخصية بحيث قسمهم كالتالي  لاعب أصلي ، ولاعب مشارك ، ولاعب فرعي ، وأخيراً الغوغاء 0 ويعتبر الغوغاء هم القطاع الذي يمثل القاعدة الشعبية للاعبين ، إذ ربما يثار

سؤال ( ماذا عن الخارج من أصول اللعبة ) ؟ ، طبعاً الإجابة هي بأنه يعتبر معارضة ، ولكن المعارضة لم تترك على إطلاقها بل أصبح هناك تخطيط لها  أولاً  تتعرض للتعتيم التام 0 ثانياً

تحارب اقتصادياً ووظيفياً 0 ثالثاً  من يخرج من عنق الزجاجة يفتعل له صراع مع عناصر المعارضة الأخرى مثل التيوقراط ضد الليبراليين ، الرأسماليين ضد الاشتراكيين 00 إلخ 0 وهذا

يعطينا تصور بأن المعادلة الصفرية بدأت تستخدم ضد الأفراد أيضاً ، وأستطيع أن أقول لكم بأن المخطط الذي يستخدم المعادلة الصفرية هو نفسه يمر في مرحلة حرجة لأنه لا يوجد عنده إلا

خيارين لا ثالث لهما ، وهم أولاً  استخدام المعادلة الغير صفرية ، وهي تقوم على اضعاف الخصم والاحتفاظ به في الملعب ، ثانياً  المعادلة الصفرية وهي تقوم على سحق الخصم وفي هذه

المرحلة يكون المخطط في اسوأ حالاته لأنه لم يستطع أن يسيس العملية لأن جميع أصول اللعبة أصلاً موجودة في كفه ، ولا يوجد عند الخصم إلا الإرادة فقط 0

ومن هنا انفجر فكر حديث يحلل المدرسة الإسلامية السياسية في العصور الوسطى ، فبعض الآراء ترى بأن الخلافة الإسلامية في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي اللّه

عنه كان يوجد فيها ابداع سياسي استطاع من خلال المحافظة على ابقائه على أصول اللعبة في قيادة الدولة الإسلامية ، ويعود ذلك إلى عنصرين رئيسيين  (1) في المدينة المنورة ومكة

المكرمة كان يوجد فيها هيبة كبيرة للفاروق رضي اللّه عنه ، (2) في الولايات الإسلامية حرص الفاروق على الاحتفاظ بكبار الصحابة عنده لكي يستنير بآرائهم في إدارة الدولة الإسلامية ،

ولكن المدارس الأخرى ترى أن ابداع الفاروق السياسي ، هو ببقائه كبار الصحابة عنده في المدينة تحت نفوذه وذلك يعود لأمرين حتى لا تغويهم الدينا ، والآخر سياسي ، هو حتى لا تجذبهم

نشوة السلطة بالاستقلال بولاياتهم عن المركز في المدينة المنورة ، وخاصة أن شعور كبار الصحابة بأنهم لا يقلون عن الفاروق رضي اللّه عنه لا من حيث القرب من الرسول ص ولا من

حيث العلم ولا من حيث النسب ، بل بعضهم كان يعتبر نفسه أحق من الفاروق عمر بالخلافة رضي اللّه عنه وعنهم أجمعين 0 وعكس ذلك نجد المخطط السياسي أضاع أصول اللعبة في عهد

عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنهما ، وذلك أدى إلى نشوء نزاع مهلك ما بين الصحابة والتابعين رضي اللّه عنهم أجمعين 0

والمثال الآخر معاصر وتطرقت له منذ فترة قريبة في جريدة الراية القطرية ، بحيث قلت بأن بوش الأبن عندما وجد نفسه ضعيفاً في قيادة الأمة الأمريكية ، ذهب واستعان

بشكل كبير بالمدرسة الكلاسيكية الجمهورية للجمهوريين ممثلة بقادة المرحلة الزمنية للعقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين وهم السيد تشيني والسيد كولن باول ونجد ذكاء المخطط

السياسي في هذه المرحلة بأن تشيني كبير السن نسبياً ويعاني من مشاكل صحية ولكنه محنك في إدارة دفة النظام السياسي العالمي ، وخاصة التصور الذي وضعه بوش الأب للعالم والذي

اسماه قبل عقد من الزمان بالنظام العالمي الجديد ، وكولن باول كبير السن أيضاً وذو خبرة جيدة في السياسة العالمية وخاصة من خلال مبدأ نظرية القوة 0 فتصوراتي في ذلك بأن بوش

الأبن من خلال المطبخ السياسي لآل بوش ، يوجد عندهم برنامج ، وربما لمدة سنتين لتحقيق تصورهم الجيوبولتيكي العالمي ، وفي السنة الثالثة فعليهم أن يستعدوا لتشكيل فريق آخر من

اللاعبين الشباب للاستعداد لكسب الانتخابات الأمريكية في عام 2004م ، وسوف يكون شعار هذا الفريق هو التركيز على النظام المحلي الأمريكي من خلال دغدغة مشاعر الغوغاء كما

يسميهم خبثاء علم السياسة ونحن نسميهم الناخبين الأمريكان الأبرياء من خلال الوعود الاستهلاكية رغيف لكل جائع ، ومدرسة لكل طفل ، وسرير مستشفى لكل مريض ، ومصحة لكل كبير

في السن 00 إلخ 0 ومن خلال تجديد الوجوه وتغيير أصول اللعبة احتمال كبير أن يبقى آل بوش في البيت الأبيض إلى 2008م ( وهذا التصور الأخير أرجو بأن يسجل للتاريخ ونذكره كل

سنتين من الزمن إذا أمد اللّه لنا وياكم ) 0

ربما يثار سؤال في خاتمة النظام المحلي ، بأن السيطرة على المجتمع منذ فجر التاريخ تمت من خلال التقسيمات الاجتماعية فهل مازال للتقسيمات الاجتماعية وجود الآن ؟

وأقول لكم نعم موجودة وأبع مما كانت عليه سابقاً ، بل أن بعض المحللين قسم التنظيم الاجتماعي المعاصر بمسمى قاعدة القمع والارهاب من خلال

1- التنظيم والقانون  وذلك من خلال القانون الخاص المدني والعام الإداري والجنائي ، فينتابك شعور من خلال هذه القوانين بأنك تملك كل شيء ولكن في الحقيقة فأنت مسجون

ومكبلة يداك من خلال قيود تسمى النظم والقوانين ، رغم أنك تعيش في الفضاء الخارجي 0 وإذا أردت أن تتأكد بأن يداك محكومتان الوثاق انظر إلى الأشخاص المستثنين من القانون

2- الأمن  أصبح هناك تقسيمة حديثة لأجهزة الأمن في كل العالم وذلك لأن الأنظمة لا تثق في هذه الأجهزة ، فنجد لهذه الأجهزة عدة مسميات مثل مخابرات محلية ودولية مثل في

الولايات المتحدة والمملكة المتحدة CIA و FBI و MI5 و MI6 00 إلخ ، ومباحث وأمن دولة واستخبارات والشرطة بمفهومها التقليدي والجيش بفروعه المختلفة ، وللأسف الشديد

بسبب العزل الكبير الذي تعيشه هذه الطبقة من ناحية مادية وأيديولوجية وإجتماعية ، يعطيها زخم بأنهم من أصول اللعبة ، وبأنهم قمة الهرم بالنسبة للمجتمع ، ويبقى هذا الخيال المخملي

يراودهم إلى أن يبلغوا من العمر عتيا فيكتشفوا الحقيقة بأن كل ما كانوا يعتقدوا بأنه من أصول اللعبة كان فقط أدوات تمويه معنوي لدعمهم للاستمرار في خدمة اسيادهم ، وبأنهم لا شيء ،

ويعتبرون صفر من الشمال ، وينطبق عليهم البيت العربي الأصيل القائل

احفظ ادبشك اللي عن الناس مغنيك اللي إلى بان الخلل فيك يرفاك

3- التقسيم الاقتصادي للطبقة الاجتماعية  يبقى المسكين يتعلم إلى أن تبيض عيناه ، وكله طموح بأنه سوف يكافئ بعد التخرج بحياة كريمة ، وسوف يصبح عنصر فعال في

المجتمع، وغاب عن ذهن أخي المكافح بأن هناك تقسيمة اجتماعية ، وسوف يقوم مخطط اللعبة باعطائه الدور الذي يراه مناسباً له وليس الدور الذي يستحقه ، والأسوأ من ذلك بأن حتى

المواطن في العالم الصناعي يعاني من هذه الكارثة من خلال التصور البريطاني الرأسمالي لأصحاب الياقات الزرقاء وأصحاب الياقات البيضاء ، وفي الاتحاد السوفيتي السابق الحكومة

المركزية والبروليتاريا ، وفي عالمنا المتخلف من خلال كبار الموظفين ، والموظفين المتوسطين ، وصغار الموظفين 0 ويبقى الغلابة من سن 15 سنة إلى70 سنة يدورون من ضمن هذه

الحلقة المفرغة وكأنها قدرٌ محتومٌ عليهم ، ويبقون يتهامسون فيما بينهم كالابل التي تعاني من الهلاك وتوجد في المحل، بحيث تهمس كل واحدة منهم إلى الأخرى بأن الغيث سوف يأتي لا

محالة ، وهم في انتظار الغيث أن يأتيهم ، وكل برهة وأخرى إحدى الجمال تقضي نحبها بينهم ، ويتبع ذلك الصمت الرهيب الذي لا يخلو من الأمل  وهو يمثل طبيعة الجمل العربي الأصيل 0

4- ديمقراطية ( مشاركة شعبية ) حياة نيابية ناضجة في دول الشمال وخاصة أوربا الغربية والولايات المتحدة وكندا واليابان ، أما ما تبقى فهي حياة نيابية صورية ، وحتى لو

كانت المجالس منتخبة ، ويمكننا مراقبة ذلك من خلال التشريعات والقرارات التي تتخذها هذه المجالس في العالم النامي ، أما وسائل الإعلام فهي ذات حرية ظاهرية ومعظم قادة الوسائل

الإعلامية معينون من السلطات في العالم النامي ، وذلك مما يجعل قراراتهم حذرة ودورهم هامشي 0

هذا هو تحليل مقتضب لتقسيم الطبقات في الأنظمة المحلية في العالم مع التركيز على دول العالم النامي 0

ولا نقول وداعاً بل إلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه تعالى

فلسفة النظم المكيافللية

بسم الله الرحمن الرحيم

24/4/2005

الذي نقدمه هنا ، يعتبر من أحد فصول كتابنا الذي سننشره في المستقبل إن شاء الله ، واسمه الملف الأسود في السياسة 0 ويمكن مراجعة بعض فصول كتابنا أيضاً في موقعنا الإلكتروني مثل : فلسفة النظم ، والمصلحة ، وفن اللعبة السياسية 00 إلخ ، وبعض الفصول المذكورة سبق وأن نشرت في الراية

النقطة التي نريد أن نوصلها هنا للقارئ الكريم ، وخاصة لطلاب السياسية وللمهتمين بالشؤون السياسية ، بأن إذا أردنا أن نعرف ما يدور حولنا اليوم من برامج سياسية ، فلابد لنا من معرفة التاريخ السياسي ، والبرامج السياسية المعاصرة ، ومستقبل السياسة !!

والمجهود الذي سأحاول أن أقدمه لكم من خلال هذا الفصل هو تحليل الفكر الفلسفي في السياسة لمكيافللي ، وموقع هذا الفكر ما بين المدارس الفلسفية السياسية المختلفة مثل : السياسة عند الإغريق ؛ أفلاطون وسقراط وأرسطو ، ومناهج الإبداع مثل : الابقريون والرواقيون والسفسطائيون ، ومدى التزام الرومان بتفسير السياسة ، ومرحلة المفهوم الوستفالي للدولة وما بعد الوستفالية ، والإبداع الذي وصل إليه كل من هوبز ولوك وروسو، وتفسير المدارس الاستراتيجية الطبيعية للسياسة ، وطبعاً عدم إغفال أهمية الإبداع السياسي لدهاة العرب الأربعة ، وفلسفة ابن خلدون ، ومقارنتها مع فلسفة هيغل الذي نقل كثيراً من المقدمة وروضها بطريقته الفلسفية !!

