أدركتها مصر ! ودفع الثمن العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

6/9/2005

 ولكل قوة مجال حيوي محدد يقوم على مجموعة معايير وهي :

أولاً : من الناحية الاستراتيجية :

أية قوة عالمية في حالة الأحادية ، أو قوتين عالميتين في حالة الثنائية العالمية ، أو مجموعة قوى عالمية في حالة التعددية ، ترتكز أو ترتكزان أو يرتكزون على مجموعة عناصر جيواستراتيجية ، ومنها المجالات الحيوية للامتداد المكاني ، ولكل قوة مجال حيوي محدد يقوم على مجموعة معايير وهي :

أ  –        ممثل إقليمي تابع للقوة أو القوى الكبرى 0

ب –       توابع إقليمية ، للممثل الإقليمي للقوى الكبرى 0

ج  –       قوة منافسة أو ضاغطة على الممثل الإقليمي للقوى الكبرى 0

د   –       توازنات إقليمية 0

            وأي إخلال في هذه التوازنات الإقليمية أعلاه ، يجعل القوة العالمية التي تشرف على الإقليم تتعرض لمجموعة من التهديدات ومنها : (أ) احتمال خسارة مصالحها في الإقليم ، (ب) احتمال دخول قوى عالمية أخرى جديدة تغير الأمر الواقع في الإقليم ، (ج) احتمال نشوء قوة استقطاب كبرى تهدد القوة العالمية المسيطرة على الإقليم سابقاً قبل تغيير الأمر الواقع فيه ! 0

            وأقوى مثال على ذلك هو بعد نشوء الدولة العربية الإسلامية وانطلاقها من المدينة المنورة ، قامت باستقطاب جميع الهوامش مثل العراق ، والشام , واليمن ، وهذا الاستقطاب أدى إلى ضم القوى العالمية آنذاك : الإمبراطورية الرومانية ، والفارسية ، والحبشية !! 0

ثانياً : استدراج مصر لتغيير الواقع الإقليمي :

بعد الانتصار العربي الصريح في حرب أكتوبر 1973م بقيادة مصر، كان ذلك الانتصار يمثل ضربة معنوية كبرى لإسرائيل ، وكان لابد لإسرائيل وبمعاونة حليفتها الولايات المتحدة ، من البحث عن سيناريو لشق الصف العربي ، وكان لكي يصبح هذا الحل أمراً واقعاً لابد من التركيز على مصر ، وطبعاً مصر تمثل أهم مركز استقطاب آنذاك للعرب ! فعزل مصر وتفكيكها سيؤدي إلى تفتيت كل المجهود العربي في الإقليم ، وسيسهل ترسيخ الأسطورة الصهيونية في المنطقة العربية كأمر واقع !! 0

وهنا نأتي إلى عروض الاستدراج الإسرائيلية المدهشة لمصر ومنها: ففي 7/4/1974م عرض العقيد الإسرائيلي زيون على مفاوضيه المصريين التالي : ” أننا لا نفهم إصرار مصر على الاتجاه شرقاً والاهتمام بقضية فلسطين ، فهي في هذا الاتجاه تكلفت ثروات وخسرت حروباً ، في حين أنها لو أخذت اتجاهاً آخر لكان في مقدورها أن تكسب ثروات وأن تربح حروباً ” 0 وبعد هذه المقدمة قدم العقيد الإسرائيلي عرضاً مغرياً للمصريين ( لماذا لا تأخذوا ليبيا في الغرب بدلاً من تضييع وقتكم بسبب فلسطين في الشرق ؟ ) ، وعرض العقيد الإسرائيلي على المصريين (خذوا ليبيا ولو أدى الأمر لاستخدام القوة ، ونحن لن نعترض من جانبنا على أي عمل تقومون به ، ولن نستغل انشغالكم حتى إذا دخلتم في معركة عسكرية لاحتلال ليبيا ) ! 0