وبالطبع حتى أتجنب تحويل الموضوع إلى محاضرة أكاديمية في السياسة فأعتقد أنه من الأفضل أن أسهل عليكم القضية 00 وأدخل فيها بطريقة مباشرة 00 فخلاصة المناهج السياسية نستطيع أن نختصرها في منهجين رئيسيين في السياسة : المدرسة المثالية ، والمدرسة الواقعية 0 فالمدرسة المثالية من روادها أرسطو 0

فأرسطو قال عن المدرسة المثالية ( الأخلاقية ) : ( لما كانت الدولة، كل دولة ، نوعاً من المشاركة ، وكانت كل مشاركة ، تتم للوصول إلى نفع وخير ، إذاً المفروض أن الخير هو نهاية كل عمل 0 فمن الواضح أنه بالنظر لكون الخير هدف جميع المشاركات ، فإن الخير الأسمى ، في أرفع رتبه ، هو هدف تلك المشاركة السامية ، التي تضم كل ما عداها ، أو بكلمة أصح ، الدولة أو المشاركة السياسية ) 0

من خلال التعريف أعلاه يوضح لنا أن المنهج الذي يستخدمه أرسطو في السياسة هو المنهج الأخلاقي ، ولكن ذلك ليس بالضرورة لكل من يستخدم هذا المنهج أن يكون شخص فاضل أو سيء ، ولكن يفضل بعض المحللين السياسيين لمعالجة الظواهر السياسية باستخدام المنهج أعلاه !!0

أما أسلوب مكيافللي فهو أسلوب براغماتي نفعي ، ونسمي ذلك المدرسة الواقعية ، والمنهج الواقعي عند مكيافللي هو : ( أن الدولة تمثل تنظيماً وتحديداً بينما الأفراد تدفعهم أنانية نفوسهم فينزعون إلى الخمود الاجتماعي 0 الفرد ينزع إلى الهرب باستمرار ، ويميل إلى عصيان القوانين وعدم دفع الضرائب والامتناع عن خوض الحرب 0 وقليل هم الأبطال أو القديسين الذين ضحوا بمصلحتهم على مذابح الدولة ، وغير هؤلاء جميعاً في حالة ثورة مكبوتة ضد الدولة ) 0

ما ذكر أعلاه لا يعني بأن مكيافللي خبيثاً ، كما قلنا قبله لا يعني استخدام أرسطو للمنهج الأخلاقي أن يعني ذلك أن أرسطو فاضلاً 0 والذي نريد أن نصل إليه استخدام المنهج التحليلي يفرض نوعية النتائج التي نصل إليها 0

وبالتالي عندما نراجع رسائل مكيافللي نجد التالي :

المشهد الأول : أن الناس تعشق من يصون مصالحها :

عندما دعا أهل ميلان لويس الثاني عشر لاحتلالها فتحوا له أبواب مدينتهم للغازي ! 0 ولكن بعد أن وجدوا الآمال التي تعلقوا بها تتلاشى بسرعة البرق ، ولأنهم لم يحصلوا على المنافع التي كانوا سيتوقعونها ، هكذا تعذر عليهم احتمال حكم أميرهم الجديد في هذا الحكم من استثارة لحفيظتهم ! 0

إذاً هذه الصورة لم يخترعها مكيافللي وإنما نقلها من واقع شعب ميلان ! 0

المشهد الثاني : خلخلة التركيبة الحضارية للشعب ، ومن ثم حكمهم :

هذا ما فعله الأتراك في بلاد اليونان ، إذ على الرغم من جميع الوسائل التي لجأ إليها الأتراك للاحتفاظ باليونان ، فإن هذا الاحتفاظ ما كان ممكناً ، لو لم ينتقل الأتراك إلى بلاد اليونان للعيش فيها 0

المشهد الثالث : عندما تسيطر على شعب فأجعل أعزته أذلته ، وأذلته أعزته :

على حاكم المقاطعة أن يحاول إضعاف الأقوياء منهم 0 فالرومان في مستعمراتهم غرروا بصغار الوجهاء دون أن يضعفوا قوتهم ، وأخمدوا سلطان الأقوياء 0

المشهد الرابع : القضاء على الحليف :

إذا طلبت من فئة سكانية خدمات في حالة الأزمات ، ويتحقق بعد ذلك انتصارك وانتهاء الأزمة ، فهناك مشكلة جديدة ، فحلفاءك أصبحوا شركاء في سلطانك فلابد منك من القضاء الكامل على الحليف ، لأن خطوة الحليف القادمة أما الشراكة أو خلعك من سلطانك ! 0

المشهد الخامس : قسم مكيافللي الممالك إلى قسمين :

وننبه هنا المهتمين بهذا الشأن وخاصة طلاب السياسة بأن هذا التقسيم لا ينطبق على العالم المعاصر ، ، وخاصةً بعد المرحلة الويستفالية ، باستثناء الجيوب بعضها في دول العالم النامي 0 وتقسيمة مكيافللي هي كالتالي :

أ   –       الملك وموظفوه الذين عينوا وزراء بتفضل وكرم منه فيساعدونه في إدارة شؤون المملكة 0 أما تعليقنا على ذلك في فترة مكيافللي كان مفهوم المملكة (أ) بأنها جزء من أملاك الملك بشعبها وأرضها ومواردها ، ولكن ذلك يحدث مشاكل بسببه في العالم النامي الآن ، لأن الوزراء بعد تعيينهم ظاهرياً يقولون كل المملكة بما فيها ملك للملك ، ولكنهم حقيقة لا يؤمنون بذلك ، بل يعتبرون أنفسهم شركاء مع الملك في النهب والاستيلاء على ثروات المملكة !! 0

ب –       ملك ونبلاء وهذا ما يشبه النظام الإقطاعي ، بحيث يكون لكل مقاطعة أمير ، وجميعهم يدينون بالولاء لقمة الهرم وذلك ممثلاً بالملك 0 ويرى مكيافللي أن النوع (ب) من الممالك فرصة بقائها أطول من الممالك المركزية 0

المشهد السادس : في حالة الاحتفاظ بالمستعمرة دون ضمها :

من الممكن أحياناً أن يسمح للناس العيش في ظل قوانينهم مكتفياً بتناول الجزية منهم ، وخالقاً فيها حكومة تعتمد على الأقلية الحاكمة 0

المشهد السابع : الموظف الذي يعمل إلى مستواك فعليك القضاء عليه :

على الزعيم أن يكون كريم فوق الحدود على الوزير الطماع ، إلى أن يشعر الوزير بأن إمكانياته وصلاحياته لا تقل عن زعيمه ، ولكن اكتشف مكيافللي من تجارب الآخرين ، بأنه إذا أراد أن يتخلى الزعيم عن وزيره الطماع ، فعليه أن يقضي أو يحطم وزيره قضاءً أو تحطيماً كاملاً ، لأن مجرد ترميج هذا الوزير ، فكأن الملك ضرب آخر مسمار في نعشه !! 0

المشهد الثامن : القوات المسلحة :

من الممكن تقسيمهم إلى اربعة أقسام : المواطنين ، والمرتزقة ، ومختلط ، والإضافية ( يقصد بها القوات الأجنبية التي تأتي للمساعدة في الأزمة فقط ) 0

طبعاً هنا معظم المدارس تتفق مع تحليل مكيافللي بأنها جميعهم خطرهم أكثر من فائدتهم باستثناء المواطنين أحياناً 0 لأن الحرب تعتمد على تقديم النفس إلى الموت ، والمنهج البراغماتي يعتمد على المصلحة ، والذي يريد مصلحة , لن يموت من أجلها لأنه أصلاً يريد التمتع بها ! 0 ولكن من الممكن أن يقدموا أنفسهم فداء للوطن في حالة إذا كان هناك عند المواطنين الشعور الحقيقي أن الوطن هو كل حياتهم وجميعهم مشتركين في الحقوق والواجبات ، أو يكون هناك رمز يجمعهم مثل الدفاع عن الدين ، أو أيديولوجية سياسية يؤمنون بها !! 0 وهنا نؤمن بالمقولة المشهورة أحذر من شعبك مرة ، ومن جيشك ألف مرة !! 0

المشهد التاسع : كن كريماً إلى أن تصل إلى السلطة :

من هنا ترى مدرسة مكيافللي الواقعية بأنه لا مانع أن تكون كريماً في حالة محاولتك الوصول إلى السلطة ، ولكن بعد وصولك للسلطة فلا مانع أن تعود إلى غريزتك الرئيسية وهي البخل ! 0 إلا في حالة إذا شعرت أن سلطانك اهتز !! 0

المشهد العاشر : كن قاسياً ، كن ظالماً ، كن مكتسحاً :

حكمة مكيافللي هنا من خلال تجاربه بأن الناس يحبون بأهوائهم ولكنهم يخافون بإرادة الزعيم !! 0

المشهد الحادي عشر : لعبة القانون :

عندما تريد انتزاع السلطة فلابد من استخدام القوة ، ولكن لكي تحكم الشعب ، ويبقى مذعناً لك ، فلابد لك من استخدام القانون 00 ولكن أي قانون ؟ 0 طبعاً على السلطان أن يخلق القانون الذي يناسبه ، ويجعل أفراد الشعب مذعنين له وبالقانون !! 0

المشهد الثاني عشر : طريقة إيصال الأوامر إلى الشعب :

الشعب ينقسم ما بين الدهماء والقلة ، فعندما تريد أن تقدم أي مشروع جديد فعليك بعرضه على الدهماء وبطريقة مستعجلة ، وإصدار القرار فيه قبل أن يتدخل القلة لأنهم سيقومون بعرقلة وتشويش فكر الدهماء ، والمهم عند مكيافللي من ناحية براغماتية هو السيطرة على القاعدة ، وليست السيطرة على النخب التي من الصعب السيطرة عليها !! 0

المشهد الثالث عشر : المتآمرين :

هنا ناقض مكيافللي ما بين المدرستين الواقعية والأخلاقية ، وكذلك تردد كثيراً في هذا الرأي ، ولكنه في النهاية مال أكثر للمدرسة الأخلاقية وهو ما يناقض معظم رسائله بحيث قال ( الزعيم الذي يكسب ود الشعب يكون في أمان من تآمرهم عليه ) 0

المشهد الرابع عشر : الخصوم :

لاحظوا هنا وبعنف ، رجع مكيافللي للمدرسة الواقعية قائلاً :  ( لا تقضي على الخصوم مرة واحدة ، حالف بعضهم وقم بالقضاء على الآخرين ، إلى أن تقضي عليهم بالتدريج ) ، ومن هنا اقتبس من المدرسة الرومانية ( هو عندما تحارب الخصوم جميعهم مرة واحدة ، فسوف يتحدوا ضدك ، ويقهرونك ، فعليك بتفريقهم ، وتمزيقهم ، وتدميرهم بالتدريج!!) 0

المشهد الخامس عشر : صناعة النصر :

أحياناً تحتاج إلى إنجاز ، فلابد لك من تفجير قضية ، على شرط أن تكون متأكداً من القضاء عليها ، وبعد تفجير هذه القضية تقوم برد حاسم على هذه القضية ، وتكون النتيجة هو النصر 0 وقبل النصر يفترض أن يكون هناك خطة مسبقة حتى قبل تفجير القضية : ما هي الآلية التي تستطيع إخراج جميع الشعب لكي يحتفلوا معك بالنصر ؟ ! 0

المشهد السادس عشر : ازرع قلاعك في قلوب شعبك :

انظر هنا تناقض عند مكيافللي ما بين المدرسة الأخلاقية والواقعية ، فمكيافللي ضد القلاع وبهرجة السلاطين الزائدة ، ومن هنا يقول ( أفضل القلاع التي تبنيها, هي التي في أفئدة الشعب ) ، وهذا يمثل قمة المنهج الأخلاقي 0 وتعليقنا هنا بأن الشخص الذي يتعامل مع المنهج البراغماتي ، فالشعب لا يؤمن جانبه عندما يضطر أحياناً إلى استخدام المنهج الأخلاقي !! 0

المشهد السابع عشر : طريقة اكتساب الزعيم للشهرة وفي الوقت نفسه استهلاك طاقة الشعب :

طبعاً على الزعيم القيام بعمل المشاريع العظيمة ، وهذا ليس بمهم حتى لو تحولت إلى فيلا بيضاء أو أطلالاً ، لأن خلال عملك لهذه المشاريع العظيمة يكون شعبك مذهولاً ، وتكون متسلطاً على عقولهم ، وتجعلهم مشغولين دائماً بالتطلع إلى النتائج !! ، وبمجرد انتهائك من مشروع فعليك أن تكون جاهزاً لتشغلهم بمشروعاً آخر حتى لو كان عديم الفائدة على المدى البعيد 00 وهلم جرا ، وهذا سيشغل الشعب عنك في معظم فترة سلطانك !! 0

المشهد الثامن عشر : حكمة دوران الزمن :

ومن هنا نلاحظ أن مكيافللي اقتبس ذلك من عند أحد دهاة العرب ، وهو عندما قال مكيافللي ( الخطأ الشائع عند الناس ، أن لا يحسبوا حساب العواصف عندما تكون الرياح هادئة ) 0

وفي ختام تنظير رسائل مكيافللي ، لابد أن أكون أميناً معكم قائلاً بأن هذه الرسائل من الصعب تطبيقها الآن باستثناء بعض الجيوب المتخلفة ، ويقودها مجموعة من الأغبياء ، لأن حكمة رسائل مكيافللي أن تنفذ من دون أن يدركها الشعب الذي تنفذ ضده ! 0 وليس كما يحدث الآن في بعض جيوب العالم ، كما يقول المثل القطري : ( إذا كان الأغبياء يأكلون التمر ، فالشعوب يعدون الطعام ) !! 0

أما بالنسبة لعالمنا المعاصر الذي وصل إلى ما بعد الدولة القومية ، فلم تعد هذه المناهج تنطبق عليه بحذافيرها إلا بعد ترويض أجزاء منها ! 0 فمثلاً نحن الآن كمتابعين للسياسة العالمية ، نلاحظ الآن في أبريل 2005م متعة في اللعبة السياسية ما بين قادة حزب العمال في المملكة المتحدة ، وهي لعبة شد الحبل ما بين بلير وبراون ، والغريب في ذلك أن كل واحد يريد التخلص من الآخر ليصبح زعيماً على إحدى أهم خمس دول في كوكب الأرض ، ولكن مشكلة المحور هي التالي كما تقول الصحافة العالمية : (أنهما لا يستطيعا العيش معاً ، ولكن من دون الآخر ، فإن كل واحد منهم سيدمر نفسه ) 0

والعرب يعتبرون من دهاة التخطيط السياسي ، حتى من قبل انطلاق رسائل مكيافللي بتسعة قرون من الزمن ، وإن يكن العرب اقتبسوا كثيراً من فن السياسة عند الإغريق ، ومن الأمثلة على التخطيط السياسي عند العرب، لعبة شد الحبل ما بين معاوية ابن أبي سفيان صاحب أكبر دولة إسلامية عربية ، وأخيه زياد ابن أبيه ، فكان زياد شديد البأس وعنيف عند تطبيقه العقوبات على رعيته ، وكانت رعية زياد عندما يشعرون بالظلم ، يذهبون إلى الشام لكي يحصلوا على حماية أمير المؤمنين من زياد ، وكان أمير المؤمنين يجيرهم ، والغريب في الوقت نفسه لا يكف يد زياد عن غيرهم ، وهذا مما جعل زياد يكتب لمعاوية قائلاً : ( إن هذا لفساد لعملي كلما طلبت رجلاً لجأ إليك وتحزم بك ) 0

فرد عليه معاوية : ( أنه لا ينبغي أن نسوس الناس بسياسة واحدة ، فيكون مقامنا مقام رجل واحد ، ولكن تكون أنت للشدة والغلظة ، وأكون أنا للرأفة والرحمة ، فيستريح الناس بيننا !! ) 0

وطبعاً هناك مقالب أخرى من زياد عملها في معاوية ( لا مجال لذكرها الآن ) 0 ولكن خطة معاوية كانت واضحة وصريحة هو نقل الحكم لابنه من بعده ، وكانت وصيته لابنه يزيد ، وهذه الوصية ستوضح لكم كيفية دهاء السياسة مع مختلف الفئات البشرية من خلال مفاهيمها الحضارية والاستراتيجية والجيوسياسية ، فمقالة معاوية لابنه : ( انظر أهل الحجاز فأنهم أهلك فأكرم من قدم عليك منهم وتعاهد من غاب عنك ، وانظر أهل العراق وأن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عامل فعليك أن تفعل ، فإن عزل عامل أحب إليّ من أن يشهر عليك مائة ألف سيف ، وانظر أهل الشام فليكونوا لسانك وعينيك ، فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم فأردد أهل الشام إلى بلادهم فإنهم أن أقاموا بغير بلادهم ، أخذوا بغير أخلاقهم 00 إلخ ) 0

في ختام هذا الفصل وجدت جميع الفقهاء في السياسة في الدول النووية ، وعهد الإغريق ، وعهد الرومان ، والدولة الإسلامية ، والدولة البابوية ، وعهد الإقطاع ، ومرحلة الكشوفات ، ومرحلة ما بعد الدولة الويستفالية ، والآن في عهد الدولة ما بعد القومية ، يختلفون في كثير من الأشياء ويكادون يجمعون على شيء واحد ، بأن الناس تتغاضى عن كل رذائل الزعيم منها ما يذكر ، ومنها ما لا يذكر ، إلا رذيلتين أقر جميع الفقهاء بأنها لا تغتفر للزعيم وهي : الأولى البخل ، والثانية : عدم إنزال الناس منازلهم 0

وعموماً كل ما قرأتموه يعتبر من فصول المقدمة ، أما مسودات لب الموضوع فهي جاهزة عندي وحتى لا أحرق الموضوع على المهتمين سأقوم بإنزاله بالتدريج وبهدوء !! 0

والى اللقاء إن شاء الله

فلسفة السياسة

بسم الله الرحمن الرحيم

27/12/2005

تلقينا دعوة كريمة من مركز البحوث في وزارة الأوقاف القطرية للمشاركة ببحث للمرة الرابعة على التوالي في كتابهم السنوي الموقر ، علماً بأننا قد شاركنا في السنوات الماضية بثلاثة بحوث هي : النظام الإقليمي الخليجي ، وجدلية الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ، ودور مسلمي الغرب في تطوير العالم الإسلامي ! .

وتتسم الدعوة هذه المرة بنكهة وطابع خاص ، حيث أنها تركز على فن الخطاب ، ولقد شعرنا منذ اللحظات الأولى بأن هذه الدعوة للكتابة في هذا الموضوع ، متوازية للأهمية التي أوليها لكتابنا الذي عقدنا العزم على نشره إن شاء الله في القريب العاجل ، وعنوانه : الملف الأسود في السياسة! .

ومن هنا سنحاول أن نبدأ معكم بطرح بعض المصطلحات الفلسفية في اللغة السياسية ، ربما يتفق البعض معنا فيها ، أو لا يتفق ، ولكن هذه الحقيقة التي نعاصرها ، وربما تستمر لأجيال قادمة .

أولاً : البيعة : البيعة نفسها ليست انتخاباً أو يمين ولاء ، ولكنها تتم على مرحلتين ، أن يثبت الشخص نفسه بطرق شرعية أو غير شرعية ، ويكون فيها طرفين : الحاكم نفسه وهو لا يتغير ، والطرف الآخر يوصف في كتب الشريعة بأنه المسلمون عموماً ، لكن عند التنفيذ يتكون عادة من جماعة صغيرة من الناس ، كضباط البلاط والجيش والبيروقراطية ، وكما هو متوقع القيادة الدينية في مركز القوة .

ثانياً : الشوكة : سنجد هنا أن البيعة لا بد أن يسبقها السيطرة الكاملة على الموقف ، ويصبح السواد الأعظم من الأمة أمام أمرين ، إما أن يؤدوا البيعة عن بد وهم صاغرون فيقوا أنفسهم الشر القادم إليهم حتى ولو كان مؤقتاً ، أو أن يعترضوا فيعرضوا أنفسهم للتهلكة . وفلسفة الشوكة كالتالي :

إذا خلا الوقت من إمام فتصدى لها من هو ليس من أهلها ، وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف ، انعقدت بيعته ولزمت طاعته لتنظم شمل المسلمين وتجمع كلمتهم ، ولا يقدح في ذلك كونه جاهلاً أو فاسقاً في الأصح !! ، وإذا انعقدت الإمامة بالشوكة والغلبة لواحد ثم قام آخر فقهر الأول بشوكته وجنوده ، انعزل الأول وصار الثاني إماماً .. إلخ.

هنا أجد تفسيراً للشوكة عند بعض فقهاء المسلمين ، في القانون الدولي المعاصر ، أو ربما القانون الدولي اقتبس ذلك من فقهاء المسلمين ، وذلك في حالة قيام انقلاب في دولة ما ، استطاع الثوار السيطرة بشكل مطلق على الدولة ، وبعد ذلك أعلن الثوار بأنهم يحترمون جميع الحقوق المدنية لمواطنيهم ، ولم يقوموا بسفك جماعي للدماء ، وإنما حاولوا السيطرة على من حاول أن يعارضهم ، بدون سلاح ، وكذلك استطاعوا أن يقهروا بالقوة معارضيهم المسلحين ، ويأسروا معارضيهم الآخرين ، وأعلنوا بأنهم سيعرضون جميع الأسرى أمام قضاء مستقل ونزيه ، وكذلك أعلنوا بعد أن يستقر لهم الأمر بأنهم سيرفعون إعلان حالة الطوارئ ، وسيصدرون عفواً عاماً ، هذا من الناحية الداخلية ، وإضافة بعض الشكليات عن إعلان حكومة للإنقاذ مؤقتة …. الخ . أما من الناحية الخارجية ، أعلنوا اعترافهم بجميع المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقع عليها النظام المخلوع ، في هذه الحالة يرى بعض فقهاء القانون الدولي بأن الثوار أصبحوا حكومة شرعية !! . ولكن لو فشل الثوار في السيطرة على الأمن ، أصبحوا خونة ومجرمين . أرجو من القارئ الكريم أن ينظر إلى هشاشة الخط الفاصل في السياسة ما بين : الشريف والنزيه والبطل الوطني  ، والمجرم والخائن للوطن !! .

أخيراً ، حتى لا أقوم بحرق المواد العلمية السياسية في بحثنا الذي سنشارك به إن شاء الله مع مركز البحوث في وزارة الأوقاف ، وكذلك بعض المواد العلمية السياسية في كتابنا القادم إن شاء الله ، سأقوم بعرض بعض فنون فلسفة اللغة السياسية عليكم ، كما أعتقد :

أ  –        اذكر للشاعر راكان بن صقلين أحد زعماء  قبيلة العجمان عندما نما إلى علمه بأن أحد زعماء القبائل الأخرى عاقد العزم على غزوه (الاعتداء) على المناطق الجيوسياسية التي يسيطر عليها . سنقتبس لكم هنا لغة الدبلوماسية في السياسة :

كزيت لك نور السلف والجهامة                        باغية ذخر في مقاديم الأيام

وهنا يذكّر الشيخ أعلاه أعدائه : أنني قد استخدمت معكم جميع الوسائل السلمية لكي احتفظ معكم بعلاقات سلمية ، ولكنكم على ما يبدو أنكم تتنصلون عن الطرق السلمية !! .