وتعليقنا الاستراتيجي طبعاً لو وقع المصريون في المصيدة الإسرائيلية لحدث لهم مثل ما يحدث للعراق الآن 0 لذا لم يجد الصهاينة منفذاً لهم لإخراج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي خلال السبعينيات من القرن الماضي إلا من خلال تضحيات يقدمها الإسرائيليون لمصر ، وكانت هذه بطاقة تفكيك المجهود العربي الثانية هو السلام الإسرائيلي المنفرد مع مصر والذي أدى إلى تجميد هامش كبير من التعاون العربي المصري لفترة زمنية تقارب 1977 – 1991م ولكن البطاقة الثانية لها مميزاتها أكثر من سلبياتها على مصر 0 ومن هذه المميزات على مصر من الناحية الاستراتيجية استطاعت مصر استعادة مساحة كبيرة من الأراضي المحتلة وإن كانت منقوصة السيادة نسبياً ، واستطاعت مصر أن تحافظ على تماسكها القطري من دون أي تهديد بالتفكيك ، وبعد الفترة الزمنية المذكورة أعلاه ، استطاعت مصر استعادت هامش كبير من علاقتها العربية السابقة ! ، وإن كانت تغيرت المعادلات كثيراً بسبب حدوث تغيير كبير في بعض التكتيكات العالمية لشكل الإقليم !! 0

ثالثاً : استدراج العراق لتغيير الأمر الواقع :

            الاستدراج الأول كان في حرب ضروس ما بين الشقيقتين العراق وإيران استمرت ما بين 1980 – 1988م ، وبعد نهاية هذه الحرب التي من الناحيةالواقعيه الجميع كان خاسراً فيها سواءً كان الخصمين المباشرين العراق وإيران ، أو الخصوم الغير مباشرين دول الخليج العربي ، وجميع دول العالم الإسلامي !! 0 ولكن نظرياً يعتبر العراق منتصراً بسبب تراكم القوة العسكرية لديه التي استطاع أن يحصل عليها من خلال دعم قوات إقليمية محلية وعالمية له ، لكي يحسم الحرب ، ولكن كارثة العراق استطاع أن يخطط للحرب ، ولكنه لم يستطع أن يخطط للحرب الأكبر وهي استراتيجية صناعة السلام !! 0

            فبعد نهاية حرب الخليج الأولي بسنتين قام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بوضع قوة هجومية تزيد على مائة ألف مقاتل على حدود دولة صغيرة مقارنةً مع العراق ! 0 ووجود هذه القوة على حدود دولة مجاورة ومن دون إشعارها بسبب مقنع لتحريك هذه القوة ، ووفق القانون الدولي العام ، هناك أكثر من رأي للفقهاء ، منهم من يقول التهديد بإعلان حرب ، ومنهم ما يعتبره إعلان حرب 0 ويرى الفقهاء بأنه لابد للدولة المجاورة المهددة من إعلان حالة الطوارئ القصوى ، واستخدام جميع الطرق السلمية لتحاشي الخطر المهدد لها !! 0

            وكان يفترض من أدنى واجبات الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك هو أولاً : استعراض قوة الأسطول الخامس الموجود أصلاً في مياه الخليج ، وثانياً : توجيه رسالة شديدة اللهجة للرئيس العراقي السابق 0

 وثالثاً : الطلب من مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة بسبب الكارثة التي تهدد الأمة والسلام العالمي ، ولكن ما فعلته القيادة الأمريكية آنذاك عكس ذلك كله وهو: ذهبت السفيرة الأمريكية في بغداد في أوج الأزمة وقالت لصدام حسين ” أن ما يحدث فيما بينكم وبين الكويت ، هو شأن عربي عربي خالص ، ولا دخل للولايات المتحدة في ذلك ” 0

            حاولوا أن تتذكروا أعلاه المصريين استوعبوا لعبة الاستدراج في عام 1974م ، ولكن العراقيين بلعوا الطعم عام 1990م ! 0 وتداعيات استدراج العراق ، وما حدث لها ومازال يحدث لجميع دول العالم الإسلامي مازال ماثلاً أمام جميع سكان كوكب الأرض ! 0

هل استوعبنا الدرس فعلاً ؟ 0 ( راجع موقعنا للمزيد ) 0

                        وإلى اللقاء دائماً إن شاء الله

2004م عام تنازلات النظم الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

24/6/2004

في مقولة مشهورة لمهاتير محمد ، رئيس الحكومة الماليزية السابق وهي : بأن الأوربيين قتلوا آلاف اليهود ، وبعد ذلك شعروا بعقدة الذنب ، وذلك أعطى من بقي من اليهود سيادة العالم  0

هذا التصريح الشهير كان له رد فعل عالمي ، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا ، بحيث قوبل هذا التصريح بالشجب والتنديد من جميع دول العالم بما فيهم النظم الإسلامية  0

ولكن القضية التي تهمنا في هذا الموضوع هو عدم قدوم أنظمتنا الإسلامية على القيام ببعض المحاولات لاستغلال الفكرة التي نطالب بها نحن المثقفين العرب أصلاً ، وهي تعديل المناهج لكي تتواكب مع روح العصر من الناحية التقنية والفنية والاستراتيجية ، وفي الوقت نفسه مطالبنا تتركز على عدم المساس بروح العقيدة وذلك يتمثل في كتاب اللّه سبحانه وتعالى وسنة الرسول ص سواءً كانت قولاً أو فعلاً أو إقراراً ، واجماع الصحابة ، ويبقى الباب مفتوحاً عندنا للاجتهاد الذي يتواكب مع متطلبات العصر دون المساس بأصول العقيدة  0

ولكن لدينا بعض المخاوف بأن تستغل بعض الأنظمة العربية فرصة تطوير المناهج، وتستخدم المصطلح كحصان طرواده لحذف بعض الآيات القرآنية الكريمة ، وبعض الأحاديث الصحيحة من المناهج الدينية في المدارس ، وهناك دول إسلامية طبقت ذلك فعلياً ، وبعضها في طريقها إلى التطبيق ، وإلى حذف وبشكل كلي أية مادة تدرس العلوم الإسلامية ، على أن يبقى الدين الإسلامي فقط يدرس لتدريب أئمة المساجد في الهيئات الوقفية التي هي أصلاً تحت الإشراف الكلي للحكومات الإسلامية ، على أن يبقى هؤلاء الائمة الجدد مقيدين ببعض الآيات والأحاديث السلمية دون توضيح الأمر للمسلمين متى السلام ؟ 00 ومتى الهندنة ؟ 00 ومتى اعلان الحرب ؟ 00 وما هو مفهوم الجهاد عند المسلمين ؟  0

ولكننا نعتقد بأن هذا الدين السماوي الذي ختم اللّه سبحانه وتعالى به دعوة التوحيد لكوكب الأرض لا يقبل القسمة على اثنين أو غيرهما فإما أن تأخذه كاملاً أو تتركه كاملاً ، وبحكمة من اللّه سبحانه وتعالى بأن النصر لا يأتي لهذا الدين ، إلا بعد أن تتخاذل الأنظمة التي تقوده إلى أن تصل أعمالها إلى الحضيض ، وهو ما يحدث للمسلمين الآن عالمياً بحيث يعتبر العالم الإسلامي تنظيمياً في القاع ، مقارنة مع باقي الأمم  0 وفي هذه المرحلة إن شاء اللّه سوف تأتي صحوة إسلامية لكي تعيد الدين الإسلامي والنظام الإسلامي إلى قمة القيادة العالمية ، وهو المركز الوحيد الذي يستحقه هذا الدين ، والشعوب الإسلامية  0

البعض ربما لا يستوعب ضغوط المحافظين الجدد على الدول الإسلامية لتقديم تنازلات دينية إسلامية ، لكي يستسلم أبناء العالم الإسلامي للنظرية الصهيونية في الشرق الأوسط  0 لأن هذه التنازلات سبق وأن طلبت من المسيحيين وخاصةً الكاثوليك، ومن هذه التنازلات كما ذكرت ( الأهرام العربي في عددها (345) :

أ  – أصدر البابا في زيارته إلى القدس في شهر مارس 2000م وثيقة الاعتراف بالذنب والتي طلب فيها الصفح من اليهود ، لمواقف الفاتيكان من وحشية معسكرات الاعتقال النازي أثناء الحرب العالمية الثانية ، والتي علقها على حائط المبكى  0
ب – دعوة البابا يوحنا الثالث والعشرين إلى اصدار وثيقة خاصة ، برأ فيها اليهود من مسؤولية صلب المسيح وذلك من خلال المجمع المسكون الثاني من 1962م – إلى نوفمبر 1965م ، حيث صدرت وثيقة التبرئة من الفاتيكان واعلنها البابا بولس السادس ، وبعدها بنحو 4 أعوام 0
ج – أصدر رئيس أساقفة بالتيمور في نيويورك ، الكردينال لورانس شيرحان ، الوثيقة التي أقرها الفاتيكان والتي تنص على الاعتراف الديني بدولة إسرائيل ، والدعوة إلى احترام ارتباط اليهود بأرض الميعاد  0
د  – في أبريل عام 1997م ، اعلن البابا أنه بانتمائه إلى المسيح ، فإنه يعد من أحفاد إبراهيم ، وهو بذلك من شعب إسرائيل ، ولهذا على المسيحيين تفهم أن ينتمي إلى إسرائيل وعليهم عدم قبول تعرضهم للاضطهاد 0