ب –       ويقول الشريف بركات لأبنه :

وطالع ترى مكة ولاها ابنا خيك                لو تطلبه خمس ملاليم ما أعطاك

وهنا رسالة غير مباشرة من خلال نصائح الأب لأبنه للسلطان بأنه قد بلغ من الجور والظلم حداً لا يطاق !! .

ج  –       ويقول الأمير أحمد السديدري :

يا عل قصرن ما يجي له ظلالي                ينهار من عالي مبانيــــه للساس

لا صار ما هو من هل للرجالي       وملجا لمنهو يشكو الظيم والباس

أو ربما يعكس صورة شعرية لبعض معارفه من شدة الظلم والطغيان من أصحاب نفوذ أعلى منه ، والمهانة التي وقعت عليهم !

طبعاً ونختم لكم بأن المعنى في قلب الشاعر ، ونراكم في كتابنا : الملف الأسود في السياسة !! .

وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

فشل التنمية القهرية في النموذج الصيني والعربي

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

قلنا في مقالة نشرت في الراية بتاريخ 14/12/2002م العدد (7525)  “لإصلاح المؤسسة الصينية ، قام الحزب المركزي الشيوعي باستثمارات وإصلاحات اقتصادية ضخمة

منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، ونتج عن ذلك نمو الناتج المحلي الصيني بما يتراوح بين 9% إلى 8% سنوياً منذ منتصف التسعينيات والتوقعات تقول إذا استمر الصينيون بنفس

المعدل إلى عام 2015م فسيصبح الناتج المحلي الصيني يعادل أو يفوق الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية 0

وفي عام 2001م انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية ، واستفاد الصينيون من ذلك كثيراً بحيث استطاعوا خلال فترة زمنية قصيرة أن يصبحوا إحدى أهم عشر دول

مصدرة للسلع في العالم ، ولكن في النهاية أدرك الصينيون بأن كل عملهم سيذهب هباء منثورا ، وخاصة إذا بقي القلة مسيطرون على عجلة التنمية ، وتهميش وقهر الإنسان الصيني 0

والنتيجة كما رآها الجميع في نوفمبر 2002م عندما انسحب ديناصورات السلطة الصينية فاتحين الطريق إلى الإصلاحيين الجدد 0 حيث انسحب من الحزب الشيوعي جيل

بمن فيهم جيانغ زيمين الرئيس الصيني ، ورئيس البرلمان بينغ ، ورئيس الوزراء رونج، وثلاثة أعضاء آخرين من القيادة ، ودخل 180 عضواً جديداً للجنة المركزية للحزب ، وذلك يمثل

50% من أعضاء الحزب ولكن هناك تغييرات عقائدية في الحزب كانت تعتبر من المحرمات بالنسبة للحزب الشيوعي ، وذلك من خلال تعديل ميثاق الحزب الشيوعي بشكل يسمح بدخول

الرأسماليين إلى صفوفه ، مما أدى إلى استبدال الحزب الشيوعي الصيني بطليعة الطبقة العاملة ، بعبارة جديدة ، الحزب الشيوعي هو طليعة الطبقة العاملة الصينية والشعب الصيني

والأمة الصينية 0

وفي 18/3/2003م لفت نظرنا تحليل مشابه ومكمل للمذكور أعلاه لكلا من ويليام دوبسون وبول موني ونيكولاس لاروي تحت عنوان تكنوقراطية الشعب في نيوزويك العدد

144

أولا  كان التقرير يركز على الجيل الرابع من السياسيين الصينيين ، ويرى التقرير بأن مهمة الجيل الرابع تنمية الإنسان وليس الجماد فقط ، فيقول التحليل ” يعتقد الكثيرون

بأن المزارعين والعمال في الصين قد يجدون في القيادة الجديدة حليفاً أوثق لهم ، ويعود ذلك إلى أنهم يركزون اهتمامهم على العمالة بدلاً من النمو والنمو فقط 0 في هذه المرحلة الأمر لا

يتعلق بأرقام إجمالي الناتح المحلي فحسب 0 بل إنهم يعيرون اهتماماً للشرائح المنسية من الناس ” 0

ثانيا  من نتائج تنمية الجماد ( الناتج المحلي ) في الصين  بأن الجيل الثالث ركز التنمية في المناطق الساحلية والمدن ، وترك المناطق الداخلية والريف 0 وقام الجيل الثالث

بتسريح نحو 30 مليون شخص من العاملين في المشروعات الحكومية خلال السنوات الخمس الماضية 0 وهناك تزايد في مشاعر الاستياء بين الفلاحين في البلاد والذين يقدر عددهم بنحو

800 مليون ؛ والذين تسببت مداخيلهم الراكدة في تقهقر أوضاعهم المعيشية ، وذلك جعل الجيل الرابع أمام تحدياً لتطوير المناطق الداخلية  0

ثالثاً  ورغم النقد الذي يوجه للسياسة الصينية ، إلا أن السياسيين الصينيين يبقون أفضل من السياسيين العرب ، فالسياسي الصيني عندما يخطئ في إتخاذ القرار العملي أو

الدبلوماسي يؤدي فشله إلى إنسحابه من المسرح السياسي بطريقة مباشرة ، وحتى لو كان هذا الفشل بسبب هامش من المغامرة التي من الممكن أن يقع فيها أي متخذ قرار سياسي 0 فلا

يوجد مانع من أن يخوض السياسي لعبة المغامرة ، فإذا كانت إيجابية فيمكنه المواصلة لأنه أعطى هامش كبير من التفاؤول للمواطنين 0 ولكنه إذا فشل في المغامرة فيجب أن ينسحب من

الملعب لأن كل أعماله القادمة ، سينظر لها بهامش كبير من التشاؤوم من قبل جميع القطاعات الشعبية  0

ويدعم التحليل النقدي الذي قدمناه في البند الثالث أعلاه ، ما سوف يقوله دوبسون وآخرون لاحقاً عن تكنوقراطية الشعب  وين ، رئيس الحكومة الجديدة في الجيل الرابع لمع

نجمه من خلال مغامرة في عام 1998م ” عندما تعرضت الصين لأسوأ الفيضانات التي عرفتها منذ عقود ، وكان على وين أن يتعامل مع منسوب الأنهار المرتفع 0 وبينما كانت المياه آخذة

في الأرتفاع بالقرب من إحدى البلدات ، كان على وين أن يواجه خيار صعب 0 فلو قام بنسف السد بالديناميت لكان ذلك سيؤدي إلى جرف الكثير من المنازل وإزهاق الأرواح 0 ولكن في

حال إنهيار السد جراء أرتفاع منسوب المياه فإن الدمار سيكون أكثر فداحة 0 في اللحظة الأخيرة قرر وين عدم نسف السد ، وبمعجزة توقف أرتفاع منسوب المياه وبقي السد سليماً 0 ويقول

التحليل      ” لقد كان حاسماً وعمل بجد وأرتفع رصيده السياسي بين ليلة وضحاها ” 0 والآن أصبح وين رئيساً للوزراء فيقول التحليل  ” إن نفوذه السياسي سيعتمد على كيفية تعامله مع

الأزمة التالية ؛ والسؤال هو متى ستأتي وليس ما إذا ستأتي ؟ ”  0

لكن ماذا عن ديناصورات السلعة العربية ؟  تحولت سيادة الدولة إلى جزء من أملاكهم الشخصية يهبونها لمن شاؤوا ، ويمنعوا منها من شاؤوا ، إلى أن تحولت الأوضاع في

العالم العربي إلى مأساوية  0

رابعاً  يقول تحليل دوبسون وآخرون  إن الجيل الثالث الصيني كانت استراتيجيته بأن بعض الناس لابد أن يصبحوا أغنياء أولاً ، إذا كان للصين أن تتطور بشكل ناجح 0 وهذه

الاستراتيجية ساعدت على انضمام أكثر من 300 مليون شخص إلى شريحة الطبقة الوسطى 0

المذكور أعلاه هو الأوضاع في الصين ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الأوضاع في العالم العربي ؟  0

في مجموعة دراسات نشرت لنا تركز على الأوضاع في العالم العربي ومنها الوزن الاستراتيجي للعالم العربي نشر على حلقتين في الراية 31/3/2001م و 2/4/2001م ،

وفي كتابنا جيواستراتيجية العالم الإسلامي المنشور في أبريل 2002م ، وعزز دراساتنا التقرير القيم الصادر عن UNDP تحت عنوان  ” تقرير التنمية الإنسانية العربية ( أغسطس 2002م

) ” 0

حتى لا نكرر أنفسنا لمعرفة إمكانات العالم العربي الضخمة ، بإمكان القارئ الكريم العودة إلى المراجع المذكورة أعلاه  0 فسيجد بأن إمكاناته الطبيعية والبشرية وموارده الاقتصادية ضخمة

، أفضل من إمكانات جميع الدول المتقدمة  0 ولكن لعدم وجود المؤسسات السياسية والإدارية المؤهلة والسليمة في العالم العربي ، أدى ذلك إلى انعدام الديمقراطية والمشاركة الشعبية ،

وبسبب انعدام الديمقراطية والمشاركة الشعبية والنزعة القطرية ، أصبح المواطن العربي مهمشاً في وطنه ، وهذا قتل عنده الانتماء والثقة بالسلطة 0 وذلك ليس بغريب ، تسلب جميع

حقوقه الإنسانية ، وتنهب جميع موارده ، ماذا تتوقع منه ؟  0

والأغرب من ذلك الأنظمة المركزية مهما أخطأ أفرادها يبقون في السلطة ، وربما يستغرب الكثيرين ، عندما نقول بأن النظام العراقي في عهد الرئيس صدام حسين كان يجيد

لعبة سياسة التغيير ، والدليل بأنه استطاع أن يحقق نصراً دبلوماسياً على أمريكا في مجلس الأمن 0 وعندما اعتدت أمريكا من دون تفويض من مجلس الأمن ، هذا الاعتداء وضع التنظيم

الدولي على حافة الهاوية  0 فصدام رغم الهجوم الذي وجه إليه ، إلا أنه أفضل من كثير من الأنظمة ، في لعب سياسة تغيير الوجوه  0 فنلاحظ حقيبة الخارجية كان طارق عزيز يحملها عام

1990م عندما احتل العراق الكويت ، وبعد تحرير الكويت كانت العراق تحتاج إلى خطاب سياسي يختلف عن خطاب الاحتلال فأوكلت هذه الحقيبة للصحاف علماً بأن الحكومة العراقية هي

نفسها ، ولكن لابد من تغيير الأشخاص لأن لغة عزيز في وقت الاحتلال ، يجب أن تتغير بعد التحرير 0

وإذا كان نفس الشخص الذي يتحدث بلغة الاحتلال ، وبعد ذلك بلغة التحرير ، فهذا غير مقبول لأعلى المستوىات  القطري ، ولا القومي ، ولا العالمي 0 ومن هنا تأتي سياسة

تغيير الوجوه  0

ونلاحظ أن الحكومة العراقية بعد اعتداء عام 1998م عليها ، استبدلت الخطاب السياسي بخطاب جديد ، ولكن لابد أن ينطق بواسطة شخص جديد ، فنقلت الحقيبة من عند

الصحاف إلى الحديثي ، علماً بأن كل الأشخاص ينتمون لنفس الحكومة المركزية العراقية  0

ولكن يؤسفنا بأن نقول لكم بأن النظام العربي حتى أسلوب لعبة تغيير الوجوه غير موجودة عنده ، وكانت النتائج في العالم العربي سلبية بشكل كبير ، ونذكر على ذلك بعض

المؤشرات

1- البطالة  تزيد على 40% وإذا استثنينا دول مجلس التعاون الخليجي التي يبلغ عدد سكانها أقل من 10% من جملة سكان العالم العربي ، لوجدنا بأن نصيب الفرد العربي من

الناتج المحلي يقل عن 700 دولار ، وذلك المؤشر يعطينا معيار تحت خط الفقر 0
2- الإنتاجية الصناعية  إنتاجية العامل الصناعي العربي هبطت كنسبة مئوية من المستوى المتحقق في أمريكا الشمالية بسعر الدولار الثابت لعام 1985م من 32% عام 1970م

إلى25% عام 1980م ومن ثم إلى 19% في عام 1990م0
3- معدل الأمية  ونقصد هنا من لا يقرأ ولا يكتب وتبلغ نسبتهم 43% من جملة سكان العالم العربي البالغين  ويؤسفنا أن نقول لكم بأن حتى المؤهلين من أبناء العالم العربي ، لم

تتح لهم الفرصة للمساهمة في تطوير البحث العلمي ، بحيث بلغ معدل الانفاق العلمي نسبة إلى الناتج المحلي الاجمالي 14ر% فقط في العالم العربي عام 1996م ، مقابل 52ر2% عام

1994م لإسرائيل ، و 9ر2% لليابان ، و 62ر1% لكوبا 0 أي من حيث النسبة لا يبلغ حتى 5% مما تنفقه اليابان ، ولا حتى 9% مما تنفقه كوبا على البحث العلمي  0 ودليل على فقر

المكتبة العربية بلغ مجموع الكتب المترجمة إلى اللغة العربية منذ عصر المأمون وحتى الآن نحو مئة ألف كتاب 0 وهو ما يوازي تقريباً ما تترجمه أسبانيا في عام  0 علماً بأن أسبانيا تعتبر

متخلفة حسب المعايير في الأتحاد الأوربي  0
4- المياه  قد صنف البنك الدولي 22 بلداً تحت خط الفقر المائي ، والتي تعرف بالبلدان التي يقل نصيب الفرد فيها عن 1000 متر مكعب من المياه سنوياً 0 ويوجد ما بين

الإثنين والعشرين بلداً هذه خمسة عشر بلداً عربياً 0 وقدر البنك أن متوسط موارد المياه المتجددة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المصنفة ضمن هذه الفئة ، ستنخفض عن مستواها

في عام 1997م الذي كان يزيد قليلاً عن 1000متر مكعب سنوياً للفرد إلى 740متر مكعب سنوياً في عام 2015م0

هذه المؤشرات تبرز لنا الأوضاع المأسوية في العالم العربي ، ولكن دون إصلاحات دستورية حقيقة ، وإعطاء المؤهلين من أبناء الوطن العربي الفرصة للمشاركة وبناء

أوطانهم ، فسوف تكون الحالة أسوأ مما هي عليه الآن 0

وهذه الإصلاحات لن تأتي إلا بإرادة قوية من متخذي القرار في العالم العربي ولو فعلوها فسيسجلها التاريخ لهم  0 لأنهم انقذوا النظام العربي قبل إنهياره ، وإذا لم يفعلوها

فالنظام أصلاً متجهاً إلى الانهيار  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

صدام الحضارات

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

في أول صدمة يتعرض لها الغرب ذو الحضارة الليبرالية في القرن الواحد والعشرين ، توجهت أنظار متخذي القرار في الغرب إلى مناطق الصراع الحضاري الأزلي ما بين الشمال والجنوب ، والغرب والشرق 0 وهذه النطاقات نجدها على مر التاريخ بالنسبة للغرب يجب أن تبقى مناطق تحت نفوذه ، والأمثلة على ذلك كثيرة وتعود إلى عمق التاريخ البشري

1- ارسطو الأغريقي بنى سياسته على التصورات التي وضعها اسلافه مثل هيتاكيوس وبارمينيدس ، وقال أن الأقليم المعتدل الذي يسكنه الأغريق ، هو الأقليم الذي يحمل في طياته بذور القوى ( رياض ، جغرافيا سياسية ، ص 71 ) 0
2- استرابر الروماني يقول أن أوربا هي أكثر القارات الثلاث ملائمة للنمو والازدهار الفكري والاجتماعي ( رياض ، 72 ) 0
3- ويقول جويه الفرنسي في التاريخ الحديث ، أن قارات العالم تنتظم في ثلاثة مجموعات ، فآسيا كانت مهد الحضارة ، وأوربا المكان الذي نضجت فيه الحضارة، وأخيراً أمريكا الشمالية هي نقطة النهاية العظمى لهذه العملية الحضارية ، وكذلك أعرب في أسلوب عنصري راديكالي بأن وحدة السلالة وروابط الديانة المسيحية ، والقرب المكاني هي الأسس التي تجذب وتضع وحدة القارات الشمالية ( رياض ، 76 ) 0
4- وفي تاريخنا المعاصر نجد ماسويل هنتنغتون يقول بعد نهاية الحرب الباردة بأسلوب توكيدي ، بأن صراع الحضارتين الغربية والإسلامية ، مستمر منذ 1300 سنة ، وحسب رأيه فبعد صعود الإسلام ، انتهى اكتساح العرب للغرب والشمال في توربواتيه ( بلاط الشهداء ) عام 732م ( الراية ، العدد 7103) 0

وفي رأينا العلمي نجد بأن هنتنغتون أخطأ الصواب ، فالحضارة التي وصلت إلى بلاط الشهداء إسلامية وليست عربية ذات طابع صحراوي أولاً ، وثانياً  أن المد الإسلامي لم يتوقف عند بلاط الشهداء لأنها كانت موقعة معركة واحدة وليست حرباً شاملة ، ثالثاً  الجميع يعرف بأن الأديان لا تعرف حدوداً بيئية ، والإنسان أيضاً في مجموعه لا يعرف حدوداً بيئية لانتشاره ، بل هو دائم التكيف مع الايكولوجيات الطبيعية المختلفة ، والدليل على ذلك معظم الانجازات المكانية للأمة الإسلامية تحققت بعد ( توربواتيه ) ، فالمسلمين أصبحوا 8% من سكان أوربا ، و 4% من سكان الولايات المتحدة ومثلها استراليا ، وأفريقيا أصبحت قارة إسلامية من الناحية العددية بحيث تصل نسبة المسلمين فيها إلى 60% من سكانها ، أما أم قارات العالم آسيا تصل نسبة المسلمين فيها إلى أكثر من 34% ، وبالنسبة لكوكب الأرض ككل تبلغ نسبة المسلمين 25% من سكانه ، ويسيطرون على 25% من مساحته  ( راجع آل ثاني ، جيواستراتيجية العالم الإسلامي في الطريق للنشر ) 0

إذاً بعد السرد التاريخي الموجز أعلاه ، نجد بأن قارة صراع الحضارات عند الغرب هي فكرة تراكمية منذ 25 قرناً تقريباً  إذاً فليس من المستغرب بعد أحداث أيلول الأسود الأمريكي أن تكون آراء بعض القادة الغربيون مناصرة للصراع الحضاري بين الغرب والإسلام ، فعلى سبيل المثال

1- بوش الابن يقول  بأن هذه الحرب حرباً صليبية 0
2- بريلسكوني رئيس وزراء ايطاليا ، يقول بأن الحضارة الغربية أفضل من الحضارة الإسلامية 0
3- البارونة تاتشر تقول ما يحمل في طياته معنى أنه بات من المؤكد على المسلمين أن يكفروا عن ذنوبهم ويعتذروا  0

ولكن مفترق الطرق الحقيقي ، هل الغرب تناسى أنه مسيطر سيطرة شبه كلية على امكانات عالم الجنوب منذ القرن السادس عشر الميلادي تقريباً 0 والفجوة الحضارية موجودة ومستمرة ودائمة الاتساع ما بين المعسكرين 0 ولكن الهاجس الحقيقي بالنسبة للغرب هو السيطرة السياسية على إدارات عالم الجنوب ، ومن خلال النفق السياسي يخضع للغرب جميع الامكانات الاستراتيجية في عالم الجنوب مثل ( المواد الأولية ، الأسواق ، الأيدي العاملة 00 إلخ ) 0 وذلك لأن الغرب يعتقد بأن أبناء الجنوب سوف يتشربوا المذهب الليبرالي العلماني تدريجياً إلى أن تنسخ جميع حضارات الجنوب  0 ورغم السيطرة الكلية للغرب على مقدرات الدولة في الجنوب ، ولكنهم لم يستطيعوا أن يطوروا أو لم يريدوا أن يطوروا نموذج الدولة الراعية كما هو موجود في عالم الشمال 0 وبالتالي ابتكر الغرب أشكالاً مدجنه للدولة في الشرق مثل الدولة الأبوية ، والدولة الراعية ، والدولة الشمولية ، ولكن هذا التدجين يحمل شعارات هولامية براقة لمفهوم الدولة ، ولكن هذه الشعارات عند التطبيق نجدها مغايرة للواقع  0

وأعتقد بأننا لا نحتاج إلى جهد كبير لنختبر هذه الشعارات ، فالصورة الحقيقية للدولة ذات المؤسسات البنيوية القوية ، والدولة ذات التركيب السياسي الهش تتضح عند الأزمات 0 فأزمة أيلول الأسود الأمريكي ، وتلا ذلك أزمة تشرين أول الأسود الإسلامي والمتمثلة في القصف الذي تتعرض له أفغانستان من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بأحدث ما توصلت له التقنية من أسلحة الدمار الشامل في عالم الشمال 0 ومساندة الإعلام الغربي البارع في تهيئة الرأي العام لأهمية هذه الحرب ، مما ساعد الإدارات الغربية في حشد صوت الشعب خلفها لمباركة القيام بهذا العمل الانتقامي ضد فاعلية الغير معروفين حتى الآن ، ولم يتم تقديم أدلة لتعريفهم  0 فمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن مراكز استطلاعات الرأي بينت أن ما يقارب من 80% من الشعب يقفون خلف قرار الرئيس الأمريكي ، وهذه النسبة تشير لنا أن الرئيس يمثل إرادة الأمة الأمريكية  0

وعندما نتجه إلى الشرق ونختبر مواقف زعماء الدول الاستراتيجية في العالم الإسلامي ، ومدى ردة فعل الشارع الإسلامي عليها ، نجد بأن التأييد خلال هذه الأزمة منخفض جداً ، هذا بالرغم من السيطرة التامة للحكومات الإسلامية على وسائل الإعلام ومراكز استطلاعات الرأي محلياً ، وذلك ايضاحاً كاملاً لهشاشة كيان الدولة في العالم الإسلامي  0

والخطير في ذلك أن هذه المؤشرات تبين لنا أن الحكومات الإسلامية تخضع لنفوذ غير مباشر ومباشر أحياناً من قبل الدول الغربية ، وكثرة الضغوط الغربية على هذه الحكومات تساعد على توسيع الفجوة بينها وبين شعوبها ، وذلك يؤدي إلى ايجاد حركات متطرفة في عالم الجنوب 00

وعندما أقول عالم الجنوب لا أقصد الإسلام فقط ، بل أقصد الحضارات الأخرى أيضاً مثل الكونفوشية والهندوسية والبوذية 00 إلخ 0 ومن هنا يفترض أن ندرك بأن عولمة العالم من ناحية ليبرالية مستحيلة ، وخاصة أن أبناء الجنوب ينتمون إلى حضارات وثقافات يعود عمقها التاريخي إلى يوم هبوط آدم على الأرض  0

مثلاً الصين الكونفوشية من سابع المستحيلات أن نعمم فيها الحضارة الليبرالية ذات الاقتصاد الرأسمالي ، لأن ذلك يخالف معتقداتهم بشكل كلي ، فنجد بأن الجانب النظري للأخلاق عند كونفوشيوس  يتضمن ماهية الفرد الذي هو الأساس والنواة للأسرة والمجتمع 0 ويشرع خلال هذا الجانب بأن يعيد الفرد إلى جوهره الحق ، وإلى فطرته الإنسانية الحقة ، وهذا الرجوع يؤهله لتهذيب ذاته (د0 أحمد ، فلسفة الأخلاق والسياسة ، ص 59) 0