وفي هذه المرحلة الحرجة من التاريخ الإسلامي توجد قائمة عريضة قدمتها الإدارة الأمريكية للأنظمة الإسلامية ، لكي تقدم تنازلات دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، واستراتيجية ، لما يسمى بالنظام العالمي الجديد ، وعلى سبيل المثال لا الحصر أولاً : ما ذكر في تقرير للأهرام العربي العدد 345 ( مطالب السفير الأمريكي ولش في مصر ) :

أ  – طالب ولش دار الافتاء بأن تحرم العمليات الاستشهادية  0

ب – طالب بالحفاظ على الآثار اليهودية في مصر ، واحتج على بناء مسجداً على آثار لليهود  0
ج – طالب ولش من محافظ الجيزة عدم تنفيذ قرار المجلس المحلي بتغيير اسم الشارع الذي تقع فيه السفارة الإسرائيلية إلى شارع الشهيد محمد الدره  0
د – ويقول ولش أن الصحفيين المصريين لا يتمتعون بفضيلة الدقة في كتاباتهم ، وتعوزهم الحرفية ويصطنعون الأخبار من أجل الاثارة  0

ثانياً : ليبيا : دفعت ليبيا 270 بليون دولار كتعويضات عن ضحايا لوكيربي ، وكذلك 170 بليون دولار كتعويضات عن ضحايا الطائرة الفرنسية ، وتنازلت عن جميع برامجها التسليحية التي كلفتها على مدار 35 عاماً أكثر من 500 بليون دولار ، وطبعاً رفع الحصار ، وبقاء النظام كما هو عليه لابد أن يقدم التنازلات الاستراتيجية المذكورة أعلاه 0

ثالثاً : أسد سوريا : عليه الموافقة على التالي :

1- تدمير جميع برامجه التسليحية التي استهلكت أكثر من 50% من الناتج المحلي السوري على مدى أربعين عاماً  0
2- عدم دعم المنظمات الجهادية 0
3- مراقبة العبور من الأراضي السورية إلى العراقية لدعم عمليات المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي 0
4- الموافقة على عملية السلام كما تملى على سوريا  0

رابعاً : مشرف باكستان : التنازل عن برامج التسليح الغير تقليدي ، وقبول أية حل لقضية كشمير ، وعقد صفقة سلام مع إسرائيل ، وتحجيم الحركات الإسلامية ، ومن ثم القضاء عليها  0

خامساً : إيران : المطلوب اغلاق ملف الطاقة النووية سواءً للاستخدام السلمي أو العسكري ، وعدم إنتاج أية أسلحة غير تقليدية ، والتفريق ما بين الدين والسياسة ، أي إنشاء نظام علماني إيراني بحيث يكون الدين يمارس في المساجد وتحت شروط محددة ، أما السياسة فتخضع للقانون الوضعي الأمريكي المتغير حسب مصالحها  0

سادساً : السودان : التعجيل بعملية السلام لتقسيم السودان إلى دولة فيدرالية إحداهما في الشمال إسلامية ، والأخرى في الجنوب مسيحية ، وإذا تعذر الأمر تتحول إلى دولة كونفيدرالية ، أو دولتين مستقلتين  0

في الخاتمة : الذي نريد أن نعرفه من بعض زعماء العالم العربي والإسلامي ، ما هو السيناريو الذي يعدونه ليخرجونا من هذه الهزيمة الساحقة ؟  فهم تنازلوا عن كل شيء ، إلا الديمقراطية الحقيقية التي تساهم بإيجاد المشاركة الشعبية للسواد الأعظم من شعوبنا لم يقدموها لنا ، والأهم من ذلك ورغم كل الشعارات التي قدموها لنا ، ولكن لم يقدموا الشعار الحقيقي الذي نطالب به جميعاً وهو تداول السلطة  0

وإلى اللقاء دائماً إن شاء اللّه ،،،