وهذا أيضاً ينطبق على الحضارة الإسلامية فعندما نحاول أن نذيب الحضارة الإسلامية في الحضارة الليبرالية الغربية فسوف نجد بون شاسع بين المفهومين الحضاريين ويمكن أن نختبر ذلك من خلال المحاور التالية

1- الحضارة الليبرالية الغربية تعطي الحرية الكاملة للمرأة في جميع تصرفاتها ، ولا تردع إلا عندما تصل إلى مرحلة التعدي على حرية الآخرين  0
أما الحضارة الإسلامية من خلال الآية القرآنية الكريمة  { يايها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان اللّه غفوراً رحيما }  ( الأحزاب  59 ) 0
2- تكوين الأسرة ، ففي الحضارة الغربية رغم وجود عقد مدني للزواج ، إلا أن القانون المدني عندهم يبيح لهم العلاقة بين الرجل والمرأة بشكل كلي خارج عقد الزواج  0
أما في الحضارة الإسلامية فالعلاقة ما بين الرجل والمرأة لا تتم إلا من خلال عقد مقدس يتمثل في الزواج ، وتقول الآية الكريمة { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } 0
3- المثيلين ، أعطتهم الحضارة الليبرالية ما لم تعطهم أي حضارة على وجه الأرض ، وذلك على النقيض تماماً من الحضارة الإسلامية بحيث تقول الآية الكريمة في قوم لوط { فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضودٍ }  ( هود  82 ) 0
4- بالنسبة للمسكرات والقمار والتماثيل والتعويذات فهي مباحة بشكل كلي في الحضارة الليبرالية ، أما بالنسبة للحضارة الإسلامية فيقول اللّه تعالى  { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } ( المائدة  90 ) 0

إذاً اذابة حضارة الجنوب بواسطة الشمال ضرباً من الخيال ويحتاج إلى معجزات في عصر توقفت فيه المعجزات ، باستثناء الكرامات التي تتنزل على المؤمنين من المجاهدين 0 وكلما تطرف الشمال لعملية الاذابة بطريقة طردية ، كلما كانت نتائج الاقتراب عكسية ، ونتج عنها حالات التطرف التي نشاهدها اليوم في عالم الجنوب 0 ولا يوجد حلاً لذلك إلا من خلال التعايش ما بين الحضارات 0 ونجد المفكرين الغربيين من أكثر الناس إيماناً بأن الديانة الإسلامية ، هي الأفضل للتعايش ما بين الحضارات ، فمثلاً برنارد لويس قال  ” أنه في غالبية الحقب التاريخية عاشت الأقليات الدينية بصورة أفضل في ظل الحكام المسلمين ” ( نيوزويك ، 71 ، ص 20 0 ) 0

فسيد البشرية جمعاء محمد ص نبي اللّه ورسوله ، لم يؤمن فقط بالتعايش مع أصحاب الحضارات الأخرى ، بل حتى التعامل معهم ، والدليل على ذلك عندما انتقل أشرف الخلق إلى الرفيق الأعلى ( كانت درعه مرهونة عند يهودي مقابل 30 صاعاً من الشعير ) 0 وكذلك نجد بأن الإسلام من الديانات التي تحث على العلم واقتباس الوظائف والحرف المفيدة من الأمم الأخرى ، فمثلاً أخذ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه من الروم ( تدوين الدواوين ) ، وأخذ من الفرس ( وضائع كسرى ) في تقدير ضريبة الأرض الزراعية ، وأخذ الأمويين ( علوم الصنعة ) من مدرسة الاسكندرية 0 وكذلك الإسلام لا يعتدي على الأماكن المقدسة للآخرين ، فنجد الفاروق عمر رضي اللّه عنه عندما دخل القدس ، عامل النصارى معاملةً طيبة ، وأعطاهم عهداً بأن لا تسكن ولا تهدم كنائسهم  ( آل ثاني ، جيواستراتيجية العالم الإسلامي ) 0

أما في تاريخنا المعاصر فنجد الجمهورية الإسلامية الإيرانية يصفها الغرب بأنها أكثر البقاع تطرفاً ومعها إمارة أفغانستان الإسلامية  0 بالرغم من بروز دور الإصلاحيين في إيران بقيادة الفيلسوف محمد خاتمي ودوره الحثيث في دعم حوار الحضارات ، ويشاركه في ذلك حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر ، الذي لم يتوان بأي جهد لوجستياً أو مادياً أو معنوياً لدعم هذا المشروع تحت مظلة الأمم المتحدة 0 وكذلك افتتح سموه محطة الجزيرة ودعمها لوجستياً ومادياً ومعنوياً لكي تمثل الصوت الناطق لحوار الحضارات ، وهي بالفعل أدت هذا الدور بشكل جيد جداً باستثناء العصبية المفرطة من قبل بعض مذيعها عند إبداء المشاهدين لآرائهم حول موضوع ما  0

وخلاصة القول أن ما تفعله الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان لن يعالج المشكلة بل سيزيد الأمر سوءً والأدلة على ذلك كثيرة
– هل القصف رسخ إسرائيل وعالج مشكلة فلسطين منذ عام 1948م ؟
– هل القصف عالج مشكلة كشمير ؟
– هل عالج مشكلة كلا من كوريا 1950م ، كوبا ، الفيتنام ، العراق 1991م 00 إلخ ؟ 0

هذا كله يجعلنا نتفق مع بعض المحللين بأن الولايات المتحدة قامت بتقسيم العالم إلى مربعات حربية صغيرة تقصف احداها وترجئ الأخرى ، ومن هذه المربعات في العالم الإسلام أفغانستان ، وباكستان ، وكشمير ، وأواسط آسيا ، والبلقان ، والشرق الأوسط ، ونخشى من الأنفجار الجماعي لهذه البؤر التي سوف تنتج عنها الحرب العالمية الثالثة  0

وفي الختام حاولت أن اختزل هذا الموضوع بعبارات دقيقة ومختصرة ، ولكن أفضل ختام ما قاله الأستاذ بابكر عيسى ” هذا العالم وحتى قبل أن تنطلق العاصفة كان وما زال ممكناً أن يكون وطناً للجميع ، ولكن محاولات التهميش وألغاء الآخر وفرض الرؤى الأحادية جعلت الجميع ينفر من العولمة ، وينفر من صورة هذا العالم الجديد الذي غابت عن أفقه الخصوصية وغلبت عليه اقتصاديات السوق التي افقدت الكثيرين في ظل غياب دولة المؤسسات ( الراية ، العدد 1704 ) 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

سياسة الحرباء

بسم الله الرحمن الرحيم

27/12/2005

لفت نظري أحد الكتّاب العرب المشهورين عندما قال :

أولاً : الأخوان المسلمين : يقول الكاتب عن الأخوان في مصر في انتخابات نوفمبر 2005م النيابية ، بأنهم يستعرضون قوتهم ، مدركين أن العالم يتفرج ، والسلطة لا تستطيع أن ترسل وراءهم عسكرها ، أو تزور معظم بطاقات الانتخاب . ويضيف الكاتب ، بخبث تسابق حركة الأخوان المصرية الحكومة وحزبها في ادعاء الديمقراطية والتسامح . فهناك قبطي بين قوائم مرشحيها ، وامرأة أيضاً ، رغم أن منظري الأخوان لا يخفون موقفهم القائل ، بعدم وصاية غير المسلم على المسلم ، ولا حق للمرأة في الولاية العامة . هذا نتاج أكثر من سبعين عاماً من الخبرة في الفشل للوصول إلى السلطة ، حيث جربت الحركة القوة والعنف والتنازلات والمشاركات المحدودة والتحالفات المتناقضة . اليوم الأخوان يقولون للأمريكيين ، رعاة الديمقراطية الجديدة ، نحن نستحقها ، وبين صفوفنا مسيحيون ونساء . أما في الشارع المصري فإن رسالتهم مختلفة ، حيث تقول مظاهراتهم للناس ، وليس واشنطن ( الإسلام هو الحل ) حتى يبدوا المسلمون المنافسون ، مثل حزب الحكومة ، كفرة معزولين ! .

ثانياً : إيران : يقول الكاتب العربي عن ديمقراطية إيران ، بأن التجربة الإيرانية تخيف أي ديمقراطي ، لأن المعممين سرقوا كل الحكم وحرموا شركاءهم الليبراليين والشيوعيين في الثورة من أي دور ! .

الذي لفت نظري ولم يذكره الكاتب أعلاه هو بأن دول العالم العربي والشرق الأوسط مشكلتها الحقيقية عدم وجود مؤسسات الدولة . ولعدم وجود مؤسسات الدولة لجأت معظم الحكومات الشرق أوسطية إلى سياسة الحرباء ، والتي تستخدمها غالباً الأحزاب المهمشة ! . فالأنظمة العسكرية العربية ، والأنظمة العائلية الوراثية ، أصبحت تتلاعب بنفس الشعار الذي ذكر عن الأخوان ، وهو من خلال شعاراتهم المبتذلة بأنهم دخلوا القرن الأمريكي الحادي والعشرين من خلال تطبيقهم الديمقراطية ومعظم برامج العولمة ، وقامت الأنظمة العربية بعمل دساتير جديدة أو إعادة صياغة دساتيرها لكي تتواكب مع القرن الأمريكي ، فقامت الدول العربية بتقديم دساتير هبة ما أنزل الله بها من سلطان ، وشكلها مبتور وغريب . وعندما يدقق المتخصص في دساتير الهبة العربية يلاحظ التالي :

أولاً :      استطاعت الأنظمة أن تعزز سلطتها في هذه الدساتير .

ثانياً :      الأنظمة صاغت كل القوانين التي كانت سابقاً تمارسها باستحياء لعدم وجود الشرعية لها .

ثالثاً :      الأنظمة أصبحت مركزية بنسبة 100% ، لأن سابقاً في حالة النظام الشمولي ، والنظام القبلي احترام لكل القوى داخل الدولة ، أما الآن فتحولت جميع المراكز إلى مركز واحد ، وهمشت جميع القوى ، وفي الوقت نفسه استطاعت الأنظمة العربية أن تعمل ضربة استباقية لأمريكا ، من خلال الادعاءات المبتذلة من معظم الدول العربية بأنها دخلت عصر العولمة والديمقراطية ، وأنها عندها أو سيكون عندها انتخابات نيابية ، ولكن هذه الانتخابات لا تعني شيئاً ، لأن السلطة مازالت كاملة مركزية بيد الأنظمة ، والنائب المنتخب لو أفترضنا أنه انتخب بدون أية تدخل للأنظمة سيرتطم بجدار القهر الذي تفرضه الأنظمة على كامل شعوبها وهو : أولاً : القانون الدستوري وهبته الأنظمة للشعب ، وبالتالي مجال تحرك الناخب يكون في حركة مفرغة رسمتها حول عنقه الأنظمة ، ثانياً : استغرب كيف يستطيع أن يتعامل النائب المنتخب مع رئيس حكومة ، ومجلس وزراء غير منتخب! . ” إنها كارثة فعلية ألا تتفقوا معنا ” . ولكن الأدهى والأمر أيضاً وصل تسلط الحكومات العربية إلى أنها تستطيع تحديد النواب المنتخبين للوصول إلى المجلس النيابي ، إما بالتزوير ، أو حتى من خلال الدعم لأشخاص محددين مادياً ومعنوياً للوصول إلى المجلس ! .

إذاً ألا تتفقوا معنا بأن سياسة الحرباء أصلاً فرضتها الحكومات على المعارضة ، وليست العكس !! .

سقوط قلاع العالم المتحجرة

بسم الله الرحمن الرحيم

6/6/2004

في بداية هذا الموضوع أتذكر مبدأ الشرعية عند أفلاطون في محاورة الجمهورية يقول  ” حتى بين اللصوص لابد من وجود مبدأ العدالة الذي يمكنهم من تقسيم غنائمهم ” 0

وفي العصر الحديث يقول فوكاياما  ” من الواضح أن مبدأ الشرعية هذا متأصل في أغلب المؤسسات السياسية والعسكرية ، وحتى الدموية منها كعصابات المافيا ، فلا يمكن لأي من زعماء المافيا أن يصبح زعيماً ما لم توافق عائلته على شرعيته ” نهاية ، ص 33 0

هذه المقدمة الفلسفية التي تتوافق مع واقعنا العملي في العالم المعاصر ، ربما يرى البعض بأنها تحتاج إلى الاختزال والتعريف بطريقة مبسطة ، ونعتقد بأن أسهل طريقة لتعريف هذه المقدمة ، هو القصة الشهيرة لرواية طائرة فوق العش ، وتقول  تدور الرواية حول سكان مصحة عقلية يحيون حياة طفولية خاوية تحت رقابة وسيطرة مربية ضخمة الحجم 0 ويبذل بطل الرواية محاولات عدة لتحرير هؤلاء المرضى عن طريق خرق قوانين المصحة ، وبالفعل يقودهم إلى الحرية ، لكنه يكتشف في النهاية أنهم كانوا متقوقعون ومحبوسون بإرادتهم ، ويخاف الجميع من العالم الخارجي ، فيعودون طواعية إلى المصحة مفضلين السجن على الحرية ، بسبب الأمان الذي تقدمه المصحة لهم  النهاية ، ص 41  0

أعتقد بأن المثالين اللذين سقناهما لكم في المقدمة كان الأول يمثل شرعية السلطة في العالم المتخلف والنامي ، والثاني  الرواية  يمثل الوضع القهري الذي وضعت السلطة هذه الشعوب فيه . 0

ولكن لكل بداية نهاية ، حتى هذا الكون سوف تكون له نهاية تؤدي إلى فناء جميع الكائنات الحية من وجه البسيطة 0 فنحن كمسلمين نؤمن إيماناً مطلقاً بأنه ستكون هناك ساعة الصفر لهذا الكون تؤدي إلى فناء جميع أغلفته الحيوي والمائي والصخري والجوي 0 أما أصحاب العقائد الأخرى ونضيف لهم العلمانيين والملحدين يؤمنون بأن هناك ساعة الصفر لهذا الكون ، وهي ستكون أما عن طريق  1 تغير محور الأرض فيختل النظام المغناطيسي في الأرض ، وذلك سينعكس سلباً على جميع الأنظمة الأيكولوجية وتكون النتيجة نهاية هذا الكون 2 أن ترتطم إحدى الكويكبات السابحة في الفضاء الخارجي بكوكب الأرض مما سيؤدي إلى فناءه أو فناء أجزاء كبرى منه 3 حرب كونية تستخدم فيها الأسلحة الغير تقليدية 00 إلخ 0

وإذا كنا نؤمن بأن هذا الكوكب كله مصيره إلى الفناء ، فسوف نسوق لكم مثال بسيط قاله لنا أحد الأشخاص الذين نكن لهم الكثير من الاحترام وهو رواية العربة والقضبان   إن قلة من الأشخاص المسيطرين على كل ثروات الأمة يركبون عربة التنمية التي طريقها سالكاً على القضبان الحديدية ، أما الشعوب فيركبون العربة التي اقتلعت من قضبانها الحديدية ، ووضعت على قارعة الطريق 0 وينظر الشعوب بحسرة إلى القلة الممتصون لكل ثرواتهم ، وهم يتضررون جوعاً  0

ولكن نبشركم لكل بداية نهاية أيضاً والأمثلة كثيرة وسوف نسوقها لكم الآن
أولاً  التسليم الغير سلمي للسلطة  لتحقيق الجمهورية الفرنسية الأولى عام 1792م ، قدمت فرنسا أجيالاً على آثارها الأجيال ، لتحقيق الحرية الفرنسية القائمة على  الحرية والمساواة والآخاء  الثورة ، ص 913  0

ثانياً  النظام الشمولي للفرانكوية  استطاع هذا النظام تحقيق التنمية ، ولكنها تنمية الجماد دون الإنسان ما بين على مدى 1965 – 1974م كان معدل نمو الناتج المحلي الأسباني 7% سنوياً ، وهذا المعدل يعتبر فلكياً ، لكن التنمية كانت تسير على القضبان ، والشعب يقبع في العربة الموجودة خارج القضبان ، وعندما توفى فرانكو عام 1975م ، كان لابد للفرانكو التسليم للسلطة ، وكان قسماً لا يستهان به من نظامه الحاكم مهيأ لقبول شرعية عدد من القوانين التي حلت بطريقة سلمية كل مؤسسات فرانكو الهامة ، وسمحت بانتخاب المجلس التأسيسي الذي كلف بوضع دستور ديمقراطي كامل  نهاية ، ص 30 ، 36 ، 129  0

ثالثاً  النظام الشمولي السوفيتي  فمعدل نمو الناتج المحلي في الاتحاد السوفيتي في الفترة ما بين 1928م – 1955م ، كان 6% سنوياً ، وذلك أفضل من معدل النمو في الولايات المتحدة الأمريكية في نفس الفترة ، وهو ما أكسب تهديد خروتشيف الشهير بالقضاء على الولايات المتحدة الأمريكية مصداقية إلى حدٍ ما 0

ولكن مركزية السلطة ، ووجود فئة محددة متنفذة في اتخاذ القرار ، ومسيطرة سيطرة شبه مطلقة على الثروة ، جعلت الشعب السوفيتي على قارعة الطريق ويدور في حلقة مفرغة 0 وبالتالي هذه التنمية لا تعني له شيئاً ، وهذا أدى إلى قتل العطاء والإبداع البشري 0 والنتيجة في منتصف السبعينيات بدأت نقطة التلاشي للسوفيت ، فالناتج المحلي وصل إلى 2% سنوياً ، وفي منتصف الثمانينيات وصل إلى صفر وأحياناً 1% 0

وفي نهاية الثمانينيات بدأ يتحرك فريق ممن قضوا حياتهم في قلب جهاز الحزب الشيوعي ، ومنهم جورباتشوف ويلتسين وشيفرنازده ، بثورة إصلاحية ، سميت بالبروسترويكا ، ولكنها كانت ذات قيود . 0 ولكن الشعوب السوفيتية عندما رأت بصيص النور من خلال النفق المظلم ، بدأت تشكل نفسها من خلال الأحزاب السياسية، والجمعيات الجديدة ، والاتحادات العمالية ، وإصدار الصحف الجديدة ، والأندية والتجمعات الأدبية ، والكنائس والجماعات القومية 00 إلخ  نهاية ، ص 45 ، 48  0

وفي النهاية أدى ذلك إلى إنهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك جمهورياته ، ومازال إلى الآن في مرحلة صناعة المؤسسات الديمقراطية 0 ولكن الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها ، وفساد السلطة ، واستراتيجية الاحتواء الجديدة التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية للاتحاد الروسي ، ستجعل روسيا تتخبط لفترة طويلة في برامجها التنموية ، وربما تنتهي العملية بحرب كونية إذا لم تعالج الأزمات الروسية . 0

رابعاً  إصلاح المؤسسة الصينية  الحزب المركزي الشيوعي قام باستثمارات وإصلاحات اقتصادية ضخمة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، ونتج عن ذلك أن أصبح الناتج المحلي الصيني يتراوح ما بين 8% إلى 9% سنوياً منذ منتصف التسعينيات ، والتوقعات تقول إذا استمر الصينيون بنفس هذا المعدل إلى عام 2015م فسيصبح الناتج المحلي الصيني يعادل أو يفوق الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية 0

وفي عام 2001م انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية ، واستفاد الصينيون من ذلك كثيراً بحيث استطاعوا خلال فترة زمنية قصيرة أن يصبحوا إحدى أهم عشر دول مصدرة للسلع في العالم ، ولكن في النهاية أدرك الصينيون بأن كل عملهم سيذهب هباءً منثورا ، إذا بقي القلة مسيطرون على عجلة التنمية ، وتهميش وقهر الإنسان الصيني 0

والنتيجة كما رأها الجميع في نوفمبر 2002م عندما انسحب ديناصورات السلطة الصينية فاتحين الطريق إلى الإصلاحيين الجدد 0 حيث انسحب من الحزب الشيوعي الصيني جيل بمن فيهم جيانغ زيمين الرئيس الصيني ، ورئيس البرلمان لي بينغ ورئيس الوزراء رونجي ، وثلاثة أعضاء آخرين من القيادة ، وكذلك دخل 180 عضواً جديداً للجنة المركزية للحزب ، وذلك يمثل أكثر من 50% من أعضاء الحزب 0 ولكن هناك تغييرات عقائدية في الحزب كانت تعتبر من المحرمات بالنسبة للحزب الشيوعي ، وذلك من خلال تعديل ميثاق الحزب الشيوعي بشكل يسمح بدخول الرأسماليين إلى صفوفه ، وذلك أدى إلى استبدال الحزب الشيوعي الصيني بطليعة الطبقة الفاصلة ، بعبارة جديدة الحزب الشيوعي هو طليعة الطبقة العاملة الصينية والشعب الصيني والأمة الصينية الراية ، العدد 7496  0

وسوف يلي هذه الإصلاحات بالتدريج التعددية الحزبية والجمعيات الجديدة والنقابات 00 إلخ 0

لكن السؤال الذي يطرح نفسه  الشمال أصلح أو بدأ بإصلاح مؤسساته السياسية، والشرق الأقصى ، وجنوب شرق آسيا كذلك ، ولم يبق في العالم إلا العالم العربي والإسلامي ، والشعوب الموجودة في الأدغال الأفريقية ، أو في جبال أمريكا اللاتينية . 0 والسؤال هو متى وأين ومن سوف يقوم بإصلاح مؤسساتنا السياسية ؟ .0

وفي الختام العالم العربي والإسلامي والنامي يوجد به 90% من سكان العالم ، ومنهم ما يقارب 5ر1 مليار جائع ، ومعظم دولهم ما بين أبوية وشمولية ، ولا نستطيع أن ننكر وجود برامج للتنمية في العالم النامي ، ولكن يعيبها

1- التنمية ، تنمية الجماد وليس تنمية الإنسان ، والنتيجة مثل ما حدث في أسبانيا الفرانكوية ، أو السوفيت الشيوعي ، وأحياناً أكثر ريدكالية مثل الجمهورية الفرنسية الأولى . 0
2- بروز مافيا رأسمالية ، بحيث نجد السياسيين المتنفذين ، هم أنفسهم المستثمرين الرئيسيين في المشاريع التي يمثلون فيها مصلحة الأمة من ناحية سياسية وذلك يتم بطريقة مباشرة أو بأسماء مستعارة وذلك يعتبر قمة الفساد السياسي في العالم النامي . 0
3- معظم إن لم يكن جميع المشاريع الصناعية والخدمية ، تنتج سلع إستهلاكية ، وليست سلع إنتاجية وذلك مما يرسخ التبعية للخارج . 0

الحل هو مشاركة الإنسان في عملية التنمية بطريقة سلمية وذلك من خلال إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، شريطة أن لا يكون ذلك مجرد شعارات استهلاكية على المنابر .. 0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،

ستبقى مدمناً على نفطنا يا سيد بوش

بسم الله الرحمن الرحيم

4/2/2006

يقول السيد جورج بوش في خطاب حال الاتحاد في عام 2006م :

( أمامنا مشكلة خطرة ، فالولايات المتحدة تعاني من تبعية كبيرة في مجال النفط ، الذي غالباً ما يأتينا من مناطق غير مستقرة في العالم . وأضاف السيد بوش أن الولايات المتحدة تهدف بحلول عام 2025م إلى خفض وارداتها النفطية من الشرق الأوسط بنسبة 75% من خلال تطوير مصادر طاقة بديلة والطاقة النووية ) .

وتعليقنا هنا ، ما يقوله الرئيس بوش يعتبر ضرباً من المستحيل ، حيث تمثل واردات النفط الأمريكي من الخليج العربي 20% من إجمالي وارداتها ، فيما تمثل وارداتها من دول أوبك حوالي 45% من إجمالي وارداتها !  ، وسيمثل الغاز الطبيعي الشرق أوسطي في عام 2010م ما يقارب 25% من الغاز الطبيعي المستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية!!.

والأغرب من ذلك ، بأن الاحتياطيات الأمريكية من الهايدروكاربون تتلاشى ، والواردات الأمريكية تتزايد طردياً . إذاً ما هي النظرية التي بنى عليها الرئيس بوش نظرية تخفيض واردات النفط الشرق أوسطي بنسبة تصل إلى 75% عام 2025م ! .

أما رأينا في استحالة نجاح نظرية بوش في تقليص اعتماده على نفط الشرق الأوسط هو من خلال ملخص دراستنا التالية ( منشورة بالكامل في موقعنا الإلكتروني  ) .

الفرضية الأولى : الموارد الطبيعية الاستراتيجية ، نجد بأن أهم مورد طبيعي في العالم يوجد في العالم الإسلامي ( الشرق الأوسط الكبير)، وذلك يشكل طاقة ومادة أولية ممثلاً بالهايدروكاربون ( النفط والغاز الطبيعي ) ، فاحتياطيات النفط في العالم الإسلامي تصل إلى 72% من الاحتياطي العالمي ، والنفط يعتبر أهم مصدر للطاقة في العالم ، ويشكل 40% من الطاقة المستخدمة عالمياً . واحتياطي الغاز الطبيعي في العالم الإسلامي 49.7% من الاحتياطي العالمي ، ويشكل الغاز الطبيعي 21% من الطاقة المستخدمة عالمياً . العنصر المهم في هذه الفرضية هو أن دول العالم الإسلامي لها سيطرة كبيرة على 61% من مصادر الطاقة المستخدمة في العالم ، والطلب العالمي على هذين المصدرين للطاقة في تزايد مستمر ، فزيادة الطلب السنوي على النفط تصل إلى 1.8%  ، وعلى الغاز الطبيعي تصل إلى 3.3% ، علماً بأن نمو الطلب على الطاقة في العالم 2.1% سنوياً .

فالدول الصناعية وضعت مجموعة تكتيكات لكي تصل إلى استراتيجية في المستقبل المنظور ، وهذه التكتيكات هو عندما قال كيسنجر عام 1979م ” لا تفاوض مع منتجي البترول ، إلا بعد أن نرتب بيتنا من الداخل ” ، وحدث بالفعل وأنشأوا وكالة الطاقة الدولية في باريس . وكان للوكالة الدولية تصورين رئيسيين هما : (أ) قصير المدى ، وهو نظام يسمى المخزون الاستراتيجي (ب) طويل المدى ، وهو البحث عن الهايدروكاربون خارج منطقة الشرق الأوسط ، والبحث عن مصادر أخرى كبدائل للطاقة .

وبالفعل حدث انهيار لأسعار النفط في عام 1985م ، وأصبح قيمة برميل النفط ، أرخص من قيمة برميل التراب لو أردنا استيراده من أوربا الغربية . ونجد أن سعر برميل النفط في بعض الفترات من منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، وصل إلى 6 دولار للبرميل ، أي فقد ما يقارب من 82% من سعره قبل خمس سنوات (1981م ) . واستمر النفط يعاني منها حتى عام 2002م ، حيث وصل سعر برميل النفط في أواخر 2001م إلى 20 دولار . وإذا أخذنا في الحسبان معدل التضخم السنوي في العالم ما بين 3% إلى 2.5% ، فسنجد بأن سعر البرميل في عام 2001م يعادل أو أقل في القوة الشرائية من سعر البرميل عام 1973م ، الذي كان يساوي 3 دولار ( بالنسبة لدولارات عام 1973م ) ! .

أما الخطة طويلة المدى التي ابتكرها الغرب كانت :

1-     البحث عن النفط في مناطق أخرى غير الشرق الأوسط ، ومنها المناطق القطبية وبحر الشمال وأفريقيا ووسط آسيا ، ولكن النتائج غير مشجعة لوكالة الطاقة الدولية بحيث بقيت منطقة الشرق الأوسط القطب الرئيسي للطاقة ، وتمتلك 68% من احتياطيات النفط ، وأما ما تبقى من احتياطيات النفط فتتوزع كالتالي : أمريكا الوسطي والجنوبية 9% ، وأمريكا الشمالية 8% ، وأفريقيا 7% ، وروسيا الاتحادية 5% ، وبحر الشمال 2% ، والجمهوريات المطلة على بحر قزوين 2% . وفي النهاية الصورة واضحة لدينا ، فالسيادة لاحتياطيات النفط بقيت لدول الشرق الأوسط ، والأهم من ذلك فإن تكلفة إنتاج برميل الشرق الأوسط من 2 إلى 1 دولار ، ويقابله تكلفة إنتاج أرخص برميل في معظم النفط المذكور يقفز إلى 5 دولار .

2-     الغاز الطبيعي ، حاول الغرب من خلال سياسة التوازن الجغرافي لإنتاج الهايدروكاربون ، ومن خلال استراتيجية الإحلال بالتوسع في صناعة الغاز الطبيعي . ولكن الغاز الطبيعي إلى الآن لم تتطور التكنولوجيا لتجعله بديلاً كلياً للنفط ، وكذلك تكلفته عالية ، مثلاً (سعر تسليم الغاز ميناء الوصول 3.50 دولار لكل مليون وحدة حرارية Btu ، إذاً ربحية تصدير الغاز بما فيها ثمن المادة الخام سوف لا تتجاوز 0.36 دولار لكل Btu ، إذ تقدر التكلفة بنحو 3.14 دولار . وبتحويل هذه الأرقام إلى ما يناظرها من نفط ، تبلغ ربحية الغاز نحو 1.80 دولار لما يعادل برميلاً من النفط الذي يحقق ربحية قدرها 18 دولاراً . وكذلك رغم كل سيناريوهات الإحلال ، والمحاولات المستميتة لتهميش دور الشرق الأوسط في احتياطيات الغاز الطبيعي، إلا أن أكبر مخزون استراتيجي لاحتياطيات الغاز بقي في العالم الإسلامي والشرق الأوسط وهو كالتالي : الشرق الأوسط والعالم الإسلامي 49.7% ، وروسيا الاتحادية 32.9% ، وأمريكا الشمالية 5.6% وأمريكا اللاتينية 4.3% ، وبقيت آسيا الغير إسلامية 3.9% ، وأوربا 3.6% .

3-     التوسع في الفحم الحجري ، وهو يواجه الكثير من المشاكل البيئية في الدول الصناعية ، ويعتبر من أقذر أنواع الوقود الحفري تلويثا للبيئة.

4-             التوسع في توليد الطاقة من المفاعلات النووية .

5-             الطاقة المائية المتجددة .

6-             الطاقة المولدة بواسطة الرياح ، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية .

ولكن نجد مع كل المحاولات المضنية لإيجاد بدائل الطاقة ، بقيت السيادة للطاقة الهايدروكاربونية والوقود الحفري بحيث يمثل النفط 40% من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ، ونمو الطلب عليه 1.8% سنوياً ، والغاز الطبيعي 21% من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ، ونمو الطلب عليه 3.3% سنوياً ، وحجم استخدام الفحم الحجري 21% ، ونمو الطلب عليه 1.7% سنوياً ، والطاقة النووية 6% من حجم الطاقة المستخدمة عالمياً ، ونمو الطلب عليها 0.4% ، أما حجم استخدام الطاقة المائية المتجددة فهو 7.5% والنمو السنوي 2.5% .

والأمر الخطير بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها بأن تكاليف الوقود الغير حفري مازالت باهظة جداً ، ولم تتوصل الدول الصناعية لاستخدامها بشكل فعال ومرن ، وذلك مثل : الطاقة الشمسية ، والطاقة المولدة بالرياح، والهيدروجين ، والمساقط المائية ، والطاقة النووية ومخاطرها الإشعاعية أيضاً .

إذاً سيبقى العالم ولفترات طويلة من الزمن ، مصدره الرئيسي للطاقة هو الوقود الحفري ، حيث يشكل الآن 85% من الطاقة المستخدمة عالمياً . وخلاصة القول رغم المحاولات المهلكة لوكالة الطاقة الدولية ، ودعمها لمنتجين جدد من خارج أوبك . والدور الأمريكي بالتلاعب بالتوازن الاستراتيجي الأمني بالنسبة لدول الأوبك ، ولا نستطيع أن ننكر بأن أمريكا استطاعت اختراق هذا التحالف . ويجب أن نعترف بأنه على المدى القصير استطاعت الولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية من تقليص دور الأوبك، بحيث كانت الأوبك قبل الحظر النفطي الذي طبقته الدول العربية على حلفاء إسرائيل تسيطر على 85% من صادرات السوق الدولية من النفط ، وفي منتصف الثمانينيات كانت حصة أوبك 60% ، وفي الألفين أقل من 40% .

ولكن ذلك لا يعني أطلاقاً تقلص أهمية الأوبك ، لأن الاحتياطيات الضخمة موجودة في أوبك بحيث تصل الآن إلى 68% تقريباً من الاحتياطي العالمي للنفط ، ونمو الطلب العالمي على النفط 1.8% سنوياً ، أي أن الصادرات النفطية 75 مليون برميل يومياً (2002) ، ويتوقع أن تصل إلى 115 مليون برميل يومياً عام 2020م . وفوق ذلك كله النفط بشكل عام ، ونفط الخليج بشكل خاص ، يعتبر أرخص مصادر الطاقة عالمياً ، حيث أن أقصى ما تتقاضاه الدول المصدرة للنفط هو 20% من القيمة الفعلية للنفط بعد وصوله عند المستهلك النهائي في الدول المستوردة. وأيضاً يمتاز النفط بأنه مادة أولية لمعظم الصناعات ، ويشاركه في ذلك مصادر الوقود الحفري الأخرى .

وإذا كان العالم الصناعي في يوم من الأيام يبحث عن طاقة جديدة أو مصادر بديلة للطاقة الهايدروكاربونية ، مخافة من ارتفاع نفط الشرق الأوسط مما سوف يؤدي إلى انهيار نظامهم الاقتصادي . إلا أنهم الآن يسعون حثيثاً لإيجاد مصادر أخرى للطاقة لتحل محل النفط قبل نضوبه ، فمثلاً الجيولوجي ديفييز ، ومن خلال تطبيق المنحنى الجرسي على التوسع في الاكتشافات النفطية ، ومن صفات المنحني الجرسي أنه في نهاية المطاف يبلغ الذروة ثم سرعان ما يبدأ الانحدار ، وعندما طبق ديفييز هذه النظرية الإحصائية عام 1989م على امدادات النفط العالمية ، ( صعق لرؤيته أن نقطة الذروة لم تعد على بعد عدة عقود كما كان يعتقد ، بل مجرد سنوات قليلة – في فترة ما بين عامي 2004 و 2008 ) .

ويأتينا السيد بوش الآن ويقول أن استراتيجيته أن تستغني الولايات المتحدة عن النفط الشرق الأوسطي بنسبة تصل إلى 75% في عام 2020م علماً بأن ما يحتاجه العالم من النفط في عام 2020م سيقفز من 85 مليون برميل يومياً الآن إلى 115 مليون برميل يومياً ، أي بزيادة تصل إلى 35% على ما هي عليه الآن . ونقول للسيد بوش نظم مؤتمراً في واشنطن وأنفق عليه بكرم على مفكري العالم في الطاقة سواء من يمثل العالم الاستهلاكي، أو العالم المنتج للهايدروكاربون ، وسنثبت لك بالإحصائيات الدقيقة بأن حلمك مستحيل .

والله اللقاء إن شاء الله